الصفحة 200

4 – عبدالعزيز بن يحيى الجلودي المتوفي 368 له كتاب أخبار زيد.

5 – محمد بن عبدالله الشيباني المتوفي 372 له كتاب فضائل زيد.

6 – الشيخ الصدوق أبوجعفر القمي المتوفي 381 له كتاب في أخباره.

7 – ميرزا محمد الأسترابادي صاحب الرجال الكبير.

8 – السيد عبدالرزاق المقرم. أحد أعلام العصر المنقدين المكثرين من التأليف في المذهب، على تضلعه في العلم، وقدمه في الشرف، واحتوائه للمآثر الجليلة، ومن مهمات تآليفه وأوفرها فائدة كتاب الإمام السبط المجتبى، وكتاب حياة الإمام السبط الشهيد ومقتله، وكتاب السيدة سكينة، ورسالة في علي بن الحسين الأكبر، وكتاب زيد الشهيد، وكتاب في تنزيه المختار بن أبي عبيد الثقفي طبع مع كتاب زيد، وكتاب أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين، إلى غيرها من كتابات ورسائل قد جمع فيها وأوعى وأتى بما خلت عنه زبر الأولين فحياه الله ووفقه للخير كله)، ثم قال: (القول الفصل: هذا زيد ومقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء)(1).

وأما إبراهيم الذي قال عنه عثمان الخميس إنه أخ الإمام الحسن العسكري عليه السلام فهو شخصية من مختلقاته فلا يوجد للإمام الهادي عليه السلام ولد يعرف بهذا الإسم، وليس للإمام الحسن العسكري أخ يعرف بإبراهيم.

____________

(1) الغدير 3/69-74.


الصفحة 201

تعال لنرى من الذي يطعن في شخصيات أهل البيت عليهم السلام؟!

والآن تعال معي أيها القارئ الكريم لتعرف من هو الذي يطعن في شخصيات أهل البيت هل هم الشيعة أم غيرهم؟.

ونحن لا نريد هنا أن نحاسب الشيخ عثمان الخميس من خلال أقوال غيره من النواصب، ولكن من خلال قوله هو وفي نفس كتابه هذا (حقبة من التاريخ) الذي افترى فيه هذه الافتراءات على الشيعة، وندينه من فمه وما سطرته يده فقد طعن عثمان الخميس في الإمام الحسين عليهم السلام وثورته حيث يقول كما قال إمامه ابن تيمية: (لم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه لا مصلحة دين ولا دنيا، ولذلك نهاه أكبر الصحابة في ذلك الوقت... وكان خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن لو قعد في بلده)(1).

فأي جرأة على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى سبطه الحسين عليه السلام كجرأة هذا الرجل، حيث اعتبر أن خروج سبط الرسول صلى الله عليه وآله للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والظلم والطغيان فساداً ليس فيه مصلحة لا في دين ولا دنيا؟!! أليس هذا هو النصب بعينه للإمام الحسين عليه السلام؟!

لقد صرح الحسين عليه السلام في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية أن خروجه إنما هو للإصلاح والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال ما رواه عنه السنة والشيعة: (إني لم أخـرج أشراً ولا بطراً ولا مفسـداً

____________

(1) حقبة من التاريخ: 138.


الصفحة 202
ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يكم الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين)(1).

ألم يقرأ عثمان الخميس الأحاديث الصحيحة عندهم أن جبرئيل عليه السلام قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بأن أمته ستقتل ولده الحسين عليه السلام؟.

ألم يقرأ أحاديث بكاء النبي صلى الله عليه وآله على ولده الحسين قبل قتله، ودعاءه على قاتليه؟!.

فلو كان في خروجه فساد كما يزعم عثمان الخميس لنهاه النبي صلى الله عليه وآله عن الخروج، ولما أمر المسلمين بنصرته! فعن الصحابي الجليل أنس بن الحارث رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله (ص) يقول: إن ابني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك لينصره)(2).

وقد خرج هذا الصحابي مع الحسين واستشهد معه في واقعة الطف.

أليست تخطئة الإمام الحسين عليه السلام تخطئة لجده المصطفى صلى الله عليه وآله؟! وانتصاراً ليزيد وبني أمية أسياد عثمان الخميس؟!.

____________

(1) مقتل الحسين للخوارزمي 1/189.

