وأورد الدكتور القفاري أيضاً ستّ روايات من الجزء الثاني من كتاب "الكافي" ونصّ على أرقامها في الهامش(4).
وهذه الروايات أيضاً لم يحكم المجلسي عليها بالصحّة ـ كسابقاتها ـ بل وثّق روايتين منها فقط وحكم على الباقي بالضعف والإرسال(5).
نعم ممّا وثقه العلاّمة المجلسي رحمه الله الخبر المتقدّم ذكره في عدد آي القرآن وقال تعليقاً عليه:
"وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن مسلم فالخبر صحيح حينئذ"(6).
|
____________
1 ـ أرقام هذه الرّوايات: 17، 65، 67، 72، 74، 78، 80، 83 و89 انظر: مرآة العقول: ج 5، ص 2 ـ 160.
2 ـ وهي ما ذكرها في حاشية كتابه بالارقام: 8، 23، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 45، 47، 58، 59، 60، 64، راجع: اصول مذهب الشيعة: ص 227.
3 ـ وهي الرواية رقم: 28، انظر مرآة العقول: ج 5، ص 160 ـ 161.
4 ـ باب ان القرآن يرفع كما انزل: ص 619، رقم 2 وباب النوادر: ص 627 وما بعدها رقم: 2، 3، 4، 23، 28، انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 227.
5 ـ انظر: مرآة العقول: ج 12، ص 506 وص 516 وما بعدها، فكل ما في الباب ثمان وعشرون رواية، ثلاث موثقات وثلاث حسنات والباقيات بين ضعيفة ومرسلة ومجهولة.
6 ـ مرآة العقول: ج 12، ص 525.
وأمّا صاحب كتاب "الشافي" فقد حكم بصحّة ستّ روايات فقط(1) من اثنتين وتسعين رواية وكلُّ هذه الستّ لا تتطابق مع الأرقام التي ذكرها الدكتور القفاري وقال هنّ من أخبار اُسطورة التّحريف(2).
إذن لماذا يفتري الدكتور القفاري على العلامة المجلسي وكذلك عبد الحسين المظفّر قائلاً: إنـّهما حكما بصحّة روايات التّحريف، بل انه يذكر ارقاماً لروايات يدعي صحّتها، في حين لم يحكم أحدٌ منّا بصحتها، فهل هذه طريقة المحقق الذي يبغي الحقيقة ويلازم التقوى ليصل إلى مطلوبه أم حَنَّ قِدْحٌ ليس منها!
وبعد أن أتـمّ الدكتور القفاري بحثه حول كتاب الكافـي انتقل إلـى البحث حول "تفسير العياشي" و"تفسيـر فرات" و"كتاب الغيبـة" لمحمد بن إبراهيم النعماني و"الاستغاثة" لأبي القاسم الكوفي، وقـد اعترف بنفسه بأن "تفسير العياشي" عار عن السنـد، وأبرز أيضاً رأي كبـار علمـاء الشيعة في أبي القاسم الكوفي مؤلف كتاب "الاستغاثة" كالنّجاشي الذي قال: "إنه اُصيب آخر عمره بالغلو وفساد المذهب"(3) ولا يوجد أيضاً في كتاب "الغيبة" شيء يدلّ على
____________
1 ـ وهي الرّوايات بالرقم: 17 ـ 72 ـ 74 ـ 75 ـ 80 ـ 83 وقد حكم على اثنتين منها بالمجهول كالصحيح وهما، الروايتان: 6 و65، انظر "الشافي في شرح الكافي": ج 7، ص 227. وقال تعليقاً على خبر عدد آي القرآن بعد حكمه بأنه "موثق" وقال: لعلّ الاختلاف من قبل تحديد الآيات: ج 7، ص 227.
2 ـ انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 228، هامش رقم 3 وهي نفس الاربع عشرة رواية التي ذكر ارقامها قبلاً.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 229. انظر: معجم رجال الحديث: ج 11، ص 246 ـ 247.
