( أفعيـينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد )(2)..
( يوم تشـقّق الأرض عنهم سـراعاً ذلك حشـر علينا يسـير )(3)..
( خُشّعاً أبصارُهم يَخرُجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر * مهطِعين إلى الداعِ يقول الكافرون هذا يوم عسـر )(4)..
( وكانوا يقولون أإذا متنا وكـنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعثون * أَوَآباؤنا الأوّلون * قل إنّ الأوّلين والآخِرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلـوم )(5)..
( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتّى يلاقوا يومهم الذي يُوعَدون * يوم يخرجون من الأجداث سـراعاً كأنّهم إلى نُصُب يوفِضون * خاشـعة أبصارُهم ترهقهم ذلّة ذلك اليوم الذي كانوا يوعَدون )(6)..
( لا أُقسـم بيوم القيامة * ولا أُقسـم بالنفس اللوّامة * أيحسـب الإنسـان أن لن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسـوّي بنانه )(7)..
____________
(1) سـورة الأحقاف 46: 33.
(2) سـورة ق 50: 15.
(3) سـورة ق 50: 44.
(4) سـورة القمر 54: 7 و 8.
(5) سـورة الواقعة 56: 47 ـ 50.
(6) سـورة المعارج 70: 42 ـ 44.
(7) سـورة القيامة 75: 1 ـ 4.
( فلينظر الإنسـان ممّ خُلق * خُلق من ماء دافق * يَخرُج من بين الصلب والترائب * إنّه على رجعه لقادر * يوم تُبلى السـرائر * فما له من قوّة ولا ناصر * والسـماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع * إنّه لقول فصل * وما هو بالهزل * إنّهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً * فمهّل الكافرين أمهلهم رويداً )(2)..
وكقول أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ من خطبة له ـ: " حتّى إذا بَلغ الكتابُ أجلَه، والأمرُ مقاديرَه، وأُلحِق آخرُ الخَلقِ بأوّله، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، أمادَ السـماءَ وفطرَها، وأَرَجّ الأرضَ وأرجفَها، وقلع جبالَها ونسـفها، ودَكّ بعضُها بعضاً من هيبة جلالته ومَخُوف سَـطوته، وأَخرج مَن فيها، فجدّدهم بعد إخلاقهم، وجمعهم بعد تفرّقهم، ثمّ ميّزهم لِما يريده من مسـألتهم عن خفايا الأعمال وخبايا الأفعال "(3).
ومن كلام له (عليه السلام): " حتّى إذا تَصَرّمت الأُمور، وتقضّت الدهور، وأَزِفَ النشور، أخرجهم من ضرائح(4) القبور، وأوكار الطيور،
____________
(1) سـورة القيامة 75: 36 ـ 40.
(2) سـورة الطارق 86: 5 ـ 17.
(3) نهج البلاغة: 161.
(4) الضريح: الشقّ في وسط القبر، واللحد في الجانب ; انظر: لسان العرب 8 / 43 مادّة " ضرح ".
ومن كلامه (عليه السلام): " عبادٌ مخلوقون اقتداراً، ومربوبون اقتسـاراً، ومقبوضون احتضاراً، ومضمّنون أجداثاً، وكائنون رفاتاً، ومبعوثون أفراداً، ومدينون جزاءً، ومميَّزون حسـاباً... فاتّقوا [اللهَ] عبادَ الله جهةَ ما خلقكم له، واحذروا منه كُنهَ ما حذّركم من نفسـه، واسـتحقّوا منه ما أعدّ لكم، بالتنجُّز لصدق ميعاده، والحذر من هول معـاده "(4).
ومن كلامه (عليه السلام): " وإنّ الخَلق لا مَقْصَرَ(5) لهم عن القيامة، مُرْقِلِين(6)في مضمارها إلى الغاية القصوى... قد شـخصوا من مسـتقرّ الأجداث، وصاروا إلى مصائرِ الغايات ; لكلّ دار أهلها، لا يَسـتبدِلون بها ولا يُنـقَلون عنها "(7).
فانظر هداك الله! هذا كلام الله العظيم، المنزل على رسوله الكريم، وفيه الهدى والشـفاء بنصّه الكافي، وصريحه الوافي، وبرهانه الأنور،
____________
(1) أَوْجِرة ـ جمع: الوَِجار ـ: جُحْر الضبع والأسد والذئب والثعلب ونحو ذلك ; انظر: لسان العرب 15 / 220 مادّة " وجر ".
