الصفحة 624

وأمّا الحديث الثالث فهو: "... كانت فيه ـ أي القرآن ـ أسماء رجال فألقيت...". ومع فرض صحّته فإنّه يدلّ على أنّ الوحي غير القرآني كان ينزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو الوحي التفسيري ليخبره عن المبهمات والمتشابهات في القرآن الكريم ولا يعني أنّ تلك الأسماء كانت جزءً من القرآن الكريم، وقد فصّلنا البحث حول هذا الموضوع في بحث "دراسة ونقد شبهات الدكتورالقفاري حول مصحف الامام علي عليه السلام".

هـ: تفسير فرات الكوفي: نقل إحسان إلهي ظهير رواية: "نزل القرآن أربعة أرباع..." عن هذا التفسير وقد مرَّ البحث عنها آنفاً. ثم انتقل إلى كتاب فصل الخطاب فنقل مقدمته الثالثة حرفياً وأثبت ما يروم إليه. وفي هذه المقدمة ذكر المحدث النوري أسماء مؤلفي كتب الحديث والتفسير بالمأثور أمثال أبي جعفر الكليني وعلي بن إبراهيم القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وفرات بن إبراهيم الكوفي... وصنفهم ضمن القائلين بتحريف القرآن والسبب في ذلك أنّهم نقلوا تلك الأخبار في كتبهم. (وقد لاحظتم قبل هذا وفي بحث "فصل الخطاب ونقاط هامة" كيف وقع النوري في أخطاء فاحشة وذلك في جميع فصول كتابه وهذا ممّا لا يخفى على كل متمعّن منصف) وقد وجد إحسان إلهي ظهير ضالّته في كتاب فصل الخطاب للنوري بل ويمكنني الإدعاء بأنّ كلّ ما ورد في كتابه "الشيعة والقرآن" ليس سوى آراء وعبارات النوري بالذات.

وبعد هذه المقدمة التي نقلها إحسان إلهي ظهير عن كتاب النوري، يبدأ إحسان إلهي ظهير بتحدي الشيعة فيقول:

"هل يستطيع الصافي أو واحد ممّن يؤيّده ويسانده أن يثبت واحداً من السنة صرّح باسمه أنّه كان يعتقد التحريف في القرآن، ويستدل من الأحاديث أو الروايات المزعومة التي تنسبها الشيعة إلى السنة؟


الصفحة 625

وأعيد القول هل أحد من الشيعة يستطيع؟... فنحن الصرحاء لا نقول لمن يخالف نصوص القرآن عالماً وفاضلاً فضلاً عن المحدث والفقيه... و..."(1).

وهذا التحدّي لا يدّل إلاّ على جهل وانتكاسة إحسان إلهي ظهير، لأنّ أمثال هذه الأحاديث التي وردت في كتب الحديث والتفسير بالمأثور الشيعية، قد ذكرت في كتب أهل السنة أيضاً كما لاحظتم آنفاً، ولذلك فلو أنّ أصحاب هذه الكتب كما زعم النوري وأيّده إحسان إلهي ظهير قد قالوا بالتحريف فينبغي أن يقال بأنّ مؤلّفي الكتب الروائية والتفسيرية بالمأثور لأهل السنة قد آمنوا بالتحريف وقالوا به، فكيف يطلب إحسان إلهي ظهير من آية الله الصافي وغيره بأن يذكروا شخصاً واحداً من علماء أهل السنة قد قال بالتحريف؟ بل وسيتضح لكم عاجلاً بأنّ إحسان إلهي ظهير الذي زعم وجود (1062) حديثاً في الباب الرابع من كتاب فصل الخطاب ثم بدأ بالتطبيل والتحدي لخصومه في حين غفل عن أنّ أكثر هذه الأحاديث وردت في كتب أهل السنة أيضاً، والظاهر وكما ذكر رفيقه في المعتقد الدكتور القفاري فإنّ إلهي ظهير يجهل ما ورد في كتب أهل السنة ولذلك تراه يتحدّى الآخرين تمويهاً وستراً منه على الحقيقة، أمّا الدكتور القفاري فقد صرّح واعترف ببعض الحقيقة فقال:

"إنّ فيها أي في الروايات التي جمعها مال الله من كتب الشيعة في هذا الباب ما ليس بصريح في هذا الأمر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما إنّه وقع ـ كما وقع إحسان ظهير من قبله ـ بذكر بعض الروايات للشيعة والتي ذكر فيها قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها بجهل من قبيل التحريف والسبب في ذلك هو اعتمادهم

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 49 و50.


