الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بشر يتكلّم في الغضب والرّضا، فأبيت عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ الحقّ"(1).
|
والمؤسف أنَّ هذه الفكرة استمرت إلى ما بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وتركت آثاراً مضرّة ومخرّبة، ودراسة تلك الأضرار، من فتح الطريق لدخول الاختلاق والوضع في الأحاديث ونشر الاسرائيليات بشكل واسع، وابتعاد الناس عن المنبع الثاني في التشريع وهم أهل البيت عِدل القرآن ـ ونقدها وتقويم آراء العلماء في هذه المسألة يحتاج إلى مجال آخر.
المناقشة الثالثة:
قال الدكتور القفاري:
"على أي الأحوال فإنّ قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعليّ [عليه السلام] مصحف مثل بعض الصحابة كابن مسعود وغيره... وهذا لا يتضمن الطعن في كتاب الله سبحانه..."(2).
|
سبحان الله!! هل أنّ في روايات الشيعة أو في آراء كبار علماء الشيعة رأي كهذا؟ فمن من عظماء الشيعة يذهب إلى وجود مصحف للإمام علىّ عليه السلام ويطعن في كتاب الله؟! ثمّ إنّ الدكتور القفاري ليدّعي ويقول:
"قد أكثر القوم في الحديث عن مصحف [الإمام] علي [عليه السلام ]المزعوم والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب الله"(3).
|
____________
1 ـ تقييد العلم: ص 80 ـ 81 والمستدرك على الصحيحين: ج 1، ص 105 و106 ومسند أحمد: ج 2، ص 162، 192 وسنن الدارمي: ج 1، ص 125 وسنن أبي داود: ج 2، ص 126 وبمضمونه في تقييد العلم: ص 68 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: ج 1، ص 85.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 237.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 261.
قال: فاخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كلُّه أم فيه ما ليس بقرآن؟
قال عليه السلام: بل هو قرآن كلّه إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإنّ فيه حجّتنا وبيان [أمرنا و] حقّنا وفرض طاعتنا، فقال طلحة، حسبي، أما إذا كان قرآناً فحسبي"(1).
ونحن قد ذكرنا أنه لا يوجد مصحف كمصحف الإمام علي عليه السلام من حيث احتوائه على كافة علوم الوحي كما دلّت على ذلك روايات الفريقين.
على هذا فإن ما قاله الدكتور القفاري: "والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب الله..." إذا كان المقصود من الزيادات ما ورد بعنوان التأويل والتفسير و... كما هو عليه اتفاق علماء الإمامية فهذا مالا يوجب الطعن في القرآن، وإن كان المراد من الزيادات هو الزيادة في نصوص آيات الوحي والقرآن المُنزل، فما هو دليل الدكتور القفاري على ذلك؟ لا دليل لديه سوى عدّة روايات من خبر الواحد، ولو غضضنا النظر عن سندها ومتنها وفرضنا صحّة سندها وقوّة متنها، وغمضنا أيضاً عن أن ما يرتبط بنفس آيات الوحي والقرآن المنزل، يحتاج إلى روايات متواترة لفظياً لا معنوياً ولا اجمالياً ـ لو أغمضنا النظر عن كل ذلك ـ لما وجدنا فيها دلالة على وجود زيادات في نصوص الآيات القرآنية كما هو واضح لدى كل منصف.
____________
1 ـ كتاب سليم بن قيس، ص 581 ـ 582.
المناقشة الرابعة:
وهي التّي أثارها الدكتور القفاري مستنداً إلى بعض الرّوايات في كتب الشيعة.
فالدكتور القفاري في بحثه تلك الرّوايات بدأ بالنقل على "كتاب الاحتجاج" لكن روايات كتاب الاحتجاج خالية من السند كما يعلم بذلك الدكتور القفاري، ورغم أن المؤلف ألزم نفسه بأنه لا يذكر في احتجاجه إلاّ الرّوايات المعتبرة، ولكنه ـ كما قلنا ـ بحذفه الاسناد سقط كتابه الاحتجاج في مقام الاحتجاج والاستدلال وهو غير قابل للاعتماد في البحث العلمي، بل هناك ترديد لدى بعض علماء الشيعة في المؤلف الحقيقي لكتاب الاحتجاج(1)، ومع هذه الأوصاف التي يحملها كتاب الاحتجاج فلننظر إلى ماتمسك به الدكتور القفاري من كتاب الاحتجاج؟ فيقول:
"فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردّوا مصحف علىّ حينما جاء لأوّل وهلة فإن رواية الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه; فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فضائح القوم; وهي هنا تقدم لنا موضوعاً من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني الطعن في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم".
|
وقام بعد ذكر هذه العبارة كما هو شأنه وشأن غيره كابن تيمية بكيل السباب والألفاظ البذيئة ضد الشيعة(2).
