"أخذه بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل اثبت مع التنزيل..."(2).
|
وخاصة الخليفة الثاني حيث كان يُظهر إصراره على ذلك برفع شعار "جرّدوا القرآن"(3).
ثمّ قال الدكتور القفاري:
"على أن هذا (التأويل لنصوص الاسطورة) لا يتلائم مع كثير من تلك الروايات إذ إنّ في رواياتهم "المفتراة" التصريح بأنّ النص القرآني قد شابه ـ بزعمهم ـ تغيير ألفاظه وكلماته فهذا التأويل ليس بمخرج سليم من هذا العار والكفر... والموقف الحق هو ردّها وردّ مرويات من اعتقدها لأنـّه ليس من أهل القبلة..."(4).
|
الدكتور القفاري نفسه يقصّ ويخيط، فاقرؤا نص عبارة الإمامية ـ والذي أورده
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1025.
2 ـ عن البرهان للزركشي: ج 1، ص 235.
3 ـ تاريخ الطبري: ج 4، ص 204، طبعة مصر سنة 1963 م وطبعة اوربا: ج 1، ص 274 وانظر أيضاً: فضائل القرآن لابن سلام: ص 32، رقم 15 والطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتذكرة الحفاظ: ج 1، ص 7.
4 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 994.
ولكن فيما يتعلق بكل الروايات التي تخلو من التأويل الصحيح فإنهم أسقطوها وردوها بشكل قطعي، وهذه تكملة عبارة العلامة الطباطبائي التي أوردها الدكتور القفاري في الصنف الثاني، وموقف الدكتور القفاري وحديثه هنا أيضاً عن الصنف الثاني، قال العلامة الطباطبائي:
"... فالحق إن روايات التحريف المروية من طرق الفريقين ـ إن لم يكن لها معنىً صحيح ـ مخالفة للكتاب مخالفة قطعية فهي ساقطة لا محالة"(2).
|
بناءاً على ذلك فكيف يشغل الدكتور القفاري نفسه والآخرين بالمسرحية التي أنتجها؟
____________
1 ـ الملاحظ إن من بين التعابير التي تستعمل في بيان القصد وتفسير الآيات أن تعبير "كذا نزل" ـ وما شابه ذلك ـ من أدقها، فهي تستعمل في موارد للتأكيد على أنّ معنى الآية هو هذا لا غيره، مع إنه، عندما تتبعنا في تراجم الرواة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام عرفنا في حالهم أنهم ـ أحياناً ـ لا ينقلون ما يسمعون بعين ألفاظه، وإنّما يروون المعاني وما يتصوّرونها ويستفيدونها وإن كانوا قد يخطئون في ذلك. انظر تمام الكلام مبحث: دراسة تحليلية في مفاهيم "الإقراء"، "التنزيل" في المقام الأول.
2 ـ الميزان: ج 12، ص 116.
لابد أن نذكر أن الدكتور القفاري يقول: "على أنّ التأويل لا يتلائم مع كثير من تلك الروايات" خطأ آخر منه لأن تلك الروايات التي أورد الدكتور القفاري ثلاثة نماذج منها في هامش كتابه، ليست ضمن الروايات التي فيها عبارة "كذا أنزل" ومن حيث الحجم فإنها ليست كثيرة كذلك، وقد وردت تلك الروايات في كتب أهل السنة أيضاً، وقد بحثنا عنها في عنوان "الطبرسي وإنكاره لهذه الفرية" في المقام الثاني.
