الصفحة 476
القفاري بأي دليل على قوله كي يتسنى لنا بحثه، ثمّ إنّه ترقّى ليدّعي: "وتقرّ بذلك كتب الشيعة نفسها..." وهذا أيضاً كذب فاضح وسيأتي البحث عنه.

والحاصل إنّ من تكلّم من الإمامية قديماً وحديثاً في مقام حجم وكمّية هذه الأخبار إذا كان ناظراً إلى المفهوم الجامع من مدلول تلك الرّوايات يعني التغيير بمعنى الاعم (المشتمل على كلِّ نوع من التغيير من اختلاف في تأليف الآيات والقراءات، والتّحريف المعنوي ونقص في الوحي بعنوان التنزيل أو التأويل، وتطبيق الآيات على غير شأن نزولها والنقص في الوحي بعنوان الحديث القدسي وأخيراً النقص في الفاظ آيات الوحي القرآني ـ وهو محل النزاع ـ و...) فصحّ أن يعبّر عنه بـ "روايات كثيرة"، "أخبار متواترة معنى"، "تزيد على ألفي رواية"، "ضرورة المذهب" و... وأقوى شاهد على ذلك كتاب فصل الخطاب فقد ذكر تمام تلك الرّوايات وبحثنا عنه في عدة نقاط ولاحظت عزيزي القارئ أن أكثر ما ذكره المحدث النوري خارج عن محلّ النزاع وهو ما اعترف به الدكتور القفاري نفسه بقوله:

"إنّ في الرّوايات التي جمعها "محمّد مال الله" من كتب الشيعة في هذا الباب ما ليس بصريح في هذا الأمر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما إنه وقع ـ كما وقع احسان الهي ظهير من قبله ـ بذكر بعض الرّوايات للشيعة والتي جمعها فيها ذكر قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها ـ بجهل ـ من قبيل التّحريف"(1).

وإنّ من الإمامية من ذكر في مقام حجم أخبار التّحريف بمعناه الأخص ـ يعني التّحريف باسقاط الآيات من وحي القرآن وهو المعنى المتنازع فيه ـ أن هذه التعابير: "أخبار آحاد"، "أخبار ضعيفة"، وهذا لا يختص بماضي الشيعة

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 214.


الصفحة 477
وحاضرهم والعصر الصفوي وغيره.

ومن هذا المنطلق قسَّم السيد الخوئي كذلك روايات هذا الباب إلى عدّة طوائف، ولكن الدكتور القفاري ـ مع الأسف ـ أخذ من عبارة السيد الخوئي رحمه الله بعضها وترك بعضها الآخر ممّا يوهم الآخرين ويسند ادّعاءاته، فقد نقل الدكتور القفاري بعض عبارة السيد الخوئي رحمه الله وهو قوله:

"إنّ كثرة الرّوايات (رواياتهم) من طريق أهل البيت تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر"(1).

والآن ننقل إليك نصّ عبارة السيد الخوئي رحمه الله ـ التي قالها في مقام علاج هذه الرّوايات ـ ليتضح لك مراده:

"إنّ هذه الرّوايات لا دلالة فيها على وقوع التّحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، توضيح ذلك: إنّ كثيراً من الرّوايات وإن كانت ضعيفة السند فإنّ جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمّد السيّاري الذي اتفق علماء الرّجال على فساد مذهبه وإنّه يقول بالتناسخ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال إنّه كذّاب وإنّه فاسد المذهب، إلاّ أنّ كثرة الرّوايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر... وعلينا أن نبحث عن مداليل هذه الرّوايات وايضاح أنها ليست متحدة في المفاد وأنها على طوائف"(2).

ثم يقسّم رحمه الله الرّوايات إلى أربع طوائف، ويعالج كل طائفة على حدة، وقال

____________

1 ـ البيان: ص 226 واصول مذهب الشيعة.

2 ـ المصدر السابق: ص 226.


الصفحة 478
في البحث عن مداليلها ما حاصله، منها: من قبيل القراءات والتّحريف المعنوي أي حمل الآيات على غير معانيها، ومنها: من قبيل التنزيل بعنوان التفسير، ومنها من قبيل التّحريف بالزيادة في القرآن; وهي باطلة باجماع الفريقين ومعلوم أنَّ كل هذه الطوائف خارج عن محلّ النزاع.

ومنها: من قبيل التّحريف في القرآن بالنقيصة ـ وهو محلّ النزاع ـ وعالجه بالتفصيل فراجع إن شئت(1).

فقول السيد الخوئي "إن كثرة الرّوايات..." شامل لكلّ هذه الطوائف برغم أنّ الدكتور القفاري خان الأمانة في نقله للعبارة، ولم يورد ما قبل عبارة السيد الخوئي وما بعدها.

