3- الحديث المزعوم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)
وأما بالنسبة لرواية: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) فجوابنا:
أولا: إن هذه الرواية لم تثبت ولم تصح عن النبي صلى الله عليه وآله وجميع طرقها ضعيفة، فهي مروية عن ابن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان وأبي الدرداء وجدة عبد الله بن أبي هذيل.
أما رواية عبد الله بن مسعود فأخرجها الترمذي 5/672 برقم: 3805 والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين 3/80 برقم: 4456، والطبراني في المعجم الكبير 9/72 برقم: 8426، من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود) انتهى.
وهذا الطريق ضعيف لوجود أكثر من راو ضعيف فيه: ففيه:
(إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى) وقد اتهمه أبو زرعة(1) وقال ابن حجر
____________
(1) الكاشف 1/34 برقم: 116، خلاصة تهذيب تهذيب الكمال 1/40 برقم: 179.
وفيه (إسماعيل بن يحيى بن سلمة) قال فيه الدار قطني: (متروك)(5) وكذلك قال عنه ابن حجر(6)، وقال الذهبي في الكاشف (واه)(7).
وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل قال عنه البخاري: (في أحاديثه مناكير)(8)، وقال أيضاً: (منكر الحديث)(9)، وقال الترمذي: (يضعّف في الحديث)(10)، وقال أبو حاتم: (منكر الحديث ليس بالقوي)(11) وقال العجلي: (ضعيف
____________
(1) تقريب التهذيب 1/47 برقم: 171.
(2) تهذيب الكمال 1/101 برقم: 145.
(3) المصدر السابق.
(4) ميزان الاعتدال 1/20.
(5) جامع الجرح والتعديل 1/80 برقم: 394، خلاصة تهذيب الكمال 1/104 برقم: 555، تهذيب الكمال 1/259 برقم: 562.
(6) تقريب التهذيب 1/86 برقم: 562.
(7) الكاشف 1/82 برقم: 415.
(8) جامع الجرح والتعديل 3/292 برقم:4906، تهذيب الكمال 8/47.
(9) جامع الجرح والتعديل 3/292 برقم: 4906.
(10) تهذيب الكمال 8/247.
(11) المصدر السابق.
وفيه (أبو الزعراء) وهو (عبد الله بن هانىء الكندي) وهو وإن وثقه البعض إلاّ أن البخاري قال عنه: (لا يتابع على حديثه)(9)، وذكره العقيلي في الضعفاء(10)، وقد حكم الذهبي في تلخيص المستدرك على هذه الرواية بهذا السند بقوله: (قلت: سنده واهٍ)(11).
ولها طريق آخر أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط(12) وقال:
(حدثنا محمد بن أحمد بن الرقام، أنبأنا إبراهيم بن سلم بن رشيد
____________
(1) جامع الجرح والتعديل 3/292.
(2) تهذيب الكمال 8/47.
(3) جامع الجرح والتعديل 3/292.
(4) تهذيب الكمال 8/47.
(5) جامع الجرح والتعديل 3/292.
(6) تهذيب الكمال 8/47.
(7) الكاشف 3/244 برقم: 6261.
(8) تقريب التهذيب 2/356 برقم: 8515.
(9) التاريخ الكبير 5/720.
(10) ضعفاء العقيلي 2/314.
(11) تلخيص المستدرك 3/76.
(12) المعجم الأوسط للطبراني 7/168 برقم: 7177.
وهذا الطريق أيضاً ضعيف ففيه: (إبراهيم بن سلم (سالم) بن رشيد الهجيمي) وهو غير معروف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد في حكمه على سند وقع فيه: (وفيه إبراهيم بن سلم (سالم) الهجيمي ولم أعرفه)(1).