فنحن نقول:
أولاً: إنّ هذا حسب قولك هو طعن في الصحابة لا طعناً في كتاب الله، فالكلام
____________
1 ـ كالاستاذ الشيخ معرفة في صيانة القرآن عن التّحريف: ص 231.
2 ـ كهذه العبارة: "لا يطفئ الحقد الذي اكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الأوّل الذين فتحوا ديارهم ونشروا الإسلام بينهم بل لا تتغذى قلوبهم الحاقدة إلاّ على موائد سب الصحابة، ولا ترتوي نفوسهم السوداء إلاّ بالطعن فيه". اصول مذهب الشيعة: ص 237.
ثانياً: إنّ وجود المنافقين من الصحابة في عصر الوحي وقبيل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر مسلَّم به دلّ عليه القرآن والسنّة، ومن البديهي أيضاً أنـّه في خلافة أبي بكر لم يكن جميع هؤلاء قد ماتوا، وليس جميعهم قد دخل نور الإيمان في قلوبهم، بل ان بعضهم قد بقي حياً بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم واستمر في نفاقه، ودليل ذلك قوله تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ الله مخرج ما تحذرون)(1) وكذلك قوله تعالى: (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرّتين ثمّ يردون إلى عذاب عظيم)(2). وقال السيوطي: نقلاً عن "ابن المنذر" و"ابن حاتم" و"أبي الشيخ" عن "قتادة":
"كانت هذه السورة تسمى الفاضحة، فاضحة المنافقين وكان يقال لها المثيرة، أنبأت بمثالبهم وعوراتهم"(3).
|
وعلى هذا فإنّ وجود المنافقين في أوساط صحابة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر بديهي، والله تبارك وتعالى ذكر في سور القرآن الكريم ومن ضمنها سورة التوبة الأوصاف الروحية للمنافقين، وخططهم وبرامجهم التي أعدّوها للكيد للإسلام والمسلمين، ولكن طريقة القرآن الكريم لم تكن ذكر المنافقين بأسمائهم، وهو أيضاً سنة وسيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم التي استقاها من السّماء، "فانّ سيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله مع المنافقين تأبى ذلك فان رأيه تأليف قلوبهم
____________
1 - سورة التوبة (9): الآية 64.
2 ـ السورة نفسها: الآية 102.
3 ـ الدرّ المنثور: ج 3، ص 209.
وعلى هذا فلو تغاضينا عن سند تلك الرّوايات ونظرنا إلى دلالتها فما دلّ منها على ذكر أوصاف المنافقين فقط لا أسمائهم فهذا ممّا لا سبيل إلى ردّه وإنكاره، وما كان مصحوباً بذكر أسمائهم فإننا نردّه أيّاً كان سنده لمخالفته الكتاب والسنة الصحيحة.
والرواية الاخرى ذكرها الدكتور عن كتاب "قرب الإسناد نقلاً عن بحار الأنوار" عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال:
"دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتفحصته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان يعني الاولين"(3).
|
كيف يسوغ للدكتور القفاري الاعتماد على هذا الخبر في إثبات وجود الزيادة في القرآن، والحال ان هذا الخبر من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن "مدرج" وبالتالي فهو ساقط عن الاعتبار؟ وأمّا أنـّه مدرج فان هذا المصحف الّذي ادّعى الراوي أنـّه أخذه من الإمام الصادق عليه السلام لو كان هو مصحف الإمام علي عليه السلام، فإنّ الإمام علياً دوّنه في زمان خلافة أبي بكر ولمّا يحكم عمر بعد، حتّى يصدق عليهما عنوان الأولين وهذا ممّا يثبت إدراج عبارة "يعني الاولين" في متن الرواية ـ التي نسبها الدكتور القفاري اشتباهاً إلى المجلسي ـ
____________
1 ـ البيان: ص 225.