"ثالثاً: أمّا القول بأن القرآن ناقص وليس بمحرف فهذا كسابقه ليس بدفاع ولكنه تأكيد لأساطيرهم وطعن في كتاب الله بما يشبه الدفاع فكيف تهتدي الأمة بقرآن ناقص... وهذا هو مبلغ دفاعه عن القرآن والإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم"(1).
|
ربما يتعجب القارئ إذا قلنا إن الدكتور القفاري لم يراع الأمانة مرّة أخرى هنا، فالقائل بذلك هو المرحوم آغا بزرك الطهراني فنصّ عبارته هنا فيما يخص بـ "تنقيص الوحي" لا "تنقيص القرآن"، فالوحي عنده شكلان وحي تنزيلي قرآني، ووحي تنزيلي تفسيري وقال: فالمنقوص من القرآن الموجود هو الوحي التنزيلي التفسيري لا الوحي القرآني المعجز، وواضحٌ إن التنقيص في الوحي التفسيري لا يُصيب القرآن بخلل وتحريف. وهذه نصّ عبارة الشيخ آغا بزرك الطهراني انظر:
"إنّ ما بين الدفتين الذي وصل بأيدينا بالتواتر إلى اليوم بلا شك لأحد من المسلمين ولا ارتياب... فالقرآن المجيد الذي هو بأيدينا ليس موضوعاً لأي خلاف يذكر فمحل الخلاف إنزال وحي آخر غير ما بين الدفتين..."(2).
|
ونحن سابقاً في "دراسة تحليلية عن مفاهيم "الاقراء" و"التنزيل" تحدثنا عن ذلك مفصلا وقلنا بوجود نوعين من الوحي استناداً إلى الأدلة والقرائن الموجودة عند الفريقين وهو أمرٌ ثابت ولا يختص بالشيعة، بل يُصرّح به عدد من كبار أهل
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 999 ـ 1000.
2 ـ الذريعة: ج 3، ص 313 فقال رحمه الله: وقد كتبنا في إثبات تنزيه القرآن الكريم مؤلفاً سمّيناه بـ "النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف". الذريعة: ج 3، ص 312 ـ 313.
بناءاً على ما تقدم وطبقاً لقول الدكتور القفاري هل يصح أن نقول لابن حزم وأبو جعفر النحاس وأمثالهما: وهذا هو مبلغ دفاعهم عن القرآن والإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم؟!!
قال الدكتور القفاري في صنف آخر:
"رابعاً: إنّ ما قاله الصنف الرابع بوجود قرآن آخر عند منتظرهم... فهذا يعني إنّ الدين لم يكمل وإنّ مسألة وجود قرآن آخر ومسألة الطعن في كتاب الله سبحانه هما في كتب الشيعة الإمامية واحدة... فهم يزعمون إنّ عليّاً جمع القرآن بتمامه وجاء إلى الصحابة فردّوه وألّفوا قرآناً حذفوا منه ما يتصل بولاية علىّ... فهذا الرافضي ومَن على منهجه أراد الخداع والتلبيس..."(6).
|
إنّ كل نوع من الاتهام والسب الذي أورده الدكتور القفاري فيما يتعلق بمصحف الإمام علىّ ـ وكرر ذلك عدّة مرات ـ يُصيبُ أكثر علماء أهل السنة، فلقد سمعتم أقوالهم الخاصة بمصحف الإمام علىّ، فمن خلال تتبعنا النسبي إلى القرن الثامن وجدنا بحدود عشرة أشخاص من كبار أهل السنة يُخبرون عن مصحف الإمام
____________
1 ـ تأويل مختلف الحديث: ص 292.
2 ـ المباني لنظم المعاني: المخطوط، الورقة 62 ـ 64.
3 ـ الإحكام في أصول الأحكام: ج 1، ص 93.
4 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 8 ـ 9.
5 ـ الحديث والمحدثون: ص 11.
6 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1000.