(2) البداية والنهاية لابن كثير 8/301، الخصائص الكبرى للسيوطي 2/213، كنز العمال للمتقي الهندي 12/71 برقم: 3414.


الصفحة 203
ولـه أكاذيب أخرى على الشيعة من قبيل اتهامهم بالشعوبية وأنهم يقولون بأن سلمان يوحى إليه(1)، وأنهم يقولون بأن كسرى في النار والنار محرمة عليه، نعرض عن الرد عليها هنا لوضوح زيفها ولنا معه إن شاء الله تعالى وقفة أخرى موسعة حول هذه الافتراءات.

____________

(1) نعم ورد في بعض الروايات عندنا أن سلمان الفارسي (المحمدي) كان محدثا، وقد ذكر عثمان الخميس في كتابه (حقبة من التاريخ 57) رواية منسوبة إلى النبي من طريق أبي هريرة الدوسي مفادها أن عمر بن الخطاب كان محدثا!!! فلماذا يستغرب إذا أن يكون سلمان كذلك؟.


الصفحة 204


رد أباطيل عثمان الخميس

على حديث الغدير





الصفحة 205

الصفحة 206

الصفحة 207

الصفحة 208

الفصل الأول
من أساليب التحريف في المنهج عند عثمان الخميس
الإدعــاء العريــض

قال الشيخ عثمان الخميس:

(حديث الغدير يعتبر أهم الأدلة عند الشيعة حتى ألف فيه كتاب من أحد عشر مجلداً، وهو كتاب الغدير.

هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله (ص) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

فقال الحصين- أي الراوي عن زيد بن أرقم -: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نعم، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده

الصفحة 209
قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

وجاء عند غير مسلم كالترمذي وأحمد والنسائي في الخصائص والحاكم وغيرهم زيادة أن النبي (ص) قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وجاءت زيادات أخرى كمثل قوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار) وزيادات أخرى لا داعي لذكرها الآن.

المهم أن الحديث الذي رواه مسلم ليس فيه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ولكن هذه الزيادة عند الترمذي وأحمد والنسائي والحاكم وغيرهم جاءت بأسانيد صحيحة عن النبي (ص).

أما الزيادات الأخرى كقوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) هذه الزيادة صححها بعض أهـل العلـم، والصحيح أنها لا تصح، وأما الزيادة: (انصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار) فهذه زيادة مكذوبة على النبي). انتهى ما قاله عثمان الخميس(1).

____________

(1) حقبة من التاريخ: 180-182.


الصفحة 210

أولاً: حديث الغدير من أهم الأدلة على إمامة علي عليه السلام

حديث الغدير أحد الأدلة التي يستند إليها الشيعة في إثبات النص على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأنه خليفةٌ وإمامٌ للأمة ووليٌّ على المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله، وقد ألّف العديد من العلماء كتباً مستقلة في هذا الحديث، ومنهم العلامة الأميني رحمه الله، حيث ألّف كتاباً ضخماً من أحد عشر مجلداً باسم (الغدير في الكتاب والسنة والأدب).

وليت عثمان الخميس عندما أراد أن يرد استدلال الشيعة بهذا الحديث، نقل كيفية استدلال علمائهم به، مثل العلامة الأميني، وفند قوله ورد عليه، ولكنه لم يفعل ذلك، بل اكتفى في رده على استدلال الشيعة بهذا الحديث بكلام لا يسمن ولا يغني، سبق لعلماء الشيعة أن ردوه.

وقد شحن رده هذا بالكثير من المغالطات والتدليسات، حتى صار أوهن من بيت العنكبوت، وسيتضح ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

ثانياً: مسلم كعثمان الخميس بتر حديث الغدير!

إن عثمان الخميس يعلم بحكم اطلاعه على الحديث أن الرواية التي نقلها مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه هي رواية مبتورة لحادثة غدير خم، وعدم رواية مسلم لهذه الحادثة كما رواها غيره من أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، نوع من العناد مع الحق، فحديث الغدير حديث متواتــر

الصفحة 211
رواه الجمع الغفير، وقد صرح بتواتره العديد من علماء السنة، وهو على شرطه وشرط البخاري كما قال الحاكم النيسابوري عند إخراجه لهذا الحديث في كتابه المستدرك على الصحيحين، وكذلك الشيخ الألباني في صحيحته، (انظر سلسـلة الأحاديث الصـحيحة للألبـاني: 4/330، وما بعـدها) وغيرهما.