2 ـ هذه الرواية جاءت بصورة متواترة وقد تعرّضنا إلى سندها ومتنها في المقام الأوّل.
3 ـ بحار الأنوار: ج 92، ص 48.
الرواية الثالثة هي رواية الكافي بسند مرسل وقد ذكرت في كتاب بصائر الدرّجات واختيار معرفة الرجال بمضمون آخر، ففي بصائر الدرّجات بسنده عن البزنطي قال:
"... ففتحت المصحف لأقرأ فيه، فلما نشرته نظرت فيه في "لم يكن" فاذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه فقدمت على قراءتها فلم أعرف منها شيئاً، فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها، فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها بشيء ومعه منديل وخيط فقال، مولاي يأمرك أن تضع المصحف في منديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم ففعلت ذلك."(1).
|
وفي الكافي أورد عن البزنطي نفسه:
"دفع الي أبو الحسن مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف."(2).
|
وفي "اختيار معرفة الرجال" أيضاً عن البزنطي قال:
"لما أُتي بابي الحسن عليه السلام اخذ به على القادسية ولم يدخل الكوفة واخذ به على البِّر إلى البصرة قال، فبعث إليّ مصحفاً وانا بالقادسية، ففتحته فوقعت بين يدي سورة "لم يكن" فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس، قال فحفظت منه أشياء قال، فأتاني مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال، هات! فدفعته إليه فجعله في المنديل ووضع عليه الطين وختمه فذهب عنّي |
____________
1 ـ بصائر الدرّجات: ص 246 وبحار الأنوار: ج 92، ص 51.
2 ـ الكافي: ج 2، ص 631.
ما كنت حفظت منه وجهدت أن أذكر منه حرفاً واحداً فلم أذكره." |
وهذه الرواية أيضاً من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن مضطربة، ولا يمكن إطلاقاً الاعتماد عليها في هذا الموضوع المهم جدّاً، وعلى فرض صدورها واعتبار متنها فهي لم تصرّح بزيادة أسماء سبعين رجلاً من قريش أو أشياء أخرى كانت في متن السورة، وهو كما ذكره المحدث الفيض الكاشاني بقوله:
"لعلّ المراد انّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي، لا أنها كانت من أجزاء القرآن"(1).
|
ولكن الكلام هنا مع الدكتور القفاري كيف طوعت له نفسه الاعتماد على مثل هذا الحديث الضعيف سنداً والمضطرب متناً مع إنّه لاحظ ذلك الحديث وقال:
"نصوص متناقضة كالعادة في كلّ اسطورة وإذا كان يصعب كتابة شيء منه أو حفظ جزء منه، فكيف حفظت وكتبت تلك الأساطير؟ وإنّها أوهام يناقض بعضها بعضاً"(2).
|
ثم استفاد من هذا التناقض بطلان المذهب بقوله:
"والتناقض أمارة بطلان المذهب"(3).
|
وعلى هذا يمكن لنا أن نستنتج أنّ كلّ رواية من روايات كتب أهل السنة مضطربة المتن ـ وهو ما يوجب عدم اعتبارها ـ فإنها في نظر أهل الشقاق دليل على التناقض وعلامة بطلان المذهب!! وهكذا يستمر الدكتور القفاري ويقول:
"... هذا المصحف يشير إلى أنّ من موضوعاته تكفير صحابة رسول |
____________
1 ـ الوافي: ج 5، ص 273.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 264.
3 ـ نفس المصدر: 268.
الله صلّى الله عليه وسلّم فهو ليس كتاب الله الذي اُنزل للناس كافّة والذي أثنى على الصحابة في جمل من آياته... بل هو مصحف تتداوله الأيدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض الأخبار لأهل البيت لتسيء لهم".
|
ورجماً بالغيب يقول:
"وإنّ ما حفظ من سبعين اسماً يتعلق بأعداء الأئمة من قريش"(1).