(2) هَطَعَ وأَهْطَعَ: أقبل مسرعاً خائفاً لا يكون إلاّ مع خوف، وقيل: نظرَ بخضوع ; والإهطاع: الإسراع في العَدْو. انظر: لسان العرب 15 / 102 مادّة " هطع ".
(3) نهج البلاغة: 108.
(4) نهج البلاغة: 109 ـ 110.
(5) أي: لا محبس للخلق عن يوم القيامة، ولا بُـدّ لهم منه ; انظر: لسان العرب 11 / 185 مادّة " قصر ".
(6) الإرقال: ضرب من العَدْو فوق الخَبَب ; انظر: لسان العرب 5 / 290 مادّة " رقل ".
(7) نهج البلاغة: 219.
وهذا كلام أمير المؤمنين، إمام الهدى، ونور العرفان، ودليل الحقّ والحقيقـة.
ولولا ضيق المجال والاكتفاء بالعمدة، لذكرت من كلام رسـول الله وأُولي العصمة من آله شـيئاً كثيراً، بالنصّ الصريح والبيان الواضح، في متواترات الأخبار في أمر المعاد الجسـماني، وقيامة جميع الأموات إلى الحسـاب والجزاء(1).
وليس إنكار المعاد الجسـماني ـ مع النصّ الصريح الواضح والبرهان القاطع ـ إلاّ تكذيب للقرآن وللرسـول، وهذا هو الارتداد عن الدين، والخروج عن ربقة الإسـلام، ولا ينفع فيه التعلّل بضلال التأويل بعد قيام الحجّة بالصراحة ووضوح البيان.
فتبصّر ـ هداك الله ـ في أمر داعيك وأسـاس طريقتك (الميرزا علي محمّـد) كيف يكون حاله! إذ هو معترف بأنّ القرآن كلام الله منزل على رسـول الله ثمّ ينكر المعاد الجسـماني! بحيث يرجع ذلك إلى تكذيب الله ورسـوله.
ولقد سـمعتُ بعض مَن أماله الهوى يلوِّح بإنكار المعاد، ويتشـبّث لإنكاره من دين الإسـلام برواية لم يفهم نكتة بيانها، ولم يسـمع من الكلام البليغ نظائرها فيعرف مرمى قصدها، ولا يعرف راويها، ولا مَن رُويت عنه، وهي: " إذا مات الإنسـان قامت قيامته "(2).
____________
(1) انظر تفصيل ذلك في الأجزاء 5 ـ 8 من موسوعة " بحار الأنوار ".
(2) انظر: كنز العمّال 15 / 548 ح 42123 و ص 686 ح 42748، وكلاهما عن أنس بلفظ: " إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته ".
وأيضـاً: إنّ من يفهم معاني الكلام، وله وقوف ـ في الجملة ـ على بعض المحاورات، كقولهم: ثلثا الطريق عتبة الباب..
وقول بعضهم في شـأن ميّت: إنّه مات منذ وُلد..
والمثل المعروف: زَمَّـرْ ابْـنِـچ يا عجوز(1)..
لَيعرف أنّ المراد أنّ الإنسـان إذا مات أشـرف على القيامة إشـرافاً تامّاً، فكانت نصب عينَي يقينه، وبمرأى بصيرته، فإنّه بالموت ينكشـف الغطاء، فتنكشـف عنده القيامة حقّ اليقين، فالصالح يرتاح إلى نعيمها المنكشـف بعلمه، نحو ارتياحه إلى نعيمها إذا تنعّم به، والطالح يكون هَوْلُها المنكشـف بعلمه بمنزلة هَوْلِها إذا ابتُلي به، حيث انقطعت عنه علائق الجهل والغرور التي تسـوّل له إنكار القيامة، أو الشـكّ فيها، أو العمل بما يعمله الناسـون لها.
أفلا تشـعر ـ هداك الله ـ بأنّك في تفسـيرك الرواية بما تتوهّم قد خالفت نصّ القرآن ولسـان أهل المحاورات كما قدمنا لك؟!..