ثم إن عدم رواية البخاري أو مسلم لهذا الحديث لا يعني ضعفه أو وضعه ولا يوهن من صحته قط، كما صرح العديد من علماء أهل السنة بذلك، فقد صرحوا بأن الأحاديث الصحيحة لا تنحصر فيما رواه البخاري ومسلم، وأن صحيحي البخاري ومسلم لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة.

ثالثاً: تحريف عثمان الخميس في رواية مسلم

لقد حرَّف هذا الشيخ في رواية مسلم فحذف منها العبارة التي قالها زيد ابن أرقم وهي: (نساؤه من أهل بيته؟!) ووضع مكانها لفظة: (نعم)!

ونص الرواية في صحيح مسلم هو:

(حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يازيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله (ص) وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسـول الله (ص) قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت

الصفحة 212
أعي من رسول الله (ص) فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال:

أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال: نساؤه من أهل بيته؟! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم). انتهى(1).

وأرجو أن يلاحظ القارئ المنصف سؤال الحصين لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته؟! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده... الخ).

والذي فعله عثمان الخميس أنه حذف قول زيد بن أرقم: (نساؤه من أهل بيته؟!) لأنها اسـتفهام اسـتنكاري على الحصين الذي جعـل نساؤه من أهل بيته!

____________

(1) صحيح مسلم 4/1873 برقم: 2408.


الصفحة 213
ولم يكتف الخميس بحذفها بل وضع بدلها كلمة (نعم)!! فصار الإستنكار إيجاباً وتأييداً لقول إن نساءه من أهل بيته!! فهل رأيتم تزويراً كهذا؟!!.

ولا بد أن عثمان الخميس المتخصص في الحديث بزعمه يعرف أن زيداً ابن أرقم قد نفى أن نساء النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته، فقد قرأ صحيح مسلم، وقرأ فيه ما قاله زيد بصراحة في المجلد 3/1874:

(فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده)!! انتهى.

فإذا كان عثمان الخميس ونحن في القرن العشرين، يرتكب التحريف والكذب والتدليس في رواية ينقلها من صحيح مسلم، ولا يستحي ولايخجل من ذلك! والكتاب مطبوع منشور في أيدي الناس! فهل تريدون من أسلافه المخالفين لأهل البيت عليهم السلام أن يستحوا؟!.

هذا ولنا ملاحظات على ما رووه عن زيد:

منها، قوله: (حرموا الصدقة) وهذا غير صحيح، فهؤلاء حرم الله عليهم الصدقة تكريماً لهم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، ولعله تحريف لقول زيد من الرواة أسلاف الخميس.

ومنها، أن هذه الرواية حصرت الذين حرم الله عليهم الصدقة بآل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وهذا أيضـاً غير صحيح، فإنه يدخـل

الصفحة 214
معهم أيضاً بنو المطلب، ولسنا الآن بصدد ذلك.

رابعاً: حديث الغدير من الأحاديث المتواترة عند المسلمين

إن حديث الغدير رواه الجمع الغفير من الصحابة، وشهدوا بصحة صدوره من النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام في ذلك المكان.

والكثير من أسانيده صحيحة قوية وحسنة، وأنا أذكر هنا عدداً من رواته من المصادر التي توفرت لديَّ، وأذكر قبلها عرضاً مختصراً لحادثة الغدير من روايات مصادرنا من أهل البيت الطاهرين المعصومين عليهم السلام، تكون مدخلاً لذلك، فأقول:

قرر النبي صلى الله عليه وآله في السنة العاشرة من الهجرة المباركة الذهاب إلى حج بيت الله الحرام وعرفت عند المسلمين بأنها حجة الوداع، وانتشر الخبر بين الناس في القرى والمناطق المجاورة للمدينة وغيرها، فتوافد الكثيرون إلى المدينة المنورة وانضموا إلى موكبه صلى الله عليه وآله، وخرج معه الألوف من المسلمين غير الذين لحقوا به في الطريق وفي مكة المكرمة.

وقد بين لهم معالم دينهم، خاصة حجهم، وبين لهم مكانة العترة الطاهرة من بعده، في خمس خطب خطبها في مكة وعرفات ومنى.

