الصفحة 390
فضائل علىّ عليه السلام.

والأسئلة التي لا بدّ من إثارتها أمام المستشرقين هي:

1 ـ ما هو المصدر الذي استند إليه دي تاسي وكاظم بيك فيما يخص هاتين السورتين؟

2 ـ هل أن هاتين السورتين اللتين تحدّث عنهما دي تاسي وكاظم بك غير تلك السورتين المعروفتين باسم النورين والولاية؟

3 ـ هل أن ما نقله كلير تسدال ـ الذي يدعي غولدتسيهر بأنه جمع كل الموارد التي ادعي فيها أنها حرّفت من القرآن الكريم ـ من سور ناقصة كان أزيد من هاتين السورتين؟

إن الجواب عن هذه الأسئلة يمكن استحصاله عن طريق الرجوع إلى المصادر التي ارتكز عليها غولدتسيهر في هذا الموضوع.

ففي عام 1842 م قام دي تاسي ـ ولأول مرّة ـ بنشر النص العربي لسورة النورين في مجلة (1)Journal Asiatique مرفقاً إياه بترجمة فرنسية له، ويذكر دي تاسي بأن المصدر الذي استقى منه هذه السورة إنما هو أثر فارسي يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي (11 هجري) واسمه "دبستان مذاهب"، وهو من تأليف شخص إيراني زرادشتي يقطن الهند(2)، وبعد سنة واحدة من ذلك، أي عام 1843 م، وفي نفس المجلة، قام كاظم بيك بإيراد هذه السورة طبقة لنسخة تجعل آياتها 43 آية، ونشرها مقدّماً ترجمة أكثر دقّةً عنها، بيد أن كاظم بيك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى تلك النسخة التي اعتمد عليها(3).

____________

1 ـ May, 1842, pp, 431, 36.

2 ـ نفس المصدر: ص 433.

3 ـ (Decembsr, 1843, pp, 414, 19).


الصفحة 391
وبمقايسة متن "سورة النورين" في كلتا المجلتين، نرى أنه ليس هناك أي تفاوت ما بين ألفاظهما، الأمر الذي يدلل على أن كاظم بيك إنما أخذ هذه السورة عن نفس الكتاب، أي عن "دبستان مذاهب"(1)، وبالتالي عن نفس ذاك المصدر الذي كان دي تاسي قد أخذ السورة عنه.

وفي تموز من عام 1913 م كتب كلير تسدال (Clair Tisdall) في مجلة(2) The Moslem World وفي مقالة حملت عنوان "إضافات الشيعة على القرآن" (shiah addions to the koran) يقول:

"إن هناك علاوةً على سورة النورين المكونة من 42 آية، سورةً أخرى هي سورة الولاية، المؤلفة من سبع آيات، كما قام هو بنفسه بترجمة السورتين إلى اللغة الإنجليزية، وتحدث عن مصدره الذي اعتمده في هاتين السورتين فقال: "إن هاتين السورتين مأخوذتان من نسخة خطية للقرآن تعود إلى القرن السادس عشر أو السابع عشر الميلادي موجودة في بانكيبور في الهند"(3).

لكن تسدال يذعن ـ فيما يتعلق بنص هاتين السورتين ـ بأن: "الأشخاص العارفين باللغة العربية، يمكنهم اكتشاف وضع واختلاق

____________

1 ـ الجدير ذكره أن كاظم بيك ذكر رأي الشيخ الصدوق فيما يخص بعدم تحريف القرآن في إطار ذكره لرأي الشيعة دفاعاً عنه. نفس المصدر: 401.

2 ـ 111, July, pp, 231, 34.

3 ـ نفس المصدر: ص 228، والعنوان الوحيد الذي يشير له فيما يخص هذه النسخة من القرآن الكريم هو أن هذه النسخة عثر عليها في حزيران من عام 1912 م في بانكيبور في الهند، وقد قال مسؤول مكتبة بانكيبور بأن هذه النسخة قد تمّ شراؤها قبل عشرين سنة من شخص يدعى نواب في مدينة لكنهوي الهندية، وأن تاريخ هذه النسخة يعود في الأكثر إلى 200 أو 300 سنة سابقة، انظر المصدر نفسه: ص 228.


الصفحة 392

هاتين السورتين عدا تلك الأجزاء التي وجدت فيهما، مما هو من القرآن نفسه، والتكوين الجعلي لهذه الإضافات لم يكن ليمنحها مجالا لتحظى بالتوفيق أبداً، بل لقد احتوت على أخطاء نحوية أيضاً، والنص الموجود بين يدىَّ لسورة النورين يختلف في كثير من المواضع عمّا هو الموجود في النص الذي نشره كانون سيل (Canon Sell)، وقد كان "سيل" أخذ النص الذي عنده عن مقالة المرزا كاظم بيك المنشورة في المجلة الآسيوية"(1).

