الصفحة 114

91 ـ وأسـند الصدوق في الباب الخامس والأربعين(1) من " إكمال الدين "، والكليني في " أُصول الكافي "، والشـيخ الطوسـي في (غَيـبته)، والخواجه پارسا الحنفي في " فصل الخطاب "، رواية حكيمة بنت الجواد بشـأن ولادة الحجّـة، وإخبـار الإمـام العسـكريّ بولادتـه، وأنّ أباه العسـكري (عليه السلام) لَمّا رآه أمره بالتكلّم، فتشـهّد الشـهادتين، وأقرّ بالأئمّة، وفعل في اليوم السابع مثل ذلك، وتلا قوله تعالى:

( ونريدُ أن نمنّ على الّذين اسـتضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ـ إلى قوله: ـ يحـذرون )(2)(3).

92 ـ وفي مسـند آخر، أنّ الإمام العسـكريّ (عليه السلام) عرض ابنه الحجّة على أصحابه في اليوم الثالث، فقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسـطاً وعدلا(4).

93 ـ وفي مسـند آخر، أنّه لَمّا وُلد الحجّة (عليه السلام) كتب الإمام الحسـن العسـكري بخطّ يده الشـريف إلى أحمد بن إسـحاق: وُلد لنا مولود، فليكن عندك مسـتوراً، وعن الناس مكتوماً(5).

____________

(1) كذا في الأصل ; والصحيح هو: الباب 42 في هذا الحديث والحديثين التاليين، وهو في ما روي في ميلاد الإمام المهديّ (عليه السلام) ; لاحـظ المصدر!

(2) سـورة القصص 28: 5 و 6.

(3) إكمال الدين: 424 ـ 426 ح 1، أُصول الكافي 1 /، الغَيبة: 234 ـ 237 ح 204 و 205، فصل الخطاب:.

(4) إكمال الدين: 431 ح 8.

(5) إكمال الدين: 433 ـ 434 ح 16.


الصفحة 115
94 ـ وأسـند الصدوق في الباب الحادي والأربعين(1) من " إكمال الدين "، والخزّاز في (الكفاية)، أنّ أبا محمّـد الحسـن العسـكريّ (عليه السلام) قال لجاريته: سـتحملين ذكراً واسـمه محمّـد، وهو القائم من بعدي(2).

95 ـ وفي مسـند آخر، عن جماعة، قالوا: عرض علينا أبو محمّـد الحسـن بن عليّ (عليهم السلام) ابنه في منزله، وكنّا أربعين رجلا، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم(3).

96 ـ وأسـند الصدوق في الباب الحادي والأربعين(4) من " إكمال الدين "، والملاّ عبـد الرحمن الجامي في " شواهد النبوّة "، عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمّـد الحسـن بن عليّ (عليهم السلام) وهو جالس في الدار، على يمينه بيتٌ عليه سـتر، فقلت: يا سـيّدي! من صاحب هذا الأمر بعدك؟

قال: ارفع السـتر!

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيّ... فجلس على فخذ أبي محمّـد، ثمّ قال لي: هذا صاحبكم.

ثمّ وثب فقال له: يا بنيّ ادخل إلى الوقت المعلـوم(5).

____________

(1) كذا في الأصل ; والصحيح هو: الباب 38، وهو في ما روي عن الإمام الحسـن العسكري (عليه السلام) في النصّ على الإمام المهديّ (عليه السلام) ; لاحـظ المصدر!

(2) إكمال الدين: 408 ح 4، كفاية الأثر: 293 ـ 294.

(3) إكمال الدين: 435 ح 2 باب 43.

(4) كذا في الأصل ; والصحيح هو: الباب 38، وهو في ما روي عن الإمام الحسـن العسكري (عليه السلام) في النصّ على الإمام المهديّ (عليه السلام)

وربّما كان مراد المؤلّف (قدس سره): الباب 43، وهو في ذِكر من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلّمه ; فقد ورد الحديث في البابين المذكورين ; لاحـظ المصدر!

(5) إكمال الدين: 407 ح 2 و ص 436 ـ 437 ح 5 باب 43، شـواهد النبوّة:.


الصفحة 116
97 ـ وروى الفضل بن شـاذان، عن محمّـد بن عبـد الجبّار، قال: قلت لمولاي الحسـن بن عليّ العسـكريّ: يا بن رسـول الله! جعلت فداك، أُحبّ أنْ أعرف الإمام وحجّة الله على خلقه بعدك من هو؟

فقال (عليه السلام): الإمام والحجّة بعدي ابني، سـميُّ رسـول الله وكنيّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه.

فقلت: من هو ابنك الذي سـيولد؟

فقال: هو من بنت قيصر، واعلم أنّه سـيأتي يوم يولد فيه، ثمّ يغيب عن الناس غَيبة طويلة، ثمّ يظهر ويقتل الدجّال ويملأُ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً(1).

