ضخمين"(1).
|
وقال في موضع آخر من كتابه:
"وقد اعتنى بأمر هذا الحديث [أي حديث غدير خمّ] أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع في مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه..."(2).
|
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة أمير المؤمنين علىّ عليه السلام وهو يتكلّم عن حديث الغدير:
"وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر [أي ابن عقدة] وصحّحه"(3).
|
فعلى هذا تبيّن صدق قول الأميني فيما نسب إلى ابن جرير الطبري السنّي وكشف عدم صدق الدكتور القفاري في أمانته ودعاياته.
رابعاً ـ إنّ الذي نقله المرحوم الأميني من كتاب "الولاية" لابن جرير الطبري "في علىّ نزلت سورة والعصر" قد أورده السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن عباس حيث قال:
"أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله [تعالى]: (والعصر * إنّ الإنسان في خسر) يعني أبا جهل (إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات)ذكر عليّاً وسلمان"(4).
|
وبمثله أخرج الحاكم الحسكاني عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه
____________
1 ـ البداية والنهاية: المجلّد السادس، الجزء الحادي عشر، ص 146.
2 ـ المصدر السابق: المجلّد الثالث، الجزء الخامس، ص 184.
3 ـ تهذيب التهذيب: ج 7، ص 288، رقم الترجمة 4925.
4 ـ الدرّ المنثور: ج 8، ص 622.
"(إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات...) هم علىّ وشيعته".
|
وبسند آخر عن ابن عباس قال:
"جمع الله هذه الخصال كلّها في علىّ: (إلاّ الّذين آمنوا) كان والله أوّل المؤمنين إيماناً (وعملوا الصالحات) وكان أوّل من صلّى وعَبَدَ الله من أهل الأرض مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم"(1).
|
هذا وادّعى الدكتور القفاري دعاوي خطرة أُخرى في المجال، انظر وتعجّب قال:
"إنّ الروافض استغلّوا التشابه في أسماء بعض أعلامهم مع بعض أعلام أهل السنّة وقاموا بدس فكري رخيص يضلل الباحثين عن الحق... حيث ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا حديث رواية ذلك الشيعي أو قوله إليه. ومن ذلك محمّد بن جرير الطبري الإمام السنّي المشهور صاحب التفسير والتاريخ فإنّه يوافقه في هذا الإسم محمّد بن جرير بن رستم الطبري من شيوخهم... وقد استغلّ الروافض هذا التشابه فنسبوا للإمام ابن جرير بعض ما يؤيد مذهبهم مثل: كتاب المسترشد في الإمامة مع أنـّه لهذا الرافضي وهُم إلى اليوم يسندون بعض الأخبار التي تؤيّد مذهبهم إلى ابن جرير الطبري الإمام كالأميني النجفي في الغدير (ج 1 / ص 214 ـ 216). ولقد ألحق صنيع الروافض هذا ـ أيضاً ـ الأذى بالإمام الطبري في حياته وقد أشار ابن كثير إلى أنّ بعض العوام اتّهمه بالرفض ومن |
____________
1 ـ شواهد التنزيل: ج 3، ص 482 ـ 483.
الجهلة من رماه بالإلحاد وقد نسب إليه كتاب عن حديث غدير خم يقع في مجلّدين ونسب إليه القول بجواز المسح على القدمين في الوضوء. ويبدو أنّ هذه المحاولة من الروافض قد انكشف أمرها لبعض علماء السنة من قديم، قد قال ابن كثير: ومن العلماء من يزعم أنّ ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك وينزهون أبا جعفر من هذه الصفات"(1).
|
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1197.
قال الدكتور القفاري في المقام في هامش كتابه:
"ومثل ابن جرير آخرون... كابن قتيبة فإنّهما رجلان: أحدهما عبد الله بن قتيبة رافضي غال وعبد الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة... وقد صنّف كتاباً سمّاه بالمعارف فصنف ذلك الرافضي كتاباً وسمّاه بالمعارف قصداً للإضلال وقد احتار الباحثون في نسبة كتاب الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة السني لما فيه من أباطيل... وفيه المسحة الرافضية جلية واضحة حيث الطعن في الصحابة ودعوى أنّ عليّاً رفض بيعة أبي بكر، لأنـّه ـ كما يزعم ـ أحق بالأمر وغاب عنهم الدسائس الرافضية وإنّ ابن قتيبة رجلان وكتاب الإمامة والسياسة هو لذلك الرافضي، بل لم أر من نبّه على ذلك مع أهميّته". (أصول مذهب الشيعة: ص 1197).
