الصفحة 173
المعجزات ولا من أمثالها..

فإنّ القرآن الكريم يذكر أنّ المسـيح كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، ويخبرهم بما يدّخرون في بيوتهم(1).

والإنجيل الذي تعتقد أنّه من الوحي الذي لم يحرّف يقول: إنّ المسـيح أشـبع الأُلوف من الناس مرّتين من خمسـة أرغفة أو سـبعة، وفضل من كسـراتها أمثالها.

فانظر في إنجيل متّى، في الأصحاح الرابع عشـر والخامس عشـر ; وإنجيل مرقس، في الأصحاح السـادس والثامن ; وإنجيل لوقا، في الأصحاح التاسـع ; وإنجيل يوحنّا، في الأصحاح السـادس.

وأَبرَأَ برصاً بمجرّد لمسـه لهم، ورَدّ بصرَ عميان، وأبرأَ مُقعَدِين ومفلوجين، وأخرج الشـياطين من المجانين ومن يعتريهم الصرع، وشـفى من الأمراض الصعبة، وأحيى أمواتاً، كلّ ذلك ببركته ومعجزته، ولم يصدر من حسـين علي من ذلك شـيء، ولم تبرق فيه من تلك النورانيّة برقة!!

فإن قلـت: إنّ جميع هذه المذكورات ليسـت على حقيقتها، بل المراد أنّه أبرأ من برص داء الجهل، وشـفى سـقيم الغفلة، وفتح عيون القلوب العمي، وهذه الصفات قد حازها البهاء بأتمّ وجه، فقد برئ في أيّامه برص داء الجهل بدون أن يقول له " كن " ظاهراً، وبظهوره قد برئ

____________

(1) إشارة إلى قوله تعالى في الآية 49 من سورة آل عمران: (ورسولا إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأُبرئ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله وأُنبّئُـكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم...).


الصفحة 174
العالم وأهله من كلّ داء وسـقم، وهذا هو الفضل الذي ما سـبقه فضل.

قلـنا: هذه كلمات مقتداك حسـين علي في رسـالة إلى بعض القسـوس في القسـطنطينية، ذكرها في كتاب " ألواح " في ضمن رسـالة أوّلها: " ورد مكتوب ذلك الجناب إلى المنظر الأكبر... " إلى آخره.

وقد أنكر بذلك معجزات المسـيح، فعاند بذلك صراحة القرآن ونصوص الأناجيل الأربعة!

فإنّ القرآن الكريم يذكر قول الله لعيسـى في سـورة المائدة، في الآية المائة وعشـر: ( وتبرئ الأكمهَ والأبرص بإذني وإذ تُخرج الموتى بإذني )..

ويذكر في الآية التاسـعة والأربعين من سـورة آل عمران، أنّ من بعض ما أُرسـل به المسـيح أن يقول لبني إسـرائيل: ( وأُبرئ الأكمهَ والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله )..

وأمّا الأناجيل، فإنّها تذكر لك قصصاً مفصّلة ووقائع معيّنة، تعيّن لمواقعها مواضع وأشخاصاً معروفين، لا يسع المقام ذِكرها ها هنا مفصّلا ; لطولها وتكرّر غالبها في الأناجيل الأربعة، ولكنّ الأناجيل مبذولة، وأنا أدلّك على مواضع هذه القصص منها، فإن كنت تريد التبصّر فانظر إلى القصص بتمامها وراجع وجدانك!

فإنّي أرجو منك بحقّ الحقّ وشـرف الدين وعزّة نفسـك عليك، أن لا تكون ممّن إذا ضايقه البرهان والحجّة يأخذه اللجاج ويقول: ما علينا من شـغل الله!

هداك الله! إنّ الذي يعيننا في ديننا ونجاتنا هو الشـغل المنسـوب لله، لنعرف أنّه من الله أو من غيره، فيتميّز عندنا الكفر من الإيمان، والحقّ

الصفحة 175
من الباطل، فربّما تكون النجاة في فكرة سـاعة، وربّما تكون الهلكة في غفلة سـاعة أو تغافل سـاعة!

وإنّي لم أُكلّمك في هذه الرسـالة بمقدّمات فلسـفية وأُمور من غوامض المعقول، بل كلّمتك بواضح المنقول ومجرى العقلاء في محاوراتهم وطريقتهم ممّا هو بديهي عند الكلّ.

وإن أردت الدلالة على مواضع ما ذكرت لك من معجزات المسـيح في الأناجيل، فانظر إلى:

إنجيل متّى، في الأصحاح الثامن والتاسـع بتمامهما..

والأصحاح الثاني عشـر في الفقرة الثانية والعشـرين..

والأصحاح الخامس عشـر في الفقرة الثلاثين وما بعدها.

  • وانظر إلى:

    إنجيل مرقـس، في الأصحاح الأوّل، من الفقرة الثالثة عشـر..

    وفي الأصحاح الخامس، إلى [الفقرة] الثالثة والأربعين..

    وفي الأصحاح السادس، في الفقرة الخامسة والخمسـين وما بعدها..

    وفي الأصحاح السـابع، من [الفقرة] الرابعة والعشرين إلى السابعة والثـلاثين..

    وفي الأصحاح التاسـع، من الفقرة الرابعة عشـر إلى الخامسـة والعشـرين..