ونقول الآن إذا كان منهج الدكتور القفاري علمياً وأن ما أورده في المقام حقّ، فهل نحن من حقّنا سلوك هذه الطريقة العلمية نفسها حيال حجم الرّوايات التي تتحدث عن موضوع التّحريف في كتب أهل السنة، بطوائفها المختلفة التي أشرنا إليها؟ ومن ثمّ نتشبّث باعتراف قدماء أهل السنة مثل "قاسم بن سلاّم" (ت 224) الذي صرّح بكثرة هذه الرّوايات(2) ومتأخري أهل السنة مثل "السيوطي" الذي قال بعد ذكر طائفة من هذه الرّوايات: "ومثله كثير"(3) وأيضاً العلماء المعاصرين مثل "الرافعي" الذي يقول: "ليست بقليل"(4) وكذلك نتمسّك باعتراف "الآلوسي" بقوله: "لا تحصى كثرة"(5) وبتقطيع هذه العبارات من أماكنها ـ كما فعل الدكتور القفاري ـ تحصل لنا النتيجة الآتية: إنّ عدد القائلين بالتحريف من بين أهل

____________

1 ـ البيان: ص 233.

2 ـ فضائل القرآن: ص 195.

3 ـ الاتقان: ج 2، ص 81.

4 ـ اعجاز القرآن: ص 49.

5 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.


الصفحة 479
السنّة قديماً وحديثاً ليس بقليل، بل إنّه أكثر من أن يحصى. أو نأخذ كلام الشوكاني القائل: "هذه الرّوايات قليلة" دون النظر إلى الطوائف المختلفة من هذه الرّوايات ثم نقارنه بكلام "الآلوسي" ونقول بعده: هذه هي الشهادة الهامّة والوثيقة التاريخية ونغض النظر عن علاج علماء أهل السنة لهذه الأخبار ولإثارة احساسات وعواطف القراء ننقل عين الفاظ الدكتور القفاري مع تطبيق ما توصّلنا إليه:

"وبعد هذا الاعتراف من أساطين أهل السنة وشيوخهم، هل يشك أحد يقرأ هذه الدعاوي العريضة في أنّ القوم قد وقعوا في درك مظلم وفي مستنقع آسن...

وكم يتألم المسلم وهو يقرأ مثل هذه الكلمات المظلمة وكم يشفق على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب حوت هذا "الغثاء" وركنوا في أمرهم إلى شيوخ يجاهرون بهذا الكفر، قد باعوا أنفسهم للشيطان وجعلوا نواصيهم بيده...(1).

ولقد لاحظنا إنّ هذه الاُسطورة قد بدأت برواية واحدة في كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس(2) وما لبثت أن أخذت بعداً أكبر وزادت أخبارها حتى قال شيوخهم بتواتر هذه الفرية عندهم واستفاضتها في كتبهم إلى أن قيل إنّها أكثر من أن تحصى، وهذا بلا شك دليل بطلان أخبارهم كلها فما دام الكذب عندهم يصل إلى حد لا يحصى كثرة فلا ثقة بسائر أخبارهم وكل من يذهب هذا المذهب فإنّه ليس من الإسلام في شيء... وإنّ أخبارهم التي نسبوها زوراً وكذباً للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد ظهر كذبها واستبان زيفها بهذا الكفر المعلن"(3).

وإنّ الكذابين على النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تقول كتب أهل السنة قد

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 274.

2 ـ الموطأ، كتاب الرضاع: ص 608، الحديث 17، وهو ما رواه عن عائشة; انها قالت: "كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلّى الله عليه [وآله ]وسلّم وهو فيما يقرأ من القرآن".

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 273.


الصفحة 480
كثروا في صفوفهم وكان الوهابيون مطية لكل من أراد الكيد للاسلام واهله، كما أثبتته الأحداث والوقائع"(1).

فهل هذا من القضاء العادل والمنهج التحقيقي؟ وجواب ذلك يكون بعهدة الدكتور القفاري!!

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 269.


الصفحة 481

هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية؟

نظرة إلى التقية:

إنّ البحث والتحقيق في موضوع التقية له مجال آخر غير هذه الرّسالة، إلاّ أنه ينبغي لنا ذكر بعض النكات الأساسية في هذا الموضوع بما يرتبط بنقد مقالة الدكتور القفاري:

1 ـ إنّ الآيات القرآنية نفسها هي أساس تشريع التقية(1).

2 ـ إنّ التقية ليست بكذب ولا نفاق كما يدّعي بعض الوهابيين أمثال "احسان الهي ظهير" الذي يقول:

"لا تصدقوهم ـ أي لا تصدقوا الشيعة ـ فإنّهم يعتقدون بالتقية والتقية هي الكذب والخداع وعلماء الشيعة يكذّبون ولا يعتقدون بالقرآن بل عندهم قرآن آخر"(2).

