الصفحة 134

المانـع الخامـس
[ادّعاء النبوّة]

هو أنّ (علي محمّـد) ادّعى أنّه نبيٌّ ورسـول ـ كما قدّمنا في نقل كلماته ـ، وهذه الدعوى تكذّبها ضرورة الإسـلام، فضلا عن إجماعهم القطعي على أنّه لا نبيّ بعد رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويكذّبها السُـنّة المتواترة القطعية في قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام): " أنت منّي بمنزلة هارون من موسـى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "(1)، ونحوه كثير من الأخبار الدالّة على ختام النبوّة برسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويكذّبها أيضاً قول الله جلّ شـأنه في كتابه الكريم: ( ما كان محمّـدٌ أبا أحد من رِجالِكُمْ ولكِنْ رَسُولَ اللهِ وخاتَمَ النَبِيّينَ )(2).

والخاتَم: ما يُخْتَمُ به، ويُعرف به الختام، ولذا سُمّي ما يُجعل في الإصبع خاتَماً لأنّه تُختم به الصحيفة(3).

118 ـ وروى الصدوق في " الفقيه "، بسند صحيح عن أبي جعـفر الباقـر عليهما السلام، قال ـ في حديـث ـ: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أيّهـا النـاس! إنّـه لا نبيّ بعدي، ولا سُـنّة بعد سُـنّتي، فمن ادّعى [بعدُ] ذلك فدعواه

____________

(1) انظر مثلا: كتاب سُليم 2 / 647 و 650 و 762 وفي مواضع كثيرة أُخرى، الإرشاد 1 / 156، صحيح البخاري 6 / 18 ح 408، صحيح مسلم 7 / 120، مسند أحمد 1 / 170 و 177 و 184 و ج 6 / 369.

(2) سورة الأحزاب 33: 40.

(3) انظر: لسـان العرب 4 / 24 ـ 25 مادّة " ختم ".


الصفحة 135
وبدعته في النار، فاقتلوه ومن تبعه، فإنّه في النار "(1).. الحديث.

119 ـ وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له في " نهج البلاغة "، في وصف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أرسله على حين فترة من الرسل، وتنازع من الألسـن، فقفّى به الرسـل، وختم به الوحي "(2).

120 ـ وقوله (عليه السلام) في خطبة: " أمينُ وحيه، وخاتَـمُ رسـله، وبشـيرُ رحمته، ونذيرُ نِقمته "(3).

121 ـ وقوله عند تغسـيل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " بأبي أنت وأُمّي، لقد انقطع بموتك ما لم ينـقطع بموت نبيّ غيرك من النبوّة والإنباء وأخبار السـماء "(4).

122 ـ وقوله (عليه السلام) في خطبة له في ذِكر رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " محمّـد عبدِك ورسـولِك، الخاتِمِ لِما سـبق، والفاتحِ لِما انغلق "(5).

123 ـ وفي كتاب سُـليم، من قـول أمـير المؤمنيـن (عليه السلام): " أمّـا رسـول الله، فخاتم النبيّين، ليس بعده رسـول ولا نبيّ، ختم الله برسـوله الأنبياء، وختم بالقرآن الكتب "(6).

124 ـ وفي " أُصول الكافي "، في باب أنّ الأئمّة (عليهم السلام) محدَّثون، بسـند صحيح عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ: " إنّ الله عزّ ذِكره ختم

____________

(1) من لا يحضره الفقيه 4 / 121 ح 421 باب 63.

(2) نهج البلاغة: 191 رقم 133.

(3) نهج البلاغة: 247 رقم 173.

(4) نهج البلاغة: 355 رقم 235.

(5) نهج البلاغة: 101 رقم 72.

(6) كتاب سُليم 2 / 653 ضمن الحديث 11.


الصفحة 136
بنبيّـكم النبيّين، فلا نبيّ بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب، فلا كتاب بعده أبداً "(1).

125 ـ وفي باب الفرق بين الرسول والنبيّ، بسند معتبر عن أبي جعفر وأبي عبـد الله عليهما السلام ـ في آخر حديث ـ: " لقد ختم الله بكتابكم الكتب، وختم بنبيّـكم الأنبـياء "(2).