    وفي الأصحاح العاشـر، من الفقرة السـادسـة والأربعين إلى الثامنة والخمسـين.

  • وانظر إلى:

    إنجيل لوقـا، في الأصحاح الرابع، من الفقرة الثالثة والثلاثين إلى

    الصفحة 176
    الثامنة والأربعين..

    وفي الأصحاح الخامس، من الفقرة الثانية عشـرة إلى السـادسـة والعشـرين..

    وفي الأصحاح السـادس، من الفقرة السـادسـة إلى العشـرين..

    وفي الأصحاح السـابع، إلى الفقرة الرابعة والعشـرين..

    وفي [الأصحاح] الثامن، من [الفقرة] السـادسـة إلى السـادسـة والخمسـين..

    وفي [الأصحاح] التاسـع، من [الفقرة] السـابعة والثلاثين إلى الثالثة والأربعيـن..

    وفي [الأصحاح] السـابع عشـر، من الفقرة الثانية عشـرة إلى العشـرين..

    وفي الأصحاح الثامن عشـر، من الفقرة الخامسـة والثلاثين إلى الآخِـر.

  • وانظر إلى:

    إنجيل يوحنّا، في الأصحاح الخامس، من أوّله إلى الفقرة العاشرة..

    وفي الأصحاح التاسـع، إلى الفقرة الرابعة والثلاثين..

    وفي الأصحاح العاشـر، من الفقرة الحادية والعشـرين إلى الآخِـر..

    وفي الأصحاح الحادي عشـر، من أوّله إلى [الفقرة] الرابعة والخمسـين..

    وفي الأصحاح الثاني عشـر، من الأوّل إلى الفقرة الثانية.

    فإذا نظرت إلى هذا كلّه، عرفتَ أنّ المسـلمين والنصارى، والقرآن

    الصفحة 177
    والأناجيل، يكذّبون حسـين علي في إنكاره لحقيقة معجزات المسـيح.

    وإنْ كـنـت لا تبـالي بإطبـاق المسـلمين والنصـارى، ولا بالقـرآن، ولا بالأناجيل، وتقول: إنّ هذا كلّه لا حقيقة له، ولا يضرّ البهاء شـيئاً..

    فنقول لك: إنّا سامحناك عن ذلك وأغضينا عنه، ولكن ما تقولُ وإنّ نفس حسـين علي يشـهد ويعترف بأنّ القرآن والأناجيل كُتُب الله، وهو مكذّب لصراحتها وقصصها الطويلة المفصّلة؟!

    فقل إذاً هو بأيّ الأمرين كاذب؟! أبشـهادته واعترافه؟! أم بتـكذيـبه؟!

    وهذا مانع آخر من صدق دعواه!

  • تـنـبـيـه:

    إنْ سـأل سائل ـ على ما ذكرناه من إنكار معجزات المسـيح ـ وقال: ما كان الداعي لأِنْ يُـقْدِم حسـين علي ـ في هذا المقام ـ على مخالفة المعلوم عند النصارى والمسـلمين، وصريحِ نصِّ القرآن والأناجيل، مع اعترافه بأنّها كتب وحي؟!

    قلـنا: من جملة الدواعي لذلك هو أنّه لَمّا اقتضى المقام أن يدّعي أنّه المسـيح ـ لمناسـبة ادّعاء الميرزا علي محمّـد أنّه المهديّ ـ فخشـي أن يقال له: إنّ المسـيح أبرأ كذا وكذا، وأحيى كذا وكذا، فإن كنت المسـيح فأَبرِئ أقلاًّ من يشـتكي الصداع، أو افتح عين أرمد! فرأى سـدّ هذا الباب بأن يدّعي أنّ المنسـوب للمسـيح لم يكن إبراءً وإحياءً حقيقياً، بل هو إرشـاد محض، ويدّعي أنّه قد صدر منه ما هو أفضل من ذلك!


    الصفحة 178

  • تـتـمـيم:

    هداك الله! إنْ كنت سـمعت بلفظ التأويل فليس لك أن تقبل كلّ شـيء يُدّعى أنّه تأويل، بل عليك في قانون الفهم وخطاب العقلاء ومحاوراتهم أن تعرف حقيقة التأويل وميزانه، وأيّ لفظ يصلح للتأويل؟ وأيّ لفظ لا يصلح؟ وعلى تقدير صلاحيّة اللفظ للتأويل فلا بُـدّ من الحجّة والقرينة على أنّ هذا هو تأويله.

    أترى أنّه إذا جاء بعض أصحابك وحكى لك قصّته في سـفره في العسـكرية، وما رآه من الحروب الهائلة، وذكر تفصيل وقائعها ومواقعها، وأسـماء أُمرائها ومقاتليـها، وما جرى من كلّ واحد منهم، فهل يصحّ منك ـ وأنت ترى هذا المخبر صادقاً ـ أن تقول: إنّه يقول: إنّه قد تنازع اثنان في دار وأصلح القاضي بينهما؟!

    كما أنّك وحسـين علي تؤوِّلون ما جاء في القرآن والأناجيل في معجزات المسـيح من القصص الطويلة، في الأوقات المعيّنة، والأمكنة المعيّنة، والأشـخاص المعيّنين، وتقولون: إنّ المراد من هذه القصص هو أنّ المسـيح شـفى من برص الجهل وعمى القلب!