وخالفت أيضاً داعيك الباب، حيث إنّه يجعل القيامة المذكورة في القرآن والأحاديث عبارة عن ظهوره وقيامه بدعوته، فقد سـمعت في ما
____________
(1) مثل شعبي باللهجة الدارجة العراقية، يضرب لمن يهيّئ أسباب قضاء حاجته وتمام أمره، وأصل قصّته على ما يحكى: أنّ أُناساً قرويّين أرسلوا أحدهم إلى المدينة ليشتري لهم حوائجهم ولم يعطوه أقيامها، إلاّ عجوزاً فقد طلبت منه أن يشتري لابنها مزماراً وأنقدته ثمنه مقدّماً، فقال لها:...
هداك الله! ليس الميزان للكلام هي حركة اللسـان واتّباع سـانح الوهم الوقتي، فإنّ الكلام لا بُـدّ من أن يكون مرتبطاً بقاعدة وطريقة، فإنّ " لسـان العاقل وراء قلبه "(1).
____________
(1) هو قول أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ; انظر: غرر الحِكم ودرر الكلم 2 / 147 رقم 1.
[حاصـل الكـلام]
ولنؤكّد لك البيان، ونجمع حاصل الكلام في هذه الموانع، وهو:
إنّ الميرزا علي محمّـد ـ كما قدّمنا لك في صدر الرسـالة ـ معترف بحقّ دين الإسـلام وحقيقته، مصدّق بأنّ القرآن كلام الله، مصدّق بأنّ محمّـداً رسـول الله، مصدّق بأنّ الأئمّة الهداة حجج الله والأدلاّء على دينـه..
فكلّ ما يرجع في دعاويه إلى مخالفة نصّ القرآن وصريحه المتكرّر، فهو مكذّب للقرآن في محكمه المبين!
وكلّ ما يخالف به ضروريّـات الدين وبديهيّـاته، فهو تكذيب لرسـول الله ولدين الإسـلام!
وكلّ ما يخالف به المعلوم الصريح من قول الأئمّة الهداة، فهو تكذيب لهم!
وقد وقع كلّ ذلك منه كما بيّـنّا، وكفى بذلك شـاهداً وحجّة على كذبه وتناقضه، وزاجراً عن تصديقه والركون إليه، وحاكماً بتسـجيل اسـمه في دفتر إخوانه الكاذبين.
ويكفي في ذلك تناقضه في دعواه ـ أوّلا ـ أنّه نائب عن المهديّ مولاه!
ودعواه ـ ثانياً ـ أنّه هو المهديّ!
ودع عنك دعواه النبوّة والألوهيّة!
ولا تنحصر دلالة هذا الدليل بالمسـلمين، بل يَسـتدلّ به أيضاً على
يا هذا! إنّك حيث اعترفت لمحمّـد وقرآنه ودينه والأئمّة من عترته بما تقدّم من الحقّ والتصديق، واعتمدت عليهم في دعوتك ودعاويك، فقد حكّمتهم في أمرك، وجعلت لهم فصل القضاء في شـأن دعوتك ودعاويك.
وها هو محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الأئمّة يكذّبونك في دعواك أنّك المهديّ ; كما مرّ في المانع الثاني والثالث والرابع(1).
وها هو القرآن ومحمّـد وعترته الأئمّة يكذّبونك في دعوى النبوّة والرسـالة والوحي بالكتاب والشـريعة ; كما مرّ في المانع الخامس والسـادس(2).
وها هو القرآن ومحمّـد وعترته الأئمّة يكذّبونك في إنكارك المعاد الجسـماني ; كما مرّ في المانع السـابع(3).
وتكذيبهم لك مع اعترافك السـابق بحقّهم حجّة على كذبك.
فإن قلـت: إنّي أُأَوِّل ما جاء في القرآن وكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته بحيث لا يخالف ما جئتُ به في دعوتي.
قلـنا: إنّ كافّة أهل الملل ممّن وقف على أحوال محمّـد وعلي يعرفون منهم حصافة العقل، وسـداد الرأي، واسـتقامة المسـلك، واعتدال
____________
(1) راجع الصفحات 58 و 123 و 131 وما بعدها.
(2) راجعهما في الصفحتين 134 و 137 وما بعدهما.
(3) راجعه في الصفحة 149 وما بعدها.