*    *    *

____________

(1) أُصول الكافي 1 / 297 ح 3 باب في أنّ الأئمّة بمن يشـبّهون...

(2) أُصول الكافي 1 / 198 ح 4.


الصفحة 137

المانـع الســادس
[الإتيان بشريعة مخالفة للقرآن والسُـنّة]

ادّعى أنّه جاء بشـريعة مخالفة لشـريعة القرآن الكريم والسُـنّة المعلومة.

وهذا مخالف لِما هو المعلوم من دين الإسـلام، وهو: إنّ حلال محمّـد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

ومخالف لقوله تعالى: ( إنّ هذا القرآنَ يهدي للّتي هي أقوم )(1).

وقوله تعالى: ( إنّ الدِينَ عِندَ اللهِ الإسـلامُ )(2).

وقوله تعالى: ( ومَنْ يَـبْـتَغِ غَـيْـرَ الإسـلامِ دِيناً فَـلَن يُـقْـبَلَ مِنهُ وهو في الآخِرَةِ مِنَ الخاسـرينَ )(3).

126 ـ وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له في وصف الإسـلام، كما في " نهج البلاغة ": " إنّ هذا الإسـلامَ دينُ الله الذي اصطفاه لنفسـه... ثمّ جـعله لا انـفصام لعروته، ولا فَـكّ لحلقـته، ولا انهدام لأسـاسـه، ولا زوال لدعائمـه، ولا انـقـلاع لشـجرتـه، ولا انـقطـاع لمـدّتـه، ولا عَفاءَ لشـرائعه، ولا جَـذَّ لفروعه "(4).

____________

(1) سـورة الإسـراء 17: 9.

(2) سـورة آل عمران 3: 19.

(3) سـورة آل عمران 3: 85.

(4) نهج البلاغة: 313 ـ 314 رقم 198.

وعَفا الأثر: دَرَسَ وامّحى ; انظر: لسان العرب 9 / 296 و 298 مادّة " عفا ".

والجَـذّ: كسر الشيء الصُلْب وقطعه ; انظر: لسان العرب 2 / 217 مادّة " جذذ ".


الصفحة 138

الصفحة 139
127 ـ وفي " أُصول الكافي "، في باب البدع، بسـند صحيح عال عن أبي عبـد الله الصادق (عليه السلام)، قوله (عليه السلام): " حلال محمّـد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره، ولا يجيء غيـرُه "(1).

128 ـ وفي باب الأخذ بالسُـنّة، بسند معتبر عن الصادق (عليه السلام)، يقول: " مَن خالف كتاب الله وسُـنّة محمّـد (صلى الله عليه وآله) فقد كفر "(2).

129 ـ وفي باب البدع، بسـند معتبر عن الكاظم (عليه السلام) ـ في حديث ـ: " مَن تَـرَك كتابَ الله وقولَ نبـيّه كَفَر "(3).

130 ـ وروى الصدوق في (العيون)، بسند معتبر عن الرضا (عليه السلام) ـ في حديث ـ، قال: " وشـريعة محمّـد لا تُنسَـخ إلى يوم القيامة، ولا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، فمن ادّعى نبيّـاً أو أُوتي بعده بكتاب فدمُه مباح لكلّ من سـمعه "(4).

هـذا، وإنّ (علي محمّـد) قد أبطل جميع أحكام الإسـلام، وبدّل الدين ; وهذا هو الارتداد الذي أخبرت به الروايات وحذّرت عنه!

وإنّ تصديق (علي محمّـد) لرسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآنِ يقتضي ظهور كذبه عندما يجيء في دعواه بما يخالف القرآن والرسـول (صلى الله عليه وآله وسلم).

____________

(1) أُصول الكافي 1 / 79 ح 19.

(2) أُصول الكافي 1 / 90 ح 6.

(3) أُصول الكافي 1 / 77 ح 10.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 / 86 ـ 87 ح 13 باب 32.


