الصفحة 378

وأنها لا يصح أن تفسر في حديث الغدير إلا بذلك، فيثبت أن علياً عليه السلام له الولاية على المسلمين كالولاية التي لرسول الله صلى الله عليه وآله عليهم، ولهذا قلنا أن حديث غدير خم نصٌّ على إمامة علي عليه السلام وخلافته.

قال شمس الدين يحيى بن الحسن الحلي المعروف بابن البطريق وهو أحد أعلام الطائفة في كتابه العمدة:

(فإن قيل: فإذا ثبت أن لفظة (مولى) قد تستعمل مكان الأولى، وأنها أحد محتملاتها، فما الدليل على أنّ النبي صلى الله عليه وآله أراد بها يوم الغدير(الأولى) دون أن يكون أراد بها غيره من الأقسام التي يعبر بها عنها؟

قيل له: مقدمة الكلام التي بدأ بذكرها وأخذ إقرار الأمة بها من قوله صلى الله عليه وآله: ألست أولى منكم بأنفسكم؟ ثمّ عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها، دليل على أنه لم يرد غير المعنى الذي قررهم عليه من دون أحد محتملاتها، وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه، فلا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ يحتمله إلاّ ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون أن يكون أراد بها غيره ما عداه.

يوضح ذلك ويزيده بياناً أنه لو قال: ألستم تعرفون داري التي في موضع كذا؟ ثم وصفها وذكر حدودها، فإذا قالوا: بلى، قال لهم: فاشهدوا أن داري وقف على المساكين، وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحمل قوله في الدار التي وقفها إلاّ على أنها الدار التي قرّرهم على معرفتها ووصفها.


الصفحة 379
وكذلك لو قال لهم: ألستم تعرفون عبدي فلاناً (النوبي)؟ فإذا قالوا: بلى، قال لهم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله تعالى، وكان له مع ذلك عبيد سواه لم يجز أن يقال: إنه أراد إلاّ عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده، وإن اشترك جميعهم في اسم العبودية.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، ثبت أن مراد النبي ’ بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، معنى الأولى، الذي قدم ذكره وقرره، ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام لفظة (مولى) وما تحتمله.

وذلك يوجب أن علياً عليه السلام أولى بالناس من أنفسهم بما ثبت أنه مولاهم كما أثبت النبي صلى الله عليه وآله لنفسه أنه مولاهم وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بلفظ الكتاب العزيز، وثبت أنه مولى بلفظ نفسه، فلو لم يكن المعنى واحداً لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز إلى لفظ غيره، فثبت لعلي عليه السلام ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول إلى معنى سواه)(1).

وقال سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص وهو من علماء العامة: (فأما قوله: من كنت مولاه، فقال علماء العربية لفظة المولى ترد على وجوه... إلى أن قال:... والتاسع السيد المطاع وهو المولى المطلق، قال في الصحاح كل من ولي أمر أحد فهو وليه، والعاشر بمعنى الأولى، قال الله تعالى: { فالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذينَ كَفَروا مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ

____________

(1) عمدة عيون صحاح الأخبار 161 – 162.


الصفحة 380
مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي أولى بكم، وإذا ثبت هذا لم يجز حمل لفظة المولى في هذا الحديث على مالك الرق لأن النبي (ص) لم يكن مالكاً لرق علي حقيقة، ولا على المولى المعتق لأنه لم يكن معتقاً لعلي ولا علي المعتق لأن علياً كان حراً ولا على الناصر لأنه كان ينصر من ينصر رسول الله (ص) ويخذل من يخذله ولا على ابن العم لأنه كان ابن عمه، ولا على الحليف لأن الحلف يكون بين الغرماء للتعاضد والتناصر، وهذا المعنى موجود فيه، ولا على المتولي لضمان الجريرة لما قلنا أنه انتسخ ذلك، ولا على الجار لأنه يكون لغواً من الكلام وحوشي منصبه الكريم من ذلك، ولا على السيد المطاع لأنه كان مطيعاً له يقيه بنفسه ويجاهد بين يديه، والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعين الوجه العاشر وهو الأولى ومعناه من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن السعيد الأصفهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشائخه وقال فيه: فأخذ رسول الله (ص) بيد علي فقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه، فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر ودل عليه أيضاً قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قوله (ص): وأدر الحق معه حيث دار وكيف دار فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي وبين أحد من الصحابة إلاّ والحق مع علي، وهذا بإجماع الأمة ألا ترى أنّ العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين...)(1).

