ثم قال: النظر إلى علي عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعدائه (1).
وقد ذكرت في كتاب: " كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ":
أن الفضائل إما قبل ولادته، مثل ما روى أخطب خوارزم، من علماء الجمهور، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني؟ قال: نعم يا آدم، إرفع رأسك، وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب على العرش: " لا إله إلا الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي وجلالي: أن أدخل الجنة من أطاعه، وإن عصاني، وأقسمت بعزتي: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني " (2).
والأخبار في ذلك كثيرة.
وأما حال ولادته، فإنه ولد يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب،
____________
(1) رواه في المناقب بسنده عن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (ع)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله، كما في ينابيع المودة ص 121، وكفاية الطالب ص 251، وقال: رواه الحافظ الهمداني في مناقبه، والحمويني في فرائد السمطين.
(2) رواه في المناقب، بسنده عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، كما في ينابيع المودة ص 11، ورواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 141.
ولرسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله صلى الله عليه وآله حبا شديدا.
وقال لها (فاطمة بنت أسد): اجعلي مهده قرب فراشي.
وكان صلى الله عليه وآله يلي أكثر تربيته، وكان يطهر عليا في وقت غسله.
ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: هذا أخي، ووليي، وناصري، ووصيي، وزوج كريمتي، وذخري، وكهفي، وصهري، وأميني على وصيتي، وخليفتي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحمله دائما، ويطوف به في جبال مكة، وشعابها، وأوديتها، رواه في بشارة المصطفى من الجمهور (2).
____________
(1) قال الحاكم في المستدرك ج 3 ص 483: وقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة، وقال الحافظ الكنجي الشافعي، في كفاية الطالب ص 407: ولم يولد قبله، ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه، إكراما له بذلك، وإجلالا لمحله في التعظيم. ورواه في الفصول المهمة ص 12، ونور الأبصار ص 76، وفي كنوز الحقائق ص 188 وأسد الغابة ج 4 ص 31 قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي.
(2) رواه حسن بن المولوي الدهلوي الهندي، المتوفى (1300) في كتابه: تجهيز الجيش ص 110 مخطوط، كما في إحقاق الحق ج 5 ص 56، ورواه العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج 35 ص 9
أقول: في مفاده روايات كثيرة فمن أراد التتبع فليراجع: ذخائر العقبى ص 86، والسيرة الحلبية ج 1 ص 268، وفي هامشه سيرة زيني دحلان ص 176 و 269، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 250، ومسند أحمد ج 4 ص 437، وتهذيب التهذيب ج 3 ص 106، وحلية الأولياء ج 1 ص 66، ولسان الميزان ج 6 ص 114.
من فضائله النفسانية:
وأما بعد ولادته، فأقسامها ثلاثة: نفسانية، وبدنية، وخارجية.
أما النفسانية فينظمها مطالب:
الأول: الإيمان (1). وبواسطة سيفه تمهدت قواعده، وتشيدت أركانه (2)، وبواسطة تعليمه الناس حصل لهم الإيمان أصوله وفروعه (3).
ولم يشرك بالله طرفة عين (4).
____________
(1) وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله تقدم وسبق علي في الإسلام والإيمان للناس كلهم، ومن جملة مصادره: أسد الغابة ج 4 ص 16 و ج 5 ص 520، والإصابة، وفي هامشها الاستيعاب ج 2 ص 507، ج 3 ص 27، ج 5 ص 170 و 171، وفيض القدير ج 4 ص 358، والرياض النضرة ج 2 ص 287
(2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين "، وفي أكثر الروايات: أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة "، راجع: المواقف ص 617 (ط.
إسلامبول)، ونهاية العقول في دراية الأصول للفخر الرازي ص 114 مخطوط، وإحقاق الحق ج 6 ص 5، تاريخ آل محمد لبهجت أفندي ص 71، ومستدرك الحاكم، وتلخيصه ج 3 ص 32، وتاريخ بغداد ج 13 ص 19، وينابيع المودة ص 95 و 137 وفي ذخائر العقبى ص 92: نادى رسول الله صلى الله عليه وآله بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، هذا أخي، وابن عمي، وختني، هذا لحمي ودمي، وشعري، وهذا أبو السبطين:
الحسن، والحسين، سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرج الكروب عني، هذا أسد الله، وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة الله، ولعنة اللعانين، والله منه برئ، وأنا منه برئ، فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من علي وليبلغ الشاهد الغائب، ثم قال:
إجلس يا علي قد عرف الله لك ذلك. أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة.