الصفحة 140
ولعلّـك تـقول: إنّـه قد جاء في الأخبـار أنّ المهـديّ يأتي في ظهوره بأمـر جديـد وكـتاب جـديد، كمـا جـاء في روايـة النعمـاني عـن أبي عبـد الله (عليه السلام)، من قوله في شـأن الحجّة (عليه السلام): " ولكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شـديد "(1)..

وروايته عن الباقر (عليه السلام) قوله: " يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شـديد، ليس شـأنّه إلاّ السـيف، لا يسـتـتيب أحداً "(2).

فنقـول:

أوّلا:

إنّه يكفي في البصيرة ورفع الاشـتباه من هاتين الروايتين، ما سـمعت من الصراحة في الآية والروايات المتقدّمة، في هذا المانع والذي قبله، فراجع صراحتها، وخذ حظّك من رشـدك...

وثانياً:

أمّا الرواية الأُولى كيفما فسّرناها لا يكون (الميرزا علي محمّـد) مصداقاً لها ; لأنّه إلى أن قُتل لم يبايع الناس بين الركن والمقام على شـيء من الأشـياء، فضلا عن المبايعة على الكتاب الجديد..

وثالثاً:

131 ـ قد روى المفيد في " الإرشـاد "، عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: " إذا قام قائم آل محمّـد ضرب فسـاطيط لمن يعلّمُ الناسَ القرآنَ كما أُنزل، فأصعبُ ما يكون على مَن حفظه الآن، لأنّه يخالف فيه التأليف "(3)فهذا معنى الكتاب الجديد.

____________

(1) الغَيبة: 263 ح 24.

(2) الغَيبة: 233 ح 19.

(3) الإرشـاد 2 / 386.


الصفحة 141
132 ـ وأسـند النعمـاني في حـديث عن البـاقر، وفي آخـر عن الصادق عليهما السلام، قولهما في شـأن المهديّ: " يهدم ما كان قبله كما هدم رسـول الله أمر الجاهلية، ويسـتأنف الإسـلام جديداً "(1).

133 ـ وأسـند الشيخ الطوسي في " التهذيب "، عن محمّـد بن مسـلم، قال: سـألت أبا جعفر ـ يعني الباقر (عليه السلام) ـ [عن] القائم إذا قام بأيّ سـيرة يسـير في الناس؟

فقال (عليه السلام): " بما سار به رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى يظهر الإسـلام ".

قلت: وما كانت سـيرة رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: " أبطل ما كان في الجاهلية، واسـتقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم إذا قام، يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل "(2).

  • بـيان:

    الهدنة: هو الزمان الخالي من نفوذ من يسوس جميع المسلمين بسياسة الشريعة، فيحوط الإسلام ويحمي شريعته عن الدخيل.

    134 ـ وأسـند النعماني، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبـد الله: أخبرني عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بـدأ "؟

    فقال: " يا أبا محمّـد! إذا قام القائم اسـتأنف دعاءً جديداً كما دعا رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "(3).

    135 ـ وأسـند أيضاً، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قوله: " إنّ قائمنا إذا

    ____________

    (1) الغَيبة: 232 ـ 233 ح 17 و ص 230 ـ 231 ح 13.

    (2) تهذيب الأحكام 6 / 154 ح 270 ب 70 في سيرة الإمام.

    (3) الغَيبة: 322 ح 5.


    الصفحة 142
    قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ الإسـلام بدأ غريباً وسـيعود غريباً كما بدأ "(1).

  • بـيان:

    فالأمر الجديد هو دين الإسـلام، الذي يعيده القائم عجّل الله فرجه بسـيفه وسطوة دعوته جديداً، بعد خموله وتضعضع أركانه، فيكون غريباً عند عوده ; لقلّة أهله وتابعي حقيقته قبل العود، كما كان غريباً في بدء أمره.

    وإنّ القائم يدعو إليه دعاءً جديداً بالسـيف والقهر، وإجبار الناس عليه، وإلجائهم إليه، كدعوة رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أوّل الأمر، فتكون دعوة الإسـلام دعاءً جديداً مسـتأنفاً بعد دعاء رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تخلّلت الفترة(2) بينهما، وأصاب دِينَ الإسـلام من صدمات الضلال ما أصابه!