|
هذه الخرافة نسبها الدكتور القفاري إلى رواية البزنطي، والحال أنّ سورة "لم يكن" لم تكن في الأصل تخص المنافقين، وإنّما هي حول أهل الكتاب والمشركين وفي الواقع إن تلك الثورة العاصفة والغضب الصاعق والاتهامات الصادرة من الدكتور القفاري إنّما سببها في الحقيقة هو بحسب زعم الدكتور القفاري إنّ مصحف الإمام علي طعن في الصحابة وكفّر بعضهم والصحابة بأجمعهم أعلى وأجلّ من الكفر والنفاق في حين أنّ المنافقين كانوا في أوساط الصحابة. فهذا ابن تيمية يقول في "حذيفة بن اليمان":
"وأما حديث حذيفة فقد ثبت في الصحيح ان حذيفة كان يعلم السر الذي لا يعلمه غيره وكان ذلك ما أسرّه إليه النبىّ صلّى الله عليه وسلّم عام تبوك من أعيان المنافقين، فإنّه روى أن جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلّوا حزام ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالليل ليسقط من بعيره فيموت وإنّه أوحي إليه بذلك وكان حذيفة قريباً منه فأسرّ إليه أسماءَهم"(2).
|
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 264.
2 ـ التفسير الكبير، ابن تيمية: ج 2، ص 69 ـ 70، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمار وحذيفة ـ رضي الله عنهما ـ الرقم 3743.
وعلى أية حال فإنّا نقول: ساحة القرآن المقدسة أعلى وأعظم شأناً من أن تمس بوجود أمثال هذه الرّوايات أو الافتراءات التي لفقّها الدكتور القفاري، وإلاّ فهذا النوع من الرّوايات يوجد أمثالها في كتب أهل السنة في مقام نفس هذه السورة "لم يكن" أيضاً ـ كما مرّ علينا في المقام الأوّل ـ فهل يجب علينا الركون إلى معايير الدكتور القفاري وتعصّبه مع تلك الرّوايات المتعددة والتي بعضها صحيح السند، يعني أنـّه بدلاً من أن يجعل الاضطراب في متن هذه الرّوايات وبُعدها عن الفخامة والعذوبة دليلاً على أجنبيتها عن القرآن وكونها ليست منه، بدلاً عن ذلك يستنتج من التناقض الذي فيها بطلان المذهب، أو يستدل بهذه الرّوايات المزعومة على وجود مصحف سرّي في أيدي الباطنية، فاي من هذين الطريقين يمكن عدّه من الطريقة التحقيقية السليمة المتصفة بالإنصاف والحكم بالعدل لبيان الحقائق؟
وعلى هذا فماذا يريد أن يثبته الدكتور القفاري من ادّعائه هذا يا ترى؟ طبعاً الشيعة تقول ـ كما هو قول كبار علماء أهل السنة أيضاً ـ إنّنا لو كان هذا المصحف ـ أي مصحف الإمام علي عليه السلام ـ في متناول أيدينا لحصلنا على معلومات أكثر عمقاً فيما يرتبط بالآيات وتفسيرها وتأويلها وشأن نزولها وغير ذلك ممّا هو في أيدينا الآن، وهذه النكتة غير خافية على المحققين. وأظنّ انّ هذا المصحف الذي لم ير النور بين أوساط المسلمين بالنظر إلى مؤلفه الذي يمتلك تلك الشخصية العظيمة; هو باتفاق الفريقين "باب مدينة علم النبىّ"(1) و"لم يسبقه الاوّلون ولم يدركه
____________
1 ـ استقصى مؤلف كتاب "نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار" أسانيد هذا الحديث وقال: هذا الحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين: انظر: نفحات الازهار: ج 10 وأيضاً راجع: فتح الملك العلي بصحة أحاديث باب مدينة العلم علىّ، أحمد بن محمد الغماري والسيوطي قد حكم بأنّه حديث حسن! تاريخ الخلفاء: ص 159.
وكذلك ابن تيمية بعد ذكره الوضع والاختلاق في الأحاديث إذ يقول:
"وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة... والموضوعات في كتب التفسير كثيرة"(6).
|
____________
1 ـ هذا مقطع من خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، والتي نقلها الفريقان، فمثلاً راجع: حلية الاولياء: ج 1، ص 65.
2 ـ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 124 والصواعق المحرقة: ص 76 ـ 77 والمعجم الاوسط والصغير للطبراني نقلاً عن تاريخ الخلفاء: ص 162، للسيوطي وقال: "وزاد في المعجم: لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض" نفس المصدر.
