الصفحة 563
بأنّ وجود تلك الأحاديث في كتب الشيعة محاولة لنوع من التحريف عند الشيعة، فإن السنة بناء على هذا الاعتبار قد حاولوا تحريف القرآن، ولكن قد قدمنا أن مثل هذه الأحاديث إن لم يمكن تأويلها فإنها ساقطة عن الاعتبار، ولنزاهة ساحة القرآن العزيز عن أي نوع من أنواع التحريف.

8 ـ عندما تعرض الدكتور القفاري لقول المحدث النوري: "إن كيفية جمع القرآن وتأليفه ـ في عصر أبي بكر ـ تستلزم عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه" ضمن جوابه ـ ما هو بعيد عن التقوى العلمي ـ:

"وصياغته لهذه الشبهة تدل على أن كثيراً من شيوخ الإمامية قوم بهت يكذبون بالحقائق الواضحات ويصدقون الأكاذيب والخرافات"(1).

وأفرغ عبارة مشينة واتهامات فارغة ثم عرّج ثانية على موضوع مصحف الإمام علىّ عليه السلام قائلا:

"فلنحكم عقولنا ما جاءت هذه الدعوى إلاّ من طائفة الاثنى عشرية من بين فرق الشيعة كلّها وهي تتحدث عن قرآن جمعه علىّ عليه السلام وهو الكامل في نظرها وترفض ما أجمع عليه المسلمون فأيهما نصدق أبالقرآن أم بكتاب غائب لم ير ولم يعرف.

أخرج لنا الشيعة منه ـ أي من مصحف الإمام علىّ ـ آيات يستحيل أن تكون من كلام ربّ العزة جل علاه لسقوطها عن أداء الإنسان العادي فيكيف بكلام ربّ العالمين المعجز؟... ومن أضل ممّن يدعو أتباعه للإعراض عن كتاب الله وانتظار كتاب موهوم مفترى..."(2).

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1017 ـ 1018.

2 ـ نفس المصدر.


الصفحة 564
يا أيّها الدكتور القفاري أما سمعت الله يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) كيف تستغلّ زلّة شخص اجتهد فأخطأ، وتعممها على طائفة هم أحرص الناس على الذبّ عن كيان الإسلام والقرآن، وعلى طبق أي مصدر ومستند قلت إن كثيراً من شيوخ الإمامية يكذبون الحقائق الواضحات ويصدقون الأكاذيب والخرافات؟

وفي أي مورد رفضت الإمامية ما أجمع عليه المسلمون؟

وفي أي كتاب أخرجت الشيعة من مصحف الإمام علىّ آيات يستحيل...؟

وأي شيخ من شيوخ الإمامية يدعو أتباعه للإعراض عن كتاب الله، وانتظار كتاب وهمي؟ "فأت ببرهانك إن كنت من الصادقين".

ولا أدري لماذا هذه الأكاذيب والافتراءات والسباب والشتائم على الإمامية؟ وهل يمكن أن تكون هي لأجل حفظ كتاب الله العزيز وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله؟!! فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.

9 ـ في الزعم الثالث للمحدث النوري تعرض فيه لبطلان نسخ التلاوة، وقال الدكتور القفاري (في ضمن جوابه):

"إن النسخ من الله سبحانه قال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)... فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف إن ذلك إلاّ ضلال مبين وكيد متعمّد... لأن غاية ما تدل عليه تلك الآثار إن ذلك قرآناً ثمّ رفعه في حياة الرسول والوحي ينزل..."(1).

أو لم ير الدكتور القفاري النقد والمناقشة على نظرية نسخ التلاوة من نفس علماء السنة(2)، وأن من الروايات والأحاديث المتنوعة الدالة بظاهرها على التحريف والتي هي من مصادر السنة غير قابلة للحمل على نسخ التلاوة، مثل خبر عائشة

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1019، الآية 106 من سورة البقرة.

2 ـ لأنّ الدكتور القفاري على أقل تقدير قد رأى نقد نظرية نسخ التلاوة من بعض علماء أهل السنة في المسألة الرابعة من كتاب أجوبة مسائل الشيخ موسى جار الله للسيد عبد الحسين شرف الدين.


الصفحة 565
في الآيات المزعومة في الرضاعة حيث قالت فيه: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ مما تقرأ من القرآن"(1). وقولها في سورة الأحزاب "كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن"(2) وغيرهما.

أو ليس قول عائشة هذا صريح في عدم نسخ تلاوة فهل يصح أن يقول الدكتور القفاري في هذا المورد "إن ذلك قرآن ثم رفع في حياة الرسول والوحي ينزل".

