الصفحة 76
الافعال. والقراءة المشهورة: "ينطق ثلاثياً مبنيّاً للفاعل") قال عليه السلام في توجيه هذه القراءة: "ان الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الناطق بالكتاب... قال: هكذا والله نزل به جبرائيل على محمّد صلّى الله عليه وآله ولكنّه ممّا حرّف من كتاب الله."(1) وروايات اختلاف القراءة التي جاءت في "الكافي" ربّما تنوف على الخمسين اقتصرنا على نماذج منها خوف الاطالة.

هذه القراءات المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام طريقها آحاد وهي قد تخالف الجمهور وقد تكون موافقة لبعض القراءات المعتبرة(2) أو الشاذة في مصطلحهم، وهي ليست بحجّة; أولاً: لأنّ القرآن انما يثبت بالتواتر لا بالآحاد، وثانياً: إنّ الاختلاف في القراءة ليس دليلاً على الاختلاف في نصّ الوحي، لأنَّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر فلا يصلح ذلك مستمسكاً للقول بالتحريف.

ويقول الشيخ المفيد في "المسائل السروية":

"فان قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام انهم قرأوا "كنتم خير أئمة اخرجت للناس" "وكذلك جعلناكم أئمة وسطاً" وقرأوا "يسألونك الأنفال" وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس.

قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو أنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها، فلذلك وقفنا فيها ولم

____________

1 ـ الكافي: ج 8، ص 50 الرقم 11.

2 ـ كقراءة "ارجلكم" بالخفض، فقد قرأ بالخفض ثلاثة من القراء السبعة وهم: ابن كثير وأبو عمرووحمزة وعاصم أيضاً برواية شعبة فقد نصّ عليه شيخ الطائفة في التهذيب: ج 1، ص 72.


الصفحة 77

نعدل عما في المصحف الظاهر على ما اُمرنا به حسب ما بينّاه، مع انه لا ينكر ان تأتي القراءة على وجهين منزلين احدهما ما تضمّنه المصحف والآخر ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتّى..."(1).

ولم يحمل أحد من علماء الإمامية تلك الرّوايات على التّحريف بمعنى التغيير في نصِّ الوحي سوى المحدِّث النوري الذي جاء بهذه الرّوايات دليلاً ـ حسب زعمه ـ على ورود التّحريف في القرآن(2). والحال أنَّ مفاد تلك الرّوايات لا علاقة له بمسألة التّحريف كما هو معلوم.

الطائفة الرابعة: روايات الفساطيط

هي روايات وردت بشأن فساطيط تضرب ظهر الكوفة، ايام ظهور الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لتعليم الناس قراءة القرآن وفق ما جمعه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه خلاف الترتيب المعهود، نذكر جملة منها:

1 ـ روى الشيخ المفيد رواية مرسلة عن جابر الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

"إذا قام قائم آل محمّد صلّى الله عليه وآله ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن، على ما أنزل الله. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف"(3).

2 ـ روى الكليني بإسناده إلى سالم بن مسلمة قال:

____________

1 ـ المسائل السروية: المسألة التاسعة، ص 78.

2 ـ فصل الخطاب: ص 280.

3 ـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج 2، ص 386.


الصفحة 78

"قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس، فقال عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فاذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام."(1)

وبهذا المعنى وردت روايات اُخرى(2).

ان مفاد هذه المجموعة من الرّوايات له ارتباط وثيق بالروايات الواردة في مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد سردنا عليك آراء علماء الإمامية فيه، وسيأتي أيضاً البحث عن ذلك المصحف بنظر الفريقين، وسوف نلاحظ من خلال تلك الرّوايات انّ مصحف الإمام علي عليه السلام لا يختلف بجوهره عن نصوص آيات القرآن وانما هو موضح ومفسّر لها، كما يقول الاستاذ الشيخ معرفة بعد ذكر مجموعة من تلك الرّوايات:

"هذه الرّوايات ان دلت على شئ فانما تدل على اختلاف ما بين مصحفه عليه السلام والمصحف الحاضر أما ان هذا الاختلاف يعود في نصّه أم في نظمه أم في أمر آخر، فهذا مما لا تصريح به في تلكم الأحاديث سوى الحديث الذي هو صريح في وجه الاختلاف، وانه ليس في سوى النظم والتأليف لا شيء غيره، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الرّوايات... وقد ألِفَ الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون، فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه

____________

1 ـ الكافي: ج 2، ص 631 رقم 15.