وبناء عليه، فهاتان السورتان لا تعودان إلى مرحلة زمنية أسبق من القرن السادس عشر الميلادي ـ هذا على فرض أن تلك النسخة من القرآن قد دوّنت في ذلك القرن ـ والحالات التي يتحدث فيها تسدال عن وجود اختلاف بين نسخته والنسخة التي كانت عند كانون سيل، إنما هي من باب الاختلاف ما بين النسخ الخطية، والذي هو أمرٌ طبيعي.

لكن محمد صبيح، ذكر خمس عشرة (آية) من آيات سورة النورين دونما إشارة إلى المصدر الذي اعتمد عليه، مطلِقاً على ما أتى به سورة النورين(2)، مدعياً ـ ودون اتكاء على مستند ـ بأن هذه السورة كانت في مصحف الإمام علىّ عليه السلام، ولكن عثمان قام بتنحيتها جانباً؟!(3) ويكتب محمد جواد مشكور أيضاً فيقول:

"لقد تمّ العثور في الهند على نسخة مختلقة من القرآن تشتمل على سورة ثالثة غير سورتي الولاية والنورين، تحتوي على سبع آيات،

____________

1 ـ نفس المصدر: ص 232.

2 ـ تاريخ القرآن: ص 28.

3 ـ نفس المصدر: ص 29.


الصفحة 393

وهي في زعم غلاة الشيعة سورة ولاية علىّ والأئمة"(1).

لكن مشكور يقع هنا في خطأ واشتباه، ذلك أنه لا توجد سورة باسم سورة ولاية الأئمة غير هاتين السورتين، أي سورة النورين وسورة الولاية، ومقايسة نص هاتين السورتين اللتين أوردهما الدكتور مشكور مع السورة التي ذكرها اللاهيجي(2) وكلير تسدال(3) باسم سورة الولاية، يرشد إلى أنهما سورة واحدة، ومستند الجميع ليس سوى تلك النسخة المجهولة الاسم والعنوان للقرآن الكريم التي ادعى العثور عليها في الهند.

والحاصل أن مصدر ومرجع المستشرقين، ومشكور، والآخرين حول سورتي النورين والولاية، ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب"، ونسخة من القرآن يقال إنها مكتوبة في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يقدّم أحد أي مصدر ومستند آخر لهما.

أسطورة سورتي الولاية والنورين في كلمات السلفيين:

ثمّة الكثير من التمسك بهاتين السورتين في كلمات وكتابات السلفيين (الوهابية) لاتهام الشيعة بتحريف القرآن، ونهاية الخيط في ذلك تعود إلى رأسهم، محمّد بن عبد الوهّاب (ت 1206 هـ)، فهو يقول:

"... يقال إن الشيعة في هذا العصر أبرزت سورتين من القرآن، يظنون أن عثمان بن عفان أخفاهما، وقد أضافوهما في نهاية المصحف، إحداهما سورة النورين والأخرى سورة الولاء"(4).

____________

1 ـ تاريخ شيعه وفرقهاى اسلامى تا قرن چهارم: ص 155.

2 ـ تذكرة الأئمة: ص 19 ـ 20.

3 ـ The Moslem World, 111, p. 234.

4 ـ رسالة في الرد على الرافضة: ص 14 ـ 15.


الصفحة 394
وعقب محمد بن عبد الوهاب، ركّز أنصاره على هذا الاتهام، وكان من بينهم، الشاه عبد العزيز الدهلوي(1)، وعلي أحمد السالوسي(2)، ومحب الدين الخطيب(3)، وموسى جار الله(4)، ومحمد مال الله(5)، وإحسان إلهي ظهير(6)، والدكتور أحمد الجلي(7)، و...

وكما لاحظنا، فإن الدكتور القفاري يدّعي وجود هاتين السورتين في المصحف السرّي المتداول بين الأخباريين(8).

ويكتب محب الدين الخطيب أيضاً قائلا:

"ونتيجة البحث حول السورتين (النورين والولاية) هو أن هناك قرآنيين رائجين بين الشيعة، أحدهما هذا القرآن، والآخر قرآن خاص مخفي موجود عندهم"(9).

إن المصادر الذي اعتمد عليه كل هذا الفريق، وكذلك أحمد كسروي(10)، ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب" وتاريخ القرآن لنولدكه، ومذاهب التفسير الإسلامي لغولدتسيهر، وفصل الخطاب للمحدث النوري، وتذكرة الأئمة لمحمد باقر اللاهيجي، وقد عالجنا بالبحث والتحقيق المصدر الذي اعتمد عليه

____________

1 ـ مختصر التحفة الاثني عشرية: ص 33.

2 ـ مع الشيعة الاثني عشرية: ص 104.

3 ـ الخطوط العريضة: ص 12.

4 ـ الوشيعة: ص 104.

5 ـ الشيعة وتحريف القرآن: ص 152.

6 ـ السنة والشيعة: ص 113.

