الصفحة 40

قال: " ولَعَمري إنّ أمر الله في حقّي لأََعجَبُ من أمر محمّد رسول الله من قبل لو أنتم فيه تتفكّرون، قل إنّه رُبي في العرب، ثمّ من بعد أربعين سـنةً قد نَزّل الله عليه الآيات وجعله رسـوله إلى العالمين، قل إنّي ربيت في الأعجمين، وقد نَزّل اللهُ عَلَيَّ من بعدما قضى من عمري خمسـةً بعد عشـرين سـنةً آيات التي كلٌّ عنها يعجزون "!!

.. إلى قوله: " وإنّا وعدنا من قبل في القرآن أنّا كنّا نسـتنسـخ ما كنتم تعملون "!!

.. إلى قوله: " آمنت بسـرّ آل محمّـد "!!

وقوله بالفارسـية: " ومحمّـد رسـول الله ركن هواء اسـت، وعليّ والأئمّة حجج الله ركن ما اسـت "!!

وفي كتابه إلى مفتي بغداد شـهاب الدين الآلوسـي(1) ـ الذي أوّله: " بسـم الله الأمتع الأقدس "!! ـ قوله:

" وإنّه من قبل رسـول الله حقّ محبوب، وقد جاء بالهدى، وبلّغ ما

____________

(1) هو: شهاب الدين أبو الثناء محمود بن عبـد الله الحسيني الآلوسي (1217 ـ 1270 هـ = 1802 ـ 1854 م)، مفسّر محدّث أديب، من أهل بغداد، مولده ووفاته فيها، كان سلفي الاعتقاد، تقلّد الإفتاء في بغداد سنة 1248 هـ، وعُزل، وسافر إلى الموصل والآستانة سنة 1262 هـ، ومرّ بماردين وسيواس، وأكرمه السلطان عبـد المجيد، وعاد إلى بغداد بعد 21 شهراً يدوّن رحلاته ويكمل ما بدأ به من مصنّفاته، ومن مؤلّفاته: روح المعاني في تفسير القرآن، نشوة المدام في العود إلى دار السلام، غرائب الاغتراب، وغيرها.

والآلوسي نسبة إلى جزيرة " آلوس " في وسط نهر الفرات، على خمس مراحل من بغداد، قرب مدينة عانة، فرّ إليها جدّ هذه الأُسرة من وجه هولاكو التتري عندما دهم بغداد، فنسب إليها.

انظر: هديّة العارفين 6 / 418، الأعلام 7 / 176، معجم المؤلّفين 3 / 815 رقم 16629، معجم البلدان 1 / 75 رقم 36 مادّة " آلوسة ".


الصفحة 41
أُنزل عليه من كتاب ربّه حيث أنتم يومئذ به مؤمنون ".

وفي مقالته التي يقول فيها: " ولله علم ما يخرج من الأرض، ورقّ الشـمس والقمر " قوله:

" وما اسـتشـعرتم في قيمة محمّـد رسـول الله ولَـمّا جاءهم بالهدى والبيّنات من عند ربّهم فما آمنوا به إلاّ قليل "!!

.. إلى أن قال: " ذِكْر الأوّل الذي هو محمّـد رسـول الله ".

وفي مقالته التي يقول فيها: " فاعلم بأنّه ما نزل في القرآن كلّه قد نزل في البسـملة "!

وقال: " إنّ فيه(1) كلّ علم قد أحاط به علم الله، وما يعزب منه عن محمّـد وآل محمّـد من شـيء ".

ثمّ اسـتشـهد بدعاء العشـرات(2)، ودعاء الصحيفة(3)، ودعاء السـحر(4)، ودعاء المباهلة(5)، وسـورة الحشـر!!

.. إلى قوله: " ذلك في مقام الإمامة حروفه، ولقد خلق الله لكلّ حرف مظهراً كاملا، أوّله محمّـد، وثانيه عليّ، وثالثه فاطمة، ورابعه الحسـن، وخامسه الحسـين، وسادسه علي بن الحسـين، وسابعه محمّـد ابن عليّ، وثامنه جعفر بن محمّـد، وتاسـعه موسـى بن جعفر، وعاشـره عليّ بن موسـى، والحادي عشـر محمّـد بن علي، والثاني عشـر عليّ ابن محمّـد، والثالث عشـر الحسـن بن عليّ " ثمّ جعل نفسـه الرابع

____________

(1) يعني: القرآن. منه (قدس سره).

