الصفحة 458

وقد لاحظتم أنّ شيئاً من هذا لم يكن، والرّوايات القليلة التي هي مورد اعتماد الدكتور القفاري متشبثاً بقول المحدّث النوري أيضاً إضافة إلى أنها خبر الواحد ممّا يؤدي إلى سقوطها من حيث السند فإنّها ناقصة الدلالة على المراد، وعلى هذا فلا بدّ أن يكون التناقض في نظر الدكتور القفاري هو الحاصل بين آراء كبار علماء الشيعة حول المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، ولكنّك لاحظت آراء كبار علماء الشيعة وتبين لك انهم لا يرون تفاوتاً في جوهر آيات الوحي في كلا المصحفين عند المقايسة بينهما.

ولابدّ أن الدكتور القفاري يرى التناقض في كلام المجلسي إذ يقول المجلسي: "القراء السبعة إلى قرائته يرجعون... والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى الإمام علي عليه السلام..." لكن ما ذكره المجلسي صرّح بأنه نقله من كتاب "مناقب آل أبي طالب" لابن شهرآشوب(1). واخبر ابن شهرآشوب نفسه بسنده عن أهل السنّة بعدّة طرق عن مصحف الإمام علي عليه السلام من جملتها:

"حدثني أبو العلاء والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح: أن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أمر عليّاً [عليه السلام ]بتأليف القرآن فالّفه وكتبه"(2).

____________

1 ـ لا ننسى أن ابن شهرآشوب المتوفّى سنة (588 هـ) ذكر أن اسناد القراءات السبعة يرجع كلّه إلى الإمام علي عليه السلام، أيضاً العلامة المجلسي رحمه الله تعالى الذي نقل قوله هذا توفّي سنة (1111 هـ) أي قبل ولادة المحدّث النوري بعشرات السنين.

وعلى هذا فان المحدّث النوري لم يكن قبل ابن شهرآشوب والمجلسي رحمهما الله تعالى حتّى يبني على وقوع التّحريف في القرآن ليأتي من بعده ابن شهرآشوب وغيره ليهدموا ما ذكره، ثم يأتي لنا الدكتور القفاري ويقول: "أليس هذا كلّه ينقض كلّ ما ادّعوه، ويهدم كلّ مابنوه"!!

2 ـ المناقب: ج 2، ص 51.


الصفحة 459
أو يحتمل أن الدكتور القفاري استنتج التناقض من قول علي بن محمّد بن طاووس في كتابه سعد السعود بقوله: "ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب" لكن الدكتور القفاري ـ وكما هو دأبه ـ لم ينقل تمام عبارة ابن طاووس التي ذكرها أبو عبد الله الزنجاني في كتاب تأريخ القرآن، ونقلها الدكتور القفاري من هذا الكتاب نفسه ـ أي كتاب تاريخ القرآن ـ كي لا يتضح القائل الأصلي لهذا القول والذي هو "أبو جعفر محمّد بن منصور" من كبار علماء الزيدية(1) لا من الاثني عشرية، ـ ولو كان كلام هذا القائل مسنداً وصحيحاً فإنّه لا يلزم منه التناقض أيضاً ـ، فانظر إلى عبارة أبي عبد الله الزنجاني:

"ذكر علي بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي في كتابه سعد السعود نقلاً عن كتاب أبي جعفر محمّد بن منصور... ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب رضي الله عنه"(2).

إذاً قائل هذا القول هو: أبو جعفر محمّد بن منصور وهو من الزيدية ولكن الدكتور القفاري قال:

"بل يقولون (أي الإمامية الاثنى عشرية) كما ذكره..."

ومن ثم يكتشف التناقض!!

والحق أنّ أبا عبد الله الزنجاني ـ ناقل هذا القول ـ في هذا الكتاب نفسه يرى أن الاختلاف بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام فقط في الترتيب، وقد كتب فصلاً تحت عنوان: "في ترتيب السور في مصحف الإمام علي عليه السلام"(3) وعلى هذا فإنّ رأيه أيضاً لا يكون موجباً للتناقض وهدم البناء

____________

1 ـ انظر ترجمته في كتاب "مجمع البحوث ومطلع البدور" اُلّف في طبقات الزيدية.

2 ـ تاريخ القرآن: ص 75.

3 ـ المصدر السابق.


الصفحة 460
و... ممّا ادّعاه الدكتور القفاري.