أو الدكتور القفاري القائل:

"إنّ التقية عندهم هي الكذب والنفاق ومع هذا يعتبرون ذلك من الدين بل هو الدين كلّه"(3).

ثم إنّه إن كانت التقية نفاقاً فلقد استعمل أحمد بن حنبل هذا النفاق بعينه لما اُحضر للمرّة الاولى فقال له الوالي: ما تقول في القرآن؟ قال: "هو كلام الله قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله لا أزيد عليها"(4).

ولكنه زاد بعد ما علا نجمه في عصر المتوكّل، وكفّر من لم يزد فكان يقول

____________

1 ـ سورة آل عمران (3): الآية 28 والنحل (16): الآية 16 وغافر (40): الآية 28.

2 ـ نقلاً عن تدوين القرآن: ص 51.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 819.

4 ـ تاريخ الطبري: ج 8، ص 639.


الصفحة 482
ويكتب في رسائله:

"ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأوّل"(1).

يعني أخبث من القول بخلق القرآن نفسه.

وقال أيضاً في الفرق الثلاث التي ينبزها بلقب الجهمية:

"وقالت طائفة، القرآن كلام الله وسكتت (كما سكت ابن حنبل في ذاك المجلس تقية) وهي الواقفة الملعونة"(2).

بل إن عامة أهل الحديث قد استعملوا هذا النفاق أيضاً حيث أجابوا المأمون بما يريد في محنة خلق القرآن، ما عدا أفراداً معدودين منهم "محمّد بن نوح" و"أبو نعيم" و"البويطي"(3).

هذا وإذا فتّشنا زوايا كتب القوم نجد أكثر من تلك الموارد(4).

3 ـ في موضوع التقية هنالك اختلاف بين وجهات نظر علماء الشيعة، ولكن المحققين من الإمامية رحمة الله عليهم أجمعين يتفقون على أنـّه:

____________

1 ـ طبقات الحنابلة: ج 1، ص 29.

2 ـ الرد على الجهمية، لابن حنبل في كتاب الدومي: ص 28.

3 ـ نقلاً عن بحوث مع السلفية: ص 184.

4 ـ كتقية أبي حنيفة عند أبي العباس وعدّ من كان قبل العباسيين من حكام الجور والظلمة بقوله وهو حاضر عند أبي العباس: "الحمد للّه... امات عنّا جور الظلمة وبسط السنتنا بالحق..." انظر: أخبار أبي حنيفة واصحابه: ص 28 وأيضاً تقية المغيرة بن شعبة عند معاوية بن أبي سفيان: حيث قال لصعصعة بن صوحان العبدي: "... انك تظهر شيئاً من فضل علي [عليه السلام ]علانية فانك لست بذاكر من فضل علي شيئاً اجهله بل انا اعلم بذلك ولكن هذا السلطان ـ أي معاوية ـ قد ظهر وقد اخذنا باظهار عيبه ـ أي عيب الإمام علي عليه السلام ـ للناس فنحن ندع كثيراً مما امرنا به ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّاً ندفع به هؤلاء القوم عن انفسنا تقيّة..." تاريخ الطبري: ج 2، ص 38، طـ اوربا وابن الاثير: ج 3، ص 171 طـ مصر.


الصفحة 483

"لا تقية فيما يرجع بفساد في بيضة الإسلام وهدم لحصن الإسلام ولا في عظائم الاُمور الدينيّة... وكذلك لا تقية في الدماء المحقونة... إنّما التقية فيما الخطب فيه سهل من الأعمال والأقوال لمن خاف على نفسه أو على اهله وأصحابه"(1).

ورغم اختلاف آراء العلماء في حدّ التقية وحدودها، ولكن القدر المتيقّن المتّفق عليه هو أن التقية تشرع في الحالات التي يعتقد فيها الإنسان اعتقاداً حقاً في الواقع ولكنه باطل بنظر المخالف، ويعاقب عليه، فعلى الإنسان أن يدفع الخطر والخوف عن نفسه ويتّقي المقابل، هذا هو القدر المتيقن من التقيّة، وبدونه تصبح التقية لغواً وموضوعها منتفياً.

