وقد خالف قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "، " وجزاء سيئة سيئة ".
والعقل الدال على عدم التسليط على الغير بغير موجب، وبأي وجه يتسلط المالك على الغاصب بأخذ البدل؟.
17 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا غصب جارية، فأتت بولد مملوك، ونقصت قيمتها بالولادة، فعليه ردها، ورد ولدها وأرش النقص.
وقال أبو حنيفة: يجبر الولد نقص الوالدة، إن ساواها، أو زاد.
ولو نقص ضمن النقصان (2).
وقد خالف المعقول والمنقول على ما تقدم.
18 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا غصب من كل واحد ألفا، ومزجهما.
فإن ألفين مشتركة بين المالكين، ولا ينتقل إلى الغاصب.
وقال أبو حنيفة: تنتقل، ولكل منهما بدل ألفه، بناء على أن الغاصب يملك بالتغيير (3).
وقد تقدم بطلانه 19 - ذهبت الإمامية: إلى أنه ليس للعامل ما في القراض أن يبيع بالدين.
وقال أبو حنيفة: له ذلك (4).
وقد خالف قول النبي صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (5).
____________
(1) رواه الفضل في كتابه، والهداية ج 4 ص 12
(2) الهداية ج 4 ص 15
(3) الهداية ج 4 ص 11 وقال الفضل في كتابه: وما نقل من أبي حنيفة فقد بناه على أن التغيير مملك عنده.
(4) بداية المجتهد ج 2 ص 202
(5) أنظر ما سبق منا.
الفصل التاسع: في الإجارات وتوابعها
وفيه مسائل:
1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا استأجر دابة إلى موضع يوصل إليه، وتجاوزه إلى آخر، فإنه يضمن الأجرة المسماة إلى ذلك الموضع، وأجرة المثل في الزيادة التي تعدى فيها.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه أجرة الزيادة التي تعدى فيها (1).
وقد خالف العقل، والنقل:
قال الله تعالى: " جزاء سيئة سيئة مثلها " (2).
وقال صلى الله عليه وآله: على اليد ما أخذت حتى تؤدي. والعقل أوجب القصاص.
2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز الاستئجار إلى أي وقت شاء.
وقال الشافعي: لا يجوز أكثر من سنة، وله قول آخر إلى ثلاثين سنة (3).
وقد خالف قوله تعالى: " على أن تأجرني ثماني حجج ".
ودلالة العقل الدال على الجواز.
3 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز أن يستأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه، ويشتريه، وإجارة الدفاتر ما لم يكن فيها كفر.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك (4).
وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.
4 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز أن يستأجر دارا على أن يتخذها
____________
(1) بداية المجتهد ج 2 ص 193 والأم للشافعي ج 4 ص 32 و ج 7 ص 139
(2) الشورى: 40
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 182
(4) وقد أغمض الفضل في المقام عنه بالتسليم لمؤلفنا، وكأنه جعله من المسلمات عن أبي حنيفة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز في الأول، ويجوز في الثاني، ولكن يعمل غير ذلك (1).
وقد خالف العقل حيث منع من الاستئجار للطاعة، وجوز في صورة الاستئجار للمعصية.
5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا استأجر رجلا لينقل له الخمر إلى موضع بعينه للشرب لم يجز.
وقال أبو حنيفة: يجوز (2). وقد خالف النبي صلى الله عليه وآله، حيث لعن ناقلها (3).
6 - ذهبت الإمامية: إلى جواز المساقاة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز (4).. وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله:
فإنه عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج من ثمر وزرع.
وجماعة الصحابة والتابعين على ذلك (5).
7 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز اختلاف الحصة، بالنسبة إلى الثمار المختلفة.
وقال مالك: يجب التساوي في الكل (6).
وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.
____________
(1) أقول: إن الفضل بعد تصديق قول أبي حنيفة، شرع في توجيه ذلك بما لا ينفع.
(2) كما ذكر الحنفية في كتبهم المطولة، فراجع.
(3) منتخب كنز العمال ج 3 ص 233
(4) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 232 وتفسير الخازن ج 4 ص 164
(5) منتخب كنز العمال ج 4 ص 131 والسيرة الحلبية ج 3 ص 57
(6) ذكره الفضل في المقام، وراجع أيضا كتب المالكية.