7 ـ دراسة عن الفرق: ص 226.

8 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 260.

9 ـ الخطوط العريضة: ص 12.

10 ـ در بيرامون اسلام: ص 30.


الصفحة 395
غولدتسيهر، أمّا اللاهيجي فإنه يذكر السورتين دونما تعرض لمصدر كلامه ومستنده(1) وسيأتي البحث في اللاهيجي وكتابه أكثر، (وإذا ما لاحظنا النص الذي يذكره اللاهيجي، وقارناه بالنص المذكور في كتاب "دبستان مذاهب"، نجد أن الاختلاف بسيط جداً، لا يعدو كونه اختلافاً في النسخ ليس إلاّ)، أمّا البقية، فالمصدر الوحيد الذي اعتمدوا عليه في نقلهم هذا، إنما هو كتاب "دبستان مذاهب"، وحتى المحدث النوري، ينقل سورة النورين عن نفس هذا الكتاب أيضاً، ثم يكتب المحدث النوري:

"إن الظاهر من كلام دبستان مذاهب هو أنه أخذ هذه السورة من كتب الشيعة، لكنني لم أجد لهذه السورة عيناً ولا أثراً في كتبهم، ولم أعثر على خبر عنها فيها، عدا بناء على ما ينقل عن محمد بن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب، من أن المخالفين طرحوا من القرآن سورة الولاية، ولعل مراده هذه السورة"(2).

ومع الأسف، فإن المحدث النوري لم يدقق جيداً في نقل دبستان مذاهب،، وكذا في كلام من نسب ذلك إلى ابن شهرآشوب، بل قام ـ وعوضاً عن ذلك ـ بالاعتماد على هذا النقل دون تحقيق، كما سترى ذلك سريعاً، إن شاء الله تعالى.

ومن وجهة نظرنا، فإن تاريخ ظهور سورة النورين ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب" الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، وتذكرة الأئمة الذي جاء بعد حوالي القرن منه استقى منه هذه الفكرة، أمّا النسخة المجهولة التي عثر عليها في بلاد الهند في القرن السابع عشر الميلادي، وادعى كلير تسدال بأن هذه السورة موجودة فيها، فثمّة احتمال قوي ـ عندما نلاحظ تاريخ كتابة هذه النسخة ـ في أن

____________

1 ـ تذكرة الأئمة: ص 19 ـ 20.

2 ـ فصل الخطاب: ص 180.


الصفحة 396
تكون مأخوذة من كتاب "دبستان مذاهب" نفسه أيضاً، وبالتالي فقبل هذا الكتاب ليس ثمة مصدر أو مستند يرجع إليه فيما يخص سورة النورين.

أمّا سورة الولاية، فلم يعثر عليها إلاّ في تلك النسخة المجهولة من القرآن في القرن السابع عشر الميلادي.

وعليه، فلا يوجد أي أثر عن هاتين السورتين في أي مصدر من مصادر الشيعة على الإطلاق، من الكتب الأربعة المتقدمة، وكذلك الكتب المتأخرة، لا سيما في المصادر التي تقع في مظانّ بحث كهذا، ككتاب سليم بن قيس الهلالي (ت 90 هـ)، وكتاب القراءات (والذي سمي اشتباهاً بكتاب التنزيل والتحريف) لأحمد بن محمد السياري (ت 256 هـ)، والتفسير المنسوب إلى علىّ بن إبراهيم القمّي، وكذلك في مطاوي كلمات الذين يميلون إلى فكرة تحريف القرآن، من أمثال، أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي (ت 328 هـ)، من علماء أهل السنة، الذي كان يعتقد بهذا الوهم السخيف القائل بالتحريف، حيث كان يرى بأن عثمان أسقط خمسمائة حرف من القرآن(1)، وكذلك في كلماتهم التي تعرضت ـ قبل القرن الحادي عشر الهجري ـ لمعتقدات الشيعة حول القرآن، كأبي الحسن الأشعري(2)، أو التي نقدت العقائد الشيعية، واتهمتها بالقول بتحريف القرآن، من أمثال ابن حزم الأندلسي(3)، والميرزا مخدوم الشيرازي(4) (ت في القرن العاشر الهجري)، والمطهر

____________

1 ـ انظر الجامع لأحكام القرآن: ج 1، ص 80، وتاريخ بغداد: ج 1، ص 280، والمرشد الوجيز: ص 186، وقد بحثنا قبل ـ وبالتفصيل ـ حول ابن شنبوذ في مبحثنا عن "بداية هذا الافتراء في كتب أهل السنة" في المقام الثاني.

2 ـ مقالات الإسلاميين: ج 1، ص 119.

3 ـ الفصل: ج 5، ص 119 ـ 120.

4 ـ النواقض، مخطوط، الورقة 103، نقلا عن كتاب اصول مذهب الشيعة: ص 210.


الصفحة 397
بن عبد الرحمن(1) (توفي في القرن العاشر الهجري).