2 ـ راجع الكافي: ج 2، ص 619 رقم 2 وج 2، ص 633 رقم 23 والبحار: ج 52، ص 339 رقم 85 وص 364 رقم 139 و140 و141 وغيرها.


الصفحة 79

الحديث وصحّ قوله عليه السلام في حديث آخر: "قرأ كتاب الله على حدّه" أي على نسجه الأوّل الاصيل وفق ما انزل الله تماماً من غير تحوير، وعدم فوت شيء من خصوصيات النزول، زماناً ومكاناً ومورداً وغير ذلك من الوجوه التي يتضمنها مصحف أمير المؤمنين عليه السلام. ومما يدل على أن القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود، ما رواه العياشي باسناده عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن"(1) أي أنّ هذا الموجود بأيدينا فيه آيات صريحة في قيامه وظهوره وبسطه العدل في الأرض، اذ لو كان ما دلّ على صدقه هي زيادات فيما لديه "عجل الله تعالى فرجه الشريف" ممّا لم يعهدها المسلمون من ذي قبل لكان ذلك من الدور الباطل، اذ لا يعرف الشيء من قبل نفسه..."(2).

الطائفة الخامسة: ذكر بعض أسماء الأئمة ـ عليهم السلام ـ في القرآن

ومن الروايات التي دلّت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة ـ عليهم السلام ـ هي:

1 ـ ما عن الكافي باسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال:

"ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الأَنبياء، ولن يبعث الله رسولاً الاّ بنبوّة محمّد وولاية وصيّه، صلى الله عليهما وآلهما"(3).

ومضمون هذا الحديث ورد في كتب أهل السنّة أيضاً:

____________

1 ـ تفسير العياشي: ج 1، ص 13، رقم 6.

2 ـ صيانة القرآن عن التّحريف: ص 269 وما بعدها.

3 ـ الكافي: ج 1، ص 437، الرقم 6.


الصفحة 80
كما رواه الحاكم الحسكاني بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال ابن مسعود:

"قال النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم: يا عبد الله أتاني الملك فقال: يا محمّد (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) على ما بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علىّ بن أبي طالب"(1).

ورواه أيضاً الحاكم أبو عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين في كتابه "معرفة علوم الحديث"(2).

وهكذا رواه عنه ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ مدينة دمشق(3).

ورواه الخوارزمي في مناقب "أمير المؤمنين"(4).

والثعلبي في تفسير الآية الكريمة من تفسيره(5).

ومنها:

2 ـ رواية العياشي باسناده عن الصادق عليه السلام:

"لو قرئ القرآن ـ كما أنزل ـ لألفيتنا فيه مسمّين"(6).

3 ـ ورواية الكافي وتفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام وكنز الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد متعددة أيضاً عن الأصبغ بن نباتة، قال:

"قال أمير المؤمنين عليه السلام: القرآن نزل على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم

____________

1 ـ شواهد التنزيل: ج 2، ص 222.

2 ـ معرفة علوم الحديث: آخر النوع (24): ص 96.

3 ـ ترجمة الإمام علىّ بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 97، الرقم 602.

4 ـ مناقب الخوارزمي: الفصل 19، ص 221.

5 ـ الكشف والبيان (المخطوط): ج 4، الورقة 335، والمطبوع: ج 8، ص 338.

6 ـ كتاب التفسير (تفسير العياشي): ج 1، ص 13، رقم 4.


الصفحة 81

القرآن"(1).

وممّن روى هذا الحديث من أهل السنّة:

ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن عباس عن النبىّ صلّى الله عليه وآله:

"... فقال النبىّ صلى الله عليه وآله [لاصحابه] مم تعجبون، إن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل في عليّ كرائم القرآن"(2).

