ففي ضوء ما تقدم يتبين لنا المراد الواقعي من الرّوايات كرواية الكليني عن ابن فضيل قال:
"سألت ابا الحسن الماضي عليه السلام عن قوله تعالى: (يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متمّ نوره)؟(1) قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بافواههم! قلت: والله متم نوره؟ قال: متمّ الامامة. لقوله عزّ وجلّ: (فَآمِنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا)(2) والنور هو الإمام عليه السلام. قلت: (هو الذي أرسَل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّينِ كلّه)(3). قال: ليظهره على الأديان عند قيام القائم لقوله عزّ وجلّ: (والله مُتمُّ نوره) ولاية القائم (ولو كره الكافرون) بولاية علي. قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم، اما هذا الحرف فتنزيل، وامّا غيره فتأويل"(4).
|
فقوله هذا الحرف فتنزيل، صريح في أرادة معنى الآية المساوق للتفسير، واما سائر المعاني فهي من التأويل وما يؤول إليه الكلام لمعنى الآية.
وأيضاً ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (فستعلمون من هو في ضلال مُبين)(5)، قال: يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة
____________
1 ـ الصف (61): الآية 8.
2 ـ التغابن (64): الآية 8.
3 ـ الصف (61): الآية 9.
4 ـ الكافي: ج 1، ص 432، رقم 91.
5 ـ الملك (67): الآية 29.
فإنه عليه السلام لم يرد أن هذا البيان والتفسير نزل جزءاً من الوحي القرآني; بل انه المقصود من النزول.
وقال العلامة المجلسي ـ بعد تضعيف الخبر ـ:" وأوّل بأنّها نزلت هكذا، تفسيراً للآية"(2).
والشاهد لذلك: الرّوايات المتعددة التي وردت في تفسير آية من الآيات. ففي بعضها يقال: "انماعنى بذلك كذا" وفي بعض "انما معناها كذا" وفي بعض آخر "انما انزلت كذا".
فعلى سبيل المثال: رأينا في تفسير الآية الشريفة (كلُّ شيء هالك إلاّ وجهه له الحكم وإليه ترجعون)(3) روايات: ففي رواية الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: "... إنّما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه"(4) وفي رواية ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام قال: "... معناه كل شئ هالك إلاّ دينه والوجه الذي يؤتى منه"(5) وفي رواية الصفّار عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: "إنّما عنى بذلك كلّ شيء إلاّ وجهه الذي يؤتى منه"(6) وفي رواية الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "... فانما انزلت كلّ شيء هالك إلاّ دينه"(7).
____________
1 ـ الكافي: ج 1، ص 421، رقم 45.
2 ـ مرآة العقول: ج 5، ص 57.
3 ـ سورة القصص (28): الآية 88.
4 ـ الكافي: ج 1، ص 143.
5 ـ التوحيد: ص 149.
6 ـ بصائر الدرّجات: ص 19.
7 ـ الاحتجاج: ج 1، ص 598.
والشاهد الآخر، الأخبار التي تتضمّن تمسّك الأئمة من أهل البيت عليهم السلام بمختلف الآيات القرآنية في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتّى في الموارد الّتي فيها آحاد من الرّوايات بالتحريف; فإنّ هذه الأخبار تشهد أن المراد فى كثير من روايات التّحريف من قولهم عليهم السلام; كذا انزل، هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل الباطن والتأويل.
هذا، وقد يقال أيضاً: نزلت الآية في كذا أي سبب نزولها كذا أو مدلولها وشرحها كذا.
ففي التفسير المنسوب إلى القمي: قوله تعالى: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك) نزلت هذه الآية في علىّ (وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته...)(1). وهذا يعني ليس في نفس الآية "في علىّ" بل شأن نزولها وتفسيرها في ولاية علىّ وإمرته عليه السلام.