(2) انظره في جُنّة الأمان الواقية 1 / 109 ـ 113.

(3) انظره في جُنّة الأمان الواقية 1 / 309 ـ 311.

(4) انظره في جُنّة الأمان الواقية 2 / 689 ـ 703.

(5) انظره في جُنّة الأمان الواقية 2 / 799 ـ 802.


الصفحة 42
عشـر!!

وقال في هذه المقالة أيضاً: " واسـتشـعر ما قال الله في آخر سـورة الإسـرى: ( قُلِ ادْعُوا اللهَ أوِ ادْعُوا الرّحمنَ ) ".. الآية(1).

ومن قوله في " البيان ": " كلّ الأسـماء اسـمه وهو لا اسـم له، وكلّ الأنعات نعته وهو لا نعت له، باطنه كلمة لا إله إلاّ الله، وظاهره في الفرقان محمّـد رسـول الله ".

وراجع كتابه الذي سـمّوه " البيان ".. وراجع أيضاً كتابه الذي سـمّاه " أحسن القصص "، في تفسير قوله تعالى: ( إذْ قالَ يُوسُفُ لأبيهِ يا أَبتِ إنّي رأيتُ أحدَ عَشَرَ كَوْكباً ).. الآية(2).

وقوله تعالى: ( لا تَقْصُصْ رُؤياكَ عَلَى إخْوَتِكَ )(3).

وقوله تعالى: ( وَكذلكَ يَجْتبيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تأويلِ الأحاديثِ )(4)..

تجده منوّهاً بذِكر رسـول الله وفاطمةَ والحسـين، وأئمّةِ الحقّ، وشـهادةِ الحسـين وفضل زيارته وزائره.

وقال حسـين علي في ألواحه، في كتابه إلى أحد دعاته المسـمّى عندليب: " وفي أوّل القدم يتمسّك بما أنزل الرحمن في القرآن بقوله: ( قُلِ ادْعُوا الله )(5) ( ثُمّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهمْ يَلعَـبُونَ )(6) ".

____________

(1) سـورة الإسـراء 17: 110.

(2) سـورة يوسـف 12: 4.

(3) سـورة يوسـف 12: 5.

(4) سـورة يوسـف 12: 6.

(5) سـورة الإسـراء 17: 110.

(6) سـورة الأنعام 6: 91.


الصفحة 43
ولنذكر جملة من كتابه المسـمّى " إيقان " نقلا من نسـخة خطّية عنـدنـا..

فإنّه قال في أثناء كلام في رسـالة موسـى (عليه السلام) في ذِكر مؤمن آل فرعون ما لفظه: " ربّ العزّة براي حبيب خود ميفرمايد(1): ( وقالَ رَجُلٌ مؤمِنٌ مِنْ آل فِرعَوْنَ يَكْـتُمُ إيمانَـهُ ).. الآية(2) ".

وقال في الباب الأوّل بعد ذِكر ما في الأناجيل، في علامات مجيء المسـيح وانقضاء الدهر: " لهذا أز شـريعه فيض محمّـديه، وأز سـحاب فضل أحمديه ممنوع شـدند "(3).

وقال في أوّل كلامه في تحويل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: " وبعد از هجرت شـمس نبوّة محمّـدي أز مشـرق بطحا بيثرب "(4).

وقال في أُخريات الباب الثاني: " مثل در كتاب مبين ربّ العالمين بعـد از ذِكر ختميّت(5)، قوله تعالى: ( ولكن رسـول الله وخاتَمَ النبيّـين )(6) "(7).

ولعلّما إذا خاطبتك بهذه الحجّة رَمَزَ(8) إليك بعضُ دعاتك بطَرْفِه،

____________

(1) أي: قال ربُّ العزّة لحبيبه:...

(2) سـورة غافر 40: 28.

(3) أي: لهذا فقد حُرِموا من الشريعة المحمّـدية المعطاءة.

(4) أي: وبعد الهجرة المحمّـدية من بطحاء مكّة إلى يثرب.

(5) يعني: محمّـداً (صلى الله عليه وآله). منه (قدس سره).

(6) سـورة الأحزاب 33: 40.

(7) أي: كما في كتاب الله المبين بعد ذِكر خاتم النبيّـيـن...

(8) الرَمْـزُ: إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم ; انظر: لسان العرب 5 / 312 مادّة " رمز ".