على سبيل المثال لاحظوا حديث العلاّمة عبد الكريم الشهرستاني صاحب الملل والنحل فلقد تحدّث عن المصحف مفصلا وكان يقول: بعد أن أرى الإمام علىّ عليه السلام المصحف للصحابة وقال "هذا كتاب الله" فقالوا:
"ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه فقال: والله لا ترونه بعد هذا أبداً... فرجع به إلى بيته قائلا: (يا ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)".
|
إلى أن قال الشهرستاني:
"كيف لم يطلبوا جمع علىّ بن أبي طالب أَوَ ما كان أكتبَ من زيد بن ثابت؟ أَوَ ما كانَ أعرَبَ من سعيد بن العاص؟ أَوَ ما كان أقربَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جَمعَهُ واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً..."(2).
|
الآن نسأل الدكتور القفاري هل إن هؤلاء العلماء لا زالوا يعتقدون "إنّ الدين لم يكمل"؟ هل إن هؤلاء "أرادوا الخداع والتلبيس"؟ إلى آخر الألفاظ البذيئة والاتهامات الفارغة والتي تكرّرت في مواضع متعددة صدرت وهي بعيدة عن الأخلاق العلمية(3) فضلا عن الإنسان المسلم.
أما ما يتهم به الدكتور القفاري ويقول "حذفوا منه ما يتصل بولاية علىّ" فهو مجرد اتهام ولم يشر إلى المصدر أو القائل لنرى مدى صحّة ذلك.
وفي الصنف الخامس قال الدكتور القفاري:
____________
1 ـ انظر مبحث "مصحف الإمام علىّ" في المقام الثاني.
2 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ص 121 ـ 125.
3 ـ انظر أيضاً: اصول مذهب الشيعة: ص 202، 285، 339، 1022 و...
"أما الفئة الخامسة الذين يقولون بأنّ القول بالتحريف رأي خاطيء وضلال سابق وكنا نذهب إليه ثمّ تبيّن لنا الحق فعدلنا عنه... فإنه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا المذهب الفاسد... ولكن هذا القول قد يكون للتقية أثرٌ فيه... ذلك إن أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر، هي محلّ تقدير عند هؤلاء وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كالكليني وكتابه الكافي والقمّي وتفسيره وغيرهما".
|
مرة أخرى عدم أمانة القفاري تجعل الإنسان يتعجب حقاً فلأي سبب وباعث يبتعد الدكتور القفاري عن الأمانة وإلى هذا الحدّ؟! لماذا يحرّف الدكتور القفاري كلام الآخرين في كل جملة من كتابه متصوراً إنه سيجُر القارىء إلى الهدف والمقصد الذي يريده؟
انظر عبارة القائل وهو صاحب كتاب الشيعة والسنة في الميزان هل إنه يقول: "إنّا نذهب إلى القول بالتحريف ثم تبيّن لنا الحق فعدلنا عنه" بالشكل الذي ينقل عنه الدكتور القفاري ثم يكمل "فإنّه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا..." أو ذلك الذي يقول: "وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم، كما لهم اجتهادهم غير إنا حينما فحصنا ذلك ثبتَ لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه"(1).
أما طبل التقية فإن الدكتور القفاري يقرعه في أي مكان اشتهاه، ومع ذلك فليس له أي مكانة في بحثنا هنا، كيف يعملون الشيعة التقية في الوقت الذي ملئت كتب السنة من هذه الروايات؟ بل في أوساطهم من يزعم بالتحريف ونحن قد قمنا بدراسة هذه تفصيلا في مبحث "هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل
____________
1 ـ الشيعة والسنة في الميزان: ص 48.
والعجيب من القفاري استدلاله هنا على استعمال التقية في كتب الحديث مثل الكافي، وكتب التفسير بالمأثور مثل تفسير القمي، مع أنّ وجود روايات التحريف (بالمعنى المقصود في البحث) في تلك الكتب لو كان دليلا على استعمال التقية لكان ذلك دليلا على استعمال التقية لدى علماء السنة أيضاً. بل كان ذلك أولى بمراتب، حيث وجود روايات التحريف الكثيرة في كتبهم الحديثية مثل الصحيحين، والتفاسير بالمأثور مثل تفسير الطبري والدرّ المنثور ـ مع اعتراف علماء السنة بعدم قلة هذه الروايات ـ وهو أمر مشهور، حتى إن بعض علمائهم لحفظ مكانة هذه الكتب لديهم التجأ بجعل تلك الروايات تحت عنوان نسخ التلاوة، وحتى يسلم أصحابها من طعنات النقص الحتمية. فيتضح أن لو كان ميزان الدكتور القفاري منصفاً لتبرأ من هذه الكتب وأصحابها أيضاً، ولقال: "وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كمالك وكتابه الموطأ، والبخاري ومسلم وصحيحيهما، والطبري والسيوطي وتفسيريهما، وغيرهم".