    أفلا تنظر إلى ما حلّ من صدمات الضلال في دين الإسـلام وشـريعته، وما جرى عليه من أهل (البيان) وأشـباههم ممّن يتسـمّى مسـلماً، ويتضجّر من دين الإسـلام وشـريعته؟! ونعوذ بالله من اتّسـاع الخـرق.

    136 ـ فقد أسـند النعماني، عن الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: " كأنّي بدينكم هذا لا يزال مولّيـاً يفحص بدمه، ثمّ لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت ـ إلى أن قال: ـ وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى إنّ المرأة

    ____________

    (1) الغَيبة: 320 ـ 321 ح 1.

    (2) الفَـتْـرَة: الانكسار والضعف، وما بين كلّ نبيّين أو رسولين من رسل الله عزّ وجلّ من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة ; انظر: لسان العرب 10 / 174، مادّة " فتر ".

    والمراد هنا هو: ابتعاد الناس عن أحكام الدين وتعاليمه وعدم عملهم بها، وضعف الإيمان، وقلّة العلم والعمل...


    الصفحة 143
    لتقضي في بيتها بكتاب الله وسُـنّة رسوله "(1).

  • بـيان:

    قوله (عليه السلام): " يفحص بدمه " تشـبيه للدين في تأثّره بجنايات الضلال عليه بالجريح الصريع، الذي سـال دمه على الأرض، فهو يفحص فيه.

    137 ـ ومن خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، كما في " نهج البلاغة ": " أيّها الناس! سـيأتي عليكم زمان يُـكفأ فيه الإسـلامُ كما يُـكفأ الإناءُ بما فيـه "(2).

    138 ـ ومن خطبة له (عليه السلام): " اتّقوا البدع، والزموا المَهْيَع، إنّ عوازمَ الأُمور أفضلُها، وإنّ محدَثاتِها شـرارُها "(3).

  • بـيان:

    المهيع: هو الطريق الواضح(4).

    وعوازم الأُمور: ما تقادم منها وكانت عليه ناشـئة الدين ; يقال: ناقة عَـوْزَم: أي عجوز فيها بقيّة شـباب(5).

    139 ـ وروى المفيد في " الإرشـاد "، مسـنداً عـن أبي عبـد الله الصـادق (عليه السلام)، قوله (عليه السلام): " إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسـلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور "(6).

    ____________

    (1) الغَيبة: 238 ـ 239 ح 30.

    (2) نهج البلاغة: 150 ذيل رقم 103.

    (3) نهج البلاغة: 202 ذيل رقم 145.

    (4) انظر: لسـان العرب 15 / 180 مادّة " هيع " وفيه كذلك أنّ المهيع: هو الطريق الواسع المنبسط، الواضح البيّن.

    (5) إنّ مراد المصنّف (قدس سره) هنا هو: فرائض الله التي أوجبها علينا وأمرنا بها، وإنّ خير الأُمور ما وكّدتَ رأيك وعزمك ونيّـتك عليه ووفيت بعهد الله فيه.

    انظر مادّة " عزم " في: الصحاح 5 / 1985، لسـان العرب 9 / 193.

    (6) الإرشـاد 2 / 383.


    الصفحة 144

  • بـيان:

    دثر: أي درس(1)، فضلّ الجمهور عن الإسـلام، حتّى إنّ القائم عجّل الله فرجه يدعوهم.

    140 ـ ويوضّح هذا ويبين فيه الرشـد ما رواه الفضل بن شـاذان في كـتاب " الرجـعة " عن الكابـلي، ورواه العيّاشـي في تفسـيره مسـنداً عن عبـد الأعلى الحلبي، بروايتيهما عن الباقر (عليه السلام)، قال: " يبايع الناسُ القائمَ بمكّة على كتاب الله وسُـنّة رسوله ـ إلى قوله (عليه السلام): ـ ثمّ ينطلق فيدعو الناس بين المسـجدين إلى كتاب الله وسُـنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) "(2).