|
الدكتور القفاري المبتلى بالتعصب الهدّام يسعى لانكار الحقائق بأي ثمن كان وهو هنا يقوم بحيلة عجيبة فيُنشأ شخصيات خيالية لإضلال الآخرين، فهو يختلق من عنده شخصية باسم "عبد الله بن قتيبة" الشيعي ـ أو بقول الدكتور القفاري الرافضي ـ وينسب إليه كتاب "المعارف" وكتاب "الإمامة والسياسة" (المعروف بكتاب تاريخ الخلفاء) ولكن في كتب التراجم والرجال لا وجود خارجي لشخصية عبد الله بن قتيبة الشيعي. انظر في كتب التراجم والرجال عدة أشخاص باسم "ابن قتيبة":
أ: أحمد بن عبد الله بن مسلم قاض القضاة بمصر مترجم له في "سير أعلام النبلاء" (ج 14، ص 565، الرقم 324) بقوله: وهو مالكي.
ب: محمد بن الحسن بن قتيبة مترجم له فيه أيضاً بقوله: "الإمام الثقة المحدث الكبير..." (ج 14، ص 292، الرقم 189).
ج: عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الدينوري مترجم له في كثير من كتب التراجم، كـ "سير أعلام النبلاء" بقوله: "العلامة الكبير ذو فنون" (ج 13، ص 296، الرقم 137) وقال أبو بكر الخطيب في تاريخه: "كان ثقة دَيّناً فاضلا" (ج 10، ص 170). ولترجمته في كتب أخرى، انظر: هامش كتاب "تاريخ الإسلام" للذهبي (جزء حوادث الوفيات، عام 271 ـ 280، ص 381 ـ 382).
وهذا ابن قتيبة هو صاحب كتاب "المعارف" المعروف ذكره عند جمهرة كبيرة من المؤرخين الذين ترجموا له كالخطيب (تاريخ بغداد: ج 10، ص 170، الرقم 5309) والذهبي في تاريخه (جزء حوادث الوفيات، عم 271 ـ 280، ص 382، الرقم 432) وابن خلكان (وفيات الأعيان: ج 2، ص 42، الرقم 328) وابن كثير (البداية والنهاية: 11 / 48) وغيرهم كثير، انظر مقدمة كتاب المعارف: ص 63، 71، 72 ومقدمة كتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير: ص 13 ـ 15، فقد أنهى خمسين كتاباً فيه ترجمة عبد الله بن مسلم ابن قتيبة.
د: إبراهيم بن قتيبة الأصفهاني (ت / بعد 300) المترجم في (أعيان الشيعة: ج 2، ص 199)
فأين عبد الله بن قتيبة الشيعي؟ ما هو إلاّ في وهم الدكتور القفاري واختلاقه ـ كأسلافه، صاحب مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص 32 ـ ومع هذا عدّه الدكتور القفاري من اكتشافاته القيّمة بقوله: "لم أر من نبّه على ذلك مع أهميّته"!!
1 ـ مَنْ مِن علماء الشيعة استغلّ تشابه الأسماء، وعلى سبيل المثال نَسَب كتاب (المسترشد في الإمامة) لابن جرير الطبري السني ليخدع الآخرين ويضللهم بالشكل الذي يدعيه افتراءاً الدكتور القفاري؟
ثمّ ما هي حاجة الشيعة لاستغلال تشابه الأسماء؟ هذه أسماء بعض كبار الإمامية ممن صرّحوا أنّ محمد بن جرير الإمامي صاحب كتاب المسترشد هو غير محمد بن جرير السني صاحب كتاب التاريخ، فمَن قال من متقدميهم:
أ: الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علىّ النجّاشي (ت / 450 هـ.) قال:
"أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري إنّه جليل من أصحابنا الإمامية كثير العلم... له كتاب المسترشد"(1).
|
ب: شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت / 460 هـ.) قال:
"محمد بن جرير بن رستم الطبري يُكنى أبا جعفر فاضل وليس هو صاحب التاريخ فإنّه عامي المذهب [أي من أهل السنة]، وله كتب... منها كتاب المسترشد"(2).
|
ج: ومحمد بن علىّ بن شهرآشوب (ت / 588 هـ.) قال:
"أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ديّن فاضل وليس هو صاحب التاريخ، من كتبه المسترشد"(3).
|
وغيرهم كمحمد بن الحسن الشهير بابن اسفنديار في تاريخ طبرستان(4) المؤلف عام (613 هـ.). والعلاّمة الحسن بن علىّ بن داود الحلىّ (ت / 707)(5) و...
