بالتواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه؟!"(1) |
وقال ابن كثير في (... حتى تسأنسوا...) بعد نقل قول ابن عباس:
"وهذا غريب جدّاً عن ابن عباس"(2).
|
ومثله عن الخازن في تفسيره(3)، وقال ابن الأنباري:
"وما روي عن عثمان لا يصح لأنّه غير متصل ومحال أن يؤخِّر عثمان شيئاً فاسداً ليصلحه غيره..."(4).
|
وقال الآلوسي في (والمقيمين):
"ولا يلتفت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن... وأمّا ما روي عن عثمان... فقد قال السخاوي: إنّه ضعيف والإسناد فيه اضطراب وانقطاع."(5) |
وقال الطبري بعد ذكر مختاره:
"وإنّما اخترنا هذا على غيره; لأنّه قد ذكر أنّ ذلك في قراءة أُبي بن كعب (والمقيمين) وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا... مع أنّ ذلك لو كان خطأ من جهة الخطّ لم يكن الذين اُخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلِّمون من عَلّموا ذلك من المسلمين على وجه اللّحن... وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك ـ قراءة على ما هو به في الخط مرسوماً ـ أدلّ دليل على صحة ذلك وصوابه وأن لا صنع في |
____________
1 ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان: هامش تفسير الطبري: ج 6، ص 23.
2 ـ تفسير القرآن العظيم: ج 3، ص 280.
3 ـ تفسير الخازن: ج 1، ص 422.
4 ـ عن فتح البيان: ج 6، ص 407 ـ 408.
5 ـ روح المعاني: ج 6، ص 13 ـ 14.
ذلك للكتّاب"(1).
|
وقال الداني بعد ما روى عن عثمان:
"هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من جهتين..." ثم بدأ بتأويل الرواية وقال: "أراد عثمان باللّحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم"(2).
|
وقال الزمخشري:
"(المقيمين) نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خطّ المصحف..."(3).
|
وقال في الآية(... حتى تستأنسوا...) بعد نقل الرّواية عن ابن عبّاس فيها:
"ولا يعوّل على هذه الرواية"(4).
|
هذه هي كلماتهم في ردّ تلك الأساطير، وفي "الإتقان" عن ابن الانباري أنـّه جنح إلى تضعيف هذه الرّوايات(5)، وعليه الباقلاني في "نكت الانتصار"(6)وجماعة.
وجماعة ذهبوا إلى أبعد من كل هذا، وقالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها من قبل أعداء الإسلام...
____________
1 ـ جامع البيان: ج 6، ص 19.
2 ـ تاريخ القرآن لمحمد طاهر الكردي: ص 65.
3 ـ الكشاف: ج 1، ص 582.
4 ـ نفس المصدر: ج 3، ص 59.
5 ـ الإتقان: ج 2، ص 329.
6 ـ نكت الانتصار: ص 127.
"... ما أرى مثل هذه الرّوايات إلاّ من كيد الزنادقة..."(2).
|
ويقول أبو حيّان الأندلسي:
"ومن روى عن ابن عباس... وانه قرأ (حتّى تستأذنوا) فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين وابن عباس بريء من هذا القول"(3).
|
ومثل هذا الموقف قاله بعض العلماء المعاصرين كصاحب المنار(4) ومحمّد أبو زهرة(5).
هذا وقد اغتاظ من هذا الموقف جماعة واستنكروه بشدّة... ومن أشهرهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي تحامل على الزمخشري ومن كان على رأيه قائلاً بعد الحديث عن ابن عباس ـ كتبها وهو ناعس:
"وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتدّ انكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال: ـ وهي والله فرية بلا مرية وتبعه جماعة بعده، والله المستعان. وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى: (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه) أخرجه سعيد ابن منصور باسناد جيّد عنه، وهذه الأشياء ـ وإن كان غيرها المعتمد ـ لكنّ تكذيب المنقول بعد صحّته |
____________
1 ـ وهو الحافظ أبو عبد الله محمّد بن علي، صاحب التصانيف، من ائمة علم الحديث، له ترجمة في تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 645 وغيرها.
2 ـ نوادر الاصول: ص 386.
3 ـ البحر المحيط: ج 6، ص 445.
4 ـ المنار: ج 6، ص 64 و478.
5 ـ المعجزة الكبرى: ص 43 واستشهد بكلام الرافعي القائل: "... نحسب أن أكثر هذا ممّا افترته الملحدة".
ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق"(1).
|
لكن ابن حجر وهو بصدد الدفاع عن هذه الأحاديث لم يذكر أىّ تأويل لائق على حدّ تعبيره!!(2)
____________
1 ـ فتح الباري: ج 8، ص 301.
2 ـ انظر: التحقيق في نفي التّحريف: ص 228 وما بعدها.
ب: الجواب عن روايات التّحريف بالزيادة
اختلف العلماء من أهل السنّة في حديث إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين ففي الإتقان، عن الفخر الرازي:
"نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنّا إن قلنا إنّ النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصّحابة يكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان فيلزم أنّ القرآن ليس بمتواتر في الأصل، قال: والأغلب على الظن أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة. وعن القاضي أبي بكر: "لا يصحُّ عنه ـ أي ابن مسعود ـ أنها ليست من القرآن ولا حفظ عنه". وعن النَّووي في شرح المهذّب: "أجمع المسلمون على أنَّ المعوذتين والفاتحة من القرآن، ومن جحد منها شيئاً كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح" وقال ابن حزم: "هذا كذب على ابن مسعود وموضوع..."(1).
|
وقال الباقلاني في ذلك:
"أمّا دعوى من ادّعى أن ابن مسعود أنكر أن تكون المعوذتان قرآناً منزلاً وجحد ذلك، فإنّها دعوى تدل على جهل من ظنَّ صحتها وغباوته وشدة بُعده عن التحصيل..."(2).
|
لكن ابن حجر استنكر هذا الموقف وردّه بشدة حيث قال في شرح البخاري:
"قد صح عن ابن مسعود انكار ذلك وبعد سرد الرّوايات قال: فقول |
____________
1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 79 ـ 80.
2 ـ عن حاشية "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة: ص 43.
من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الرّوايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرّوايات صحيحة والتأويل محتمل... ثم ذكر تأويل القاضي وغيره في هذا المجال مع اشكال وجواب"(1).
|
وبعد تنازع أهل السنّة في سند حديث انكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين بين كذب موضوع وصحيح مقبول، تنازعوا في تأويل هذا الانكار، فقال القاضي أبو بكر:
"... إنّما حكها واسقطها من مصحفه انكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً..." |
ثم قال ابن حجر بعد ذكر تأويل القاضي:
"هو تأويل حسن إلاّ أنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها; ويقول: انهما ليستا من كتاب الله، قال ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتم التأويل المذكور، لكن قال: من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع قال: وقد أجاب ابن الصبّاغ... انهما كانتا متواترتين في عصره لكنهما لم يتواترا عنده"(2).
|
وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن:
"... ظن ابن مسعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن; لأنّه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يعوذ بهما الحسن والحسين(3)... فأقامه على ظنّه ولا نقول: إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار...، وأمّا |
____________
1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.
2 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.
3 ـ أخرجه البخاري في كتاب الانبياء: باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً): ج 6، ص 292 ـ 293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: ج 4، ص 2080 ـ 2081.
إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أنـّها ليست من القرآن معاذ الله... ولكنّه ذهب إلى أنّ القرآن انما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الفاتحة لقصرها... ووجوب تعلمها على كلِّ أحد"(1).
|
____________
1 ـ تأويل مشكل القرآن: ص 42 ـ 49 وعنه في جامع الأحكام للقرطبي: ج 20، ص 251 والإتقان للسيوطي: ج 1، ص 80.
ج: الجواب عن روايات إلقاء الشيطان في الوحي
فبعضهم ردّ الاُسطورة وحكم بضعف إسنادها:
ومن هؤلاء: "القاضي عياض" قال:
"إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواهُ ثقة بسند سليم متصل وإنّما اُولِعَ به وبمثله المفسرون والمؤرّخون المولعون بكلّ غريب، المتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم..."(1).
|
ثمّ بحث القاضي عياض طرق هذا الحديث، وانتهى إلى أنّ اضطراب متنها وانقطاع سندها واختلاف كلماتها دليل على ضعف تلك الرّوايات.
وقال أبو جعفر النحاس: "الحديثان منقطعان"(2).