98 ـ وروى أيضاً، عن محمّـد بن علي بن حمزة بن الحسـين بن عبيـد الله بن العبّـاس بن عليّ بن أبي طالب، قال: سـمعت الإمام الحسـن العسـكريّ يقول: قد وُلِد وليّ الله وحجّته على عباده خليفتي من بعدي مختوناً ليلة النصف من شـعبان في سـنة المائتين وخمس وخمسـين عند طلوع الفجر(2).

هذا بعض ما وجدناه من الأحاديث الصريحة في هذا المعنى على الاسـتعجال وعدم الفرصة لما ينبغي من التتبّـع.

وقد تـركنا ممّا وجدنـا ما هو مجمل، كقولهم (عليهم السلام): الأئمّة من وُلد الحسـين (عليه السلام) تسعة، تاسعهم قائمهم ; كما وردت به أحاديث كثيرة(3).

____________

(1) الغَيـبة: مفقود، وانظر: إثبات الهداة 3 / 569 ذ ح 680 عن " إثبات الرجعة ".

(2) الغَيـبة: مفقود، وانظر: إثبات الهداة 3 / 570 ح 683 عن " إثبات الرجعة ".

(3) انظر مثلا: الغَيبة ـ للنعماني ـ: 67 ح 7 و ص 94 ح 25، إكمال الدين: 256 ـ 257 1 و 2 و ص 259 ـ 262 ح 5 ـ 9 و ص 269 ح 12، الغَيبة ـ للطوسي ـ: 140 ح 104 و ص 143 ذ ح 107، الصراط المستقيم 2 / 129 ـ 134.


الصفحة 117
بل تركنا كثيراً من الأحـاديث الدالّـة على أنّ التاسـع من وُلـد الحسـين (عليه السلام) هو الحجّة المهديّ..

ولكن لا بأس أن نذكر شـيئاً ممّا في " كتاب سُلَيم "، الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكتاب " الغَيبة " للشـيخ الجليل، عظيم المنزلة في الطائفة، الفضل بن شـاذان، الذي أدرك الرضـا (عليه السلام) وروى عنه، وتوفّي في أيّام الحسـن العسـكريّ (عليه السلام) بعد مولد الحجّـة (عليه السلام)..


الصفحة 118

[14 ـ فصـل
في ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام)
من " كتاب سُليم " و " الغَيـبة "]

99 ـ ففي كـتـاب سُـلَـيـم، عن أميـر المـؤمنيـن (عليه السلام) أنّه سـمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في ذِكر أُولي الأمر: يا عليّ! أنت أوّلُهم.. ثمّ عدّ الأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكريّ (عليهم السلام) وقال: ثمّ ابنه الحجّة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي، والمنتقم من أعدائي، يملأ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً(1).

100 ـ وقال سُليم: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا وأوصيائي الأحد عشـر من وُلدي أئمّة هادون مهديّون.

فقلت: يا أمير المؤمنين! من هم؟

فقال: ولداي الحسـن والحسـين، ثمّ وَلدي هذا ـ وأخذ بيد عليّ ابن الحسـين، وكان رضيعاً ـ ثمّ ثمانية من وُلده، واحداً بعد واحد، كلّهم أوصيـاء(2).

  • بـيان:

    وقد ذكرنا لك أنّ وصف الأئمّـة بالأوصياء، يدلّ على أنّ كلّ إمام لا بُـدّ أن يدرك حياة الإمام الذي قبله، ويكون وصيّاً عنه.

    101 ـ وروى الفضل بن شـاذان في كتاب " الغَيبة "، عن عبـد الرحمن

    ____________

    (1) انظر مؤدّاه في كتاب سُلَيم 2 / 877 ـ 878 ح 49 و ص 906 ـ 907 ح 61.

    (2) كتاب سُليم 2 / 824 ـ 825 ذ ح 37.


    الصفحة 119
    ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة(1)، عن الباقر (عليه السلام)، أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنيـن في حديث ذكر فيه الظالمين، وأنّ ولـده ينتـقم منهـم في الدنيـا، فقـال سـلمان الفارسـي (رحمه الله): مَـن هـذا يا رسـول الله؟

    فقال: التاسـع من أولاد وَلَدي الحسـين، الذي يظهر بعد غَيبة طويلة فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله، وينتقم من أعداء الله(2).

    102 ـ وروى الفضل بن شـاذان، عن محمّـد بن سـنان، عن المفضّل ابن عمر، عن جابر الجعفي، عن سـعيد بن المسـيّب، عن عبـد الرحمن ابن سـمرة، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حديث خلق إبراهيم وأنوار النبيّ والأئمّة، وإخبار الله لإبراهيم بأسـمائهم إلى الحسـن العسـكري (عليه السلام)، فقال جلّ اسـمه: والحجّة بن الحسـن، الذي يظهر بعد غَيبة عن شـيعته ومحـبّـيه(3).

