الصفحة 327
عن عبدالله الأزدي عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي نعيم ويحيى بن آدم، عن فطر بن خليفة بنحوه، إسناده حسن)(1).

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر قال:

(ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنه (ص) خطب بغدير خم تحت شجرات، فقال: أيها الناس إنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأحيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا، فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث جق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث مـن في القبور؟ قالوا: بلى نشـهد بذلك، قـال: اللهـم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهـذا مولاه – يعني علياً – اللهم وال من والاه وعاد مـن عاداه، ثم قـال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصري إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم،

____________

(1) الأحاديث المختارة 2/247.


الصفحة 328
فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض)(1).

وقال الحلبي:

(وقول بعضهم إن زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها)(2).

وقال ابن حجر:

(وقول بعضهم أن زيادة اللهم وال من والاه، الخ موضوعة مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها)(3).

وقال العجلوني:

(مـن كنت مولاه فعلي مولاه، رواه الطبرانـي وأحمـد والضياء في المختارة عـن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين مـن الصحابة بلفظ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فالحديث متواتر أو مشهور)(4).

____________

(1) الصواعق المحرقة 1/108.

(2) السيرة الحلبية 3/336.

(3) الصواعق المحرقة 1/106.

(4) كشف الخفاء 2/361.


الصفحة 329
وقال الألباني في صحيحته بعد أن ذكر الكثير من الطرق لهذا الحديث وصحح الكثير منها:

(وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع (9/103-108) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلاّ فهي كثيرة جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح وحسان.

وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، الأول متواتر عنه (ص) كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه وما ذكرت منها كفاية)(1).

____________

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/343.


الصفحة 330

بدعة عثمان الخميس في مخالفة معنى
التواتر عند علماء الحديث!

وهنا نقطة مهمة ينبغي أن نلفت نظر القارئ إليها وهي أن الحديث المتواتر عندهم لا يبحث في رجال أسانيده من حيث الوثاقة وعدمها، وذلك لكثرة أسانيده وطرقه التي لا يمكن معها أن يتصور اتفاق هؤلاء الرواة على الكذب أو الوقوع في الاشتباه والوهم والغفلة، الأمر الذي يفيد اليقين والاطمئنان بصحة صدور مثل هذا الحديث.

وقد صرح بذلك بعض علماء السنة:

يقول الحافظ جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي:

(ولذلك يجب العمل به – الحديث المتواتر – من غير بحث عن رجاله ولا يعتبر فيه عدد معين في الأصح)(1).

وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابه أصول الحديث:

(والمتـواتر لا يبحث عـن رجـاله بل يجب العمـل بـه مـن غير بحث في رواته)(2).

فمـا بالك بحديث الغدير المتواتر – بمـا فيه الزيادات التي حكم عليها عثمان الخميس بعدم الصحة – والذي تعتبر الكثير من طرقه صحيحة والكثير منها حســن.

إن عثمان الخميس لم يأت بعلة قادحة قط تبرر حكمه على هذه الـزيادة

____________

(1) تدريب الراوي 2/176.

(2) المختصر الوجيز في علوم الحديث 125.


الصفحة 331
بعدم الصحة، بل حكم عليها بذلك دفعاً بالصدر.

ثم أليس هؤلاء الذين صححوا هذه الزيادة من العلماء الذين يعتمد أهل السنة على تصحيحاتهم اللروايات؟

أوليس الرجال الذين وقعوا في أسانيد هذه الروايات التي فيها هذه الزيادات من الموثقين عند العديد من علماء أهل الجرح والتعديل من أهل السنة ممن يعتمد على جرحهم وتعديلهم؟

أم أن الحب الذي يزعمه الشيخ عثمان الخميس لعلي عليه السلام هو الذي دعاه لأن يحكم عليها بذلك؟!!.

تغافل عثمان الخميس عن رد علماء مذهبه
على شيخه ابن تيمية!

إن حديث الغدير حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله متواتر بشطريه، بل إن بعض الزيادات الأخرى والتي حكم عليها الشيخ عثمان الخميس بأنها كذب وردت بأسانيد صحيحة، وأن الشيخ عثمان الخميس في حكمه على الشطر الثاني بقوله: (لا يصح) وعلى الزيادات الأخرى بأنها (كذب) إنما ضرب على وتر ابن تيمية الحراني وغيره من النواصب ومن حذا حذوهم ممن حكموا على الحديث برمته بعدم الصحة، فلقد ضعف ابن تيمية الحديث بشطره الأول وحكم على الثاني بأنه كذب(1).