على أن نفس الدكتور القفاري أورد مناقشة أبي جعفر النحاس لنظرية نسخ التلاوة في نفس كتابه هذه "اصول مذهب الشيعة" حيث قال عن أبي جعفر النحاس:

"إن النسخ... ارتفع بموت النبىّ صلى الله عليه وسلم"(3).

ومن جانب آخر علم الدكتور القفاري بأن هذه الأخبار آحاد ولا يمكن الاعتماد عليها في اثبات النص القرآني ولا في اثبات نسخها ومع هذا كلّه كيف يصح جوابه على المحدث النوري بأن هذه الآيات من آيات نسخ التلاوة ويتشبث بقوله تعالى: (ما ننسخ من آية...) ولم يكتف بذلك بل وحتى يلتبس البحث على القارىء قال الاقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين(4)، واستند بما جاء به من العبارات ومع الأسف مع تقطيعها من كتب بعض عظماء الإمامية (وهم الشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي) حتى لا يفهم مرادهم، وقد تعرضنا لعباراتهم

____________

1 ـ راجع الموطأ: كتاب الرضاع، ج 2، ص 605، وصحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبيرة، حديث رقم 26، و27 و28، وعن طريق آخر حديث رقم 29، و30 و31.

2 ـ فضائل القرآن لابن سلام: ص 190 والدرّ المنثور: ج 5، ص 180.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 149.

4 ـ المصدر المتقدم: ص 1021.


الصفحة 566
كاملة فيما تقدّم(1) حتى يفهم مرادهم، وحتى تظهر عدم أمانة الدكتور القفاري في نقله لعباراتهم.

فكان من الأفضل للدكتور القفاري بدلا من الافتراء والبهتان وعدم الأمانة في النقل واخفاء الحقائق أن يقرّ ـ كما أقرّ المحققون من الفريقين ـ بعدم إمكان حمل تلك الأحاديث على نسخ التلاوة وأن يقول إذا لم يكن لتلك الأحاديث تأويل صحيح فإنها ساقطة وليس لها أي قيمة اعتبارية، لمعارضتها للدليل القرآني القطعي، وان ما عارض الكتاب الكريم يضرب به عرض الحائط كما جاء بشكل متواتر عن أهل البيت عليهم السلام.

10 ـ قال الدكتور القفاري للتعريض بالمحدث النوري:

"ذكر النوري نماذج مما جاء في مصحف ابن مسعود ـ كما تزعم رواياتهم ـ ومما ذكره (وكفى الله المؤمنين القتال ـ بعلىّ بن أبي طالب ـ)..."(2).

ثم بعد ذلك جاء بقول القاضي الباقلاني:

"فأما ادعائهم أنّ ابن مسعود قرأ (وكفى الله المؤمنين القتال ـ بعلىّ بن أبي طالب ـ) وما أشبه ذلك من الأحاديث فإنّه إفك وزور لا يصحّ"(3).

إلاّ أنه وكما تقدم في باب دراسة أحاديث التحريف في مصادر الشيعة إنّ هذه القراءة المنسوبة لابن مسعود مروية في مصادر أهل السنة أيضاً، فقد نقلها ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن مسعود، وتقدم منا أن عبارة بعلىّ بن أبي

____________

1 ـ في بحث "محاولة فاشلة" في المقام الثاني.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1022.

3 ـ نفس المصدر: ص 1024 عن نكت الانتصار: ص 107.


الصفحة 567
طالب ليست جزءاً من نص القرآن بل هي تفسير وشرحٌ للآية، خصوصاً مع ملاحظة خصائص معنى "الإقراء" فإنّها قد تستعمل في قراءة الشيء بتفسيره، وهناك شواهد كثيرة في غزوات النبىّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله كفى المؤمنين القتال بعلىّ ابن أبي طالب.

11 ـ قال المحدث النوري عن قراءة سورة الانشراح في مصحف ابن مسعود:

"أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأربلي في أربعينه الحديث التاسع والثلاثون، يرويه بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول اللهمّ اعضد لي وشد أزري واشرح صدري وارفع ذكري فنزل جبرئيل وقال: (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك ـ بعلىّ صهرك ـ) فأقرأها النبىّ صلى الله عليه وآله ابن مسعود فألحقها بمصحفه وأسقطها عثمان بن عفان"(1).