هذا إنْ كنت تريد أن تُـعَـدَّ من العقلاء، أو ممّن يسـتحي من شـطحات الكلام وشـططه!
أَوَلا تدري بأنّ العقلاء لا يرضون بتأويل النصّ الصريح من كلام المجانين إذا لم يظهر عليه آثار التخليط والهذيان؟!
وإنّ إخراجَك تلك النصوص الصريحة المتكرّرة إلى تأويلك، إخراجٌ لها من شـرف كلام العقلاء المسـتقيمين إلى الخسّـة في كلام أهل الهذيان، ولعلّ نسـبتهم إلى الكذب فيه أحسـن لهم في شـرف حكمتهم ومجراهم على النهج العقلائي.
ولعلّك تغتنم منّي الموافقة وتقول: إنّ السـرّ الذي لا أبوح به إلاّ لأهله، هو أنّ النصوص المتقدّمة بأجمعها لا حقيقة لها، وإنّما اقتضت لهم حكمة الدعوة وفلسـفة السـياسـة أن يقولوا تلك الأقوال وإن كانت خالية من الحقيقة والصدق!
فأقـول لك: مرحباً بالوفاق! ولكنّك سـجّلت ـ إذاً ـ على نفسـك أنّك كاذب في شـهاداتك السـابقة، وفي اعتمادك في أسـاسـيّات دعوتك على دين الإسـلام، وينقدح من ذلك الظنّ بأنّ عادتك الدائمة قد جرت على أن تقول الكذب ترويجاً لأمرك وسـيادة كلمتك!
وليس لعاقل أن يركن في الأُمور الجزئية إلى من عُرف منه الكذب، فكيف يركن العاقل في أعظم الأُمور؟! وهو الدين ودعوى النبوّة والرسـالة
هذا كلام غير المسـلمين معكم.
تـتميـم:
وحيث إنّ (حسـين علي) قد بنى دعوته ودعواه على دعوة (الميرزا علي محمّـد)، فإنّ ما ذكرناه من الموانع من صدق (الميرزا علي محمّـد) تكون موانعاً من صدقه في دعواه ; لامتناع أصلها.
وأيضاً: قد ادّعى (حسـين علي) أنّ الله أرسـله وأوحى إليه، وأنّه جاء بكتاب وشـريعة من عند الله ـ كما قدّمنا ـ، فيجري في شـأنه المانع الخامس والسـادس والسـابع على النحو المتقدّم.
وإنّه ـ أيضاً ـ قد جاهر بإنكار المعاد الجسـماني كما وجدناه في كتابه " إيقان "، فإنّ القيامة التي هي من ضروريّات دين الإسـلام سـمّاها (قيامه موهوم)(1) كما تكـرّر منه في أواخر الباب الأوّل ; وجاهـر بإنكار المعروف في دين الإسـلام وغيره، كما في أوائل الباب الثاني.
____________
(1) أي: القيامة المزعومة.
[موانـع دعـوة حسـيـن عليّ]
ولنعرض للموانع التي تختصّ بدعوة (حسـين علي) وتكذّب دعواه، فنقول:
الأوّل من الموانع
[إدّعاؤه أنّـه المسـيـح (عليه السلام)]
إنّ حسـين علي ادّعى أنّه المسـيح، جاء ثانياً ليكمل ما قال من قبل، كما ذكرناه سـابقاً(1).
بل إنّه قال في تلك الرسـالة التي أشـرنا إليها سـابقاً: " فاعلم بأنّ الذي صعد إلى السـماء قد نزل بالحقّ، وتعطّر العالم برجوعه وظهوره... " إلى آخـره.
ولا يخفى على كلّ أحد أنّ الذي يعتـقده النصارى والمسـلمون، ونطق به القرآن والأناجيل، هو أنّ الذي صعد إلى السـماء هو المسـيح بجسـده الطاهر ونفسـه القدسـية(2).
وليت شـعري إنّ هذا المدّعي هو: حسـين علي بن الميرزا عبّـاس المدعوّ ميرزا بُـزُرْك النوري المازندراني المسـتوفي(3)، وكان تولّده(4) يوم
____________
(1) في رسـالته إلى القسّ، المتقدّمة في الصفحة 54.
(2) سـتأتي الإشـارة إلى ذلك قريباً.
(3) يعني: مأمور المالية. منه (قدس سره).