____________

(1) مجموع الفتاوى 4/417-418.


الصفحة 332
وقد رد عليه الألباني في صحيحته(1) وأثبت أن الحديث متواتر بشطره الأول وصحيح بشطره الثاني، واتهم ابن تيمية بالتسرع في تضعيفه وأنه ضعفه قبل أن يستحضر جميع طرقه ويدقق فيها، حيث قال: (إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب، وهذه من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها والله المستعان).

وأما الشيخ أبو إسـحاق الحـويني الأثري فإنه اعتبر تكذيب ابن تيمية لهذا الحديث مخالفة للقواعد الحديثية حيث قال:

(تنبيه: حديث من كنت مولاه فعلي مولاه حديث صحيح كما رأيت فقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كذب مخالف للقواعد الحديثية، وقد تبعه في ذلك الأستاذ محمد خليل هراس رحمه الله في تعليقه على ((التوحيد)) لابن خزيمة (ص – 32) فقال هكذا جازماً(2): (الحديث غير صحيح، ويشبه أن يكون من وضع الشيعة)!!! وقد قال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (5/415): (الحديث ثابت بلا ريب) وقال أيضاً في (تذكرة الحفاظ) (2/713) في ترجمة ابن جرير: (ولما بلغ ابن جرير أن أبي

____________

(1) الصحيحة 4/334.

(2) أقول: انظر إلى هذا الهراس كيف يحكم على حديث الغدير بأنه حديث غير صحيح ويتهم الشيعة أتباع أهل البيت بوضعه رجماً بالغيب مع أن الحديث كما مر عليك صحيح ثابت متواتر حكم عليه بذلك الكثير من علماء أهل السنة وحفاظهم.


الصفحة 333
داود تكلم في حديث (غديرخم) عمل كتاب الفضائل، تكلم في تصحيح الحديث، وقد رأيت مجلداً في طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة الطرق)...)(1).

نعم إن ابن تيمية الحراني قد خالف في تكذيبه لهذا الحديث الشريف والعديد من الأحاديث الواردة في حق علي عليه السلام وغيرها القواعد الحديثية وضرب بالأسس التي يعتمدها القوم في الحكم على الأحاديث عرض الجدار وحكّم في تضعيفه له هواه وعصبيته العمياء وحقده البغيض، ولم يقف الأمر عنده عند هذا الحد بل نال من علي عليه السلام وانتقصه!.

فهذا ابن حجر العسقلاني يقول في لسـان الميزان عند ترجمته لوالد العلامة الحلي: (وكم من مبالغة له – ابن تيمية – لتوهين كلام الحلي أدت به أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه)(2).

وقال العلامة علوي بن طاهر الحداد: (وفي منهاجه من السب والذم الموجه المورد في قالب المعاريف ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلاّ كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وآثارهم فكن منه ومنهم على حذر)(3).

____________

(1) خصائص الإمام علي بتحقيق أبوإسحاق الحويني الأثري هامش صفحة 92.

(2) لسان الميزان 6/319.

(3) نقل كلامه هذا الشيخ عبدالله الهرري في كتابه المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية صفحة 345.


الصفحة 334
وأما عبارة (وأدر الحق معه حيث دار) فهي أيضاً من قول النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام فقد ذكر العديد من علماء أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وآله قالها يوم غديرخم، قال العلامة الشيخ محمد الصبان في (اسعاف الراغبين) المطبوع بهامش نور الأبصار صفحة 167: (وقال رسول الله (ص) يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغـض من أبغضه، وانصـر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، رواه عن النبي (ص) ثلاثون صحابياً وكثير من طرقه صحيح أو حسن)(1).

وقال الشيخ حسـام الدين المـردي الحنفي فـي كتابه (آل محمد) صفحة 454: (قال رسول الله (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب مـن أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار)(2).

وقال الشيخ العلامة محمد بن علي الحنفي المصري في (إتحاف أهل الإسلام): (وقال (ص) يوم غديرخم: مـن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال مـن والاه، وعاد مـن عاده، وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه،

____________

(1) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/292، الميلاني في نفحات الأزهار 7/217.

(2) عنه المرعشي في إحقاق الحق 21/58.


الصفحة 335
وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار)(1).

وقال العلامة السيد خواجه مير محمدي في كتابه (علم الكتاب) في الصفحة 261: (روى أكثر الصحابة أن رسول الله (ص) قال عند نزوله بغدير خم: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال مـن والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، فلقيه عمر رضي الله عنه بعد ذلك فقال: هنيئا يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن)(2).