والقندوزي الحنفي في "ينابيع المودة"(3).

وفي "حبيب السير" لغياث الدين بن همّام (ت 930 هـ.): قال: "روى الحافظ أبو بكر بن أحمد بن موسى بن مردويه بسنده عن علي كرم الله وجهه مثله"(4).

والحاكم الحسكاني الحنفي في "شواهد التنزيل"(5).

وهذه الرّوايات لا تدلّ أبداً على التّحريف في ألفاظ القرآن ولكنّها مع التنبّه الى المفاهيم المتقدمة وهي: "التنزيل" و"الإقراء" و"التأويل" وكذا بالنظر إلى سبب النزول والجري والتطبيق ومعرفة مصداق الآيات مع التنبّه الى كلّ ذلك، يتضح ان الإمام حينما يقول: "فيه مُسمَّيْن" أو "ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة" أو "ربع فينا..." فلا يريد التسمية بهذا الاسم، بل بذكر السمات والنعوت الدالة على فضيلة

____________

1 ـ الكافي: ج 2، ص 627 وكتاب التفسير: ج 1، ص 19.

2 ـ مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي [وهو أبو الحسن علي بن محمّد الشافعي الشهير بابن المغازلي ت 483 هـ. ق.]: ص 328، ح 375 وأخرج الحديث الحافظ أبو نعيم الاصبهاني في "ما نزل من القرآن في علي" على ما ذكره السيد أحمد بن طاووس في كتابه "بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية" وقال: روى أيضاً أبو الفرج الاصبهاني الاموي (ت 356 هـ. ق.) في كتابه "ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام".

3 ـ ينابيع المودة: ص 126، ط. اسلامبول وص 148 ط. الحيدرية في النجف.

4 ـ حبيب السير: ج 2، ص 13.

5 ـ شواهد التنزيل: ج 1، ص 44 و45 و47.


الصفحة 82
الاختصاص بحيث لا يبقى عليه غبار عند ذي حجى.

ويدل على ذلك ما رواه الكليني باسناده عن أبي بصير قال:

"سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم)(1) قال: نزلت في علي والحسن والحسين، قلت: ان الناس يقولون: فما باله لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب الله! قال عليه السلام: فقولوا لهم: ان رسول الله صلّى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ له ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي فسّر لهم ذلك"(2).

قال السيد الخوئي رحمه الله تعقيباً على ذلك:

"هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الرّوايات وموضّحة للمراد منها: أي ان ذكرهم عليهم السلام في الكتاب انما كان بالنعوت والاوصاف، لا بالتسمية المتعارفة"(3).

وأخيراً قال الإمام الخميني رحمه الله في ردّ من تمسك بهذه الرّوايات لإثبات التّحريف اللفظي للقرآن، ما ملخّصه:

"لو كان الأمر كذلك أي كون الكتاب الالهي مشحوناً بذكر أهل البيت وفضلهم وذكر أمير المؤمنين واثبات وصايته وامامته بالتسمية، فلم لم يحتجّ بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين

____________

1 ـ سورة النساء (3): الآية 59.

2 ـ الكافي: ج 1، ص 286.

ومن الواضح ان الإمام عليه السلام بذكره مثالاً في جواب الراوي من باب الجدال بالّتي هي احسن وإلاّ فلو كان الإمام في مقام بيان حكمة عدم ذكر الإمام علي وأهل بيته عليهم السلام في القرآن، لاتخذ جوابه شكلاً آخر.

3 ـ البيان في تفسير القرآن: ص 231.


الصفحة 83

القاطعة من الكتاب الالهي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وسائر الأصحاب الذين كانوا لا يزالون يحتجّون على خلافته عليه السلام.

ولِم تشبّث عليه السلام بالاحاديث النبوية والقرآن بين اظهرهم..."(1).

وعلى أي حال فلو لاحظنا الرّوايات التفسيرية عند الفريقين بشكل جيد لاَتضح لنا انّ نزول كثير من الآيات وتأويلها إنّما هو في عترة النبىّ صلّى الله عليه وآله وبالأخص أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه النكتة ليست بخافية على أهل التحقيق. فعلى سبيل المثال:

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس; قال:

"ما نزل في احد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي"(2).

وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:

"ما أنزل الله يا أيّها الذين آمنوا إلاّ وعليّ أميرها وشريفها ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في غير مكان وما ذكر عليّاً إلاّ بخير"(3).

وروايات أخرى سيأتي ذكر شطر منها. ويكفي أن نستمع إلى النبىّ صلّى الله عليه وآله وهو يقول:

____________

1 ـ انوار الهداية: ص 243 ـ 247.

2 ـ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 428، رواه ابن عساكر بطرق خمسة عن ابن عباس بالرقم 935 ـ 940.

3 ـ المعجم الكبير: ج 11، الرقم 11687 وأيضاً: الفضائل لأحمد (من زيادة القطيعي): الرقم 236، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لاحمد بن سليمان (من أعلام القرن الثالث): ج 1، الرقم 67 و81 وشواهد التنزيل: ج 1، ص 53 وحلية الاولياء: ج 1، ص 64 والمناقب للخوارزمي: ص 179 وغيرها.


الصفحة 84

"إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله"(1).

ليتضّح لنا جلياً أنّ وقوف بعض الناس صفاً لمواجهة أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر تأويلاً لبعض الآيات. والإمام علي عليه السلام نفسه وجيشه أيضاً نوع آخر من تأويل القرآن، وهذا يؤيد ما رووا من "ان ربع القرآن في اعداء الأئمة عليهم السلام" لأنّ العدوّ لأحدهم عدوّ لجميعهم.

الطائفة السادسة: التّحريف بالنقيصة:

توجد في كتب الشيعة روايات دلّت على تحريف القرآن بالنقيصة، وهي أقسام:

فقسم منها يدلّ بصراحة على أنـّه شرح وتفسير للآية كما روى الكليني باسناد رفعه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قرأ: (وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل)(2) وعقبّها بقوله: "بظلمه وسوء سريرته"(3).

فانه عليه السلام يفسّر كيفية الاهلاك بأنه بسوء سريرته وظلمه لا بعامل آخر.

ومثله ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قوله تعالى:

____________

1 ـ خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: لاحمد بن شعيب النسائي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: "كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله، فرمى بها إلى علي فقال: "ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله" فقال أبو بكر: أنا؟ قال: "لا" قال عمر: أنا؟ قال: "لا". ولكن صاحب النعل": ص 217، الرقم 156.

قال محقق الكتاب: واخرجه ابن أبي شيبه في المصنف (12: 64) وأحمد في المسند (3: 31، 33، 82) والقطيعي في زوائد الفضائل (107) وأبو نعيم في الحلية (1: 67) وابن المؤيد الجويني في فرائد السمطين (1: 159، 160، 161، 280) وابن عساكر (12: 180) و... ثم شرع في وهم ابن الجوزي الذي أدخل هذا الحديث في العلل المتناهية وتعقب الذهبي في تلخيص العلل المتناهية (18 ق.) في خطأ ابن الجوزي وبيان وجه الصحيح... "خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 167".

2 ـ سورة البقرة (2): الآية 205.

3 ـ الكافي: ج 8، ص 289، برقم 435.


الصفحة 85
(وإن تَلووا أو تُعرِضوا)قال: وإن تلووا الأمر وتُعرِضوا عمّا اُمرتم به (فإنّ الله كان بما تعملون خبيراً)(1).

وقسم منها قد ورد فيها ألفاظ "التنزيل" و"التأويل" وغيرهما.

كما روى الكليني باسناده إلى محمّد بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام أنـّه قرأ: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ـ بمحمد)قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمّد عليهما السلام(2).

وأيضاً ما رواه عن الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (فأبى أكثرُ الناسِ)(3) قال: بولاية علي ثم تلا (إلاّ كُفوراً) ثم قال عليه السلام: هكذا نزل جبرائيل بهذه الآية(4).

وما رواه بسنده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال تعالى بشأن علي عليه السلام: (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون ـ ان محمّداً رسول الله ـ والذين لايعلمون ـ ان محمّداً رسول الله وانه ساحر كذّاب ـ انما يتذكر اولوا الالباب)ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: هذا تأويل يا عمّار(5)".