____________

(1) تذكرة الخواص 37 – 39.


الصفحة 381
وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول: (وأمّا مؤاخاة رسول الله (ص) إياه وامتزاجه به وتنزيله إياه منزلة نفسه وميله إياه وإيثاره إياه فهذا بيانه:

فإنه قـد روى الإمام الترمذي في صحيحه بسنده عـن زيد بن أرقم أنه قال: لما آخا رسول الله (ص) بين أصحابه جاءه علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ قال: فسمعت رسول الله يقول: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وروى بسنده أيضاً: أن رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهذا اللفظ بمجرده رواه الترمذي ولم يزد عليه، وزاد غيره ذكر اليوم والموضع، فذكر الزمان وهو عند عود رسول الله من حجة الوداع، وذكر المكان وهو ما بين مكة والمدينة يسمى خماً في غدير هناك، فسمي ذلك اليوم غدير خم، وقد ذكره عليه السلام في سفره الذي تقدم، وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً لكونه وقتاً خص فيه رسول الله (ص) علياً بهذه المنزلة العلية وشرفه بها دون الناس كلهم.

ونقل عن زاذان قال: سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد منكم رسول الله (ص) يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

ولزيادة التقرير: نقل الإمام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه أسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هذه

الصفحة 382
الآية { يأ أَيُّها الرَّسولُ بَلِّغْ ما أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } يوم غدير خم في علي بن أبي طالب، فقوله (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه قد اشتمل على لفظة (مَن) وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله (ص) مولاه كان علي مولاه.

واشتمل على لفظة (المولى) وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة، قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى (أولى) قال الله تعالى في حق المنافقين: { مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } معناه: أولى بكم، وتارة بمعنى الناصر، قال الله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلى الَّذينَ آمَنوا وَأَنَّ الْكافِرينَ لا مَوْلى لَهُمْ } معناه: إن الله ناصر المؤمنين وإن الكافرين لا ناصر لهم، وتارة بمعنى الوارث، قال الله تعالى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَواليَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ والأقْرَبونَ } معناه: وراثاً، وتارة بمعنى العصبـة، قال الله تعالى: { وَإِنّي خِفْتُ الْمَواليَ مِنْ وَرائي } معناه: عصبتي، وتارة بمعنى الصديق والحميم، قال الله تعالى: { يَوْمَ لا يُغْني مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً } معناه: حميم عن حميم وصديق عن صديق، وقرابة عن قرابة، وتارة يمعنى السيد المعتق وهو ظاهر.

وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيها حملت، إما على كونه أولى كما ذهبت إليه طائفة، أو على كونه صديقاً حميماً فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن علياً منه كذلك. وهذا صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية، وجعله لغيره

الصفحة 383
كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة (من) التي هي للعموم بما لم يجعله لغيره.

وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: { فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ } والمراد نفس علي على ما تقدم فإن الله جل وعلا لما قرن بين نفس رسول الله (ص) وبين نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموماً فإنه أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ (مولى) لرسول الله فقد جعله لعلي، وهي مرتبة سامية ومنزلة شاهقة ودرجة علية ومكانة رفيعة خصه (ص) بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه)(1).

وأما قول عثمان الخميس: (قال الله تبارك وتعالى عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام: { إِنَّ أَوْلى النّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتّبَعوهُ } ولم يعن هذا أنهم هم الرؤساء على إبراهيم بل هو إمامهم ورئيسهم) فجوابه:

أن قوله سبحانه وتعالى: { إِنَّ أَوْلى النّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتّبَعوهُ } فيه قرينة واضحة تمنع من حمل الأولى على أولوية التصرف، فلا يقاس هذا على قولنا بأن (المولى) في قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه يعني الأولى بالتصرف، حيث مرّ عليك تفسير علماء أهل السنة لقوله تعالى { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أن الأولوية فيه مطلقة غير مقيدة وفي جميع الأمور

____________

(1) مطالب السؤول 44 – 45.