وهذا من متقدمي الإمامية وأمّا من المتأخرين:
محمد باقر الخوانساري(6) (ت / 1314 هـ.) والسيد حسن الصدر(7) (ت / 1354 هـ.) والسيد محسن الأمين(8) (ت / 1371 هـ.) والسيد الخوئي(9) (ت / 1413 هـ.) وغيرهم... فإنهم كلّهم أجمعين قديماً وحديثاً صرّحوا بأبلغ تصريح بأن
____________
1 ـ رجال النجاشي: ص 376، رقم الترجمة 1024.
2 ـ الفهرست: ص 191، رقم الترجمة: 711 ومثله في كتابه الرجال: ص 514.
3 ـ معالم العلماء: ص 106، رقم الترجمة 716.
4 ـ تاريخ طبرستان: ص 130.
5 ـ كتاب الرجال: باب الثقات، ص 167، رقم الترجمة 1330.
6 ـ روضات الجنات: ج 7، ص 293.
7 ـ تأسيس الشيعة: ص 96.
8 ـ أعيان الشيعة: ج 9، ص 199.
9 ـ معجم رجال الحديث: ج 15، ص 148.
فأين استغلال الروافض ـ على حد تعبير الدكتور القفاري ـ التشابه في الأسماء ونسبتهم لابن جرير السني كتاب المسترشد في الإمامة؟
نعم ذكر ابن النديم في الفهرست ـ عند عدّ مصنفات محمد بن جرير الطبري السني ـ كتاب المسترشد فلعلّه وَهمٌ منه ولم يركن لقوله أحد من الإمامية.
2 ـ هل إنّ العلاّمة الأميني ـ وبالشكل الذي يقوله الدكتور القفاري متشبثاً بكلام ابن كثير ـ يُسند كذباً بعض الأخبار التي تؤيد مذهب الإمامية لابن جرير الطبري السني؟
لاحظنا أن الأميني ما كان ينسبه إلى ابن جرير هو عين الصدق والحقيقة، ورأينا اعتراف كبار علماء أهل السنة كـ "ياقوت" و"الذهبي" و"ابن كثير" و"ابن حجر" أن محمد بن جرير الطبري السني له كتاب في مجلدين وهو المسمى بكتاب الولاية أو كتاب فضائل علىّ وأورد فيه طرق حديث الغدير وقد شاهدوه بأنفسهم.
وبناءً على ذلك فما هو قصد "ابن كثير" عندما يقول عبارته التالية: "ومن العلماء من يزعم إنّ ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك ويُنزّهون أبا جعفر من هذه الصفات"؟
إذا كان قصده أنّ محمد بن جرير السني لم يكن له كتاب يتعلق بغدير خم ولم يقل بجواز مسح القدمين في الوضوء، فإن ذلك متناقض مع نصّ عبارة ابن كثير نفسه الذي كان يقول: إنه رأى كتاب ابن جرير السني الذي تناول فيه حديث الغدير وكذلك يتناقض مع عبارة ابن جرير فيما يخص جواز المسح في الوضوء ـ اضافة إلى ذلك فإنه لا يوجد كتاب يخص غدير خم بين مصنفات ابن جرير الأمامي، وجواز المسح على القدمين ممّا أجمع عليه الإمامية وليس من مختصات ابن جرير الإمامي
"والصواب من القول عندنا في ذلك: أنّ الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم"(1).
|
والعجيب أن الدكتور القفاري لم يراعِ الأمانة حتى في نقل عبارة ابن كثير ويكتب مستنداً لكلام ابن كثير بأنّ: "الروافض قد آذوا الإمام الطبري السني في حياته، في الوقت الذي (ابن كثير) نفسه فيما يخص ابن جرير الطبري السني يقول: (ظلمته الحنابلة ونسبوه إلى الرفض) انظر نص عبارته:
"ولقد ظلمته الحنابلة... ودفن في داره لأنّ بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهاراً ونسبوه إلى الرفض ومن الجهلة من رماه بالإلحاد"(2).
|
إلى هنا كانت مناقشة دعاوي الدكتور القفاري فيما يخص العلاّمة الأميني، والآن نرجع إلى أصل البحث.
