"وكذا لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها... فإنّه لو كان ذلك لتواتر نقله لتوفّر الدواعي عليه... ثم كيف يكون ذلك وكان المسلمون شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه..." |
ثم قال:
"فلا بدّ من تأويل هذه الأخبار بأحد وجوه: النقص في اصله قبل النزول بمعنى أنه كان مقدراً ولم ينزل. النقص مما أنزل إلى السماء لا مما وصل إلى خاتم الانبياء صلّى الله عليه وآله. النقص في المعاني. إنّ الناقص من الأحاديث القدسية لا من الوحي القرآني. فأمّا ما كان للاعجاز وشاع في الحجاز وغير الحجاز فهو مقصور على ما اشتهر بين الناس لم يغيّره شيء من النقصان من زمن النبىّ صلّى الله عليه وآله إلى هذا الزمان"(1).
|
36 ـ السيد محسن الاعرجي الكاظمي (ت 1227 هـ.) قال:
"وإنّما الكلام في النقيصة، وبالجملة فالخلاف انما يعرف صريحاً من علي بن إبراهيم في تفسيره وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكاً بأخبار آحاد رواها المحدثون على غرّها..."(2).
|
37 ـ المحقق المتتبع السيد محمد جواد الحسيني العاملي (ت 1228 هـ.) قال بعد
____________
1 ـ كشف الغطاء: ص 277.
2 ـ شرح الوافية في علم الاصول، مخطوط نقلاً عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 26.
"والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن... فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شكّ في المقام"(1).
|
38 ـ السيد محمّد الطباطبائي (ت 1242 هـ.) قال:
"لا خلاف [في] أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه... لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً"(2).
|
39 ـ الشيخ إبراهيم الكلباسي (ت 1262 ق.) قال:
"إنّ النقصان في الكتاب ممّا لا أصل له..."(3).
|
40 ـ محمد صادق الموسوي الخوانساري (ت بعد 1294 هـ.) قال:
"القرآن محفوظ من تطرق التغيير والتحريف في كل عصر وزمان لأنّه تعالى ضمن بحفظه"(4).
|
41 ـ السيد حسن الكوه كمري (ت 1299 هـ.) قال:
"واستدل بعدم التحريف بأمور: الأصل (لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه)، الاجماع، منافاة التحريف لكون القرآن معجزاً، الآيات القرآنية، أخبار الثقلين والأخبار الناطقة بالأمر بأخذ هذا القرآن"(5).
|
____________
1 ـ مفتاح الكرامة: ج 2، ص 290.
2 ـ مفاتيح الاصول، مبحث حجية ظواهر الكتاب، عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 26.
3 ـ اشارات الأصول، نقلا عن التحقيق في نفي التحريف: ص 26.
4 ـ ضياء التفاسير: ج 1، ص 465.
5 ـ بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول، نقلا عن التحقيق في نفي التحريف: ص 27.
"اختلفوا في وقوع التحريف في القرآن... وعدم التحريف أقوم في البين بلا شين ومين... ولا ريب أنّ الكثرة في الأخبار [الدالّة بظاهرها على التحريف] مع إعراض الأحبار الأخيار الأصحاب الأبرار مع اطلاعهم على تلك الآثار يعرب عن منقصة وقصور وفتور في تلك الأخبار ولا يحصل منها الظنّ والاعتبار"(1).
|
43 ـ المحقق التبريزي (ت 1307 هـ.) قال:
"القول بالتحريف هو مذهب بعض الأخباريين والحشوية خلافاً لأصحاب الأصول الذين رفضوا احتمال التحريف في القرآن رفضاً قاطعاً وهو الحق للوجوه التالية"(2).
|
ثمّ استدل رحمه الله بالآيات والعقل والاجماع ثمّ ذكر وجوهاً لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف(3).