ثمّ يقول القفاري من دون أن يتأني في مصدر الرواية:

"سورة الانشراح مكية... والزيادة التي زادوها وهي قولهم "وجعلنا عليّاً صهرك" كشف كذب الشيعة وذلك إن صهره ـ أي صهر النبي صلى الله عليه وآله ـ الوحيد في مكة هو العاص بن الربيع الاموي، فهم وضعوا ولم يحسنوا الوضع لجهلهم بالتاريخ..."(2).

وقد اقتفى الدكتور القفاري في هذا أثر إمامه محمد بن عبد الوهاب حيث قال:

"ما ذكروه [أي الشيعة] في كتبهم الحديثية والكلامية أن عثمان نقص

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 138.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1024.


الصفحة 568

من القرآن فإنّه كان في سورة "ألم نشرح" بعد قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) وعلياً صهرك، فاسقطها بحسد اشتراك الصهرية..."(1).

وقد تغافل هؤلاء عن أنّ مصدر هذه الرواية من كتب أهل السنة ليس إلاّ، فإن أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأربلي من مشاهير علماء أهل السنة على ما يشهد به علماء الرجال والتراجم(2)، وكذا يظهر من كتابه الأربعين، وقد ذكر ديباجة كتابه هذا:

"حدثني الشيخ الإمام الحافظ الفاضل الحسيب النسيب جمال الدين أبو الخطاب عمر بن ذي الحسبين والنسبين بن دحية الكلبي المغربي الأندلسي رحمه الله تعالى بقراءة المبارك بن موهوب الأردبيلي سنة عشر وستمأة في مجلس واحد..."(3).

____________

1 ـ رسالة في الردّ على الرافضة: ص 14 ـ 15.

2 ـ وقد صرح المحدث النوري بإنه من السنة، قال: "أسعد بن إبراهيم من الحنابلة". (لاحظ فصل الخطاب: ص 184 في ضمن الدليل التاسع)، ولاحظ أيضاً بغية الطلب في تاريخ حلب: ج 4، ص 1559، ووفات الوفيات: ج 1، ص 265، رقم 64، ومجمع الآداب في معجم الألقاب: ج 4، ص 396، الرقم 4058، والوافي بالوفيات: ج 9، ص 35، الرقم 3942.

3 ـ الأربعين: ص 290 مطبوع ضمن "المجموع الرائق من أزهار الحدائق"، تأليف السيد هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي من مشاهير القرن الثامن.

كان أبو الخطاب دحية الكلبي ـ شيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأردبيلي ـ من أعيان أهل السنة، قال ابن خلكان:

"وكان أبو الخطاب من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به". انظر وفيات الأعيان: ج 3، ص 448 ـ 449، رقم 497.

ولا بأس هنا أن نذكر شيئاً مما ذكره أسعد في أربعينه، قال:

"كنت سمعت على كثير من مشايخ الحديث إن النبىّ صلى الله عليه وآله قال: من حفظ أربعين حديثاً كنت شفيعاً له يوم القيامة فحفظت ما شاء الله من الأحاديث، وأنا لا أعلم إلى أي الأحاديث أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن لقيت سلطان المحدثين ذا الحسبين والنسبين أبا الخطاب دحية بن خليفة الكلبي رحمه الله وسمعته عليه موطأ مالك وسألته... عن الأحاديث التي أشار النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله من حفظ عني أربعين حديثاً... قال إن هذا السؤال سئل عنه محمد بن ادريس الشافعي الإمام المطلبي رضي الله عنه فقال: هي مناقب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وروى عن الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال: ما أعلم أن أحداً أعظم منة من الشافعي وإني لأدعو الله تعالى في أدبار صلواتي أن يغفر الله له منذ سمعت منه أنّ الأربعين حديثاً أراد بها النبىّ صلى الله عليه وآله مناقب أهل بيته عليهم الصلاة والسلام".

ثمّ قال أسعد بن إبراهيم:

"فقرأت عليه جميع الأحاديث المشهورة المسندة المروية في مناقب أهل البيت عليهم السلام فأراني جزءاً صغيراً فيه أحاديث غريبة سمعتها عليه ورواها عن الثقات...". (الأربعين: ص 68)


الصفحة 569
ثمّ ذكر الأربعين حديثاً وهي كلها في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، والحديث المتقدم منه هو الحديث التاسع والثلاثون، بإسناد المصنف إلى المقداد بن الأسود.

فاتضح أن الذي بهته الدكتور القفاري ورماه بالجهل والكذب والوضع من غير تأني وتروي هو أحد علماء السنة.