"ومن بعد هؤلاء نرى شيخهم المفيد (ت 413) سجل في كتابه "اوائل المقالات" اجماع طائفته على هذا المنكر ونقل بعض أخباره عن بعض كتبه كالارشاد وهو من كتبهم المعتمدة"(3).
|
أوردنا مسبقاً تلك العبارة عن الدكتور القفاري في بحث آراء الشيخ المفيد، ولاحظنا أنّ الدكتور القفاري قام بتقطيعها وهي خيانة واضحة لاتخفى على من له حظ من العلم، ومن ثمّ نسب الاتهام العظيم إلى الشيخ المفيد، وقد صرح الشيخ المفيد بأنّ القرآن الموجود بين أيدينا من جهة "ترتيب الآيات" من حيث التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني، خلاف ما نزل، وفي رأي الشيخ المفيد أن الإمامية اتفقوا على ذلك، ولكنّ الدكتور القفاري زوراً وبهتاناً أبدل "تأليف الآيات" بـ "تحريف الآيات" ثم قال: "سجّل الشيخ المفيد اجماع طائفته على هذا المنكر" فقد مرّ ذلك منه كثيراً; إذ وعدنا بالأمانة فخان وعده بل حرّف.
وأمّا رواية كتاب الارشاد التي أشار إليها الدكتور القفاري أوردناها في المقام الأوّل تفصيلاً تحت عنوان "روايات الفساطيط" فإنّها كما لاحظتم لا تمت إلى التّحريف بصلة لا من قريب ولا من بعيد بل تؤيّد الرّواية نفسها، القرآنَ الموجود.
____________
1 ـ المصدر السابق: ص 230.
2 ـ وهي الصفحة 218 من كتاب الغيبة.
في الواقع ان الدكتور القفاري اخذ هذه المطالب من صاحب "مرآة الأنوار" وأورد نفس الفاظه حول هذه الكتب ولا يخفى ان صاحب مرآة الأنوار أخباري المسلك وهو يذهب إلى تحريف القرآن.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 230.
"وهذا الزخم! من المصنفات وغيرها لتأييد هذا الكفر واثباته لا يشك مسلم انه كيد زنديق حاقد على كتاب الله ودينه واتباعه... فادعوا ـ أي علماء الإمامية ـ أنّ في كتاب الله نقصاً وتغييراً... ولكنَّهم فيما يبدو لم يحسبوا لهذه الدعوى حسابها فارتدت عليهم بأسوأ العواقب فقد فضحتهم أمام الملأ وكشفت عن وجوههم وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم وقطعت صلتهم بالإسلام والقرآن وأهل البيت"(1).
|
وبعد هذا تطرّق إلى كتاب "الاحتجاج" للطبرسي واعترف أيضاً بأنّ رواياته مجردة عن كلّ إسناد، وهذا الاعتراف يعنى عدم اعتبار الكتاب في مقام الاحتجاج بلا شك ولا سيما في المسألة الخطيرة التي تمس قداسة القرآن الكريم.
وإن ذكر صاحب الاحتجاج أنّ الرّوايات التي أوردها في كتابه مما اشتهر بين الإمامية، وقوله هذا على الرأس والعين، ولكنّه لا يمكن الركون إليه في مجال التحقيق اعتماداً على هذا القول كما لا يخفى.
ثم قال الدكتور القفاري:
"في ظلّ الحكم الصفوي الذي شهد إثارة لهذه الاُسطورة واختراع روايات لها وترويجها أشد مما كان في القرن الثالث... حتى يلاحظ ان هذه الاُسطورة التي بدأت بروايتين في كتاب سليم بن قيس أصبحت كما يعترف شيخهم نعمة الله الجزائري أكثر من ألفي رواية، حيث إن شيوخ الدولة الصفوية كالمجلسي في بحاره والكاشاني في تفسير |
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 231.
الصافي والبحراني في البرهان ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية وما سواها من كتبه وأبي الحسن الشريف في مرآة الأنوار والمازندراني في شارح الكافي وغيرهم تولوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظل الحكم الصفوي الذي ارتفعت فيه التقية إلى حدّ ما"(1).
|
الحكم الصفوي وفرية التّحريف:
إنّ حكومة الصفويين بدأت سنة 906 واستمرت إلى سنة 1134، وقد كان هناك في هذه الفترة مجموعة كبيرة من العلماء الذين عاصروا الحكومة الصفوية ولكنّهم ذهبوا جمعياً إلى صيانة القرآن عن التّحريف وهم:
1 ـ قاضي القضاة علي بن عبد العالي المعروف بالمحقق الكركي (ت 940) في "رسالة نفي النقيصة"(2).
2 ـ ملا فتح الله الكاشاني (ت 988) في تفسيره "منهج الصادقين" وخلاصة تفسيره المسمى بـ "خلاصة المنهج"(3).
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 233. ونلاحظ ان الدكتور القفاري نفسه متردد أيضاً ولا يعلم ماذا يقول إلاّ انه أضاف كذبة على كذبه قائلاً (في الصفحة 291):
"... والزيادات التي تصرح بالتحريف هو من جعل شيوخ الدولة الصفوية، لكن يرد على ذلك ان تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمي والعياشي وفرات، إلاّ إذا قلنا ان الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب "سليم بن قيس".