هذا، وينتقل الدكتور القفاري في تتمة حديثه إلى كتاب "المعارف الجلّية" فيقول عنه:

"إنّه ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن عثمان بن عفان طلب من علي عليه السلام مصحف فاطمة الذي كانت هي سلام الله عليها دوّنته باشارة من أبيها وطابقه مع المصاحف الاخرى التي كانت بيد الصحابة فما طابق منها مصحف فاطمة نشره وما لم يطابقه أحرقه..."(1).

ثمّ يصل إلى هذه النتيجة:

"ويبدو من خلال النصّ أنّ ذلك محاولة منهم للرجوع عن تلك المقالة بعد ما جلبت عليهم العار وأورثتهم الذلّ والشماتة وضرت مذهبهم ولم تنل من كتاب الله شيئاً... ولعلهم وضعوا المقالة الأخيرة التي تقول إنّ عثمان قابل القرآن على مصحف فاطمة المزعوم وضعوها للخروج من هذا المأزق لكن هذا مخالف أخبارهم التي تقول أن مصحف فاطمة غير القرآن"(2).

وتلك المقالة التي جلبت عليهم العار و... لا تكون في الواقع إلاّ لدى أمثال الدكتور القفاري الذي يسعى جاهداً لإخفاء الحقائق، فهم يعدّون مصحف الإمام علي عليه السلام من الخرافات والأوهام على الرغم من أنّ كثيراً من مصادر الفريقين قد نقلته. ويذهبون إلى أنّ وجود ذكر لهذا المصحف في الكتب دليل على بداية القول بالتحريف وأنـّه من آثار السبئية.

____________

1 ـ المعارف الجلية في تبويب أجوبة المسائل الدينية: ص 19.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 268.


الصفحة 461
وأخيراً اختلق "تلك المقالة الموهومة" وأضاف إليها الموهومات الاخرى، وإلاّ فإنّكم لاحظتم أقوال محققي الشيعة في مقام نزاهة القرآن وأيضاً مصحف الإمام علي عليه السلام عن التّحريف فما الذي قاله الشيعة يا ترى حتى ساغ للدكتور القفاري القول: "جلبت عليهم العار وأورثتهم الذل و... والآن يحاولون الرجوع عن تلك المقالة"؟!!

وارتكب الدكتور القفاري هنا زلّة كبيرة وعلى إثرها كتب:

"مصحف فاطمة المزعوم وضعوها للخروج من هذا المأزق..."

لكن مصحف فاطمة في عبارة كتاب "المعارف الجلية" ـ على فرض صحة خبره ـ غير مصحف فاطمة المشهور في لسان روايات الشيعة، ذاك المصحف كما قال صاحب "المعارف الجلية" دونته فاطمة بإشارة من أبيها وهو في عصر حياة النبىّ صلّى الله عليه وآله كسائر مصاحف الصحابة والمصحف في الروايات هو من تحديثات جبرائيل للأمور الآتية على فاطمة سلام الله عليها ـ لأنّ فاطمة محدَّثة(1) ـ بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وهو غير القرآن، ـ وسيأتي البحث عنه أكثر في دراسة ونقد آراء محمد مال الله ـ فعلى هذا كلمة مصحف مشترك لفظي وهما مصحفان كما لا يخفى على ذي الحجى.

وهنا يلزمنا إضافة هذه النكتة وهي أنّ مؤلّف "المعارف الجلية" بعد أن كتب:

"وقد سبق البحث في حفظ الكتاب الشريف عن السقط والتّحريف".

____________

1 ـ ولا غرو فيه، لأنّ فاطمة سيدة النساء على ما صرّحت به أحاديث الفريقين، انظر: الخصائص للنسائي، باب "ذكر الأخبار المأثورة بأنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة النساء" وقد قام محقق الكتاب بتخريج مصادر الأحاديث: ص 177 ـ 182.

ونزول جبرائيل عليها أيضاً لا ينكر لأنّ المتفق بين العلماء أنّ جبرئيل لم ينزل بوحي الرسالة على امرأة لا بمطلق الوحي، انظر: أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها لمحمد بن أبي بكر الرازي الحنفي: ص 211.


الصفحة 462
وقال في مقام مصحف الإمام علي عليه السلام:

"... وأمّا ردّهم لمصحف علي عليه السلام حين جمعه وأتى به إليهم في المسجد فمن القريب جداً أنه كان مشتملاً على التفسير والتأويل الوارد عن الله تعالى وعن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وممّا كان لا يمكنهم إنكاره فأراد عليه السلام إلزامهم به على الحق..."(1).