8 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز أن يشترط العامل: أن يعمل معه غلام رب النخل، سواء كان الغلام موسوما بعمل هذا الحائط أو لا.
وقال مالك: لا يجوز إلا إذا كان الغلام موسوما فيه (2).
وقد خالف العقل، والنقل:
فإن العقل يدل على أصالة الجواز، وعدم الفرق.
والنقل، قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم.
9 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز المزارعة بالنصف، أو الثلث، وغيرهما.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز (3).
وقد خالفا العقل الدال على أصالة الجواز.
والنقل، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج من ثمر أو زرع.
وروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله دفع خيبر: زرعها، ونخلها إلى أهلها مقاسمة على النصف (4).
10 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يصح إجارة الأرض بالطعام.
وقال مالك: لا يجوز (5). وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.
وقوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (6).
____________
(1) رواه ابن رشد في بداية المجتهد.
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 200 والموطأ ج 2 ص 177
(3) الهداية ج 4 ص 40 والفقه على المذاهب ج 3 ص 3 و 4
(4) تاريخ الكامل ج 2 ص 150 وتفسير الخازن ج 4 ص 164
(5) بداية المجتهد ج 2 ص 184 والموطأ ج 2 ص 192
(6) المائدة: 1.
وقال الفقهاء الأربعة: إذا عين الطعام بطل (1).
وقد خالفوا العقل الدال على الجواز.
وقوله تعالى: " أوفوا بالعقود ".
الفصل العاشر: في الهبات وتوابعها
وفيه مسائل:
1 - ذهبت الإمامية: إلى أن القبض بدون إذن الواهب يكون فاسدا.
وقال أبو حنيفة: إن قبضه في المجلس صح (2).
وقد خالف العقل الدال على التسوية.
2 - ذهبت الإمامية: إلى صحة هبة المشاع.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، إلا أن يحكم الحاكم فيما يقسم (3).
وقد خالف العقل الدال على الجواز والتسوية.
وقال النبي صلى الله عليه وآله للوازن: زن، وأرجح، والرجحان هبة المشاع.
3 - ذهبت الإمامية: إلى لزوم الوقف بالعقد، والاقباض.
وقال أبو حنيفة: لا يلزم، إلا أن يحكم الحاكم (4).
وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: حبس الأصل، وسبل الثمرة، وإجماع الصحابة، وعملهم عليه (5).
____________
(1) الموطأ ج 2 ص 192 وبداية المجتهد ج 2 ص 184
(2) الهداية ج 3 ص 164 والفقه على المذاهب ج 3 ص 296
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 276 والهداية ج 3 ص 164 والفقه على المذاهب ج 3 ص 295
(4) الهداية ج 3 ص 11
(5) سنن ابن ماجة ج 2 ص 801 والأم للشافعي ج 4 ص 58.
وقال الشافعي: لا يجوز لعدم حصرهم (1).
وقد خالف الاجماع الدال على جواز الوقف على الفقراء والمساكين.
5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا بنى مسجدا أو مقبرة، وأذن للناس في الصلاة، والدفن، ولم يقل: إنه وقف أو وقفته لم يزل ملكه عنه.
وقال أبو حنيفة: إذا صلوا، ودفنوا زال ملكه (2).
وقد خالف العقل الدال على أصالة بقاء الملك.
وقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس منه (3)
الفصل الحادي عشر: في المواريث وتوابعها
وفيه مسائل:
1 - ذهبت الإمامية: إلى توريث خمسة عشر: أولاد البنات، وأولاد الأخوات، وأولاد الإخوة من الأم، وبنات الإخوة من الأب، والعمة، وأولادها، والخال، وأولاده، والخالة، وأولادها، والعم أخو الأب للأم، وأولاده، وبنات العم، وأولادهن، والجد أبو الأم، والجدة أم الأم، وأولادها، على الترتيب المذكور في تصانيفهم (4) ولا يرث مع
____________
(1) رواه النووي في الروضة، على ما رواه السيد في إحقاق الحق.. أقول: قال العلامة في التذكرة ج 2 ص 445: وهو أحد قولي الشافعي.