فهذه الأحاديث وامثالها لا دلالة فيها على ان هذه الزيادات كانت من القرآن وقد اسقطت بالتحريف بل الصحيح ان تلك الزيادات جاءت بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ولا يلزم كلّ ما نزل من الله ان يكون من الوحي القرآني وقد مضى تحقيقه فراجع.

____________

1 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 421، الرقم 45 والآية 135 من سورة النساء (4).

2 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 183، رقم 208.

3 ـ الإسراء (17): الآية 89.

4 ـ الكافي: ج 1، ص 425، رقم 64.

5 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 204 ـ 205 رقم 246 والآية 9 من سورة الزمر (39).


الصفحة 86
وقد حملها السيّد علي بن طاووس (ت 664 هـ.) على التأويل أيضاً قال:

روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده إلى جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله بمنى ـ وقد ذكر حديثاً طويلاً ـ إلى ان قال: ثم نزل: "فاستمسك بالذي اوحي إليك في امر علي انك على صراط مستقيم وان عليّاً لعلم الساعة وذكر لك ولقومك وسوف تسألون عن علي بن أبي طالب".

ثم قال ابن طاووس:

"كان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعضه قرآن وبعضه تأويل"(1).

وقسم منها لبيان أبرز المصاديق وأكملها:

كالرواية التي رواها الكليني باسناد مقطوع، قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه السلام: (وقل اعملوا فسيرى اللّهُ عملكم ورسوله والمؤمنون)(2) فقال: "ليس هكذا هي، إنّما هي: والمأمونون، فنحن المأمونون"(3).

فقوله: "ليس هكذا هي" ـ على فرض صدور الرّواية ـ أي لا يذهب وهمك إلى إرادة عموم المؤمنين وإنما هم المؤمنون الكاملون المراد بهم المسؤولون خاصة.

قال المجلسي رحمه الله تعالى ـ في الشرح ـ:

"أي ليس المراد بالمؤمنين هنا ما يقابل الكافر ليشمل كلّ مؤمن، بل المراد بهم الكمّل من المؤمنين وهم المأمونون عن الخطأ المعصومون

____________

1 ـ نقلاً عن مرآة العقول: ج 5، ص 58.

2 ـ التوبة (9): الآية 40.

3 ـ الكافي: ج 1، ص 424 الرقم 62.


الصفحة 87

عن الزلل وهم الأئمة عليهم السلام"(1).

وقسم منها وردت في مقام تحديد الآيات القرآنية:

كما رواه الكليني باسناده عن هشام بن سالم (أو هارون بن مسلم ـ كما في بعض النسخ) عن أبي عبد الله عليه السلام: قال:

"إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية"(2).

جاءت الرواية في بعض نسخ الكافي سبعة الاف(3) وتكون الرواية حينئد في مقام بيان الكثرة والتقريب لا تحقيق العدد لأنّ عدد آي القرآن بين الستة والسبعة آلاف(4).

وأرى أنـّه لا يمكن إطلاقاً الالتزام بمفاد هذا الحديث ـ القائل بأنّ في القرآن سبعة عشر ألف آية ـ والذي يقتضي وقوع التّحريف في القرآن بالنقيصة، والدليل على ذلك أنّ طريقة الأئمة الطاهرين عليهم السلام مشهودة للجميع، فإنّهم لا يتكلمون عن أمر عظيم ـ وهو تحريف القرآن ـ بشكل مبهم بدون ذكر دليله وبيان

____________

1 ـ مرآة العقول: ج 5، ص 79.

2 ـ الكافي: ج 2، ص 634، رقم 28.

3 ـ من جملة نسخ الكافي نسخة عند المرحوم المحدث الفيض الكاشاني، والتي كتب الوافي بموجبها شرحاً للكافي، فقد أخرج المحدث المذكور ذاك الحديث هكذا: "ان القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم سبعة آلاف آية" الوافي: ج 1، ص 274 وأيضاً رواه في هامش تفسيره المسمى "بتفسير الصافي" عن الكافي بلفظ "سبعة آلاف" الصافي: ج 1، ص 49.