وفيه (عمرو بن زياد الباهلي) قال فيه أبو حاتم الرازي: (كان كذاباً أفاكاً يضع الحديث)(2)، وقال الدارقطني: (يضع الحديث)(3)، وقال ابن عدي: (يسرق الحديث ويحدث بالبواطل)(4)، وقال العقيلي في ترجمته: (قال لنا محمد بن يوسف: قدم علينا هذا الشيخ من الري وذكر أنه كان ببغداد وكان يذكر أحمد بن حنبل وأنه يعرفه، وذكر أبا زرعة وأملى علينا أحاديث فأنكرها بعض من كان معنا من أصحابنا فكتبنا إلى أبي زرعة وبعثنا إليه بحديثه، فكتب إلينا أبو زرعة: إن هذه الأحاديث موضوعة، وإن الرجل كذاب)(5)، وفيه: (أبو الرزعراء) وقد مر الكلام حوله.
____________
(1) مجمع الزوائد 10/163.
(2) ميزان الاعتدال 3/260، الكشف الحثيث 1/201، لسان الميزان 4/364، الجرح والتعديل 6/233.
(3) الجامع في الجرح والتعديل 2/288، ميزان الاعتدال 3/261، الكشف الحثيث 1/202.
(4) ميزان الاعتدال 3/261، لسان الميزان 4/364.
(5) الضعفاء الكبير للعقيلي 3/275.
(حدثنا محمد بن عبد الحميد الفرغاني حدثنا صالح بن حكيم البصري، حدثنا أبو رجاء مسلم بن صالح، حدثنا أبو زيد قاضي المدائن حماد بن دليل عن عمر بن نافع فذكر بإسناده نحوه) (حدثنا محمد بن سعيد الحراني، حدثنا جعفر بن محمد بن الصباح، حدثنا مسلم بن صالح البصري فذكر بإسناده نحوه)(1).
وفي جميع هذه الأسانيد (مسلم بن صالح) و (حماد بن دليل) و (عمر بن نافع) و (عمرو بن هرم).
أما (مسلم بن صالح) فلم أجد له ترجمة فيما توفر لدي من مصادر الرجال وأما (حماد بن دليل) فقد ضعفه أبو الفتح الأزدي(2).
وأما (عمر بن نافع) فلا يعرف من هو بالتحديد(3).
____________
(1) الكامل في الضعفاء 2/249.
(2) ميزان الاعتدال 1/590، تهذيب التهذيب 3/8.
(3) الكامل في الضعفاء 5/46.
وأما رواية عبد الله بن عمر، فقد ذكرها العقيلي في الضعفاء عند ترجمته لمحمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم العمري قال: (حدثناه أحمد بن الخليل الخريبي حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي، حدثني محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن إبراهيم بن عمر بن الخطاب، قال: أخبرنا مالك بن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (رض)، ثم قال العقيلي: (حديث منكر لا أصل له من حديث مالك)(2).
ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال عند ترجمته لأحمد بن صليح فقال: (أحمد بن صليح عن ذي النون المصري، عن مالك عن نافع عن ابن عمر بحديث: إقتدوا باللذين من بعدي) ثم قال الذهبي: (وهذا غلط وأحمد لا يعتمد عليه)(3).
وقال الذهبي وابن حجر العسقلاني أثناء ترجمتهما لمحمد بن عبد الله بن عمر العدوي: (محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري، ذكره العقيلي فقال: لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.
____________
(1) ميزان الاعتدال 3/291.
(2) الضعفاء 4/94.
(3) ميزان الاعتدال 1/105.
وقال الدار قطني: العمري هذا يحدث عن مالك بأباطيل، وقال ابن منده: له مناكير)(2).
وأضاف ابن حجر: (وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا حديث منكر لا أصل له، وأخرجه الدار قطني من رواية أحمد الخليلي الضمري بسنده وساق بسند كذلك ثم قال: لا يثبت والعمري ضعيف)(3).