وقال ابن أبي الحديد، في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 444: وأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود، فإنها أجل من أن يقال جليلة، وأعظم من أن يقال عظيمة، وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل، وقد سأله سائل: أيما أعظم منزلة عند الله، علي أم أبو بكر؟ فقال: يا ابن أخي والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق، تعدل أعمال المهاجرين، والأنصار، وطاعاتهم كلها، تربي عليها، فضلا عن أبي بكر وحده.
(3) ينابيع المودة ص 66 و 148، وذخائر العقبى ص 78، وأسد الغابة ج 4 ص 22، وتفسير ابن كثير ج 9 ص 306 (ط بولاق مصر).
(4) كفاية الطالب ص 123، وتاريخ بغداد ج 14 ص 155، وفي فضائل الخمسة ج 1 ص 158، عن قصص الثعلبي ص 238 و 357.
روى أحمد بن حنبل: أنه أول من أسلم، وأول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله (3).
وفي مسنده: أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: أما ترضين: أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما (4).
وحديث الدار (5) يدل عليه أيضا.
علمه عليه السلام:
الثاني: العلم والناس كلهم عيال عليه في المعارف الحقيقية، والعلوم اليقينية، والأحكام الشرعية، والقضايا النقلية، لأنه كان في غاية الذكاء، والحرص على التعلم (6)، وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أشفق
____________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 166، وقال: أخرجه ابن سعد، ونور الأبصار ص 76
(2) وقد أشرنا في السابق إلى جملة من مصادره. وليراجع أيضا: الرياض النضرة ج 2 ص 200، وتفسير الكشاف عند قوله تعالى: " قل جاء الحق " الآية، وتاريخ بغداد ج 13 ص 302، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 5
(3) وفي المسند ج 4 ص 318 وسنن البيهقي ج 6 ص 206، وخصائص النسائي ص 2، وكنز العمال ج 6 ص 156 و 395، والإصابة وفي هامشه الاستيعاب ج 5 ص 170 و 171 ومجمع الزوائد ج 9 ص 102، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 499
(4) مسند أحمد ج 5 ص 26 وكنز العمال ج 6 ص 53 و 153 و 397، ومجمع الزوائد ج 9 ص 114، وأسد الغابة ج 5 ص 530
(5) وقد أوردنا في تفسير قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين " عدة من مصادره، وراجع أيضا: السيرة الحلبية ج 1 ص 381، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 263 و 281
(6) كفاية الطالب ص 197 و 224، وأسد الغابة ج 4 ص 22. وقد تواتر عنه عليه السلام قوله: سلوني قبل أن تفقدوني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه: " أقضاكم علي (2) "، والقضاء يستلزم العلم والدين.
وروى الترمذي في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (3).
وذكر البغوي في الصحاح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أنا دار الحكمة وعلي بابها " (4).
وفيه (أي في حقه)، عن أبي الحمراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب (5).
وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: من أراد أن
____________
(1) كفاية الطالب ص 199 و 224، والصواعق المحرقة ص 76
أقول: ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله من المتواترات، ومما لا يرتاب فيه إلا الجاهل بالتاريخ الإسلامي.
(2) مجمع الزوائد ج 9 ص 114، والاستيعاب في هامش الإصابة ج 3 ص 38، بطرق متعددة، والرياض النضرة ج 2 ص 198 وحلية الأولياء ج 1 ص 65 و 66
(3) أقول: من جملة مصادرها: صحيح الترمذي ج 2 ص 299، ومصابيح السنة ج 2 ص 275، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 337، وكنز العمال ج 6 ص 401، وكنز الحقائق ص 43، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 126، وتهذيب التهذيب ج 6 ص 320، وأسد الغابة ج 4 ص 22. أقول: لا يرتاب في تواترها إلا معاند مغرض.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) رواه في ينابيع المودة ص 121، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 2 ص 429 عن مسند أحمد، وسنن البيهقي، وقال: إنه صححه، والتفسير الكبير ج 8 ص 81.