ثمّ ذكر الدكتور القفاري جواباً نقضياً فقال:
"ثمّ إن القول بأن الاثنا عشرية أجمعهم رجعوا عن هذا منقوض بصنيع عالمهم المعاصر حسين النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب، والذي ألّفه لاثبات هذه الفرية، وهو منقض أيضاً بكتاب تحريف القرآن لسيدهم على تقي بن السيد أبي الحسن النقوي اللكنهوي ـ المعاصر المولود سنة (1323 هـ) وهو بالأردية وغيرهما من مؤلفاتهم في هذا الضلال وهو معارض بما قدمناه عن آغا بزرك الطهراني والأميني النجفي وغيرهما..."(1).
|
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1001.
وإذا كان نفس صاحب الشيعة والسنة في الميزان يعترف بأن هؤلاء يقولون بالتحريف(2) فكيف ينقض عليه الدكتور القفاري وأمّا نقض الدكتور القفاري بآغا
____________
1 ـ قد يوهم عنوان تحريف القرآن بأن المراد منه القول بالنقص في آيات القرآن، إلاّ أن المقصود منه ما ذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني عندما تعرض لتحريف الكتاب في الذريعة حيث قال: "إنزال وحي آخر وعدمه لكنهم عبروا عن الانزال وعدمه بالتحريف وعدمه من باب التعبير عن الشيء بلوازمه". الذريعة: ج 3، ص 313.
2 ـ لاحظ كتاب الشيعة والسنة في الميزان: ص 48، والطبعة الأولى له في عام 1397 هـ 1977 م، وقد أهداه إلى الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله تعالى.
وحيث ان الدكتور القفاري لم يراع الأمانة في نقله العبارة من هذا الكتاب على خلاف ما ألزم به نفسه، فلذا نذكر عبارة هذا الكتاب، قال:
"الفرق بيننا وبين غيرنا إنّا لم نقل بعدم التحريف إلاّ بعد دراسة وتمحيص ولذلك وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم كما لهم اجتهادهم وإن أخطئوا بالرأي، والذي أوقعهم في ذلك ما روي عن الطرفين أي [الشيعة والسنة] ما يوهم ذلك; غير إنّا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه... ومن أراد أن يعرف كيف قلنا بعدم التحريف فليطالع كتبنا في مقدمة التفاسير ومنها... كتاب مرجع العصر الحاضر الخوئي. وأمّا غيرنا ـ وهنا البلية ـ فلم يقل بعدم التحريف إلاّ تقليداً...". (الشيعة والسنة في الميزان: ص 48 ـ 49).
|
وفي ختام كتابه كتب:
"أختم كتابي هذا بهذه الرسالة المرسلة إلى إحسان الهي ظهير صاحب كتاب الشيعة والسنة..." |
وبعد أن أورد رسالته قال مخاطباً لإحسان ظهير:
"وإذا كان أنت عندك جرأة أدبيّة فانشر تلك الرسالة بمجرّد وصولها لك..." (ص 146).
