وعليه فرواية الاقتداء بهما موضوعة على لسان النبي صلى الله عليه وآله، واستشهاد الشيخ عثمان الخميس بها استشهاد بما هو ضعيف وباطل وموضوع، ولا بد أنه يعرف ذلك لأنه مجتهد في علم الحديث كما يدّعي!
أما قوله: إن ذلك لا يدل على الإمامة(1) فهو رد على علماء السنة الذين ادّعوا أنّ هذه الرواية نص على خلافة أبي بكر، فهم الذين استدلوا بها على إمامة أبي بكر وعمر، وعلى حجية سنتهما! وليس الشيعة الذين جزموا بوضعها واختلاقها على لسانه صلى الله عليه وآله، وتشهد الأحداث وواقع الحال في تلك الفترة التي أعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأنه لم يكن لها ولمثلها وجود، وإنما اختلقت بعد ذلك.
وهدف عثمان الخميس منها أن يقول إن هذا الحديث مقابل حديث الثقلين، فإن قلتم أنه يدل على الإمامة فهذا يدل عليها، وإن قلتم إن الأمر بالاقتداء فيها بأبي بكر وعمر لا يدل على الإمامة، فكذلك الأمر بالتمسك بأهل البيت في حديث الثقلين لا يدل على إمامتهم!
ونحن نقول لجميع هؤلاء عليكم أولاً إثبات العرش ثم النقش! فلكي تحتجوا بهذه الرواية عليكم أن تثبتوا صحتها ولو بطريق واحد صحيح حال من القدح والاضطراب، وبعدها عليكم أن تجيبوا على جميع الاشكالات المتوجهة إليها من حيث الدلالة والمعنى!
وأنى لهم بذلك؟!!.
____________
(1) حقبة من التاريخ: 205.
فقد ثبت هذا المضمون في عمار بن ياسر رضوان الله عليه وأن النبي صلى الله عليه وآله جعله علماً للأمة بعده، وأخبر الأمة أنها ستنحرف ويكون عمار مع علي عليه السلام قائد الفئة المحقة، وتقتل عماراً الفئة الباغية!
لكن ألا يدرك عثمان الخميس عندما يقول إن الحديث لا يدل على إمامة عمار بن ياسر أنه لا يوجد فرق كبير جداً بين (اهتدوا بهدي عمار) وبين قوله صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ففي الأول توجيه بالاعتداء بهدي عمار، وفي الثاني أمر بلزوم التمسك بالعترة عليهم السلام مع الكتاب العزيز لكونهما يعصمان متبعهما من الضلالة فمن يريد أن يجعل معنى هذين القولين واحداً ما هو إلاّ مغالط يحرف الكلام والألفاظ.
ألا يعرف عثمان الخميس أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كان على الهدى لأنه كان متبعاً للقرآن الكريم ومعتصماً بالعترة الطاهرة عليهم السلام فما دام صح عند الخميس أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالاهتداء بهديه فلكونه متمسكاص بالثقلين الكتاب والعترة ومهتدياً بهديهما، فقد كان عمار بن ياسر رضي الله عنه ملازماً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى اليوم الذي استشهد فيه معه في صفين، ممتثلاً لقول النبي صلى الله عليه وآله له: (يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياص وسلك الناس كلهم وادياً فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ردى
يا عمّار: إن طاعة علي طاعتي وطاعتي من طاعة الله عزّ وجل)(1)، وكان رضي الله عنه من يوم السقيفة يدعو الناس إلى بيعة علي عليه السلام وجعل أمر الإمامة في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وهو من جملة من تخلف عن بيعة أبي بكر(2)، وقال لعبد الرحمن بن عوف عندما طلب من الناس أن يشيروا عليه وذلك في قضية الشورى: (إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً)(3)، وقال بعد أن بويع لعثمان بن عفان: (يا معشر قريش، أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة بعد مرة، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله)(4)، ولقد مضى رضي الله عنه شهيداً في معركة صفين وهو يقاتل مع علي عليه السلام معاوية بن أبي سفيان وجيشه، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)(5)، وقال صلى الله عليه وآله: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغضه أبغضه الله)(6).