وقد بحثنا ادعاء الدكتور القفاري هذا ـ يغيرون في كتب قدمائهم ـ في مبحث "بداية الإفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة" فراجع، وسيأتي تفصيلها في "التذييل".
2 ـ عن آلاء الرحمن: ص 26 وصيانة القرآن عن التّحريف: ص 72.
3 ـ منهج الصادقين: ج 5، ص 154 وخلاصة المنهج: ج 4، ص 59.
4 ـ محمّد بن علىّ النقي الشيباني (ت قبل 994 هـ.)(2).
5 ـ الشيخ أبو الفيض الناكوري (ت 1004) في "سواطع الالهام"(3).
6 ـ السيد نور الله التستري (ت 1019) في "مصائب النواصب"(4).
7 ـ شيخ الإسلام عصر الصفوية محمّد بن الحسين الشهير ببهاء الدين العاملي (ت 1030) في "العروة الوثقى"(5).
8 ـ محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف بملاّ صدرا (ت 1050 هـ.) في شرحه على "اصول الكافي" و"تفسير القرآن"(6).
9 ـ الملا عبد الله البشروي الخراساني (المعروف بالفاضل التوني ت 1071) في "الوافية في الاصول"(7).
10 ـ الشريف اللاّهيجي (ت 1097) في تفسيره المشتهر بـ "تفسير شريف اللاهيجي"(8).
11 ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104) في "رسالة تواتر القرآن وعدم نقصه وتحريفه"(9).
12 ـ القاضي سعيد محمد بن محمد مفيد القمي (ت / 1107 هـ.) في كتابه
____________
1 ـ مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218.
2 ـ مختصر نهج البيان عن كشف معاني القرآن: ص 263.
3 ـ سواطع الالهام: ج 3، ص 214.
4 ـ نقلاً عن الشيخ رحمة الله الدهلوي في كتابه اظهار الحق: ج 2، ص 89.
5 ـ عن آلاء الرحمن: ص 26 والعروة الوثقى في تفسير سورة الحمد: ص 57.
6 ـ تفسير القرآن الكريم: ج 5، ص 19.
7 ـ الوافية في الاصول: ص 148.
8 ـ تفسير شريف اللاهيجي: ج 2، ص 658.
9 ـ انظر: فهرس النسخ المخطوطة لمكتبة جامعة طهران: ج 16، ص 153.
13 ـ نور الدين محمّد بن مرتضى الكاشاني (ت 1115) في "تفسير المعين"(2).
فإذا ارتفعت التقية في العصر الصفوي ـ على حد مزعومات الدكتور القفاري ـ فكيف يحكم هؤلاء بصيانة القرآن عن التّحريف وهم يستطيعون أن يكشفوا الستر ويعلنوا عما في ضمائرهم من القول بتحريف القرآن في ظلّ الحكم الصفوي.
وعلى هذا فإن في ذلك دلالة على أن الدكتور القفاري تجاهل في معنى التقية ويريد أن يشغل القارئ بمسرحيته ولو بهذه الكلمات وبذلك ينهدم بنيانه الذي أسسه.
نعم في ظلّ الحكومة الصفوية فسح مجال كبير لعلماء الشيعة في ان يجمعوا روايات الشيعة من الكتب المتفرقة، وراج في ذلك العصر تدوين الحديث وعلومه والتفسير بالمأثور وغيرها من العلوم. ولكننا ذكرنا مراراً بأن الروايات وتدوينها شيء، وفقه الرّوايات وبيان مدلولها شيء آخر.
وعلى أية حال فالدكتور القفاري عاد مرّة أخرى وأخرى إلى التمسّك بروايتي سليم بن قيس، واللّتين اثبتنا بالدليل القاطع بعدهما الشاسع عن مسألة التّحريف.
ولو بنينا على ما قال الدكتور القفاري أي أنـّنا ننظر إلى حجم الرّوايات فقط بغض النظر عن مداليلها وعلاجها، لحكمنا على روايات أهل السنة، وقلنا: "ان هذه الاسطورة ـ أي اسطورة التّحريف ـ بدأت برواية في كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس(3) (ت 179 هـ) ثم أصبحت كما يعترف به "قاسم بن سلاّم" (م 224 هـ) "بأنـّها
____________
1 ـ الأربعينيّات لكشف أنوار القدسيّات: ص 58.