ويرى العلماء الكبار أن نسخ الكافي التي عند الفيض الكاشاني هي أصح وأكثر اتقاناً من غيرها. راجع مقدمة الوافي بقلم العلامة أبي الحسن الشعراني: ج 1، ص 2.

4 ـ وقد جزم العلامة أبو الحسن الشعراني في تعليقه على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني بان لفظة "عشر" من زيادة النساخ أو الرواة والأصل هي سبعة آلاف عدداً تقريبياً ينطبق مع الواقع نوعاً ما... انظر: شرح جامع: ج 11، ص 76.


الصفحة 88
أحد مصاديقه في الاقل، وإلاّ لأوقعونا في حيرة كبيرة.

ونحن نتحداكم ان تأتوا برواية من أىّ مصدر من مصادر الشيعة المعتبرة وغير المعتبرة تثبت أنّ القرآن الموجود قد حذفت منه آية بتمامها ـ سوى بضع روايات تسربت من كتب أهل السنة في بعض مصادر الشيعة ـ حتى يكون ذلك مصداقاً لحذف ما يقارب ثلثي القرآن، بل انّ كلّ روايات هذا الباب، كما لاحظنا في الطوائف المختلفة من الرّوايات، إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على حذف كلمات أو حروف من الآية، لا حذف آية أو آيات بتمامها، وتلك الرّوايات أيضاً مع التنبّه إلى أدلّة صيانة القرآن عن التّحريف، والشواهد والقرائن الداخلية والخارجية تعتبر من جنس المصداق، أو بيان سبب النزول أو التأويل أو التنزيل (أي شرح المراد) أو القراءات وغير ذلك.

ثم كيف يمكن الاعتماد على خبر الواحد في اثبات نقص اكثر من عشرة آلاف آية من القرآن الكريم بدون اثبات ولو مصداق واحد من هذا النقص(1)، وعدم وجود مصداق واحد من هذا النقص خير شاهد على أن نحكم بوضع هذا الخبر أو خطأ الراوي. وعلى فرض صحة صدوره وعدم خطأ الراوي فإنّ الإمام الصادق عليه السلام في مقام تحديد كل ما نزل من الله من الوحي القرآني وغير القرآني، وهذا ما احتمله أيضاً الشيخ أبو جعفر الصدوق، إذ قال في رسالة "الاعتقادات":

"اعتقادنا أن القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس وليس بأكثر

____________

1 ـ يمكن القول بأن آيات سورة "الولاية" المزعومة يمكن أن تكون مصداقاً لتلك الآيات المحذوفة، وسيأتي بحث ذلك مفصلاً في المقام الثاني وأنّ هذه السورة لم ترد في أيٍّ من المصادر الشيعية ـ المعتبرة وغير المعتبرة ـ وأول من افترى على الشيعة ونسب ذلك إلى مصادرهم هو الآلوسي صاحب تفسير "روح المعاني".


الصفحة 89

من ذلك... ومن نسب إلينا أنـّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب... بل نقول انه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية وذلك مثل قول جبرائيل للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ان الله تعالى يقول لك يا محمّد، دارِ خلقي و... ومثل ذلك كثير، كله وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به موصلاً إليه غير مفصول عنه..."(1).

ومن هنا نقول: كان بعض أهل السنّة ابتدع نظرية "نسخ التلاوة" لتوجيه رواياتهم، لأنّ رواياتهم في هذا المجال تتفاوت جوهرياً مع روايات الشيعة، فروايات أهل السنة فيها ـ وبشكل صريح ـ آيات مزعومة، تقول بأنّها كانت آيات قرآنية ولكن نسيت بعد ذلك أو نسخت!! بينما روايات الشيعة ـ وكما رأيت ـ تتحدث فقط عن حذف كلمات وحروف، وعلى فرض صدورها فبعضها قابلة للحمل على التفسير والتأويل والمصداق والخ.