44 ـ الشيخ محمد حسن الآشتياني (1319 هـ.) قال:
"المشهور بين المجتهدين والأصوليين، بل أكثر المحدثين، عدم وقوع التغيير في القرآن مطلقاً بل ادعى غير واحد الاجماع على ذلك وهو القول المختار"(4).
|
45 ـ الشيخ العلامة محمّد جواد البلاغي النجفي (ت 1352 هـ.) لقد سبق شطر من كلامه في أسانيد روايات التّحريف ثم قال رحمه الله:
____________
1 ـ توشيح التفسير في قواعد التفسير والتأويل: ص 4 ـ 5.
2 ـ أوثق الوسائل بشرح الرسائل: ص 91.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ بحر الفوائد في حاشية الفرائد، مبحث حجية ظواهر الكتاب: ص 99.
"... ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الرّوايات المتعددة أن ننزلها على أنّ مضامينها تفسير للآيات أو تأويل أو بيان لما يعلم يقيناً شمول عموماتها له لانه أظهر الافراد وأحقّها بحكم العام. أو كان مورداً بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل. أو كان هو المورد للنزول. أو كان هو المراد من اللفظ المبهم. وعلى أحد الوجوه الثلاثة الاخيرة يحمل ما ورد فيها أنه تنزيل وأنه نزل به جبرئيل كما يشهد به نفس الجمع بين الرّوايات كما يحمل التّحريف فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي ففيها: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده". وكما يحمل ما فيها على أنه كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام وابن مسعود وينزل على أنه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل..."(1).
|
46 ـ الشيخ العلامة محمّد حسين كاشف الغطاء (ت 1373 هـ.):
"... ومن ذهب منهم ـ أي من الشيعة ـ أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ بنصِّ الكتاب العظيم (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً فامّا أن تؤوّل بنحو من الاعتبار أو |
____________
1 ـ آلاء الرحمن: ص 26 ـ 27.
يضرب بها الجدار"(1).
|
47 ـ السيد محسن الأمين العاملي (ت 1371 هـ.) قال:
"لا يقول أحد من الإمامية لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلّهم، بل كلّهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقولهم من محققيهم متفقون على أنـّه لم ينقص منه..."(2).
|
48 ـ الشيخ محمد النهاوندي (ت 1371 هـ.) قال:
"الحق الذي لا ينبغي أن يعرض عنه هو أنّ جمع القرآن كان في عصر النبىّ وبأمره لشهادة الآثار وحكم العقل ومساعدة الاعتبار... وإنّ الكتاب كان جميعه مُعيناً معلوماً مشهوراً بين الأصحاب"(3).
|
49 ـ السيد شرف الدّين العاملي (ت 1377 هـ.):
"... ظواهر القرآن ـ فضلاً عن نصوصه ـ من أبلغ حجج الله تعالى وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم البداهة الاوّلية من مذهب الإمامية ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والاصول صريحة بما نقول، والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل |
____________
1 ـ أصل الشيعة وأصولها: ص 133.
2 ـ أعيان الشيعة: ج 1، ص 41.
3 ـ نفحات الرحمن: ج 1، ص 40.
تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوة..."(1).
|
50 ـ مير جعفر العلوي الحسيني (توفي بعد 1379 هـ.) قال ما معرّبه:
"هذا القرآن نفس الكتاب المنزل على رسول الله ولا يوجد فيه أىّ تغيير وتبديل حتى في حروفه ومن اعتقد بأنّ القرآن نقص منه أو زاد فيه فقوله مردود ولا يعتنى به"(2).
|
وكذلك غير هؤلاء من علماء الإمامية طيلة القرون كالعلامة الاميني "ره" في ردّ افتراءات ابن حزم(3) ومن بعدهم العلامة محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره القيّم الميزان حيث بحث مسألة تحريف القرآن بحثاً وافياً، ذكره في سبعة فصول في استدلال قوي وبرهان حكيم، لا يستغني الباحث عن الرجوع إليه(4). وقد أوردنا بعض كلامه في دليل الأحاديث على عدم التحريف.