وعلى هذا فإنّه ـ صاحب المعارف الجلية ـ أيضاً لا يرى تفاوتاً في جوهر الآيات بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، ولا ينطبق على رأيه ما قاله الدكتور القفاري بقوله: "جلبت عليهم العار وأورثتهم الذل و..." بالإضافة إلى أنّ صاحب "المعارف الجلية" نقل هذا القول: أي "إنّه ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنّ عثمان بن عفان طلب من علىّ عليه السلام مصحف فاطمة..." عن كتاب "ديوان دين"(2)، ومؤلفه نقل هذا القول عن كتاب "تاريخ طبرستان"(3)ولكنني لدى تصفّحي كتاب "تاريخ طبرستان" لم اعثر على هذا المطلب ودليله، وعلى فرض وجوده ـ مع احتمالي عدم رؤيتي له ـ فانّ مطالب هذا الكتاب خالية عن المصدر والسند، ولم يقل أحد من الشيعة اطلاقاً بأنّ مصحف فاطمة عليها السلام اُعطي إلى عثمان على أنه باتفاق الآراء والرّوايات الواردة عن أهل البيت فإنّ مصحف فاطمة هو غير القرآن(4).

والآن تصل مرحلة الجواب عن هذا السؤال المهم; وهو أنه: لِمَ ظلّ مصحف الإمام علي عليه السلام مخفيّاً؟ وهذا السؤال طبّل له الدكتور القفاري مراراً

____________

1 ـ المعارف الجلية: ص 19.

2 ـ ديوان دين: ص 52.

3 ـ تأليف: محمّد بن محمود آملي من مؤرخي القرن السابع وقد الّف كتابه هذا في سنة 613 هـ. ق. باللغة الفارسية.

4 ـ انظر: بحار الأنوار: ج 26، ص 41 ـ 48.


الصفحة 463
وتكراراً، ودار حوله ونسج فيه القول بأبشع الألفاظ وأخسّها وأبعدها عن روح البحث العلمي، فتراه يقول:

"... وكيف يصدّق مثل هذا الافك الّذي نقله شرذمة الكذّابين"(1).

وأمثال هذه العبارات السخيفة، حتى أنـّه وبكل وقاحة وبصورة ضمنية نسب تهمة الخيانة ـ والعياذ بالله ـ إلى ساحة الإمام علي عليه السلام القدسية فقال:

"ولو كان شيء ممّا يدّعون لأخرج عليّ القرآن الكامل الّذي جمعه... لأنّ من أقرّ الخائن على الخيانة كان كفاعلها..."(2).

وقد اتّضح من الأبحاث السابقة أنّ هذا السؤال قد طرح في أوساط أهل السنة والشيعة على حدّ سواء; لأنهم جميعاً قد رووا في كتبهم الحديثية ما يرتبط بوجود هذا المصحف.

ومن المسلَّم به ـ كما قلنا مراراً ـ أنّ مصحف الإمام علي عليه السلام يشتمل على زيادات غير ما في القرآن الموجود، وجميعها من قبيل التفسير والتأويل وبيان الناسخ والمنسوخ والترتيب على أساس النزول و... فانّ الإمام علياً عليه السلام احتفظ بهذا المصحف وأخفاه عن القوم بعد أن رفضوه، وصار هذا المصحف من مواريث الامامة يتلقّاه الإمام تلو الإمام حتى صار إلى يد الإمام المهدي روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء. ورغم إخفاء الإمام عليه السلام لهذا المصحف فانه بإظهاره للقوم أتمّ عليهم الحجّة إلى يوم القيامة، وهذا العمل; (وهو اخفاء المصحف) لهو أعظم دليل على أن الزيادات الموجودة فيه ليست كآيات القرآن النازلة بعنوان الاعجاز، ولو كان بين مصحفه والمصحف الموجود تفاوت جوهري إذن لما جاز له السكوت عن هذا الأمر، لأن الثقل الأصغر وهم العترة

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 262.

2 ـ المصدر السابق: ص 202.


الصفحة 464
الطاهرة عليهم السلام قد اُبعدوا عن ساحة الخلافة التي هم أحقّ بها والثقل الأكبر الذي هو القرآن لو اشتمل على التّحريف، لما بقي من الثقلين شيء تلجأ الأمّة إليه، فتبقى تائهة في غياهب الظلمات ولما بقي شيء من ميراث رسول الله صلّى الله عليه وآله في أمر الثقلين، وقد لاحظت في الرّوايات أنّ الإمام علياً عليه السلام اعتبر هذا القرآن الموجود حجّة(1). واستدلّ علماء الفريقين على هذا ورأيتم آراءهم كشيخ المحدّثين الصدوق عليه الرحمة من الإمامية حيث قال ما نصّه:

"ولو كان ـ ما زاد فيه ـ قرآناً لكان مقروناً به، وموصولاً إليه غير مفصول عنه"(2).