وعلى هذا فإذا كان المنكرون لتحريف القرآن من الشيعة يقولون بذلك تقيّة يعني أنهم في باطنهم يعتقدون بوجود التّحريف في القرآن الكريم، ولكنهم يظهرون خلاف ما بدا لهم، أليس لهم مدرك يعتمدون عليه في معتقدهم هذا؟ والمستمسك الوحيد للاعتقاد بتحريف القرآن هو الرّوايات قطعاً ليس إلاّ. وإذا كان لهم دليل آخر فمنشأه أيضاً هو الرّوايات كما رأيتم في مبحث "دراسة روايات التحريف في مصادر الشيعة وأهل السنة" فنقول متسائلين:

ألا توجد مثل هذه الرّوايات في كتب أهل السنة (والتي يجب حملها على التقية في فرضنا)؟

أليست رواياتهم من حيث مصادر وقوة سندها أقوى من روايات الشيعة؟

أليست المصادر التي تذكر هذا النوع من الرّوايات من الكتب المعتبرة؟

أوَ لم يعتمد القائلون بالتحريف من علماء الشيعة أمثال "المحدث النوري"

____________

1 ـ شرح اصول الكافي; لصدر الدين الشيرازي (ملا صدرا): ص 378 وبحار الأنوار: ج 8، ص 138 وج 72، ص 130 وج 75، ص 393 ـ 444 وتلخيص المحصل: ص 422.


الصفحة 484
و"سيد نعمة الله الجزائري" وبعض آخر على روايات أهل السنّة من أجل إثبات أوهامهم؟

ألا يوجد بين علماء أهل السنة أفراد مثل "ابن شنبوذ" و"الشعراني" و"ابن الخطيب" وغيرهم ممّن يتمسك ببعض هذه الرّوايات ويقولون بتحريف القرآن؟(1) وعلى هذا لا وجه للتقية في مسألة تحريف القرآن اطلاقاً.

والآن وبعد هذه المقدمة نلقي نظرة على هذا الفصل، فالدكتور القفاري بادئ ذي بدء تشبّث بأوهام "المحدث الجزائري" و"المحدث النوري" فالمحدث الجزائري يقول:

"إنّ هذا القول ـ أي القول بعدم تحريف القرآن ـ إنّما صدر منهم ـ أي من أجلاّء علماء الإمامية كالصدوق والشيخ الطوسي والشريف المرتضى ـ لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليهم بأنّه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التّحريف لها."(2)

وأمّا "المحدث النوري" فقد قال:

"ثمّ لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان ان طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين فإنّك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريح والجبائي والزجاج وابن زيد وامثالهم... ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلاّ قليلاً... وهو بمكان من القرابة لو لم يكن على وجه

____________

1 ـ انظر: المقام الأوّل، مبحث "نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن الروايات" وفي المقام الثاني، مبحث "بداية الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة".

2 ـ الأنوار النعمانية: ج 2، ص 358.


الصفحة 485

المماشاة فمن المحتمل أن يكون هذا القول ـ أي الإعراض عن روايات كثيرة رويت من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن منه ـ أي من الشيخ الطوسي رحمه الله ـ فيه ـ أي في تفسير التبيان ـ على نحو ذلك ومما يؤكد كون وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاووس في سعد السعود وهذا لفظه: ونحن نذكر ما حكاه أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في كتاب التبيان وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفصيل المكّي من المدني والخلاف في أوقاته الخ"(1).

وبعد بيان عبارتي المحدّثَين قال الدكتور القفاري:

"انهما ـ أي المحدث الجزائري والنوري ـ ممن يجاهر بهذا الكفر ويعلنه ومن يفعل ذلك فليس من الإسلام في شيء وإذا كنّا نتثبت في خبر الفاسق فما بالك بأخبار هؤلاء... وأرى خطأ من يأخذ كلام هذا الجزائري ومن على شاكلته باطلاق...

وإذا كنا لا نأخذ بكلام هؤلاء الأفاكين الآثمين فهذا لا يعني أيضاً أن نأخذ بسذاجة ظاهرة وبسطحية غافلة ما يقوله أصحاب الرأي الآخر باطلاق ونحن نعلم ان التقية من اصولهم...

وعلى هذا فلابد من دراسة متأنّية وأمينة لهذه القضية فاقول كما نقل شيخهم المفيد اجماع طائفته على هذا الكفر كما أسلفنا..."(2).

نحن الآن لسنا في صدد أن هذا النوع من الاتهامات، وارد في شأن المحدثين الجزائري والنوري أم لا؟ وإنما نريد أن نبين أنّ الدكتور القفاري شرط على نفسه في

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 34.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 280.


الصفحة 486
أول بحثه أن تكون دراسته لمذهب الإمامية "متأنّية!!" و"أمينة!!!".

