الفصل السابع
محاولة عثمان الخميس تفريغ حديث الغدير من معناه
قال عثمان الخميس:
(والإختلاف بين أهل السنة والشيعة في مفهوم قول النبي (ص) لا في الثبوت، فالشيعة يقولون من كنت مولاه أي من كنت واليه فعلي واليه، وأهل السنة يقولون إن مفهوم قول النبي (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه، أي الموالاة التي هي النصرة والمحبة وعكسها المعاداة وذلك لأمور:
1- للزيادة التي وردت وقلت صححها بعض أهل العلم، وهي قول النبي (ص): اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فالموالاة والمعاداة هي شرح لقوله: فعلي مولاه، فهي محبة الناس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه)(1).
أقول:
قـوله (ص): (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) هو دعاء من النبي (ص) يخاطب فيه ربه سبحانه وتعالى بأن يوالي ولي علي عليه السلام ويعادي عدوه
____________
(1) حقبة من التاريخ 184 – 185.
وقال عثمان الخميس:
(2- إن خطبة النبي (ص) لم تكن لأجل علي(1) وإن كان علي يستحق الخطبة وأكثر رضي الله عنه وأرضاه، ولكن القصد أن وقوف النبي (ص) كان للراحة، والسفر من مكة إلى المدينة طويل يستريح فيه النبي (ص) أكثر من مرة، والنبي (ص) ذكر الناس بكتاب الله وأهل بيته، وأنه يجب أن يكون
____________
(1) لقد مر سابقاً الإشارة إلى السبب الذي دعى النبي صلى الله عليه وآله يخطب في المسلمين في ذلك المكان وفي ذلك اليوم وهو أن الله عز وجل أمره بأن ينصب علياً عليه السلام ولياً للمسلمين من بعده.
3- كلمة المولى تدل على ماذا؟ قال ابن الأثير: المولى يقع على الرب والمالك، والمنعم والناصر والمحب والحليف والعبد والمعتق وابن العم والصهر، كل هذه تطلق العرب عليها كلمة مولى.
4- الحديث ليس فيه دلالة على الإمامة لأن النبي (ص) لو أراد الخلافة لم يأت بكلمة تحتمل كل هذه المعاني(2) التي ذكرها ابن الأثير، ولكان يقول: علي خليفتي من بعدي أو علي الإمام من بعدي، أو إذا أنا مت فاسمعوا وأطيعوا لعلي بن أبي طالب، ولكن لم يأت بهذه الكلمة الفاصلة التي تنهي الخلاف إن وجد أبداً، وإنما قال من كنت مولاه فعلي مولاه.
5- قال الله تبارك وتعالى { مَأواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصيرُ } فسماها مولى لشدة الملاصقة والاتحاد مع الكفار والعياذ بالله.
6- المولاة وصف ثابت لعلي في حياة رسول الله (ص) وبعد وفاته وبعد وفاة علي رضي الله عنه، فعلي كان مولى المؤمنين في حياة الرسول (ص) وكان مولى المؤمنين بعد وفاة الرسول وهو مولى المؤمنين بعد وفاته رضي
____________
(1) وهل من إتباع أهل البيت واحترامهم إنكار فضائلهم وأقوال الرسول صلى الله عليه وآله الصادرة في حقهم، وتفسيرها على غير معناها الصحيح يا شيخ عثمان؟!!!.
(2) إن أخذ النبي صلى الله عليه وآله في ذلك اليوم الإقرار من ذلك الجمع بأنه صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومن ثم تفريعه قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) على قوله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لا يحتمل منه إلاّ أنه أراد معنى واحداً فقط وهو أن علياً عليه السلام أولى بالتصرف في أمور المسلمين من أنفسهم فهو كالنبي صلى الله عليه وآله في ذلك.
7- لو كان النبي (ص) يريد الأولى لما قال مولى، ولكن يقول: أولى، فكلمة مولى تختلف عن كلمة والي، فالوالي من الولاية وهي الحكم، أما المولى فهي من الولاية وهي الحب والنصرة، قال الله تبارك وتعالى: { فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنينَ } من المحبة والنصرة والتأييد.