ونرى ماذا يقول الدكتور القفاري فيما يخصّ عبد الحسين شرف الدين؟ في بداية هذا البحث عندما نقلنا عبارة الدكتور القفاري لوحظ إنه عدَّ عبد الحسين شرف الدين من ضمن الإتجاه الأوّل وقال:
"لقد اتّجه صنف من شيوخهم إلى انكار وجودها [أي فرية التحريف] أصلا ومن هؤلاء عبد الحسين الأميني النجفي في الغدير و... عبد الحسين شرف الدين..."(3).
|
____________
1 ـ جامع البيان: ج 6، ص 130.
2 ـ البداية والنهاية: ج 11، ص 157.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 992.
"أما أسلوب عبد الحسين في نفيه لهذه الاسطورة ففيه شيء من المكر والمراوغة قد لا يتنبّه له إلاّ من اعتاد على أساليبهم وحيلهم... تأمل قوله: "فإنّ القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته" ماذا يعني بالقرآن المتواتر من طرقهم هل هو القرآن الذي بين أيدينا أم القرآن الغائب مع المنتظر كما يدعون... إنّ تخصيصه بأنّه متواتر من طرقهم يلمس منه الإشارة للمعنى الأخير ذلك أنّ القرآن العظيم كان من أسباب حفظه تلك العناية التي بذلها عظيما الإسلام أبو بكر وعمر وأتمّها أخوهما ذو النورين عثمان بن عفان في جمعه وتوحيد رسمه تحقيقاً لوعده عزّ وجلّ ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلاثة معروف فهذا القرآن إذاً غير متواتر من طرقهم"(1).
|
مع الأسف إنّ الدكتور القفاري لا زال ملتزماً بأسلوبه الخياني في نقل العبارات، لا بل فإنّه هنا يكيد القرآن هذه المرة إضافة إلى كيده المسلمين، وذلك:
أولا: فإن العلاّمة عبد الحسين شرف الدين غير منكر مطلقاً لأصل وجود هذه الروايات في كتب الفريقين ـ بالشكل الذي كتب عنه الدكتور القفاري ـ لقد اتّجه صنف من شيوخهم إلى إنكار وجودها، وإليكم نصّ عبارته:
"نعم لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها مما لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا لضعف سندها ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً وأكثر عدداً وأوضح دلالة، على أنّها من أخبار الآحاد... فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ولا سيما |
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 995.
بعد معارضتها لقوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)"(1).
|
ثانياً: يقصد السيد شرف الدين من القرآن المتواتر، القرآن الموجود نفسه ولا شك، والدكتور القفاري مع الأسف خان في كلام شرف الدين وقطّعه، بالشكل الذي يوقع القارىء في اشتباه، وهذا نص عبارة شرف الدين:
"فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه وأئمة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الله تعالى وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه... وكان القرآن مجموعاً أيّام النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير... وقد عرضه الصحابة على النبىّ صلّى الله عليه وآله وتلوه عليه من أوّله إلى آخره...".
|
إلى أن قال (رحمه الله تعالى):
"وكيف كان فإنّ رأي المحققين من علمائنا الإمامية أنّ القرآن العظيم إنّما هو بين الدفتين الموجود في أيدي الناس..."(2).
|
ثالثاً: إن القرآن الغائب مع الإمام المهدي "عج" ليس إلاّ مصحف الإمام علىّ عليه السلام والذي تثبته روايات الفريقين وقد تحدّثنا عن ذلك مفصّلا ونتيجة الكلام فيما يخص مصحف الإمام علىّ عليه السلام كما قاله عبد الكريم الشهرستاني
____________
1 ـ أجوبة مسائل جار الله: ص 29.
2 ـ المصدر السابق: ص 28 ـ 30.