الصفحة 384
فتكون الأولوية بالتصرف داخلة في ذلك بالضرورة، وكما أن هذه الأولوية ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله فهي أيضاً ثابتة لعلي عليه السلام بنص حديث الغدير.

وبهذا نكون بعون الله تعالى قد دحضنا جميع الشبهات والإشكالات التي أوردها الشيخ عثمان الخميس على حديث الغدير، حيث أثبتنا صحته وتواتره وصحة الألفاظ التي ادعى أنها لا تصح أو التي زعم أنها كذب، وأبطلنا جميع محاولاته التي حاولها لإثبات عدم دلالة حديث الغدير على النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فحديث الغدير نص جلي واضح في ذلك.


الصفحة 385

الصفحة 386


رد أباطيل عثمان الخميس على قول النبي صلى الله عليه وآله

(علي مني وأنا من علي)





الصفحة 387

الصفحة 388

الصفحة 389

الصفحة 390

محاولة عثمان الخميس إشراك الآخرين في خصائص علي عليه السلام

قال عثمان الخميس:

(حديث علي مني وأنا من علي، قالوا: قول النبي (ص): " علي مني وأنا من علي " دليل على أنّ علياً هو الإمام بعد الرسول (ص).

ونقول: علي من النبي (ص) والنبي (ص) منه في الإتباع والنصرة، ولذلك قال النبي: (ص) عن جليبيب لما فقد في غزوة أحد: انظروا إلى جليبيب، قالوا: ما وجدناه، قال: ابحثوا عنه في القتلى، فوجدوه قد سقط وحوله سبعة من الكفار فأخبروا النبي (ص) فقال: " قتل سبعة وقتلوه، جليبيب مني وأنا منه " رواه مسلم.

ولما ذكر النبي (ص) الأشعريين قال: " هم مني وأنا منهم " فلا يلزم من قول النبي (ص) عن علي رضي الله عنه أنّه مني وأنا منه هو الخليفة بعد رسول الله (ص)، بل للمبالغة في بيان اتحاد طريقة النبي (ص) وعلي، والتزام علي رضي الله عنه طاعة النبي (ص)، وعلي له من النبي النسب والمصاهرة والإتباع والنصرة والتأييد والقيام بحق الله تبارك وتعالى ولذلك قال النبي (ص): " علي مني وأنا من علي ")(1).

____________

(1) حقبة من التاريخ: 206 – 207.


الصفحة 391
أقول:

أولاً: الظاهر من كلام الشيخ عثمان الخميس أنّه لا إشكال عنده على هذا الحديث الشريف من ناحية السند، فهو لا ينكر ثبوته وصحة صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حق أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكيف ينكر ذلك وهو مروي بطرق متعددة وأسانيد صحيحة، بل هو مروي في أصح الكتب لديهم حسب زعمهم.

وهذه نماذج من الرّوايات التي أخرجها حفاظ وعلماء أهل السنة في مصنفاتهم الحديثية والتي تتضمن قوله صلى الله عليه وآله المذكور:

أخرج البخاري في صحيحه فقال: (حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: اعتمر النبي (ص) في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (ص) فقالوا: لا نقر بها فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، لكن أنت محمد ابن عبد الله، قال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي امح رسول الله قال: لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول الله (ص) الكتاب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة سلاح إلاّ في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع أحداً من أصحابه أراد أن يقيم بها، فلما دخلها ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك: أخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج النبي (ص) فتبعتهم ابنة حمزة، يا عم يا عم

الصفحة 392
فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي (ص) لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم، وقال لعلي: أنت مني وأنا منك وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا)(1).

وأخرجها أيضاً في باب عمرة القضاء باختلاف يسير في بعض ألفاظه(2).

كما أخرج هذه الحادثة كاملة أو مختصرة بالألفاظ المذكورة أو باختلاف فيها وضمنها قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك) كل من ابن حبّان في صحيحه(3) والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين(4) وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي في الأحاديث المختارة(5) والترمذي في الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي(6) والبيهقي في السنن الكبرى(7) ومعمر بن راشد في الجامع(8) والبزار في مسنده(9) وأحمد بن

____________

(1) صحيح البخاري 2/960 برقم: 2552.

(2) صحيح البخاري 4/1551 برقم: 4005.

(3) صحيح ابن حبان 11/229 برقم: 4873.