وبعد بيان تلك المقدمة الهامة نرجع إلى صلب البحث وهو "دراسة روايات التحريف في مصادر الشيعة"
____________
1 ـ تفسير [المنسوب إلى] القمي: ج 1، ص 171 والآية من سورة المائدة (5): الآية 67.
مضامين أحاديث التحريف في كتب الشيعة
ويمكن تقسيم تلك الرّوايات إلى عدة أقسام تسهيلاً للمراد.
1 ـ الرّوايات التي وردت في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام.
2 ـ أحاديث جاء فيها لفظ "التّحريف".
3 ـ قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة.
4 ـ روايات الفساطيط.
5 ـ الرّوايات التي دلّت على ان بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة.
6 ـ الرّوايات التي دلّت على التّحريف في القرآن بالنقيصة.
الطائفة الاولى: الرّوايات التي وردت في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام
ويقع البحث هنا في أصل وجود هذا المصحف ثمّ في مضمونه:
أ: أصل وجود هذا المصحف:
إنّ وجود هذا المصحف من الأمور الثابتة المتفق عليها بين الفريقين.
فمن كتب الخاصة التي أشارت إليه:
"كتاب سليم بن قيس"(1) و"الكافي"(2) لثقة الإسلام أبي جعفر الكليني (ت 329 هـ.).
ففي الكافي:
"... أخرجه [أي المصحف] عليّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما اُنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله...".
|
____________
1 ـ ص 581، 582، 660، 665 وبمضمونه في التفسير [المنسوب إلى] القمي: ص 745.
2 ـ الكافي، كتاب فضل القرآن: ج 2، ص 633، رقم 29.
ومن كتب أهل السنة:
"الطبقات الكبرى"(4) لمحمد بن سعد (ت 230 هـ.) و"الفضائل" لابن الضريس(5) (ت 294 هـ.) و"كتاب المصاحف"(6) لابن أبي داود (ت 316 هـ.) و"كتاب الفهرست"(7) للنديم عن أحمد بن جعفر بن محمّد المنادي (المعروف بابن المنادي، ت 332 هـ.) و"المصاحف" لابن اشتة(8) (ت 360 هـ.) و"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"(9) و"الأربعين"(10) لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ.) و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"(11) لابن عبد البرّ (ت 463 هـ.) والذي رواه بطريقين، و"شواهد التنزيل" للحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس، فقد
____________
1 ـ تفسير العياشي: ج 2، ص 307 ـ 308.
2 ـ الاعتقادات: ص 93.
3 ـ مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50.
4 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.
5 ـ نقلاً عن الاتقان: ج 1، ص 58.
6 ـ كتاب المصاحف: ص 16.
7 ـ كتاب الفهرست: ص 31 و32.
8 ـ نقلاً عن الاتقان: ج 1، ص 58.
9 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: ج 1، ص 67.
10 ـ نقلاً عن مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50.
11 ـ الاستيعاب، القسم الثالث: ص 974.
ب: مضمونه:
إن وجود مصحف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بشكل يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء من الفريقين على وجوده اغنانا عن التكلف لاثباته.
وقد أشار الشيخ المفيد (ت 413 هـ.) من قدماء الإمامية إلى ذلك وقال:
"قد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من اوله إلى آخره والذي بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكّي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في موضعه ولذلك قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: اما والله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمّي من كان قبلنا..."(5).
|
وقد صرح المتأخرون بذلك كـ "أبي عبد الله الزنجاني"(6) و"النهاوندي"(7)
____________
1 ـ شواهد التنزيل: ج 1، ص 36 ـ 38.
2 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 121. وقد فصل القول في مصحف الإمام علي عليه السلام.
3 ـ المناقب: ص 94، رقم 93.
4 ـ نقلاً عن علوم القرآن عند المفسرين: ج 1، ص 351.
5 ـ المسائل السروية: المسألة التاسعة: ص 79.
6 ـ تاريخ القرآن: ص 76.
7 - نفحات الرحمن: ج 1، الورقة 12.