وبعد أن أنهى صلى الله عليه وآله مناسك الحج قفل راجعاً إلى المدينة المنورة، وبينما هو في طريقه إذ هبط عليه الأمين جبرائيل عليه السلام من عند الله عز وجل مخاطباً

الصفحة 215
له بقولـه: { يَاأَيُّهَا الرَّسُـولُ بَلِّـغْ مَاأُنْزِلَ إِلَيْكَ مِـنْ رَبِّـكَ وَإِنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْـتَ رِسَـالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِـمُكَ مِـنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْـدِي الْقَـوْمَ الْكَافِرِينَ }(1) فأبلغه أن الله يأمره بأن يقيم علياً بن أبي طالب عليه السلام خليفةً وإماماً للمسلمين ووصياً له على أمته، ويبلغ الناس ولايته وفرض طاعته على كل مسلم.

وكان ذلك في يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة في منطقة الجحفة قرب غدير خم وكان الوقت ضحى، فتوقف صلى الله عليه وآله عن المسير، وأمر بأن يردوا المتقدم وينتظروا المتأخر، فاجتمعوا جميعاً عنده، وحان وقت صلاة الظهر، فصلى بهم صلى الله عليه وآله وكان جو ذلك اليوم شديد الحرارة جداً فعملوا لرسول الله صلى الله عليه وآله منبراً من أحداج الإبل، وبعد أن انتهى من صلاته قام فيهم فخطبهم خطبة بليغة طويلة ابتدأها بالحمد والثناء على الله عز وجل، ووجه فيها للحضور الكثير من المواعظ والنصائح ثم نصب علياً عليه السلام إماماً وخليفةً ووصياً من بعده على أمته.

ففي الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة بسنده عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: (لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونحن معه أقبل حتى انتهى إلى الجحفة فأمر أصحابه بالنزول فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال لهم:

____________

(1) سورة المائدة الآية: 67.


الصفحة 216
إنه أنبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دعيت وأني مسؤول عما أرسلت به إليكم وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته وأنكم مسؤولون فما أنتم قائلون لربكم؟

قالوا: نقول قد بلغت ونصحت وجاهدت– فجزاك الله خير الجزاء-.

ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إليكم وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث بعد الموت حق؟

فقالوا: نشهد بذلك.

قال: اللهم اشهد على ما يقولون، ألا وإني أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون لي بذلك وتشهدون لي به؟

فقالوا: نعم نشهد لك بذلك.

فقال: ألا من كنت مولاه فإن علياً مولاه، وهذا هو، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها مع يده حتى بدت باطهما، ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض، حوضي غداً وهو حوض ما بين بصري وصنعاء فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وأني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكـم في يومكـم هـذا إذا وردتم عليّ حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي، فانظـروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟


الصفحة 217
قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟

قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي ابن أبي طالب وعترته، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر عليه السلام فقال: صدق أبو الطفيل رحمه الله هذا الكلام وجدناه في كتاب علي عليه السلام وعرفناه)(1).

وما أن انتهى النبي صلى الله عليه وآله من نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولياً على المسلمين حتى أنزل الله سبحانه وتعالى عليه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }(2).

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين بأن يبايعوا علياً عليه السلام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وفعلاً تهافت الناس عليه يهنؤونه ويباركون له، وكان من جملتهم أبو بكر وعمر وكان عمر بن الخطاب يقول له: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).

وقام حسان بن ثابت فأنشد في هذه المناسبة قصيدة قال فيها:


يناديهم يوم الغـدير نبيهمبخم فأسمع بالرســول مناديا
وقال مـن مولاكم ووليكمفقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

____________

(1) الخصال 65-66.

(2) سورة المائدة الآية: 3.


الصفحة 218

إلهك مولانا وأنت ولينامنا في الولايـة عاصيــــا
فقال له قم يا علـي فإننيرضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليهفكـونوا له أنصار صدق مَوَاليا
هناك دعا اللهم وال وليّهُوكـن للذي عـادى علياً معاديا

وفي الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود، جميعاً عن أبي جعفر عليه السلام قال:

أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم ويكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب....

قال عمر بن أذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود، وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت اولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزوجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }.


الصفحة 219
قال أبو جعفر عليه السلام: (يقول الله عز وجل لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض)(1).

____________

(1) الكافي 1/289.