____________
(1) مناقب الخوارزمي 194 /332، بغية الطلب في تاريخ حلب 7/330، فرائد السمطين 1/178.
(2) المختصر في أخبار البشر 1/156.
(3) تاريخ الطبري 3/297.
(4) مروج الذهب 2/342.
(5) صحيح البخاري 1/172 برقم: 436 و 3/1035 برقم: 2657، صحيح ابن حبان 15/553 برقم: 7078 و 15/554 برقم: 7079.
(6) صحيح ابن حبان 15/556 برقم: 7081، المستدرك على الصحيحين 3/441 برقم: 5674، مسند أحمد 4/89 برقم: 16860، مصنف ابن أبي شيبة 6/386 برقم: 32252.
أما قوله: وتمسكوا بعهد ابن مسعود، فالجواب عليه:
أولاً: إن هذا مثل رواية الأمر بالإقتداء بأبي بكر وعمر لم يرد عندهم بطريق صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله فلا يصح الاستشهاد به وجعله مقابلاً لحديث الثقلين الصحيح الثابت.
ثانياً: على فرض صحة هذا الأمر النبوي في ابن مسعود، فنحن أيضاً مع الشيخ الخميس في أنه لا يدل على إمامته لأنه حسب روايتهم أمر بالتمسك بعهد ابن مسعود وليس بالتمسك بابن مسعود وهديه، لكن هل يصل إلى مستوى حديث الثقلين وأن الضامن للأمة من الضلال هو التمسك بهما، وإلاّ فإنها تضل وتنحرف كما انحرفت الأمم الأخرى بعد أنبيائها؟!
ثم لنا أن نسأل عثمان الخميس: ما هو عهد ابن مسعود هذا الذي أمر الناس بالتمسك به؟ هل هو إشارة إلى أمر معين مخصوص أم ماذا؟
هل هو التمسك بقرآنه الذي رويتهم أنه كان محرفاً وكان ناقصاً سورتين؟!
ننتظر من الشيخ الخميس أن يتحفنا بالجواب على هذا السؤال!!
الفصل الخامس
رد على افتراء الخميس حول الرواة
وعلم الدراية عند الشيعة
أثناء كلام عثمان الخميس في حديث الثقلين افترى على الشيعة الإمامية عدة افتراءات، وارتكب في حقهم الكذب بأبشع صورة، ونحن ننقل هذه الافتراءات ونرد عليها باختصار لأنه لا علاقة لها بموضوعنا.
قال عثمان الخميس:
(الشيعة ليس لهم أسانيد إلى الرسول (ص) وهم يقرون بهذا أنهم ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم، وإنما هي كتب وجدوها فقالوا أرووها فإنها حق، أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلا ولا يعولون على الأسانيدة فأين لهم أن ما يروونه ثابت عن عترة النبي (ص)؟)(1).
أقول:
هذا من الأكاذيب التي نتمنى لو أن الخميس نزه لسانه وقلمه عنها!.
____________
(1) حقبة من التاريخ: 203.
ولعله قد هاله عندما رأى أن الشيعة تمسكوا بعترة النبي صلى الله عليه وآله فكانت رواياتهم لسنة النبي صلى الله عليه وآله عن طريقهم، وكانت الروايات التي ينتهي سندها إليهم أكثر من تلك الروايات عن الصحابة الذين يريدنا عثمان الخميس أن نروي عنهــم.
فكأنه يشكل علينا أنا أطعنا نبينا صلى الله عليه وآله وتمسكنا بكتاب الله تعالى وبالأئمة الطاهرين من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين هم خلفاء النبي في أمته والذين أمر أمته بالتمسك بهم والأخذ عنهم، وقد ثبت عنهم أن حديثهم هو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن العجيب أن عثماناً يشكل علينا أنا ليس عندنا رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وهو يأتم ويقتدي بالذين قد منعوا كتابة سنة النبي صلى الله عليه وآله وتدوينها بل منعوا حتى التحديث بأحاديثه في المسجد!! وأحاديثهم في ذلك صحيحة، ففي الرواية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه)(1).