وعليه، فكل من تعرض لبحث صيانة القرآن من التحريف أو كان بصدد الدفاع عن المعتقدات الشيعية ورفع اتهام التحريف عنها، والإجابة عن الشبهات والاشكالات الموجّهة إليها، وهم جمع غفير من علماء الإمامية، الذين لاحظنا كلماتهم في المقام الأول لدى البحث عن "أدلة سلامة القرآن من التحريف"... لا يعثر في كل آثارهم وكلماتهم على أي اسم أو رسم لهاتين السورتين، لا لإثباتهما ولا لنفيهما، وكما أذعن المحدث النوري ـ الذي يصنف كواحد ممّن قل نظراؤهم في مجال التتبع والاستيعاب الشامل والاطلاع الواسع على كتب الفريقين ـ لم يعثر على أثر لهاتين السورتين في الكتب الشيعية.

ونتيجةً لكل ذلك، فإن المصدر الأول لسورة النورين ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب"، الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، فالآن ننظر ما هو كتاب دبستان مذاهب وحقيقته.

كتاب دبستان مذاهب واسطورة سورة النورين:

كتاب "دبستان مذاهب" الذي هو مجهول المؤلف (وسيأتي البحث عن تشخيص هوية المؤلف طبقاً لتفحص محقق الكتاب)، فقد قال:

"انّ بعض الشيعة يقولون انّ عثمان احرق المصاحف التي تتضمن سوراً في شأن علي وفضله، ومن تلك السور سورة الولاية"

ثم أورد متن تلك الاسطورة الغريبة المزعومة التي ملأت ما يقارب الصفحة(2).

وهو بدوره لم يذكر أيّاً من الشيعة الذين نسب إليهم ذلك القول وفي أىّ كتاب ورد ذلك، وما سنده و...؟ لم يذكر لنا شيئاً عن ذلك.

____________

1 ـ تكفير الشيعة، مخطوط، الورقة 58، نقلا عن أصول مذهب الشيعة: ص 210.

2 ـ دبستان مذاهب: ج 1، ص 246.


الصفحة 398
وقد نقل المحدث النوري في كتابه "فصل الخطاب" هذه السورة المزعومة عن كتاب "دبستان مذاهب" فقط وفي نهاية المطاف قال:

"قلت: ظاهر كلامه [أي كلام مؤلف دبستان مذاهب] أنه أخذها من كتب الشيعة ولم أجد لها أثراً فيها غير أنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلّها هذه السورة والله العالم"(1).

أقول:

أولاً: إنّ ما قاله المحدّث النوري بأنّ الظاهر من كلام صاحب دبستان مذاهب أنّه أخذها من كتب الشيعة; خطأ كبير، لأنّ نفس صاحب دبستان مذاهب قال في الفصل الأوّل الذي عقده تحت عنوان "در [أي في] ذكر مذهب إثنا عشرية" ما ترجمته: "ما سمعته من جماعة في سنة 1053 في لاهور فأوردته"(2).

ثمّ ذكر تلك السّورة المزعومة بكاملها، وعلى فرض أنـّه لم يحدث دسّ ووضع في كتاب دبستان مذاهب فيما بعد ـ وهو ما نحتمله قوياً وسنورد شواهد عليه فيما بعد ـ فإنّ المؤلف لم ينقل هذه السورة من كتب الشيعة، بل صرّح بأنّه سمعها من جماعة بلاهور وأنّ المحدّث النوري نفسه يقول: "لم أجد لها أثراً فيها ـ أي في كتب الشيعة ـ".

ثانياً: إنّ ما قاله المحدّث النوري: "إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه..." هذه النسبة أيضاً بتمامها لا أساس لها من الصحّة، ولا يبعد أنّ المحدث النوري انطلت عليه خديعة الاعداء ـ كما خُدع في تأليفه لكتاب "فصل الخطاب" ـ لأنّ كتاب "المثالب" اليوم موجود بين أيدينا وقد

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 180.

2 ـ دبستان مذاهب: ج 1، ص 244 ـ 247.


الصفحة 399
بيّن مؤلفه (أي ابن شهرآشوب ت 588 هـ.) وبصراحة رأيه في مسألة صيانة القرآن عن التّحريف، وهو يذهب ـ كما هو رأي السيد المرتضى علم الهدى (ت 436) ـ في الأساس إلى أنّ القرآن قد جمع ودوّن في عصر النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ومع هذا كيف يمكن لعثمان أن يحذف منه شيئاً؟! ولنستمع إلى نصّ كلام ابن شهرآشوب في التعريض بأهل السنّة:

"... وزعمتم أنه ـ أي عثمان ـ جمع القرآن وقال الله تعالى (إنّ علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتّبع قرآنه) على أنّ لفظة القرآن تدل على خطابه لأنّ القرآن هو المجموع من الأمثال والحكم والوعد والوعيد وأمثالها... ورويتم أنه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء وكيف يجمع من لم يحفظ أو يحفظ غير المجموع...؟ وقد ثبت أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته... وكان يقرأ على جبرئيل كلّ سنة مرّة إلاّ السنة التي قبض فيها فانه قرأ عليه مرتين ولا يمكن قراءة ما ليس بمجموع ومؤلف ومرتب..."(1).