    103 ـ وروى أيضاً، عن عبـد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي.

    وعن الحسـن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن سـعيد بن جبير، عن ابن عبّـاس، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حديث المعراج وقول الله له في ذِكر الأئمّة والخلفاء بعده، وذِكر الأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكري (عليه السلام)، فقال جلّ اسـمه: وبعده الحجّة بن الحسـن(4).

    ____________

    (1) يعني: الثمالي. منه (قدس سره).

    (2) الغَيـبة: مفقود.

    (3) الغَيـبة: مفقود.

    (4) الغَيـبة: مفقود.


    الصفحة 120
    104 ـ وروى أيضاً، عن فضّال بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن محمّـد بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام)، قال: قال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام): أنا أَوْلى بالمؤمنين من أنفسـهم، وبعدي أنت أَوْلى بالمؤمنين من أنفسـهم.. وذكر هذا الوصف للأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكري (عليه السلام) وقال: وبعده الحجّة بن الحسـن، الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، والغائب مدّة طويلة، ثمّ يظهر فيملأ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً(1).

    105 ـ وعن علي بن الحكم، عن جعفر بن سـليمان الضبيعي، عن سـعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن سـلمان الفارسـي، قال: خطبنا رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وذكر الخطبة، وفيها أنّ التاسـع من الأئمّة من وُلد الحسـين (عليه السلام) مهديّهم، ثمّ ذكر الأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكري (عليه السلام)، وقال: وبعده الحجّة القائم، المنتظَر في غَيبته، المطاع في ظهوره(2).

    106 ـ وعن الحسـن بن علي بن فضّال، عن عبـد الله بن بكير، عن عبـد الملك بن إسـماعيل الأسـدي، عن أبيه، عن سـعيد بن جبير، عن عمّار بن ياسـر، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في حديث ـ أنّه قال: إنّ الله عهد إليَّ أن يعطيني اثني عشـر خليفة.. وعدّهم واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكريّ، وقال: وبعده ابنه الذي يغيب غَيبة طويلة، ثمّ يخرج فيملأ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً(3).

    ____________

    (1) الغَيـبة: مفقود.

    (2) الغَيـبة: مفقود.

    (3) الغَيـبة: مفقود.


    الصفحة 121
    107 ـ وعن عبـد الله بن جبلة، عن عبـد الله المسـتنير، عن المفضّل ابن عمر، عن جابر الجعفي، عن ابن عبّـاس ـ في حديث ـ قال: قلت لرسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كم الأئمّة من بعدك؟

    قال: اثنا عشـر، أوّلهم عليّ.. ثمّ عدّد الأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسـن العسـكريّ (عليه السلام)، وقال: فإذا انقضت أيّام الحسـن فابنه الحجّـة(1).

    108 ـ وعن الحسـن بن علي بن فضّال وابن أبي نجران، عن حمّاد ابن عيسـى، عن عبـد الله بن مسـكان، عن أبان بن تغلب، عن سُليم بن قيس الهلالي، عن سـلمان الفارسي، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في حديث ـ أنّه قال: أُبشّركم بالمهديّ.. وقال: إنّه سـلطان عادل، وإمام قاسـط، يملأ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً، وهو التاسـع من أولاد ولدي الحسـين(2).

    109 ـ وفي كتاب " إيضاح الدفائن " لمحمّـد بن أحمد بن شـاذان القمّي، وذكر في أوّله أحاديثه أنّه سـمعه سـنة ثلاثمائة وأربع وسـبعين، روى في المنـقبة الثانية والتسـعين عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديثاً فيه تعداد الأئمّة واحداً بعد واحد، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ بعد ذِكر الهادي ـ: ثمّ الحسـن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ، مهديّ أُمّتي.. الحـديث(3).

    110 ـ وفي كـتاب " الأربعيـن " للشـيخ الحافظ محمّـد بن أحمد بن

    ____________

    (1) الغَيـبة: مفقود.

    (2) الغَيـبة: مفقود.

    (3) إيضاح دفائن النواصب:.


    الصفحة 122
    أبي الفوارس، المتوفّى سـنة اثنتي عشـر وأربعمائة ـ على ما ذكره الذهبي في كتاب " دول الإسـلام "(1) ـ أسـند في الحديث الرابع عن الرضـا (عليه السلام)، عن آبائه، عن النبيّ صلوات الله عليهم أجمعين، في فضل ولاية كلّ واحد من الأئمّـة (عليهم السلام)، وذكـرهم واحـداً بعد واحـد حتّى ذكـر الحسـن العسـكريّ (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد كمل إيمانه وحسـن إسـلامه فليتوال ابنه المنتظَر محمّـد صاحب الزمان المهـديّ(2).