الصفحة 626

بدون تدبّر على كتاب فصل الخطاب"(1).

وعلى كل حال فيكفي عند إحسان إلهي ظهير وأهل مذهبه عند الحكم على الشيعة بالتحريف وتحدّيهم ورود رواية في كتب الشيعة من دون أن يبحث وينقّب في آراء علماء الشيعة حولها، متّخذاً كتاب فصل الخطاب ذريعة للقول بأنّ الرواية التي جاءت فيه هي من متبنّياتهم، وكمثال على ذلك يذكر إحسان إلهي 16 حديثاً من الحديث 107 إلى 123 وقال هي أحاديث شيعية تدلّ على التحريف، نقلاً عن فصل الخطاب(2) حيث ورد في هذه الأحاديث ذكر "وصلاة العصر" بعد الصلاة الوسطى في الآية الشريفة: (وحافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)وقد ذكر أيضاً خمسة أحاديث من كتاب فصل الخطاب(3) من 337 وإلى 341 وقال هي أحاديث وردت في الكتب الشيعية وهي تدل على التحريف و فيها وردت آية (يسألونك عن الانفال) بحذف "عن" (وهي قراءة واردة)، وهناك أمثلة أخرى ستطّلعون عليها. والرجل يجهل إنّ هذه الروايات قد وردت في كتب أهل السنة أيضاً(4).

إنّ عدم اطلاع إحسان إلهي ظهير ومحمّد مال الله وبعدهم الدكتور القفاري بوجود روايات في كتب أهل العامة في هذا الصدد جعلهم ينادون بوجود القول بالتحريف ويتّهمون مؤلفي كتب الحديث والتفسير بالمأثور الشيعية بالتحريف، وما ان يكتشف احدهم وجود هذه الأحاديث في كتب أهل السنة حتى يغيّر موقفه ويعتبر ذلك من باب التأويل وقراءة واردة ويتهم أحدهم الآخر بالجهل.

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 289.

2 ـ الشيعة والقرآن: ص 176 ـ 180.

3 ـ نفس المصدر: ص 228 ـ 229.

4 ـ انظر جامع البيان: ج 6، ص 174 والبرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 312 والدرّ المنثور: ج 2، ص 702 وص 718.


الصفحة 627
وكنموذج آخر على ما نقول يمكن ذكر محمد عبد الرحمن السيف الذي ألّف كتابه "الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن" في زمن متأخر عن كتاب إلهي ظهير ومحمد مال الله والدكتور القفاري وحين انتبه لوجود حديث "وهي صلاة العصر" في كتب أهل السنة اعتذر لوجود الحديث في كتب الشيعة أي في التفسير المنسوب إلى القمي وتفسير العياشي وإنّه من باب القراءة الواردة أو نسخ التلاوة(1) وكان من المؤكد أنّ الرجل لو لم ينتبه لهذه المسألة كما وقع إلهي ظهير وآخرين لقال بأنّ الحديث من مصاديق القول بتحريف القرآن لأنّه ورد في المصادر الشيعية.

ونتيجة الكيل بمكيالين هي أنّ ميزان البحث والنقد للروايات التي يتوهم منها التحريف هو أمر واحد عند هؤلاء، فإذا ورد الحديث في الكتب الشيعية فإنّه يدلّ على تحريف القرآن، وإن جاء في كتب السنة فهو من باب القراءة الواردة أو نسخ التلاوة أو التأويل و... وأنّها خارجة عن محل النزاع; انظر وتعجب.

وفي هذا المقام لست في صدد التعليق على هذه الأمور لكنّي ومن أجل أن تتّضح ماهية هذا النوع من التحدي من قبل إحسان إلهي ظهير وغيره حين يقول:

"هل يستطيع... أن يثبت واحداً من السنة صرح باسمه أنّه كان يعتقد التحريف من القرآن... فنحن الصرحاء لا نقول..."