الصفحة 44
ووَمَضَ(1) ابتسامُه إلى سـرّ مكتوم أحَسَّتْ به هواجِسُنا من بعض دعاتكم في دعوتهم لغير المسـلمين من الأُمم، ومن معاونة بعضكم لأضداد الإسـلام في الجرأة على قدس خاتم النبيّين وجلالة القرآن الكريم ـ كما وجدناه في بعض الكتب المطبوعة ـ وعرفنا المُعين والمُعان، فيلقّنك برمزه وغمزه(2) أنّه ليس لدين الإسـلام ولا لكتابه ولا لشـرعه من حقيقة!

ولكن هذا الظهور، وسـرّ النقطة، اقتضى أن ينتشـل المسـلمين إلى ساحل الإيمان، بما هو مألوف لهم من أساطير الأوّلين، حتّى إذا أضاء لهم صبح الإيمان، انكشـف لهم أنّهم كانوا يأمّون سـراباً بقيعة(3)!

فنقول إذاً: بخ بخ لهذا الظهور وهذا النور، حيث كان اجتذابه للناس إلى مزاعم إشـراقه بضدّ الأمانة، إذ يسـتزلّهم بالخداع ; وبضدّ الحكمة، إذ يجعل لهم نحلتهم حجر عثرة لهم في سبيل ما يدعوهم إليه ; وبضدّ الفَهْم، حيث لم يدرِ بأنّ التصديق على أساس نحلتهم ينقض عليه أمره بالبرهان والجدل، ويردّ أمره إلى الخيبة والفشـل ; تعالى الحقّ عن ذلك، وحاشـا الحقيقة عن أوهامه.


*    *    *

____________

(1) أي أشار إشارة خفيّة بابتسامته ; انظر: لسان العرب 15 / 408 ـ 409 مادّة " ومض ".

(2) الغَمْـزُ: الإشارة بالعين والحاجب والجَفْن ; انظر: لسان العرب 10 / 120 مادّة " غمز ".

(3) قِيْعَة: جمع قاع، وقيل: تكون للواحد، والقاع: ما انبسـط من الأرض، وفيه يكون السـراب نصف النهار ; انظر: لسـان العرب 11 / 348 مادّة " قوع ".


الصفحة 45

المقالة الثانيـة

في ما يفرض أن تقوله

هو أن تقول: إنّ لدين الإسلام ولقرآنه ولرسالة رسـوله جرثومةُ(1)حقيقة وأسـاسُ حقّ، ولكن دعوة البابية جاءت لإصلاحه!

قلـت: ولهذا الكلام وجهان:

  • الوجه الأوّل: أن تقول:

    إنّ نبيّ الإسـلام وكتابه ـ جاءا في ما جاءا به ـ بأُصول وأحكام غير صالحة، فجاءت البابية لتهذيب ذلك وإصلاحه!

    فنقـول: عافاك الله، هذا يرجع إلى المقالة الأُولى فإنّ النبيّ المرسَل من الله، والكتاب المنزَل من الله، لا يكون منهما ما هو غير صالح، وإنّما يكون غير الصالح من النبيِّ الكاذب والكتاب المفترى على الله.

  • الوجه الثاني: أن تقول:

    إنّ كلّ ما جاء به رسـول الله وأُنزل في القرآن هو حقّ صالح مقرون بالمصلحة والحكمة، ولكن دَسّت فيه الأهواءُ والجهلُ أُموراً غريبة، وأدخلتْ فيه ما لا يوافق الصلاح والحكمة ; فالدعوة إلى البابية قامت لتهذيب الإسـلام من هذا الغريب الدخيل، كالإصلاح الپروتسـتنتي(2) للنصرانية!

    ____________

    (1) الجُرْثومة: أصل كل شيء ومجتمعه ; انظر: لسان العرب 2 / 232 مادّة " جرثم ".

    (2) حركة الإصلاح الپروتستانتي: هي الحركة التي تزعّمها الراهب الألماني مارتن لوثر (1483 ـ 1546 م) في ألمانيا.


    الصفحة 46
    فنقـول: كيف تقول ذلك ودعوى البابية قد خالفت المعلومات المسـلَّمات في جامعة هذا الدين، وبدّلت من الإسـلام أُموراً لا مسـاغ لعاقل عن اليقين بأنّها من حقيقة دين الإسـلام وشـرعه وصريح كتابه، كأحكام المواريث والنكاح والطلاق والشـهور والصوم والصلاة، وغير ذلـك؟!