    فانظر ـ هداك الله ـ إلى دعوة الميرزا علي محمّـد، ودعواه أنّه المهديّ قائم أهل البيت المنتظَر! وكيف تراها إذا عرضتها على مضمون كلّ واحد من هذه الأحاديث ـ التي تيسّر جمعها عاجلا ـ وما فيها من الخواصّ والنكـات؟!

    وكيف ترى إمكان دعواه مع القدر المشـترك بين هذه الأحاديث التي بلغت به حدّ التواتر والتضافر المفيد لليقين؟! وهو أنّ المهديّ والقائم المنتظَر من آل محمّـد، هو ابن الحسـن العسـكريّ، وخلفه الصالح، المولود سـنة المائتين وخمس وخمسـين.

    وكيف ترى دعوته وتبديله للدين والشـريعة، مع الأمر في كثير من هذه الأحاديث بالتمسّك بالدين، والتحذير عن الارتداد والتوبيخ عليه؟!

    أعاذنا الله وإيّـاك وجميع المسـلمين.

    هذا ما تيسّـر تعجيل بيانه من المانع الثاني، والله الهادي، ومنه التوفيق والتسـديد.

    ____________

    (1) دول الإسـلام: 216.

    (2) الأربعين:.


    الصفحة 123

    المـانع الثـالث
    [المهديّ (عليه السلام) ابن سـيّدة الإماء]

    ما تقدّم متعدّداً في الأحاديث المتقدّمة من أنّ القائم المهديّ صلوات الله عليه هو ابن أَمَة وابن سـيّدة الإماء، كما في الحديث 5 و 23 و 24 و 27 و 47 و 57 و 72 و 73 و 85 و 91 و 94 و 97، وكما ذكر ابن أبي الحديد أنّه وردت به آثار كثيرة(1)، وبه قال أصحابنا.

    ونذكر هنا زيادة على تلك الأحاديث أحاديث أُخر تقوم بها الحجّة البالغة:

    111 ـ فقد أسـند النعماني في كتاب " الغَيـبة "، عن الباقر (عليه السلام) أو الصـادق (عليه السلام) ـ والشـكّ من أحد الرواة ـ قوله (عليه السلام) في صفة المهديّ أنّه " ابن سـبيّة، وابن خيرة الإماء "(2).

    يعني أنّها أَمَة مجلوبة بالسـبي، وهي خيرة الإماء.

    ____________

    (1) شـرح نهج البلاغة 7 / 59.

    (2) جاءت هذه العبارة في ذيل حديث في باب صفة الإمام المهديّ (عليه السلام) وسيرته وفِعله وما نزل من القرآن فيه ; فقال محقّق كتاب " الغَيبة " تعليقاً عليها بعد أن عدّها زيادة ملحقة بأصل الحديث: " الحديث تمّ إلى هنا، وما زاد في المطبوع الحجري والبحار من زيادة (ابن سـتّـة، وابن خيـرة الإمـاء) فهي عنوان لِما يأتي بعدها خُـلط بالحديث كما هو ظاهر النسخ المخطوطة ".

    انظر: الغَيبة: 216 ح 5 وهامشه رقم 4، وكذا طبعته غير المحقّقة: 145 وفيه: " ابن سـبيّة "، وبحار الأنوار 51 / 41 ح 22 وفيه: " ابن سـتّة " بدل " ابن سـبيّة ".

    ويبدو أنّ الصواب مع المحقّق، إذ إنّ العبارة المذكورة لا تناسب عنوان الباب ; فتوضيح الشيخ البلاغي (قدس سره) الآتي يناسب ما يأتي من الأحاديث التالية، فلاحـظ!


    الصفحة 124
    112 ـ وأسـند أيضاً عن الصادق (عليه السلام) في خطبة خطبها وذكر فيها القائم المهديّ، فقال في آخر صفته: " ابن سـبيّة، ابن خيرة الإماء "(1).

    113 ـ وأسـند أيضاً أنّه قيل للباقر (عليه السلام) ـ في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): بأبي ابن خِيَرة الإماء ـ: أهي فاطمة؟

    فقال (عليه السلام): إنّ فاطمـة (عليها السلام) هي خِيَرة الحرائر(2).

    114 ـ وأسـند أيضاً أنّه قيل للصادق (عليه السلام): إنّ عمّك زيداً خرج يزعم أنّه ابن سـبيّة، وأنّه قائم هذه الأُمّة، وأنّه ابن خيرة الإماء؟!

    فقال (عليه السلام): ليس كما قال، إن خرج خارج قُتل قبل قائم هذه الأُمّة، وإنّه ـ يعني القائم (عليه السلام) ـ ابن خيرة الإماء(3).