(2) الهداية ج 3 ص 15 و 16
(3) التفسير الكبير ج 10 ص 232
(4) أقول: أسباب الإرث شيئان: نسب، وسبب، فالنسب: هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر، كالأب والابن، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفا على الوجه الشرعي، وهو ثلاث مراتب، لا يرث أحد من المرتبة التالية، مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من الموانع: الأولى: الآباء دون آبائهم، والأولاد وإن نزلوا.
والثانية: الإخوة والأخوات من الأبوين، أو أحدهما وإن نزلوا ذكورا وإناثا، والأجداد والجدات فصاعدا. الثالثة: الأعمام والأخوال من الأبوين، أو أحدهما وإن علوا وأولادهم، ذكورا وإناثا، وإن نزلوا.
والسبب: هو الزوجية، وولاء النعمة، والزوجية تجامع جميع الوراث من النسب والسبب، والولاء لا يجامع النسب أبدا، وهو عبارة عن ولاء الاعتاق، وضمان الجريرة، والإمامة.
وعليه جماعة من الصحابة، والتابعين.
وقال أبو حنيفة: إن ذوي الأرحام يرثون، إلا أنه يقدم المولى، ومن يأخذ بالرد عليهم، فلو مات وترك بنتا وعمة، فالمال للبنت، نصفه بالفرض، والآخر بالرد، كما نقول نحن، إلا أنهم يقدمون المولى على ذوي الأرحام، ويوافقوننا في أن من يأخذ بالرد أولى من أولي الأرحام، ويقولون: إذا لم يكن هناك مولى، ولا يرث بالفرض ولا بالرد، كان لذوي الأرحام، فخالفونا في توريث المولى معهم، والباقي وفاق (2).
وقال الشافعي: إنهم لا يرثون، ولا يحجبون، وإن كان للميت قرابة فالمال له، وإن كان مولى كان له، وإن لم يكن مولى ولا قرابة فميراثه لبيت المال (3).
وقد خالفا في ذلك قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (4)، وولد البنت ولد، للإجماع على أن عيسى ولد
____________
(1) والحجب تارة يكون عن أصل الإرث، كحجب القريب البعيد في كل مرتبة، والضابط:
أنه إذا اجتمع في مرتبة واحدة طبقات يحجب الأقرب إلى الميت من هو بعيد منه، بالنسبة إليه، وكحجب المرتبة السابقة التالية من المراتب الثلاث وتارة يكون عن بعض الفرض والإرث، كحجب ولد الميت الزوج، أو الزوجة عن النصيب الأعلى إلى الأخفض، وكحجب الولد من الأبوين عما زاد عن السدس، على تفصيل حققه فقهاء الشيعة، رضوان الله تعالى عليهم.
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 303
(3) كتاب الأم للشافعي ج 4 ص 76 وقال الفضل في ذيل هذه المسألة: عند الشافعي: أن التوريث بالولاء مقدم على التوريث بالرحم.
(4) النساء: 11.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة " (2).
وقال: " لا ترزموا على ابني، فتركه حتى قضى بوله " (3)، أي لا تقطعوا عليه، وقد كان الحسن (ع) بال في حجره، فأرادوا أخذه، فقال ذلك.
وقال صلى الله عليه وآله: " ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين " (4)، عنى به الحسن (ع).
وقال الله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " (5)، وقال
____________
(1) أقول: اتفق فقهاء أهل السنة على تخصيص قول الله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الأولاد الصلبيين من الابن، والبنت، وعقب الأبناء، دون عقب البنات (راجع: تفسير الخازن، وفي هامشه تفسير النسفي ج 3 ص 249 وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 74 والتفسير الكبير ج 9 ص 203 وروح المعاني ج 4 ص 193 وقال ابن كثير في تفسيره ج 2 ص 155: قالوا: إذا أعطى الرجل بينة، أو وقف عليهم، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه، وبنو بنيه، واحتجوا: بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا | بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
فالاحتجاج بعدم شمول أحكام الأولاد في الفروض وغيرها لوليد بنت الرجل بهذا الشعر، الذي لا يعرف قائله، كما قال البغدادي في خزانة الأدب ج 1 ص 300 ليس إلا لدخالة السياسة في دين الله، سبحانك اللهم ما أجرأهم على هذا الرأي - السياسي - في دين الله!!.