وبعضهم قَبِل تلك الاُسطورة وعزاها إلى المفسرين. كالشيخ عبد القادر أبي صالح الجيلاني قال:
"قال أهل التفسير... نعس النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فألقى الشيطان على لسانه: الغرانيق العلى عندها الشفاعة ترتجى يعني الأصنام ففرح المشركون بذلك"(3).
|
وممّن تابع عبد القادر الجيلاني في رأيه، الخفاجي في "نسيم الرياض" فهو لم يقبل قول القاضي عياض، وكذا أبو بكر بن العربي الذي يقول: "إنّ طرق هذا الحديث كلّها باطلة" يقول الخفاجي:
"فإنّ له طرقاً متعددة كثيرة متتابعة المخارج وكل ذلك يدل على أنّ له أصلاً، وقد ذكرنا له ثلاثة أسانيد منها ما هو على شرط |
____________
1 ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750.
2 ـ كتاب الناسخ والمنسوخ: ص 13.
3 ـ الغنية: ج 1، ص 195 ـ 196.
الصحيح..."(1).
|
وقد سار "ابن حجر" على هذه العقيدة فقال:
"... فإنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنّ لها أصلاً وقد ذكرت أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح... وإذا تقرر ذلك تعيّن تأويل ما وقع فيها ممّا يستنكر... فإنّ ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنّه يستحيل عليه صلّى الله عليه وسلّم ان يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك..."(2).
|
ثمّ ذكر محامل العلماء في هذه المسألة ـ وأورد بحث ونقد القاضي عياض ـ تلك المحامل التي لا تسمن ولا تغني من الحقّ شيئاً، ومن شاء فليرجع إلى فتح الباري(3).
وظاهر كلام ابن تيمية أنـّه قبل اُسطورة الغرانيق حيثُ قال ـ وهو بصدد معنى المحكم والنسخ من آيات القرآن ـ:
"فإنّ الكلام هنا فيما يلقي الشيطان ممّا نسخه الله ثم يحكم الله آياته، وجعل المحكم ضد الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان ولهذا قال طائفة من المفسرين المتقدمين: إنّ المحكم هو الناسخ والمتشابه هو المنسوخ أرادوا والله أعلم قوله: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته)(4)والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان لا رفع ما شرعه الله"(5).
|
____________
1 ـ نسيم الرياض: ج 4، ص 100.
2 ـ فتح الباري كتاب التفسير، تفسير سورة الحج: ج 8، ص 439.
3 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 439.
4 ـ سورة الحج (22): الآية 52.
5 ـ التفسير الكبير: ج 2، ص 90.
د: الجواب عن الرّوايات التي تدلُّ على التّحريف بالنقيصة
1 ـ البحث في أسانيد الأحاديث:
وهذه الأحاديث محلّ اختلاف وتنازع كثير جدّاً من ناحية السند; إذ إنّ بعض أهل السنّة يقول: إنّه من وضع الملاحدة واختلاقهم في كتب أهل السنة، وبعض آخر حكموا بصحة تلك الرّوايات وجلالة رواتها ووثاقتهم:
1 ـ إسقاط آية: "لو أنّ لابن آدم وادياً" من سورة البينة:
قال ابن الانباري: "ان هذا باطل عند أهل العلم، لأنّ قراءتي ابن كثير وأبي عمرو متصلتان باُبىّ بن كعب لا يفرقان فيهما هذا المذكور في: لم يكن"(1). لكن قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"(2).
2 ـ إسقاط آية الحمية من سورة الفتح:
فقال بعضهم في آية الحمية المزعومة في سورة الفتح: "... فهذه وما يشبهها أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث، وإنّما يرغب فيها من يكتبها طلباً للغريب"(3). وقال في عدد سورة الأحزاب: "يحمل ـ إن صحّ، لأنّ أهل النقل ضعّفوا سنده ـ على أنّ تفسيرها..."(4).
لكنّ ابن حزم الاندلسي قال: "هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه..."(5).
والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه صحّحاه(6)، والضياء المقدسي في "المختارة في الحديث" يرى أنـّه صحيح حيث التزم في المختارة أحاديث
____________
1 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 85.
2 ـ سنن الترمذي: ج 3، ص 203 ـ 204.
3 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 92.
4 ـ نفس المصدر.
5 ـ المحلى: ج 11، ص 23.
6 ـ المستدرك مع تلخيصه: ج 2، ص 415.