كما أنـّك لاحظت نصّ عبارة "ابن شهرآشوب" في كتاب آخر أي "متشابه القرآن ومختلفه" فقد ذكر هناك وبصراحة; حفظ القرآن من التّحريف وقال ـ بعد أن ثبت بالدليل أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ:

"... والصحيح كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنما هو تأويل، والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد"(2).

وعلى هذا يكون المحدّث النوري قد أخطأ باعتماده على قول الآخرين بقوله:

"... إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على

____________

1 ـ مثالب النواصب: المخطوط، الورق 468 من نسخة لكنهو و471 من نسخة سبهسالار.

2 ـ متشابه القرآن ومختلفه: ج 2، ص 77.


الصفحة 400

ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية...".

وأمّا من هو الشخص الذي حكى عن "ابن شهرآشوب" هذا القول؟ فقد توصلنا بعد البحث إلى أنه "محمود الآلوسي" في "روح المعاني" حيث قال:

"وذكر ابن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب له أنّ سورة الولاية اُسقطت بتمامها..."(1).

ويحتمل قوياً أنّ المحدّث النوري اعتمد على قول الآلوسي، لأنّ الآلوسي توفي سنة (1270 هـ) والمحدّث النّوري توفي سنة (1320 هـ) وأمّا "فصل الخطاب" فقد طبع في سنة (1298 هـ.) بل قد ينقل النوري عن تفسير روح المعاني في كتاب فصل الخطاب(2) ولم يحك أحد هذا القول عن ابن شهرآشوب سوى الآلوسي.

____________

1 ـ روح المعاني: ص 44.

والمحقق ميرزا محمّد حسن الآشتياني (ت 1319) بعد أن فنّد مزاعم تحريف القرآن، أورد تلك السورة من كتاب "دبستان مذاهب" وقال: "لم اقف عليها من غير الكتاب المذكور نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المعروف، في كتاب المثالب، أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولا يبعد أرادة هذه السورة ولكنك خبير بانها ليست من القرآن المنزل اعجازاً قطعاً إذ يقدر كل عارف بلغة العرب أن يأتي بمثلها مع أنه قال سبحانه (لئن اجتمعت الإنس والجن...): بحر الفوائد في شرح الفرائد: ص 101.

وظاهر عبارة المحقق الآشتياني رحمه الله الذي يقول: "نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب في كتابه المثالب..." يدل انّه لم ير كتاب "المثالب" ولكنه اعتمد على قول الآخرين كالآلوسي حيث صرح الآلوسي قائلاً: "ذكر ابن شهرآشب المازندراني...".

وطبيعي أن لا يتوهّم أحد أنّ "المحدث النوري" نسب سورة الولاية المزعومة إلى "ابن شهرآشوب" اعتماداً على قول المحقق الآشتياني، ذلك لأنّ المرحوم المحقق الآشتياني ألّف كتابه "بحر الفوائد" في سنة 1315 هـ، أي بعد عدّة سنوات من طبع كتاب "فصل الخطاب". انظر: بحر الفوائد في شرح الفرائد: ج 4، ص 68 فإنه صرّح بتأريخ تأليف كتابه في سنة 1315 هـ. بل ربّما اعتمد على كلام النوري في فصل الخطاب.

2 ـ مثل قوله: "قال المحمود الآلوسي المعاصر في الفائدة السادسة من مقدمات تفسيره..." فصل الخطاب: ص 162.


الصفحة 401
2 ـ كتاب "تذكرة الأئمة" وهو المصدر الثاني الذي وردت فيه "سورة النورين" المزعومة لمحمد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، وقد فرغ من هذا الكتاب في سنة 1085 هـ.

وقد أورد المؤلف تلك السورة المزعومة تماماً وهي بنفسها ما وردت في كتاب دبستان مذاهب.