2 ـ تفسير المعين: ج 2، ص 650.
فقد تقدم نص كلام هؤلاء الاعلام في مبحث "شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التّحريف" في المقام الأوّل فراجع.
3 ـ الموطأ، كتاب الرضاع: ص 608، الحديث 17، وهي مارواه في مزعومة الرضاع.
فهل هذا الحكم صحيح وعادل؟
أمّا قول الدكتور القفاري: "يعترف شيخهم نعمة الله الجزائري أكثر من ألفي رواية" فإن مراد السيد نعمة الله الجزائري هو جميع الرّوايات التي تحدّثت عن التّحريف بمعناه العام الشامل لكل نوع من انواع التغيير أمثال اختلاف القراءات المخالفة في التأليف، والتّحريف المعنوي و... وأيضاً الشامل للأعمّ من الرّوايات المسندة والمرسلة والضعيفة والمجهولة، والأعم من روايات أهل السنة والشيعة، والحقيقة إنّ تلك الرّوايات التي ادّعاها السيد الجزائري هي الرّوايات التي ذكرها المحدّث النُّوري في فصل الخطاب، وقد فصّلنا فيها القول في المقام الأوّل في بحث "كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة" فراجع إن شئت.
وأمّا فيما يخصّ قول الدكتور القفاري في بحار الأنوار فنقول:
إذا لاحظنا أنّ مصادر "بحار الأنوار" الذي اُلّف في العصر الصفوي ـ وهو أكبر موسوعة حديثية عند الشيعة ـ تصل إلى أربعمائة كتاب من كتب الشيعة وخمسة وثمانين كتاباً من كتب أهل السنة(3). ومصنّف هذا الكتاب لمّا رأى أنّ كثيراً من كتب الحديث ـ لصغر حجمها وقدمها ـ سيكون مآلها إلى التلف، أخذ في جمعها وتدوينها في كتابه "بحار الأنوار" وإن كان لا يلتزم بصحّة كل ما في هذه الكتب(4). إذا لاحظنا
____________
1 ـ فضائل القرآن: ص 195.
2 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.
3 ـ وهذا هو المقدار الذي صرح به العلامة المجلسي رحمه الله في المقدمة وغير هذا كثير، قد أشار المجلسي إلى ذلك بقوله: "وان اخرجنا من غير هذه الاصول والكتب ـ المذكورة في المقدمة ـ فنصرّح في الكتاب عند ايراد الخبر" انظر: بحار الأنوار: ج 1، ص 24.
4 ـ كشف الأسرار: ص 319.
وعلى هذا المنوال جرت كتب التفسير بالمأثور التي يهتمّ مؤلفوها بأن تجمع فيها الأخبار من مصادر شتّى، فمن الطبيعي أن يوردوا في تفسير كلّ آية روايات كثيرة ربّما بلغ بعضها إلى عشرات الرّوايات ـ من غير تحري الصحّة ـ كتفسير "البرهان في تفسير القرآن" للسيد هاشم البحراني رحمه الله (ت 1107) و"الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور" لجلال الدين السيوطي (ت 911).
فعلى هذا، لا مجال لتوجيه الدكتور القفاري الاتهام في المقام بقوله: "تولّوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظلّ الحكم الصفوي... إلى آخر اتهاماته" فوجود الحكم الصفوي وعدمه سيّان في المقام، طبعاً جمع الأخبار من مصادر شتّى مع تأليفه وتنسيقه من جديد في كتاب واحد، يقتضي كمّية هائلة وحجماً واسعاً. ولا علاقة له بالدولة الحاكمة فسواء حكم الصفويون أم غيرهم ممن هو مضادّ للشيعة فالمسألة تبقى ثابتة وهي أنّ استخراج جميع الأخبار من مجموعة كتب تزيد على خمسمائة كتاب وجمعها في كتاب واحد يحتاج إلى عشرات المجلدات.
والطريف في الأمر أن الدكتور القفاري أورد مثالاً عدّه قطرة من بحر من كتاب "بحار الأنوار" لإثبات مطلوبه في فرية التّحريف فأشار إلى: "باب تأليف القرآن وإنه على غير ما أنزل الله عزّ وجلّ"(1). وهذا الباب في الواقع لا علاقة له بتحريف القرآن، بل العلاّمة المجلسي ـ وكما هو واضح من عنوان بحثه الذي هو تأليف القرآن
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 233 قال: انظر: بحار الأنوار، كتاب القرآن، باب تأليف القرآن وانه على غير ما انزل الله، ج 92، ص 66 وما بعدها.