    وأيضـاً: إذا أخذت ورقة حوالة باسـمك واسـم أبيك على شـخص بأربع وثمانين ليرة ذهب عثمانية، بتصريح مكرّر وتأكيد لصراحتها، فهل ترى من ذلك الشـخص أن يقول: نعم، هذا خطّ المحوِّل وإمضاؤه وتصريحُه وتأكيدُه، ولكنّ تأويل حوالته أن أضربك أربعاً وثمانين عصا ; لأنّ الفرق ما بين " عصا " و " ليرة " بحسـاب الجمّل الكبـير أربع وثمانين؟!..


    الصفحة 179
    كما أَوّلَ علي محمّـد ما ورد في القرآن مكرّراً مؤكّداً ببيانات متعدّدة في أمر المعاد الجسـماني، وإحياء العظام وهي رميم، وجمع الأوّلين والآخِرين، فقال في " البيان " باللغة الفارسـية ما معناه: إنّ القيامة والمعاد والحشـر والنشـر عبارة عن ظهوره بدعوته، وإنّ مَن لم يؤمن به فقد دخل النار، ومَن آمن به فقد دخل النور ; لأنّ الفرق بين نار ونور بحسـاب الجمّل الكبير خمسـة، بمقدار عدد (باب)..

    أو يقول المحوَّل عليه: إنّ الحوالة وإن كانت باسـمك معيّناً، وأنت صاحب الحقّ فيها، وأنت الذي تدفع الأجناس المبيعة بإزائها، وتمهّد سـبيل التجارة كما أخبر المحوِّل بذلك، ولكنّ تأويل الحوالة أن أدفع المبلغ إلى مَن يأتي بعد سـنين ويزعم أنّ روحك قد حلّت فيه على سـبيل التناسـخ وإنْ لم أعلم بموتك، أو يزعم أنّ فيه نورانيّتك وإنْ كان لا يدفع جنسـاً ولا يمهّد تجارة.

    هذا تأويل الحوالة كما أَوّلتم الأحاديث الواردة في شـأن المهديّ ابن الحسـن العسـكريّ (عليه السلام) وسـلطانه وعدله، وقلتم: إنّ المراد منها ميرزا علي محمّـد! مع أنّه لم يكن فيه شـيء من آثار المهديّ المذكورة في الروايات.

    هداك الله! ولولا إرادة الاختصار لضربنا لك كثيراً من الأمثال لتأويلاتكم، فبيّن لنا ما عند العقلاء وأهل المحاورات من ميزان التأويل وبيان حقيقته، لـنزن بذلك الميزان تأويلاتك وتأويلات بابك وبهائك.

    وإنْ لم يكن عندك من ذلك شـيء، فاعلم أنّ التأويل يقال في مقامـات:

    أحدها:

    تأويل الفعل ; وهو بيان السـبب والداعي الحقيقي له إذا كان مجهولا، كقوله تعالى في سـورة الكهف ـ حكاية عن قول العالِـم

    الصفحة 180
    لموسـى (عليه السلام)، في شـأن خرق السـفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، لَمّا بيّن له السـبب الحقيقي في هذه الأُمور ـ: ( ذلك تأويلُ ما لم تسـطِع عليه صبراً )(1).

    المقام الثاني: تأويل الأحلام ;

    وهو تعبيرها، وهو يرجع إلى مناسـبات خيالية، وإليه ترجع ألفاظ التأويل الواردة في سـورة يوسـف، وعليه جرت تعبيرات دانيال لأحلام بخت نصر، وتعبيرات الملك لرؤيا دانيال(2) ; وهذا لا ربط له بتأويل الكلام، بل هو عالَم آخر، كما إنّ عالَمَ الأحلام التي هي من تصرّف المخيّلة غير عالَمِ الكلام الذي هو للتفهيم والتفهّم والبيان في نظم أمر المعاش والمعاد ومعرفة الحقائق.

    المقام الثالث: تأويل الكلام ;

    وهو المهمّ في المقام، إذ ليس بيننا أحلام وأطياف ورؤيا يوحنّا(3) لتتسـارعوا إلى تأويلها بما تشـتهون، بل إنّما الذي بيننا هو كلام الله ورسـله وحججه، تكلّموا به لإرشـاد الخلق وبيان الحقائق لهم وهداهم إلى الحقّ والصراط المسـتقيم.

    فتأويل الكلام، هو بيان المراد الذي يرجع ويؤول الكلام إليه من أحد المعاني التي يحتملها اللفظ، بالاحتمالات الصحيحة المتسـاوية، بحسـب الاسـتعمال اللغوي ومحاورات العقلاء وأهل اللسـان في تلك اللغـة.

    ومع ذلك لا تُقبل دعوى من يدّعي أنّ هذا المعنى هو المراد بمجرّد الدعوى، بل لا بُـدّ له من حجّة مقبولة عند عقلاء أهل اللسـان وتلك

    ____________

    (1) سـورة الكهف 18: 82.

    (2) الأصحاح 2 من سفر دانيال، وانظر: قاموس الكتاب المقدّس: 357 ـ 358.

    (3) انظر: الأصحاح 1 ـ 22 من رؤيا يوحنّا اللاهوتي في الكتاب المقدّس.