من هو مؤلف كتاب تذكرة الأئمة؟

لقد عدّ بعض جهلاً هذا الكتاب من مؤلفات "العلامة محمّد باقر المجلسي رحمه الله"(1)، بلحاظ التشابه الاسمي بين المجلسي ومؤلف الكتاب، ولكنّ الناظر للصفحات الأولى من هذا الكتاب يتبادر له أنّ مؤلفه من الطائفة الصوفية، وليس هناك ولو علقة بسيطة بين طريقة مؤلفه وطريقة الشيخ المجلسي(2)، ولم يوجد في موسوعة "بحار الأنوار" الذي ألّفه المجلسي لجمع الأخبار وفي المجلّدين اللّذين خصصهما لذكر الروايات حول القرآن الكريم، يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد في مؤلفات المجلسي كتاب بهذا الاسم(3) وإنّه ممّا لا يخفى على من راجع فهرست مؤلفات العلاّمة المجلسي، كما إنّ كلّ من كتب حول حياة العلاّمة المجلسي كالسيد مصلح الدين المهدي في كتابه "حياة العلامة المجلسي" لم يذكر هذا الكتاب له، هذا وقد قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني حول كتاب "تذكرة الأئمة":

"(تذكرة الأئمة) في تواريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام من

____________

1 ـ كصاحب كتاب اللؤلؤة على ما حكي عنه في "الفيض القدسي": ص 53.

2 ـ على سبيل المثال; انظر: الصفحة الاولى من هذا الكتاب ففيها حديث عن "كعب الاحبار" وحكايته عن قصته أمام معاوية بن أبي سفيان وهي من الاسرائيليات.

3 ـ انظر: ريحانة الأدب: ج 5، ص 195، روضات الجنات: ج 1، ص 118 ـ 124، الاعلام للزركلي: ج 3، ص 868، أعيان الشيعة: ج 9، ص 182 ـ 184، الذريعة: ج 23، ص 319 وما بعدها، رياض العلماء: ج 5، ص 39 والفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي.


الصفحة 402

ولادتهم ووفياتهم وبيان سائر حالاتهم وما يتعلق بذلك، للمولى محمّد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، فارسي... فرغ من تأليفه في (1085) حكى شيخنا في الفيض القدسي، تصريح صاحب الرياض بأنّ مؤلفه كان معاصراً للعلاّمة المجلسي مشاركاً معه في الاسم واسم الأب وكان مائلاً إلى التصوف، ومع هذا التصريح من صاحب الرياض وهو تلميذ العلاّمة المجلسي وخرّيت الصناعة فتكون نسبة الكتاب إلى المجلسي توهم منشأه الاشتراك الإسمي..."(1).

فلو كان هذا الكتاب للعلاّمة المجلسي لما قال "المحدّث النوري" في "فصل الخطاب" حول السورة المزعومة: "لم أجد لها أثراً في كتب الشيعة"(2)، بل إنّ محمد حسين الخاتون آبادي سبط العلامة محمد باقر المجلسي في رسالته التي ألّفها لبيان عدد تأليفات جدّه وعدد أبيات كل واحدة منها لم يذكر هذا الكتاب في سلسلة مؤلفات المجلسي(3) والمحدث النوري أيضاً ألّف كتاباً بعنوان "الفيض القدسي في أحوال العلاّمة المجلسي" وقال هناك بعد بيان فهرست جميع مؤلفات العلامة المجلسي ما نصّه:

"قال الفاضل المعاصر المحقق سلّمه الله تعالى في الروضات بعد ذكر كلام اللؤلؤة في نسبة كتاب "تذكرة الأئمة" إليه:

قلت: ـ أي صاحب الرَّوضات ـ وهذا باطل من وجوه، أخصرها وأمتنها عدم تعرض ختنه (أي العالم محمّد حسين الخاتون آبادي رحمه الله) الذي هو بمنزلة القميص على بدنه في كراسه التي وضعها

____________

1 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4، ص 26.

2 ـ فصل الخطاب: ص 180.

3 ـ رسالة في در بيان عدد تأليفات العلامة المجلسي.


الصفحة 403

لخصوص فهرس مصنفات المجلسي أصلاً مع أنـّه كان بصدد ضبط ذلك جدّاً بحيث لم يدع رسالة تكون عدد أبياتها خمسين بيتاً فما دونها".

ثم قال المحدث النوري رحمه الله:

"إنّ أمتن الوجوه بل الشاهد على كذب النسبة قطعاً أنّ تلميذه الفاضل الميرزا عبد الله الاصفهاني قال في الرياض في الفصل الخامس المعدّ لذكر الكتب المجهولة وقد كتب هذا الموضع منه في حياة استاذه كما يظهر من مطاوي الفصل ما لفظه: كتاب تذكرة الأئمة من تأليفات بعض أهل عصرنا ممن كان له ميل إلى التصوف.

وكيف يخفى عليه مؤلَّف شيخه وهو جذيلها المحكك وعذيقها المرّجب."(1)

هذا ويقوي احتمال أنّ هاتين السورتين قد وضعتا وجعلتا من قبل مجموعة من الصوفية لأن سجعما ووزنهما ومفادهما شبيه بأذكار وأوراد الصوفية التي يصوغونها تقليداً لكلمات القرآن الكريم، ويحتمل أنهما لم تسمّا بادئ ذي بدء "بسورة الولاية والنورين" أي لم يطلق عليهما كلمة "سورة" ولكنّ بعضاً ممّن جاء فيما بعد وبالتدريج كمؤلف "تذكرة الأئمة" توهم أن هذه سورة من سور القرآن الكريم.