وليت شعري كيف فهم الدكتور القفاري مسألة التّحريف من هذا الباب؟
واما رأي الدكتور القفاري في تفسير الصافي لمؤلفه المحدّث الكاشاني فأقول:
فإنّ المرحوم المحدّث الكاشاني (ت 1091 هـ.) مؤلف "تفسير الصافي" ذكر بشكل صريح لا يقبل الجدل بأنّ القرآن مصون من التّحريف والتغيير(4)، ولكنَّ
____________
1 ـ قال المجلسي رحمه الله: "لانّ العدة في الجاهلية كانت سنة فانزل الله في ذلك قرآناً في العلة التي ذكرناها في باب الناسخ والمنسوخ واقرّهم عليها ثم نسخ بعد ذلك فانزل آية اربعة اشهر وعشراً..." بحار الأنوار: ج 92، ص 67.
2 ـ في كتابه "المسائل السروية" وقد تقدم نص كلامه بطوله.
3 ـ كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
4 ـ انظر: "علم اليقين في اصول الدين": ج 1، ص 565، تفسير الصافي: ج 3، ص 102. قال في تفسير الآية الكريمة ما نصّه: (انا نحن نزّلنا الذكر)رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه (وانا له لحافظون) من التّحريف والتغيير والزيادة والنقصان، الآية 9 من سورة الحجر. ومثله قال في تفسيره الآخر المسمّى بـ "الأصفى في تفسير القرآن": ج 1، ص 626. وأصرح من ذلك في كتابه "الوافي" حيث قال: "لو كان تطرّق التّحريف والتغيير في الفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما انزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه. ثم أورد كلام الشيخ الصدوق بتمامه". الوافي: ج 2، ص 273 ط. القديم وج 7، ص 1778 من الطبعة الحديثة وكتابه "المحجة البيضاء": ج 2، ص 263 ـ 264.
إن هذه الرّوايات عددها أربع لا أكثر، وقد نقلها من الكتب الروائية الشيعية مثل "الكافي" و"تفسير العياشي" و"التفسير المنسوب إلى القمّي". ولكنّ هذه الرّوايات أيضاً باعتقاد المحدّث الكاشاني نفسه رحمة الله عليه في مقدمة تفسيره أنـّها من باب التفسير والتأويل، وفي غير هذه الصورة فهي ساقطة.
إنّ المرحوم الفيض الكاشاني في ابتداء تفسيره كغيره من المفسّرين، رتّب مقدّمات، ومن جملتها "المقدمة السادسة" ذكر فيها مسألة "جمع القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويله". ثمّ عرض الرّوايات الخاصة بالتحريف في هذا المقام وأدلّة الموافقين والمخالفين لها، وناقش(2) كلا الرأيين، والذي يعتبر حقّاً لكلّ باحث وطالب للحقيقة، وليس معنى مناقشته الدليل على قبوله أو عدم قبوله للطرف الآخر، وقد افترض جدلاً في البداية وجود التّحريف في القرآن لوجود أدلّة روائية، ولكنه ما لبث أن ردّ هذا الفرض قائلاً:
"ويرد على هذا كلّه إشكال; وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان يكون محرفاً ومغيراً ويكون خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجّة أصلاً فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك. هذا وقد قال الله عزّ وجلّ: (وإنـّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه). وقال: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)فكيف يتطرق إليه التّحريف والتغيير.
|
____________
1 ـ تفسير الصافي: ص 136 ـ 163 ـ 399 ـ 420.
2 ـ تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46.
اضافة إلى أنـّه قد استفاض عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض؟ مع أنّ خبر التّحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.
|
ثم بقي رحمه الله متردداً في صحّة أسانيد الأخبار التي تدلُّ بظاهرها على التّحريف والتغيير فقال:
ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال والعلم عند الله أن يقال: إنْ صحّت هذه الأخبار ـ أي أخبار التّحريف ـ فلعلّ التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال... ولا يبعد أيضاً أن يقال: إنّ بعض هذه المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرَّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به. وممّا يدلّ على هذا ما رواه الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام; إنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير: "... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه..." وما رواه العامة أنّ عليّاً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، ومعلوم أنّ الحكم بالنسخ لا يكون إلاّ من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءاً من القرآن فيحتمل ان يكون بعض المحذوفات أيضاً كذلك"(1).
|
____________
1 ـ تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46 ـ 47.