وعلى كل حال فإذا ثبت أن الرواية غير منسجمة مع الوقائع التاريخية القطعية، ولم يصح لها تأويل(1)، فهي ساقطة عن الاعتبار، إما لأنها موضوعة، أو لاحتمال خطأ الراوي في النقل، أو حصل التصحيف فيها من النساخ(2).

____________

1 ـ وربما قيل بأن لها تأويل وهو ما روي في تفسير عطاء الخراساني عن ابن عباس قال في قوله تعالى: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي قوى ظهرك بعلىّ بن أبي طالب، لاحظ البرهان في تفسير القرآن: ج 10، ص 318.

2 ـ خصوصاً مع ملاحظة وقوع أخطاء كثيرة في بعض نسخ كتاب الأربعين لأسعد بن إبراهيم الأردبيلي كما يشهد بذلك بعض النسخ له كما قال حيدر قلي بن نور محمد خان الكابلي، وهو أحد نساخ الكتاب قال: واستنسخته أنا من نسخة كانت مغلوطة للغاية...". لاحظ مقدمة نسخته المخطوطة.


الصفحة 570
12 ـ من الأدلة المزعومة التي ذكر المحدث النوري على سقوط بعض الكلمات من القرآن الكريم أحاديث أهل السنة الدالة على أن عثمان وحد المصحف وحرق ومزق سائر المصاحف، ثم استنتج المحدث النوري منها سقوط بعض الكلمات لأن ذلك الفعل لا ينفك عن سقوط بعض الكلمات في رأي النوري.

وقد تشبث الدكتور القفاري بحديث واحد أورده النوري ـ متجاهلا لمصادر الأحاديث التي ذكرها المحدث النوري ومتجاهلا أيضاً لما أجابت الإمامية المحدث النوري وعدم صحة التمسك بالخبر الواحد ـ وقال:

"فإن "النموذج" الذي يخرجه لنا هؤلاء "الكذبة" ويزعمون أن عثمان أسقطه هو أكبر شاهد على حقيقة قولهم.

فقد جاء صاحب فصل الخطاب بأربع روايات عن أربعة من كتبهم تقول إن على بن موسى الرضا [ـ عليه السلام ـ] قال: "لا والله لا يرى في النار منكم اثنان أبداً لا والله ولا واحد، قال: قلت: أصلحك الله أين هذا من كتاب الله تعالى؟ قال: هو في الرحمن وهو قوله تبارك وتعالى لا يسئل عن ذنبه أنس ولا جان قال: قلت: ليس فيها كلمة "منكم" قال: بلى والله إنه لمثبت فيها وأن أول من غيّر ذلك لابن أروى،... ولو لم يكن فيها "منكم" لسقط عقاب الله عزّ وجلّ عن خلقه إذ لم يسئل عن ذنبه أنس ولا جان فمن يعاقب الله إذاً يوم القيامة؟ ويعنون بابن أروى، عثمان"(1).

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1029..


الصفحة 571
يرتكب الدكتور القفاري هنا عدّة أخطاء:

أولا: هذا خبر واحد، وليس أربع روايات عن أربعة كتب ـ كما يوهم القفاري ـ والرواية نقلها النوري عن كتابين، نقلا كلاهما ـ باعتراف النوري نفسه ـ عن كتاب "بشارة الشيعة" وهو من الكتب غير المشهورة(1).

ثانياً: في سند هذه الرواية "ميسرة" الذي كان يسأل من الإمام علىّ بن موسى الرضا عليهما السلام، وهو ـ بقرينة رواية عثمان بن عيسى عنه ـ "ميسر بن عبد العزيز النخعي، وهو شخص مجهول، إذ لا يوجد مدح ولا قدح له في كتب الرجال(2).

ثالثاً: على فرض أن السند كان صحيحاً، لا يمكننا أبداً أن نستند على خبر الواحد في هذه المسألة المهمة، لأنّ القرآن متواتر في آياته وكلماته، ولا يمكن مطلقاً أن نثبت أو ننفي بخبر الواحد كلمة من القرآن، كما أنّ هذه الرواية تتعارض مع الأدلة القطعية لصيانة القرآن من التحريف، فهي ساقطة عن الاعتبار لا محالة.

مع هذه الخصائص انظر كيف يوجه الدكتور القفاري الاتهامات الكبيرة ويقول:

"والآية كما يدّعون تثبت أنّ الشيعي لا يسأل عن ذنبه... وهذه دعوى خطيرة لا يسندها دليل، بل هي مناقضة لنصوص التنزيل وما علم من الإسلام بالضرورة... ولها آثارها الخطيرة من التحلل من التكاليف الشرعية... والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات"(3).