فالحاصل يعتقد المحققون من الإمامية أنـّنا لو تأملنا نصوص تلك الروايات، لتبيّن بشكل جيد أنّ أكثرها وردت في المجالات الآتية: التفسير، ذكر المصداق، بيان سبب النزول، الوحي غير القرآني (الأحاديث القدسية)، القراءات القرآنية الواردة، التحريف المعنوي (لا اللفظي الذي هو محل النزاع) والخ. ولو لم تكن تلك الروايات ـ بعد الفراغ عن صحة سندها ـ صالحة لحملها على المعاني المتقدمة، فهي ساقطة لا محالة، لمخالفتها للنصوص القرآنية الصريحة، والأدلّة الروائية، والأدلّة العقلية، والشواهد التاريخية، التي كلّها تدلّ على سلامة القرآن من التحريف، هذا، وإنّ الاضطراب في نصوص الروايات وعدم تجانسها مع عذوبة كلام الله وفخامته، خير شاهد على كونها غريبة عن الوحي القرآني.

____________

1 ـ الاعتقادات: ص 84.


الصفحة 90
نعم يحتمل أنّ الروايات الساقطة وجيهة في أصل صدورها ولها محامل مقبولة، لكن يحتمل أنّ الراوي قد غيّر فيها سهواً أو عمداً بحيث يجعل حملها على المحامل الصحيحة صعباً; فمثلا حينما قال الإمام نزلت هذه الآية في كذا أي شأن نزولها أو تفسيرها كذا، حذف الراوي كلمة "في" وقال نزلت الآية كذا.

هذا، والمعصومون عليهم السلام قد حدّدوا المعيار ووضعوا الميزان كي نقيس به صحيح الروايات من سقيمها، وهو عرضها على كتاب الله، وطرح ما خالف الكتاب منها; وهذا المعيار منقول لنا بشكل متواتر، الأمر الذي يتفرد به الشيعة، ويجعلهم بحمد الله مستغنين عن أىّ توجيه للرواية المخالفة للكتاب(1)، بخلاف بعض أهل السنة الذين اعتبروا المعيار المتقدم من وضع الزنادقة ـ كما رأيتم ـ، وهو مما يوجب انهم يلجأون إلى النظرية المزعومة "نسخ التلاوة"(2) ليصونوا كتبهم من الصحاح والسنن وغيرهما التي ذكر فيها تلك الروايات، أضف إلى ذلك كلّه أنّ أكثر تلك الروايات بل كثير منها ضعيفة السند، ومن اطّلع على أسانيدها لا يشكّ في عدم حجيتها، لأنّها من جهة الطرق أخبار آحاد، وإن كان بعض العلماء يعبرون عنها بقولهم: "إنّها كثيرة أو متواترة معنى"(3) إلاّ أنـّهم لم يريدوا خصوص روايات التحريف بالمعنى المراد ـ هنا ـ أي التحريف بالنقيصة وتغيير كلمات القرآن ـ بل أرادوا بهذا القول ما يعم الاختلاف في القراءة والتحريف المعنوي ـ المساوق للتفسير بالرأي ـ، والمخالفة في تأليف الآيات من حيث التقديم والتأخير و... وواضح أنّ هذا المعنى من التحريف أعم من المدّعى، وهذه النكتة ستأتي إن شاء الله بتفصيل أكثر مع ذكر القرائن والشواهد.

____________

1 ـ كما لاحظت وستلاحظ فإنّ محققي الإمامية يطرحون أمثال تلك الأحاديث عند عدم امكان حملها على المعاني المتقدمة.

2 ـ وسيأتي البحث حول نظرية "نسخ التلاوة" مفصّلا.

3 ـ كالمجلسي في مرآة العقول: ج 12، ص 526.


الصفحة 91
ومن جهة السند أنّ أكثر تلك الروايات مرسلة أو موضوعة، ورواتها بين ضعفاء وغلاة ومجاهيل، ومع التتبع يتضح أيضاً أنّ أكثر الروايات المرسلة هي نفس الروايات المسندة بإسناد ضعيف لا غير، وهذا يعني قلّة عدد هذه الروايات في الواقع، غاية الأمر أنـّها مكررة مرّة بإسناد ضعيف وأخرى بدونه.