والشهرستاني من أهل السنة الذي ذكر في مقدمة تفسيره:

"... إنّه كان في مصحفه المتن والحواشي، ويروى أنـّه لمّا جمعه أخرجه هو وغلامه قنبر إلى الناس وهم في المسجد... وقال لهم: هذا كتاب الله كما انزله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم جمعته بين اللوحين فقالوا: ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه فقال: فوالله لا ترونه بعد هذا أبداً، إنّما كان عليّ أن اخبركم حين جمعته، فرجع به إلى بيته قائلاً (يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً)وتركهم على ما هم عليه كما ترك هارون عليه السلام قوم أخيه موسى بعد القاء الحجّة عليهم، واعتذر

____________

1 ـ تلاحظ هذه النكتة في رواية سليم التي ذكرناها آنفاً، وللشهرستاني في مقدمة تفسيره كلام ظريف يقول: "لم ينقل عنه عليه السلام انكار ما جمعه الصحابة رضوان الله عليهم لا كما قال عثمان: أرى فيه ـ أي في القرآن ـ لحناً، وستقيمه العرب، ولا كما قال ابن عباس: انّ الكاتب كتبه وهو ناعس، بل كان يقرأ من المصحف بخطّه من الإمام، وكذلك الأئمة من ولده عليهم السلام... والله تعالى أكرم وأمجد من ان يدع كتابه الكريم المجيد على لحن حتى تقيمه العرب...". مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: المخطوط، الورقة 5. والمطبوع: ج 1، ص 120.

2 ـ الاعتقادات: ص 92.


الصفحة 465

إلى أخيه بقوله: (إنّي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)"(1).

وعلى هذا فإذا لم يكن تفاوت جوهري بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، وقد أخبر الإمام عليه السلام أنّ القرآن الموجود تامّ الحجّة، فما الداعي لأن يشهر الإمام عليه السلام سيفه كي يظهر قرآنه وهل حصل هذا العمل من الإمام علىّ؟ وكل شخص له أدنى إلمام بسيرة الإمام علي عليه السلام يعلم ويعتقد بأنه عليه السلام كرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كانت سيرته لمّ شعث المسلمين وتوحيدهم وإبعاد كلّ ما يؤدّي إلى تفرّقهم، فمثلاً كان موقف الإمام في قضية قتل عثمان معروفاً. فقد اتّهمه عثمان بأنه وكاتبُ عثمان كتبوا كتاباً بقتل الثوّار(2)، ولكن الإمام عليه السلام ظلّ إلى آخر لحظة يسعى جاهداً لإخماد الفتنة وحقن دماء المسلمين، وبعث الحسنين عليهما السلام للدفاع عن الخليفة وهذا ما يظهر جلياً من رسالة الإمام عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري إذ يقول فيها:

"... وليس رجلٌ ـ فاعلم ـ أحْرَص على جماعة اُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأُلفتها منّي..."(3).

وبناءً على هذا فإنّ الدكتور القفاري وأضرابه كتبوا وكرّروا أنّ الإمام كان أسد الله وأسد رسوله، فلماذا لم يظهر قرآنه بسيفه؟ فالدكتور القفاري بهذا السؤال إمّا أن يكون جاهلاً بوضع المجتمع الاسلامي، وسيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام، أو يتجاهل ذلك.

فبعد توحيد المصاحف من قبل عثمان ـ بعد ان اخبره حذيفة بن اليمان بوجود

____________

1 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، المخطوط، الورقة 5 آ والمطبوع: ج 1، ص 121.

2 ـ تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص، 1155، 1167، 1168.

3 ـ نهج البلاغة: باب الكتب: الرقم 78.


الصفحة 466
اختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن وتكفير بعضهم لبعض(1) ـ وحسم الاختلاف فما الدّاعي لان يوجد الإمام علي عليه السلام اختلافاً جديداً بين الأمّة الاسلامية. وقد ذكرنا فيما مضى انه لو كان بين مصحف الإمام علي والقرآن الموجود اختلافٌ جوهريٌّ لاتخذت المسألة منحى آخر.

____________

1 ـ انظر: الإتقان; ج 1، ص 64.