وقال ابن عبدربه:

(أسلم علي وهو ابن عشر سنين، وهو أول من شهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمدا رسول الله، وقال (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار...)(3).

____________

(1) اتحاف أهل الإسلام 67.

(2) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/290.

(3) العقد الفريد 4/311.


الصفحة 336
وقال الفخر الرازي في تفسيره:

(ومن اقتدى بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل قوله (ص): اللهم أدر الحق مع علي حيث دار)(1).

____________

(1) تفسير الفخر الرازي 1/205.


الصفحة 337

الصفحة 338

الصفحة 339

الصفحة 340

الفصل السادس
محاولة عثمان الخميس تحريف سبب خطبة الغدير

زعمه أن المسلمين غضبوا على علي عليه السلام
فأراد النبي صلى الله عليه وآله ترضيتهم!

قال عثمان الخميس:

(وجاء الحديث كذلك عن علي رضي الله عنه لما كان في الرحبة في الكوفة أنه قال: من سمع رسول الله (ص) يقول لي يوم غديرخم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فشهد بذلك اثنا عشر بدريا ولنذكر أولاً سبب قول النبي (ص) هذا الكلام لعلي.

إن الشيعة يزعمون أن النبي (ص) إنما أوقف الناس في هذا المكان في الحر الشديد أي في الجحفة التي فيها غديرخم وكان عددهم أكثر من مئة ألف، وكان مفترق الحجيج وأنهم اجتمع بهم النبي (ص) ليبين لهم الأمر وهو مـن كنت مولاه فعلـي مولاه، وكما قلت يزيدون الزيادات التي مر ذكرها(1) وهذا الحديث سببه أمران اثنان:

____________

(1) لقد مر عليك إن الزيادات التي يزعم هنا أنها من زيادات الشيعة هي مما رواه أهل السنة وصححوه، وسلموا به وأرسلوه إرسال المسلمات.


الصفحة 341
الأول: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: بعث النبي (ص) علياً إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس، قال بريدة: وكنت أبغض علياً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟! فلما قدمنا إلى النبي (ص) ذكرت ذلك له فقال النبي (ص) لبريدة: يا بريدة أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، فقال النبي (ص): (لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر ذلك) وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وفي رواية عند الترمذي أن النبي (ص) قال لبريدة: من كنت مولاه فعلي مولاه.

الثاني: أخرج البيهقي من حديث أبي سعيد أن علياً منعهم من ركوب إبل الصدقة، وأمر عليهم رجلاً وخرج إلى النبي (ص) ثم لما أدركوه في الطريق إذا الذي أمره قد أذن لهم بالركوب فلما رآهم ورأى الإبل عليها أثر الركوب غضب ثم عاتب نائبه الذي جعله مكانه.

قال أبو سعيد: فلما رجعنا إلى المدينة ذكرنا لرسول الله (ص) مالقيناه من علي ((الغلظة والتضييق)) وفي رواية أنها كانت حللا أرادوا أن يلبسوها فمنعهم علي رضي الله عنه من لبسها فقال رسول الله (ص): (مه يا سعد بن مالك وهو أبو سعيد بعض قولك لأخيك علي، فو الله لقد علمت أنه أحسن في سبيل الله)، وهـذا قال عنه ابن كثير: إسناده جيد على شرط النسائي أخرجه البيهقي وغيره.

قال ابن كثير: إن علياً رضي الله عنه لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه لذلك، والله أعلـم، لما رجـع الرسول من حجته وتفرغ من

الصفحة 342
مناسكه وفي طريقـه إلى المدينة مر بغديرخـم فقام في الناس خطيباً فبرأ ساحة علي، ورفـع من قدره ونبّه على فضـله ليزيل ما وقـر في قلوب كثير من الناس.

إذ هذا هو الأمر الذي سبب الحديث، هم تكلموا في علي، ولذلك النبي (ص) أخرّ الكلام إلى أن رجع إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة في حجة الوداع أو يوم عرفه وإنما أجل الأمر إلى أن رجع لماذا؟ لأن هذا أمر خاص بأهل المدينة لأن الذين تكلموا في علي رضي الله عنه من أهل المدينة وهم الذين كانوا مع علي في الغزو)(1).