الإمام علىّ عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بعد ذلك أراه الصحابة وقد أعرضوا عنه فقال لهم: سوف لن تروه أبداً...
وبناءً على ذلك فكيف يقول الدكتور القفاري "القرآن الغائب متواتر من طرقهم ـ أي من طرق الشيعة ـ"؟!
في أي مكان من هذه المصادر والأدلة جاء أن الإمام علىّ عليه السلام جمع القرآن من طرق الشيعة بجميع آياته وكلماته و...؟ هل ان الدكتور القفاري منتبه إلى التناقض الواضح في كلامه؟
رابعاً: هنا الدكتور القفارري مع الأسف يغمض العين عن القواعد الواضحة في "علم الحديث" ومن ذلك يقول: "... ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلاثة معروف فهذا القرآن إذاً غير متواتر من طرقهم" على فرض أن اعتقاد الشيعة فيما يخص الخلفاء الثلاثة هو ما قاله الدكتور القفاري فمن القائل من علماء الحديث إن وثاقة الأفراد شرط في الخبر المتواتر؟
قال في شرح النخبة:
"إنّ المتواتر ليس من مباحث الإسناد، إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحّة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحثه"(1).
|
هذا والشخص الآخر الذي أورده الدكتور القفاري ضمن الاتجاه الأول هو الشيخ لطف الله الصافي، الذي لا ينكر بدوره وجود تلك الأخبار في كتب الفريقين وإليكم نصّ عبارته، فقد قال الشيخ الصافي بعد ذكره لشطر من الأخبار:
____________
1 ـ شرح النخبة: ص 4، وعن الدكتور صبحي الصالح في كتابه "علوم الحديث ومصطلحه": ص 151.
"وهذه الأخبار وإن كانت مطروحة لا يجوز الاتكال عليها وقامت الضرورة والاجماع من الفريقين على خلافها... إلاّ أنّ المنصف يعرف منها أنّه لو جاز نسبة القول بوقوع النقص في القرآن بوجود تلك الأخبار لكان أهل السنة أولى بها فإنهم نقلوا في كتبهم المعتبرة وتفاسيرهم ذلك"(1).
|
الوجه الثاني: الاعتراف بوجودها ومحاولة تبريرها
قال الدكتور القفاري:
"وقد اتخذ هذا الاعتراف صوراً متعددة، فصنف منهم يعترف بأن عندهم بعض الروايات في تحريف القرآن ولكنه يقول إنها "ضعيفة شاذة وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملا فإمّا أن تؤول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار. وصنف يقول بأنها ثابتة، ولكن "المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل. وصنف ثالث يقول بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس فيه تحريف ولكنه ناقص قد سقط منه ما يختص بولاية علىّ وكان الأولى أن يعنون المبحث تنقيص الوحي أو يصرح بنزول وحي آخر وعدمه. وصنف رابع يقول: نحن معاشر الشيعة نعتقد بأن هذا القرآن الذي بين أيدينا الجامع [يعني المجموع] بين الدفتين هو الذي أنزله الله تعالى على قلب خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن يدخله شيء بالنقص أو بالزيادة... على أنّنا معاشر الشيعة نعترف بأن هناك |
____________
1 ـ مع الخطيب في خطوطه العريضة: ص 86.
قرآناً كتبه الامام علىّ عليه السلام بيده الشريف بعد أن فرغ من كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وتنفيذ وصاياه... وهو محفوظ عند الامام المهدي "عج". واتجاه خامس يقول: "وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم كما لهم اجتهادهم... غير أنّا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه". وفريق سادس: يقول بأن هذه الفرية إنّما ذهب إليها من لا تمييز عنده بين صحيح الأخبار وسقيمها من الشيعة وهم الأخباريون أما الأصوليون فهم ينكرون هذا الباطل".