الصفحة 467

حجم أخبار هذه الاسطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم

ماذا يريد الدكتور القفاري من هذا العنوان؟ أيريد الكلام عن أصل وجود هذه الرّوايات وحجمها في كتب الشيعة؟ أم يريد علاج الإمامية لهذه الأخبار وأجوبتهم عنها؟ لأنّ هناك ـ كما قلنا مراراً ـ بوناً شاسعاً بين إثبات وضبط هذه الأخبار في الكتب وبين البحث في فقهها وعلاجها، فالدكتور القفاري في مقام مناقشته لجأ كعادته ـ كما حصل منه في مسائل اُخرى كالتواتر المعنوي والتواتر اللفظي ـ إلى خلط الاُمور بعضها ببعض، مع تقطيعه للعبارات بما يحلو له، واستعمل في بحثه الألفاظ البذيئة الفاحشة اكثر فاكثر كعادته ولأنّ مطالب هذا البحث في العمدة تدور حول آراء كبار علماء الإمامية وسنتكلم عنها بشكل موسع فيما بعد. فهنا نبحث ادعاءات الدكتور القفاري مختصراً:

أ: يقول الدكتور القفاري في بداية بحثه بعد عدة أسطر مليئة بالأقوال البذيئة:

"لقد لاحظنا أنّ هذه الاُسطورة بدأت بروايتين اثنتين في كتاب سليم بن قيس... فما لبثت أن أخذت بعداً أكبر وزادت أخبارها."(1)

وهذا الاتهام ذكره الدكتور القفاري فيما سبق وكرّره وأعاده كثيراً كما لاحظت والحال أن روايتي سليم بن قيس لا علاقة لهما بمسألة التّحريف، لانّهما وردتا في مقام الحديث عن مصحف الإمام علي عليه السلام، ومثل هاتين الروايتين في كتب أهل السنّة كثير، كما أن محتوى مصحف الإمام علي عليه السلام لا علاقة له بمسألة التّحريف، وقد قدّمنا فيما مضى أنـّنا بحسب مقاييس الدكتور القفاري يتحتم علينا تعدية الحكم بالتحريف إلى كتب أهل السنّة ومؤلفيها. تلك الكتب التي ملئت بروايات مصحف الإمام علي عليه السلام، وهذا ما لا ينطبق مع المنهج العلمي!

ب: قال الدكتور القفاري:

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 268.


الصفحة 468

"وقد تولى كبر هذه الفرية ووزر هذا الكفر شيخ الشيعة علي بن إبراهيم القمّي فقد أكثر من الرّوايات... وتلقف هذه الرّوايات عن كل أفّاك أثيم وسجلها في تفسيره الذي يحظى بتقدير الشيعة كلها"(1).

وقد تكلمنا في مبحث "شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة" حول هذا الكتاب وقيمته لدى الإمامية، وكمية وكيفية رواياته، وذكرنا بأنّ هذا الكتاب هو من التفسير بالمأثور; وهو مثل أي كتاب في التفسير بالمأثور فإنّه يشتمل على عدّة روايات بعضها سقيم وبعضها صحيح كما هو الحال في "تفسير الطبري" و"الدرّ المنثور" والتي ذكر فيها من أمثال تلك الرّوايات الشيء الكثير، وأمّا قول الدكتور القفاري: "إنّ هذا التفسير يحظى بتقدير الشيعة كلّها" فهو كذب محض فراجع بحث: شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة.

ج: قال الدكتور القفاري:

"كانت دوائر الغلاة في القرن الثالث تعمل على الاكثار من صنع الرّوايات في هذا حتى أن شيخهم المفيد يشهد باستفاضتها عند طائفته (الاثني عشرية)".

ثم أورد الدكتور القفاري عبارة الشيخ المفيد رحمه الله تعالى التي تقول: "إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى..." وبعد عدّة أسطر عاد إلى ألفاظه البذيئة قائلاً:

"إنّ ديناً يستفيض فيه الباطل باطل، والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أن شيخه ابن بابويه يقول: إنّ من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب ـ كما سبق ـ وسُلالة أهل البيت الشريف المرتضى وهو من معاصري المفيد بل من تلامذته يقول إنّ

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 269.


الصفحة 469

أخبارهم في هذا لا يعتد بها لأنها أخبار ضعيفة لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته" فهل كل شيخ من هؤلاء يمثل مدرسة ونحلة والتشيع يجمعهم. أم هم يتلونون تلون الحرباء بحكم التقية، أم أنهم قد أحكموا خطتهم، وأزمعوا أمرهم على أن يظهر منهم حسب المناسبات والظروف صوتان مختلفان متعارضان حتى لا يتمكن أحد من الوقوف على حقيقة المذهب..."(1).