أقول:

أولاً: دعواه بأن ما ذكره هو السبب الذي دفع النبي صلى الله عليه وآله ليوقف ذلك الجمع من الناس في ذلك اليوم الصائف الشديد الحر ليطلب منهم الرضا على علي عليه السلام وأن يودوه ويحبوه، وأن يكفوا ألسنتهم عن تناوله وانتقاصه وأنه أراد التنبيه على فضله! دعوى لا دليل عليها قط، فهي من اختراعهم تخريص ورجم بالغيب، فليس في أي واحدة من روايات حادثة الغدير ما يشير إلى ذلك!!.

ثانياً: لقد نسب إلى الترمذي رواية أن النبي (ص) قال فيها لبريدة: (من كنت مولاه فعلي مولاه) حيث قال: (... وفي رواية عند الترمذي أن النبي (ص) قال لبريدة: من كنت مولاه فعلي مولاه) وقال في الهامش: (سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب علي رقم: 3712).

____________

(1) حقبة من التاريخ 182-184.


الصفحة 343
وقد راجعنا سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، فلم نجد هذه الرواية! نعم هناك رواية لحديث الغدير تحت الرقم: (3713) مرويـة من طريق أبي الطفيل عـن أبي سريحة أو زيد بن أرقم – الشك من الراوي – وليس فيها ذكر أو إشارة إلى بريدة!

أما الرواية المذكورة تحت الرقم الذي أشار إليه (سنن الترمذي: 5/632 برقم: 3712) فهي: (حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبدالله عن عمران بن حصين قال بعث رسول الله (ص) جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (ص) فقالوا إذا لقينا رسول الله (ص) أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله (ص) فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم فلما قدمت السرية سلموا على النبي (ص) فقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألن تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله (ص) ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل رسول الله (ص) والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون مـن علي؟ ما تريـدون مـن علي؟ إن علياً منـي وأنا منـه وهـو ولـي كل مؤمن بعدي)!!.

نعم، روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين رواية بريدة التي أشار إليها قال: (حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أحمد بن

الصفحة 344
نصر أخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري وأنبأنا محمد بن عبدالله العمري، حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف قالوا: حدثنا أبونعيم، حدثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت من جفوة فقدمت على رسول الله (ص) فذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله (ص) يتغير فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت بلى يا رسول الله فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وذكر الحديث).

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)(1).

وهذا ليس فيه دلالة على أن خطاب النبي صلى الله عليه وآله للناس في ذلك اليوم إنما كان بسبب انتقاص بريدة لعلي عليه السلام أو كان بسبب شكواه إياه لرسول الله صلى الله عليه وآله، فالظاهر من ألفاظ حديث الغدير أن الخطاب فيه موجه إلى مجموع الحاضرين في ذلك الموقف وليس لخصوص بريدة، وهذه الرواية كما هو ظاهر منها الخطاب فيها موجه فقط لخصوص بريدة، وعليه فلا يمكن أن نعتبر شكوى بريدة هي السبب أو الدافع للنبي صلى الله عليه وآله ليقول ما قاله في حق علي يوم غديرخم، هذا أولاً، وثانياً: حتى هذا القول الموجه منه صلى الله عليه وآله إلى بريدة والذي كان سببه شكوى بريدة علياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وانتقاصه له فإن فيه دلالة على إمامة وولاية علي عليه السلام وذلك لأن بريدة لما أن شكى علياً وانتقصه أمام الرسـول (ص)، خاطبـه النبي بقوله: (يا بريـدة ألست أولى

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/119 برقم: 4578.


الصفحة 345
بالمؤمنين من أنفسهم؟) فأجابه بقوله: (بلى يا رسول الله) فقال صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهو يقول لبريدة أنه لا ينبغي لك أن تنتقص علياً أو تشكوه أو تبغضه لأن علياً عليه السلام له الولاية المطلقة عليكم كالولاية التي لي عليكم، فكما أنني أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكذلك علي، وفيه إشعار بعصمته عليه السلام، وإلاّ فما هي المناسبة أن يأخذ النبي الإقرار من بريده بكونه صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم يفرع عليه قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وما معنى ذلك؟!!!.

ويؤكد هذه الحقيقة أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأولئك الذين شكوا علياً عليه السلام في الرواية التي رواها عمران بن الحصين والمروية بسند صحيح: (ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ وهو ولي كل مؤمن بعدي) فلو كان يراد من الولاية هنا المحبة وما يدعيه القوم لما قيدها بقوله: (بعدي) لأن علياً تجب محبته ونصرته في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، وبما أنه قيدها بهذه اللفظة علمنا أنه يريد بذلك الولاية المطلقة على المسلمين من بعـد وفاته، وهذا نص آخر صريح على إمامته وخلافته من بعده صلى الله عليه وآله.