____________

1 ـ الفيض القدسي، المطبوع في بحار الأنوار: ج 105، ص 53 ـ 54.


الصفحة 404

حصيلة القول في مصدر السورتين المزعومتين:

إنّ المصدر الوحيد لسورة الولاية ليس إلاّ نسخة مخطوطة من القرآن يقال قد كتبت في القرن السابع عشر الميلادي ولم يقدم أحد أي مصدر ومستند آخر لها ومصدر سورة النورين هو كتاب "دبستان مذاهب" ولم يكن لهذه الاسطورة قبله من أثر وقد أخذهما مؤلف تذكرة الأئمة منهما.

ولو حقّقنا في مؤلف كتاب "دبستان مذاهب" وقضية تأليفه والأفراد الّذين نقل عنهم المؤلف ومكان التأليف والذين اهتمّوا بنشره و...; لاتَّضح لنا بما لا يقبل الشك أنَّ هذه السورة المزعومة لم تكن إلاّ مؤامرة من قِبَلِ أعداء الدين، أو هي من أذكار وأوراد الصوفيين الجهلة، والآن نذكر لك بعضاً ممّا خطّته أنامل المحقق البارع لكتاب "دبستان مذاهب" الذي بذل جهداً كبيراً في تحقيق هذا الكتاب(1) حيث قال في مقام مؤلف هذا الكتاب ما ترجمته:

"الخلاصة إنّ المحققين صبّوا جلّ اهتمامهم حول مؤلف هذا الكتاب; فبعضهم نسب هذا الكتاب إلى الشيخ محمّد محسن فاني الكشميري، وهي نسبة لو تنبّهنا إلى الأدّلة المتعددة لثبت لدينا أنّ هذه النسبة غير مطابقة للواقع"(2).

ثمّ ذكر أدلّته، وبعد التنبه إلى القرائن والشواهد المتعددة كتب:

"إنّ كلّ هذه القرائن والشواهد الكافية تجعلنا نعتقد ونقول بضرس قاطع: إنَّ مؤلف "دبستان" هو أحد الأتباع الخلّص لآذركيوان وآيين دساتيري، الذي هو مورد احترام سائر الآذركيوانيين"(3).

____________

1 ـ وهو رحيم رضازاده ملك.

2 ـ دبستان مذاهب: ج 2، ص 22.

3 ـ المصدر السابق: ص 46.


الصفحة 405
وبعد البحث والمطالعة توصّل إلى: "أنّ مؤلف "دبستان مذاهب" لا يكون إلاّ موبد كيخسرو اسفنديار ولد آذركيوان"(1).

وأمّا ما يتعلّق بالمصادر التي اعتمد عليها مؤلف "دبستان مذاهب" فقد قال المحقق ـ بعد ذكر القرائن والشواهد ـ:

"الذي أعتقده أن مؤلف "دبستان" لم يراجع إلاّ رسائل وكتب آذركيوان وبعض كتب ورسائل الزردشتية مباشرة، إلاّ أنّ قسماً من الكتب والرسائل المتعددة التي ذكرها في متن كتابه لم يرها أصلاً"(2).

وأمّا ما يتعلق بأغراض وأهداف المؤلّف فقد قال محقق الكتاب:

"إنّ مؤلف الكتاب وإن حاول أن يوحي للقارئ بأنه التزم الحياد، ولم يعدّ نفسه من أيّة فرقة أو دين، بل أظهر أنه يقبل بكلّ الاديان والمذاهب، ويأخذ بقول المعتقدين بالأديان والفرق لتمجيد وتعظيم وتحسين وتكريم وحاول إثبات أحقية كل المذاهب والفرق... ولكنه [في الحقيقة] سعى أن يحصر جميع الأديان والمذاهب في مبدأ واحد ومنشأ فرد، وحاول تضليل القارئ لقبول فكرة ان أول المسلك هو مسلك "بارسيان" وآخر المذهب هو مذهب "الآذركيوانيين" وانه جامع لجميع جهات الحسن والصحة"(3).

وأخيراً كتب حول بعض مضامين كتاب دبستان قائلاً:

"إنّ قسماً كبيراً من المستندات التي ذكرت حول الأديان والمذاهب المختلفة ومن جملتها المسلمون وخصوصاً الشيعة منهم، باطلة

____________

1 ـ دبستان مذاهب: ص 58.

2 ـ دبستان مذاهب: ج 2، ص 124.

3 ـ المصدر السابق: ج 2، ص 124 ـ 125.


الصفحة 406

ومغرضة حيث يمكن للقارئ أن يلاحظ أنّ أكثر مستنداته بل جميعها قد أخذها عن أفواه جمع من السفلة والأوباش، كما أن مؤلف دبستان وإن أظهر نفسه بأنه حيادي، ولكننا نعلم بأنه من الدعاة إلى المسلك المجعول والكاذب وغرضه الاساس ـ وإن كان قد أخفاه علينا ـ هو إبطال اعتقاد المتدينين بالأديان وجرّهم إلى زمرة المعتقدين بمسلكه.