ثمّ قال الدكتور القفاري:
"وفي القرن الثالث عشر وقعت الفضيحة الكبرى للشيعة في هذا الباب فقد ألـّف شيخهم حسين النوري الطبرسي... مؤلفاً في هذا الكفر جمع فيه كل ما لهم من "اساطير" في هذا الباب وسماه "فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الارباب" فاصبح هذا الكتاب عاراً على الشيعة أبد الدهر... وقد كشف بهذا الكتاب ما كان خفيّاً وأبان ما كان مستوراً. لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن وأهله. وبعد هذه الفضيحة والخزي قام فئة من شيوخ الشيعة المعاصرين يتبرأون من هذه المقالة وينكرونها كالبلاغي في آلاء الرحمن، ومحسن الأمين في الشيعة بين الحقائق والاوهام، وعبد الحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار الله، والخوئي في تفسيره البيان، ومحمّد حسين آل كاشف الغطاء في أصل الشيعة واُصولها، ومحمّد جواد مغنية في الشيعة في الميزان، وفي عدد من كتبه وغيرهم وسنتوقف في مناقشة أقوالهم في فصل "الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلافهم"(1).
|
نحن لا ننكر، أنّ بعض محدّثي الشيعة قد جرى له ما جرى لبعض أهل السنة
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 234 ـ 235. وسنرى إن شاء الله مناقشات الدكتور القفاري في هذا المجال وأجوبتها في مبحث "الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين".
هذا، ومحاولة الدكتور القفاري ـ وغيره ـ نسبة ما في كتاب فصل الخطاب إلى الشيعة بأجمعهم، محاولة يائسة وبعيدة عن الانصاف، وقد اعترف هو نفسه بأنّ جلّة علماء الشيعة قد أنكروا على هذا المحدّث فعله وقبّحوا صنيعه وردّوه بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.
بل في الوقت نفسه كتب الردّ عليه بعض معاصريه، كالفقيه المحقق الشيخ محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني(2) (ت 1313) والسيد محمّد حسين الشهرستاني(3) (ت 1315) وغيرهما وما تزال الردود تترى عليه إلى الآن. وقد رأيتم فهرس الكتب التي ألّفها علماء الشيعة للردّ على مزعومات المحدث النوري في النقطة الرابعة في بحث "كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة".
وعلى هذا فقول الدكتور القفاري:
"لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن واهله" |
____________
1 - وهو، لـِ "محمّد محمود عبد اللطيف بن الخطيب" احد المصريين الّف كتابه المفضوح سنة 1948 م; وقال في مقدمته "كلمة حق، ان اغضبت مخلوقاً قد ارضت خالقاً وان ساءت جاهلاً، فقد سرت عالماً وان اضرت بعض المقرئين فقد نفعت سائر المسلمين".
2 ـ وهو "كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب" فرغ منه في (17 ج2 ـ 1302 هـ. ق.).
3 ـ وهي رسالة أسماها "حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف".
وليت شعري ما هذا الكيد الحاقد والعداوة المبيتة من الشيعة للقرآن؟
فكم من كتب كتبت وهي لا تعبر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلفها ويكون فيها الغث والسمين والحق والباطل وتحمل في طيّاتها الخطأ والصواب، ونحن نجد ذلك عند كلّ الفرق الاسلامية وليس هو أمر يختصّ بالشيعة دون سواهم، أفيجوز لنا أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية كلّ مكتوب في عالم أهل السنة؟ أفيجوز لنا أن نقول قول الدكتور القفاري بالنسبة إلى كتاب "الفرقان": "لقد وضع المجهر الذي كشف ما في زوايا كتب القوم...الخ"؟
بل كيف يشنع أهل الشقاق على الشيعة من أجل كتاب النوري الذي ـ على الأقل ـ نصف رواياته المبثوثة في فصوله هي مصادر أهل السنة، فهل يسوغ لنا أن نقول كما قال الدكتور القفاري لقد وضع المحدّث النوري "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب أهل السنة وخباياهم من... الخ. ونحن بحمد الله في المقام الأول بحثنا تحت عنوان "فصل الخطاب والنقاط الهامة" ما هو الحق في المقام الذي لا يستغني عنه كلّ محقق منصف فراجع إن شئت.