____________

1 ـ انظر: مقدمة بحار الأنوار: ج 1، ص 26.

2 ـ انظر: معجم الرجال: ج 19، ص 110.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1029.


الصفحة 572
نسأل من الدكتور القفاري: أي فقيه من فقهاء الإمامية استند لأمثال هذه الرواية واعتمد عليها، وأفتى بالاباحيّة والتحلل من التكاليف الشرعيّة؟

وهل يوجد مفسر من مفسري الإمامية يتمسّك بهذا الحديث ويرفع اليد عن ظاهر الآية؟ ورأي فقهاء ومفسري الإمامية واضح وصريح في كتبهم الفقهية والتفسيرية(1).

وإذا أردنا أن نحذو حذو الدكتور القفاري في الفهم والاستنتاج فيلزم أن نقول مثلا قد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي بردة عن أبيه عن النبىّ صلى الله عليه وآله، قال:

"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى".

قال أبو بردة: فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال: أبوك حدّثك هذا النبي صلّى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم"(2).

فنتمسّك بهذا الحديث ـ من دون مراجعة علماء فقه الحديث ومن دون تريث ـ ونقول بنفس كلمات الدكتور: قد اطمئن كل مسلم في نفسه بأن كل ذنب أذنبه ولو كانت أمثال الجبال، فإن الله يوم القيامة يرفعها عنه ويضعها على اليهود والنصارى ـ والعياذ بالله ـ ثمّ نقول: هذه دعوة خطيرة لا يسندها دليل... ولها آثارها الخطيرة

____________

1 ـ كما في تفسير العلامة الطباطبائي وهو من عظماء الإمامية، حيث قال: "ولا ينافي نفي السؤال في هذه الآية اثباته في قوله: (وقفوهم إنّهم مسؤلون) الصافات 24، وقوله تعالى: (فوربّك لنسألنّهم أجمعين)الحجر 92، لأن اليوم ذو مواقف مختلفة يُسأل في بعضها، ويختم على الأفواه في بعضها وتكلم الأعضاء، ويعرف بالسيماء في بعضها... كأنه قيل: فإذا لم يسألوا عن ذنبهم ما يصنع بهم؟ فأجيب بأنه يعرف المجرمون بسيماهم... ولذا فصلت الجملة ولم يعطف". الميزان: ج 19، ص 107، ولاحظ أيضاً: حاشيته على بحار الأنوار: ج 7، ص 274.

2 ـ صحيح مسلم: كتاب التوبة، ص 2120، رقم الحديث 51 ومثله الحديث 49 من نفس الكتاب.


الصفحة 573
من التحلل من التكاليف الشرعية والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات; إلى آخر ادعاءات الدكتور القفاري، والرواية المتقدمة التي ذكرها من مصادر الشيعة ضعيفة سنداً ومن كتاب غير معتبر، وأما الرواية هذه فهي من صحيح مسلم وهي صحيحة سنداً لدى السنة.

فهل يقبل الدكتور القفاري بجريان كلامه في أحاديث وعلماء أهل السنة، فإذا لم يقبل ذلك فعليه بالتأمل في كلام الآخرين وعدم رميهم بكلام فارغ.

13 ـ قال الدكتور القفاري ـ ضمن جوابه على المحدث ـ في روايات الشيعة الدالة بظاهرها على التحريف:

"... إنه لا ثقة برواياتهم بعد هذا وإن كتبهم هي المحرفة المفتراة... قد انكشف أمرها بهذه الفرية... وبانت حقيقتها بهذه الأسطورة..."(1).

ثمّ تعرض الدكتور القفاري لوجهة نظر عظيمين من عظماء الشيعة في روايات التحريف وهما الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي والميرزا مهدي الشيرازي حيث قالا:

"هذه الأخبار ـ أي أخبار التحريف ـ ضعيفة الإسناد، متناقضة في متونها، متعارضة بما هي أصحّ منه سنداً ودلالة ـ وهي الروايات التي تدل على سلامة القرآن من التحريف ـ".

ثمّ قال الدكتور القفاري:

"ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم"(2).

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1037.

2 ـ نفس المصدر: ص 1039.