    الصفحة 181
    اللغـة.

  • فمن موارد التأويل، هو اللفظ الذي دلّت القرينة على عدم إرادة المعنى الحقيقي منه، ولكنّ القرينة اللفظية لم تعيّن معناه المجازي، كقوله تعالى: ( يد الله فوق أيديهم )(1)، فإنّ قرينة العقل دالّة على أنّه ليس المراد من قوله: ( يد الله ) هو العضو المعروف ; لأنّ الله تعالى ليس بجسـم و [ليس] له يد ورجل، فتؤوَّل اليد بالقدرة، لكونها أقرب المجازات وأنسـبها بالمقام.

    وهذا اللفظ وأمثاله هو المتشـابه الذي هو ضدّ المحكم، كما قال جلّ شـأنّه في سـورة آل عمران: ( هو الذي أنزل عليك الكتابَ منه آياتٌ مُحْـكَماتٌ هنّ أُمّ الكتاب وأُخرُ متشـابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشـابَه منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه وما يعلمُ تأويلَه إلاّ اللهُ والراسـخونَ في العِلم )(2).

  • ومن موارد التأويل، هو اللفظ الدالّ على فرد كلّيّ شـائع في جنسـه، فيكون بيان الفرد المعيّن في نفسـه تأويل ذلك اللفظ، ولهذا المورد في القرآن الكريم أمثلة..

    منهـا:

    إنّ الآيات الدالّة في القرآن على يوم المعاد والبعث من القبور والحسـاب والعقاب، إنّما دلّت على يوم مردّد بين أوقات كثيرة، فهي من قسـم المحكم وأُمّ الكتاب من غير هذه الجهة(3)، وإنْ كانت من هذه الجهة دالّة على وقت غير معيّن، وتأويلها تعيين يوم المعاد والبعث من القبور

    ____________

    (1) سـورة الفتح 48: 10.

    (2) سـورة آل عمران 3: 7.

    (3) أي من غير جهة تحديد يوم القيامة بيوم محدّد بعينه.


    الصفحة 182
    وبيان وقته المعيّن، وهذا معنى قوله تعالى في سـورة الأعراف: ( يومَ يأتي تأويلُه )(1).. فليقرأ لك من الآية السادسة والثلاثين إلى الثانية والخمسـين..

    ومن الأمثلة:

    قوله تعالى: ( إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد )(2).

    فإنّ لفظ القرآن لم يعيّن " الهادي " لقوم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأُمّته، فهو من المتشـابه في الدلالة على تعيين " الهادي "، ولولا رواية أحمد بن حنبل في مسـنده وغيرها، في قول رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا عليّ! أنا المنذر وأنت الهادي "(3) لَما كانت لنا حجّة على تأويلها بأمير المؤمنين (عليه السلام).

    ____________

    (1) سـورة الأعراف 7: 53.

    (2) سورة الرعد 13: 7.

    (3) مسـند أحمد 1 / 126.

    وانظر: المعجم الصغير 1 / 261 ـ 262، المستدرك على الصحيحين 3 / 140 ح 4646، فرائد السمطين 1 / 148 ح 111 و 112، تاريخ بغـداد 12 / 372 رقم 6816، فردوس الأخبار 1 / 42 ح 103، تاريخ دمشق 42 / 359 و 360، تفسير الطبري 7 / 344 ح 20161، تفسير الفخر الرازي 19 / 20، مختصر تاريخ دمشق 18 / 9 و 10، شواهد التنزيل 1 / 293 ـ 303 ح 398 ـ 416، تفسير البحر المحيط 5 / 367، تفسير زاد المسير 4 / 236، تفسير النهر المادّ 3 / 364، تفسير القرآن العظيم 2 / 483، لسان الميزان 2 / 199 رقم 904، الفصول المهمّة: 123، تفسير الدرّ المنثور 4 / 608، جامع الأحاديث الكبير 3 / 281 ح 8644، كنز العمّال 11 / 620 ح 33012، منتخب كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد ـ 5 / 34، نور الأبصار: 87، ينابيع المودّة 1 / 296 ـ 297 ح 5 ـ 10، تفسير العيّاشي 2 / 218 ـ 219 ح 5 ـ 9، تفسير الحبري: 281 ح 38، مجمع البيان 6 / 14.

    وقد استوعب السيّد علي الحسيني الميلاني إثبات تفسير هذه الآية بأمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) من مصادر أهل السُـنّة، في الحلقة 9 من مقاله " تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات "، المنشور في مجلّة " تراثنا "، العدد المزدوج 50 ـ 51، السنة 13، ربيع الآخر ـ رمضان 1418، ص 7 ـ 106، وقد شغلت آية الإنذار الصفحات 43 ـ 106 منه ; فراجـع.


    الصفحة 183
    ومن الأمثلة: قوله تعالى: ( إنّما وليّكم الله ورسـوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )(1).

    فإنّ لفظ الآية لم يعيّن المراد ممّن يؤتي الزكاة وهو راكع، ولولا تكاثر الروايات بأنّ الآية نزلت في شـأن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ لَمّا تصدّق وهو راكع بخاتمه على المسـكين(2) ـ لَما كانت لنا حجّة على تأويلها بأمير المؤمنين.

    ____________

    (1) سـورة المائدة 5: 55.