8- قال الله تبارك وتعالى عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام: { إِنَّ أَوْلى النّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتّبَعوهُ } ولم يعن هذا أنهم هم الرؤساء على إبراهيم بل هو إمامهم ورئيسهم (ص).
9- قال الإمام الشافعي رحمه الله عن حديث زيد: يعني بذلك ولاء الإسلام كما قال الله { ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ مَوْلى الَّذينَ آمَنوا وَأَنَّ الْكافِرينَ لا مَوْلى لَهُمْ } فالحديث لا يدل على أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله (ص) وإنما يدل على أن علياً من أولياء الله تبارك وتعالى تجب له الموالاة وهي المحبة والنصرة والتأييد)(2).
وقال عثمان الخميس:
(وهذا الحديث يستدل به الشيعة على أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة
____________
(1) لقد روى الفريقان سنة وشيعة أن الآية المذكورة نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم تصدق بخاتمه على سائل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فالمراد باللذين آمنوا فيها خصوص علي بن أبي طالب عليه السلام.
(2) حقبة من التاريخ 185 – 187.
ديدنهم: إذا عجزوا عن رد السند.. لجؤوا إلى التأويل والتمييع!
أقول: إن حديث الغدير والحمد لله فيه دلالة على الإمامة والولاية العظمى والخلافة على الأمة لعلي عليه السلام من بعد النبي صلى الله عليه وآله وليس كما يزعم عثمان الخميس.
ويكفي للمنصف أن يقرأ قول النبي صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ليجزم بأنه يقصد خلافته وولاية التصرف في أمور المسلمين الدينية والدنيوية، وأن علياً عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك للقرائن القطعية التي أحاطت بها.
فكلمة (المولى) وإن استعملت في معان كثيرة، لكن القرائن المقامية والمقالية تعين المقصود منها، ولا تدع مجالاً للشك بأنه الخلافة النبي صلى الله عليه وآله، ويكفي من هذه القرائن أربعة:
أولها: أنه صلى الله عليه وآله أخبر الأمة في مقدمة كلامه أنه راحل إلى ربه.
وثانيها: أنه أوصاهم بالكتاب والعترة، وأكّد أنهما لا يفترقان إلى يوم القيامة.
وثالثها: أنه قدم لهم علياً عليه السلام وأصعده معه على المنبر ورفع يده، معلناً لهم (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا تعريف للأمة بمن يجب عليها التمسك به مع القرآن.
____________
(1) حقبة من التاريخ 182.
هذا مضافاً إلى العديد من القرائن والأدلة المنفصلة التي لا تدع مجالاً لريب المرتاب بأن مقصود النبي الخلافة لا غير.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وآله مهد لذلك بأن أخذ إقرار المسلمين على أولويته بهم من أنفسهم، وقوله صلى الله عليه وآله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ورد عندنا وعند القوم بأسانيد صحيحة، فلا شك في صحة هذه العبارة وصدورها من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد مرت عليك نماذج من رواياتهم التي تضمنتها.
ويكفي المعانـد أن يعرف معنى هذه العبارة، وما هو مراد النبي صلى الله عليه وآله منها؟.
فقد ورد مثلها في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }(1) والمراد منها؛ أن النبي صلى الله عليه وآله له الولاية العامة المطلقة على المسلمين في جميع ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم، فهو أولى من كل مسلم في المسائل الإجتماعية والفردية، وكذلك في المسائل المتعلقة بالحكومة والقضاء والدعوة وغيرها، وأن أمره ورأيه مقدم على أمر ورأي أي مسلم، وأنه إذا توجه خطر إلى نفس النبي صلى الله عليه وآله فيلزم المسلم أن يقيه ويفديه بنفسه، وأن يكون صلى الله عليه وآله أحب إلى المسلم من نفسه.
فهذه الأولوية هي التي مهد بها النبي ’ وأثبتها لعلي عليه السلام.