وفي مقام هذه المطالب السخيفة التي وردت في دبستان لنا احتمال آخر يمكن أن نذكره وهو:

"إنّ كتاب "دبستان" ترجم لأول مرّة من قِبَلِ الانجليز، وطبعه بالفارسية أول مرة "ويليام صاحب"! ومن ذلك يظهر أنه ليس ببعيد أن الانجليز طبقاً لقانونهم. Divide And Rule [أي فرّق تسد]. قد دسّوا في هذا الكتاب كثيراً من المطالب الخاطئة والمغرضة والموضوعة، ولأنّ تلك المطالب الموضوعة لا سابقة لها وهي دالّة على حمقهم بوضوح فقد نسبوها إلى أفواه الناس"(1).

وعلى أية حال فماذا ننتظر من كتاب هذه قصته، وهذا مؤلفه وماهيته؟ وماذا ينبغي أن نقول في رجل جعل من نفسه ـ من حيث يعلم أو لا يعلم ـ "حمّالة الحطب" لأعداء الإسلام بنشر أفكاره المجعولة تلك؟ وماذا يريد الدكتور القفاري وغيره في تشبثه بسورة النورين بالاعتماد على كتاب ألّفه كافر أراد منه هدم الكيان الاسلامي.

أفلا يتحتّم علينا تنزيه ساحة القرآن المقدّسة من مثل هذه المصادر كدبستان

____________

1 ـ دبستان مذاهب: ص 140.

وان أردت مزيد تفصيل فعليك بمراجعة الجزء الثاني من "دبستان مذاهب": ص 131 وما بعدها، مبحث "مؤلف دبستان كيست" "موضوع دبستان" "نسخ خطّي وچاپي دبستان".


الصفحة 407
مذاهب، وما من يوم إلاّ وينشر فيه المستشرقون المغرضون ـ كما رأيتم ـ اُسطورة سورة الولاية وسورة النورين اعتماداً على كتاب دبستان مذاهب ونسخة مخطوطة مجهولة من القرآن.

نعم إذا كان في الماضي قد حيكت تلك المؤامرة لأنّ الإنجليز قد ملأوا جيوبهم من الباوندات الإنجليزية، فإنه في الحاضر يمكن له الحصول على المزيد من الدولارات الأمريكية بواسطة زمرة من بعض الناس ليحصل له ما يريده من الكيد والتفرقة بين المسلمين.

والحاصل أنّ قصة المصحف السرّي ليست إلاّ سراباً طبّل وزمّر له الدكتور القفاري كثيراً، وجذور هذه القصّة تمتد إلى كتاب "دبستان مذاهب" ونسخة مجهولة من القرآن لا غير، هذا من حيث السند وما أقبحه من سند.

وأمّا لو غضضنا الطرف عن سند تلكما السورتين المزعومتين وألقينا نظرة خاطفة على مضامينهما لوجدنا لأول وهلة أنّ تعابيرهما رديئة كلّ الرداءة ومضطربة، وهي ممّا يتبرأ المخلوقون منه لركاكته فكيف بربّ الخلق وخالق اللّسان والقلم؟! كما رأيتم مسبقاً وبالتأكيد أنّ علماء الإمامية لا سيّما الذين ردّوا على كتاب "فصل الخطاب" قد فنّدوا جملهما وبيّنوا زيفهما وبطلانهما.


الصفحة 408

مصحف [الإمام] علىّ [عليه السلام]

لاحظت في الأبحاث المتقدمة أن الدكتور القفاري لم يترك الكلام عن مصحف علي بمناسبة أو بغير مناسبة، فانّه افتتح مبحثه هذا بخبر مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد عدّ هذا المصحف من الأمور الموجودة في وهم الشيعة وخيالهم، ولا حقيقة له في الواقع، وانّه وُلد في محيط الشيعة فقط، وقال:

"ومن هذه الدّعوى والتي وجدت في محيط الشيعة... أنـّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغيّر... وأنّ القرآن الكامل المحفوظ من أيّ تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده...

ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد الله بكتاب محرّف وناقص ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة، لأنّ من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها...

وأنهم ـ أي الشيعة ـ ربطوا وجود المصحف بإمامهم المنتظر... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال..."(1).

ثم ربط خبر مصحف الإمام علي عليه السلام بالأيدي السبئية وحاول اكتشافها فقال:

"هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية إذ أنـّنا نلاحظ أن

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 202 وانظر أيضاً: 339، 1022، قال الدكتور القفاري: "ذاك المصحف من رواسب روايات اسطورة التّحريف خرافة... ويعدُّ من النقض على قول من قال بصيانة القرآن عن التّحريف" انظر: المصدر نفسه: ص 285.