ومن جهة المصادر أنّ أكثر مصادر تلك الروايات غير معتبرة عند الإمامية فبعض تلك المصادر لا يعلم مؤلفها وبعضها مقطوع الإسناد وسنوافيك إن شاء الله في بحثنا القادم حول كتاب فصل الخطاب بالمزيد من التوضيحات حول هذه الروايات، وذلك لأنّ كتاب فصل الخطاب للمحدث النوري في الواقع مجمع كل تلك الأحاديث الواردة في هذا المضمار وقد استلّها من مصادر كثيرة شتّى.

*  *  *


الصفحة 92

الصفحة 93

الفصل الثالث
كتاب "فصل الخطاب" ونقاط مهمة

"فصل الخطاب" في سطور

يشتمل كتاب "فصل الخطاب" لمؤلفه الميرزا حسين النوري (ت 1320 هـ.) على ثلاث مقدمات وبابين، وقد تحدث النوري في المقدمة الأولى عن النصوص الواردة في جمع [تأليف] القرآن، وأن هذا الجمع مخالف لتأليف مصحف الإمام علىّ، كما تحدّث في المقدمة الثانية عن أنواع التغيير في القرآن سواء في ذلك الممكن تحققه أو الممتنع كذلك، أما المقدمة الثالثة فذكر الميرزا النوري فيها جملة من أقوال علماء الشيعة الواردة حول مسألة تغيير القرآن وعدمه.

وعقيب المقدمات الثلاث خصص النوري الباب الأول من كتابه لعرض الأدلّة المزعومة ـ وهي اثنا عشر دليلا ـ لإثبات ما توهمه من وقوع التغيير والنقصان في القرآن الكريم، فيما ركز في الباب الثاني جهوده على مناقشة أدلة القائلين بسلامة القرآن عن التحريف بعد ذكرها دليلا دليلا.

وقد أورد المحدث النوري في كتابه هذا نصوصاً عديدة من كتب الفريقين الشيعة

الصفحة 94
والسنة وذكر جملة من الروايات المشتركة، كروايات تشابه الأمم، ومصحف الإمام علىّ وغيرهما، وسجّل في هذا الكتاب نصوصاً اختصت بها مصادر أهل السنة كمصحف ابن مسعود، ومصحف أبي بن كعب، والنصوص المتعلقة بكيفية جمع القرآن بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم، ونظرية نسخ التلاوة، وجمع عثمان، واختلاف القراء السبعة أو العشرة، والأخبار الدالة ـ وفق ظاهرها ـ على وقوع التحريف... كما تعرض من جهة أخرى لمجموعة من النصوص التي اختصت بها من ناحية أخرى مصادر الشيعة من قبيل النصوص التي تذكر أسماء أوصياء خاتم النبيين في الكتب السالفة، والأخبار الدالة على وقوع النقصان والتبديل في القرآن إما بعمومها أو بدلالة نصية صريحة فيها تحدد الموضع الذي وقع فيه التحريف في القرآن الكريم.

وقد انتخب النوري في كتابه طريقاً لم يسلكه غيره من العلماء، ولذلك لما رأى انفراده بهذه المزعومات قال:

"فالمتبع هو الدليل وإن لم يذهب إليه إلاّ القليل... ولا يجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهبين إليه، والعاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه..."(1).

بيد أن هذا الكلام منه قابل للمناقشة فكتابه محشو بالروايات الضعيفة وبتلك المصادر التي لا إسناد لها في الغالب، ومن ثمّ فلا معنى لقوله "فالمتبع هو الدليل".

نعم، إذا بنينا على اتباع الدليل الواقعي فالواجب علينا اتباع أدلة القائلين بعدم وقوع التحريف في القرآن; أي تلك الأدلة التي ذكرها المحدث النوري نفسه أيضاً في الباب الثاني من كتابه ووقف عاجزاً عن الإجابة عنها لقوتها ومتانتها، وكل ما قاله في نقد هذه الأدلة المتينة ليس له قيمة علمية، بل إنّ كلامه يناقض بعضه بعضاً كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى في النقاط الآتية:

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 35.