وأخيراً: آية الله السيد الخوئي في كتابه القيم "البيان في تفسير القرآن"(5) الذي استفدنا من كلامه كثيراً ويأتي آنفاً حاصل كلامه في المقام إن شاء الله، والإمام الخميني في "تهذيب الاصول"(6) و"أنوار الهداية" حيث قال بعد الدرّاسة والتثبت في المسألة ما حاصله:
"عدم التحريف هو مذهب المحققين من علماء العامة والخاصة والمعتبرين من الفريقين... وفساد هذا القول القطيع والرأي الشنيع ـ |
____________
1 ـ الفصول المهمة: ص 162 وبمعناه في أجوبة مسائل جار الله: ص 28.
2 ـ كشف الحقائق عن نكت الآيات والدقائق: ج 4، ص 80.
3 ـ الغدير: ج 3، ص 101. وسيأتي تفصيل كلامه في مبحث "الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين".
4 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 104 ـ 133.
5 - البيان في تفسير القرآن: ص 197 وما بعدها 6 ـ تهذيب الاصول: ج 2، ص 165.
أي القول بالتحريف ـ أوضح من أن يخفى على ذو مسكة..."(1).
|
والسيد العسكري في "القرآن الكريم وروايات المدرستين"(2) والاستاذ الشيخ محمّد هادي معرفة في "صيانة القرآن عن التّحريف" والسيد جعفر مرتضى العاملي في "حقائق هامة حول القرآن الكريم" والسيد علي الميلاني في "التحقيق في نفي التّحريف" والشيخ علي الكوراني في "تدوين القرآن" وغير ذلك.
هذا غيض من فيض من آراء ونظرات كبار علماء الإمامية الذين بحثوا تلك الرّوايات بحثاً وافياً صائباً وهؤلاء في الحقيقة، يمثلون وجهة نظر الإمامية بشكل عام في تلك المسألة.
نعم يوجد في مقابل هؤلاء ثلة قليلة من علماء الإمامية ممن اعتمد على ظاهر بعض الرّوايات ولكن رأي هؤلاء لا يعبأ به ولا يمثل رأي الإمامية في مسألة التّحريف.
ونحن ـ في نهاية المطاف ـ نحذو حذو السيد الخوئي، فإنّه رحمه الله بعد سرد ادلّة صيانة القرآن عن التّحريف والدرّاسة والتثبت في روايات التّحريف قال:
"ومما ذكرناه قد تبين للقارىء أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ولا يقول به إلاّ من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حبّ القول به والحب يعمي ويصم وأمّا العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته"(3).
|
هذا، وهناك نكتة أخرى ينبغي التذكير بها في ختام هذا الفصل، وهي أنـّه من المعلوم لدى كل منصف أنّ أصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور كان قصدهم
____________
1 ـ أنوار الهداية: ص 243 ـ 247.
2 ـ القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 2، ص 22 وما بعدها.
3 ـ البيان: ص 259.
"يقول (أي السيد الخوئي): بأنّ القول بعدم التّحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم في حين ان مذهب جملة من اساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني والقمي والطبرسي صاحب الاحتجاج وغيرهم من رؤوس هذا الكفر وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم أليس هذا خداعاً"(2).
|
إنّ كتاب الكليني (يعني الكافي) هو كتاب حديثىّ، وكتاب القمي هو كتاب للتفسير بالمأثور، والاحتجاج كتاب حديثي أيضاً، ولو بنينا نحن على مبنى الدكتور القفاري ـ البعيد عن الانصاف ـ القاضي بأنّ كلّ من يورد في كتابه أحاديث تقول بتحريف القرآن فهو متهم بالكفر، وبالتالي فانّ السيد الخوئي يعتبر ـ بقول الدكتور
____________
1 ـ لأنهم اعتنوا بفقه نصوص الأحاديث من نواحي معانيها ولغتها وحكم العقل والشرع فيها وتعارضها مع غيرها من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار، ومن ثم استشكلوا كثيراً من الأحاديث حتى صحيحة الأسانيد، فكم من حديث ليس في اسناده الاّ ثقة ثبت وهو معلول واه عند التحقيق.