مصدر العلوم كلها علي (ع)
وأيضا: جميع العلوم مستندة إليه.
أما (الكلام وأصول الفقه) فظاهر، وكلامه في النهج يدل على كمال معرفته في التوحيد والعدل، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.
وأما (الفقه): فالفقهاء كلهم يرجعون إليه.
أما الإمامية فظاهر.. وأما الحنفية، فإن أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة، وهو تلميذ الصادق عليه السلام.
وأما الشافعية، فأخذوا عن محمد بن إدريس الشافعي، وهو قرأ على محمد بن الحسن، تلميذ أبي حنيفة، وعلى مالك، فرجع فقهه إليهما.
وأما أحمد بن حنبل، فقرأ على الشافعي، فرجع فقهه إليه.
وأما مالك، فقرأ على اثنين: أحدهما: ربيعة الرأي، وهو تلميذ عكرمة، وهو تلميذ عبد الله بن عباس، وهو تلميذ علي عليه السلام، والثاني: مولانا جعفر بن محمد الصادق (2).
وكان الخوارج تلامذة له (3).
____________
(1) كنز العمال ج 1 ص 226، والرياض النضرة ج 2 ص 218، وكفاية الطالب ص 122 والفصول المهمة ص 21، وشرح المقاصد ج 2 ص 299
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 6، ومطالب السؤل ص 28، وتهذيب التهذيب ج 1 ص 337، وأسد الغابة ج 4 ص 23
(3) شرح المقاصد ج 2 ص 222: وشرح كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة ص 71 (ط القاهرة)، وإحقاق الحق ج 8 ص 33.
وكذا (علم التفسير)، قال ابن عباس: حدثني أمير المؤمنين في باء " بسم الله الرحمن الرحيم "، من أول الليل إلى الفجر، لم يتم (2).
و (علم الفصاحة) إليه منسوب، حتى قيل في كلامه: إنه فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق، ومن كلامه تعلم الفصاحة، وقال ابن نباتة: (حفظت من كلامه ألف خطبة، ففاضت ثم فاضت) (3).
وأما (المتكلمون)، فأربعة: معتزلة، وأشاعرة، وشيعة، وخوارج.
وانتساب الشيعة معلوم.
والخوارج كذلك، فإن فضلاءهم رجعوا إليه.
وأما المعتزلة، فإنهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء، وهو تلميذ أبي هاشم عبد الله، وهو تلميذ أبيه محمد بن الحنفية، وهو تلميذ أبيه علي.
وأما الأشاعرة، فإنهم تلاميذ أبي الحسن علي الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وهو من مشايخ المعتزلة (4).
وأما (علم الطريقة)، فإن جميع الصوفية، وأرباب الإشارات والحقيقة، يسندون الخرقة إليه (5).
و (أصحاب الفتوة)، يرجعون إليه، وهو الذي نزل جبرائيل ينادي عليه يوم بدر: " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " (6).
____________
(1) ينابيع المودة ص 66 و 75، ومطالب السؤل ص 28، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص.
(2) السيرة الحلبية ج 2 ص 207، وفي هامشه سيرة زيني دحلان ج 2 ص 11، وينابيع المودة ص 70 و 408، وشرح النهج ج 1 ص 6
(3) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 6 و ج 2 ص 99 و 128
(4) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 6 و ج 2 ص 99 و 128
(5) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 6 و ج 2 ص 99 و 128
(6) وقد ذكرنا عدة من مصادره. وهذا مما لا يرتاب فيه إلا معاند مغرض.
رجوع الصحابة إلى علي (ع)
وأيضا جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام، واستفادوا (3) منه، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شئ البتة.