والآن لنأتِ ونحاكم الدكتور القفاري على "تأنيه!" و"أمانته!" وهل أنه وفى بهما أم لا؟

فهو ومن أول وهلة لدراسته قد خان وقطّع عبارة الشيخ المفيد فأخذ صدرها وترك ذيلها، وحرّف كلمة "تأليف" الواردة في كلام الشيخ المفيد إلى "تحريف" لتصل (أمانته) العلمية إلى أوجها، وبعد ذلك قام بالافتراء على الشيخ المفيد وقال زوراً وبهتاناً "نقل إجماع طائفته على هذا الكفر!!" فأين ادّعى المفيد ذلك؟ وفي أي كتاب؟

أيّها الدكتور ضاعت الأمانة التي تعهدت بالتزامها في بداية بحثك!

والآن ينبغي لنا الوقوف على بعض النكات التي ذكرها الدكتور القفاري لرفع الشبهات التي فيها.

إنّك لو تتبعت هذا الفصل من أوله إلى آخره لما وجدت شيئاً مما قاله الدكتور القفاري يستحق الذكر سوى هاتين العبارتين من المحدث النوري والجزائري اللتين لا سابقة قبلهما أي لم يقل أحد من الشيعة بأن القول بسلامة القرآن هو التقية عند الشيعة، فإن كان عند الدكتور القفاري عدالة في الحكم يكفيه اعتراف "المحدّث النوري" بانفراده من بين الشيعة بالقول بالتحريف وقد أورد الدكتور القفاري نصّ كلامه(1)، وأيضاً إقرار المحدّث الجزائري الذي يقول: إنّه لا يقين عنده بأنّ علماء الإمامية قالوا ذلك تقية، وقد أورد الدكتور القفاري أيضاً نصّ عبارته قائلاً:

____________

1 ـ قال النوري: "لا يجب ان يوحش من المذهب قلة الذاهب إليه والعاثر عليه بل ينبغي ألاّ يوحش منه..." اصول مذهب الشيعة: ص 281 نقلاً عن فصل الخطاب: ص 38 ـ 39، فهذه العبارة تدل على ان المحدث النوري منفرد في قوله وعلماء الإمامية الذين يجمعون على صيانة القرآن عن التّحريف لم يستعملوا التقية في هذا المورد إذ لو كانوا مع المحدث النوري في رأيه لما قال النوري "لا يجب ان يوحش من المذهب...".


الصفحة 487

"وحتّى نعمة الله الجزائري الذي قال: إن إنكارهم تقيّة لم يكن على يقين من هذا..."(1).

نعم تكفي هذه الاعترافات من المحدثين النوري والجزائري لِطيّ صفحة التقية وإقرار الدكتور القفاري بأنّ وعوده للقرّاء في أكثر فصل كتابه وإحالته لهم إلى هذا الفصل سراب ليس إلاّ(2).

لكن يبدو أنّ الدكتور القفاري ذكر كل تلك المقدمات لكي يمكن له الخدشة في كلمات ونصوص أجلاء علماء الإمامية في نزاهة القرآن عن التّحريف حتى يصل أخيراً إلى اتّهام جلّ الإمامية بالقول بالتحريف ولذا تراه يقول:

"والذي تولى كبر عقيدة التّحريف وأكثر من الوضع فيها هم الاثنا عشرية"(3).

واستنتج أيضاً من بحث هذه الادعاءات، شيوع الكذب والدس في كتب الشيعة فقال:

"وفي النهاية أقول:... تبين شيوع الكذب والدس في كتبهم..."(4).

ويحتمل أنّ الدكتور القفاري يريد ان يوجد جواباً نقضياً لقول أكثر علماء أهل السنة ـ مع التنبيه إلى مناقشات أهل السنة أنفسهم في نسخ التلاوة والأدلة على عينية نسخ التلاوة مع التّحريف ـ لأنك لاحظت أنّ الدكتور القفاري في مقابل هذه الأدلة ـ من السيد الخوئي وغيره ـ لم تكن لديه جواب ونقد، بل إنّه تحفّظ على أدلّة

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 282 نقلاً عن الأنوار النعمانية: ج 2، ص 356.

2 ـ كقوله في فصل: "ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية": ص 219 وأيضاً في فصل: "شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة": ص 226 وما بعدها وغيرهما من الفصول.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1281.

4 ـ المصدر السابق: ص 299.


الصفحة 488
السيد الخوئي ولم يأت بها(1) مستبدلاً إيّاها بوابل من الكلمات الفاحشة وغضَّ الطرف عن مناقشات أهل السنة أنفسهم لنسخ التلاوة.

وإلاّ فإنّ قول الدكتور القفاري هذا بأنّه: شاع الكذب والدس في كتب الشيعة ـ وخصوصاً في العهد الصفوي دسّ الشيعة في كتب قدمائهم ـ معناه في الواقع أنّ الرّوايات لم تكن موجودة في كتب القدماء حتّى يستعمل أمثال الشيخ الصدوق وشيخ الطائفة الطوسي التقيّة في هذا المجال، وأساساً يجب أن ينتفي موضوع التقية في نظر الدكتور القفاري.