    عافـاك الله! إنّ الدعـاة أخفـوا عليك، فَلِـمَ لا تنظر في (بيان الباب) و (صحيفة الأحكام للبهاء)؟!

    أفلا تلتفت إلى الصلاة والصوم؟! إذ كنت تعرف منهما ما هو ضروريّ يقينيّ في دين الإسـلام، بحيث يعلم كلّ ذي شـعور أنّه من لُباب الشـرع المحمّـدي.

    وأين هذا من الإصلاح الپروتسـتنتي؟! الذي أهمّ مقصد فيه هو المحافظة على ما جاء في الإنجيل والكتب القانونية الشـرعية(1).

    ____________

    (1) الكتب القانونية الشرعية: هي الأناجيل الأربعة المنسوبة إلى متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وقد اكتسبت شرعيّتها وقانونيّتها منذ القرن الثاني الميلادي حينما تسلّمت الكنيسة هذه الأناجيل ككتابات وسجلاّت يوثق بها وذات سلطان!

    انظر: قاموس الكتاب المقدّس: 121.


    الصفحة 47
    وإنّما هذّبَ النصرانيةَ من آراء الپاپاوات وتقاليدهم ـ كالسـجود للصور والأيقونات ـ، وبعضِ التأويلات المسـتحيلة، ممّا هو من المسـتحدَثات التي لا مسـاس لها بالكتب القانونية.

    وإنّما نشـأت هذه الأشـياء في النصرانية مِن زعم كلّ پاپ أنّه الرسـول والنائب الخاصّ عن المسـيح، ورأيه ـ أو قل: إلهامه ـ مقدَّس في النصرانية.

    فتبصّر ـ عافاك الله وهداك ـ في مقايسـتك بالأُمور، فما كلّ بيضاء شـحمة(1)!


    *    *    *

    ____________

    (1) مَثل يقال لمن قاس شيئاً على شيء فأخطأَ قياسُه ; انظر: شرح حماسة أبي تمّام 1 / 245 رقم 92، مجمع الأمثال 3 / 275 رقم 3868.


    الصفحة 48

    المقالة الثالثـة

    في ما يُفرض أن تقوله

    هي أن تـقول: إنّ دين الإسـلام حقّ، وقرآنـه حقّ، وكلّه من الله، قد أخذ بأطراف الكمال والصلاح، ولكن طريقة البابية وردت عليه وعلى كتابه كما ورد هو على ما قبله من الأديان والكتب.

    وكما أشـارت تلك الأديان والكتب إلى حقيقته وشـرفه، أشـار هو إلى طريقة البابية وشـرفها.

    فالإسـلام كاف في الدلالة عليها، وما جاء فيه كاف في الحجّة لها، فإنّا نبني أمرها عليه، ونرجع في شـأن دعوتها إليه، ونحتجّ بكتابه وسُـنّته ورواية أئمّته.

    قلـت: نعم، وهذا هو الذي صرّح به آسـاس طريقتكم ورؤسـاءُ دعوتكم، كما ذكرناه في الكلام على المقالة الأُولى، ونذكره في تقرير الدعوة، وإنْ كنتم قد أسـررتم ضدّ ذلك فيما بينكم ـ كما يُنمى ويُنسـب إليكم، ويُحَسُّ من همس بعض دعاتكم ـ فهو من أقبح الخيانة في الضلال، وأفحش الفجور في الكذب، والتزوير الناشـئ من وَبالِ الضلال والوهن في الطريقة.

    ثمّ أقـول: لا يخفى أنّ كلّ أمر يراد إثباته والاحتجاج عليه لا بُـدّ أن يُنظر أوّلا في إمكانه وسـلامته عن الموانع، ثمّ تعود النوبة إلى البرهان على وقوعه والاحتجاج لإثباته.


    الصفحة 49
    فأمّا إذا كان مقترناً بالموانع من ثبوته، فإنّ التصدّي لإثباته من الخبط والعبث، فإنّ اقتران دعوى (علي محمّـد الباب) بالموانع كاف في الدلالة على بطلان دعوته وغلط حجّته.

    وهلمّ فلنجرِ الموانع، فإنْ تركت لك سـبيلا إلى الاحتجاج، فدونك ذلك لننظر في الحجّة.