وقد تكلمنا في أول هذا المقام عن رأي الشيخ المفيد بالتفصيل، وهنا نرى أنّ الدكتور القفاري الذي يدعي الصدق والانصاف في التحقيق ارتكب خيانة علمية كبرى، وذلك أن الشيخ المفيد يقول:

"إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة...".

ولكن الدكتور القفاري استند إلى قول الشيخ المفيد بأنّ الحكم بالتحريف مستفيض لدى علماء الإمامية، ومن ثمّ قارن بين رأي الشيخ المفيد ورأي ابن بابويه والسيد المرتضى رحمة الله تعالى عليهم أجمعين لينتج تلوّن الشيعة وطبّل بالقول بالتقية و...

هل الحكم باستفاضة أخبار التّحريف ـ كما قاله الشيخ المفيد ـ هو عين الحكم باستفاضة القول بالتحريف لدى الإمامية ـ كما نسب الدكتور القفاري إلى الشيخ المفيد زوراً وبهتاناً؟

وأمّا رأي ابن بابويه، فإنّه صرّح في مقام بيان كمّية تلك الأخبار:

"إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية".

وبعد ذكره عدّة روايات قال:

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 270.


الصفحة 470

"ومثل هذا كثير، كلّه وحي ليس بقرآن"(1).

والسيد المرتضى أيضاً يقول:

"توجد تلك الأخبار لكنها ضعيفة لا يعتد بها"(2).

فعلى هذا، فإنّ الكلام إذا كان يرتبط باصل وجود الرّوايات فهؤلاء الأعلام اعترفوا جميعهم بوجودها وأمّا إذا كان الكلام في مقام علاج هذه الرّوايات فهؤلاء الأساطين من الإمامية يصرّحون بنفي القول بالتحريف. فمنهم من حمل الرّوايات على الحديث القدسي كالشيخ الصّدوق ومنهم من حملها على الوحي التنزيلي غير القرآني كالشيخ المفيد ـ الذي مرّ نصُّ عبارته في مبحث "ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية" ـ ومنهم من حكم بتضعيف الرّوايات بالمرة وسقوطها للمبنى الذي اتخذوه ـ وهو أنّ القرآن قد جمع ودوّن بشكله الموجود الآن في زمان النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كالسيد المرتضى رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

فمع هذا، ما هذه الأقاويل من الدكتور القفاري بقوله: "يتلونون تلوّن الحرباء بحكم التقية... صوتان مختلفان متعارضان و..." إلى آخر دعاياته.

قال الدكتور القفاري:

"في ظل الدولة الصفوية كثر الوضع لأخبار هذه الأسطورة... وتجاوزت الحجم الذي سجلته هذه الزمرة إلى درجة أن شهد شيخهم المجلسي صاحب بحار الأنوار بأنّ أخبارهم في هذا أصبحت تضاهي أخبار الإمامة يقول: "وعندي أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب تقصر عن أخبار الامامة" هذه

____________

1 ـ الاعتقادات: ص 95.

2 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 361 ـ 364.


الصفحة 471

شهادة من المجلسي المتوفى سنة (1111 هـ.) على تضخّم أخبار هذه الاُسطورة والتي كانت... عند ابن بابويه القمّي المتوفي (381 هـ.) لا تكاد توجد... والشيخ الطوسي أنكر نسبة هذا إلى الشيعة..."(1).

نلاحظ هنا أنّ الدكتور القفاري ارتكب في هذه العبارة عدّة أخطاء عمداً أو سهواً:

أولاً: مرّ عليك إنّ علماء العصر الصفوي صرّحوا بعدم التّحريف في القرآن بالاتفاق.

ثانياً: إنّ الدكتور القفاري بقوله: "في ظل الدولة الصفوية كثر الوضع لأخبار هذه الاُسطورة..." تنبّه إلى خطأه ولم يجد من حيلة للخلاص إلاّ الاعتراف بقوله:

"لكن يرد على ذلك أنّ تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمّي والعياشي وفرات إلاّ إذا قلنا أن الشيعة يغيّرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس"(2).

ثالثاً: قلنا آنفاً ان المجلسي اعتمد في كتابة موسوعته الحديثية (أي بحار الأنوار) على أربعمئة كتاب من كتب الشيعة، وخمسة وثمانين كتاباً من كتب أهل السنّة، وعليه فمن الطبيعي أن يضم كل باب من أبواب البحار مجموعة كبيرة من الأحاديث تفوق ما يضمّ غيرها من الكتب، ويكون حاله كحال كتاب "كنز العمال" الذي يضمّ كل باب منه أضعاف ما يحويه أي كتاب آخر من الأحاديث.