(4) أعني: حسـين علي. منه (قدس سره).
فكيف إذاً يكون هو المسـيح عيسـى بن مريم، المولود في بيت لحم في التاريخ المعلوم؟!
وكيف يكون هو المسـيح الذي صعد إلى السـماء وينزل منها؟!
ومتى نزل حسـين علي من السـماء وهو معروف المولد، معروف المنشـأ؟!
تـنـبـيـه:
قد نظم أحد البهائية تاريخ ولادة (حسـين علي) بقوله:
مسـتعد باشـيد ياران مسـتعد | جاء يوم غيب لم يولد ولد |
فالتفِت إلى ما في هذا الشـعر من الكفر والجرأة على تمجيد الله وتقديسـه لذاته في سـورة الإخلاص بقوله تعـالى: ( لم يلـد ولم يولد )(1)، فإنّ هذا الشـاعر يريد بشـعره أنّ الآية تقول: إنّ الله لم يولد في الزمان الماضي ولسـان غيبها يقول: إنّه يولد في المسـتقبل، وقد جاء يوم هذا الغيب ووُلد الله في هذا التاريخ!!
فإن قلـت: إنّ كون حسـين علي هو المسـيح مبنيٌّ على التناسـخ وحلول روح المسـيح في جسـد حسـين علي.
قلـت: هب أنّا أغضينا عن بطلان التناسخ، ولكنّ المسـيح ليس بميّت حتّى تنتقل روحه إلى جسـد حسـين علي، فإنّ من البديهي في دين
____________
(1) سـورة الإخلاص 112: 3.
نعم، يقول النصارى ـ كما صرّحت به الأناجيل الأربعة ـ: إنّه صُلب يوم الجمعة، ودفن في عشـيّتها والسـبت يلوح، فقام حيّاً من القبر يوم الأحد، واجتمع مع تلاميذه مراراً، وأكل معهم، ثمّ ارتفع إلى السـماء.
ويقول بولس: إنّ المسـيح التقى معه في طريق الشـام بعد مدّة وأرسـله.
فانظر إلى الأصحاحات الأخيرة من الأناجيل الأربعة، وإلى " أعمال الرسـل ".
ويا عجباً! إنّك تعترف بأنّ الأناجيل كتب وحي إلهيّ، وغير محرّفة، فكيف تعاند صراحتها بأنّ المسـيح من يوم الأحد ـ ثالث يوم الصليب ـ قام من الأموات وارتفع حيّـاً ممجَّداً إلى السـماء؟!
أفلا تدري بذلك؟! أو أنّك تدري وتسـتره، وتغتـنم غفلة النـاس عن مثل ذلك؟!
والحاصـل: إنّ دعوى حسـين علي كونه المسـيح، وتطبيقها على
____________
(1) الفتن: 347، وعنه في التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: 174 ح 235، وراجع في نزول عيسى (عليه السلام) مثلا: معجم أحاديث الإمام المهديّ (عليه السلام) 1 / 512 ـ 570 ح 354 ـ 381 و ج 2 157 ـ 162 ح 495 ـ 499 و ج 3 / 121 ـ 123 ح 659 و 660 و ص 170 ح 695 و ص 316 ـ 317 ح 856 و 857 و ج 4 / 169 ح 1232، ومصادر الفريقين المذكورة بهوامشها.
فإن قلـت: إنّ القرآن قد أخبر بموت المسـيح بقول الله جلّ اسـمه: ( إنّي متوفّيك ورافعك إليَّ )(2)، وقوله ـ حكاية عن المسـيح ـ: ( فلمّا توفّيتـني كـنتَ أنت الرقيبَ عليهم )(3).
قلـت: ليس معنى التوفّي هو الإماتة، بل هو من الاسـتيفاء، بمعنى أخذ ما هو له من الغير، بدليل قوله تعالى في سـورة الزمر، الآية 42: ( اللهُ يتوفّى الأنفسَ حين موتها والتي لم تمُت في منامها فيمسـكُ التي قضى عليها الموتَ ويرسـلُ الأُخرى إلى أجل مسـمّى )(4)..
وقوله تعالى في سـورة الأنعام: ( هو الذي يتوفّاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار )(5).