____________
(1) رواه السيد عبد الله شبر في مصابيح الأنوار ج 2 ص 295، وروى تفسيره عن معاني الأخبار، عن الصادق (ع)، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) الأنبياء: 60
أقول: رجوع هذه الطوائف إليه عليه آلاف التحية والثناء، ليس إلا كونه مؤسس هذه العلوم، وطريقة استدلالها.. وهو السناء والنور الإلهي، ومصباح العلم الأحمدي وإن خالفوه في أمور خطيرة، وأحكام كثيرة، استحسنوها بآرائهم، وقاسوها بمقاييسهم، ومعنى الرجوع إليه كونه هو الأصل والأساس في أمرهم، وهو لا يستدعي الموافقة، في كل شئ، كانتساب المليين إلى أنبيائهم، مع أن أهل الضلال والبدع، ومنهم بعض طوائف المسلمين، ينتسبون إلى دين النبي صلى الله عليه وآله، ويرجعون في علومهم إلى علي (ع) حسبما يدعون، مع أن أكثر فرقهم في ضلال بعيد، مثلا نجد الصوفية ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله بالإسلام، وإلى علي بعلم الطريقة، مع أن براءتهما من عقائدهم الخرافية، وأعمالهم الشنيعة، كالشمس في رابعة النهار.
(3) ممن رجع من الصحابة إليه: أبو بكر عند مجئ معشر اليهود إليه، وفي فتح الروم، وقتال أهل الردة، وفي موارد أخرى. (راجع: الرياض النضرة ج 2 ص 129، وذخائر العقبى ص 80 و 97، وقال: أخرجه ابن السمان، وكنز العمال ج 3 ص 99 و 301 والطبقات المالكية ج 2 ص 41)
ولرجوع عثمان إليه (ع) في مسائل كثيرة (راجع: تفسير ابن كثير ج 9 ص 185 " ط.
بولاق مصر "، والموطأ ج 2 ص 93، و ج 3 ص 43، ومسند أحمد ج 1 ص 104، ومسند الشافعي ص 442). ولرجوع غيرهما من الصحابة إليه كعائشة، ومعاوية، وعبد الله بن عمر، (راجع: مسند أحمد ج 1 ص 96 و 100 و 113، وصحيح مسلم في كتاب الطهارة، وسنن البيهقي ج 5 ص 149 و ج 1 ص 272، وفيض القدير ج 3 ص 46، والرياض النضرة ج 2 ص 195.
وفي مسند أحمد بن حنبل: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقول: سلوني إلا علي بن أبي طالب (2).
وفي صحيح مسلم: " أن عليا قال على المنبر: " سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله عز وجل، فما من آية إلا وأعلم حيث نزلت، بحضيض جبل، أو سهل أرض (3)، سلوني عن الفتن، فما فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها " (4).
وكان يقول: سلوني عن طرق السماء، فإني أعرف بها من طرق الأرض (5).
وقال علي (ع): علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم، في كل باب ألف باب (6).
وقضاياه العجيبة أكثر من أن تحصى. كقسمة الدراهم على صاحبي الأرغفة (7).
____________
(1) أقول: قد تواتر عن عمر بن الخطاب ثناؤه عليه بهذا اللفظ وغيره، عند نجاته من الهلاك، بإرشاد علي عليه السلام، ومن جملة مصادره: كنز العمال ج 1 ص 154، وذخائر العقبى ص 82، وفيض القدير ج 3 ص 356، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 457، والاستيعاب في هامش الإصابة ج 3 ص 39
(2) ينابيع المودة ص 74 وأسد الغابة ج 4 ص 22، والصواعق المحرقة ص 76 وذخائر العقبى ص 83
(3) تهذيب التهذيب ج 7 ص 337، وكنز العمال ج 1 ص 228، وحلية الأولياء ج 1 ص 65
(4) ينابيع المودة ص 73 وشرح نهج البلاغة ج 2 ص 178 و 508
(5) مطالب السؤل ص 26، وينابيع المودة ص 66
(6) ينابيع المودة ص 71 و 73 و 76 و 77، عن المناقب، وابن المغازلي، وفتح الملك العلي 19
(7) ذخائر العقبى ص 84 والصواعق المحرقة ص 77.
وإلحاق الولد بالقرعة، وصوبه النبي صلى الله عليه وآله (2).
والأمر بشق الولد نصفين، حتى رجعت المتداعيتان إلى الحق (3).
والأمر بضرب عنق العبد، حتى رجع إلى الحق.
وحكمه في ذي الرأسين بإيقاظ أحدهما (4).
واستخراج حكم الخنثى (5).
وأحكام البغاة. قال الشافعي: عرفنا حكم البغاة من علي (6).