  • بـيان:

    وهذا الحديث يدلّ على أنّ المعلوم عند الناس ـ من بيان أُولي العصمة ـ في صفات المهديّ القائم كونه ابن أَمَة سـبيّة.

    115 ـ ويـدلّ عليـه أيضاً ما أسـنده النعمـاني عن أبي حازم، أنّ الصـادق (عليه السلام) قال له في شـأن القائم المهديّ: أَوَلم تعلموا أنّه ابن سـبيّة؟!(4).

    116 ـ وأسـند أيضاً عن الحارث الهمداني، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال

    ____________

    (1) لاحـظ: الغَيبة: 228 ذ ح 7، والطبعة غير المحقّقة: 151، وما قلناه في الهامش السابق ينطبق هنا تماماً، إذ إنّ الحديث 7 المشار إليه آنفاً هو في بيان صفة مطلق الإمام المعصوم لا في خصوص صفة الإمام المهديّ (عليه السلام)، فالنصّ الذي في المتن هو عنوان لِما يأتي من الأحاديث لا جزء من خطبة الإمام الصادق (عليه السلام) ; فلاحـظ.

    (2) الغَيبة: 228 ـ 229 ح 9.

    (3) الغَيبة: 229 ح 10 باختلاف يسـير.

    (4) الغَيبة: 230 ذ ح 12.


    الصفحة 125
    في ذِكر المهديّ: بأبي ابن خِيَرة الإماء(1).

    117 ـ وأسند الشيخ الطوسي في كتاب " الغَيبة " أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)ذكر لعمر صفات القائم المهديّ ثمّ قال: بأبي ابن خِيَرة الإماء(2).

    فهذه الأحاديث ـ مع ما تقدّم ـ تسـعة عشـر حديثاً، تدلّ على أنّ المهديّ (عليه السلام) ابن أَمَة سـبيّة هي سـيّدة الإماء وخيرتهنّ.

    إذا عرفت هذا فكيف إذاً يكون (علي محمّـد) هو المهديّ المنتظر القائم من آل محمّـد؟! مع أنّ أُمّه العَلَويّة خديجة، أُخت الميرزا علي التاجر، من عائلة من السـادات معروفة!!

    وكيف تُقبل دعواه أنّه القائم المهديّ المنتظر الموعود به من آل محمّـد؟!

    ولعلّك تقول: إنّ هذه الأحاديث والأحاديث المتقدّمة ـ في بيان المانع الثاني ـ أخبار آحاد لم تبلغ التواتر.

    فنقـول: إنّ القدر المشـترك بين هذه الأحاديث متواتر، وهو أنّ المهديّ هو ابن الحسـن العسـكريّ، وأُمّه أَمَة سـبيّة، ولو لم يكن من المتواتر لكان من المتضافر المسـتفيض الذي يفيد القطع، إذ قد روته العلماء الأثبات من الشـيعة والسُـنّة ممّن قربت عصورهم من عصور الأئمّة.

    وكيف تحيد عمّا تواترت وتضافرت به الأحاديث الصحاح والمعتبرة؟! والحال أنّ مقتداك (الباب) قد تشـبّث واعتمد في دعواه ودعوته على حديث مرسَل تفرّد بروايته العيّاشـي عن الباقر (عليه السلام)، وهو

    ____________

    (1) الغَيبة: 229 ح 11.

    (2) الغَيبة: 470 ح 487.


    الصفحة 126
    حديث أبي لبيد المخزومي، واسـتقرّ عند قوله: ( الـمر )(1).

    أُنظر إلى ما ذكره في " البيان " بعد قوله: " فاعلم بأنّ ما نزل في القرآن كلّه قد نزل في البسـملة " ودع عنك الغلط في حسـابه، والخبط والإدماج في تلفيقه!

    ولعلّ دعاتك يخادعونك فيقولون لك: إنّا نقبل هذه الأحاديث ونؤمن بها، ونعتقد منها أنّ القائم المنتظر من آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ابن الحسـن العسـكريّ، وابن السـبيّة خيرة الإماء نرجس، المولود سـنة المائتين وخمس وخمسـين في سـرّ من رأى، وهو الإمام الثاني عشـر، والتاسـع من سـلسـلة أولاد الحسـين (عليه السلام)، ولكنّه مات وحلّت روحه في جسـد الميرزا علي محمّـد، المولود سـنة الألف ومائتين وخمس وثلاثين من السـيّد رضا الشـيرازي والعَلَويّة خديجة، فأظهر دعوته بتلك الروح، وإنّما الآثار للأرواح لا للأشـباح!