____________
(1) هذه الرواية أخرجها الحاكم في المستدرك على الصحيحين 1/216 برقم: 437 وقال عنها: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) والدرامي في سننه 1/130 برقم: 450 وقال الشيخ حسين أسد: (إسناده صحيح) وأحمد بن حنبل في مسنده 3/12 برقم: 11100 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: (إسـناده صـحيح على شـرط الشـيخين) وفي نفـس المصدر 3/21 برقـم: 11102 وقال عنـه الأرنـؤوط: (إسـناده صـحيح علـى شـرط البخـاري)
=>
فأولى بعثمان الخميس أن ينتقد ويطعن بأولئك الذين منعوا الناس من التحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله أو كتابة شيء منها، بل أحرقوا بعض ما جمعه المسلمون منها!!.
أولئك الذين واجهوا رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته جهاراً نهاراً برفض سنته فصاحوا في وجهه وهو على فراش المرض: (حسبنا كتاب الله)!!.
وإلى أولئك الذين غيروا وبدلوا في شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسنته بحيث وصل الأمر بعد فترة قصيرة من الزمن إلى أن يقول أنس بن مالك وهو يبكي (لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت)(1).
وإلى أن يقول أبو الدرداء وهو مغضباً: (والله ما أعرف فيهم شيئاً من أمر
____________
<=
وفي نفس المصدر 3/21 برقم: 11174 وقال عنه الأرنؤوط أيضا: (إسناده صحيح على شرط الشيخين) وابن حبان في صحيحه 1/265 برقم: 64، وأبو يعلى في مسنده 2/466 برقم: 1288 وقال عنه الشيخ حسين أسد: (إسناده صحيح)..
(1) انظر صحيح البخاري 1/198 برقم: 507، سنن الترمذي 4/632 برقم: 2447، موطأ مالك 1/72 برقم: 155، مسند أحمد بن حنبل 3/101 برقم: 11996.
أنا شخصياً لا أظن ذلك، لأن الحب يعمي ويصم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا لعل عثمان الخميس يعرف أن الشيعة أحرص الناس في المحافظة على سنة النبي صلى الله عليه وآله، والأخذ والتمسك بها، والعمل بما جاء فيها، ولكنهم يحتاطون أشد الإحتياط في قبول الروايات التي تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يأخذون إلا ما صح سنده وثبتت وثاقة رواته، ولا يأخذون بما في متنه مخالفة لكتاب الله عز وجل أو للثابت القطعي، أو المعلوم بالتواتر، أو بقطعــي العقــل.
فهل ذنب الشيعة عند عثمان الخميس أنهم لا يأخذون سنة النبي صلى الله عليه وآله ممن هبَّ ودبَّ، ولا يقبلون إلا المتوافق مع الكتاب وقطعي العقل؟!
وأما قول عثمان الخميس: (وهم يقرون بهذا أنهم ليس عندهم أسانيد في نقــل كتبهـم ومروياتهـم وإنمـا هـي كتب وجـدوها فقـالوا أرووهـا فإنهـا حق).
فهو أيضاً كذب وافتراء على الشيعة، فمن الذي أقر بذلك؟! وأين وجدوا هذا الإقرار؟! فليذكر لنا قول واحد من علماء هذه الطائفة يقـر فيه
____________
(1) مسند أحمد بن حنبل 5/195 برقم: 21747، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إن من يريد التحقق من صحة قولنا بأن هذا الرجل كذاب مفتر، فما عليه إلاّ الرجوع إلى كتب الشيعة الحديثية مثل الكافي لثقة الإسلام الكليني، والاستبصار والتهذيب للشيخ الطوسي، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق عليهم الرحمة جميعاً، وغيرها من الكتب الشيعية الروائية، فإنه سيجد أن رواياتها مسندة بالنقل المتسلسل من مؤلفيها بعضها إلى النبي صلى الله عليه وآله وبعضها إلى الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
وكأن عثمان الخميس عندما نظر في بعض مصادرنا الحديثية، افتقد فيها من يحبهم ويأخذ عنهم من الرواة أمثال أبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، وعكرمة البربري، وكعب الأحبار، وسليمان بن مقاتل، وغيرهم من الذين رووا عنهم ووثقوهم، وما أكثر الفساق فيهم والمتسللون إلى الإسلام للكيد به من يهود ونصارى! فهل يصح أن تثور ثائرة عثمان الخميس غضباً لغياب هؤلاء من كتب الشيعة، فيتهم الشيعة بأنهم ليس عندهم كتب حديث!!.