    وإنْ لم تترك لك سـبيلا لإيضاحها بطلانَ الدعوة، فلنحمد الله على هدايته إلى السـداد، ونشـكره على ظهور الحقّ من أقرب الطرق.

    فنقـول ـ والله المسـتعان ـ: إنّا لم تصل إلينا كتبكم، ومهما تطلّبناها حالَ بيننا وبينها حجابُ الإخفاء لها والتسـتّر بها، على ضدّ حكمة الدعوة وقانون الطاعة وشـرع الصدق، حتّى إذا اسـتحصلنا منها ـ بلطيف الجدّ ـ شـيئاً قليلا، بنسـخ متعدّدة، فاعتمدنا منها على الذي توافقت فيه النسـخ ; فاسـتخرجنا من " البيان " و " الألواح " أسـاس الدعوة وعنوان الدعوى، ودللنا على موضعه من كتبكم، وسـمّينا قائله، وذكرناه بلفظه، فاعرضوه على ما عندكم تجدوه مطابقاً حرفاً بحرف، إذ وجدنا (ميرزا علي محمّـد) على أطوار:

    [1 ـ دعوى النيابة:]

    فطوراً يدّعي أنّه نائب عن بقيّة الله المنتظَر إمامِنا ; ولذا سـمّى نفسـه بـ: البـاب..

    وأنّ أوّل نور ظهر هو حجّة الله مولاه، حيث قال في كتابه المسـمّى " أحـسـن القصـص " في أوّل تفسـيره لسـورة يوسـف مـن القـرآن الكـريم ـ وهو من أوائل ما كتبه ـ ما هذا لفظه ونصّه:


    الصفحة 50
    " الله قد قدّر أن يخرج هذا الكتاب في تفسـير (أحسـن القصص) من عند محمّـد بن الحسـن بن عليّ بن محمّـد بن عليّ بن موسـى بن جعفر بن محمّـد بن عليّ بن الحسـين بن عليّ بن أبي طالب، على عبـده، ليكون حجّة الله من عند الذِكر على العالمين بليغاً، يا معشـر الملوك وأبناء الملوك انصرفوا عن ملك الله جميعكم على الحقّ بالحقّ جميلا ".. إلى آخر ما خاطب به ملك إيران محمّـد شـاه.

    وقال أيضاً في تفسـير سـورة يوسـف: " ولا تقولوا كيف يكلِّمُ عن الله مَن كان في السـنّ خمس وعشـروناً، اسـمعوا، فَوَرَبِّ السـماء والأرض إنّي عبـد الله آتاني الله البيّنات من عند بقيّة الله المنتظَر إمامِكم "!

    ونقل حسـين علي في أواخر كتابه " إيقان " عن علي محمّـد من أوّل كتابه المسـمّى " قيّوم السـماء " قوله: " يا بقيّة الله، قد فَدَيْتُ بكلّي لك، ورضيتُ السـبَّ في سـبيلك، وما تمنّيتُ إلاّ القتل في محبّتك، وكفى بالله العليّ معتصماً قديماً ".

    وقال أيضاً في خطابه للملاّ محمّـد علي المازندراني، الملقّب بالقدّوس، ما مختصره: " أوّلُ طرز لاحَ ولمعَ ثمّ أشـرقَ، حضرةُ النور، وماحي الديجور، حجّةُ الله مولاي ".

    وقال في خطابه لـ (زرّين تاج) التي سـمّاها بـ (قرّة العين): " ثمّ إنّ رجعة القائم عجّل الله فرجه ظهور ذلك النور "!

    [2 ـ دعوى المهدوية:]

    وطوراً يدّعي أنّه المهديّ، الثاني عشـر من الأئمّة عند الشـيعة، والرابع عشـر من المعصومين، حيث قال في " البيان ": " في ذِكر البسـملة

    الصفحة 51
    والنقطة والاعتماد على تأويل الحروف المقطّعة " وذكر كلاماً طويلا على نحو طريقة الشـيعة الاثني عشـريّة في تعداد المعصومين والأئمّة في الدين، فذكر رسـول الله وأمير المؤمنين والزهراء والأئمّة من بعدهم (عليهم السلام)، فعدّهم واحداً واحداً إلى قوله: " والثالث عشـر الحسـن العسـكري " وقال: " والرابع عشر البهاء الذي نزل في ليلة القدر "!