|
وقال الدكتور القفاري في الصنف الأخير:
"سادساً: أما ما ذهبت إليه الطائفة الأخيرة من أنّ هذه المقالة لم يقل بها كلّ الاثنى عشرية وإنّما هي مقالة لفرقة منهم وهم الأخباريون الذين لا يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه فهذا قولٌ قاله أيضاً بعض شيوخ الشيعة وهو الشريف المرتضى حيث قال: "من قال في ذلك من الإمامية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة وظنّوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. كما إنّ القول بأن هذه الفرية خاصة بالاخبارية قالها وأكدها مرجع الشيعة الأكبر في عصره جعفر النجفي المتوفى سنة (1227 هـ). ولكنه من الاصوليين يذهب في روايات التحريف الواردة في كتب الشيعة مذهباً لا يقل خطورة عن رأي إخوانه الأخباريين، حيث قال بعد أن ذكر أن تلك الفرية هي رأي للأخباريين وهو باطل بدلالة العقل والنقل وما علم من الدين بالضرورة"(1).
|
ثمّ ذكر الدكتور القفاري رأي الشيخ جعفر النجفي، وقد ذكرنا كلامه بأكمله عند
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1001 ـ 1002.
ويلاحظ على الدكتور القفاري بعدم ذكر تمام عبارة ما استشهد به من أن بعض الإمامية القائلين بنسبة القول بالتحريف إلى الأخبارية منهم، حيث إنّهم لم يقتصروا بنسبة هذا القول للأخبارية من الشيعة فقط بل شمل الحشوية من أهل السنة، قالوا: "إنّما هي مقالة لفرقة من بعض اخباريين الإمامية والحشوية العامة، ولا يعتمد على قولهم، وقد تقدم من الدكتور القفاري محاولة حمل الحشوية في عبارة السيد المرتضى على أصحاب الحديث من الإمامية ـ على الرغم من تصريح علماء السنّة بأن الحشوية فرقة من الحنابلة(2) ـ، وهنا لم يذكر كلمة الحشوية بالمرة من عبارة السيد المرتضى.
وما نقله الدكتور القفاري عن الشيخ جعفر النجفي من نقص بعض الأحاديث القدسية التي من غير الوحي القرآني فهو خارج عن بحث تحريف القرآن، والقول به لا يقدح في سلامة القرآن من التحريف، وقد تقدّم منّا تكراراً بأن القول بوجود قسمين للوحي لا يختص بالإمامية، وأن الوحي قسم منه قرآن وهو المعجز، وقسم منه غير قرآن.
وأما تخصيص النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام بإظهار قسم من الأحاديث التي من الوحي التفسيري ـ وقد يعبر عنه بالحديث القدسي ـ فتوجد عليه شواهد وأدلة من الفريقين وقد فصلنا البحث هذا في محلّه(3)، والقول به لا
____________
1 ـ انظر: مبحث "شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف".
2 ـ انظر: تعريفات الجرجاني: ص 341، الغيث المنسجم: ج 3، ص 47.
3 ـ انظر: مبحث "مصحف الإمام علىّ" في المقام الثاني، المسألة الثالثة "دراسة ونقد شبهات الدكتور القفاري".
فما قاله الدكتور القفاري في الشيخ جعفر من أنّه:
"تاه في بيداء التكلفات والتمحلات حتى وقع مما فر منه أو كاد"(1).
|
مبتن على عدم التفريق بين الوحي التفسيري أو الحديث القدسي وبين الوحي القرآني، إلاّ إنّ الفرق بينهما أوضح من الشمس لدى كافة العلماء من الفريقين، وكلام الدكتور القفاري ناشيء عن جهله أو تجاهله للحقيقة.
الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به
قال الدكتور القفاري:
"والذي تولى كبر هذا البلاء هو المدعو حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 هـ. الذي ألّف كتابه "فصل الخطاب" لاثبات هذه الأسطورة..."(2).
|
الدكتور القفاري مرات ومرات ـ ومع الأسف ـ لم يتوان عن كيل اتهاماته وافتراءاته على الشيعة ورميهم بأقبح وأسوء الألفاظ، وهنا حصل على ذريعة حتى يزداد في تماديه ويكثر من سقطاته والتهجّم على الآخرين، وعلى الرغم من أنّ المنهج العلمي وتقوى الله يفرضان عليه الدفع بالتي هي أحسن، إلاّ أنّه استعمل ألدغ الألفاظ والاتهامات والشتائم.