وأما الرواية التي أشار إليها عثمان الخميس واعتمد عليها في هذا الافتراء وأوردها في الهامش، فهذا نصها مع سندها:
(عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شنيولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام وكانت التقية شديدة
وهذه الرواية ليس فيها دلالة على شيء مما قاله الشيخ عثمان الخميس بل بالعكس فغاية ما فيها أن هناك جماعة من مشائخ الشيعة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام سمعوا منهما بعض الأحاديث فدونوها في مصنفات خاصة بهم، وبما أن الظلم والطغيان كان شديداً على أئمة أهل البيت وشيعتهم في ذلك الزمان من قبل حكام الجور الأمويين وولاتهم ولاة الفسق والفجور، لم يستطع هؤلاء بث هذه الأحاديث ونشرها بين الناس خوفاً على أرواحهم، فاستعملوا التقية في كتمانها، ولم يرتفع عنهم ظلم الظلمة ولا جور أولئك الطغاة إلى أن فارقوا الحياة، فبقيت تلك الأحاديث ضمن تلك المدونات، وانتقلت هذه المدونات إلى بعض الشيعة من أصحاب الأئمة عليهم السلام، فالراوي محمد بن الحسن شنيولة يسأل الإمام الجواد عليه السلام ويطلب منه الإذن في رواية ما في تلك المدونات من روايات فأجاز الإمام عليه السلام ذلك وصرح له بأن ما فيها من روايات هو حق، فلو لم يكن جامعوها من الثقات ولو لم يكن ما جمعوه من أحاديث صادراً عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام لما أجاز الإمام الجواد عليه السلام رواية هذه الكتب.
والحمد لله أن هذه الرواية الشريفة جواب قاطع لاتهام عثمان الخميس بأن الشيعة ليس عندهم أحاديث مسندة، لأنها تكشف عن وجود مؤلفات لأصحاب الإمام الباقر عليه السلام الذي توفي سنة 114، وأصحاب الإمام الصادق عليه السلام الذي توفي سنة 148، وفي ذلك الوقت كانت الحكومات الأموية تتشدد في
فالروايات التي يسأل عنها السائل رواها هؤلاء في كتبهم وليس في أسانيدها أي نوع من الإرسال بينهم وبين الإمامين الباقر والصادق، فهم سمعوها مباشرة منهما ودونوها، أما نقل الآخرين لها من الكتب فهو مشابه لنقلنا نحن لرواية من كتاب معين في زمان سالف.. فنقول مثلاً: (قال الشيخ الكليني في كتابه الكافي...) أو: (قال البخاري في صحيحه...) وهذا لا يعني أن روايات الكافي أو البخاري مرسلة أو ليست مسندة، أو هو مشابه لنقل القدماء بالإجازة من المؤلف بنقل ما بكتابه من روايات وإسنادها إليه.
فمن أين استفاد الشيخ الخميس أنها تدل على أن الشيعة ليس لهم أسانيد في نقل الروايات والكتب؟!! حقاً لقد أراد أن يفضح فافتضح!.
كتبنا أصح أم البخاري؟!
وإن أردنا أن نقابل الشيخ عثمان الخميس بالمثل فليعلم أن (صحيح البخاري) الذي يعتبره أهل السنة من أصح الكتب وأصح كتاب بعد كتاب الله! هذا الكتاب مات مؤلفه (محمـد بن إسماعيل البخاري) ولـم يكمـله
فقد قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري: (إن أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: (انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض))(1).
وفيه: أن أبا الوليد الباجي قال: (ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهيني ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موقع ما فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر متصلة ليس بينها أحاديث...)(2).
وفي كتاب أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبي رية تحت عنوان: (روايات البخاري تختلف في العدد) قال:
(فعدد أحاديث البخاري يزيد في رواية الفربري على عدده في رواية ابن معقل النسفي بمائتين، ويزيد عدد النسفي على عدد حماد بن شاكر النسـفي
____________
(1) مقدمة فتح الباري: 6.