وقد ذكر أبو عبد الله الزنجاني فهرساً في ترتيب سور ذلك المصحف(2)، ومن علماء أهل السنة الذين عملوا هذا الفهرس الذي كتب بحسب ترتيب السور في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام: "عبد الكريم الشهرستاني" في مقدمة تفسيره(3).
ومن جملة الرّوايات التي تدل على هذا النوع من الترتيب; روايات يمكن تسميتها بـ "روايات الفساطيط" وسيأتي البحث فيها إن شاء الله في الطائفة الرابعة.
كما ان اشتمال قرآنه على زيادات وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّ هذه الزيادات ليست من القرآن بعنوان الوحي المعجز، بل الصحيح هو أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد، وتدل على هذا الرّوايات التي وردت في شأن هذا المصحف من الفريقين إمّا بالنص كما في "تفسير الصافي" عن الإمام علي عليه السلام قال:
"أتى بالكتاب كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف"(4).
|
وإمّا بالتأمّل والدرّاية كما في روايتي جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:
"ما ادّعى احد من الناس انه جمع القرآن كلّه كما أنزل الاّ كذّاب وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده"(5).
|
____________
1 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 119.
2 ـ تاريخ القرآن: ص 77 ـ 78.
3 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.
4 ـ تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 11.
5 ـ الكافي: ج 1، ص 228.
"ما يستطيع احد ان يدَّعي ان عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء"(1).
|
قال العلاّمة الطباطبائي في حاشيته على الكافي:
"قوله عليه السلام "إنّ عنده جميع القرآن كلّه" الجملة، وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن المشعرة بوقوع التّحريف فيه لكن تقييدها بقوله: "ظاهره وباطنه" يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستبطنة على الفهم العادي وكذا قوله في الرواية السابقة: "وما جمعه وحفظه الخ" حيث قيد الجمع بالحفظ فافهم"(2).
|
فعلى هذا لا دلالة في شيء من الرّوايات على ان الزيادات في مصحف الإمام علي عليه السلام من القرآن نفسه، بل هي ـ كما قلنا ـ بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد. وعلى هذا يحمل ما ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام(3) فانّ ذكر اسمائهم لابد وان يكون بعنوان التفسير، والشاهد عليه سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وحسن اخلاقه، فانّ دأبه تأليف قلوبهم والإسرار بما يعلمه من نفاقهم، فكيف يمكن أن يذكر أسماءهم في القرآن ويأمرهم بلعن أنفسهم ويأمر سائر المسلمين بذلك ويحثهم عليه ليلاً ونهاراً؟! وهل يقاس ذلك بذكر أبي لهب المعلن بشركه ومعاداته للنبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مع علم النبيّ بأنه يموت على شركه؟ وهذا واضح لمن له أدنى اطّلاع على سيرة النبىّ صلّى
____________
1 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 228 وبصائر الدرّجات: ص 193.
2 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 228.
3 ـ كرواية الكافي: ج 2، ص 631 ويأتي تمام الكلام في تلك الرواية وما شابهها في المقام الثاني.
نظرة إلى آراء العلماء في مصحف الإمام علي عليه السلام:
يعتقد بعض كبار العلماء أنّ ما يوجد في المصحف زيادة على المصحف الموجود، هو من جنس الأحاديث القدسية ومنهم الشيخ أبو جعفر الصدوق (ت 381 هـ.) حيث قال:
"وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن... وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام جمعه فلما جاء به قال هذا كتاب ربّكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف"(1).
|
وبعض آخر ـ وهو قول الغالب ـ يرى بأنّ هذه الزيادات وإن كان من الوحي لكن ليست من سنخ آيات القرآن بل من سنخ تأويل الوحي وتنزيله بعنوان شرح المراد، وحذفها من المصحف الموجود لا يخلّ بصيانة القرآن عن التّحريف.