____________
(1) الأحزاب: 6.
ثم إن الأولوية والولاية هنا مطلقة، وتقييدها ببعض المصاديق دون البعض لا يمكن إلاّ بدليل، ولا يوجد مثل هذا الدليل.
وممن فسر قوله تعالى بما ذكرناه من علماء أهل السنة:
1- البيضاوي في تفسيره قال: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم مـن أنفسهم وأمره أنفـذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها)(1).
2- النسفي في تفسيره قال: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه، ويجعلونها فداءه، أو هو أولى بهم أي أرأف وأعطف عليهم وأنفع لهم كقوله: { بِالْمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ }(2).
3- ابن القيم الجوزية في زاد المهاجر قال: (وقال تعالى: { النَّبِيُّ
____________
(1) تفسير البيضاوي 4/364.
(2) تفسير النسفي 3/297.
4- الزمخشري في تفسيره الكشاف قال: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ } في كل شيء من أمور الدين والدنيا { مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلونها دونه ويجعلونها فداءه إذا عضل خطب، ووقاءه إذا لقحت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا تصرفهم عنه، ويتبعوا كل ما دعاهم إليه الرسول (ص) وصرفهم عنه لأن كل ما دعا إليه فهو إرشاد لهم إلى نيل النجاة والظفر بسعادة الدارين، وما صرفه عنه فأخذ
____________
(1) زاد المهاجر: 29.
5- الألوسي في روح المعاني قال: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ } أي أحق وأقرب إليهم من أنفسهم أو أشد ولاية ونصرة لهم منها، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس، فإنها أمارة بالسوء وحالها ظاهر أولا، فقد تجهل بعض المصالح وتخفى عليها بعض المنافع، وأطلقت الأولوية ليفيد الكلام أولويته عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور ويعلم كونه (ص) أولى بهم من أنفسهم كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من كل الناس)(2).
6- الشوكاني في فتح القدير قال: ({ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي: هو أحق بهم في كل أمور الدين والدنيا، وأولى بهم من أنفسهم فضلاً عن أن يكون أولى بهم من غيرهم، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم، وإن كانوا محتاجين إليها، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم لأنفسهم، ويجب عليهم أن يقدموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم، وبالجملة فإذا دعاهم النبي (ص) لشيء ودعتهم أنفسهم
____________
(1) الكشاف 3/523.
(2) روح المعاني 12/228 – 229.
7- وهبة الزحيلي في تفسيره المنير قال: ({ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } في الأمور كلها في الدين والدنيا، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، فهو أرأف بهم وأعطف عليهم فيما دعاهم إليه مما دعتهم أنفسهم إليه، إذ هو يدعو إلى النجاة وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك)(2).
وقال أيضاً في نفس المصدر: ({ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي أن النبي محمداً (ص) أرأف بجماعة المؤمنين من أمته وأعطف عليهم من أنفسهم، إذ يدعوهم إلى النجاة وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، كما قال: (أنا آخذ بحجزتكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش) ولأنه لا يأمر إلاّ بالخير ولا ينطق إلا بالوحي...) إلى أن قال: (وجعلت الولاية
____________
(1) فتح القدير 4/327 – 328.
(2) التفسير المنير 21/244.
8- الدكتور محمد محمود حجازي في الواضح قال: ({ النَّبِيُّ } عليه الصلاة والسلام { أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } في كل شيء من أمور الدنيا والدين، فواجب عليهم أن يكون الله ورسوله أحب إليهم من كل ما سواه حتى أنفسهم، وأن يكون حكمه أنفذ عليهم من حكم أنفسهم، وحقه أثبت لديهم من حقوق أنفسهم، وتكون نفوسهم فداءً له وأجسامهم وقاية له من كل شر، وكل ما يملكون تحت قدميه، وكل ما أمر به أو نهى عنه أقبلوا عليه مؤمنين به، إذ هو إرشاد لهم وتوجيه، ليظفروا بسعادة الدارين، فهو أولى بالمؤمنين على معنى أرأف بهـم وأعطف عليهم وأنفـع لهم مـن أنفسهم)(2).