وغير ذلك من الأحكام الغريبة، التي يستحيل أن يهتدي إليها من سئل
(أي عمر) عن الكلالة والأب فلم يعرفهما، وحكم في الجد بمائة قضية كلها بعضها بعضا (7).
إخباره بالمغيبات
الثالث: الإخبار بالغيب.
وقد حصل منه في عدة مواطن:
فمنها: أنه قال في خطبة: " سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألونني
____________
(1) القياس في الشرع الإسلامي لابن تيمية ص 76 (ط. القاهرة)، والسنن الكبري ج 8 ص 112
(2) مستدرك الحاكم ج 2 ص 207، ومسند أحمد ج 4 ص 273، وابن ماجة، وأبو داود في سننهما.
(3) كنز العمال ج 3 ص 179 والغدير ج 6 ص 174، وبحار الأنوار ج 40 ص 252
(4) الارشاد للشيخ المفيد، وبحار الأنوار ج 40 ص 257
(5) نور الأبصار ص 71 ومناقب أحمد الخوارزمي ص 60، ومطالب السؤل ص 13
(6) كتاب الأم ج 4 ص 233 في باب: الخلاف في قتال أهل البغي.
(7) لعل الصحيح: كلها يناقض بعضها بعضا. فراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 245،
أقول: قال الفضل في المقام: ما ذكره (أي مؤلفنا العلامة) من الأقضية والأحكام التي قضى فيها أمير المؤمنين فهو حق، لا يرتاب فيه، وهذا شأنه، ومشتهر به..
فقال: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت، وإن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، وإن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزك، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به، ولكن آية ذلك ما نبأت به من لعنك وسخلك الملعون ".
وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا، وهو الذي تولى قتل الحسين (عليه السلام) (1).
وأخبر بقتل " ذي الثدية " من الخوارج، وعدم عبور الخوارج النهر، بعد أن قيل له: قد عبروا (2).
وعن قتل نفسه (3).
وبقطع يدي جويرية بن مسهر، وصلبه، فوقع في أيام معاوية (4).
وبصلب ميثم التمار، وطعنه بحربة عاشر عشرة، وأراه النخلة التي يصلب على جذعها، ففعل به ذلك عبيد الله بن زياد عليهما اللعنة (5).
وبقطع يدي رشيد الهجري، ورجليه، وصلبه، ففعل ذلك به (6).
وقتل قنبر، فقتله الحجاج (7).
____________
(1) شرح نهج البلاغة ج 2 ص 488 و ج 1 ص 208، رواه عن كتاب الغارات لابن هلال الثقفي، والرجل المقصود هو سنان بن أنس النخعي.
(2) مروج الذهب ج 2 ص 405 و 406، والكامل لابن الأثير ج 3 ص 174 و 175، وشرح نهج البلاغة ج 1 ص 203 و 305
(3) لسان الميزان ج 3 ص 439، وأسد الغابة ج 4 ص 35، ومنتخب كنز العمال ج 5 ص 59، ومسند أحمد ج 1 ص 156
(4) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 210، ومناقب المرتضوي ص 278
(5) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 210، ومناقب المرتضوي ص 278
(6) مناقب المرتضوي ص 267 وشرح نهج البلاغة ج 1 ص 211
(7) مناقب المرتضوي ص 251.
وجاء رجل إليه، فقال: إن خالد بن عرفطة قد مات، فقال عليه السلام: إنه لم يمت، ولا يموت، حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن جمار، فقام رجل من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، إني لك شيعة ومحب؟ فقال: من أنت؟ فقال: أنا حبيب بن جمار، قال:
وإياك أن تحملها، ولتحملنها، وتدخل بها من هذا الباب، وأومئ بيده إلى باب الفيل.
فلما كان زمان الحسين عليه السلام، جعل ابن زياد خالد بن عرفطة على مقدمة عمر بن سعد، وحبيب بن جمار حتى دخل من باب الفيل (2).
وقال للبراء بن عازب: يقتل ابني الحسين وأنت لا تنصره، فقتل الحسين (ع)، فلم ينصره (3).
ولما اجتاز بكربلا في وقعة صفين بكى، وقال: " هذا والله مناخ ركابهم، وموضع قتلهم، وأشار إلى ولده الحسين وأصحابه (4).
وأخبر بعمارة بغداد (5).
وملك بني عباس، وأحوالهم.