هذا وإنّ توهم المحدث الجزائري في احتماله التقيّة ليس بصحيح وهذه المشكلة وقع فيها المحدث الجزائري بلحاظ مسلكه الأخباري الذي يقبل بكل رواية في هذا الباب من غير النظر إلى الأسانيد والمداليل، ويعدّهامن روايات التّحريف والحال إنّ أكثر روايات هذا الباب في نظر أعلام الإمامية روايات مرسلة، أمّا من حيث المدلول فهي أجنبية عن التّحريف بالمعنى المتنازع فيه ـ وهو التّحريف بالنقيصة ـ ولعلّ المحدّث الجزائري مع تفطّنه لهذه النكتة انصرف عن هذا التوهم وتردّد في نسبة التقية لهؤلاء الاعلام في هذه المسألة كما رأيتم نصَّ كلامه.

وعلاوة على ذلك فإن كان أعلام الإمامية ـ بزعم المحدث الجزائري ـ قد قالوا بعدم التّحريف في القرآن لسد باب الطعن عليهم من قبل المخالفين، لتوجّه الطعن أولاً وقبل كل أحد إلى المخالفين أنفسهم، فهذا "الفضل بن شاذان" (ت 260) الذي كان قبل الشيخ الصدوق (ت 386) والسيد المرتضى (ت 436) والشيخ الطوسي460) يقول في التعريض بأهل السنَّة:

"رويتم أنّ الشاة جاءت فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب

____________

1 ـ وقد أوردنا تمام كلام السيد الخوئي في المقام الأول في مبحث "نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية عن روايات أهل السنة"، راجع إن شئت.


الصفحة 489

من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة... ورويتم أنّ عمر بن الخطاب قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآناً كثيراً لا يقرؤه غيرهم فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر... ورويتم أن أبا موسى الأشعري... قال "والله لقد كنا نقرأ سورة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله كنا نشبّهها ببراءة تغليظاً وتشديداً فنسيناها غير إني أحفظ حرفاً واحداً منها أو حرفين: لو كان لابن آدم..." ورويتم أن سورة الأحزاب كانت ضعف ما هي فذهب منها مثل ما بقي في أيدينا، ورويتم أن سورة "لم يكن" كانت مثل سورة البقرة قبل أن يضيع منها ما ضاع... فلئن كان الأمر على ما رويتم لقد ذهب عامة كتاب الله عز وجل الذي أنزله على محمّد صلّى الله عليه وآله... فأيّ وقيعة تكون أشد ممّا تروونه..."(1).

ومع وجود مثل هذا التعريض بكتب أهل السنة لا يبقى مجال للطعن في كتب الشيعة. وعلى أية حال فالدكتور القفاري ـ حسبما قال ـ يريد من هذه التمهيدات إنّه لا يقبل بسذاجة ظاهرة وسطحية غافلة آراء أعلام الإمامية كالشيخ الصدوق (ت 381 هـ)، والشيخ الطوسي (ت 460)، والسيد المرتضى (ت 436)، والطبرسي (ت 548) صاحب مجمع البيان في صيانة القرآن عن التّحريف، وإنما يريد مع "دراسة متأنية وأمينة" البحث في هذه القضية، فيقول:

"ولكن بقي أن ندرس البرهان الذي قدمه نعمة الله الجزائري في أنَّ إنكار هؤلاء المنكرين كان على سبيل التقية بدليل أنهم "رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الامور في القرآن..." فهل هذا حقيقي بالنسبة لأولئك المنكرين؟".

____________

1 ـ الايضاح: ص 211 ـ 222.


الصفحة 490
ثم قال:

"نبدأ بابن بابويه القمي "الصدوق" (ت 381) باعتباره أول من أنكر على هؤلاء الغلاة وأعلن أنّ هذا لا يمثل مذهب الشيعة"(1).

ابن بابويه وانكاره لما ينسب لطائفته:

لم تكن الأبحاث التي ذكرها الدكتور القفاري في الواقع إلا تكراراً لما ذكره أولاً ونحن هنا نورد أهم البحوث التي أوردها مع نقدها:

أ: يقول الدكتور القفاري في مقام بيان الرأي الصريح لابن بابويه الصدوق رحمه الله في نزاهة القرآن عن التّحريف:

"في قوله ـ أي قول ابن بابويه الصدوق رحمه الله ـ: "ومن نسب إلينا إنا نقول بأن القرآن أكثر من ذلك ـ أي أكثر ممّا هو بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس... ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ـ فهو كاذب" فقوله تكذيب للكليني صاحب الكافي وشيخه القمي صاحب التفسير والنعماني صاحب الغيبة وغيرهم الذين يجاهرون بهذا المعتقد ويعدونه من مذهب الإمامية أو كأنه يعتبر من يقول بهذا ليس في عداد الشيعة"(2).