ما قيمة قول شاعر مجهول في قبال قول الله عز وجل في الآية المذكورة، وآية المباهلة..
ولكن ذلك كله إلا لإخراج الحسنين عليهما السلام عن بنوة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد نص الله تعالى في قوله: " أبناءنا وأبناءكم ": أنهما ابني النبي الأقدس، وقد سمى الله تعالى في الآية (84 و 85 من سورة الأنعام) أسباط نوح ذرية له وليست الذرية إلا ولد الرجل كما في القاموس ج 2 ص 35 فعد عيسى من ذريته، وهو ابن بنته مريم.
(2) منتخب كنز العمال ج 5 ص 105 والروض الأزهر ص 199 (ط مصر) والإصابة ج 1 ص 329
(3) مجمع الزوائد ج 1 ص 285 ورواه الطبراني في الأوسط.
(4) مسند أحمد ج 5 ص 44 و 51 وصحيح البخاري كتاب الصلح: وبدء الخليقة، وأسد الغابة ج 2 ص 11 والإصابة ج 1 ص 330
(5) الأنفال: 75.
وقال صلى الله عليه وآله: " والخال وارث من لا وارث له " (2).
وروى أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وآله " ورث الخال " (3)، والأخبار في ذلك كثيرة.
2 - ذهبت الإمامية: إلى أن الأم يرد عليها، وكذا البنت.
وقال الشافعي: للبنت النصف، والباقي لبيت المال (4).
وقد خالف قوله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".
وقول النبي صلى الله عليه وآله: تجوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها " (5).
وجعل ولد الملاعنة لأمه، وقال النبي صلى الله عليه وآله: " ولد الملاعنة أمه وأبوه وأمه " (6)، فجعلها كالأبوين.
3 - ذهبت الإمامية: إلى أن المسلم يرث الكافر، خلافا للفقهاء الأربعة (7).
وقد خالفوا في ذلك عموم قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم ".
____________
(1) النساء: 7
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 284 وسنن ابن ماجة 914
(3) وفي منتخب كنز العمال ج 4 ص 216 قال: كان علي وأصحابه إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة، أعطوا بنت البنت المال كله، والخال كله.
(4) بداية المجتهد ج 2 ص 295 والأم للشافعي.
(5) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 260 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 916 ومصابيح السنة ج 2 ص 16
(6) وفي سنن أبي داود ج ص 125 وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله ميراث ابن الملاعنة لأمه، ولورثتها من بعدها.
(7) تفسير الخازن ج 1 ص 350 وبداية المجتهد ج 2 ص 295 والتفسير الكبير ج 9 ص 209.
وقوله صلى الله عليه وآله: " الإسلام يزيد ولا ينقص " (2).
4 - ذهبت الإمامية إلى أنه لا ميراث بالتعصيب، بل إنما يورثون بالفرض المسمى، أو القرابة، أو السبب من الزوجية والولاء.
قال الجمهور: يرث بالتعصيب (3).
وقد خالفوا قوله تعالى: " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا " (4)، فذكر سبحانه: أن للنساء نصيبا مما ترك الوالدان والأقربون كما للرجال.
وقال جابر، عن زيد بن ثابت: من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء (5).
وقال الله تعالى: " أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (6).
وإنما أراد الأقرب فالأقرب إجماعا، والبنت أقرب من ابن العم، والعم.
وأيضا يلزمهم: أن يكون ولد الصلب أضعف سببا من ابن ابن ابن العم، كما لو ترك ابنا وثمانية وعشرين بنتا: للابن سهمين من ثلثين، ولكل بنت سهم. ولو ترك عوض الولد ابن ابن عم، لكان ابن ابن العم عشرة من ثلثين، والباقي للبنات.
5 - ذهبت الإمامية: إلى بطلان العول.
____________
(1) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 252 والتفسير الكبير ج 9 ص 209 ومنتخب كنز العمال ج 1 ص 56
(2) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 252 والتفسير الكبير ج 9 ص 209 ومنتخب كنز العمال ج 1 ص 56
(3) تفسير الخازن ج 1 ص 250 وبداية المجتهد ج 2 ص 284 وأحكام القرآن ج 2 ص 78
(4) النساء: 7
(5) وقريب منه: ما رواه ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، كما في الدر المنثور ج 2 ص 123 وبه اعترف الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 79
(6) الأنفال: 79.