    فأقـول أوّلا: يكفي في ردّ هذه الدعوى اعتراف (علي محمّـد) بأنّ كتابه المسـمّى " أحسـن القصص " نزل عليه من عند محمّـد بن الحسـن العسـكري (عليه السلام) وقوله فيه أيضاً: " فوربّ السـماء والأرض إنّي عبـد الله آتاني البيّنات من عند بقيّة الله المنتظر إمامكم ".

    وقوله في كتابه المسـمّى " قيّوم الأسـماء ": " يا بقيّة الله قد فديت بكلّي لك، ورضيتُ السـبّ في سـبيلك ".

    وقوله: " أولُ طرز لاحَ وأشـرقَ حضرةُ النور وماحي الديجور، حجّة الله مولاي ".

    ____________

    (1) تفسـير العيّاشـي 2 / 8 ح 3 و ص 217 ح 2، وفيه: (الر) بدل (الـمر).


    الصفحة 127
    كما ذكرنا تلك [الأُمور] في صحيفة 50 و 51(1).

    ومن المعلوم الذي يعترف به كُتّابكم في كتبهم، وتشـبّثوا له بشـعر شـاه نعمة الله، أنّ أوّل ما ادّعاه (علي محمّـد) هو أنّه نائب المهديّ ابن الحسـن العسـكريّ وبابه، كما يشـهد له تسـميتكم بـ " البابـية ".

    وأقـول ثانياً: أتدري كم في هذه الدعوى من الدعاوي التي تحتاج إلى إقامة الحجج التي دونها خرط القتاد؟! فضلا عن معارضة الموانع من المعقول والمنقول، فإنّ هذه الدعوى مبنيّة على التناسـخ!

    فعليك أوّلا أن تثبت إمكان التناسـخ وعدم امتناعه في العقل والشـرع.

    وعليك ثانياً أن تثبت وقوعه في ارتباط الأرواح والأجسـاد، فإنّه ما كلّ ممكن واقع.

    وعليك ثالثاً أن تثبت أنّ ابن الحسـن العسـكريّ (عليه السلام) قد مات.

    وعليك رابعاً أن تثبت أنّ روحه حلّت في جسـد الميرزا علي محمّـد.

    وأنّى لك بذلك؟! ما لا يكون فلا يكون بحيلة!

    وإنّا نريحك من الخوض في أمواج هذه اللجج، ببيان الموانع لهذه الدعوى، وإيضاح بطلانها من نفس الأخبار المتقدّمة وغيرها، وذلك بوجـوه:

    الأوّل:

    إنّ الرواية 52 المرويّة عن الصادق (عليه السلام) ناطقة ببطلان هذه الدعوى، وذلك ببيانها أنّ المهديّ (عليه السلام) يبقى حيّاً في غَيبته الطويلة، ويعمّر

    ____________

    (1) في ادّعائه النيابة طوراً، والمهدوية طوراً آخر.


    الصفحة 128
    كعمر الخضر إلى أن يظهر ; وبتوبيخها لمن ينكر الغَيبة ويقول: إنّه مات ; وبتوبيخها لمن يقول: إنّ روح القائم تنطبق في هيكل غيره ; وإنّ القائل بذلك يعصي الله ; وهذا عين ما تزعمونه.

    الوجه الثاني:

    دلالتها على أنّ المهديّ ابن الحسـن العسـكريّ يطول عمره كما طال عمر نوح والخضر، ويغيب غَيبة طويلة لغاية أن يظهر فيملأ الأرض عدلا وليس لأحد في عنقه بيعة.

    الوجه الثالث:

    إنّ النبيّ والأئمّة قد مجّدوا ونوّهوا بوَلَد الحسـن العسـكريّ (عليه السلام)، وبيان أنّه المهديّ والقائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا بنحو ما سـمعت بعضه من الأحاديث، وأخبروا عن الله بهذا التمجيد والتنويه، ولو كان الأمر كما تقولون لَما كان لهذا التمجيد والتنويه معنىً!

    بل لو كان هذا التمجيد والبيان منّا، وكنّا نقول بمثل ما تقولون من التناسـخ وانتقال روح المهديّ، لكان من أفحش الغلط ; وذلك لأنّ القول بالتناسـخ وقدم الروح، وأنّها تُنقل من جسـد إلى جسـد، و [من] هيكل إلى هيكل، يلزم منه أن لا تكون الروحُ وَلَدَ الحسـن العسـكريّ، وإنّما وَلَـدُه نفس الجسـد المتكوّن من نطفة، وهذا الجسـد لم يظهر، ولا يظهر، منه أثر من آثار المهدوية والقائمية مدّة حياته على زعمكم!

    فإن قلت: إنّ التمجيد والتنويه في هذه الأحاديث بولد الحسـن العسـكريّ (عليه السلام) إنّما كان باعتبار تعلّق تلك الروح به وإنْ لم تظهر عليه آثار مهدويّتها وقائميّتها المذكورة إلى أن مات وفارقته.