وقال الذهبي وابن حجر في ترجمة (أحمد بن محمد بن غالب الباهلي): (ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري، حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) فهذا ملصق بمالك، وقال أبو بكر النقاش: وهو واهٍ)(4).
وعليه فرواية ابن عمر أيضاً ضعيفة، وكلام العقيلي والذهبي وابن حجر العسقلاني وغيرهم يفيد أنها موضوعة على ابن عمر، وأنه لم يروها!!.
____________
(1) اقول: حديث حذيفة هذا أيضاً ضعيف كما سيأتي.
(2) ميزان الاعتدال 3/610، لسان الميزان 5/237.
(3) لسان الميزان 5/237.
(4) ميزان الاعتدال 1/142، لسان الميزان 1/273.
وهذا الطريق ضعيف.
ففيه (عبد الملك بن عمير) قال أحمد فيه: (مضطرب الحديث جداً مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث وقد غلط في كثير منها)(9).
وقال إسحاق بن منصور: (ضعفه أحمد جداً)(10).
____________
(1) مسند أحمد 5/402 برقم: 23467 و 5/382 برقم: 23293.
(2) فضائل الصحابة لابن حنبل 1/332 برقم: 478 و 1/426 برقم: 670.
(3) مصنف ابن أبي شيبة 7/433 برقم: 37049 و 6/350 برقم: 31942.
(4) المستدرك على الصحيحين 3/79 برقم: 4454.
(5) سنن ابن ماجة 1/37 برقم: 97.
(6) السنن الكبرى للبيهقي 8/153 برقم: 16367، 16368.
(7) المعجم الأوسط 5/344 برقم: 5503.
(8) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 9/213 برقم: 6528 و 9/214 برقم: 6534، 6535 و 9/215 برقم: 6536.
(9) الجرح والتعديل 5/360، موسوعة أقوال أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله 2/389، تهذيب التهذيب 3/506.
(10) تهذيب التهذيب 3/506، موسوعة أقوال أحمد بن حنبل في الحديث وعلله 2/389، ميزان الاعتدال 2/660.
وقال أبو داود: (سمعت أحمد قال: عبد الملك بن عمير مضطرب جداً في حديثه، اختلف عليه الحفاظ، يعني فيما رووا عنه)(2).
وقال الذهبي: (وقال أحمد: ضعيف يغلط)(3).
وقال ابن معين: (مخلط)(4).
وقال أبو حاتم: (ليس بحافظ تغير حفظه)(5).
وقال ابن حراش: (كان شعبة لا يرضاه)(6).
وكان مدلساً(7) مشهوراً به(8) وصفه بذلك الدار قطني وابن حبان وغيرهما(9) وكان قاضياً لبني أمية.
وفيه (مولى ربعي بن حراش) وقد سمي في بعض الطرق بـ (هلال) وهو مجهول الحال، قال ابن حزم: (وقد سمى بعضهم المولى فقال: هلال
____________
(1) موسوعة أقوال أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله 2/388-389.
(2) موسوعة أقوال أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله 2/389.
(3) ميزان الاعتدال 2/660.
(4) تهذيب التهذيب 3/506، ميزان الاعتدال 2/660، تهذيب الكمال 5/567.
(5) ميزان الاعتدال 2/660.
(6) ميزان الاعتدال 2/660.
(7) تهذيب التهذيب 3/507.
(8) التحصيل في أحكام المراسيل 108، أسماء المدلسين 1/142.
(9) طبقات المدلسين 1/41.
وأخرجه الترمذي(2) وابن حنبل في مسنده(3) وفي فضائل الصحابة(4) والحاكم في المستدرك على الصحيحين(5) والطبراني في المعجم الأوسط(6) والطحاوي في مشكل الآثار(7) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن ربعي ابن حراش عن حذيفة... الرواية.
وهذا الطريق ضعيف أيضاً، أولاً: لوجود عبد الملك بن عمير فيه وقد مر الكلام عنه، وثانياً: لأن عبد الملك بن عمير لم يسمعه من ربعي بن حراش مباشرة وإنما بواسطة مولى ربعي وهذا المولى مجهول الحال.