وقد خالفوا العقل، والنقل:
وقال ابن عباس: سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا، جعل في المال نصفا، ونصفا، وثلثا؟ ذهب النصفان لابن البنت. فقيل له: من أول من أعال الفرائض؟.
فقال: عمر بن الخطاب، قيل له: هلا أشرت إليه؟.
قال: هبته (2).
6 - ذهبت الإمامية: إلى جواز الوصية للوارث.
وخالف فيه الفقهاء الأربعة (3).
وقد خالفوا كتاب الله، حيث يقول: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " (4)، وقد نص في الباب أنه نوع من البر، والأقارب أولى من الأباعد، كما قال صلى الله عليه وآله:
" ابدأ بمن تعول " (5)، وفيه صلة الرحم المأمور بها، وقال تعالى: " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " (6).
ولأن الوارث قد يستحق التفضيل: إما بسبب شدة فاقته وفقره، أو
____________
(1) أحكام القرآن ج 2 ص 90 وبداية المجتهد ج 2 ص 292
(2) منتخب كنز العمال ج 4 ص 207 و 214 وأحكام القرآن ج 2 ص 90 وهذا متواتر عن ابن عباس، في كتب الحديث.
أقول: أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب، ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن مات من ذلك عين ولا أثر.. (راجع: تاريخ الخلفاء ص 137 وأحكام القرآن ج 2 ص 91 والمستدرك ج 4 ص 340 والسنن الكبرى ج 6 ص 253 وكنز العمال ج 6 ص 7
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 280 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 266
(4) البقرة: 180
(5) النهاية لابن الأثير ج 3 ص 321
(6) البقرة: 181.
ولأنه كما جاز التفضيل حال الحياة كذا يجوز بعد الممات.
7 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أوصى لأقاربه، يدفع إلى من يعرف بين الناس أنه قريبه.
وقال أبو حنيفة: يعطى ذوي الرحم المحرم خاصة، ولا يدخل فيه من ليس بمحرم كبني العم.
وقال مالك: هذه وصية للوارث من الأقارب لا غير (1).
وقد خالف العرف في ذلك من غير دليل.
8 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح الوصية للميت.
وقال مالك: يصح ويكون للورثة (2).
وهو خلاف العقل الدال على امتناع صحة ملكية الميت، وأن تمليك واحد بعينه لا يكون تمليكا لغيره.
9 - ذهبت الإمامية: إلى أن ما تركه النبي صلى الله عليه وآله ينتقل إلى ورثته.
وخالف الفقهاء الأربعة، وقالوا: ينتقل صدقة إلى غير ورثته (3).
____________
(1) الهداية ج 4 ص 184 والفقه على المذاهب ج 3 ص 336 و 340
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 280 والفقه على المذاهب ج 3 ص 321
(3) قال الآلوسي في تفسيره ج 4 ص 194: التخصيص بخبر الواحد لعمومات القرآن جائز على الصحيح، والاحتجاج على عدم جواز التخصيص بخبر عمر مجاب عنه بأن عمر إنما رد خبر ابنة قيس، لتردده في صدقها وكذبها.
أقول: تردد أبي بكر في حديثه يظهر من وجوه:
الأول: اعترافه بأن الوارث لميراث النبي صلى الله عليه وآله أهله، في حديث أبي الطفيل.
الثاني: دفعه آلة رسول الله صلى الله عليه وآله، ودابته، وحذاءه إلى علي ميراثا.