(4) المستدرك على الصحيحين 3/130 برقم: 4614.

(5) الأحاديث المختارة 2/392 برقم: 778 و 2/393 برقم: 779.

(6) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5/635 برقم: 3716.

(7) السنن الكبرى للبيهقي 8/5 و 8/6 و 12/226.

(8) الجامع لمعمر بن راشد 11/227.

(9) مسند البزار 2/316 برقم: 744.


الصفحة 393
حنبل في مسنده(1) والبيهقي في شعب الإيمان(2) والنسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وفيه (أنت مني بمنزلة هارون وأنا منك)(3) وغيرهم كثير.

وروى قـوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك) دون الإشارة إلى حادثة أو مناسبة معينة ابن أبي شيبة في مصنفه(4) والنسائي في خصائص الإمام علي(5) والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق(6).

وأخرج ابن ماجه في سننه قال: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد ابن سعيد وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي)(7)(8).

____________

(1) مسند أحمد 1/115 برقم: 931.

(2) شعب الإيمان 4/284.

(3) خصائص الإمام علي 79 برقم: 68.

(4) مصنف ابن أبي شيبة 6/368 برقم: 32090.

(5) خصائص الإمام علي 78 برقم: 67.

(6) تاريخ دمشق 42/63.

(7) سنن ابن ماجه 1/44 برقم: 119.

(8) أقول: قال عثمان الخميس في كتابه (كشف الجاني) صفحة 115 وهو يرد على الدكتور محمد التيجاني حول حديث (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) محاولاً تضعيفه: (قلت: هذا الحديث مداره على أبي إسحاق السبيعي وهـو مدلس مشهور بكثر التدليس عن الضعفاء فإذا صرّح بالتحديث فحديثه صحيح بل في أعلى مراتب

=>


الصفحة 394
وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه(1)، وأحمد بن حنبل في مسنده(2)، والطبراني في المعجم الكبير(3) وابن أبي عاصم في السنة(4) والنسائي في فضائل الصحابة(5) والسنن الكبرى(6) وابن عساكر في تاريخ دمشق(7)، أخرجه بأكثر من طريق وفي بعضها " علي مني وأنا من علي" بدل " علي مني وأنا منه " وغيرهم.

____________

<=

الصحيح ولكن الكلام فيما إذا لم يصرح بالتحديث فإنه يتوقف في قبول حديثه).

أقول: لقد روى النسائي في السنن الكبرى (5/45 برقم: 8147) هذا الحديث وفيه تصريح بالتحديث وسماع أبي إسحاق الحديث من حبشي بن جنادة ففيه قال: (أخبرنا أحمد بن سليمان قال: أنا يحيى بن آدم، قال: أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: حدثني حبشي بن جنادة السلولي قال: قال رسول الله (ص): " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلاّ أنا أو علي ")، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه ما يفيد أيضاً سماع أبي إسحاق من حبشي قال: (حدثنا شريك عـن أبي إسحاق عن حبشي بن جنــادة، قال (شريك): قلت له: يا أبا إسحاق أين رأيته؟ قال: وقف علينا في مجلسنا فقال: سمعت رسول الله (ص) يقول: " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلاّ علي ").

فثبت أن أبا إسحاق السبيعي سمع الحديث من حبشي بن جنادة وعليه يكون هذا الحديث في أعلى مراتب الصحة حسب ما أفاده الشيخ عثمان الخميس في كلامه المذكور.

(1) مصنف ابن أبي شيبة 6/366 برقم: 32071.

(2) مسند أحمد 4/165.

(3) المعجم الكبير 4/16.

(4) السنة 2/598 برقم: 1320.

(5) فضائل الصحابة 1/15 برقم: 44.

(6) السنن الكبرى 5/45 برقم: 8147 و 5/127 برقم: 8454 و 5/128 برقم: 8459.

(7) تاريخ دمشق 42/345 و 346.


الصفحة 395
وأخرج ابن جرير الطبري في تاريخه قال: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا حيان بن علي، عن محمد بن عبيد الله ابن أبي رافع، عن أبيه عن جده قال: لما قَتَل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول الله (ص) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي، قال: ثم أبصر رسول الله (ص) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبرئيل: يا رسول الله؛ إنّ هذه للمواساة، فقال رسول الله (ص): إنّه مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما. فسمعوا صوتاً: " لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي ")(1).