3 ـ إسقاط آية الرّضاع:
قال الطحاوي في "آية الرّضاع":
"هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا، غير عبد الله بن أبي بكر، وهو عندنا وَهْم منه، أعني ما فيه ممّا حكاه عن عائشة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهُنّ مما يقرأ من القرآن"(2).
|
وقال النحّاس بعد ذكر حديث الرضاع:
"فتنازع العلماء [في] هذا الحديث لما فيه من الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس وهو راوي الحديث... وممّن تركه أحمد بن حنبل وأبو ثور..."(3).
|
وقال السرخسي: "... حديث عائشة لا يكاد يصحّ"(4).
وقال صاحب المنار:
"... إنّ الرواية عن عائشة مضطربة... وردّ هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السّلف والخلف بها..."(5).
|
واعترف بعضهم بوضع الملاحدة في كتب القوم، فمنهم صاحب الكشاف، حيث قال:
"... وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أنّ ذلك ضاع بأكل الداجن من غير |
____________
1 ـ نقلاً عن روح المعاني: ج 12، ص 216.
2 ـ مشكل الآثار: ج 3، ص 7 ـ 8.
3 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 12.
4 ـ الاصول: ج 2، ص 78.
5 ـ المنار: ج 4، ص 472.
نسخ"(1).
|
ومثله عن الدكتور مصطفى زيد حيث قال:
"نحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار ـ أي منسوخ التلاوة باقي الحكم ـ بالرغم من ورودها في الكتب الصّحاح... وفي بعض هذه الرّوايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر ولا عائشة، ممّا يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسّها على المسلمين"(2).
|
هذا وقال ابن حزم في آيتي الرضاع الكبير والصغير أيضاً:
"هذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع أحداً الخروج عنها!"(3).
|
ورواه مسلم في صحيحه عن طريق مالك وعن طريق يحيى بن سعيد وما جاء في صحيح مسلم، صحيح لا محالة عنده(4).
2 ـ البحث في متون الأحاديث:
فالمعروف في هذه الأحاديث ـ بعد اعترافهم بأنّها أكثر من أن تحصى(5) ـ، حملها على القراءة الواردة أو نسخ التلاوة، لئلاّ يلزم ضياع شيء من القرآن ولا الطعن فيما أخرجه الشيخان وما رواه الأئمة الأَعيان وسوف نبحث حول نسخ التلاوة إن شاء الله تعالى، لكن أوردنا هنا وجوهاً أُخر من التأويلات، منها:
____________
1 ـ الكشاف: ج 3، ص 518.
2 ـ النسخ في القرآن: ج 1، ص 283.
3 ـ المحلي: ج 10، ص 14 ـ 16.
4 ـ صحيح مسلم: ج 4، ص 167.
5 ـ روح المعاني: ج 1، ص 46.
1 ـ الحمل على التفسير والتأويل:
قال ابن سلاّم بعد أن أخرج شطراً من تلك الرّوايات:
"فهذه الحروف وأشباهٌ لها كثيرة، قد صارت مفسرة للقرآن... وإنّما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللّوحين ويكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه"(1)، وقد حمل بعضهم على التفسير عدداً من الأحاديث بخصوصها ومن ذلك: ماورد حول آية المحافظة على الصلوات عن عائشة وحفصة من الحاق كلمة "وصلاة العصر" بقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى) بأن الكلمة اُدرجت على سبيل التفسير والايضاح"(2).
|
ومن ذلك: ماورد عن أبي موسى الأشعري حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة، فقد ذكر بعضهم له وجوهاً منها:
"إنّه يجوز أن يكون تفسيراً، وحفظ منها أي من تفسيرها ومعناها"(3).
|
ومن ذلك: ماورد حول ما أسميناه بآية الجهاد:
____________
1 ـ فضائل القرآن: ص 195.
2 ـ البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 215، مباحث في علوم القرآن: ص 112.
3 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 97 ومن الجدير ذكره: أن هاتين المقدمتين، احداهما عن ابن عطية الاندلسي، والاُخرى عن مقدمة كتاب "المباني لنظم المعاني" الذي لم يعرف مؤلّفه في البداية حتّى تصحيح وتحقيق كتاب "زين الفتى" فحينئذ تبيّن أنّ مؤلِّفهما واحد وهو: الحافظ أحمد بن محمّد بن أحمد العاصمي، المولود سنة 378 هـ.، إذ يقول في مواضع مختلفة من كتابه "زين الفتى": "وقد بيّنت وجوه الاحتجاج التي في هذا الفصل في كتاب المباني لنظم المعاني" انظر: زين الفتى تحقيق محمّد باقر المحمودي: ج 1، ص 85، 96 و102 وج 2، ص 8.