ففي كتاب العلل لابن أبي حاتم قال: (سألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن سعد عن الثوري عن عبد الملك بن عمير عن هلال مولى ربعي عن ربعي عن حذيفة عن النبي (ص) قال: اقتدوا باللذين من بعدي، ورواه زائدة وغيره عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة عن النبي قلت: أيهما أصح(8)؟ قال أبي: حدثنا ابن كثير عن الثوري عن عبد الملك بن عمير
____________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 6/809.
(2) سنن الترمذي 5/609 برقم: 3662.
(3) مسند أحمد 5/382 برقم: 23293.
(4) فضائل الصحابة لابن حنبل 1/609 برقم: 3662 و 1/332 برقم: 479.
(5) المستدرك على الصحيحين 3/79 برقم: 4451، 4452، 4453 و 3/80 برقم: 4455.
(6) المعجم الأوسط 6/76 برقم: 5840.
(7) تحفة الأخيار 9/213 برقم: 6529، 6530، 6531، 6532، 6533.
(8) إن السؤال من ابن أبي حاتم لأبيه بقوله: (أيهما أصح) ليس المراد منه السؤال عن صحة الرواية وإنما المراد منه السؤال عن السند المعروف عندهم الذي تروى به هذه الرواية.
وقال العلامة " حسان بن عبد المنان " بعد أن أشار إلى بعض طرق رواية حذيفة: (قلت فهذه الروايات فيها اضطراب شديد مدارها على هلال مولى ربعي بن حراش وهو مجهول، أما من أسقطه بين عبد الملك وربعي فخطأ)(2).
ورواه أحمد في مسنده(3)، والترمذي في سننه(4)، وابن حبان في صحيحه(5)، والطحاوي في مشكل الآثار(6) من طريق سالم المرادي عن عمرو بن هرم الأزدي عن ربعي بن حراش عن حذيفة.
وهذا الطريق ضعيف أيضاً ففيه: (سالم المرادي).
قال النسائي: (ضعيف الحديث)(7).
وقال الدوري عن يحيى بن معين: (ضعيف الحديث)(8).
وقال ابن حزم: (ضعيف)(9).
____________
(1) العلل لابن أبي حاتم 2/381.
(2) حوار مع الشيخ الألباني 152.
(3) مسند أحمد 5/399 برقم: 23434.
(4) سنن الترمذي 5/610 برقم: 3663.
(5) صحيح ابن حبان 15/327 برقم: 6902.
(6) تحفة الأخيار 9/215 برقم: 6537.
(7) الجامع في الجرح والتعديل 1/282.
(8) تهذيب الكمال 3/99، ضعفاء العقيلي 2/150.
(9) الإحكام 6/809.
وقال العلامة " حسان عبد المنان ":
(وأما رواية عمرو بن هرم فمدارها على سالم أبو العلاء المرادي وهو ضعيف، وقد لا يكون عمرو بن هرم سمعه من ربعي فإنه لا رواية له يصرح عنه بالسماع)(2).
وفيه (عمرو بن هرم) وقد قال الذهبي: (ضعفه القطان وغيره)(3).
وأما رواية أبي الدرداء فقد أخرجها الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني قال: (وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها).
ثم قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم)(4).
وعليه فالرواية من هذا الطريق أيضاً ضعيفة.
وأما رواية جدة عبد الله بن أبي هذيل فقد أخرجها ابن حزم في الإحكام، قال: (حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، نا أحمد بن الفضل
____________
(1) لسان الميزان 3/7.
(2) حوار مع الشيخ الألباني: 152.
(3) ميزان الاعتدال 3/291.
(4) مجمع الزوائد 9/53.
وقد ضعف ابن حزم هذه الرواية بـ (المفضل الضبي) فقال عنه: (ليس بحجة)(2).