    قلنـا: فيكون ذلك التمجيد والتنويه من أفحش الظلم والجور، حيث صار التمجيد ـ بالمهدويّة والقائميّة، وآثارها الحميدة، وكرامتها العظمى ـ لجسـد لم تظهر منه آثار روح المهدويّة والقائميّة، وترك التمجيد (لميرزا

    الصفحة 129
    علي محمّـد) الذي تزعمون أنّه هو الذي ظهرت فيه آثار المهدويّة، وصار مَظهراً لنورانيّة تلك الروح المنقول ; [و] أنّ كلام الله وكلام أُولي العصمة في هذه الأحاديث وغيرها جرى على الغلط والظلم؟!

    هداك الله! فلا يصحّ معنى الروايات إلاّ على ما صرّحت به من بقاء المهديّ، وطول غَيبته، وطول عمره كطول عمر نوح والخضر، إلى أن يظهر فيطهّر الأرض من دنس الضلال، ويملأ الأرض قسـطاً وعدلا.

    ولعلّك تقول: إنّ ما ذكرناه غير مبنيّ على التناسـخ وانتقال الأرواح من جسـد إلى جسـد، بل هو مبنيّ على تجلّيات الإله وظهوره في الأنبياء والأولياء كما تكرّر معناه في كلام الباب والبهاء.

    فنقـول: كبرت كلمة تخرج من أفواهكم، فلا نعاجلك الآن ببطلان هذا الكلام وما فيه من الإلحاد! ولكنّا نقول لك ـ كما قدّمناه ـ: إنّ تجلّي الإله ـ تعالى الله عن ذلك ـ في وَلَد الحسـن العسـكريّ لم تظهر عليه آثار المهدويّة المذكورة في هذه الروايات وغيرها، ولم يكن ابن العسـكريّ مَظهراً لها.

    وإنّكم تزعمون أنّها ظهرت عند تجلّي الإله في (ميرزا علي محمّـد) وهو المظهر لها، فيعود في الروايات ما ذكرناه من الغلط والظلم، إذ مَجّدَتْ بآثار المهدويّة غير مَن هو مظهرٌ لها، ونسـبتها إلى التجلّي الذي لم تقع تلك الآثار في أيّـامه، ولا كانت من شـؤونه، بل إنّ ذلك التجـلّي في أيّـامه ـ على ما تزعمون ـ كان أقل التجلّيات في الآثار النورانية الحميدة.

    ولعلّك تقول لي: لماذا تجافيت عن التعـرّض لبطلان التناسـخ وتجلّيات الإله في الأنبياء والأئمّة وظهوره في هياكلهم؟

    فأقـول: إنّ التعرّض لبطلان ذلك من حيث المعقول والفلسـفة ربّما

    الصفحة 130
    يقدح في ذهنك أنّي أُريد أن أُغالطك في الكلام بالمغلَقات، وأُطاولك بالبحث الذي ليس من فنّـك، ولم تمرّ مقدّماته على ذهنك، ولا تجري في محاوراتك، ولئن شـئت الخوض في ذلك فعـرِّفني من سـؤالك وجوابك بمقدار اسـتعدادك في مقدّمات الفلسـفة وأبحاثها..

    وهذا من المجاراة لك، وإلاّ فقد بيّـنّا أنّ هذه الروايات لا تنطبق على مزاعمك وإنْ ذهبتَ إلى التناسـخ في النفوس والأرواح، أو إلى تجلّي الإله وظهوره في هياكل الأنبياء والأئمّة، حيث بيّـنّا أنّ تمجيدها لولد الحسـن العسـكريّ بالمهدويّة والقائميّة ـ مع زعمك أنّه مات ولم تظهر منه تلك الآثار ـ يكون من الغلط القبيح والظلم الفاحش لمن تزعم أنّ تلك الآثار ظهرت منه أحسـن ظهور وأتمّه ; فتبصّر هداك الله في رشـدك!


    *    *    *


    الصفحة 131

    المانـع الرابـع
    [صفـة المهـديّ (عليه السلام)]

    قد تواترت الروايات في كثير من روايات أهل السُـنّة في صحاحهم وغيرها، وروايات الشـيعة ـ بأضعاف ما مرّ ذِكره في الروايـات ـ عن رسـول الله والأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وأعلنت في صفة المهديّ، وبشّرت بأنّه يملك العرب ومشارق الأرض ومغاربها، ويقهر بسـلطانه فيملأ الأرض قسـطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.

    بل قلّما يرد خبر في صفة المهديّ إلاّ ونـوّه بهذا الوصف..