    وقال في كتابه لشهاب الدين الآلوسي: " وإنّي أنا المهديّ، حقّ على كلّ مَن آمن بالقرآن بي يوعدون "!

    [3 ـ دعوى النبوّة:]

    وطوراً يدّعي أنّه نبيٌّ، بعثه الله وأرسـله وأوحى إليه، وأنزل عليه كتاباً لا يقدر الجنّ والإنس على أن يأتوا بمثله، وأنّه رفع الأحكام العملية، ونهى أن يتّبع غير ما في كتابه " البيان "!

    وافتخر على القرآن الكريم بأنّه يأتي بمقداره في أربعة أيّام مع إنّ القرآن الكريم نزل في ثلاث وعشـرين سـنة، وبأنّ أمره أعجب من أمر رسـول الله!

    وهاك ما ذكره في هذه الدعاوي من بعض كلماته:

    قال في ما كتبه للملاّ محمّـد علي المازندراني: " وإنّ شـؤون التفسـير شـأن النبيّ، والمناجاة شـأن الوليّ، والعلم شـأن الأبواب، قد أظهرنا ذلك الشـؤون "!

    وقال في تفسـير سـورة يوسـف: " وإنّ الله قد أوحى إليّ: إنْ كنتم تحبّون الله فاتّبعوني "!

    وقال في كتابه للآلوسـي: " ولقد بعثني الله بمثل ما قد بعث محمّـداً

    الصفحة 52
    رسـول الله من قبل "!

    وقال: " ولقد رفعنا كلّ ما أنتم به تعملون "!

    ثمّ قال: " ولا تـتّبعنّ إلاّ ما نزل في البيان، فإنّ ذلك ما ينفعكم "!

    وقال: " وإنّ يوم الذي نزل الفرقان على محمّـد إلى يوم ينزّل الله البيان علَيَّ ألف ومائتين وسـتّين سـنة "!

    وقال: " ما قد نزّل الله في ثلاث وعشـرين سـنة حينئذ ينزل في أربعة يوم، فإذاً فتحضرون بين يديَّ لتكوننّ من الشـاهدين "!

    وقال في تفسـير سـورة يوسـف: " لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذه الكتاب بالحقّ على أن يسـتطيعوا ولو كان أهل الأرض ومثلهم معهم على الحقّ ظهيراً "!

    وقال في " البيان ": " ولعمري إنّ أمر الله في حقّي أعجب من أمر رسـول الله من قبل لو أنتم فيه تتفكّرون، قال إنّه رُبّي في العرب ثمّ من بعد أربعين سـنة نزّل الله عليه الآيات وجعله رسـوله إلى العالمين، قل إنّي رُبّيت في الأعجمين وقد نزّل الله علَيَّ من بعدما قضى من عمري خمسـة بعد عشـرين سـنة آيات التي كلٌّ عنها يعجزون "!

    وقال: " ولعمري، أوّل من سـجد لي محمّـد، ثمّ عليّ، ثمّ الّذين هم شـهداء من بعده، ثمّ أبواب الهدى، أُولئك الّذين سـبقوا إلى أمر ربّهم وأُولئك هم الفائزون "!!

    هذا بعض ما وجدناه من دعاوي علي محمّـد في دعوته على قلّة ما عثرنا عليه من كتابه.

    وهناك دعاو أُخر نؤخّر الكلام فيها وعليها إلى أن نفرغ من المكالمة في هذه الدعاوي المتقدّمة.


    الصفحة 53

    [دعاوى حسـين علي الملقّب بالبهاء]

    وأمّا ما وجدناه من دعاوي حسـين علي، الملقّب بالبهاء، فإنّه ادّعى أنّ الله بعثه وأرسـله بآيات بيّنات، وأنّه الروح المسـيح جاء مرّة أُخرى ليتمّ ما قاله من قبل، وأنّه جاء بكتاب سـمّاه " الأقدس " بشـريعة وأحكام، ولكنّها كلّها مخالفة ومباينة لشـريعة الإسـلام!

    قال حسـين علي في رسـالة يكفّر بها البابية الأزلية، أتباع الميرزا يحيى، الملقّب بصبح الأزل: " قد بعثني الله وأرسـلني إليكم بآيات بيّنات وأُصدّق ما بين أيديكم من كتب الله وصحائفه وما نزل في البيان "!