علماء السنة يطعنون بالرواية التي استشهد بها الخميس!
وقد طعن في رواية الاقتداء هذه جمع من العلماء وقالوا بعدم صحتها حيث أعلها أبو حاتم الرازي وحكم عليها بعدم الصحة كل من البزار وابن حزم، قال العلامة المناوي في فيض القدير(3): (وأعله أبو حاتم، وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن عبد الملك لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة لكن له شاهداً)(4).
____________
(1) الإحكام 6/242.
(2) المصدر السابق.
(3) فيض القدير 2/56.
(4) أقول: لقد استعرضنا جميع طرق هذه الرواية، وجميعها ضعيفة جداً ومضطربة ولا يصلح أن يكون أحدها شاهداً للآخر، وعلى من يصحح هذه الرواية أو صححها بجعل كل طريق – وإن كان ضعيفاً – شاهداً للآخر أن يصحح العشرات من الروايات بهذه الطريقة، وهذا مما لن يلتزم به القوم خصوصاً بالنسبة لبعض الروايات الخاصة بمناقب وفضائل أهل البيت عليهم السلام فالمكيال عندهم هنا مكيال آخر.
وقال أيضاً: (ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طارووا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً لاحتججنا بما روي اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر... ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح)(2).
وحكم ببطلانه شيخ الإسلام أحمد بن يحيى الهروي الشافعي فقال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. باطل)(3).
وحكم برهان الدين الفرعاني بوضعه فقال: (وقيل: اجماع الشيخين حجة لقوله (ص) اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما والأمر للوجوب، وحينئذ يكون مخالفتهما حراماً ولا نعني بحجية إجماعهما سوى ذلك.
الجواب: أن الحديث موضوع، لما بينا في شرح الطوالع)(4).
ثم نقول لهؤلاء: أما ترون البخاري ومسلماً مع حرصهما على رواية ما يحتمل أن يكون فيه فضيلة لأبي بكر وعمر لم يخرجا هذه الرواية في
____________
(1) الإحكام 6/242.
(2) الفصل 4/88.
(3) الدر النضيد: 97.
(4) الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة للميلاني، الرسالة الثالثة صفحة 31، نقلاً عن شرح المنهاج مخطوط.
بطلان هذا الحديث من طريق دلالته!
ثانياً: أما من حيث الدلالة والمعنى فهذه الرواية أيضاً باطلة لأن الأمر منه صلى الله عليه وآله فيها بالاقتداء بهما بهذه الكيفية المطلقة يعني أنهما معصومان من الخطأ ولا قائل بذلك.
ولأنهما اختلفا في كثير من الأحكام والأفعال فيكون الأمر بالاقتداء بهما غير ممكن للزوم التناقض منه (وقد رووا أن سورة الحجرات نزلت بسبب اختلافهما وتصايحهما ورفع أصواتهما في حضرة النبي صلى الله عليه وآله)! ولأنهما كانا يجهلان الكثير من المسائل في فروع الدين وأصوله! ومحال أن يأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله بالاقتداء بالجاهل.
ولأنه لو كان هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وآله في حقهما لاحتج به أبو بكر أو عمر في سقيفة بني ساعدة، بل لم يؤثر لنا أن واحداً منهما احتج بذلك في وقت من الأوقات، وكان أبو بكر في سقيفة بني ساعدة يخاطب الحاضرين بقوله: (با يعوا أي الرجلين شئتم)(1)، يريد عمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح، ويلتفت إلى أبي عبيدة قائلاً: (أمدد يدك أبايعك)(2).
____________
(1) مسند أحمد 1/56، تاريخ الطبري 3/309، السيرة الحلبية 3/386، صحيح البخاري، باب فضل أبي بكر.
(2) الطبقات الكبرى 3/128، مسند أحمد 1/35، السيرة الحلبية 3/386.