    141 ـ وروى المفيد في " الإرشـاد "، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) ـ في حديث ـ، أنّ القائم إذا قام دعا الناس إلى حقّه، وأنّه يسـير فيهم بسـيرة رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعمل فيهم بعمله(3).

    142 ـ وأسـند الصدوق في الباب الثاني والعشـرين من " إكمال الدين "، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفة القائم، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " وسُـنّـته سُـنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشـريعتي "(4).

    143 ـ وأسـند الترمذي وأبو داود وابن ماجة في صحاحهم، عن أُمّ سـلمة، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حديث المهديّ ومبايعته بين الركن والمقام، ما نصّه: " ويعمل في الناس بسُـنّة نبيّهم، ويلقي الإسـلامُ بجِرانه إلى الأرض "(5).

    ____________

    (1) انظر: لسان العرب 4 / 289 مادّة " دثر ".

    (2) الرجعة: مفقود، وانظر: تفسـير العيّاشـي 2 / 61 ح 49 نحوه.

    (3) الإرشاد 2 / 382 ـ 383.

    (4) إكمال الدين: 411 ح 6 باب 39 وليس باب 22.

    (5) سـنن أبي داود 4 / 105 ح 4286، ولم أجده في سـنن الترمذي وسـنن ابن ماجة، وصرّح بوجوده فيهما ـ وفي غيرهما من مصادر أهل السُـنّة ـ المقدسي الشافعي في كتابه عقد الدرر: 69 ـ 70، وكذا الكنجي الشافعي في كتابه البيان: 494 ـ 495 ب 6.

    وانظر بخصوص هذا الحديث: معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) 1 / 442 ـ 446 رقم 303 والمصادر المذكورة في هامشـه.


    الصفحة 145

    الصفحة 146
    144 ـ وأسـند الشيخ المفيد في (أماليه)، عن أبي سـعيد الخدري، عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بعد ذِكر الفتنة وضلالها ـ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ثمّ يبعث الله عزّ وجلّ رجلا [منّي و] من عترتي، فيملأ الأرض عدلا كما ملأها مَن كان قبله جوراً، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها، ويحثو المال حثواً ولا يعدّه [عدّاً] ، حتّى يضرب الإسـلام بجِرانه "(1).

  • بـيان:

    جِران البعير: باطن رقبته(2)، يلقيه على الأرض إذا اسـتقرّ في إناخته وارتاح بالراحة، كما هو المشـاهد منه، فاسـتعير ذلك لتمكُّن الإسـلام واسـتقراره من بعد القلق والمتاعب من عواصف أهواء الضلال، وتبديل منتحليه له، وتلاعب أهوائهم بضروريّاته ومعلومات شـريعته.

    145 ـ ومن خطبة لأمير المؤمنين في الملاحم، وتعرّض فيها للمهديّ وصفـته، قوله (عليه السلام): " يَعطِـفُ الهوى على الهـدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويَعطِفُ الرأيَ على القرآنِ إذا عطفوا القرآنَ على الـرأي "(3).

    146 ـ وقوله (عليه السلام): " وتخرج له الأرض من أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سـلماً مقاليدها، فيريكم كيف عدل السـيرة، ويحيي ميت الكتاب

    ____________

    (1) لم أجده في أمالي المفيد، ووجدته في أمالي الطوسـي: 512 ـ 513 ح 1121 المجلس 18.

    (2) انظر: لسان العرب 2 / 262 مادّة " جرن ".

    (3) نهج البلاغة: 195 رقم 138.


    الصفحة 147
    والسُـنّة "(1).

    147 ـ وقوله (عليه السلام) ـ بعد ذِكر السـفياني ـ: " فالزموا السـنن القائمة، والآثار البيّنة، والعهد القريب، الذي عليه باقي النبوّة، [واعلموا] أنّ الشـيطان [إنّما] يُسَـنّي(2) لكم طُرقَه لتـتّبعوا عقبه "(3).