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 270.

2 ـ المصدر السابق: ص 291. فإنّ الدكتور القفاري في اعترافه هذا أضاف وَهْماً إلى وَهم فادّعى: "أن الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم..." وهذا الادعاء سيفصح بطلانه في بحث بعنوان "تذييل" وأما ما استند في قوله إلى كتاب سليم عثرة أخرى منه كما لاحظتم في مبحث "بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة".


الصفحة 472
رابعاً: يقول العلامة المجلسي:

"إنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى".

ألا يُعلَم الفرق بين "المتواتر" بصورة مطلقة و"المتواتر مع قيد المعنى"(1) أم يتجاهل ذلك؟ إنّ نصَّ عبارة المجلسي هو "المتواتر" بقيد "المعنى" وكما ذكرنا سابقاً فانّ التعبير بهذا اللفظ معناه: وجود عدّة روايات في هذا المقام كلها تتفق على معنى كلّي مشترك بينها، وهو عبارة عن التغيير بالمعنى الأعمّ، وهو بهذا المعنى يشمل التّحريف بالمعنى المتنازع فيه ـ أي التّحريف بمعنى النقيصة ـ والتغيير في تأليف الآيات، ونقل آية من القرآن من موضع إلى موضع آخر، والاختلاف في القراءات، وتأويل وتفسير الآيات على حسب تنزيل الوحي غير القرآني، والجري، وتطبيق الآيات على المصاديق وغير ذلك. وعلى هذا فإنّ حجم الرّوايات الواردة في خصوص التّحريف بمعنى النقيصة هو أقل بقليل ممّا يدّعون، وإذا كان المحدث الجزائري يقول: "إنّ الأخبار الدالّة على ذلك تزيد على ألفي حديث"(2) فمراده أنّ الأحاديث التي تشمل كل هذه الأقسام المتقدمة من التّحريف تبلغ هذا العدد، وهي الشاملة للتغيير بمعناه الأعم، هذا بحسب مداليل تلك الرّوايات، أما بحسب أسانيدها وروايتها فهي شاملة لكل أقسام الرّوايات من ضعيفة ومرسلة وصحيحة ومجعولة والتي رواتها ضعاف أو مجاهيل من العامة أو الخاصّة، فهما ـ أي المحدثان المجلسي والجزائري ـ يخبران فقط عن كمية هذه الأحاديث لا نوعيتها،

____________

1 ـ قال صبحي الصالح: "... اما المتواتر المعنوي فمن الواضح انه لا يشترط في روايته المطابقة اللفظية، وانما يكتفى فيه بأداء المعنى ولو اختلفت رواياته... والقدر المشترك تواتر باعتبار المجموع... ومن علماء الحديث من لا يرى بأساً في ان يكون المتواتر المعنوي في اوّله آحاديّاً ثم يشتهر بعد الطبقة الاولى ويستفيض، فسيكون حديث "انما الأعمال بالنيات" في عداد ما تواتر معنى، مع ان لم يروه إلاّ عمر بن الخطاب". علوم الحديث ومصطلحاته: ص 150.

2 ـ نقلاً عن اصول مذهب الشيعة: ص 272.


الصفحة 473
وهذه الأحاديث هي نفس الرّوايات التي أوردها المحدّث النوري في فصل الخطاب، وقد تكلمنا عنها مفصلاً في مباحث "كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة"، ولاحظت كيف أنّ مراسيلها تلحق بمسانيدها، وأنـّها على طوائف متعددة، وأكثرها ـ على فرض صحّة إسناده ودلالته ـ بعيد عن محلّ النزاع.

خامساً: انّ ابن بابويه رحمه الله لم يقل إطلاقاً "تلك الأخبار لا تكاد توجد" كما نسب إليه الدكتور القفاري ولكنه ـ أي ابن بابويه ـ في مقام "علاج" الرّوايات يقول:

"لم يذهب أحد من الشيعة إلى القول بالتحريف اعتماداً على هذه الأخبار، وقال: هذه الأخبار تحمل على الحديث القدسي".

أمّا نصّ عبارته في مقام كميّة الأخبار فهي:

"... ومثل هذا كثير، ـ أي هذه الأخبار ـ كثير كلّه وحي ليس بقرآن."

سادساً: ادّعى الدكتور القفاري قائلاً:

"والشيخ الطوسي أنكر نسبة هذا إلى الشيعة".

ثم قارن بين هذا القول وقول العلامة المجلسي:

"إنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى...".