وأخذ المغول الملك منهم (6).
____________
(1) منتخب كنز العمال ج 5 ص 454، والبداية والنهاية ج 6 ص 237، وشرح نهج البلاغة ج 1 ص 209، وابن منظور في لسان العرب.
(2) شرح النهج ج 1 ص 208، ومقاتل الطالبيين ص 71
(3) شرح النهج ج 2 ص 508 وأرجح المطالب ص 282، ومناقب المرتضوي ص 251
(4) شرح النهج ج 2 ص 508 وينابيع المودة ص 216 ودلائل النبوة ص 509، وذخائر العقبى ص 97، ونور الأبصار ص 117
(5) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، كما في بحار الأنوار ج 41 ص 125
(6) شرح النهج ج 2 ص 125 و 241، وتهذيب التهذيب ج 7 ص 358.
لأن أمير المؤمنين عليه السلام أخبر بك، وقال: " إنه يرد الترك على الأخير من بني العباس، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم، جهوري الصوت، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا نكسها، الويل الويل لمن ناوأه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ".
والأخبار بذلك كثيرة:
شجاعته عليه السلام
الرابع: في الشجاعة.
وقد أجمع الناس كافة على أن عليا عليه السلام كان أشجع الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، وتعجب الملائكة من حملاته.
وفضل النبي صلى الله عليه وآله قتله لعمرو بن عبد ود على عباده الثقلين، ونادى جبرائيل: " لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي ".
وروى الجمهور أن المشركين كانوا إذا أبصروا عليا في الحرب عهد بعضهم بعضا (1).
زهده عليه السلام
الخامس: في الزهد.
لا خلاف في أنه أزهد أهل زمانه، طلق الدنيا ثلاثا، قال قبيصة بن
____________
(1) وقال الفضل في المقام: شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلا من أنكر وجود الرمح السماك في السماء، أو حصول درع السمك في الماء، مقدام إذ الأبطال تحجم، لباث إذ الملاحم تهجم، وهما مما يسلمه الجمهور.
قال عمر بن عبد العزيز: " ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله أزهد من علي بن أبي طالب " (2).
وروى أخطب خوارزم، عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " يا علي، إن الله تعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه منها، زهدك في الدنيا، وبغضها إليك، وحبب إليك الفقراء، فرضيت بهم أتباعا، ورضوا بك إماما، يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق عليك، والويل لمن أبغضك، وكذب عليك. أما من أحبك وصدق عليك فإخوانك في دينك، وشركاؤك في جنتك، وأما من أبغضك وكذب عليك، فحقيق على الله: أن يقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين " (3).
كرمه عليه السلام
السادس: لا خلاف في أنه كان أسخى الناس، جاد بنفسه فأنزل الله في حقه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " (4).
وتصدق بجميع ماله في عدة مرات (5).
وجاد بقوته ثلاثة أيام (6).
____________
(1) بحار الأنوار ج 40 ص 333، وفي ينابيع المودة ص 147، وشرح النهج ج 1 ص 16 و 17، ونهاية ابن الأثير ج 3 ص 353، عن غيره.
(2) مناقب آل أبي طالب، وبحار الأنوار ج 40 ص 320، ومذهب أهل البيت القاضي القضاة في حلب ص 264، رواه عن تذكرة الخواص، لسبط ابن الجوزي.
(3) كنز العمال ج 6 ص 159، وينابيع المودة ص 218، ومناقب ابن المغازلي ص 121، وشرح النهج ج 2 ص 429، رواه عن حلية الأولياء، ومسند أحمد.
(4) البقرة: 207
(5) أحكام الأوقاف ص 10 (ط القاهرة)، على ما في إحقاق الحق ج 8 ص 591
(6) قدمنا جملة من الروايات الواردة في ذلك، في تفسير سورة: هل أتى، فراجع...
استجابة دعائه، وحسن خلقه، وحلمه
السابع: في استجابة دعائه.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد استسعد به، وطلب تأمينه على دعائه يوم المباهلة، ولم تحصل هذه المرتبة لأحد من الصحابة (2).
ودعا على أنس بن مالك، لما استشهد به على قول النبي صلى الله عليه وآله:
" من كنت مولاه فعلي مولاه "، فاعتذر بالنسيان، فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة، فبرص (3).