الثالث: تردده في مصرفه بقوله: " فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين ". فهو يرى هنا: أنه موكول إلى رأي الخليفة راجع: كنز العمال ج 3 ص 129 رقم 226، وشرح النهج ج 4 ص 81) ولكن قوله: إنما ميراثه لفقراء المسلمين، والمساكين، يدل على أنه يرى: أنه منحصر بهم من دون أن يشركهم غيرهم (كنز العمال ج 3 ص 125 رقم 2224)
وله رأي ثالث بينه بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إنما هي طعمة أطعمناها الله، فإذا مت كانت بين المسلمين " من دون أن ينيط ذلك بنظر الخليفة راجع: (كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري، وشرح النهج ج 4 ص 81) ثم هناك اعترافه في حديث أبي الطفيل:
بأن أهله يرثونه صلى الله عليه وآله، فهذا التحير منه في المصرف يدل على أن الكذاب نساء، والاختلاق يوجب التحير.. أضف إلى ذلك ادعاء أزواج النبي صلى الله عليه وآله إلا عائشة ميراثهن، كما في
(البداية لابن كثير ج 4 ص 203) وهذا صريح بأنهن لم يسمعن من النبي صلى الله عليه وآله بل بعد وفاته إلى عشرة أيام.
الرابع: كما قال ابن المعلم: إنه بعد الاغماض عن سنده: إنما هو في قوله: ما تركناه صدقة نصب على الحال، فيقتضي ذلك: أن ما تركه النبي صلى الله عليه وآله على وجه الصدقة، لا يورث عنه، ونحن لا نمنع هذا (راجع تنوير الحوالك ج 3 ص 155) وغيرها من أدلة ضعف خبر أبي بكر.
وما رواه أبو بكر من قوله: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة "، غير صحيح، لقوله تعالى: " وورث سليمان داود " (1)، وقال تعالى، حكاية عن زكريا: " يرثني ويرث من آل يعقوب " (2)، وقوله تعالى: " وإني خفت الموالي من ورائي " (3)، وقول فاطمة:
" أترث أباك ولا أرث أبي "؟ (4).
____________
(1) النمل: 16
(2) مريم: 6 و 19
(3) مريم: 6 و 19
أقول: قد اعترف عدة من أعلام القوم، بدلالة هذه الآيات على الميراث، منهم:
الزمخشري في الكشاف، وربيع الأبرار، والثعلبي في عرائس المجالس ص 400 والفخر الرازي في التفسير الكبير ج 9 ص 210 وغيرهم من الأعاظم.
(4) شرح النهج ج 4 ص 79 و 92 وأبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة، وبلاغات النساء ص 14 وأعلام النساء ج 3 ص 208 وفيها: إلى أن قالت فاطمة (عليها السلام): " ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون... إيها معاشر المسلمين، ابتز إرث أبي؟ أبالله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك، ولا إرث لي، لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون.
10 - ذهبت الإمامية: إلى أن الأسير إذا أخذ بعد تقضي الحرب، يتخير الإمام فيه بين المن، والفداء، والاسترقاق.
وقال أبو حنيفة: يتخير بين القتل والاسترقاق لا غير (3).
وقد خالف قوله تعالى: " فإما منا بعد وإما فداء " (4).
وقال صلى الله عليه وآله في أسارى بدر: لو كان مطعم بن عدي حيا، وكلمني في هؤلاء السبي لأطلقتهم له " (5).
وبعث النبي صلى الله عليه وآله سرية إلى قبل نجد، فأسروا رجلا يقال له ثمامة بن
____________
(1) كتاب السقيفة للجوهري، كما في شرح النهج ج 4 ص 79
(2) أقول: أخرج الواقدي في الطبقات ج 2 ص 215 كلاما لعلي (ع)، يعرف منه قيمة هذا الحديث، قال: قد جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما علي، فقال أبو بكر: قال رسول الله: لا نورث ما تركناه صدقة، وما كان النبي يعيل فعلي، فقال علي: ورث سليمان داود، وقال زكريا: يرثني ويرث من آل يعقوب، فقال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال علي: على هذا كتاب الله ينطق؟ فسكتوا، وانصرفوا (مكاتيب الرسول ج 2 ص 297)
(3) الهداية ج 2 ص 105 وتفسير الخازن ج 4 ص 143
(4) محمد: 4
(5) رواه الواقدي، كما في شرح النهج ج 3 ص 254.
فمر به اليوم الثالث، وقال مثل ذلك، ولم يقل شيئا، ثم قال: أطلقوا ثمامة، فأطلقوه، فمر واغتسل، وجاء وأسلم، وكتب إلى قومه فجاؤوا مسلمين (1)، وهذا نص في جواز المن.