3 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338 والصواعق المحرقة: ص 12 وانساب الأشراف: ج 2، ص 98 وتاريخ دمشق: ج 2، ص 485 والمحرر الوجيز: ج 1، ص 13.
4 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 328 وتفسير الطبري: ج 13، ص 221 وشواهد التنزيل بعدّة أسانيد: ج 1، ص 40 و45 والمستدرك للحاكم: ج 2، ص 466، حلية الاولياء: ج 1، ص 67، والاستيعاب: ج 4، ص 1107.
5 ـ نقلاً عن مقدمة في اصول التفسير لابن تيمية: ص 4.
6 ـ مقدمة في اصول التفسير: ص 19.
بواسطة كعب الاحبار وابن منبه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسربت إلى الحديث لا سيما في التفسير طائفة من اقاصيص التلمود ـ الاسرائيليات ـ وما لبثت هذه الرّوايات ان أصبحت جزءاً من الأخبار الدينية والتاريخية. فعلى سبيل المثال انظر: الدرّ المنثور: ج 5، ص 347 و... واستمع بعد ذلك إلى كلام ابن كثير فانه بعد أن روى عدة روايات عن كعب الاحبار في تفسير الآيات 102 ـ 107 من سورة الصافات قال:
"وهذه الاقوال والله اعلم كلّها مأخوذة عن كعب الأحبار فانه لما اسلّم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عمّا في كتبه قديماً فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمّة والله اعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده". تفسير القرآن العظيم: ج 4، ص 17.
"إنّ دخول الاسرائيليات في التفسير أمر يرجع إلى عهد الصحابة رضي الله عنهم... وسبق لنا القول بأن الرجوع إلى أهل الكتاب كان مصدراً من مصادر التفسير عند الصحابة... وأما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب فكثرت على عهدهم الرّوايات الإسرائيلية في التفسير..."(1).
|
فإنّ عمدة هذه المصائب هو تجريد القرآن من تبيين وتفسير النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم له، والفراغ الحاصل لدى المسلمين في تفسير القرآن لوجود فاصلة بين المجتمع الاسلامي والأشخاص الذين جعلهم النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عدل القرآن وورّاثه(2)، ولَنِعْمَ ما قاله عبد الكريم الشهرستاني في المقام:
____________
1 ـ التفسير والمفسرون: ج 1، ص 169.
2 ـ وهو مفاد حديث الثقلين.
"كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب أَوَ ما كان أَكتَب من زيد بن ثابت؟! أَوَ ما كان أَعرَب من سعيد بن العاص؟! أَوَ ما كان أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جَمعَه واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً... ومن المعلوم إنّ الذين تولوا جمعه كيف خاضوا فيه ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف، بعد اتفاقهم على أنّ القرآن مخصوص بهم وإنّهم أحد الثقلين في قول النبىّ صلّى الله عليه وآله إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وفي رواية أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..."(1).
|
____________
1 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.
أقول: ما قاله الشهرستاني قولٌ في محله، فانّ القرآن مخصوص بهم وهم حملة تراثه، وإنّا ـ كما قال بعض المحققين ـ إذا أخذنا بنظر الاعتبار السؤال الذي يطرح عادةً وهو السؤال عن حدود التفسير الذي مارسه الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله ومداه، فهل شمل القرآن كله بان كان يفسّر الآيات تفسيراً شاملاً؟ أم اقتصر على جزء منه؟ أم كان يتناول الآيات التي يستشكل الصحابة في فهمها ويسألون عن معناها وحسب؟
فهناك من يعتقد ان النبىّ صلّى الله عليه وآله لم يفسر إلاّ آيات من القرآن ويستند أصحاب هذا القول في ذلك إلى روايات تنفي ان يكون الرسول صلّى الله عليه وآله قد فسّر القرآن كلّه تفسيراً شاملاً وعلى رأس هؤلاء السيوطي في الاتقان (ج 4، ص 196 ـ 200).
فمن تلك الرّوايات ما أخرجه البزاز عن عائشة قال: "ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يفسر... إلاّ آياً بعدد..." (التفسير والمفسرون، للذهبي، ج 1، ص 51).