9- الجصاص في أحكام القرآن قال: (وقوله تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } قال: أخبرني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله أن النبي (ص) قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي وإن ترك مالاً فهو لورثته، وقيل في
____________
(1) التفسير المنير 21/245.
(2) التفسير الواضح، الجزء 21 ص 75 – 76.
10 – الواحدي في تفسيره، قال: ({ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } إذا دعاهم النبي (ص) إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي (ص) أولى)(2).
11- ابن الجوزي في زاد المسير قال: (قوله تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي أحق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء.
قال ابن عباس إذا دعاهم إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح فإن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه
____________
(1) أحكام القرآن 5/223.
(2) تفسير الواحدي 2/858.
12 – البغوي في تفسيره قال: (قوله عز وجل: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي (ص) ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي (ص) أولى بهم من أنفسهم.
قال ابن زيد: { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه، وقيل: هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه، وقيل: كان النبي (ص) يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا فنزلت الآية، أخبرنا عبد الواحد عبد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عبد الله بن محمد، أنا أبو عامر، أنا فليح، عن هلال بن علي ابن عبد الرحمن بن أبي عمرو، عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: ما من مؤمن إلاّ أنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه)(2).
13- أبو السعود في تفسيره قال: ({النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }
____________
(1) زاد المسير 6/352.
(2) تفسير البغوي 3/507.
فهل يبقى عند عاقل شك في أنّ تمهيد النبي صلى الله عليه وآله لولاية علي عليه السلام بولايته وإثبات ذلك له من بعده؟!
فلفظة (المولى) مهما كان لها من معان في اللغة، ولكن معناها هنا منحصر بـ (الأولى) في التصرف كأولوية النبي صلى الله عليه وآله.
وعليه، فلن ينفع عثمان الخميس وغيره محاولتهم تفريغ كلام النبي صلى الله عليه وآله من معناه، ليهربوا من ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولا هروب من (المولى) في حديث خطبة الغدير إلاّ إلى (المولى) في قوله تعالى: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ }(2) وقد فسرها علماء التفسير بالأولى بكم.
قال ابن كثير في تفسيره: (قوله تعالى: { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم)(3).
____________
(1) تفسير أبو السعود 7/91.
(2) الحديد: 15.
(3) تفسير ابن كثير 4/311.
وقال البغوي في تفسيره: ({ مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب)(2).
وقال البيضاوي في تفسيره: ({ مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } هي أولى بكم كقول لبيد:
فغـدت كلا الفرجيـن تحسب أنـه مـولى المخافــة خلفـها وأمامها وحقيقته مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك هو مئنة الكرم، أي مكان قول القائل إنه كريم، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله: (نخبة بينهم ضرب وجيع) أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا)(3).
وقال الشوكاني في فتح القدير: ({ مَأوَاكُمُ النَّارُ } أي منزلكم الذي تأوون إليه { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي هي أولى بكم، والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان فيمن يلازمه...)(4).
____________
(1) تفسير الواحدي 2/1068.
(2) تفسير البغوي 4/298.
(3) تفسير البيضاوي 5/300.
(4) فتح القدير 5/171.
وقال ابن قتيبة في غريب القرآن: ({ مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي هي أولى بكم)(2).
وقال الشيخ سعيد بن أحمد الكندي في تفسيره: ({ هِيَ مَوْلاَكُمْ } هي أولى بكم، وقيل متولاكم كما توليتم موجباتها)(3).
وقال أبو الفرج ابن الجوزي في تـذكرة الأريب في تفسـير الغريـب: ({ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أولى بكم)(4).
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: (قوله تعالى: { هِيَ مَوْلاَكُمْ } قال أبو عبيدة: أي أولى بكم)(5).
____________
(1) تفسير الطبري 11/680.
(2) غريب القرآن 390.