الصفحة 574
وهل يا ترى إن الدكتور القفاري يحكم على روايات أهل السنة الدالة على التحريف والتي ذكر المحدث النوري قسماً منها في نفس كتابه فصل الخطاب بنفس ما حكم على أخبار الإمامية، وهل يحكم على وجهة نظر علماء السنة لها كما حكم على وجهة نظر علماء الشيعة لروايات التحريف، أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك، وتقدم في المقام الثاني تحت عنوان: "نظرة إلى أجوبة أهل السنة وموازين الدكتور القفاري" عرض روايات السنة وأقوال السنة فيها وذكرنا نتائج القفاري فيهما إذا عملنا بموازينه في الحكم.

وأن لو أعملنا موازين حكم القفاري للزم أن نقول أن كتبهم إنها هي المحرفة وأقوالهم متناقضة، وقد انكشف أمرهم بهذه الفرية ومحاولتهم للتستر على مذهبهم إلى آخر تقولاته وادعاءاته.

14 ـ يتابع الدكتور القفاري في كلامه السابق قائلا:

"أما الأمثلة ـ أي من الروايات التي تدل بزعم القفاري على التحريف ـ التي ساقها فهي محاولة يائسة لوضع سند عقائدهم في كتاب الله، اقناع أتباعهم والحائرين من بني قومهم الذين حيّرهم وزلزل بنيانهم..."(1).

نسأل الدكتور القفاري مَن من عظماء الإمامية اعتمد على مثل هذه الروايات في اثبات العقائد الحقة، وكتب العقائد لعظماء الإمامية في الأعصار الماضية وإلى يومنا هذا لا تخفى عن الباحث عن الحق، فليأت الدكتور القفاري بمورد واحد منها على صحّة ما يدعيه من قوله: "... لوضع سند عقائدهم في كتاب الله واقناع اتباعهم..." بل إن الإمامية لديها ما يكفيها وزيادة من الأدلة القوية والمتقنة والبراهين الواضحة على أحقية مسلكها، ولا حاجة لها للاستناد على تلك الروايات.

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1040.


الصفحة 575
والغريب أنّ الدكتور القفاري مع تظاهره التعهد ـ في أكثر من مورد من كتابه ـ بأن لا يذكر إلاّ الروايات الموثوقة والمستفيضة، تمسك خلال عرضه لأمثلة روايات التحريف بما يرويه المحدث النوري عن أحمد بن محمد السياري وهو ضعيف، وباعتراف نفس الدكتور القفاري بتضعيف علماء الرجال له، فقد أورد فيه: "إنّه ضعيف الحديث، مجفو الرواية، كثير المراسيل"(1).

ثمّ عاد الدكتور القفاري وخلافاً لما أبداه من الالتزام بالصدق والأمانة فذكر رواية أخرى أيضاً عن النوري بالنحو التالي:

"روى الكليني عن أبي عبد الله: إن الذين فارقوا أمير المؤمنين وصاروا أحزاباً، يحاولون بذلك تغيير قوله سبحانه:(إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء...)"(2).

وفيه أولا: أنّ المحدث النوري لم يرو الرواية عن طريق الكليني كما يدعيه الدكتور القفاري بل نقلها عن التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم.

وثانياً: أنّ الدكتور القفاري لم يراع الأمانة أيضاً حتى في نقله نص الرواية من فصل الخطاب، وهذا نصّ الرواية:

"عن علىّ بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنّما أمرهم إلى الله ثمّ ينبئهم بما كانوا يفعلون)(3)، قال ـ أي الراوي ـ قال: فارقوا أمير المؤمنين [عليّاً عليه السلام] وصاروا أحزاباً"(4).

____________

1 ـ انظر نفس المصدر: ص 1038.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1040، 1041.

3 ـ سورة الأنعام: الآية 159.

4 ـ فصل الخطاب: ص 285.


الصفحة 576
وهل هذا الحديث على فرض صحته يتعلق ببحث التحريف؟ أو ليست الرواية تدلّ على أن الإمام أبا عبد الله عليه السلام قال هذا وهو عليه السلام في مقام التأويل للآية؟!

وهل ينبغي أن يشك أن هؤلاء الذين خرجوا صفاً لمواجهة علىّ عليه السلام قد فارقوا الأمة وصاروا أحزاباً؟؟

نعم قد كان قتال أمير المؤمنين عليه السلام على تأويل القرآن للحديث المتواتر من الفريقين من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله"(1).

وجاء المحدث النوري برواية أخرى من تفسير العياشي ومن الكافي تتعلّق بقوله تعالى: (... ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل سكينته عليه وأيّده بجنود...)(2).

وفي رواية العياشي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: "لقد قال الله فأنزل الله سكينته على رسوله وما ذكره بخير قال ـ الراوي ـ قلت له: جعلت فداك وهكذا تقرؤنها؟ قال: هكذا قرأتها"(3).