الصفحة 346

لا دلالة في رواية البيهقي على ما زعم عثمان الخميس

ثالثاً: إن رواية البيهقي والتي لم ينقلها عثمان الخميس كاملة ومارس فيها التقطيع فنصها مع سندها هو، قال البيهقي:

(أخبرنا أبوالحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد أنبأنا أبوسهل زياد القطان، حدثنا أبوإسحاق: إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا إسماعيل حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا أخي عن سليمان ابن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجزة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجزة عن أبي سعيد الخدري أنه قال: بعث رسول الله (ص) علي ابن أبي طالب إلى اليمن، قال أبوسعيد: فكنت ممن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا فكنا قد رأينا في إبلنا خللاً فأبى علينا وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.

قال: فلما فرغ علي وانطلق من اليمن راجعاً أمّر علينا إنساناً وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي (ص): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم قال أبوسعيد وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه نفعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب فذم الذي أمره ولامه، فقلت: أنا إن شاء الله إن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله (ص) ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق.

قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله (ص) أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله (ص) فوقف معي ورحب بي وسألني وسألته، وقال: متى قدمت؟ قلت: البارحة، فرجع

الصفحة 347
معي إلى رسول الله (ص) فدخل فقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد قال: أئذن له، فدخلت فحييت رسول الله (ص) وجاءني وسلم عليّ وسألني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة، فقلت له: يا رسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فانتبذ رسول الله (ص) وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت وسط كلامي ضرب رسول الله (ص) على فخذي، وكنت منه قريباً، ثم قال: سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك علي فوالله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سرا ولا علانية)(1).

والذي يظهر من هذه الرواية أن الذين كانوا مع علي عليه السلام في بعثه هذا لم يشاركوا في الحج مع النبي صلى الله عليه وآله وأن الذي شارك منهم هو الإمام علي عليه السلام فقط، وأن هؤلاء وصلوا إلى المدينة بعد وصول النبي صلى الله عليه وآله إليها قادما من حجة الوداع، ويظهر منها أيضاً أن شكوى أبي سعيد الخدري علياً لرسول الله صلى الله عليه وآله كانت في المدينة وليس في مكة أثناء تواجده فيها لأداء الحج أو في طريقه من مكة إلى المدينة وعليه فلا تصلح أن تكون هذه الرواية وما ورد فيها مستنداً للشيخ عثمان الخميس في دعواه السابقة، ولا يمكن أن تكون شكوى أبي سعيد ومن كان معه هي السبب الذي جعل النبي ’ يقول ما قاله في حق علي عليه السلام في غديرخم.

____________

(1) دلائل النبوة للبيهقي 5/398-399.


الصفحة 348

السبب الحقيقي لخطبة الغدير

رابعاً: إن السبب الذي دعا النبي صلى الله عليه وآله لأن يخطب في ذلك الجمع ويقول قوله المذكور هو أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه قوله: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ويأمره عن طريق الوحي بأن ينصب علياً عليه السلام ولياً وإماماً للمسلمين وخليفة من بعده، وقد روي ذلك من طريق أهل السنة أيضاً.

فقد روى أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في تفسيره بسند يرفعه إلى ابن عباس قال في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، أمر النبي (ص) بأن يبلغ فيه فأخذ رسول الله (ص) بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)(1).

وقـال العلامة السـيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله في كتابه (الأربعين حديثاً): (لما أمر النبي (ص) أن يقوم لعلي بن ابي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي (ص) إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر الجاهلية، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجه ثم رجع حتى إذا كان بغديرخم أنزل الله عزوجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } لأنه مقام منادى فنادى الصـلاة جامعة

____________

(1) تفسير الثعلبي (مخطوط) عنه السيد المرعشي في إحقاق الحق 6/348.


الصفحة 349
ثم قام وأخـذ بيد علي فقـال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)(1).

وقال العلامة الآمرتسري في كتابه أرجح المطالب:

(عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } أي بلغ من فضائل علي – نزلت في غدير خم، فخطب رسول الله (ص) ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ يا علـي، أصبحت مـولاي، وولـي كل مؤمـن ومؤمنـة، أخرجه أبو نعيم والثعلبي)(2).

وقال العلامة علي بن شهاب الدين الهمداني في كتابه (مودة القربى):

(روي عن البراء بن عازب قال: أقبلت مع رسول الله (ص) في حجة الوداع فلما كان بغديرخم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول الله تحت شجرة وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فلقاه عمر فقال: هنيئا لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وفيه أنزلت: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }...)(3).