    أقـول: وهل يبقى مع هذه الروايـات الكثيـرة مجال لأوهام الضلال في تأويل قوله (عليه السلام): " بكتاب جديد " و " أمر جديد " بحيث يُحمل على (بيان) الميرزا (علي محمّـد)، الذي هو ضدّ القرآن الكريم والسُـنّة المطهّرة ; وعلى دين (علي محمّـد) المبتدع، الذي هو ضدّ دين الإسـلام وشـريعته في جميع ما جاء فيه، أُصولا وفروعاً؟!

    على أنّه يكفي في قمع هذه الأضاليل قول النبيّ في الحديث المتواتر المشـهور، المسـلّم بين فرق المسـلمين: " إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسّـكتم بهما لن تضلّوا أبداً، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض "(4).

    ____________

    (1) نهج البلاغة: 196 رقم 138.

    (2) أي: يسهّل ويمهّد ويرغّب ; انظر مادّة " سنن " في: لسان العرب 6 / 400، تاج العروس 18 / 304.

    (3) نهج البلاغة: 196 رقم 138.

    (4) انظر مثلا:

    =>


    الصفحة 148

    ____________

    <=

    صحيح مسلم 7 / 122 ـ 123، سنن الترمذي 5 / 621 ح 3786 و ص 622 ح 3788، مسـنـد أحـمـد 3 / 14 و 17 و 26 و 59 و ج 4 / 367 و 371 و ج 5 / 182 و 189، فضائل الصحابة ـ لابن حنبل ـ 2 / 723 ح 990 و ص 747 ح 1032، خـصـائـص الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ لـلنـسـائي ـ: 69 ـ 70 ح 74، فـضـائـل الصـحـابـة ـ للنسائي ـ: 15 ح 45، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311، المصنّف ـ لابن أبي شـيـبة ـ 7 / 418 ح 41، كـتاب السُـنّـة ـ لابن أبي عاصـم ـ: 336 ـ 337 ح 754 و ص 628 ـ 631 ح 1548 ـ 1558، مسند البزّار 3 / 89 ح 864، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 و ص 303 ح 1027 و ص 376 ح 1140، الجعديات 2 / 302 ح 2722، المعجم الكبـيـر ـ للطبـراني ـ 3 / 65 ـ 66 ح 2678 ـ 2681 و ج 5 / 153 و 154 ح 4921 ـ 4923 و ص 166 ـ 167 ح 4969 ـ 4971 و ص 169 ـ 170 ح 4980 ـ 4982 و ص 182 ـ 183 ح 5025 ـ 5028 و ص 186 ح 5040، المعجم الأوسط 4 / 81 ح 3439 و ص 155 ح 3542، المعجم الصغير 1 / 131 و 135، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 و ص 160 ـ 161 ح 4711 ووافقه الذهبي في التلخيص، الطبقات الكبرى 2 / 150، حلية الأولياء 1 / 355 رقم 57 و ج 9 / 64، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 148 و ج 7 / 30 ـ 31 و ج 10 / 114، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للمغازلي ـ: 214 ـ 215 ح 281 ـ 284، كفاية الطالب: 53، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 154 ح 182 و ص 200 ضمن ح 240، فردوس الأخبار 1 / 53 ح 197، تاريخ دمشق 42 / 216 ح 8702 و ص 219 ـ 220 ح 8714، مختصر تاريخ دمشق 17 / 120 و 353، فرائد السمطين 1 / 317 و ج 2 / 142 ـ 147 ح 436 ـ 441، البداية والنهاية 5 / 159، مجمع الزوائد 9 / 163 ـ 165، جامع الأحاديث الكبـير 2 / 443 ح 6526 و 6527 و ج 3 / 231 ح 8341 و ص 232 ح 8345 و 8346 و ص 234 ح 8354 و ص 236 ح 8365، كنز العمّال 1 / 186 ـ 187 ح 944 ـ 946 ـ 953 و ص 188 ـ 189 ذ ح 958، الجامع الأزهر 10 / 199 ح 30208، إسعاف الراغبين: 119، ينابيع المودّة 1 / 73 ـ 74 ح 9 و ص 95 ـ 96 ح 7 و ص 97 ح 9 و ص 102 ح 17 و 20 و ص 103 ـ 106 ح 22 ـ 25 وص 109 ح 31 وص 112 ـ 113 ح 33 ـ 35 و ص 114 ـ 126 ح 37 ـ 60 و ص 349 ذ ح 3 و ص 460، الأمالي ـ للصدوق ـ: 500 ح 686، الخصال: 65 ـ 67 ح 98، إكمال الدين: 234 ـ 240 ح 44 ـ 63، الأمالي ـ للطوسي ـ: 255 ح 460، الاحتجاج 1 / 172 ضمن ح 36.