2 ـ اصول مذهب الشيعة...: ص 1054 ـ 1055. وفي الأصل "خداع" وهو خطأ.
وفيما يلي وهو الفصل الخامس نستعرض بعض الرّوايات من كتب أهل السنة في خصوص مسألة التّحريف.
الفصل الخامس
دراسة أحاديث تحريف القرآن في كتب أهل السنة
المدخل
أرى أنّ ذكر هذه الرّوايات ضروري من عدّة جهات:
1 ـ لو أجرينا موازنة بين الآيات القرآنية ومضامين تلك الرّوايات لظهر لنا جلياً سموّ وعلوّ القرآن على تلك الرّوايات، وارتقاؤه عليها، وظهر لنا أن أيّاً من مضامين تلك الرّوايات ومعانيها لا يمكن ان يقابل القرآن الكريم، وذلك لوجود اضطراب واضح في نصوصها وخلوها من الفخامة والعذوبة التي تتجلى في القرآن وهذا ما يؤدي إلى تمييز كل ما هو من غير القرآن وإسقاطه.
2 ـ انّ ذكر هذه الرّوايات وموازنتها مع روايات الشيعة، تجعلنا ندرك الأمر جيداً ونحيط به بشكل أعمق، وخصوصاً فيما يرتبط بنظرية "نسخ التلاوة" و"الإنساء" الذي هو الجواب العامّ الذي يجيب به أكثر علماء أهل السنّة، والذي يعتبر محلّ انكار وردّ من قبل أكابر علماء الإمامية وبعض أهل السنّة أنفسهم أيضاً. وسيتضح لك ذلك لاحقاً إن شاء الله.
فمثلاً نجد الدكتور القفاري يفرّق بين مضامين تلك الرّوايات الموجودة في كتب أهل السنة ومضامينها في كتب الشيعة، بأنّ ما في كتبهم يعدّ من قبيل "القراءة الواردة" أو "نسخ التلاوة" وكلاهما من الله عزّ وجلّ بخلاف روايات الإمامية حيث يقول:
"فلا تكاد تقرأ كتاباً من كتب هذه الطائفة (أي الشيعة) ويأتي الحديث عن هذه الفرية (التّحريف) إلاّ وتجدهم يبررون ما شاع من أساطير في كتبهم بالأخبار المنسوخة عند أهل السنة ولا شك في ان حجتهم داحضة، ذلك ان النسخ من الله سبحانه قال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) اما التّحريف فمن فعل البشر وشتان بين هذا وذاك... فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف؟ ان ذلك الاّ ضلال مبين وكيد معتمد"(1).
|
ويضيف قائلاً:
"لعله من الممكن لو كان لهؤلاء أرادة خير لمذهبهم واتباعهم ان يحملوا ذلك على منسوخ التلاوة... ولكن شيخ الشيعة اليوم "الخوئي" مرجعها الأكبر ـ وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن ـ يرى ان القول بنسخ التلاوة هو قول بالتحريف وكأنّه أراد أن يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتو عقيدة في نفسه يكاد يخفيها"(2).
|
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1119 ـ 1120.
2 ـ نفس المصدر: ص 248 و1040 و1053.
لا يخفى أنّ الدكتور القفاري لم يأت ابداً بالدليل الذي ساقه السيد الخوئي (قده) على أنّ نسخ التلاوة هو عين القول بالتحريف كي يحكم القارىء بنفسه على ذلك، بل بدلاً من الإتيان بدليل السيد الخوئي (قده) وابطاله بالطريق العلمي لجأ إلى الفاظ بذيئة واتهامات فارغة. وسترى قريباً دليل السيد الخوئي (قده) وردّه وابطاله على أهل السنة من مصادرهم فيما يخص نظريتهم في "نسخ التلاوة".