أقول: انظر إلى أحاديث عائشة أمّ المؤمنين التي نُسب لها القول الصريح بتحريف سورة الأحزاب وفي الآية المزعومة التي تتحدث عن الرضاع، أو الخليفة الثاني الذي يقول بتحريف ثلثي الآيات وآية الرجم المزعومة، أو عبد الله بن عمر وقوله باسقاط بعض الآيات وهكذا حميدة بنت أبي موسى التي تحدثت عن تغييرات في مصحف عائشة، أو ما قاله أُبي بن كعب بالنسبة لسورة الحفد والخلع وسورة البينة وابن مسعود بالنسبة للمعوذتين وسورة الحمد وأبو موسى الأشعري

____________

1 ـ الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 20.


الصفحة 628
في خصوص سورة براءة والمسبّحات وحذيفة بن اليمان بالنسبة لسورة التوبة وما نسبوا إلى مالك بن أنس من القول بسقوط أوائل سورة التوبة فإن ما ذكره يدل على تحريف القرآن، وأخيراً تصريح أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي وهو شيخ القراء بالعراق (ت 328 هـ.) والذي يعتبر من القراء الأربعة عشر حيث يقول:

"إنّ عثمان أسقط من القرآن خمسمائة حرف وإنّه والصحابة زادوا في القرآن ماليس فيه..."

إلى آخر ادعائاته، والشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت 973 هـ.) وقوله السخيف بأنّه قد أسقط عثمان من المصحف أشياء وغيره كمحمّد الخطيب و... انظر تلك الروايات ونص كلام هؤلاء في المقام الأوّل في مبحث "دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة وأجوبتهم".

ولذلك فإمّا أن يكون إحسان إلهي ظهير وأمثاله غافلين حقاً عن أمثال هؤلاء وأحاديثهم أو أنّهم يتغافلون لأغراض سياسية أو عصبية جاهلية ويكتفون بالتشنيع تشبثاً بما توهمه صاحب كتاب فصل الخطاب، وراحوا يطلقون في كلّ يوم نغمة جديدة، لا بل تجاوزوا هذا الأمر ـ وما عشت أراك الدهر عجباً ـ فأخفوا الحقائق التي ذكرت في كتبهم وبدأوا يدعون الشيعة إلى التوبة، يقول إحسان إلهي ظهير مخاطباً الشيعة:

"فارجعوا إلى الحق والصواب وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً"(1).

متناسياً دور شيعة أهل البيت الريادي في حفظ كيان الأمة وأنّهم في الخندق الأول في الذبّ عن حياض الإسلام وتراث القرآن في الماضي والحاضر.

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 60.


الصفحة 629

الباب الثاني: عقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن

يحدد إحسان إلهي ظهير مباحث كتابه في محورين أصليين:

أ ـ البحث في السبب الذي دعا الشيعة ـ حسب زعم وافتراء إحسان إلهي ظهير ـ إلى القول بأن القرآن محرّف.

ب ـ البحث في تصريح أربعة من كبار علماء الشيعة الذين قالوا بعدم تحريف القرآن وهم الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي.

يقول إحسان إلهي ظهير في المحور الأول من حديثه هذا وبعد تكرار مزاعمه من أنّ الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن في الدور الأول فيقول:

"أسسوا مذهباً خاصاً بهم جعلوا من أصله وأسبابه الإمامة والولاية"

ثم يذكر بعض الأحاديث التي وردت في الكتب الشيعية في باب ولاية أهل البيت ويدّعي بلا دليل على أنّ الشيعة تقوّلوا هذه الروايات، ليركّز بعد ذلك مدار بحثه على رواية أبي سعيد الخدري الذي يقول فيها:

"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بعث الله نبياً إلاّ وقد دعاه إلى ولايتك ـ أي علي ـ طائعاً أو كارهاً"(1).

فيعلّق على ذلك بالقول:

"فوجدوا ـ أي الشيعة ـ أنّ الولاية والوصاية والإمامة التي اختلقوها واصطنعوها [نعوذ بالله من هذه الاتهامات...] ليس لها وجود في القرآن... فالتجأوا لدفع هذا الإيراد إلى القول بأنّ القرآن قد غيّر ونقص منه أشياء..."(2).

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 52.

2 ـ نفس المصدر: ص 52.


الصفحة 630
وبعد ذلك يذكر عبارة من كتاب الاحتجاج للطبرسي ومقدمة تفسير البرهان بشكل تفصيلي ويدّعي كونها تأييد لمزاعمه.