____________

(1) الأربعون حديثا (مخطوط) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/348.

(2) أرجح المطالب 67.

(3) مودة القربى 55.


الصفحة 350
وأخرج الحاكم الحسكاني في كتابه (شواهد التنزيل) قال:

(أخبرنا السيد أبوالحسن محمد بن علي بن الحسين الحسني رحمه الله قراءة، قال: أخبرنا أبوالحسن محمد بن محمد بن علي الأنصاري بطوس، قال: حدثنا قريش بن خداش بن السائب قال: حدثنا أبوعصمة نوح بن أبي مريم، عن إسماعيل، عن أبي معشر عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: لما أسري بي إلى السماء سمعت نداء من تحت الفراش أن علياً راية الهدى وجبيب من يؤمن بي، بلِّغ يا محمد، قال: فلما نزل النبي (ص) أسرّ ذلك، فأنزل الله عزوجل: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ – في علي بن أبي طالب - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }...)(1).

وقال أيضاً: (أخبرنا أبو عبد الله الدينوري قراءة، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم السني، قال: أخبرني عبد الرحمان بن حمدان قال: حدثنا محمد بن عثمان العبسي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش عن أبي الجحاف داود بن عوف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ })(2).

وقال: (أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ جملة، قال: أخبرنا علي بن عبد الرحمان بن عيسى الدهقان بالكوفة، قال: حدثنا الحسين بن الحكم

____________

(1) شواهد التنزيل 2/249.

(2) شواهد التنزيل 2/250.


الصفحة 351
الحبري قال: حدثنا الحسن بن الحسن العرني قال: حدثنا حبان بن علي العنزي، قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عزّ وجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ... } الآية؛ قال: نزلت في علي، أمر رسول الله (ص) أن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(1).

وقال: (أخبرنا أبو بكر السكري، قال: أخبرنا أبو عمرو المقري قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثني أحمد بن أزهر، قال: حدثنا عبد الرحمان بن عمرو بن جبلة، قال: حدثنا عمر بن نعيم بن عمر بن قيس الماصر، قال: سمعت جدي قال: حدثنا عبد الله ابن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم وتلا هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ... } ثم رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: اللهم اشهد)(2).

وقال: (أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل بقراءتي عليه من أصل سماع نسخته، قال: أخبرنا زاهر (زاهد) بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا المغيرة بن محمد، قال: حدثنا علي ابن محمد بن سليمان النوفلي، قال: حدثني أبي قال: سمعت زياد بن المنذر يقول: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام

____________

(1) شواهد التنزيل 2/252.

(2) شواهد التنزيل 2/252.


الصفحة 352
إليه رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الأعشى – كان يروي عن الحسن البصري – فقال له: يا ابن رسول الله جعلني الله فداك إن الحسن يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولكنه يخاف، إن جبرئيل هبط على النبي (ص) فقال له: إن الله يأمرك أن تدل أمّتك على صلاتهم، فدلهم عليها، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم، فدلهم عليها، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صيامهم فدلهم، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على حجهم ففعل، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذلك، فقال رسول الله: يا رب إن قومي قريبوا عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم وإني أخاف، فأنزل الله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ – يريد فما بلغتها تامة – وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فلما ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال: يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت إلى بلدي بشيء أحب إليّ من هذا الحديث)(1).

____________

(1) شواهد التنزيل 2/253 – 255.


الصفحة 353
وأخرج أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في كتابه (أسباب النزول) قال: (أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي، قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي، قال: حدثنا علي بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه)(1).

وقال الشوكاني في تفسيره (فتح القدير):

(وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } على رسول الله (ص) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص) { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ – أن علياً مولى المؤمنين – وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ })(2).

وقال الفخر الرازي في تفسيره:

(العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ولما نزلت هذه

____________

(1) أسباب النزول للواحدي 115.

(2) فتح القدير 2/76.


الصفحة 354
الآية أخذ بيده وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس، والبراء بن عازب ومحمد بن علي)(1).

وأخرج أبو نعيم الأصفهاني في كتابه: (ما نزل من القرآن في علي) قال: (حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس عن أبي الجحاف التميمي داود بن أبي عوف، عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) في علي بن أبي طالب عليه السلام { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(2).

____________

(1) تفسير الفخر الرازي 12/49.

(2) النور المشتعل 86.


الصفحة 355

الصفحة 356

الصفحة 357