فمعنى الآية الأُولى: يا عيسـى إنّي آخذك من بين الناس ; ومعنى الآية الثانية: فلمّا أخذتني من بين الناس ; ولا تقل: إنّ هذا تأويل للآيتين، بل هو بيان لمعناهما اللغوي كما تشـهد بذلك كتب اللغة والتفسـير والآيتان
____________
(1) سـورة النسـاء 4: 157 و 158.
(2) سـورة آل عمران 3: 55.
(3) سـورة المائدة 5: 117.
(4) سـورة الزمر 39: 42.
(5) سـورة الأنعام 6: 60.
ويا عجباً! إنّ (حسين علي) تارةً يدّعي أنّه الحسـين السـبط (عليه السلام)، وأنّ أيّامه هي الرجعة الحسينية، ولا بُـدّ من أنْ يريد أنّ روح الحسين (عليه السلام)حلّت في جسـده على سـبيل التناسـخ!
وتارةً يدّعي أنّه المسـيح!
فكيف يكون ذلك؟!
فهل مات وخرجت منه روح الحسـين (عليه السلام) ثمّ ولجته روح المسـيح فعاد حيّاً؟!
وهل كان جسـده شـبكة صيّاد يصيد كلّ يوم حمامة؟!
ولعلّك تقول: إنّا لا نبني على أنّ روح المسـيح والحسـين حَلّتا في (حسين علي) على سـبيل التناسـخ، بـل إنّ المقصود من قولنا: " إنّه الحسـين السـبط (عليه السلام) في الرجعة، وإنّ أيّامه هي أيّام الرجعة الحسـينية "، هو أنّ فيه نورانيّـة الحسـين (عليه السلام)، وأنّه يسـير بالسـيرة التي رُوي في أحاديث الرجعة أنّ الحسـين (عليه السلام) يسـير بها في رجعته..
وكذلك المقصود من قولنا: " إنّه المسـيح (عليه السلام) "، هو أنّ فيه نورانيّة المسـيح، وأنّه يسـير بسـيرة المسـيح ونورانيّته، من الهدوء، والسـكون، والأمر بالصفح، والمداراة، وعدم القتال، وغير ذلك من أوصافه وسـيرته.
قلـنا أوّلا: إنّ كلام حسـين علي ـ كما تقدّم ـ صريح في دعوى أنّه
____________
(1) انظر مثلا: لسان العرب 15 / 359 مادّة " وفي "، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 566 مادّة " وفي "، مجمع البيان 4 / 70 و ج 8 / 359، تفسير الصافي 2 / 126 ح 60 و ج 4 / 323 ح 42، تفسير الفخر الرازي 13 / 13 ـ 14 المسألة 5 و ج 26 / 285 المسألة 2.
وثانياً: أين الهدوء والصفح والمداراة وعدم القتال، مع ما هو معروف ممّا جرى في (أدرنه) بينه وبين أخيه الميرزا يحيى وأصحابهما من الفتنة وتشـهير السـلاح الأبيض، حتّى فرّقت بينهما الحكومة فسـاقت بعضاً إلى قبرص وبعضاً إلى عكا؟!
وسـتسـمع قتله ـ هو وأصحابه ـ ثمانيةً من أصحاب أخيه في ليلة واحدة بالسـكاكين والسـاطور، وقد كان المقتولون من أعيان البابية وأئمّة دعوتهم، وإنْ سَـكَنَ بعد ذلك فمن أجل ما قاسـاه من هول الحبس وزجر التهديد من الحكومة (عِفَّتِ بي بي أز بي چادُرِي [اسـت] )(1).
وثالثاً: إنّ نورانـيّة الحسـين (عليه السلام) في الرجعة ـ بحسـب الأحاديث ـ مخالفة ومناقضة لِما زعمته من نورانيّة المسـيح بحسـب ما وصفت، فإنّ سـيرة الحسـين (عليه السلام) المرويّة في الرجعة هو القتل والقتال والانتقام وأخذ الثار والسـلطة(2)، وأنت تقول: إنّ نورانيّة المسـيح في حسـين علي عبارة عن الهدوء والسـكون والأمر بالصفح واللين والمداراة ; فكيف تجتمع فيه
____________
(1) أي: إنّ صلاح وعفاف وعدم تبرّج المرأة وهي جليسة الدار لا عبرة به، فإنّ ذلك ليس لتديّنها، وإنّما لعدم امتلاكها للحجاب، وإلاّ لخرجت من دارها وفعلت ما شاءت! وهو مثل فارسي يضرب لمن يودّ ركوب أمر مّا ولكن لا حيلة له على ذلك.