مضامين روايات التّحريف في كتب الشيعة
لم يكتب الدكتور القفاري تحت هذا العنوان شيئاً يستحق الذكر سوى الألفاظ الفاحشة البذيئة التي تدلّ على عدم العفّة والنزاهة، وسوى بعض الأمور المكررة، ومن جملتها خبر مصحف الإمام علىّ عليه السلام في كتاب سليم بن قيس، وسنعقد ان شاء الله فصلاً مستقلاً للكلام حول هذا المصحف ونذكر الرّوايات الواردة فيها من كتب أهل السنّة، لنبين أنّ ادعاءات الدكتور القفاري هنا مبنية على أساس هش، وستسقط بمجرد هبوب نسمة خفيفة.
المسألة الاُخرى هنا هي ذكر مضامين روايات التّحريف في كتب الإمامية، وجواب هذه الرّوايات أيضاً مرّ عليك في السابق ولا حاجة لاعادته وهو بحمد الله واضح لكلّ منصف، وأكتفي هنا بذكر بعض النكات:
1 ـ ان طريقة الدكتور القفاري هي ذكر المصادر المختلفة لرواية واحدة ليبيّن كثرتها، مثلاً: في هذه الرواية "لو قرئ القرآن كما اُنزل لألفينا فيه مسمّين" ذكر أربعة مصادر هي: "تفسير العياشي"(1)، "بحار الأنوار"(2)، "تفسير الصافي"(3)، "اللوامع النورانية"(4)، والحال انّ هذه الرواية هنا في مصدر واحد هو "تفسير العياشي" وجاءت مرسلة، وأمّا الكتب الاُخرى التي ذكرها الدكتور القفاري فقد صرحت بأنـّها نقلت الرواية من "تفسير العياشي"، وعدم إشارة الدكتور إلى أنـّه نقل الرّوايات من مصدر واحد ـ وهو "تفسير العياشي" ـ يعدّ مخالفاً للطريقة العلمية الصحيحة في البحث، ولم تكن طريقته هذه مع هذا الفصل فقط بل سبق له
____________
1 ـ تفسير العياشي: ج 1، ص 13.
2 ـ بحار الأنوار: ج 92، ص 55.
3 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 41.
4 ـ اللوامع النورانية: ص 547.
2 ـ إنّ الرّوايات التي ذكرها وجمعها الدكتور القفاري عن مضامين التّحريف في كتب الشيعة أكثرها ترجع في الأصل إلى التفسير المنسوب للقمّي، ليسوغ له الحكم بتكفير الآخرين ونفاقهم مستعملاً في ذلك أقبح الألفاظ وأشنعها، وهلمّ معي إلى بعض ما قاله في هذا المقام:
"إن الكلمات المفتراة التي يقدمها اُولئك المفترون أمثلة للآيات الساقطة بزعمهم قد كشفت القناع عن كفرهم كما إنها فضحت كذبهم وكشفت افتراءهم..."(2).
|
في حين أنّ أكثر الرّوايات التي ذكرها الدكتور بعنوان المثال موجودة في كتب أهل السنة أيضاً، ولذلك أوّلها الدكتور القفاري بأنـّها من باب "القراءة الواردة" أو "تفسير الآيات" أو "نسخ التلاوة"، وهي كلّها ـ بزعم الدكتور القفاري ـ من الله، ولهذا بقي الدكتور القفاري يناقض نفسه بنفسه من دون أن يجد حلاً.
وإليك ما جاء من تلك الرّوايات في بعض كتب أهل السنة أيضاً. ففي الآية الشريفة: (يا أيُّها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلَّغت رسالته...)(3) أخرج السيوطي في "الدرّ المنثور" عن ابن مردويه بسنده عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ الآية على عهد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم هكذا: (يا أيُّها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربّك ـ أن علياً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته...)(4).
____________
1 ـ كما في فصل "حجية القرآن عند الشيعة" وغيره.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 243.
3 ـ سورة المائدة (5): الآية 67.
4 ـ الدرّ المنثور: ج 5، ص 117، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 249 وابن عساكر في تاريخ دمشق: ج 2، ص 85 الرقم 588 ط. بيروت.
ومثله: الآية (كفى الله المؤمنين القتال) أخرج السيوطي عن ابن مردويه وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود أنـّه كان يقرأ (كفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب). والحاكم الحسكاني بأسانيد متعددة عن ابن مسعود(1)، وأيضاً عن ابن عبّاس وقال، قال ابن عبّاس: (وكفى الله المؤمنين القتال ـ يوم الخندق بعلي ابن أبي طالب ـ)(2).