مضامين روايات تحريف القرآن في كتب أهل السنة
ويمكن تقسيم روايات أهل السنّة في هذا المجال إلى عدّة طوائف:
الطائفة الاولى: الرّوايات التي تدل على وجود اللحن والخطأ في القرآن الكريم.
الطائفة الثانية: الرّوايات التي تدل على نقصان كلمات أو حذفها أو تبديلها في المصحف الموجود.
الطائفة الثالثة: الرّوايات التي تدل على التّحريف بالزيادة من السور والآيات والكلمات في المصحف الموجود.
الطائفة الرابعة: الرّوايات التي تدل على إلقاء الشيطان بعض الآيات ونسخها فيما بعد من الله.
الطائفة الخامسة: الرّوايات الكثيرة التي تدل على التّحريف بالنقيصة من السور والآيات.
الطائفة السادسة: الرّوايات التي تدل على تغيير بعض الكلمات في المصحف الموجود من قبل بعض الحكّام.
انّ هذه الرّوايات غير الرّوايات التي أوردها أهل السنة في مسألة نزول القرآن على سبعة أحرف يوجد في ألفاظها تهافت، وفي مفادها ومعناها اختلاف كبير جدّاً، ويتّضح بطلانها عند التحقيق فيها(1)، هذا وغير الرّوايات التي أوردوها في مسألة جمع القرآن في عصر الخلفاء; وهي الرّوايات التي يوجد فيها تناقض واضطراب وتعارض مع القرآن وحكم العقل والاجماع، ولمزيد من التفصيل في ذلك راجع كتاب "البيان في تفسير القرآن" لأننا لو أردنا الدخول في بيان هذا المطلب لاحتجنا إلى مجال أكبر، وخرجنا عن أصل البحث.
____________
1 ـ انظر البيان في تفسير القرآن: ص 171 وما بعدها، ونزول قرآن ورؤياى هفت حرف (نزول القرآن ورؤيا السبعة أحرف).
الطائفة الأولى: وجود اللحن والخطأ في القرآن الكريم
توجد الروايات التي تدلّ على وجود اللحن والخطأ في القرآن وهو يوجب نوعاً من التبديل في ألفاظه وهذا لا يرضى به أحد.
عن ابن سلاّم بسنده عن ابن عروة عن ابيه قال:
"قد سألت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى (إنْ هذانِ لَساحران)(1) وقوله عزّ وجلّ (والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكاة)(2)و(ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)(3). فقالت: هذا من عمل الكتّاب، اخطأوا في الكتاب"(4).
|
وقال ابن الخطيب:
"وقد ورد هذا الحديث بمعناه باسناد صحيح على شرط الشيخين"(5).
|
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي خلف مولى بني جمح أنـّه دخل على عائشة، فقال: "جئت أسألك عن آية في كتاب الله كيف يقرؤها رسول الله صلّى الله
____________
1 ـ سورة طه (20): الآية 62.
2 ـ سورة النساء (4): الآية 162.
3 ـ سورة المائدة (5): الآية 69.
4 ـ فضائل القرآن: ص 161 ـ 164 لابي عبيد القاسم بن سلاّم (وهو الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه صاحب المصنفات (ت: 224 هـ.). انظر: تذكرة الحفاظ: ص 417.) وتاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص 1014 ومحاضرات الادباء، للراغب الاصبهاني: ج 2، ص 435، وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره: "والصابئون قراءة السبعة بالواو وهي مشكلة، حتى قالت عايشة: هي من لحن كتّاب المصحف". (وابن جزي الكلبي المالكي وصفه الداودي في طبقات المفسرين: ج 1، ص 101 بقوله: كان شيخاً جليلاً ورعاً زاهداً عابداً متقلّلاً من الدنيا وكان فقيهاً مفسّراً وله تفسير القرآن العزيز، توّفي في حدود العشرين وستمائة.) وقال الخطيب الشربيني في تفسيره، مثله. انظر: السراج المنير: ج 1، ص 345، (وهو محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي المفسّر، توفي سنة 977، له ترجمة في الشذرات: ج 8، ص 384) وهما أوردا تلك الأحاديث من غير جواب أو تأويل.