أقول: إنّ من الخطأ الفادح أن يقارن الدكتور القفاري بين قول "ابن بابويه" ورواية "ثقة الإسلام الكليني" و"تفسير النعماني" ليصل إلى النتائج التي توخّاها

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 283.

وإذا كان دليل المحدث الجزائري كافياً لدى الدكتور القفاري للقول بوجود التقية عند علماء الشيعة في هذه المسألة فحينئذ نقول: ان ادّعاء مؤلفي أهل السنة (الذين توجد في كتبهم روايات كثيرة في تحريف القرآن) بصيانة القرآن عن التّحريف تقيّة!

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 285.


الصفحة 491
وهي تكذيب ابن بابويه، للكليني، والقمي وخروج الكليني والنعماني من دائرة التشيّع،... بل إن هذا يعتبر في الحقيقة تزويراً للحقائق، وقد مرّ منّا إنّ الدكتور القفاري يخلط بين كتب الحديث والتفسير بالمأثور وهي التي في صدد جمع الرّوايات وبين الكتب الاعتقادية التي هي في صدد علاج الرّوايات، ولو قبلنا مقارنة الدكتور القفاري الباطلة تلك وطبقناها على كتب أهل السنة لأوقعنا الدكتور القفاري في مصيبة عظمى لا يمكن له الخلاص منها، وقد أشرنا الى ذلك في مبحث "شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة، التهافت بين حكم الشيخ الصدوق وروايات الكافي".

ب: يقول الشيخ الصدوق في مقام مصحف الإمام علي عليه السلام:

"ومثل هذا كثير كلّه وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين لما جمعه فلما جاء به فقال لهم هذا كتاب الله ربكم كما انزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا لا حاجة لنا فيه عندنا مثل الذي عندك فانصرف..."(1).

وقد توصل الدكتور القفاري بعد بيانه خبر مصحف الإمام علي في كلام ابن بابويه إلى النتائج الآتية: "ذلك من رواسب روايات الاسطورة في ذهن ابن بابويه"، "خرافة يفتح باب التقية"، "النقض على قول ابن بابويه بصيانة القرآن عن التّحريف"، "عدم تمكن ابن بابويه من الخلاص النهائي عن تلك السموم"(2).

فإذا كانت تلك النتائج ـ التي لابد أن يكون الدكتور القفاري قد توصّل إليها بعد "دراسة متأنّية" كما يدّعي ـ علمية وصحيحة، فإذن تكون جميع روايات وكتب

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 285 نقلاً عن الاعتقادات للصدوق: ص 101 ـ 102.

2 ـ المصدر السابق: ص 285 ـ 286.


الصفحة 492
أهل السنة التي تحدّثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام ـ وهي كما رأيت أكثر بكثير من كتب وروايات الشيعة ـ متصفة بهذه الأحكام الموهومة والنتائج الخاطئة، يعني إنها كلّها من رواسب روايات الاُسطورة، وإنها خرافة، وإنّها تنقض قولهم بصيانة القرآن عن التّحريف إلى آخر المدّعيات التي أوردها الدكتور القفاري، وقد تقدّم البحث مفصلاً حول مصحف الإمام علي عليه السلام وتوصلنا إلى أنّ ذلك المصحف ـ كما صرّح به ابن بابويه وغيره من أجلاء الإمامية ـ لا يختلف عن المصحف الموجود جوهرياً فكيف تصحّ ادعاءات الدكتور القفاري؟

ج: إنّ مقارنة الدكتور القفاري بين كتابي "التوحيد" لابن بابويه و"الاحتجاج" للطبرسي ـ في قسم من رواية احتجاج الإمام علي عليه السلام مع الزنديق ـ بعد التشبث بقول المحدّث النوري أوصلته إلى هذه النتيجة:

"ألا يحتمل أن يكون الأصل هو ما في كتاب التوحيد وان تلك المفتريات المتعلقة بالتحريف زيادة بعد الصدوق من صاحب الاحتجاج أو غيره وهذا الاحتمال وارد..."(1).

كيف يمكن مقارنة كتاب "التوحيد" الذي هو من الكتب المسندة والقيمة لدى الإمامية مع كتاب "الاحتجاج" ذي الرّوايات المرسلة وغير القابلة للاحتجاج، واستحصال نتيجة كهذه؟ كما انّ كلمة "أو غيره" كذب، فانه لا توجد هذه الزيادة في غير كتاب "الاحتجاج" وقد ناقشنا أيضاً في المقام الأوّل شيئاً من تلك الزيادة الموهومة، بالاضافة إلى ذلك أنـّه لو كانت تلك المفتريات بزعم الدكتور القفاري زيادة من صاحب الاحتجاج، لما كانت تلك الرّوايات في السابق حتى يستعمل الصدوق التقية.