    وفي هذه الرسـالة ذكر كتاباً إلى بعض القسّيسين من سُكّان القسطنطينية جواباً لكتابه، ولكنّ حسـين عليّ زعم أنّ كتابه إلى القسّ من كلام الله وقوله، حيث قال في حكايته للكتاب: " قوله تعالى: قد حضر كتابك في ملكوت ربّك الرحمن ".. إلى آخره.

    وقال مخاطباً للقسّ طالباً منه دعوة المسـيحيّين إليه: " قل يا قوم قد جاءكم الروح مرّة أُخرى ليتمّ لكم ما قال من قبل، كذلك وُعِدتم به في الألواح إن كنتم من العارفين "..

    .. إلى قوله: " ثمّ اعلم بأنّ الذي صعد إلى السـماء قد نزل بالحقّ، وبه مرّت روائح الفضل على العالم "!


    *    *    *


    الصفحة 54


    موانـع الاعتـقاد
    بالبابـيـة والبهائيـة





    الصفحة 55

    الصفحة 56

    [المانـع الأوّل
    تناقض الادّعـاءات]

    فلنبدأ بالنظر في دعاوي الميرزا علي محمّـد، وقد تقدّم تقريرها، ولننظر معاً بعين الإنصاف إلى إمكانها وثبوتها.

    فنقـول: هل يخفى عليك أنّ كلّ دعوىً تَقلّبَ فيها مدّعيها بالمتنافيات والمتناقضات، فذلك التقلّب أصدق شـاهد وأوضح دليل على كذب الدعوى وبطلان أسـاسـها، وأنّها لا مسـاس لها بالحقّ والحقيقة؟!

    فماذا ترى ـ بوجدانك ـ إذا قال شـخص: أنّا نائب فلان، ثمّ قال: أنا نفس فلان؟!

    أفلا يرى كلّ مميّز أنّ هذا من تناقض الكلام، الذي يلتجئ الكاذب فيه إلى ما يرجو رواجه بحسـب الوقت والمكان والحال؟!

    أفلا تراه تارةً يقول: " إنّي عبـد الله آتاني الله البيّنات من عند بقيّة الله المنتظَر إمامكم، وإنّ الطرز الذي لاح هو حجّة الله مولاه؟!

    ثمّ يقول: " إنّي أنّا المهديّ الذي كلٌّ به يوعدون "!

    أفليس كلّ واحدة من الدعويَين تكذّب الأُخرى؟!

    وهذا أحد الموانع المكذِّبة للدعوى، وفيه كفاية لمن ألقى السـمع وهو شـهيد.

    وإليك فاسـتمع إلى كثير من الموانع..


    الصفحة 57

    [المـانع الثـاني
    مخالفته لأساسيّات الدين والمذهب]

    وقد ذكرنا لك اعترافه مراراً بحقّيّة دين الإسـلام ونبوّته ورسـالته وكتابه وإمامة أئمّته الأحد عشـر، وبنى على ذلك دعوته، وجعله أسـاسـاً لمزاعمه...

    قـل إذاً: فهل يُقبل منه دعاويه التي يبطلها دينُ الإسـلام ومذهبُ الإمامية بما هو معلوم متيقّن من الدين والمذهب؟!

    وذلك لكون تلك الدعاوي مكذِّبة للأسـاسـيّات المعلومة من دين الإسـلام ومذهب الإمامية!

    فتكون اعترافاتُه السـابقة من حقّيّةِ دين الإسـلام ورسـالته وقرآنه وشـريعته، وحقّـيّةِ مذهب الإمامية وإمامتهم وطريقتهم، وإقراراتُه بهذه كلّها، مانعـةً أشـدّ المنع من صدق دعاويه في دعوته، وزاجرةً من تصديقه، وكافيةً في البرهان القاطع على كذبه، حيث إنّ المعلومات المتيقّنات من دين الاسـلام ومذهب الإمامية تكذِّبه بإبطالها لِما يدّعيه.

    وإليك فاسـتمع إلى شـرح ذلك:

    فإنّ الميرزا علي محمّـد ادّعى أنّه المهديّ الموعود به، وأنّ الله بعثه وأوحى إليه، وجاء بكتاب فيه شـريعة مخالفة لشـريعة الإسـلام!