ومبتكر هذه النظرية عميد الطائفة الشيخ المفيد (ت 413 هـ.) إذ يقول:
"... وحذف [من المصحف الموجود] ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز..."(2).
|
ويؤيّد هذه النظرية شواهد كثيرة، وقد لاقت استقبال علماء الإمامية، وكلّ من ذكر منهم أنّ الاختلاف بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود لا ينحصر في ترتيب السور، بل يتعداه إلى امور أُخر منهم: "المحدث الفيض
____________
1 ـ الاعتقادات: ص 92.
2 ـ اوائل المقالات ومذاهب المختارات: ص 93.
"... ولو كان مخالفته في بعض الحقائق الدينية لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه"(5).
|
نعم خالف في هذا المعنى شرذمة قليلة من الأخباريين كالمحدّث النوري الذي أصرّ ـ كعادته ـ على ان الاختلاف كان في نفس القرآن حقيقة(6). وجاء بالرّوايات من الفريقين من دون تأمل وتدبر في مفادها ومعناها، وسيأتي إن شاء الله في المقام الثاني انّ اكثر هذه الرّوايات لا مساس له بمسألة مصحف الإمام عليه السلام وما ورد في شأنه. فبعضها مطعون في طرقها، وبعضها محمول على ما قلنا وإلا فمع معارضتها بأدلّة صيانة القرآن عن التّحريف ساقطة لا محالة.
وأما قول علماء أهل السنة في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام فقد قال محمّد بن سعد:
"فزعموا أنّه [أي الإمام علىّ عليه السلام] كتبه على تنزيله، وقال محمّد بن سيرين: فلو اُصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم"(7).
|
وقال ابن اشته:
____________
1 ـ الصافي في تفسير القرآن: ج 1، ص 46 والوافي: ج 9، القسم الثالث من الجزء الخامس: ص 1779.
2 ـ شرح الوافية في علم الاصول نقلاً عن فصل الخطاب: ص 120.
3 ـ كشف الغطاء: ص 274.
4 ـ البيان: ص 223.
5 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 116.
6 ـ فصل الخطاب: ص 97.
7 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.
"كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ"(1).
|
وقال ابن عبد البرّ بسنده عن محمّد بن سيرين أنـّه قال:
"فبلغني أنـّه كتب على تنزيله ولو اُصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم"(2).
|
وقال ابن جزي:
"فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد"(3).
|
وأخيراً قال السيوطي:
"جمهور العلماء اتفقوا على أنّ ترتيب السُّور كان باجتهاد الصحابة، وأنّ ابن فارس استدلّ لذلك بأنّ منهم من رتّبها على النزول وهو مصحف علي [عليه السلام] كان أوله إقرأ ثم نون ثم المزّمّل هكذا ذكر السور إلى آخر المكي ثمّ المدني"(4).
فنلاحظ أنّ مضامين هذه الرّوايات تتحد مع روايات الشيعة في الدلالة على أنّ مصحف الإمام علي عليه السلام علاوة على أنّ سوره وآياته مرتبة كما أنزله الوحي، فإنه يشتمل على حقائق كثيرة من تبيين وتفسير للآيات الشريفة، فما قاله "ابن سيرين" فيه: "كتبه على تنزيله" مع التنبه إلى أنّ اصطلاح "التنزيل" عند القدماء; كان بهذا المعنى، فذلك المصحف يشتمل على حقائق شرح وتفسير مراد الله عزّ وجلّ، وفيه كنز عظيم من العلم وهذا ما أكَّدته الرّوايات كقوله: "لو أُصيب
____________
1 ـ نقلاً عن الاتقان:، ج 1، ص 58.
2 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب: القسم الثالث، ص 974.
3 ـ نقلاً عن علوم القرآن عند المفسرين: ج 1، ص 351.
4 ـ الاتقان: ج 1، ص 66.