وأهم ما يعزز هذا القول هو طبيعة الأشياء والوقائع المشهودة وإلاّ لكثرت روايات الصحابة عنه في هذا الشأن، ولما وجدنا الكثرة الكاثرة منهم أو كبار رجالاتهم يتحيرون في معنى آية أو كلمة من القرآن ويغيب عنهم حتّى المدلول اللفظي للنص.
ولكن توجد في مقابل ذلك أدلّة وشواهد من القرآن وغيره تشير إلى ان النبىّ صلّى الله عليه وآله كان يقوم بعملية تفسير شامل للقرآن كله، ولعل في طليعة ذلك قوله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) البقرة (2)/ 151 وقوله تعالى: (...وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون)النحل/ 44.
وطبيعة الأشياء حين ننظر إليها من زاوية أخرى غير الزاوية السابقة... تدلّ على أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله قد فسّر القرآن تفسيراً شاملاً كاملاً لأنـّنا عرفنا: من ناحية أنّ الفهم الاجمالي للقرآن لم يكن كافياً لكي يفهم الصحابة القرآن فهماً شاملاً دقيقاً... ومن ناحية أخرى نحن نعرف: أنّ القرآن لم يكن في حياة المسلمين نصاً أدبياً أو أشياء ترتل ترتيلاً في عباداتهم وطقوسهم وانما كان الكتاب الذي أُنزل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتزكيتهم وتثقيفهم والارتفاع بمختلف مستوياتهم وبناء الشخصية الاسلامية الواعية للفرد والاسرة والمجتمع.
ومن الواضح أنّ هذا الدور العظيم لا يمكن للقرآن الكريم أن يؤديه بصورة كاملة شاملة ما لم يفهم فهماً كاملاً شاملاً...وهكذا نجد أنفسنا أمام تناقض بين قولين لكلّ منهما شواهده ومعززاته وهذا التناقض بحاجة إلى حلّ.
وقد لا نجد حداً منطقياً أقرب إلى القبول من القول: بأنَّ النبىّ صلّى الله عليه وآله فسّر القرآن الكريم على مستويين: فقد كان يفسّره على مستوى العام في حدود الحاجة ومتطلبات الموقف الفعلي ولهذا لم يستوعب القرآن كله.
وكان يفسّره كذلك على مستوى خاص تفسيراً شاملاً كاملاً بقصد ايجاد من يحمل تراث القرآن ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تتيح له ان يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمة للقرآن...
ونحن إذا فسّرنا الموقف في هذا الضوء، وجدنا أنـّه يتّفق مع طبيعة الأشياء من كل ناحية.
فندرة ما صح عن الصحابة من الرّوايات عن النبىّ صلّى الله عليه وآله في التفسير مردها إلى أنّ التفسير على المستوى العام لم يكن يتناول جميع الآيات بل كان يقتصر على قدر الحاجة الفعلية.
ومسؤولية النبىّ صلّى الله عليه وآله في ضمان فهم الأُمة للقرآن وصيانته من الانحراف يعبّر عنها المستوى الخاص الذي مارسه من التفسير ولا يكفي المستوى العام لحصول هذا الضمان...
وهذا الحلّ المنطقي للموقف تدعمه النّصوص المتواترة الدالة على وضع النبىّ صلّى الله عليه وآله لمبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في مختلف الجوانب الفكرية للرسالة ووجود تفصيلات خاصة لدى أهل البيت تلقوها عن النبىّ صلّى الله عليه وآله في مجالات التفسير والفقه وغيرهما.
أما النصوص التي تمثل مبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في الجوانب الفكرية للرسالة فهي كثيرة..." ثم ذكر عدة نصوص، منها حديث الثقلين وحديث الامان (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف" انظر: مستدرك الصحيحين: 3/ 149 والصواعق: 140) وحديث السفينة (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق"، راجع لمصادره، فضائل الخمسة: ج 2، ص 44 ـ 66) وحديث الحق (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" انظر: تاريخ بغداد، ج 14، ص 321 وتفصيل الرواة في فضائل الخمسة: ج 2، ص 122 ـ 124) وغيرها من النصوص... (علوم القرآن: السيد محمّد باقر الحكيم، ص 252 ـ 257.