(3) التفسير الميسر للقرآن الكريم 3/318.
(4) تذكرة الأريب 1/206.
(5) زاد المسير 8/167.
وفي تفسير الجلالين: ({ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي أولى بكم)(2).
وقال محيي الدين الدرويش في إعراب القرآن وبيانه: ({ مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } مأواكم النار خبر مقدم ومبتدأ مؤخر أو بالعكس وهي مبتدأ ومولاكم خبر، ومولالكم يصح أن يكون بمعنى أولى بكم)(3).
وقال البخاري في صحيحه باب تفسير سـورة الحـديد: قال مجاهد: (... { مَوْلاَكُمْ } أي أولى بكم)(4).
كما فسر العديد من علماء اللغة والتفسير لفظة (مولى) الواردة في معلقة لبيد لن ربيعة العامري وبالتحديد في قوله:
____________
(1) تفسير النسفي 4/217.
(2) تفسير الجلالين 721.
(3) إعراب القرآن وبيانه 9/463 – 464.
(4) صحيح البخاري 4/1851.
وحكي ذلك أيضاً عن أبي العباس ثعلب أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني النحوي المتوفى سنة (291 هـ) حكاه عنه القاضي أبو عبد الله الحسين الزوزني في شرح المعلقات السبع حيث قال في شرح بيت لبيد المذكور:
(وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي أولى بكم)(2).
وأيضاً الدكتور عمر فاروق الطباع في شرحه لديوان لبيد قال:
(وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي أولى بكم)(3).
وقال ابن منظور في لسان العرب: (وأما قول لبيد (فغدت كلا الفرجين... البيت) فيريد أنه أولى موضع أن تكون فيه الحرب)(4).
____________
(1) صحاح اللغة وتاج العربية مادة: ولي.
(2) شرح المعلقات السبع 229.
(3) ديوان لبيد بن ربيعة العامري 147 شرح وضبط الدكتور عمر فاروق.
(4) لسان العرب 15/410.
فغـدت كلا الفرجيـن تحسب أنـه مولى المخافة خلفها وأمامها)(1).
وقال أبو بكر محمد بن القاسم اللغوي الأنباري: (والمولى من الأضداد فالمولى: المنعم المعتق، والمولى المنعم عليه المعتق.. وله معان ستة سوى هذين، فالمولى أولى بالشيء قال الله تعالى: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } فمعناه أولى بكم، قال لبيد:
فغـدت كلا الفرجيـن تحسب أنـه مولى المخافة خلفها وأمامها)(2).
ومنهم من صرح مطلقاً بمجيء (المولى) بمعنى (الأولى) في لغة العرب:
قال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي: (والمولى على وجوه هو: العبد والسيد وابن العم والصهر والجار والولي والأولى بالشيء)(3).
وقال محمد بن أبي بكر الرازي في غريب القرآن: (والمولى الذي هو أولى بالشيء، ومنه قوله تعالى: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي هي أولى
____________
(1) تفسير البيضاوي 5/300.
(2) الأضداد 2/46.
(3) شرح ديوان الحماسة 1/23.
وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: (قال العلماء: لفظة المولى مستعملة بإزاء معان متعددة، وقد ورد القرآن العظيم بها، فتارة تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حق المنافقين:{ مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } معناه أولى بكم)(2).
وقال أبو بكر محمد بن القاسم اللغوي الأنباري: (والمولى من الأضداد فالمولى: المنعم المعتق، والمولى المنعم عليه المعتق.. وله معان ستة سوى هذين، فالمولى أولى بالشيء... الخ)(3).
وقال أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني في نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن، المطبوع بهامش تبصرة الرحمان 2/154: (والمولى على ثمانية أوجه المعتق والمعتق والولي، والأولى بالشيء... الخ).
وبعد أن أثبتنا أن لفظة (مولى) تأت في لغة العرب بمعنى (الأولى)
____________
(1) غريب القرآن، مادة: ولي.
(2) الفصول المهمة 43.
(3) الأضداد 2/46.