    (2) انظر: أنساب الأشراف 2 / 381، تفسير الطبري 4 / 628 ـ 629 ح 12215 ـ 12219، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 / 625 ـ 626، معرفة علوم الحديث: 102، تفسير الماوردي 2 / 49، المتّفق والمفترق 1 / 258 ح 106 رقم 79، أسباب النزول ـ للواحدي ـ: 110 ـ 111، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للمغازلي: 260 ـ 262 ح 354 ـ 358، شواهد التنزيل 1 / 161 ـ 186 ح 216 ـ 242، تفسير البغوي 2 / 38 ـ 39، تفسير الكشّاف 1 / 624، تفسير الفخر الرازي 12 / 28، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 264 ـ 265 ح 246 و ص 266 ح 248، تاريخ دمشق 42 / 356 ـ 357 ح 8950، جامع الأُصول 8 / 664 ح 6515، كفاية الطالب: 228 ـ 229 و ص 249 ـ 250، الرياض النضرة 3 / 178 و 208، ذخائر العقبى: 159 و 182، تفسير النسفي 1 / 289، مختصر تاريخ دمشق 18 / 8، التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 181، تفسير البحر المحيط 3 / 513 و 514، تفسير زاد المسير 2 / 227، تفسير القرآن العظيم 2 / 67 ـ 68، تفسير البيضاوي 1 / 272، فرائد السمطين 1 / 187 ـ 195 ح 149 ـ 153، مجمع الزوائد 7 / 16 ـ 17، تفسير الثعالبي 1 / 438، الفصول المهمّة: 124، تفسير الدرّ المنثور 3 / 104 ـ 106، الحاوي للفتاوي 1 / 89 ـ 90، لباب النقول: 93، كنز العمّال 13 / 108 ح 36354، منتخب كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد ـ 5 / 38، تفسير روح المعاني 6 / 244 ـ 245، نور الأبصار: 86 ـ 87، شرح نهج البلاغة 13 / 277، كشف الغمّة 1 / 301، تفسير الحبري: 258 ـ 260 ح 21 و 22، تفسير فرات الكوفي 1 / 123 ـ 128 ح 134 ـ 146، عمدة عيون صحـاح الأخبار: 167 ـ 172 ح 168 و 169 و 171 ـ 176، تفسير العيّاشي 1 / 355 ـ 356 ح 137 و 139، مجمع البيان 3 / 346 ـ 348، تفسير القمّي 1 / 178.

    وراجـع: الحلـقة 11 من مقال " تشـييد المراجعات وتـفنيـد المكابرات "، المنشـور في مجلّة " تراثنا "، العدد المزدوج 53 ـ 54، السنة 14، محرّم ـ جمادى الآخـرة 1419، ص 7 ـ 26، فقد أورد فيه السيّد علي الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ أدلّة اختصاص هذه الآية بأمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) من مصادر أهل السُـنّة، دافعاً كلّ شكّ أو شـبهة.


    الصفحة 184

    الصفحة 185
    هداك الله! فاللفظ الذي يصلح للتأويل، هو ما لا ظهورَ له في المراد ولا صراحةَ ولا نصّ، بل تسـاوت فيه الاحتمالات في تعيين المراد الذي هو تأويله الحقيقي، ومع ذلك فتأويله بمحض التشـهّي والهوى بلا حجّة ولا دليل هو الذي ذمّ اللهُ عليه، وجعله من دأب الّذين في قلوبهم زيغ يبتغون بذلك الفتنة للضعـفاء، ترويجاً لأبـاطيلهم، إذ يـؤوِّلونه بلا هـدىً ولا كتاب منير.

    وأمّا اللفظ المبـيَّن الدلالة ـ بظهوره، أو صراحته، أو نصّه ـ فهو المحكَم الذي لم يحم حوله حماه أحد، حتّى الّذين في قلوبهم زيغ من أكياس أهل اللسـان، الّذين يحاذرون أن يظهر عليهم الشـطط في أمر اللغة والمحاورة الذي يعرفها الخاصّ والعامّ، بل اتّبعوا المتشـابه وجعلوه مكمناً لإغوائهم.

    ويا عجباه كيف خبّـأ لنا الزمان أُناسـاً أقدموا على التلاعب بالمحكم والصريح والنصّ!!

    وأعجبُ من ذلك أن أصغى لهم من يدّعي الكياسـة وحصافة الرأي ومعرفة اللسـان والمحاورات!!

    .. وما عشـتَ أراك الدهر عجباً!


    *    *    *


    الصفحة 186

    [المانع المشـترك لدعاوى
    علي محمّـد وحسـين علي
    ادّعـاء الألوهية والربوبية]

    ومن الموانع المشـتركة بين علي محمّـد وحسـين علي المانعة من صدقهما في دعواهما، والدالّة على بطلان دعوتهما، هو ادّعائهما الإلهيّة والربوبية! وهذا هو الداهية العظمى، والبليّة الكبرى، وقد وجدنا مجاهرتهما بذلك مكرّراً في الشـيء القليل الذي حصلت منه نسـخ متعدّدة في أيدينا، ولعلّ ما خفي علينا ممّا أخفوه أعظم وأشـنع.