وبعد أن أفرغ ألفاظه القارصة وعباراته المشينة تحت العنوان المتقدم، أخذ على نفسه كشف ملابسات فصل الخطاب وبحث شبهاته، قال:
"فكان من الواجب أن تكشف ترهاته وأن تدك شبهاته... وفيما يلي عرض موجز لمحتويات الكتاب... مع نقده وكشف شبهاته |
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1002.
2 ـ المصدر السابق: ص 1003.
وأغاليطه"(1).
|
وقد فصل الدكتور القفاري في ردّه نظر المحدث النوري وكشف شبهاته في ما يقارب من الخمسين صفحة، إلاّ أنه في أغلب الموارد لم يأت إلاّ بما ذكره الإمامية في إبطال قول وشبهات المحدث النوري وردهم على فصل الخطاب.
نعم الدكتور القفاري بدل أن يكون أميناً ويشير إلى مصادر نقده وإجاباته كان غير منسجم الكلام، وفي مواجهته لما ذكره المحدث النوري لاثبات توهّمه من روايات أهل السنة الدالة على التحريف التي كثرت في فصل الخطاب نرى القفاري وحتى يغطي على ذلك تارة يستعمل الألفاظ الفاحشة، وتارة يفتري، وتارة ينكر، إلى أن يقع في مناقضة نفسه.
وقد ذكر علماء الإمامية ما ينبغي ذكره في نقد ورد مزاعم المحدث النوري التي طرحها في كتابه فصل الخطاب(2)، وهنا لسنا في حاجة لاعادتها، وقد قلنا بأن عظماء الإمامية في زمان تأليف فصل الخطاب قد ألّفوا كتباً كثيرة للردّ على كتاب فصل الخطاب وهي كتب عظيمة الفوائد ودقيقة التحقيق، وقد تقدّم منّا عرض فهرس لأسماء هؤلاء المحققين حتى يرجع إليها من أراد التفصيل في الرد على مدعيات المحدث النوري.
وفيما يلي نستعرض ما ذكره القفاري في طيّات ردّه على المحدث النوري من الأخطاء وما كان منه من عدم الانصاف في حكمه، وما تجاهله من أداء الأمانة.
قال الدكتور القفاري:
1 ـ "لقد قام المؤلف ـ مؤلف فصل الخطاب ـ بكشف الغطاء عن عقيدة الشيعة الاثنى عشرية في تحريف القرآن وجمع ما تفرق من |
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1003.
2 ـ انظر: مبحث "فصل الخطاب ونقاط هامة" في المقام الأول.
أخبارهم فيها..."(1).
|
في الخطوة الأولى للدكتور جاء بزلّة عظيمة حيث ادّعى أنّ مؤلف فصل الخطاب كشف الغطاء عن عقيدة الاثنى عشرية، فهل أن جمع الأخبار صحيحها وسقيمها، سواء كانت تامة الدلالة على المراد أو غير تامة الدلالة، ومن مصادر متعددة أكثرها غير معتبر عند الشيعة يدل على عقيدة الشيعة في تحريف القرآن؟! إذاً صاحب كتاب الفرقان من أهل السنة في نظر الدكتور القفاري كشف الغطاء عن عقيدة السنة في تحريف القرآن أيضاً حيث جمع أخبار التحريف في كتابه(2).