(2) المصدر السابق.
فكيف يعتبر كتاب هذا حاله صحيحاً، فضـلاً عن أن يكون أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى؟!.
ألم يقرأ بحوث علماء الشيعة في الفقه وكتب الرجال؟
وأما قول عثمان الخميس:
(أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلاً ولا يعولون على الأسانيدة فأين لهم أن ما يروونه في كتبهم ثابت عن عترة النبي (ص)...).
وقوله في هامش الصفحة: (انظر كتابه خاتمة الوسائل فإنه يبين فيه أن الشيعة ليس لهم أسانيد تصحح على أساسها الروايات وأن قصة الإسناد أمر مستحدث، الفائدة التاسعة).
فجوابه: أن الشيخ الحر العاملي رحمة الله عليه قد خصص هذه الفائدة (التاسعة) لإثبات أن الأحاديث الواردة في الكتب التي نقل عنها في كتابه وسائل الشيعة أحاديث صحيحة وذلك حسب منهجه الإخباري، وهو في هذه الفائدة لا يقول بأن الشيعة ليس لهم أسانيد كما قوّله الشيخ الخميس وافترى عليه، فلم يدع عدم وجود أسانيد لهذه الروايات، وإنما كل ما كان يحاول إثباته في هذه الفائدة هو صحة هذه الروايات تماماً كما يدعي أهـل
____________
(1) أضواء على السنة المحمدية 307.
والقول بصحة كل ما ورد من روايات في هذه الكتب ليس قولاً لكل علماء الطائفة وفقهائها، بل هو خاص بقليل منهم ممن يعرف بالإخباريين رحمهم الله، وأما الأصوليون وهم الذي يشكلون الغالبية العظمى من علماء الطائفة فلا يرتضون ما ذهب إليه الحر العاملي أو غيره، ويقولون لا بد من النظر في أسانيد الروايات والحكم عليها من هذه الناحية.
ألا يرى عثمان الخميس هذه الكتب المؤلفة في تراجم رواة الحديث، وبحث أحوالهم من حيث العدالة والوثاقة والضعف وغيرها، مما يحكـم به على الرواة؟!.
ألم يقرأ بحوث علماء الشيعة وفقهائهم الإستدلالية ومؤلفاتهم في الأصول والفروع، وكيف أنهم لا يقبلون ما تتضمنه الرواية إلاّ بعد ثبوت صحتها من حيث السند، أو وجود قرائن أو أدلة أخرى تشهد بصحة متنها.
إن ذلك دليل على صحة ما نقول، وبطلان ما ادعاه الشيخ الخميس!.
زعم عثمان الخميس أنه يدافع عن
ظلم الشيعة لأهل البيت!
وقال عثمان الخميس:
(إن الشيعة يطعنون في العباس ويطعنون في عبدالله ابنه ويطعنون في أولاد الحسن، وقالوا: إنهم يحسدون أولاد الحسين، ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن علي وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري وغيرهم فهم ليسوا بأولياء للنبي (ص) وعترته بل أولياء النبي (ص) وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقوقهم ولم ينقصوهم)(1).
وجوابه:
أولاً: إن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية لا ينطلقون في تقييمهم للأشخاص ومودتهم ومدحهم أو ذمهم من منطلق العاطفة، وإنما من منطلق التزام هؤلاء الأشخاص بالشريعة الإسلامية وتقيدهم بتعاليمها وتوجيهاتها، فمن ثبت لهم بالدليل أنه مسلم مؤمن ملتزم بالشريعة كتاباً وسنةً فله عندهم مودة ومحبة، وأما من ليس كذلك فهم معه بخلاف ذلك.
فكون الشخص يرجع في نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله لا يلزم منه وجوب مودته ومحبته، ما لم يكن ملتزماً بالشـريعة الغـراء، وما أظن أن واحداً مـن أهـل
____________
(1) حقبة من التاريخ: 205.