(2) انظر مثلا: تفسير القمّي 2 / 272، تفسير العيّاشي 2 / 304 ح 20 و ص 305 ح 23، الكافي (الروضة) 8 / 206 ح 250، الاختصاص: 257 ـ 258، مختصر بصائر الدرجات: 29 و 46، منتخب الأنوار المضيئة: 202، وراجع تفصيل ذلك في: بحار الأنوار 53 / 39 ـ 149 باب الرجعة وباب خلفاء المهدي (عليه السلام) وأولاده وما يكون بعده.
ورابعاً: إنّ حسين علي لم يظهر فيه شـيء من نورانيّة الحسـين (عليه السلام)حسـب ما تذكره أحاديث الرجعة التي منها عرفنا رجعة الحسـين (عليه السلام)، إذ لم تصدر في أيّام حسـين علي ثورة وانتقام منه أو من أصحابه إلاّ ببعض المخالسـات الغدريّة من آحاد أصحابه، وكلّما غدروا غدرة بواحد أتى عليهم جرمُها بالبلاء والانتقام الشـديد.
وإنّ ثورة الملاّ حسـين البشـروئي والملاّ محمّـد علي الزنجاني قد انقضت بفنائهما وفناء جيشـيهما قبل قتل علي محمّـد بحسـب تاريخ البابية لقـتله.
ولئن بقيت ثورة الزنجاني بعد قتل الباب بيسـير فليس لـ (حسـين علي) فيهما أثر.
وعلى كلّ حال، فقد كانت عاقبة تلك الثورات هو هلاك جندهم، وبوارهم، والانتقام منهم.
وخامسـاً: ماذا تريد من نو‘انيّة المسـيح بحسـب صفاته؟! أهي صفاته وحالاته في أوّل أمره إلى حين حادثة الصليب، التي كان يسـير فيها بالهدوء واللين ويأمر بالصفح والمداراة؟!
أم تريد نورانيّته في رجعته التي يذكرها الإنجيل، ووعد بها المسـيحُ أصحابَه؟!
فإن أردت نورانيّته في رجعته، فهذا الإنجيل ـ الذي تقول بأنّه كتاب وحي وغير محرّف ـ انظر إليه، فإنّه يكذّبك ويدلّ على أنّ حسـين علي خال من تلك النورانيّة، فإنّ الإنجيل يقول: " إنّ المسـيح في رجعته يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كلّ واحد حسـب عمله " كما في
ويرسـل ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار ; كما في إنجيل متّى، في الأصحاح الثالث عشر، في الفقرة الأربعين.
وأحاديث المسـلمين عن رسـول الله وأهل بيته تقول: إنّ المسـيح يشـارك المهديّ ويؤازره في تطهير الأرض من أرجاس الكفر والظلم(1).
فأين هذا من حسـين علي؟!
وإنْ أردت من النورانيّة الحالّة في حسـين علي هي نورانيّة المسـيح من حين رسـالته إلى حادثة الصليب..
قلنـا: إنّ حسـين علي خال منها أصلا ورأسـاً، فإنّ من نورانيّة المسـيح في ذلك الوقت زهده العظيم، حتّى إنّ الإنجيل يذكر أنّه قال: " للثعالب أوجرة، ولطيور السـماء أوكار، وأمّا ابن الإنسـان فليس له أينٌ يسـند رأسـه "(2)، يعني أنّه لم يتّخذ مأوىً يسـتريح إليه، ولا أعدّ له بيتاً يسـكنه ; وحسـين علي كان يتنعّم في الدور المشـيّدة في طهران وبغـداد وأدرنه وعكّا، ودع عنك باقي التنعّمات المباينة لحالات المسـيح.
[الثاني من الموانع
إنكاره معجزات المسـيـح (عليه السلام)]
ومن نورانيّة المسـيح أنّه صدرت منه المعجزات العجيبة مكرّراً في مدّة مكثه في الأرض، ولم يصدر من حسـين علي شـيء من تلك
____________
(1) راجع هـ 1 من الصفحة 164.
(2) إنجيل متّى: الأصحاح 8 الفقرة 20.