    =>


    الصفحة 149

    ____________

    <=

    ولمزيد الاطّلاع والتفصيل والتوسّع في دراسة هذا الحديث الشريف من كلّ جوانبه ـ ألفاظه، طرقه، أسانيده، دلالته، تواتره، وفقهه ـ يمكن مراجعة كتابَي " نفحات الأزهار " في الأجزاء 1 ـ 3 منه و " حديث الثقلين "، وكلاهما للعلاّمة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ.


    الصفحة 150
    148 ـ وروى الفضل بن شاذان في كتاب " الغَيبة "، عن ابن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق (عليه السلام) ; كما روى الصدوق في الباب الثاني والعشـرين من " إكمال الدين " بسنده عن ابن أبي عمير، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسـين (عليهم السلام)، قال: " سـئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي) مَن العترة؟

    فقال: أنا والحسـن والحسـين والأئمّة التسـعة من وُلد الحسـين، تاسـعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم حتّى يرِدوا على رسـول الله حوضه "(1).

    149 ـ وفي كتاب سُلَيم، أنّه سمع عليّـاً (عليه السلام) يخطب في أيّام عثمان، فنقل في خطبته هذا المضمون من التفسـير عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشـهد له بذلك جماعة من خيار الصحابة(2).

    ____________

    (1) الغَيـبة: مفقود، إكمال الدين: 240 ـ 241 ح 64.

    (2) كتاب سُليم: 2 / 757 ـ 764 ضمن ح 25.


    الصفحة 151
    كما رواه النعماني في كتاب " الغَيبة "، والصدوق في الباب الثالث والعشـرين من " إكمال الدين "(1).

    هداك الله! فما تقول إذاً بمن يدّعي أنّه القائم المهديّ من العترة، وقد نبذ القرآن الذي خلّفه النبيّ وراء ظهره، فبدّل شـريعته وخالف معارفه؟! حتّى إنّه نهى عن تلاوته! وقال غير مبال في الباب التاسـع من الواحد السـادس من " البيان ": " قل إنّ يوم الذي يظهر الله فيه مظهر نفسـه أنتم تـتلون البيان كلّـكم أجمعون، أنتم فلتـتركنّ ما تتلنّ من قبل ثمّ بما يتلو الله لتتلنّ أن يأكل شـيء فلتدخلنّ في البيان، فإنّ هذا رسـول الله للعالمين "!!


    *    *    *

    ____________

    (1) الغَيبة: 68 ـ 73 ح 8، إكمال الدين: 274 ـ 279 ح 25 باب 24 وليس في باب 23.


    الصفحة 152

    المانـع السـابـع
    [إنكار المبعث والمعـاد]

    إنكاره المعاد وبعثة الأموات كما هو المعروف من طريقته، وعلى ذلك جرى أتباعه وبه لهجوا.

    والذي وصل إلينا من كلامه في ذلك قوله في " البيان ": " تكون الدنيا هكذا إلى الأبد، يظهر من يظهره الله ما لا عدد له، وكلّ ظهور هو عبارة عن قيام ونشـور ـ إلى أن قال: ـ أتحسـبون أنّ الحسـاب والميزان في غير هذا العالم، قل سـبحان الله عمّا يظنّون، وقد وضع الميزان وحسـبنا كلّ شـيء بقول واحد إنّا كنّا حاسـبين، كلّ من قال بلى قد أدخلناه في الرضوان، وكلّ من قال لا قد أدخلناه في النار "!