ثانياً: بالنسبة للعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، فإنه وإن كان ورد في بعض الروايات ما يظهر منه الطعن فيه، ولكن البعض من علماء الشيعة لم يلتفت إلى هذه الروايات وما فيها من قدح فيه، واثنوا على العباس، فهذا العلامة الحلي عليه الرحمة يذكره في القسم الأول من كتابه الخلاصة وهو القسم الذي خصصه لمن تكون روايته عنده معتمدة وقال في ترجمته: (العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله سيد من سادات أصحابه وهو من أصحاب علي عليه السلام أيضاً)(1).
ولنسمع ما قاله عالم آخر فيه وفي ولده عبدالله بن العباس وهو السيد علي الشهرستاني، قال: (والحق الثابت في التاريخ هو أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبدالله كانوا من الحماة والمدافعين عن علي بن أبي طالب في كل الظروف والمواقف، وأن ما حفظه التاريخ من كلامهم ومواقفهم ليؤكد على أنهم كانوا يؤمنون بخلافة علي بل ويصرحون بوصايا الرسول لعلي بن أبي طالب، وقد تناقلت المصادر أن العباس بن عبدالمطلب قد تخلف عن بيعة أبي بكر ولم يشارك في اجتماع السقيفة بل وبقي بجنب علي يجهزان الرسول حتى واروه التراب دعما لعلي، وأن مواقفه في الشورى – بعد مقتل عمر – وغيرها تؤكد هذه الحقيقة وهكذا الحال بالنسبة إلى عبدالله بن عباس فإنه كان مـن المحاميـن والمدافعيـن والمقرين بفضـل علـي بن أبي طالب
____________
(1) خلاصة الأقوال: 209.
وقد ترجم الكثير من علماء الشيعة لعبدالله بن العباس ومدحوه وأثنوا عليه وردوا ما ورد في ذمه من روايات.
ولولا أني جعلت هذا الرد مختصرا لنقلت هذه الأقوال ليعلم القارئ الكريم كيف أن عثمان الخميس افترى على الشيعة في قوله بأنهم يطعنون في عبدالله بن العباس. وأكتفي هنا بنقل بعض ما قاله ابن طاووس والعلامة الحلي أثناء ترجمتهما له.
قال ابن طاووس عنه: (عبدالله بن العباس رضوان الله عليه حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وموالاته له والذب عنه والخصام في رضاه والمؤازرة مما لا شبهة فيه).
ثم أطال الكلام في إثبات فضله وجلالته وتنزيهه عما يشينه وتضعيف الروايات الواردة في ذمه، ثم قال: (ولو ورد في مثله ألف حديث ينقل أمكن أن يعرّض للتهمة، فكيف مثل هذه الروايات الضعيفة الركيكة)(2).
وقال العلامة الحلي: (عبدالله بن العباس، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان محباً لعلي عليه السلام وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحاً فيه وهو أجل
____________
(1) وضوء النبي 1/339.
(2) التحرير الطاووسي 159-163.
وأما قول عثمان الخميس: (ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن علي وكذلك إبراهيم بن الحسن العسكري وغيرهم...) فهو من أكاذيبه أيضاً، وهو لم يشر إلا إلى شخصين وهما زيد بن علي وإبراهيم بن الحسن العسكري وقال وغيـرهم، فمـن هم غيرهم؟ ولماذا لم يذكرهم ويؤيد كلامه بالدليل؟!
أما بالنسبة لزيد بن الإمام علي بن الحسين فإنه ذكر في الهامش أن الشيعة تتهمه بأنه كان يشرب الخمر، وأشار إلى رواية ذكرها العلامة المجلسي عليه الرحمة في كتابه بحار الأنوار والرواية مه سندها هو: (حمدويه، عن أيوب عن حنان بن سدير قال: كنت جالساً عند الحسن بن الحسين فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ؟ فإن زيداً كان يشربه عندنا، قال: ما أصدق على زيد أنه شرب مسكراً، قال: بلى قد شربه، قال: فإن كان فعل، فإن زيداً ليس بنبي ولا وصي نبي، إنما هو رجل يخطيء ويصيب)(2).
وأنت كما ترى أن المتهم لزيد بشرب النبيذ هو أحد رؤساء الزيدية وليس من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، وهذا الرجل لا اعتداد بقوله فإنه ممن لم يرد في حقه وثاقة أو مدح عندنا!.
____________
(1) خلاصة الأقوال: 190.
(2) بحار الأنوار 46/194.