|
أقول: قبل أن أبدأ بنقد دعاوي الدكتور القفاري لا بدّ أن أوضح أنّ التقسيم الذي ذكره يقوم ـ وكما هو دأبه ـ على أساس تقطيع العبارات وتحريف آراء علماء الامامية، لأنّه في الواقع إن جميع الأصناف الستة التي ذكرها في هذا الاتجاه ما هي إلاّ صنف واحد لا غير، وهي تقريباً مما اتفقت عليها الإمامية ـ بالشكل الذي نقلناه في مبحث "دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة" في المقام الأول ـ هؤلاء عند تناولهم أسانيد تلك الروايات قالوا: أكثرها ضعيفة شاذة وأخبار آحاد وعند تناولهم المضمون (فقه الرواية) يقولون: بناء على القرائن والشواهد الكثيرة إن قصد المعصومين عليهم السلام بقولهم: "كذا أنزل" هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل ولأن هذا التنزيل من الله حسب الأدلة الثابتة والشواهد الكثيرة من الفريقين، فإنهم أسموه بنزول وحي آخر، وهؤلاء أنفسهم أيضاً يعتبرون مصحف الإمام علىّ عليه السلام أمراً ثابتاً بالاستناد إلى روايات الفريقين واختلاف ذلك المصحف عن الموجود بين أيدينا فقط في ترتيب السور وبيان حقائق تفسيرية وتأويلية وذلك بالاستناد إلى الأدلة والقرائن، ونفس
بناءاً على ذلك فإن الأصناف الستة التي ذكرها الدكتور القفاري ما هي إلاّ صنف واحد، ولو كان الدكتور قد جاء بكل عبارات وآراء هؤلاء فإن هذا الأمر لكان واضحاً بشكل جيد.
على سبيل المثال لاحظوا كل العبارة التي أوردها الدكتور القفاري عن العلامة الطباطبائي باعتباره من الصنفين الثاني والسادس، العلامة الطباطبائي يقول:
"ذهب جماعة من محدثي الشيعة والحشوية وجماعة من محدثي أهل السنة إلى وقوع التحريف بمعنى النقص والتغيير...".
|
وفيما يخص أسانيد روايات التحريف يقول:
"إنّ أكثرها ضعيفة والسالم منها من هذه العلل أقل قليل... وعلى تقدير صحّة إسنادها مخالفة للكتاب مخالفة قطعية حسب ما قررناه... وإن ما جمعه الإمام علىّ عليه السلام القرآن وحمله إليهم [أي إلى أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وآله] وعرضه عليهم لا يدل على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شيء من الحقائق الدينية الأصلية أو الفرعية... ولو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرّد إعراضهم عمّا جمعه..."(1).
|
بناءاً على ذلك فإن العلاّمة الطباطبائي سيكون ضمن الأصناف الستة جميعها،
____________
1 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 112 ـ 116.
وعلى هذا فإن الحق هو ما قدمناه: الإمامية في هذا المجال ليسوا إلاّ صنفاً واحداً لا غير، فهؤلاء يعترفون بوجود الروايات التي تدلّ بظاهرها على التحريف في كتب الإمامية ـ كما في كتب أهل السنّة ـ ولكن في مقام فقه الرواية يقومون بمعالجة أسانيد ومضامين تلك الروايات.
الآن لنرى ما هي مناقشات الدكتور القفاري للأصناف الستة ـ الموهومة ـ؟
فهو هكذا يكمل:
"نبدأ في مناقشة الآراء السابقة على حسب ترتيب عرضها: أولا: إنّ القول بأن تلك "الأساطير" هي في مقاييس الشيعة روايات ضعيفة شاذة، يرد عليه ما ردده طائفة من شيوخهم من القول باستفاضتها وتواترها كالمفيد والكاشاني ونعمة الله الجزائري وغيرهم، بل إنّ المجلسي جعل أخبارها كأخبار الإمامة في الكثرة والاستفاضة كما سلف..."(1).
|
أقول: لقد تم البحث بالتفصيل سابقاً في هذا الموضوع ولا يوجد تناقض في القول بين أولئك الذين يقولون إن الأخبار في هذا المجال ضعيفة شاذة وبين أولئك
____________
1 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 997.
"باب فضل القرآن وإعجازه وأنّه لا يتبدل بتغير الأزمان"(2).
|
والشيخ المفيد الذي يعد تلك الأخبار مستفيضة، يصرح بأنّ تلك الأخبار، هي أخبار آحاد وأكثرها في باب القراءات أو في باب تأليف الآيات ـ لا التحريف بمعنى النقيصة ـ قال رحمه الله:
"إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله بصحّتها... مع إنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين... كما |
____________
1 ـ انظر: مبحث "حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة" في المقام الثاني.