    وقال في الباب الثاني، من الواحد السـادس، من كتاب الأسـماء: " وقد جاء يوم القيامة بعد أشـراطها وكلٌّ راقدون، وقد عُرِضوا على الله ربِّك كلُّ الأوّلين والآخرين، ثمّ الظاهرين والباطنين، كلّ على درجاتهم، فبعضهم عُرضوا على الله بين يديه وهم مؤمنون، وبعض قد عُرضوا واحتجبوا عمّن قد خلقهم ورزقهم وهم لا يعلمون "!

    وهذا مخالف لضرورة دين الإسـلام ونصّ القرآن الكريم في ما تكرّر فيه من ذِكر المعاد ونشـر الأموات وبعثهم من القبور، كقوله تعالى: ( وقالوا إنْ هي إلاّ حياتُنا الدنيا وما نحن بمبعوثين * ولو ترى إذ وُقِفوا على ربّهم قال أليس هذا بالحقّ قالوا بلى وربِّنا قال فذوقوا

    الصفحة 153
    العذاب بما كنتم تكفرون )(1)..

    ( ولئن قلت إنّكم مبعوثون من بعد الموت لَيقولَنَّ الّذين كفروا إنْ هذا إلاّ سـحر مبين )(2)..

    ( وإنْ تعجب فعجبٌ قولهم أإذا كنّا تراباً أإنّا لفي خلق جديـد )(3)..

    ( وأقسـموا بالله جهد أيمانهم لا يَبعثُ اللهُ من يموت بلى وعداً عليه حقّاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون )(4)..

    ( وقالوا أإذا كنّا عظاماً ورفاتاً أإنّا لمبعوثون خلقاً جديداً * قل كونوا حجارة أو حديداً * أو خلقاً ممّا يكبُر في صدوركم فسـيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أوّل مرّة )(5)..

    ( ويقول الإنسـان أإذا ما مِتُّ لسـوف أُخرج حيّاً * أَوَلا يذكُر الإنسـانُ أنّا خلقناه من قبل ولم يك شـيئاً * فوربّك لنحشـرنّهم والشـياطين ثمّ لنحضرنّهم حول جهنّم جثيّـاً )(6)..

    ( يوم ينفخ في الصور ونحشـر المجرمين يومئذ زُرقاً )(7)..

    ( يوم نطوي السـماءَ كطيّ السـجلِّ للكتب كما بدأنا أوّل خلق

    ____________

    (1) سـورة الأنعام 6: 29 و 30.

    (2) سـورة هود 11: 7.

    (3) سـورة الرعد 13: 5.

    (4) سـورة النحل 16: 38.

    (5) سـورة الإسـراء 17: 49 ـ 51.

    (6) سـورة مريم 19: 66 ـ 68.

    (7) سـورة طـه 20: 102.


    الصفحة 154
    نعيده وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين )(1)..

    ( يا أيّها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلَّقة وغير مخلَّقة... * ذلك بأنّ الله هو الحقّ وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كلّ شـيء قدير * وأنّ السـاعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور )(2)..

    ( وهو الذي أحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم إنّ الإنسـان لكـفور )(3)..

    ( ثمّ إنكم يوم القيامة تُبعثون )(4)..

    ( ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسـلون * قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسـلون )(5)..

    وقال: ( أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعوثون * أَوَآباؤنا الأوّلون * قل نعم وأنتم داخرون * فإنّما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون * وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين * هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذّبون )(6)..

    ( أَوَلَم يروا أنّ الله الذي خلق السـموات والأرض ولم يَعْيَ بخلقهنّ بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنّه على كلّ شـيء

    ____________

    (1) سـورة الأنبياء 21: 104.

    (2) سـورة الحجّ 22: 5 ـ 7.

    (3) سـورة الحجّ 22: 66.

    (4) سـورة المؤمنون 23: 16.

    (5) سـورة يس 36: 51 و 52.

    (6) سـورة الصافّات 37: 16 ـ 21.