وفي رواية الكليني قال: "هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها"(4).

والدكتور القفاري ـ ومع الأسف ـ يكيل التهم وبألفاظ لاذعة فيقول:

"فترى هؤلاء الزنادقة ـ أي الشيعة ـ حاولوا تحريف قوله سبحانه:

____________

1 ـ انظر: خصائص النسائي: ص 317، الرقم 156 مثلاً ولقد استقصى محقّق كتاب الخصائص مصادر الحديث وهي كثيرة جداً.

2 ـ سورة التوبة: الآية 40.

3 ـ تفسير العياشي: ج 2، ص 89.

4 ـ الكافي، عن فصل الخطاب: ص 289.


الصفحة 577

(فأنزل الله سكينته عليه) بحذفهم عليه وزيادتهم "على رسوله"(1).

لكن مع المراجعة الدقيقة للمعنى الاصطلاحي لكلمة "الإقراء" وكلمة "التنزيل" ـ وتقدم منّا بحث ذلك مفصلا ـ تبتعد الرواية من الاشكالات فلا تدل على ما يدعيه القفاري من التحريف بالزيادة والنقيصة، بل على فرض صحة الرواية فإن الإمام عليه السلام في مقام الإقراء (بمعنى تعلم لفظ الآية مع معناها) وبيان التنزيل للقرآن (الذي يرد أحياناً بمعنى مفاد الآية ومعنى الآية)، وأرجع الضمير في "عليه" إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(2) وهو واضح، ففي مقام بيان معنى الآية هكذا يقول: فأنزل الله سكينته على رسوله.

15 ـ قد تعرض المحدث النوري لأدلة القائلين بعدم التحريف تحت عنوان "الباب الثاني في أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقاً في كتاب الله تعالى، وأن الموجود هو تمام ما أنزل الله على رسوله إعجازاً وأمر بإبلاغه... وهي أمور عديدة" وتعرض لمناقشة ونقد تلك الأدلة، إلاّ أن نقده وردّه لها ضعيف للغاية وليس تحته شيء، والدكتور القفاري عند تعرضه للمحدث النوري هنا أقرّ بالواقع ـ من حيث لا يشعر ـ من رفض الإمامية القول بالتحريف حيث قال:

"والحقيقة إنّ هذا الباب الذي عقده أبطل به افتراءاته ـ المحدث النوري ـ لأنه لم يستطع أن يجيب على أدلة قومه المنكرين لكفره"(3).

فإذا لم يستطع المحدث النوري وغيره من ردّ أدلة الإمامية الدالة على عدم تحريف القرآن فإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على متانة ورصانة تلك الأدلة، وإذا أقرّ الدكتور القفاري بعدم قول الإمامية بالتحريف لتلك الأدلة فلماذا يقول من

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1041.

2 ـ كما قال الدكتور القفاري نفسه عن ابن كثير: "وهو أشهر القولين". اصول مذهب الشيعة: ص 1041.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1042.


الصفحة 578
جانب آخر أن قول الإمامية بعدم التحريف كان للتقية؟

ولماذا كلما تعرض للشيعة في كلامه رماهم بألفاظ بذية للغاية حيث صدر منه مراراً وتكراراً ما لا يليق صدوره من كلّ إنسان محقّق فضلا عن مسلم؟ فلماذا يطلق على الشيعة هذه الألفاظ:

"إنهم زنادقة أعاجم... فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً... ولم يعرف هؤلاء الملحدون، هؤلاء الطغام... فإنهم لا يجرؤون على إظهاره ـ إظهار القول بالتحريف ـ وهو اعتقادهم هذا الكفر... إنّ كثيراً من شيوخ الشيعة الإمامية قوم بهت يكذبون الحقائق الواضحات ويصدّقون بالأكاذيب والخرافات وهكذا يتمنون أن تكون المسألة ـ أي القول بالتحريف ـ مستورة لا مفضوحة... وليبق سرّىّ التداول بينهم..."(1).

الوجه الرابع: التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية

خصّص الدكتور القفاري تحت عنوان: "التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية" لوجهة نظر السيّد الخوئي (قده) وفي الواقع لم يُظهر ـ ومع الأسف ـ تحت هذا العنوان إلاّ ما دلّ على عدم أمانته من تقطيع عبارة السيد الخوئي (قده) وافترائه عليه، قال:

"لقد لاحظت إنّه ـ أي السيد الخوئي ـ يحاول أن يثبت اسطورته ـ ويعني القول بالتحريف ـ من طرق أهل السنة بأسلوب غريب ماكر حيث قال ـ وهو يتظاهر بالدفاع عن كتاب الله ـ: إنّ القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف.