    وكلّ هذه الدعاوي مخالفة للمعلوم اليقيني من دين الإسـلام ومذهب الإمامية الاثني عشـرية، بمقتضى القرآن القويم والسُـنّة النبوية وأحاديث

    الصفحة 58
    أُولي العصمة ; ولنفصّل لك هذه المخالفات:

    [المخالفـة الأُولى
    دعوى المهدويـة]

    فالأُولى من المخالفات: ادّعاؤه أنّه المهديّ المنتظَر!

    مع أنّه هو: الميرزا علي محمّـد بن الميرزا رضا البزّاز الشـيرازي، وأُمّه العَلَويّة خديجة.

    وُلد بشـيراز في أوّل محرّم سـنة الألف ومائتين وخمس وثلاثين هجرية.

    ومات أبوه وهو رضيع، فنشـأ في حجر خاله الميرزا سـيّد علي، التاجر.

    وعند أوان بلوغه جعله خاله في متجره وعلّمه لوازم التجارة.

    ثمّ أخذه إلى بوشـهر ومكث هناك عنده حتّى بلغ من العمر نحو العشـرين سـنة.

    وفي أثناء إقامته في شـيراز وبوشـهر تعاطى التأدّب بتعلّم شـيء من مبادئ العلوم كما يتعاطاه أولاد المترفّهين والتجّار، كالنحو والصرف وبعض أنحاء الحكمة الذي كان رائجاً في فارس.

    ولكنّ الاختبار دلّ على أنّه لم يحصل على شـيء من ذلك التأدّب، كما يشـهد بذلك كثرة اللحن والغلط الفاحش في كلامه، ويدلّ عليه اعتذاره عند نظام العلماء في تبريز بأنّه قرأ الصرف وهو طفل صغير!

    نعم، كثر منه في بوشـهر تعاطي الرياضات الشـاقّة في طلب

    الصفحة 59
    اسـتخدام الكواكب، حتّى ضجر خاله من ذلك، وحاول أن يرسـله إلى العتبات، ليشـغله عن ذلك بتكميله في ما كان يتعلّمه من مبادئ العلوم.

    فسـافر إلى العتبات الشـريفة، وأقام في كربلاء يراجعُ تدريسَ السـيّد كاظم الرشـتي(1) لكتب الشـيخ أحمد الأحسـائي(2)، وبقي في العراق إلى السـنة الخامسـة والعشـرين من عمره ورجع إلى بوشـهر.

    ثمّ اسـتحضرته الحكومة إلى شـيراز تاسـع عشـر شـعبان سـنة الألف ومائتين وإحدى وسـتّين هجرية، فتداولته السـجون في شـيراز، ومنها إلى أصفهان، ومنها إلى قلعة چهريق في مدينة باكو من أذربايجان، إلى أن قُتل في تبريز في السـابع والعشـرين من شـعبان سـنة الألف ومائتين وخمس وسـتّين هجرية.

    ____________

    (1) هو: كاظم بن قاسم الحسيني الموسوي الجيلاني الرشـتي الحائري (1212 ـ 1259 هـ = 1797 ـ 1843 م)، أحد تلامذة الشيخ أحمد الأحسائي، سكن كربلاء، وهو من المتوغّلين في كتب الحكمة، ورئيس فرقة الكشفية المشتقّة من الشيخية، ومن تصانيفه: شرح قصيدة عبـد الباقي العمري اللامية في مدح الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، أسرار العبادات، المرآة الجديرة في ردّ ردود العلماء الإسماعيلية، مقامات العارفين، وغيرها.

    انظر: هديّة العارفين 5 / 836، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة 1 / 932، الأعلام 5 / 215، معجم المؤلّفين 2 / 664 رقم 11166.

    (2) هو: أحمد بن زين الدين بن إبراهيم الأحسائي البحراني (1166 ـ 1241 هـ = 1753 ـ 1826 م)، مؤسّـس مذهب الكشفية، نسبة إلى الكشف والإلهام، وكان يدّعيهما، وربّما يقال لأتباعه: الشيخية، وُلد بالأحساء، وتعلّم في بلاد فارس، وتنقّل بينها وبين العراق، وسكن البحرين، وتوفّي وهو متوجه إلى الحجّ قريباً من المدينة المنوّرة، وحمل إليها فدفن فيها، له مؤلّفات في الحكمة والكلام والأُصول والنجوم وغيرها.

    انظر: أعيان الشيعة 2 / 589، هديّة العارفين 5 / 185، الأعلام 1 / 129، معجم المؤلّفين 1 / 143 رقم 1066.