2 ـ "كما لم يجبن ـ أي صاحب فصل الخطاب ـ عن ذكر بعض السور بكاملها تتناقلها دوائر الشيعة وليس لها ذكر في المصحف"(3).
|
ومراده من "بعض السور تتناقلها دوائر الشيعة" هي السورة المزعومة بسورة الولاية، إلاّ أن صاحب فصل الخطاب قد صرح بأنه لم يجدها في كتب الشيعة، وقد ذكرها من كتاب دبستان المذاهب، وقد ثبت أنه من كتب الملاحدة، وقد تعرضنا لدراسة سورتي الولاية والنورين تفصيلا وقلنا إن تلكما السورتين قد وضعتا في القرن العاشر بيد أعداء الدين لا غير، وقد تكفل بنشرها بعض المستشرقين بغضاً وعداءً، فراجع.
3 ـ "كما ردّ ـ صاحب فصل الخطاب ـ على من أنكر التحريف من طائفته وبين أن انكار القدامى كان تقية وأن من أنكر أخبار التحريف يلزمه ردّ أخبار الإمامة لما بينهما من تلازم".
|
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1004.
2 ـ انظر حديث كتاب "الفرقان" واتّجاه أهل السنة ومصادرة الكتاب من قبل حكومة مصر في مقال الاستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في جامعة الأزهر، مجلة رسالة الإسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة، ص 382 ـ 383.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1004.
وفي أي مكان في كتابه قال بالملازمة بين أخبار الإمامة وأخبار التحريف؟ ولماذا هذا التجاهل من الدكتور القفاري؟! بل إنّ صاحب فصل الخطاب كان في مقام بيان حجم روايات التحريف قال: إنّ حجم روايات التحريف بحجم روايات الإمامة، واعترف الدكتور القفاري نفسه أن بعض تلك الروايات محمول على باب القراءة الواردة، وبعضها على نسخ التلاوة، أو كما ذهبنا إليه من حمل بعضها على التحريف في المعنى والمصداق وذكرنا لاثبات ذلك شواهد وقرائن. انظر فصل الخطاب ونقاط مهمة.
4 ـ نقل الدكتور القفاري عن محب الدين الخطيب:
"إنّ سبب ورد وإنكار وضجة الشيعة ضد ذلك الكتاب ـ أي كتاب فصل الخطاب ـ ومؤلفه وناشره هو أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم"(2).
|
ففي رأي محب الدين الخطيب أنّ هذا الإنكار والضجّة على ذلك الكتاب لم يكن لحفظ حرمة القرآن، بل كان لأجل عدم كشف الستار عن ذلك. وروايات التحريف توجد في مئات من الكتب المعتبرة عند الشيعة.
يا تُرى هل يوجد برهان لدى الخطيب على هذه الادعاءات الواهية؟ وأين مئات الكتب المعتبرة؟ فلا بدّ وإنها قد وصلت إليه! وإنّها كانت مخفية عن أعين
____________
1 ـ لاحظ: بحث "هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية".
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1005.
وهل لدى محب الدين الخطيب هذا الحكم على كتاب الفرقان؟ وهل ذكر ردّ السنة لكتاب الفرقان وضجتهم عليه وإنكارهم له ولمؤلفه؟
وهل قال لأنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم.... فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع إلى آخر ادعاءاته الواهية.
ونرى الدكتور القفاري هنا يتراجع قليلا ويتظاهر بالانصاف ويقر بعدم صحة ما جاء به محب الدين الخطيب من الشواهد، حيث قال:
"فإنّي لا أجزم كالاستاذ محب الدين في تعميم هذا الحكم على الشيعة، بل إن هناك فئة من الشيعة لا تزال تنكر هذا الكفر وتتبرأ منه..."(1).
|
ثمّ قال:
"وإن الحوار بين صاحب فصل الخطاب ومن ردّوا على صنيعه كان في مسألة وقوع التحريف من عدمه لا في وجوب التستر على هذه الفرية..."(2).
|
ثمّ سعى الدكتور القفاري جاهداً لحفظ ماء وجه الخطيب والتضليل على الحق والتشبّث بالأساليب الواهية والاحتمالات الشيطانيّة فقال:
"وهو لا ينافي أن يوجد اتجاهاً عند الشيعة يرى ضرورة التستر لحرمة المذهب"(3). 5 ـ "قال صاحب فصل الخطاب وهو يذكر صورة التغير في القرآن |
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1005.