ووقع أبو غرة الجمحي في الأسر يوم بدر، فقال: يا محمد إني ذو عيلة فامنن علي؟ فمن عليه على أن لا يعود إلى القتال، فمر إلى مكة.
وقال: إني سخرت بمحمد، وعاد إلى القتال يوم أحد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله ألا يفلت، فوقع في الأسر، فقال: إني ذو عيلة فامنن علي؟
فقال صلى الله عليه وآله: أمن عليك حتى ترجع إلى مكة وتقول في نادي قريش:
سخرت بمحمد مرتين، لا يلسع المؤمن من جحر مرتين، فقتله بيده، ونادى صلى الله عليه وآله: رجلا برجلين، ونادي يوم بدر جماعة من قريش على مال (2).
11 - ذهبت الإمامية: إلى أن سهم ذي القربى من الخمس لا يسقط بموت النبي صلى الله عليه وآله.
وقال أبو حنيفة: يسقط (3). وقد خالف مقتضى قوله تعالى: " ولذي القربى " (4)، أضاف بلام التمليك، وعطف بواو التشريك.
12 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز إعطاء اليهود زكاة الفطرة والكفارة.
____________
(1) أسد الغابة ج 1 ص 246 والإصابة وفي هامشها الإستيعاب ج 1 ص 203
(2) السيرة الحلبية ج 2 ص 200 وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج 1 ص 314
(3) الهداية ج 2 ص 110 وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 62
(4) الأنفال: 41.
13 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا دفع الزكاة من ظاهره الإسلام فبان كافرا، أو من ظاهره الحرية فبان عبدا، ومن ظاهره أنه ليس من عبد المطلب فبان أنه منهم، لم يجب عليه شئ وقال أبو حنيفة: عليه الضمان (3).
ووافقنا على أنه إذا دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا لم يضمن، ولا فرق بين الموضوعين.
ولأنه امتثل، وخرج عن العهدة.
الفصل الثاني عشر: في النكاح
وفيه مسائل:
1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا توامر (تآمر) الزوجان الكتمان لم يبطل النكاح.
وقال مالك: يبطل، وإن حضرت الشهود (4).
وهو مخالف لقوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (5)، " فانكحوا ما طاب لكم " (6).
2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا ينعقد النكاح بلفظ البيع، ولا التمليك،
____________
(1) بداية المجتهد ج 1 ص 256
(2) المجادلة: 22
(3) الهداية ج 1 ص 81 وذكره الفضل في ذيل هذه المسألة.
(4) بداية المجتهد ج 2 ص 14
(5) المائدة: 1
(6) النساء: 3.
وقال أبو حنيفة: يجوز كل ذلك.
وقال مالك: إن ذكر المهر، فقال: بعتكها، أو ملكتكها على مهر كذا صح، وإلا فلا (1).
وقد خالفا قوله تعالى: " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين " (2).
3 - ذهبت الإمامية: إلى أن العمة والخالة إذا رضيتا بعقد بنت الأخ أو بنت الأخت صح.
وخالف الفقهاء الأربعة فيه (3).
وقد خالفوا قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (4)، وقوله تعالى: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " (5).
4 - ذهبت الإمامية: إلى تحريم البنت المخلوقة من الزنا على الأب، والأخ، والعم، والخال، وكذا باقي المحرمات المؤبد بالنسب.
وقال الشافعي: يجوز ذلك كله، فيجوز أن ينكح الرجل بنته من الزنا، وأمه، وأخته، وعمته، وخالته، وكل من حرم الله تعالى في كتابه، وكذا من يجمع له فيه سبب التحريم، أو أسبابه كأم هي أخت، أو بنت هي بنت، أو عمة هي خالة (6).
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 4 ص 24 وبداية المجتهد ج 2 ص 4
(2) الأحزاب: 50
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 24 والهداية ج 1 ص 139
(4) النساء: 24
(5) النساء: 4
(6) كتاب الأم للشافعي ج 5 ص 25 وبداية المجتهد ج 2 ص 29 ومن اشعار الزمخشري تفسير كشاف ج 4 ص 310
فإن قلت شافعيا قالوا بأنني أبيح نكاح البنت وهو النكاح المحرم.