2 ـ بحار الأنوار: ج 92، ص 1، وقد استدلّ لدعواه بآيات القرآن ومنها آية: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) وآية: (لا يأتيه الباطل من بين يديه...). نفس المصدر: ج 92، ص 5.
يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتّى"(1).
|
كذلك المحدث الكاشاني ونعمة الله الجزائري، حيث لاحظتم نص كلامهما من قبل(2)، والعجيب إن الدكتور القفاري نفسه أورد في مكان آخر بعض عبارات هؤلاء كالمفيد والكاشاني(3). ولا بدّ أن يكون قد فهم مقصوده الحقيقي ولكنه هنا تجاهل الحق وكتب ما يلي:
"فإن هذا الحكم من كبير علماء الشيعة على تلك الروايات بالشذوذ مع كثرتها التي اعترف بها شيوخهم تدل على شيوع الكذب في هذا المذهب بشكل كبير..."(4).
|
إذا كان معيار الدكتور القفاري صحيحاً فيحق لنا بدورنا أن ننسج على منواله ونقول: بأنّ الحكم من كبار علماء أهل السنة على تلك الروايات بالشذوذ والآحاد ـ كفخر الرازي والسرخسي ومصطفى وزيد و... ـ مع كثرتها في كتب أهل السنة بحيث اعترف بها شيوخهم ـ كابن سلاّم والسيوطي والآلوسي ـ يدلّ على شيوع الكذب في هذا المذهب بشكل كبير...(5).
هل إن هذا الحكم صحيح، الجواب بعهدة الدكتور القفاري وأمثاله؟! مع أنا نعلم ـ والقفاري أيضاً يعلم لو تخلّى عن هواه ـ أن كثرة الأحاديث ووقوعها في كتب الفريقين شيء، وبيان معالجة تلك الأسانيد ومضامينها في الأمور المختلفة شيءٌ آخر.
____________
1 ـ المسائل السروية: ص 83 ـ 84 وقد مضى تفصيل الكلام حول رأي الشيخ المفيد في صيانة القرآن عن التحريف. انظر مبحث "ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية" في المقام الثاني.
2 ـ انظر مبحث: "حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة" في المقام الثاني.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 301.
4 ـ المصدر السابق: ص 997.
5 ـ انظر مبحث "دراسة روايات التحريف في كتب أهل السنة" في المقام الأول.
"ثانياً: أمّا القول بأن المقصود بروايات الشيعة في هذا هو تحريف بعض النصوص التي نزلت لتفسير آيات القرآن فهذا تأكيد للأسطورة وليس دفاعاً عنها، ذلك إنّ مَن حرّف وردّ وأسقط النصوص النازلة من عند الله والتي تفسّر القرآن وتبيّنه هو لردّ وتحريف الآيات أقرب..."(1).
|
مع الأسف فإنّ الدكتور القفاري لم يراع الأمانة في وصفه للصنف الثاني كذلك، لأنّ هؤلاء لم يقولوا: "إنّ المقصود... هو تحريف بعض النصوص التي نزلت لتفسير آيات القرآن" ولكن قالوا: "المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل، هو التفسير...".
هذه هي نص عبارة هؤلاء وقد نقلها نفس الدكتور القفاري في ابتداء بيان "الوجه الثاني" من الصنف الثاني من الأصناف عند تناولها ـ ونحن قمنا بالنقل عنه ـ والملاحظ إنّه هنا لم يراع الأمانة ومن ثم بناءاً على عمله هذا تتخذ المناقشات.
أما أصل جواب هذا الحكم وادعاء الدكتور القفاري فقد لوحظ من قبل على أنه:
أولا: جواب علماء الشيعة الذين يقولون: (المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم كذا نزل هو التفسير) هو نفسه الذي تقول بصحته الشواهد والقرائن الكثيرة، علماً أن بعضاً من كبار أهل السنة مثل (أبو عبيد القاسم بن سلاّم) و(ابن حزم الأندلسي) قالوا بذلك أيضاً(2).
ثانياً: إنّ الدكتور القفاري بحكمه هذا أوقع نفسه في التناقض في القول لأنه
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 998.
2 ـ انظر: مبحث "أجوبة أهل السنة عن روايات التحريف" في المقام الأول.