والأمر واضح بيّن والفرق جلي بين النسخ والتحريف ولا يخفى إلاّ

____________

1 ـ انظر اصول مذهب الشيعة: ص 1021، 1041، 1043، 1050، 1071 و...


الصفحة 579

على مغرض صاحب هوى... وعلماء الشيعة القدامى الذين ينكرون هذه الفرية يقرون به [أي بنسخ التلاوة] كالطبرسي في مجمع البيان والمرتضى في الذريعة وغيرهما في حين أن الخوئي يرى أن نسخ التلاوة قول بالتحريف أليس هذا تناقض!

بل تراه يقول: إن القول بعدم التحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم في حين أن مذهب جملة من أساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني والقمي والطبرسي صاحب الاحتجاج وغيرهم من رؤوس هذا الكفر وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم أليس هذا خداع!

بل أشد من هذا... فإن هذا الخوئي الذي يتظاهر بالإنكار يذهب إلى صحّة تفسير القمي الذي أكثر من أخبار هذه الاسطورة في تفسيره ويقرر أن روايات تفسيره كلها ثابتة وصادرة عن المعصومين لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات ـ كما يزعم ـ من الشيعة"(1).

يلزم هنا وضع بعض النقاط على الحروف فنقول:

أولا: إنّ ما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن نسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف ليس كما يدعيه الدكتور القفاري من أنه قول من غير دليل، بل إن السيد الخوئي (قده) ذكر الدليل على قوله إلاّ أن الدكتور القفاري ولما انحصر في دائرة عجزه عن جواب دليل الخوئي رماه بالاتهامات والكلمات البذية بدلا من أن يأتي بدليل الخوئي (قده) ومناقشته فيه(2).

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1054 ـ 1055.

2 ـ قد ذكرنا سابقاً نصّ دليل السيد الخوئي على إبطال نسخ التلاوة، انظر البحث تحت عنوان: "نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية لروايات أهل السنة" في المقام الأول.


الصفحة 580
ثانياً: الدكتور القفاري ـ كما رأيتم(1) ـ لم يراع الأمانة في نقله لعبارات الشيخ الطبرسي في مجمع البيان، والسيد المرتضى في الذريعة، والشيخ الطوسي في عدة الأصول، وادّعى أنهم يقولون بنسخ التلاوة، فليلاحظ هناك سوء نقل الدكتور القفاري، وهنا زاد في دعواه; قال: "وعلماء الشيعة يقرّون بنسخ التلاوة في حين أن الخوئي يرى أن نسخ التلاوة قول بالتحريف أليس هذا تناقض".

ثالثاً: إذا كان في نظر الدكتور القفاري أن الكليني والطبرسي صاحب الاحتجاج والقمي يعدون من رؤوس هذا الكفر لأنهم نقلوا أخبار التحريف فهل يا ترى أصحاب الصحاح الستة وأصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور من أهل السنة يعدهم من رؤوس هذا الكفر أيضاً حيث أن أخبار التحريف في كتبهم ليست قليلة. ونحن نعتقد أن التفريق بين شأن أصحاب الحديث والتفسير بالمأثور وبين شأن الدارسين والباحثين لمتون الروايات وما تتضمنها وحل التعارض والخلاف بينها ليس بخاف على الدكتور القفاري، ولكنّه مع ذلك يقول الدكتور القفاري هنا: "أليس هذا خداع"؟!

رابعاً: أين قال السيد الخوئي (قده) بأن روايات تفسير القمي كلها ثابتة الصدور عن المعصومين عليهم السلام، وما هذا إلاّ كذب من الدكتور القفاري ونصّ عبارة السيد الخوئي التي أشار إليها الدكتور القفاري على نحو الإجمال هي: "ونحكم بوثاقة جميع مشايخ علىّ بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين" فرأي السيد الخوئي (قده) أن مشائخ علىّ بن إبراهيم فقط الذين ينتهي سندهم إلى أحد المعصومين هم الموثقون، وأسانيد علىّ بن إبراهيم في هذا التفسير مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين قليلة، وبالنسبة إلى الروايات الدالة في ظاهرها ـ ولأول نظرة ـ على التحريف قليلة جداً.

____________

1 ـ في بحث: "وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري" في المقام الثاني.