المناقشة الخامسة:
وهي ما زعمه الدكتور القفاري بقوله:
"إذا كان لعلي [عليه السلام] مصحف يخالف المصحف الإمام فما يخالف المصحف الذي أجمع عليه المسلمون لا اعتداد به..."(1).
|
إن كان مراد الدكتور القفاري من مخالفة مصحف الإمام علي عليه السلام للمصحف الموجود المجمع عليه من حيث عدم اشتماله على تبيين وتفسير النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولكنَّ مصحف الإمام علي عليه السلام كان مليئاً بالتفسير والتبيين، فعلى هذا يجب الرجوع إلى المصحف المجمع عليه وغيره لا اعتبار له. هذا التفاوت في المصحف لا يوجد خللاً في جوهر القرآن، رغم ان المصادر والشواهد اثبتت بان تجريد المصاحف من تبيين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في الحقيقة اجتهاد في مقابل النصّ، وهو استمرار لشعار "حسبنا كتاب الله"(2) وتنفيذ سياسة منع كتابة ونشر حديث النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد بحثنا ذلك آنفاً.
ورغم أنّ القرائن والشواهد المتعددة تفيد بأنّ الصَّحابة ـ باقتضاء حضورهم
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1022.
2 ـ وهو شعار الخليفة الثاني عند وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وللوقوف على سند ومتن هذا الحديث راجع: الهوامش التحقيقية الملحقة بكتاب المراجعات: ص 446 وما بعدها.
"كانوا ـ أي الصحابة ـ ربما يدخلون التفسير في القراءة أيضاً وبياناً لأنهم محققون لما تلقوه عن النبىّ قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه"(1).
|
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وهو في بيان قصد عثمان لتوحيد المصاحف:
"أخذه بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل اثبتت مع التنزيل..."(2).
|
ولكنّ سياسة تجريد القرآن من السنّة حدثت بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم. يقول الطبري في سيرة عمر ما نصّه:
"كان عمر إذا استعمل العمّال خرج معهم يشيعهم فيقول جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمّد صلّى الله عليه وأنا شريككم"(3).
|
والحقيقة أنّ ذلك الموقف السلبي من كتابة سنة النبىّ صلّى الله عليه وآله تمتد جذوره إلى عصر الرسالة كما ظهر جليّاً في موقف قريش من عبد الله بن عمرو بن العاص(4) ـ الذي مرّ ذكره ـ ولذا فالنبي صلّى الله عليه وآله لعلمه بالغيب وما
____________
1 ـ النشر: ج 1، ص 33.
2 ـ عن البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 235.
3 ـ تاريخ الطبري: ج 4، ص 204، طبعة مصر سنة 1963 م وطبعة اوروبا: ج 1، ص 274. وانظر أيضاً: فضائل القرآن لابن سلام: ص 32 رقم 15 والطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتذكرة الحفاظ: ج 1، ص 7.
4 ـ قد تقدم آنفاً حديث نهي قريش عبد الله بن عمرو بن العاص، حين كتب كل شيء سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالوا: انك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله وهو بشر يتكلم في الرضا والغضب الخ...
"أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن الله لم يحرم شيئاً إلاّ ما في هذا القرآن، اَلا وانّي وَعظت وأمرتُ ونهيتُ عن اشياء انها لمثل القرآن أو أكثر"(1).
|
ويتحصّل من ذلك أن عمل الإمام علي عليه السلام في مجال القرآن الكريم منطبق تماماً مع سنة النبىّ صلّى الله عليه وآله وأما عمل الآخرين الذين جرّدوا القرآن عن التفسير والتبيين فهو مخالف للسنة، ولان التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود بين أيدينا هو في تفسير وتبيين الآيات لا في متن الوحي ـ كما اتفق عليه تقريباً كل علماء الإمامية ـ فلا يوجد أيّ تناقض واختلاف غير قابل للجمع بالنسبة للروايات التي تحدّثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام والرّوايات التي تحدثت عن أن القرآن الموجود هو ما أنزل الله على نبينا محمّد صلّى الله عليه وآله لا زيادة فيه ولا نقص ـ ولا بالنسبة للروايات التي تتصل بالقراءات السبعة إلى الإمام علي عليه السلام ـ فهذا التناقض والاختلاف الموهوم من دعاوي الدكتور القفاري مبنيّ على رأيه بأنّ في مصحف الإمام علي عليه السلام آيات من الوحي القرآني وقد حذفت من المصحف الموجود والحال أن الدكتور القفاري لم يأت بدليل لاثبات ادعائه إلاّ ما مرّ من أخبار الآحاد الضعيفة السند والناقصة الدلالة والتشبث بقول المحدّث النوري وقد بحثنا ذلك فيما
____________
1 ـ المعجم الكبير: ج 18، ص 258، الرقم 645 وسنن البيهقي: ج 9، ص 204 وسنن أبي داود: ج 3، ص 166، الرقم 3034 وج 4، ص 200، الرقم 4604 وبمضمونه: المستدرك للحاكم: كتاب العلم: ج 1، ص 108 وسنن الدارمي: 1 / 140.