وقد خلط الدكتور القفاري كما هو واضح بين كلامين أحدهما في مقام بيان كمية هذه الرّوايات وهو قول العلاّمة المجلسي، والثاني في مقام علاج هذه الرّوايات وهو قول الشيخ الطوسي، ومن ثم أثبت التناقض بين القولين والحال أنه لا تناقض اطلاقاً بين قولي العلمين لأنّ من شروط التناقض وحدة الموضوع، أمّا هنا فالموضوع مختلف، فالأول يتحدث عن كمية الرّوايات، والآخر عن علاجها.

ودليلنا على ما ذكرنا قول الشيخ الطوسي بعد ذلك والذي حذفه الدكتور

الصفحة 474
القفاري من كلامه:

"ورويت روايات كثيرة من جهة العامّة والخاصّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء من موضع الى موضع..."(1).

فحذف الدكتور القفاري هذه العبارة عمداً واكتفى بالجملة الاولى التي ذكرناها ليثبت التناقض الموهوم بين القولين في حين أنّ قول الشيخ الطوسي "رويت روايات كثيرة" يتفق مع قول المجلسي "الأخبار في هذا الباب متواترة معنى" تماماً(2).

شهادة هامة أو موهومة!

هذا، والآن انظر إلى "الشهادة الهامة" و"الوثيقة التاريخية" التي حصل عليها الدكتور القفاري بعد جهده، يقول الدكتور القفاري حول المحدّث النوري:

"وقد أرهق النُّوري صاحب فصل الخطاب ليجد وسيلة يتخلص بها من كلام الطوسي فقال: والطوسي في إنكاره ـ يعني إنكار التّحريف ـ معذور لقلّة تتبعه الناشىء من قلّة تلك الكتب عنده"(3).

ثمّ قال الدكتور القفاري:

"لكن الطوسي هو شيخ الشيعة في زمنه وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة المعتمدة في الحديث وكتابين من كتبه المعتمدة في الرّجال فلا يتصور أن يوصف بقلة التتبع أو بقلة الكتب عنده كما يقوله هذا

____________

1 ـ التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 6 وقد نقل الدكتور القفاري هذه العبارة في صفحة 289 عن شيخ الطائفة ولكنه لم يذكرها هنا ليمرّر خدعته على الناس.

2 ـ لا سيما إذا لاحظنا بالدقة قول الطوسي وهو في مقام بيان كميّة طائفتين من تلك الرّوايات فقط وهما، نقصان آي القرآن، ونقل شيء من موضع إلى موضع.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 271.


الصفحة 475

النوري الطبرسي. بل نحن نأخذ من قول الطبرسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أن الوضع لهذه الاسطورة لم يتسع ويصل إلى هذا المستوى الموجود اليوم إلاّ في ظل الحكم الصفوي ولا يستبعد أن تضاف روايات من هذه الرّوايات إلى شيوخهم القدامى لخدمة هذه الاُسطورة..."(1).

فما نسبه الدكتور القفاري إلى المحدث النوري وأخذ منه: "شهادة هامّة" و"وثيقة تاريخية" هو نوع من الجهل أو الخيانة في نقل العبارة ليس إلاّ; فإنّ المحدث النوري في ردّ رأي المحقق البغدادي (ت 1227) قال ذلك(2)، ولا علاقة له أساساً برأي وعبارة شيخ الطائفة الطوسي، حتى يتوصل الدكتور القفاري إلى نتائجه تلك. اُنظر وتعجّب!

وبعد هذه الشهادة الهامّة والوثيقة التاريخية يستمر الدكتور القفاري في عثراته قائلاً:

"... الشواهد قائمة على أن الكذب في الشيعة كثير كما تشهد بهذا كتب أهل السنة وتقر بذلك كتب الشيعة نفسها"(3).

أيٌّ من كتب أهل السنة يشهد بأن الكذب في الشيعة كثير؟ لم يأتِ الدكتور

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة.

2 ـ قال المحدث النوري نقلا عن المحقق البغدادي: "إنّه لم ينقل تلك الأخبار ـ أي أخبار التّحريف ـ في كتبهم سوى المحدثين الذين رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجنابة ونحوها وهي مطوية على غيرهم".

ثم قال النوري في ردّه: "وقوله وهي مطوية على غيرهم، ففيه انها موجودة في كتب جميعهم إلاّ من شذّ ـ حتى الصدوق المنكر للتغيير والشيخ كما تقدم ـ ولكنّه [أي المحقق البغدادي ]معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده." فصل الخطاب: ص 350.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 271.