الصفحة 220

الصفحة 221

الصفحة 222

الفصل الثاني
خمسون صحابياً من رواة حديث الغدير

الصحابي الأول: زيد بن أرقم

وقد رواه عنه جماعة فالرواية عنه مستفيضة إن لم نقل بأنها متواترة، فممن روى هذا الحديث عنه:

1 – أبو الطفيل عامر بن واثلة:

وروايته أخرجها الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين قال:

(حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد حدثنا أبو قلابة عبدالملك بن محم الرقاشي، حدثنا يحيى بن حماد وحدثني أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا: حدثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد وحدثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا خلف ابن سالم المخرمي حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل غديرخم أمر بدوحات فقمن فقـال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكـم

الصفحة 223
الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه... وذكر الحديث بطوله هذا) قال الحاكم النيسـابوري: (حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله...)(1).

وأخرجها(2) الترمذي في سننه(3)، والطبراني في المعجم الكبير(4)، والأوسط(5)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(6) والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(7)، والنسـائي فـي خصـائص الإمام علي(8)، والسـنن الكبـرى(9)،

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/118 برقم: 4576 و 3/118 برقم: 4577.

(2) وينبغي التنبيه هنا أن الروايات في المصادر التي لا ننقل منها النص وإنما نشير إلى وجود رواية الصحابي أو الراوي عنه فيها قد تكون متوافقة مع الرواية التي ننقل نصها كاملا وقد تكون مختلفة معها في بعض ألفاظها فمن يريد الإطلاع عن نص الرواية فعليه بالرجوع إلى مصدرها.

(3) الجامع الصحيح للترمذي 5/633 برقم: 3713.

(4) المعجم الكبير للطبراني 3/179 برقم 3049 و 5/166 برقم: 4969، ورواه مختصراًجداً في 5/165 برقم: 4968.

(5) المعجم الأوسط 2/275 برقم: 1966.

(6) تاريخ دمشق 42/216.

(7) كفاية الطالب: 56.

(8) السنن الكبرى 5/45 برقم: 8148 و 5/130 برقم: 8464.

(9) أنساب الأشراف 2/357.


الصفحة 224
والبلاذري في أنساب الأشراف(1) والطحاوي في مشكل الاثار(2) وغيرهم.

وفي رواية أخرى عن أبي الطفيل، يذكر فيها إقرار زيد بن أرقم بحديث الغدير بعد أن سمعه هو من علي عليه السلام وهو يناشد الناس يوم الرحبة أن يشهدوا به إن كانوا سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنه زيد بن أرقم فأقره.

وهذه الرواية أخرجها ابن حبان في صحيحه قال:

(أخبرنا عبدالله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو نعيم ويحيى بن آدم قالا حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال قال علي: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم لما قام، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوه يقول: ألستم تعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء فلقيت زيد بن أرقم فذكرت ذلك له فقال: قد سمعناه من رسول الله (ص) يقول ذلك له)(3).

وأخرجها النسائي في السنن الكبرى(4) وأحمـد بن حنبل في مسنده(5)،

____________

(1) أنساب الأشراف 2/357.

(2) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 9/180 برقم: 6490.

(3) صحيح ابن حبان 15/375-376 برقم: 6931.

(4) السنن الكبرى 5/134 برقم: 8478.

(5) مسند أحمد بن حنبل 4/370 برقم: 19321.


الصفحة 225
والحافظ ابن عسـاكر في تاريخ دمشق(1)، والكنجي الشـافعي في كفاية الطالب(2) والطحاوي في مشكل الآثار(3).

2 – ميمون بن أبي عبدالله:

وروايته عن زيد أخرجها النسائي في سننه قال: (أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: أخبرنا ابن أبي عدي، عن عوف عن ميمون أبي عبدالله قال زيد بن أرقم: قام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى نحن نشهد لأنت أولى بكل مؤمن من نفسه قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه أخذ بيدعلي)(4).

وأخرجها في خصائص الإمام علي(5)، وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق(6) بأكثر من طريق وفيه زيادة (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(7)، وأحمد بن حنبل في مسنده(8) وفي

____________

(1) تاريخ مدينة دمشق 42/205.

(2) كفاية الطالب: 55.

(3) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 9/178 برقم: 6487.

(4) السنن الكبرى 5/131 برقم: 8469.

(5) خصائص الإمام علي للنسائي 88.

(6) تاريخ دمشق 42/218.

(7) كفاية الطالب 52-53.

(8) مسند أحمد بن حنبل 4/372 برقم: 19344.