ودعا على البراء بالعمى، لأجل نقل أخباره إلى معاوية، فعمي (4).
وردت عليه الشمس مرتين لما دعا به (5).
ودعا في زيادة الماء لأهل الكوفة، حتى خافوا الغرق، فنقص حتى ظهرت الحيتان فكلمته، إلا الجري، والمار ما هي، والزمار، فتعجب الناس من ذلك (6).
وأما حسن الخلق: فبلغ فيه الغاية، حتى نسبه أعداؤه إلى الدعابة (7).
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 441، والسمهودي في وفاء الوفاء والسنن الكبرى ج 6 ص 160.
(2) وهذا متواتر عند المسلمين، وقد قدمنا جملة من مصادره، في تفسير آية المباهلة.
(3) معارف ابن قتيبة ص 251 وذخائر العقبى ص 97، وأسد الغابة ج 3 ص 321، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 361، ج 4 ص 388
(4) أرجح المطالب ص 681، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤل.
(5) ينابيع المودة ص 137 والخوارزمي في المناقب.
(6) مطالب السؤل ص 47، وبحر المناقب ص 22، ومناقب المرتضوي ص 309
(7) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 8.
فضائله البدنية:
القسم الثاني: من فضائله البدنية.
وينظمها مطلبان:
الأول: في العبادة.
لا خلاف أنه (ع) كان أعبد الناس، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، والأدعية المأثورة، والمناجاة في الأوقات الشريفة، والأماكن المقدسة (2).
وبلغ في العبادة إلى أنه كان يؤخذ النشاب من جسده عند الصلاة، لانقطاع نظره عن غيره تعالى بالكلية (3).
وكان مولانا زين العابدين عليه السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، ويدعو بصحيفة، ثم يرمي بها كالمتضجر، يقول: " أنى لي بعبادة علي عليه السلام "؟ (4).
قال الكاظم عليه السلام: " إن قوله تعالى: " تراهم ركعا سجدا، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوهم من أثر السجود " (5)، نزلت في أمير المؤمنين (6) وكان يوما في صفين، مشتغلا بالحرب، وهو بين الصفين يراقب
____________
(1) كنز العمال ج 6 ص 153 و 392، ومسند أحمد ج 5 ص 26
(2) مطالب السؤل ص 16، وينابيع المودة ص 150، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 9، وكفاية الطالب ص 398.
(3) مناقب المرتضوي ص 364
(4) ينابيع المودة ص 150، وشرح نهج البلاغة ج 1 ص 9
(5) الفتح: 29 (6) شواهد التنزيل ج 2 ص 180.
وهو الذي عبد الله حق عبادته، حيث قال: ما عبدتك خوفا من نارك، ولا شوقا إلا جنتك، ولكن رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك (2).
جهاده في الحرب
المطلب الثاني: في الجهاد.
وإنما تشيدت مباني الدين، وتثبتت قواعده، وظهرت معالمه بسيف مولانا أمير المؤمنين، وتعجبت الملائكة من شدة بلائه في الحرب (3).
ففي غزاة (بدر) وهي الداهية العظمى على المسلمين، وأول حرب ابتلوا بها، قتل صناديد قريش، الذين طلبوا المبارزة، كالوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد بن العاص، الذي أحجم المسلمون عنه، ونوفل بن خويلد، الذي قرن أبا بكر وطلحة بمكة قبل الهجرة، وأوثقهما بحبل، وعذبهما (4)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله، لما عرف حضوره في الحرب:
" اللهم اكفني نوفلا "، ولما قتله علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه (5) فلم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد، حتى قتل نصف المقتولين، وكانوا سبعين، وقتل المسلمون كافة،
____________
(1) رواه الديلمي في الارشاد.
(2) بحار الأنوار ج 41 ص 14، ورواه ابن ميثم في شرحه لنهج البلاغة ج 1 ص 81.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 380، وقال الفضل في المقام: ما ذكر من بلاء أمير المؤمنين (ع) في الحروب مع رسول الله صلى الله عليه وآله فهذا أمر لا شبهة فيه.
(4) تاريخ الخميس ج 1 ص 403
(5) السيرة الحلبية ج 2 ص 171، وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج 1 ص 392، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 342.