ومثله ما ورد في قراءة الآية الاُولى من سورة الأنفال; قال الدكتور القفاري:
"الأحاديث الصريحة الدلالة في أنّ كل واحد من القرّاء قد أخذ قراءته من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهي مخالفة لقراءة صاحبه وأنّ النبىّ أقرّ كلاًّ منهم وأخبر بأنها هكذا نزلت فبان أنّ الجميع نازل من عند الله"(3).
|
فعلى هذا إنّ كل قراءة في زعم الدكتور القفاري من عند الله، إلاّ أنّ الدكتور القفاري نفسه تغافل عن هذا حينما عثر بروايات من مصادر الشيعة حيث جاءت في بعضها على سبيل المثال قراءة الآية بدون كلمه "عن" في الآية الشريفة (يسألونك عن الأنفال...)(4).
____________
1 ـ شواهد التنزيل: ج 2، ص 7.
2 ـ المصدر السابق: ج 2، ص 10.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1035.
4 ـ وردت هذه القراءة عن أئمة الهدى عليهم السلام: الإمام علي بن الحسين والصادقين عليهم السلام. ومن ابن مسعود، سعد بن أبي وقاص، زيد بن علي، طلحة بن مصرف، عكرمة مولى ابن عباس، عطاء وضحاك، راجع: الإعراب للنحاس: ج 1، ص 664، البحر المحيط: ج 4، ص 456، التبيان لشيخ الطائفة الطوسي: ج 5، ص 86 ـ 87، جامع البيان للطبري عن ابن مسعود: ج 6، ص 174، وعنه في الكشاف للزمخشري: ج 2، ص 112 والتفسير الكبير للرازي: ج 4، ص 343.
"وغرض الرافضة من هذا الزعم أن الأنفال كانت خاصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم هي للأئمة الاثني عشر المعصومين من بعده، والصحابة إنّما كانوا يسألون الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يعطيهم منها على سبيل الصَّدقة ولم يكن سؤالهم عن حكمها وهذا لا يتأتى للرافضة إلاّ بحذف كلمة "عن"."(1).
|
لكن هذه القراءة توجد في مصادر أهل السنة عن كثير من الصحابة والتابعين، بل نقل "ابن جرير" عن بعض أنـّهم قالوا:
"نزلت الآية لأنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم الله أنّ ذلك لله ولرسوله دونهم"(2).
|
فهل يريد الدكتور القفاري أصرح من هذا، فلماذا افترى على الشيعة وقال: "وهذا لا يتأتى للرافضة إلاّ بحذف كلمة "عن"".
ومثل هذا كثير سيأتي بعضه(3) والمتتبع في كتب التفسير بالمأثور يجد كثيراً منه.
ومثله ما أورده الدكتور القفاري عن "بحار الأنوار" مع تقطيع لكلام المجلسي فقال:
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1011.
2 ـ جامع البيان في تأويل آي القرآن: ج 6، ص 174.
3 ـ انظر فصل: "هل انكار المنكرين لهذا الكفر من قبيل التقية".
"إنّ هذه المحاولات الغبية! لاقحام كلام البشر في كلام الله سبحانه، عملت شرذمة من هذه الطائفة قروناً متواصلة... وهناك أمثلة عديدة لهذه المحاولات، ذكر المجلسي جزءاً منها في باب عقده بعنوان (باب التّحريف في الآيات التي هي خلاف ما انزل الله عز وجلّ ممّا رواه مشايخنا...)"(1).
|
لكن نصّ كلام المجلسي رحمه الله هكذا:
"وجدت في رسالة قديمة سنده هكذا: جعفر بن محمّد بن قولويه عن سعد الأشعري القمّي أبي القاسم رحمه الله وهو مصنفه، روى مشايخنا عن أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وساق الحديث إلى أن قال: باب التّحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عزّ وجلّ ممّا رواه مشايخنا رحمة الله عليهم عن العلماء من آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم..."(2).
|
فقوله "مما رواه مشايخنا" كلام "سعد الأشعري القمّي" لا "المجلسي" ـ كما زعم الدكتور القفاري ـ ولا اعتبار للرسالة لإرسال سندها، والمجلسي رحمه الله أورد الرّسالة بتمامها ـ وهي تستوعب ستّ صفحات من بحار الأنوار ـ لتحقيق هدفه في "بحار الأنوار" لجمع الأخبار وعدم ضياعها.
وأمّا متن الرسالة ـ وهو المهم في المقام ـ فأكثر رواياته من باب اختلاف القراءات، وهذا يدلّنا على انّ كلمة التّحريف في عنوان "باب التّحريف في الآيات..." تعمّ كل التغيير والتبديل ولو من باب القراءة لا إسقاط الكلمات
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 244.
2 ـ بحار الأنوار: ج 92، ص 60.