2 ـ نفس المصدر: ص 1007.
3 ـ نفس المصدر.
ـ الذي أوحاه إليه شيطان ودفعه إليه حقده على الإسلام وأهله ـ السابعة: زيادة الكلمة كزيادة "عن" في قوله تعالى، (يسألونك عن الأنفال)".
|
وخطأ المحدث النوري هنا ممّا لا شك فيه حيث اعتبر ذلك من باب التحريف، إلاّ أن ذلك لا يسوغ للدكتور القفاري القول بأن ذلك من وحي الشيطان وحقد المحدث على الإسلام، وإلاّ لصدق قوله هذا على جماعة من الصحابة والتابعين وبعض القراء السبعة حيث إنهم قرؤا هذه الآية الكريمة خالية عن كلمة "عن"(1).
6 ـ عندما تعرض الدكتور القفاري لما قاله المحدث النوري في المقدمة الأولى من كتابه فصل الخطاب (المتعلق بمصحف علىّ عليه السلام) قال:
"... هذه الدعوى ـ أي مصحف الإمام علىّ عليه السلام ـ لا وجود لها إلاّ في خيالات هؤلاء الزنادقة... فينقل مجموعة من رواياتهم يتهيأ لقارىء لها إن العقل الشيعي... من أسرع العقول إلى تصديق الخرافة، فهو يؤمن بكتاب لا وجود له إلاّ في أساطيرهم تتحدث هذه الأساطير عن جمع علىّ ـ عليه السلام ـ للقرآن وعرضه على الصحابة وردّ الصحابة له..."(2).
|
قد تقدّم منا البحث مفصلا عن جمع الإمام علىّ عليه السلام للمصحف وعرضه له على الصحابة، وما كان يحتويه بالاعتماد على مصادر الفريقين، مع ردّ المناقشات والشبهات المطروحة على هذا المصحف، وقلنا ـ وحسب ما شهدت به أدلة
____________
1 ـ كابن مسعود، سعد بن أبي وقاص، زيد بن على، عطاء، الضحاك وغيرهم. راجع الاعراب للنحاس: ج 1، ص 664 وجامع البيان للطبري: ج 6، ص 176، والتبيان للشيخ الطوسي: ج 5، ص 86 ـ 87 وغيرهم.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1008.
7 ـ عندما تعرض الدكتور القفاري لقول المحدث النوري، "إن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده، فهذه الأمة أيضاً لا بدّ وأن تغير القرآن بعد نبينا صلى الله عليه وآله لأن كل ما وقع في بني إسرائيل لا بدّ أن يقع في هذه الأمة على ما أخبر به النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم"(1). ذكر في ضمن جوابه عليه:
"الشيعة تحاول تحريف اللفظ وما قدمناه عنهم هو الدليل لكنهم لم يحققوا أهدافهم..."(2).
|
إلاّ أن الدكتور القفاري لم يبيّن أين ذكر الدليل الذي يدعي أنه قدمه والدال على محاولة الشيعة لتحريف القرآن حتى نكشف النقاب عن زيف ادّعائه، وربما كان دليله الأحاديث الدالة على زيادة كلمة "عن" في الآية الأولى من الأنفال، أو نقصان عبارة في علىّ في الآية 67 من سورة المائدة، وعبارة "آل محمد" في آية الاصطفاء 32 من سورة آل عمران) و... إلاّ إنكم لاحظتم(3) أن هذه الروايات رويت في كتب السنة أيضاً، فإذا كان مراد الدكتور القفاري، واستاذه رشاد سالم
____________
1 ـ فصل الخطاب: ص 35.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1010.
3 ـ راجع بحث "دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة" في المقام الأول.