    وأين هذا من (علي محمّـد)؟! الذي لم تمض على دعواه إلاّ سـنة وثلاثة أشـهر وأحد عشـر يوماً حتّى تداوله الجلب محفوظاً، والاعتقال في السـجون في شـيراز وأصفهان وماكو، إلى أن قتل في تبريز يوم الاثنين السـابع والعشـرين من شـعبان، سـنة الألف ومائتين وخمس وسـتّين هجريّة، كما هو معروف وتذكره السـجلاّت الرسـمية لحكومة إيران، أو اليوم الثامن والعشـرين من شـعبان، سـنة الألف ومائتين وسـتّ وسـتّين هجريّة، على زعم البابيّة.

    وقد كان ابتداء دعواه بعد السـاعة الثانية، من الليلة الخامسـة من جمادى الأُولى، سـنة الألف ومائتين وسـتّين، في سـاعة تحويل الشـمس إلى برج الحمل، كما ذكره في " البيان " في الفصل الذي ذكر فيه أسـماء الأيّام والشـهور والسـنين، وغيّر فيه عدد أيّام الشـهر إلى تسـعة عشـر يوماً، وأشـهر السـنة إلى تسـعة عشـر شـهراً!


    الصفحة 132
    وقد جُلب محفوظاً من بوشـهر في اليوم السـادس عشـر من شـعبان سـنة الألف ومائتين وإحدى وسـتّين هجريّة.

    ولـكنّا مع ذلك نجاريك، ونسـتقصي معك محتملات تأويلك..

    فإذا قلت: إنّ المراد من هذه البُشـرى أنّ أحكامه الموزونة بالعدل والقسـط تنتشـر في البلاد، وتملأ الأرض بتبليغ الدعاة وإنْ لم يحصل لها إجراء، بل يكون الإجراء لغيرها.

    قلنـا لك: فإذا كان النبيّ والأئمّة يريدون هذا المعنى، فهم يقولون إذاً ـ على هذا ـ: إنّ الأحكام التي جاء بها رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن الكريم وانتشـرت في أقطار العالم، وجرى عليها الإجراء في كلّ قرن بين ملايين من المسـلمين، هذه كلّها ليسـت موزونة بالعدل والقسـط، بل هي ظلم وجـور، فالنبـيّ والأئمّـة (عليهم السلام) يعـزّوننا عن وبال أحكامهم الظُـلْمِـية والجَورية، ويسـلّوننـا، ويبشّروننـا، بأنّ المهديّ يأتي بأحكام العدل!!

    أيقول هذا واحد من عقلاء المبطلين فضلا عن أُمناء الوحي وهداة البشـر؟!

    وإذا قلت: إنّ المراد من هذه البشـرى أنّ أحكام (الباب) توفَّق للإجراء بين جميع البشـر، بحيث لا يتخلّف عنها أحد في جميع الأرض، ولا يَجري حكم أو عمل جَوريّ، وإنْ لم يكن هذا النحو من الإجراء في زمان الباب وسـيطرة سـلطانه، بل وإن تأخّر عن زمانه بمئات من السـنين.

    قلـنا: فالنبيّ والأئمّة ظَلموا مَن يُجري هذه الأحكام بسـلطانه، ويملأ الأرض قسـطاً وعدلا بنهضته وسـيطرته، ولم ينوّهوا به وبفضيلته ومنّته على البشـر بالقسـط والعدل، بل نسـبوا ذلك إلى المهديّ، مع أنّه لم يصنع شـيئاً من ذلك ولم يوفَّق له؟!


    الصفحة 133
    وهب أنّه جاء بالأحكام لأنّه ـ على ما تقول ـ ليس إلاّ كسـائر من جاء بالشـرائع..

    هذا لو صحّت الأحلام بأنّ أحكامه سـوف تجري على هذا النحو، وإنّك لتدري بما جرى في الأرض منذ دعوة الباب إلى الحال الحاضر!

    وإذا قلت: إنّ الأُمور سـترجع بعد الحال الحاضر في سـيرها الطبيعي إلى أنّ الدول المتمدّنة سـتجعل باتّفاقها سـيطرة متّحدة، تقوم بإجراء قوانينها العدليّة بأحسـن قيام وأتقنه وأتمّه في الحفظ لحقوق جميع البشـر وأمنهم في جميع المسـكونة.

    قلنـا لك: وأيّ دخل لهذا بالباب والمهديّ؟! وهل نسـبة هذا إليه إلاّ من أفحش الظلم والهذر في الكلام؟! إذ يُنسـب للباب ما لا مسـاس له به أصلا ورأسـاً، ويظلم الدول المتمدّنة في نهضتهم بهذا المشـروع، فأين [و] إلى أين تذهب بتأويلك الذي قدّمنا لك ما في ارتكابه من توبيخ العقلاء وأهل اللسـان ونصّ القرآن الشـريف وكتاب دعوتك؟!

    وإذا انفتح باب هذا التأويل لم يُعرف الصدق من الكذب!


    *    *    *