(هو أحد أباة الضيم، ومن مقدمي علماء أهل البيت عليهم السلام، قد اكتنفته الفضائل من شتى جوانبه، علم متدفق، وورع موصوف، وبسالة معلومة، وشدة في البأس، وشمم يضع له كل جامع، وإباء يكسح عنه أي ضيم، كل ذلك موصول بشرف نبوي ومجد علوي وسؤدد فاطمي وروح حسيني).
والشيعة على بكرة أبيها لا تقول فيه إلاّ بالقداسة، وترى من واجبها تبرير كل عمل له من جهاد ناجع، ونهضة كريمة، ودعوة إلى الرضا من آل محمد تشهد لذلك كله أحاديث أسندوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وأئمتهم عليهم السلام، ونصوص علمائهم، ومدايح شعرائهم وتأبينهم له، وإفراد مؤلفيهم أخباره بالتدوين.
أما الأحاديث فمنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله للحسين السبط: (يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب)(1).
____________
(1) عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق في الباب 25، وكفاية الأثر.
وقول أمير المؤمنين عليه السلام وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة فبكى وبكى أصحابه فقالوا له: ما الذي أبكاك؟! قال:
(إن رجلا من ولدي يصلب في هذا الوضع، من رضي أن ينظر إلى عورته أكبه الله على وجهه في النار)(2).
وقول الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام: (اللهم اشدد أزري بزيد).
وكان إذا نظر إليه يمثل:
لعمـرك ما إن أبو مالك بواه ولا بضعيف قـواه ولا بالألـــد لــــه وازع يعادي أخاه إذا ما نهاه ولكنـــه هيـــن ليـــن كعالية الرمح عرد نساه إذا سدته سدت مطواعة ومهما وكلت إيه كفاه أبو مالم قاصــر فقـــره على نفسه ومشيع غناه(3).
ودخل عليه زيد فلما رآه تلا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ } ثم قال: أنت والله يا زيد من أهل ذلك(4).
____________
(1) عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق.
(2) كتاب الملاحم لسيدنا ابن طاووس في الباب 31.
(3) الأغاني 20 ص 127.
(4) الروض النضير 1/55.
وقوله الآخر لما سمع قتله:
(إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله احتسب عمي إنه كان نعم العم، إن عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلي والحسين مضى والله شهيدا)(2).
وقوله الآخر: (إن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه وإنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه)(3).
وقوله الآخر في حديث: (أما الباكي على زيد فمعه في الجنة، أما الشامت فشريك في دمه).
وقول الرضا سلام الله عليه: (إنه كان من علماء آل محمد غضب لله فجاهد أعداءه).
والأحاديث في ذلك كثيرة وإنما اقتصرنا على المذكور تحرياً للإيجاز.
وأما نصوص العلماء فدونك كلمة الشيخ المفيد في إرشاده، والخزار القمي في كفاية الأثر، والنسابة العمري في المجدي، وابن داود في رجاله، والشـهيد الأول في قواعـده، والشيخ محمد بن الشيخ صاحب المعالم في
____________
(1) رجال الكشي ص 184.
(2) عيون أخبار الرضا.
(3) الكافي.
ويعرب عن رأي الشيعة جمعاً، قول شيخهم بهاء الملة والدين العاملي في رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر: إنا معشر الإمامية لا نقول في زيد بن علي إلاَ خيراً، والروايات عن أئمتنا في هذا المعنى كثيرة.
وقال العلامة الكاظمي في التكملة: (إتفق علماء الإسلام على جلالة زيد وورعه وفضله).
ثم نقل صاحب الغدير رضوان الله تعالى عليه نماذج مما قاله شعراء الشيعة في زيد الشهيد والإشادة به وبمواقفه ثم قال: (وأفرد غير واحد من أعلام الإمامية تأليفاً في زيد وفي فضله ومآثره، فمنهم:
1 – إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفي 283 له كتاب أخبار زيد.
2 – محمد بن زكريا مولى بني غلاب المتوفي 298 له كتاب أخبار زيد.
3 – الحافظ أحمد بن عقدة المتوفي 333، له كتاب من روى أخبار زيد ومسنده.