ورواه بنوع من الاختصار كل من الطبراني في المعجم الكبير(2) وابن حنبل في فضائل الصحابة(3) وغيرهم.

وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين قال: (أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن

____________

(1) تاريخ الطبري 2/65.

(2) المعجم الكبير 1/318.

(3) فضائل الصحابة 2/657.


الصفحة 396
تخلو بنا من بين هؤلاء.

قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم.

قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى.

قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا.

قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي (ص): " لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " فاستشرف لها من استشرف، فقال: "أين علي؟ " فقالوا: إنه في الرحى يطحن.

قال: وما كان أحدهم ليطحن.

قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر.

قال: فنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه، فجاء علي بصفية بنت حيي.

قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله (ص) فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه فأخذها منه، وقال: " لا يذهب بها إلاّ رجل هو مني وأنا منه ".

فقال ابن عباس: وقال (ص) لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ ".

قال: وعلي جالس معهـم، فقال (ص) وأقبـل على رجـل منهـم فقال: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " فأبوا، فقال لعلي: " أنت وليي في الدنيا والآخرة ".

قال ابن عباس: وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها.


الصفحة 397
قال: وأخذ رسول الله (ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }.

قال ابن عباس: وكان المشركون يرمون رسول الله (ص) فجاء أبو بكر رضي الله عنه وعلي نائم.

قال: وأبوبكر يحسب أنه رسول الله (ص).

قال: فقال: يا نبي الله، فقال له علي: إنّ نبي الله (ص) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه.

قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار.

قال: وجعل علي رضي الله عنه يرمى بالحجارة كما كان رمي نبي الله (ص) وهو يتضور، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا: إنك للئيم، وكان صاحبك لا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك.

فقال ابن عباس: وخرج رسول الله (ص) في غزوة تبوك وخرج بالناس معه.

قال: فقال له علي: أخرج معك؟

قال: فقال النبي (ص): " لا "، فبكى علي، فقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ".


الصفحة 398
قال ابـن عباس: وقال له رسـول الله (ص): " أنت ولي كل مؤمن ومؤمنة ".

قال ابن عباس: وسد رسول الله (ص) أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال ابن عباس: وقال (ص): " من كنت مولاه فإن مولاه علي "... الرواية).

ثم قال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة)(1) وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك.

وهذه الرواية رواها بهذا المتن أو بمتن قريب منه وضمنها قوله صلى الله عليه وآله عن علي عليه السلام: " هو مني وأنا منه " ابن أبي عاصم في السنة(2)، والنسائي في السنن الكبرى(3)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(4) والنسائي في خصائص الإمام علي عليه السلام(5)، والطبراني في المعجم الأوسط(6) والكبير(7)، وأحمد بن حنبل في مسنده(8) وغيرهم.

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/143 برقم: 4652.

(2) السنة لابن أبي عاصم 2/603.

(3) السنن الكبرى 5/113 برقم: 8409.

(4) تاريخ دمشق 42/98 و 100.

(5) خصائص الإمام علي 48 – 49.

(6) المعجم الأوسط 3/165.

(7) المعجم الكبير 12/77.

(8) مسند أحمد 1/330 برقم: 3062.


الصفحة 399
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده قال: (حدثنا ابن نمير، حدثني أجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله (ص) بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده.

قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي إمرأة من السبي لنفسه قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (ص) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي (ص) دفعت الكتاب فقرىء عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله (ص) فقلت: يا رسول الله؛ هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (ص): " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ")(1).

وأخرجه بهذا السند والمتن أيضاً في كتابه فضائل الصحابة(2).

ثانياً: إنّ قـوله صلى الله عليه وآله: " علي مني وأنا من علي " يعتبر من خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يشاركه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، وهذا ما صرّح به عبد الله بن عباس رضوان الله تعالى عليه في الخبر الذي أوردناه سابقاً، ونذكر منه هنا موضع الشاهد.

____________

(1) مسند أحمد 5/356 برقم: 23062.

(2) فضائل الصحابة 2/688 برقم: 1175.


الصفحة 400
قال عمرو بن ميمون قال: (إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء.

قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم.

قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى.

قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا.

قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي (ص): " لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " فاستشرف لها من استشرف، فقال: " أين علي؟ " فقالوا: إنه في الرحى يطحن.

قال: وما كان أحدهم ليطحن.

قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر.

قال: فنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه، فجاء علي بصفية بنت حيي.

قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله (ص) فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه فأخذها منه، وقال: " لا يذهب بها إلاّ رجل هو مني وأنا منه "... الرواية)(1).

قلت: انظر إلى قول ابن عباس: (((وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره))) والذي هو صريح في أنّ قوله صلى الله عليه وآله: " علي

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/143 برقم: 4652.


الصفحة 401
مني وأنا من علي " من خصائصه عليه السلام.

ثالثاً: إنّ رواية جليبيب التي أوردها عن مسلم لها طريق واحد فقط فهي مروية من طريق حماد بن سلمة، وقد صرّح بعضهم بأنّه ممن ساء حفظه، ووصفه الذهبي بأنّه ثقة صدوق ولكنه يغلط(1).

وأما رواية الأشعريين فهي غير معتبرة أيضاً، حيث وقع في سندها جماعة من الأشعريين، ففيه أبو عامر الأشعري، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة وهو أشعري، ويرويها عن جده أبو بردة وهو أشعري، وأبو بردة يرويها عن أبي موسى الأشعري، خصوصاً وأنّه لم يرو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله من غير طريق هؤلاء، إضافة إلى ذلك فإن بريد بن عبد الله مجروح من بعض علماء الجـرح والتعديل مـن أهل السنة، فقـد قال فيه أبو حاتم: (ليس بالمتين يكتب حديثه)(2)، وقال ابن عدي: (سمعت ابن حماد يقول: بريد بن عبد الله بن أبي بردة ليس بذاك القـوي أظنه ذكره عن البخاري)(3)، وقال النسائي (ليس بذاك القوي)(4)، وقال أحمد: (يروي مناكير)(5)، وقال ابن حبّان (يخطيء)(6)، وقال الأزدي: (فيه لين

____________

(1) الكاشف 1/349.

(2) تهذيب التهذيب 1/272، تهذيب الكمال 1/335.

(3) الكامل في الضعفاء 2/62.

(4) تهذيب التهذيب 1/272.

(5) الضعفاء الكبير 1/158، تهذيب التهذيب 1/272.

(6) تهذيب التهذيب 1/272.


الصفحة 402
يحدث عن أبيه بنسخة فيها مناكير)(1).

رابعاً: إنّ معنى قوله صلى الله عليه وآله: (علي مني وأنا منه) أن النبي صلى الله عليه وآله وعلياً عليه السلام كلاهما من جنس واحد في الأداء والتبليغ ووجوب الطاعة على الأمة، إلاّ أن الأول نبياً والثاني إماماً لأنّ النبوّة ختمت بنبوّة النبي محمد صلى الله عليه وآله، يؤيد ذلك ويؤكده الكثير من الأحاديث النبوية ومنها حديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه وآله: لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي).

خامساً: إنّ النبي صلى الله عليه وآله أردف قـوله (علي مني وأنا منه) – في بعض المناسبات – بألفاظ وعبارات تفيد المعنى الذي أشرنا إليه، فمرة قال صلى الله عليه وآله: (علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عنّي إلاّ علي)، وفي أخرى قال: (فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي)، فقوله صلى الله عليه وآله: (ولا يؤدي عنّي إلاّ علي) أهم ما يفيده أنّ علياً ورسول الله صلى الله عليه وآله في الأداء إلى الأمة سواء، وأمّا قوله (وهو وليكم بعدي) فإنّ أهم ما يفيده أن علياً عليه السلام هو المتولي والمدير لأمور وشؤون الأمة من بعده صلى الله عليه وآله، وهو القائم بوظائفه بعد رحيله إلاّ اللهم وظيفة تلقي التشريع الإلهي من الوحي وتبليغه للناس.

____________

(1) تهذيب الكمال المجلد الأول هامش صفحة 335، وفي نفس المصدر في هامش نفس المجلد والصفحة ذكر أن الذهبي قال في تاريخ الإسلام أن أبا حاتم قال: (لا يحتج به).


الصفحة 403

الصفحة 404

الصفحة 405