ثمّ ذكر الدكتور القفاري بعد هذه المناقشات ـ المتكررة ـ ما يلي:

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 287.


الصفحة 493

"ولكن لم تسلم كل كتب الصدوق من هذا "الإلحاد" فقد جاء في كتابه "ثواب الأعمال"... ان سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرّفوها.

وفي كتاب "الخصال" جاء برواية تقول: "يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف، والمسجد، والعترة يقول المصحف: يارب حرقوني ومزقوني..."(1).

وقد وردت فى بحار الأنوار "حرفوني" وهي أدل على الوقوع في هذا الكفر ولكنها خلاف الأصل".

أولاً: إنّ تلك الرواية في شأن سورة الأحزاب، كانت قد وردت في كتاب "ثواب الأعمال" فقط وفي سندها "محمّد بن حسّان"(2) الذي لم تثبت وثاقته و"ابن أبي حمزة البطائني" الذي هو واقفي، ضعيف جداً متهم(3). فإن كان ذكر تلك الرواية آية الالحاد كما يزعم الدكتور القفاري فمضونها مع عدّة طرق عن عائشة وحذيفة وأُبي بن كعب وبعضها بسند صحيح وردت في عدة من كتب أهل السنة(4) فعلى هذا كل من هؤلاء ومن خرّج الرواية معقود بهذا الالحاد وموصوف بما قاله الدكتور القفاري من الأوصاف.

لا سيّما أمثال "الآلوسي" حيث تحيّروا في المقام فتارة قالوا: إنه موضوع قد وضعه الملاحدة وتارة قالوا: مُؤوّل، بدون بيان وجه تأويله(5) لكن إن كنا نحن في

____________

1 ـ المصدر السابق: ص 288 ـ 289.

2 ـ معجم رجال الحديث: ج 15، ص 191.

3 ـ المصدر السابق: ج 11، ص 214.

4 ـ انظر: المقام الأول مبحث "دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة"، الطائفة الخامسة من الروايات.

5 ـ روح المعاني: ج 12، ص 217.


الصفحة 494
موقف التحقيق والدرّاسة نقول: إنّ تلك الرّوايات تضرب عرض الجدار لا محالة.

ثانياً: إنّ الشيخ الصدوق اعتبر ما زاد على آيات القرآن من نوع الحديث القدسي، وقد اجاب علماء السنة كما رأيتم في علاجهم لروايات التحريف بنفس هذا الجواب على هذه الرّوايات وأمثالها.

والآن هل يوجد تهافت بين ذكر أصل الرواية وبيان جوابها؟ وهل أنّ ذكر هذه الرواية دليل على الدس والزيادة في كتب الشيعة؟ وكيف يدّعي الدكتور القفاري إنّ دراسته متأنية؟! ولو كان ما يقوله الدكتور القفاري صحيحاً لصدق هذا الحكم نفسه على كتب أهل السنة التي تحمل تلك الرّوايات، لأنّ حكم الامثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، نعم إذا كان مبنى الدكتور القفاري الخدش في جواب الشيخ الصدوق، فهذا شيء، وإلاّ لماذا هذا النوع من الأحكام؟!

وأما الرواية التي أخرجها الصدوق رحمة الله عليه في كتابه "الخصال" فقد رواها بسنده عن جابر بن عبد الله الانصاري، ونفس هذه الرواية التي سمّاها الدكتور القفاري برواية "الالحاد" رويت في كتب أهل السنة عن أبي اُمامة الباهلي، وعن جابر نفسه. ففي كنز العمال عن مسند أحمد ومعجم الطبراني وسنن سعيد بن منصور عن أبي امامة الباهلي (صدى بن عجلان الصحابي) وأيضاً عن الديلمي عن جابر عن النبىّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم:

"يجيء يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة فيقول المصحف: يا رب حرّقوني ومزقوني ويقول المسجد: يارب خربوني وعطلوني وضيعوني وتقول العترة: يارب طردونا وقتلونا وشردّونا وأجثو بركبتي للخصومة فيقول الله: ذلك إليَّ وأنا أولى بذلك"(1).

____________

1 ـ جمع الجوامع: ج 3، ص 993 وكنز العمال: ج 11، ص 193 الرقم: 31190. وقد أورده أيضاً علىّ بن طاووس في كتابه "اليقين": ص 329 عن أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من علماء أهل السنة، وبمعناه في محاضرات الاُدباء للراغب الاصبهاني: ج 2، ص 333.