وإذا كان كلام الدكتور القفاري إلى هنا شبيهاً بالتحقيق العلمي إلى حدّ ما، فإنّ كلامه من الآن فصاعداً لا يخلو من صخب وثرثرة، ولهذا لا يستحق المناقشة والبحث لكن حتى تزول الشبهة من الاذهان نقف معه قليلاً. فالدكتور القفاري في البداية أورد من كلام عبد الصبور شاهين ومحمّد بلتاجي ما نصّه:
"ويلاحظ أنّ من بين القراء المشهورين ما يرجع سند قراءته إلى أئمة أهل البيت ولهذا استدل الدكتور عبد الصبور شاهين على براءة أهل البيت وزيف ادعاءات الشيعة، إن من بين القراء السبعة المشهورين حمزة الزيات وسند قراءته هو: حمزة الزيات عن جعفر الصادق [عليه السلام] وهو قرأ على محمّد الباقر [عليه السلام] وهو قرأ على زين العابدين [عليه السلام] وهو قرأ على أبيه الحسين [عليه السلام] وهو قرأ على أبيه علىّ بن أبي طالب [عليه السلام] فهؤلاء الأبرار من آل البيت لم يخرجوا على إجماع المسلمين على المصحف الإمام، آية رضاهم به إقراؤهم الناس بمحتواه دون زيادة أو نقص أو ادعاء يمس كمال كتاب الله سبحانه. وقال الدكتور محمّد بلتاجي: ونضيف إلى ذلك أن قراءة علي بن أبي طالب [عليه السلام] للقرآن قد رويت بطريق زيد بن علي أخي الإمام الباقر وعمّ الإمام الصادق [عليهما السلام] وهذا ما يسلم به الإمامية الاثنا عشرية أنفسهم"(1).
|
بعدها أضاف الدكتور القفاري قائلاً:
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 266 نقلاً عن تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين: ص 170 ومناهج التشريع الاسلامي لمحمد بلتاجي: ج 1، ص 189.
"قلت: أضيف ـ أيضاً ـ اقراراً واعترافاً آخر من شيخ الشيعة المجلسي حيث يقول: "القراء السبعة إلى قراءته (يعني قراءة علي [عليه السلام]) يرجعون"... والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره..."(1).
|
ثم أورد دليل العلامة المجلسي على كلامه هذا قائلاً:
"بل يقولون ـ كما ذكره شيخهم علي بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي في كتابه سعد السعود ـ ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب"(2).
|
وبالتالي توصّل الدكتور القفاري إلى النتيجة التي كان يترصّدها; وهي:
"أليس هذا كلّه ينقض كل ما ادعوه ويهدم كل ما بنوه... وهو دليل على اختلاف أخبارهم وتناقضها والتناقض أمارة بطلان المذهب..."(3).
|
نحن نسأل الدكتور القفاري ما هو ادعاء الشيعة الّذي نقضه الآن؟ وأي بناء كان لهم والآن هدموه؟ وأي تناقض في أخبارهم أدّى إلى بطلان المذهب؟
أين التناقض؟ هل رأى الدكتور القفاري التناقض في الرّوايات حول أصل وجود مصحف الإمام علي عليه السلام ـ والذي توجد أخباره في كتب أهل السنة بصورة أكثر ـ والمصحف الموجود بين أيدينا فليس في تلك الرّوايات تناقض كما رأيتم، أم هل ان الرّوايات التي تتحدث عن محتوى مصحف الإمام علي عليه السلام تكشف عن وجود تناقض بينه وبين المصحف الموجود حينما نقارن بينهما؟
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 266.
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ المصدر نفسه: ص 267.