    قال علي محمّـد في " البـيان " وهذا لفظه: " كلّ الأسـماء اسـمه وهو لا اسـم له، وكلّ الأنعات نعته وهو لا نعت له، باطنه كلمة لا إله إلاّ الله، وظاهره في القرآن محمّـد رسـول الله، وفي البيان ذات الله، حروف سـبع ع ل ي م ح م د ".

    وقال في " البيان " أيضاً فصلا ملفّـقاً من العربي والفارسـي، وفيه قوله: " وإنّني أنا القائم الذي ينتظرون يومه وكلٌّ به يوعدون "..

    فقال فيه بالفارسـية، وهذا لفظه: " مختصر مقال: مَنْ قيّوم أسـماء، أز ظهورم كذشـت آنچه كذشـت، وصبر كردم تا كلّ ممحّص شـوند، ونماند إلاّ وجهي، وبدانكه من من نيسـتم، بلكه مرآتي هسـتم كه در مَن غير خدا ديده نميشـود ".

    وترجمته بالعربية: مختصر المقال: أنا قيّوم الأسـماء، مضى من ظهوري ما مضى، وصبرتُ حتّى يمحّص الكلّ، ولا يبقى إلاّ وجهي،

    الصفحة 187
    واعلم بأنّه أنا لسـت أنا، بل أنا مرآة، فإنّه لا يُرى فيَّ إلاّ الله "!!

    وأيضاً:

    جاء بمثل ذلك في أُخريات اللوح الذي يقول في ابتدائه: " يا خليل، بسـم الله الأقدم الأقدم " حيث قال: " أن اشـهد أن يا إبراهيم أنت كنت في يوم عرش ظهور ربّك، وإنّا كنّا من قبل ثمّ من بعد الظاهرين، انظر قد خلقناك ورزقناك وأمتناك وأحييناك إلى حينئذ، وإنّ الّذين الصحف هم إلى حينئذ محتجبون، فلمّا أُنزِلتْ على الله ربّك، ربّ ما يُرى وما لا يُرى ربّ العالمين ".

    ويكفي من هذا الكـلام أنّ الصحـف ـ يعـني كـتبه ـ أُنـزلت على الله ـ يعني عليه ـ، فهو ربّ ما يُرى وما لا يُرى ربّ العالمين!!

    وليت شـعري إذا كانت الصحف أُنزلت على الله ربّ العالمين، فمَن ذا الذي أنزلها عليه؟!

    وعلى هذا جرى حسـين علي عند كلامه في شـأن الملاّ حسـين البشـروئي، وفي شـأن علي محمّـد، في الصفحة المائة وثمان وثمانين، من الكتاب المسـمّى " إيقان "، حيث قال: " ولولاه(1) ما اسـتوى الله على عرش رحمانيّته، وما اسـتقرّ على كرسـيّ صمدانيّته " ; وذلك لأنّ الملاّ حسـين البشـروئي هو مِن أوّل مَن لبّى دعوة علي محمّـد، ونشـر أقواله ورسـائله، وسـافر مبعوثاً بها إلى أصفهان وكاشـان وخراسـان وطهران، واسـتمرّ على الدعوة والقتال مع المسـلمين إلى أن قُتل في نواحي بارفروش ومازندران.

    وينسـب لعلي محمّـد في شـأن الميرزا يحيى ـ الملقّب بصبح الأزل ـ

    ____________

    (1) أي: ولولا الملاّ حسـين. منه (قدس سره).


    الصفحة 188
    نحو هذه الشـطحات في كتاب ـ في أواخر أمره ـ للميرزا يحيى بمنزلة الوصيّة والعهد، ونصّه: " إنّه كتاب من المهيمن القيّوم إلى العزيز المحبوب على أنّ (البيان) هديّة منّي إليك، موقناً على أنّه لا إله إلاّ أنت، وأنّ الأمر والخلق لك "!! انتهى.

    ومن جملة ما وجدنا فيه هذه الكلمات، كتابٌ للبابيّة يسمّى: كتاب " الإيمان في إظهار نقطة البيان " وعنوان الكتاب الذي أرسـله علي محمّـد للميرزا يحيى هكذا: " در مكتب خانه من يظهره الله منوّر فرمايند، هو الأبهى، الله لا إله إلاّ هو العزيز المحبوب، له ما في السـموات وما في الأرض وما بينهما وهو المهيمن القيّوم، إنّه كتاب من المهيمن القيّوم... " إلى آخره.

    وإنّ حسـين علي في كتابه " إيقان " قد حلب في هذا المقام حلباً له شـطره، بل كلّه، فادّعى الإلهيّة لكلّ من يظهر للدعوى، وجعل ذلك ظهور الله!..

    فقال ممّا قال في الصحيفة الثانية، في شـأن الظاهر: " لقاء او كه عين لقاء الله اسـت "(1)!

    وقال بعد ذلك في ذِكر الله: " بظهور مظاهر نفس خود "(2)!

    وقال في أوّل الباب الثاني في شـأن علي محمّـد: " الباب المذكور في بيان أنّ شـمس الحقيقة ومظهر نفس الله قد كان سـلطاناً على مَن في السـموات والأرض "!

    ____________

    (1) أي: لقاؤه هو عين لقاء الله.

    (2) أي: بظهور مظاهر نفس الله.


    الصفحة 189
    وقال بعد ذلك: " وإينسـت مقام أنا هو وهو أنا "(1)!