"ومن المعلوم أنّ الذين تولّوا جمع القرآن كيف خاضوا فيه ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف بعد اتفاقهم على أن القرآن مخصوص بهم وانهم أحد الثقلين في قول النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وفي رواية، أهل بيتي إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا وإنّهما لن يفترقا"(2).
|
وسنتعرض في المقام الثاني لتفصيل الكلام في مصحف الإمام علي عليه السلام.
الطائفة الثانية: الأحاديث التي جاء فيها لفظ "التّحريف"
يتبين من مضامين الرّوايات والقرائن والشواهد التي فيها أنَّ لفظة "التّحريف" في نوع تلك الرّوايات بمعنيين: أحدهما حمل الآيات على غير معانيها وهو التّحريف المعنوي، والآخر بمعنى اختلاف القراءات، وواضح أن التّحريف بهذين المعنيين بعيد عن محلّ النزاع الذي هو التّحريف بمعنى وجود النقص أو الزيادة في القرآن.
فمن القسم الأوّل ما عن كامل الزيارات عن عبد الأعلى. قال:
____________
1 ـ كقول الإمام علي عليه السلام: "كانت لي منزلة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تكن لأحد من الخلائق..." خصائص أمير المؤمنين للحافظ أحمد بن شعيب النسائي: ص 162 وقد أخرج الحديث جمع كثير من الحفاظ والعلماء انظر: التعليق على كتاب الخصائص: ص 159 ـ 164 وسنذكر بعض أدلة أُخَرَ في المقام الثاني.
2 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.
"قال أبو عبد الله عليه السلام: أصحاب العربية يحرفون كلام الله عزّ وجلّ عن مواضعه"(1). قال السيد الخوئي في شأن هذه الرواية:
ومن القسم الثاني على سبيل المثال: ما عن الكليني والصدوق باسنادهما عن علىّ بن سويد. قال:
وعن ابن شهر آشوب باسناده عن عبد الله في خطبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وفيها:
قال السيد الخوئي في شأن هذه الرّوايات أيضاً:
____________ 1 ـ نقلاً عن البيان في تفسير القرآن: ص 228. 2 ـ البيان في تفسير القرآن: ص 229. 3 ـ خصال الصدوق: باب الثلاثة، ص 174. 4 ـ مناقب آل أبي طالب: ج 4، ص 119.
وقال الاستاذ الشيخ محمّد هادي معرفة:
وقد استنبط هذا المعنى من تلك الرّوايات أيضاً العلاّمة الشيخ محمّد جواد ____________ 1 ـ البيان في تفسير القرآن: ص 229، إنّ ما قاله السيد الخوئي:
2 ـ صيانة القرآن عن التّحريف: ص 259.
الطائفة الثالثة: قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة عليهم السلام: فمن تلك الرّوايات التي دلّت على قراءات منسوبة هي: 1 ـ ما روى شيخ الطائفة في "التهذيب" عن الشيخ المفيد باسناده عن غالب بن الهذيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى (وامسحوا بِرُؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)(5) على الخفض هي أم على النصب؟ قال: بل هي على الخفض(6). 2 ـ ما روى الكليني من طريق علي بن إبراهيم باسناده عن حريز، أن الإمام الصّادق عليه السلام قرأ: (فليس عليهنَّ جناح أن يضعن ـ من ـ ثيابهن)(7) بزيادة "من"(8). 3 ـ وروى باسناده عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قرأ قوله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)(9) قرأها: "يُنْطَق" (مبنياً للمفعول من باب ____________ 1 ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج 1، ص 26. 2 ـ الغدير: ج 3، ص 101. 3 ـ نقلاً عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 32. 4 ـ صيانة القرآن عن التّحريف: ص 259 وما بعدها. 5 ـ سورة المائدة (5): الآية 6. 6 ـ تهذيب الأحكام: ج 1، ص 71. 7 - سورة النور (24): الآية 60. 8 ـ الكافي: ج 8، ص 200 الرقم 241. 9 ـ سورة الجاثية (45)/ 29. |