5 ـ الفرقان: ص 42.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: (...حتّى تستأنسوا وتسلّموا...) قال: "انما هي خطأ من الكتّاب، حتّى تستأذنوا وتسلّموا"(2).
وعنه في قوله تعالى: (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله...) قال: "أظن الكاتب كتبها وهو ناعس"(3).
وفي الدّر المنثور: أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة...)قال: هي خطأ من الكاتب وفي قراءة ابن مسعود: ميثاق الذين اوتوا الكتاب وأخرج ابن جرير عن الربيع أنه قرأ: "واذ أخذ الله ميثاق الذين اُوتوا الكتاب". قال: وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب(4). واذعن سعيد بن جبير وأبان بن عثمان و... بوجود لحن في موارد أُخر(5).
وروي عن عثمان انه نظر في المصحف، فقال: "أرى فيه لحناً وستقيمه العرب
____________
1 ـ مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 95، والآية 60 من سورة المؤمنون (23).
2 ـ جامع البيان: ج 18، ص 87 والمستدرك للحاكم (وصححه على شرط الشيخين): ج 2، ص 396 والإتقان: ج 1، ص 36، والآية 27 من سورة النور (24).
3 ـ الإتقان: ج 1، ص 316 والآية 32 من سورة الرعد (13). قال ابن حجر: "هذا الحديث رواه الطبري باسناد صحيح، كلهم من رجال البخاري" انظر: فتح الباري: ج 8، ص 282.
4 ـ الدّر المنثور: ج 2، ص 47 والآية 81 من سورة آل عمران (3).
5 ـ راجع الإتقان: ج 1، ص 316 وما بعدها.
ولعله لرسوخ تلك التهمة الباطلة وهي وجود اللحن في القرآن ـ في أذهان البعض ساغ لبعضهم الاجتهاد في مقابل النص القرآني كالضحاك بن مزاحم حيث قيل في قوله تعالى: (وقضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً)، إنّ الذي أنزل على لسان النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم "ووصّى ربك..." غير أن الكاتب استمدّ مداداً كثيراً فالتزقت الواو بالصاد(2)... قال الضحاك:
"ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد، ومثله عن ابن عباس فيما نسب إليه"(3).
|
الطائفة الثانية: نقصان الكلمات وحذفها وتبديلها في القرآن
فمن النقيصة ما في صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس أنـّه قرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ـ ولا محدّث ـ إلاّ إذا تمنّى...)(4).
وفي سنن النسائي والمصاحف لابن أبي داود، عن أبي ادريس الخولاني قال:
"كان اُبيّ يقرأ: (اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ـ ولو حميتم كما حموا أنفسهم لفسد المسجد الحرام ـ فانزل الله سكينته |
____________
1 ـ التفسير الكبير: ج 22، ص 74 وانظر أيضاً: تاريخ المدينة المنورة: ج 2، ص 1013.
2 ـ معالم التنزيل: ج 3، ص 110، والآية 23 من سورة الاسراء (17).
3 ـ الاتقان: ج 1، ص 185.
ولكنه نظر فاسد لان القضاء على نحوين، قضاء تكوين وقضاء تشريع فالذي لايمكن ردّه هو قضاء في التكوين: (وإذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون)البقرة: 117. وامّا القضاء التشريعي فهو عبارة عن التكليف أمراً ونهياً، بعثاً وزجراً، والعباد مختارون في الاطاعة والعصيان، قال تعالى: (إذا قضى الله ورسوله أمراً...) أي حكم حكماً إلزامياً باتّاً.
4 ـ صحيح البخاري مع فتح الباري: ج 7، ص 51 وقال ابن حجر "اسناده صحيح" والدرّ المنثور: ج 6، ص 65 والآية 52 من سورة الحج (22).