    وقال بعد ذلك: " وجميع آنچه بإيشـان(2) راجع اسـت في الحقيقة بحضرة ظاهر راجع، پس از لقاء اين انوار مقدّسـه لقاء الله حاصل ميشـود "(3)!

    وقال بعد ذلك: " وأگر شـنيده شـود أز مظاهر (إنّي أنا الله) حقّ اسـت ورَيبى در اين نيسـت، بظهور وصفات وأسـماء ايشـان ظهور الله واسـم الله وصفة الله "!

    يعني: إذا سُـمع من المظاهر قولُ كلّ منهـم: " إنّي أنـا الله " فهو حقّ لا ريب فيه، فإنّه بظهورهم وصفاتهم وأسـمائهم ظهور الله واسـم الله وصفة الله ; انتهى.

  • تـنـبـيـه:

    إنّ حسـين علي كتب كتابه " إيقان " وهو في بغداد كما صرّح به في أثناء الكتاب، وكان في ذلك الوقت مقيّداً ـ في الظاهر ـ بتابعيّة أخيه (يحيى) وإنْ كان يعمل التدابير الخفيّة للاسـتبداد بالدعوة لنفسـه ; ولذا لم يَدّعِ في ذلك الوقت أنّه مظهر الله! وأنّه الله! على مقتضى كلامه هنا.

    ولكنّه لمّا اقتضت حاله أن يدعو لنفسـه في أدرنه، وتجاهر بذلك في عكّا، جاهر بهذا.

    ____________

    (1) أي: وهذا هو مقام...

    (2) يعني: الله جلّ وعلا. منه (قدس سره).

    (3) أي: وكلّ ما يتعلّق به هو متعلّق بالله في الحقيقة، وبلقاء هذه الأنوار المقدّسة يحصل لقاء الله.


    الصفحة 190
    فأمّا ادّعاء حسـين علي للألوهية والربوبيّة فقد وجدناه في كلامه مكرّراً..

    قال في كتابه في الأحكام الذي سـمّاه " أقدس " ما لفظه: " يا ملأ الإنشـاء، اسـمعوا نداء مالك الأسـماء، إنّه يناديكم من شـطر سـجنه الأعظم، إنّه لا إله إلاّ أنا المقتدر المتكبّر "!

    وفي كتابه المسـمّى " ألواح ".. كتبه وهو محبوس في حبس العدلية في عكّا، في قول خاطبَ فيه من دعاته عندليب وحسن والسيّد عبد الغني، قال: " يا حسـن، اسـمع النداء من شـطر السـجن، إنّه لا إله إلاّ هو الفرد الخبير، إذا رأيت أنجم سـماء بياني، وشـربت رحيق العرفان من كأس عطائي، قل إلهي إلهي لك الحمد بما أيقظتني وذكرتني في سـجنك "!

    وقال أيضاً في كتابه " ألواح "، في مكتوب هو جواب لبعض مراسـلات أصحابه، وأوّله: " قد ورد مكتوب ذلك الجناب إلى المنظر الأكبر "!

    ومضمون هذا المكتوب وجلّ الغرض منه هي الشـكاية من أخيه الميرزا يحيى ـ المسـمّى بـ: صبح الأزل ـ، والذمّ له، وتكفيره، وتكفير أتباعه ولعنهم!

    وقد أخذ فيه أيضاً ببيان مقام نفسه، وسمّى نفسه " قيّوم "، وقال فيه: " قوموا يا قوم على نصرة الله، قد جاءكم القيّوم الذي بشّركم به القائم "!

    وقـال فيه: " قل يا قوم هذا لهو القيّـوم قد وقع تحـت أظـفاركم، إن لا ترحموه فارحموا أنفسـكم "!

    ثمّ قال في مقام الشـكاية من أخيه وأصحابه: " قد خسـر الّذين كفروا بالذي باسـمه زيّنت الصحيفة المكنونة، وقد ظهرت طلعة الأحدية،

    الصفحة 191
    ونُصبت راية الربوبية، ورفع خباء الإلهية، وظهر السـرّ المسـتسـرّ، المقنّع بالسـرّ الأعظم، فَوَعُمرِه إنّ البيان قد عجز عن بيانه، تعالى هذا القيّوم، فَوَنفسِه الرحمن إنّ البيان ينوح ويقول: أي ربّ! أنزلتني لذِكرك والذي كان قائماً(1) بأمرك أمَرَ العباد بأن لا يحتجبوا بي عن جمالك القيّوم، ولكنّ القوم قد حرّفوا ما نزل فيَّ في إثبات حقّك، وجعلوني جُنّة لأنفسـهم وبها يعترضون عليك، فيا ليت ما نزلتُ وما ذكرتُ، وعزّتك لو تجعلني معدوماً لأَحسـن عندي أن أكون موجوداً ويقرأني عبادك الّذين قاموا على ضرّك وأرادوا في حقّك ما أرادوا "!

  • تـنبـيـه:

    لمّا قُتل علي محمّـد كان المعروف بين أصحابه بالقيام مقامه هو الميرزا يحيى، وأنّه الذي لقّبه الباب بـ: " صبح الأزل "، وكان أخوه حسـين علي بمنزلة النائب المبلّغ عنه، حيث كان الميرزا يحيى محجوباً عن أصحابه وغيرهم حتّى قدموا بغداد غرّة محرّم سـنة ألف ومائتين وتسـع وسـتّين، فسـنح لحسـين علي أن يدّعي الأمر لنفسـه، فأظهر دعوته ودعواه لنفسـه خامس جمادى الأُولى من السـنة المذكورة، وتسـمّى هذه السـنة عند البهائية " عام بعد حين "، فكان كلّ من الميرزا يحيى وحسـين علي يسـعى في ترويج أمره بالتدابير الخفيّة.

    ونشـبت بينهما البغضاء، لكنّ ضيق المجال أكمن نار كلّ منهما في زناد حقده، فأحسّ حسـين علي من أخيه وأصحابه بالغدر، إذ كانوا

    ____________

    (1) يعني: علي محمّـد. منه (قدس سره).


    الصفحة 192
    يعدّونه ناكثاً مرتدّاً بعدما كان مسـلِّماً لأمر أخيه وداعية له، فهرب إلى كردسـتان بقرب السـليمانية(1) نحو سـنتين، ثمّ عاد إلى بغداد حيث عرف قوّة أمره بكثرة أصحابه، ثمّ نُفي الفريقان إلى إسـلامبول.

    وكان خروج حسـين علي وأصحابه من بغداد في خامس عشـر ذي القعدة سـنة الألف ومائتين وتسـع وسـبعين، وخرج الميرزا يحيى قبلهم بأيّام واجتمع معهم بالموصل، ثمّ تقرّر في إسـلامبول نفيهم منها جميعاً إلى أدرنه، التي يسـمّيها البهاء والبهائيّون: أرض السـرّ، وذلك سـنة الألف ومائتين وثمانين.

    وهناك قام النزاع والفتن والمناشـرات(2) بين الأخوين وحزبيهما، فتقرّر نفي الميرزا يحيى إلى جزيرة قبرص، ونفي الميرزا حسـين علي إلى عكّا، وجعلت الحكومة مع كلّ منهما عيوناً ورقباء من أصحاب أخيه وأعيانهم.

    وكان مع الميرزا حسين علي من الرقباء ثمانية، فورد عكّا ثاني عشر جمادى الأُولى سـنة الألف ومائتين وخمس وثمانين.

    ولَمّا رأى أنّ الرقباء المذكورين حجر عثرة دون دعوته وترويج كلمته، بيّتهم هو وأصحابه ليلا فقتلوهم جميعاً بالحراب والسـاطور، فقبضت الحكومة على الميرزا حسـين علي وحزبه وألقوهم في السـجن، وبقي حسـين علي فيه ـ بمقتضى قول الحكومة ودفتر التوقيف ـ أربعة أشـهر، فكتب الرسـائل ـ التي تقدّمت إليها الإشـارة ـ وهو في السـجن، وأظهر فيها تشـكّيه من أخيه وتكفيره، حيث كان التشـديد في سـجنه من

    ____________

    (1) مدينة في شمال شرق العـراق، وهي مركز المحافظة المسمّاة باسمها.

    (2) أي: طعن كلٌّ منهما بصاحبه.


    الصفحة 193
    تهييج أخيه وحزبه للحكومة.

    وقال حسـين علي في ألواحه أيضاً في دعوى الإلهية: " شـهد شَـعري لجمالي بأنّي لا إله إلاّ أنا، كنت في أزل القدم إلهاً فرداً أحداً صمداً قيّوماً، هذا العرش الظهور الله لا إله إلاّ أنا، مع ذلك كيف تعترضون على هذا الجمال "!

    هداك الله! كيف ترضى لبشـر أن يدّعي أنّه الله، والربّ، وربّ العالمين، ويقول: " لا إله إلاّ أنا " وهو بشـر حادث ضعيف، يحمل في جوفه عذرة وبولا، ويتألّم ويحزن، ويشـكو من الظلم، ويموت أو يقتل؟!

    هداك الله! إنّ البدويّ الوحشـيّ، عابدَ الوثن، لمّا رأى الثعلب قد بال على صنمه راجعه شـيء من الشـعور وقال:


    أربٌّ يبولُ الثعلبان برأسهِ؟!لقد خابَ من بالتْ عليه الثعالبُ(1)

    هداك الله! أتدري بوجود هذه البلايا العظائم وأمثالها في هذه الناشئة الجديدة أم لا تدري؟!

    فإن كنت لا تدري فكيف أضعتَ رشـدك، ومِلْتَ إليهم بهواك بدون أن تطّلع على حقيقة دعواهم وخفيّات كتبهم ; لكي تعرف أقلاًّ من دعواهم وخفيّات كتبهم ما هو المانع من صدقهم، وما هو المكذِّب لهم، والكاشـف عن حالهم، ليتبيّن لك الرشـد من الغيّ؟!

    ____________

    (1) اختلفت المصادر في تسمية قائل هذا البيت، وفي ضبط كلمة " الثعلبان "، انظر: دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ 1 / 121 ـ 122، حياة الحيوان الكبرى 1 / 174 ـ 175، وانظر مادّة " ثعلب " في: الصحاح 1 / 93، لسان العرب 2 / 101، تاج العروس 1 / 334 ; وفي الجميع: " ذلّ " بدل " خاب ".