وللجواب على ذلك نقول: لقد أكّد إحسان إلهي ظهير جهله المطلق بكتب أهل السنة وفهم العبارات التي نقلت له عن كتب الشيعة وذلك للأمور التالية:

أولاً: هناك روايات صحيحة السند عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وذكرت في مصادر الشيعة وهي تؤكد على إنّ أسماء الأئمة عليهم السلام لم ترد في القرآن وكمثال على ذلك رواية الكليني بإسناده عن أبي بصير أنّه قال:

"سألت أبا عبد الله [عليه السلام] عن قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)قال: نزلت في علىّ والحسن والحسين قلت: إنّ الناس يقولون فما باله لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب الله؟ قال [عليه السلام]: فقولوا لهم: إنّ رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] نزلت عليه الصلاة ولم يسمٌ له ثلاثاً وأربعاً حتى كان رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فسّر لهم ذلك".

قال السيد الخوئي تعقيباً على ذلك:

"هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات (أي الروايات التي تقول: إنّ القرآن أربعة أرباع: فربع في أهل البيت وربع في أعدائهم). والرواية التي تقول: لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين، وموضحة للمراد منها بأنّ ذكرهم (عليه السلام) في الكتاب إنّما كان بالنعوت والأوصاف لا بالتسمية المتعارفة(1).

ثانياً: إنّ الحديث الذي ذكره إحسان إلهي ظهير عن أبي سعيد الخدري موجود في مصادر أهل السنة أيضاً وقد نقل وبطرق متعددة وأوردنا الحديث قبل هذا نقلاً

____________

1 ـ البيان: ص 33 ومثله عن الإمام الخميني في أنوار الهداية: ص 243 ـ 247.


الصفحة 631
عن الحاكم الحسكاني(1) والحاكم أبي عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين(2) وابن عساكر(3) والخوارزمي(4) والثعلبي(5) (انظر: تفصيله في المقام الأوّل في مبحث دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة).

ثالثاً: إن كتاب الاحتجاج الذي يتشبّث به إحسان إلهي ظهير لا يحلّ المشكلة التي وقع فيها وحسب بل أضاف عليه مشكلة أخرى، ذلك لأنّ هذا الكتاب وعلاوة على الارسال في رواياته جميعاً، فهو مع ذلك في هذه العبارة لا يعطي معنىً مخالفاً لوجهة نظره، لأنّ الطبرسي وكما يظهر من كلامه يقصد عدم التحريف، لأنّه يريد أن يقول لو ذكر الله حججه في قرآنه نصاً لا كناية لعمد المبطلون والمنافقون ـ كما فعل اليهود والنصارى من قبل ـ لتحريف القرآن. ولذلك فإنّ الله تعالى وحفاظاً على كتابه وردعاً من هيمنة أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة ذكرهم كناية وهذا هو نص كلامه:

"إنّما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه... فأبى الله إلاّ أن يتم نوره"(6).

وأضف إلى ذلك فإنّ هذا النوع من التلاعب بكلمات المؤلفين هو نوع من الخيانة، فلا يصحّ ولا يجوز لمسلم قط أن يتلاعب بكلمات الآخرين مهما كانت

____________

1 ـ شواهد التنزيل: ج 2، ص 222.

2 ـ معرفة علوم الحديث نوع آخر 24، ص 96.

3 ـ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 197 من الرقم 602 وتاريخ دمشق: ج 2، ص 221.

4 ـ مناقب الخوارزمي: الفصل 19، ص 221.

5 ـ الكشف والبيان: ج 8، ص 338.

6 ـ عن الشيعة والقرآن: ص 54 ـ 55.


الصفحة 632
انتماءاتهم ورميهم بما لم تجن أيديهم مع أنّ عبارات الطبرسي واضحة المراد.

كما يجدر الإشارة إلى إنّنا قد تناولنا كتاب الإحتجاج بالبحث والمناقشة وما توهم فيه من التحريف فمن أراد فليراجع(1).

رابعاً: خلافاً لما كتبه إحسان إلهي ظهير فإنّ مقدمة تفسير البرهان ليست للسيّد هاشم البحراني بل هي لأبي الحسن الفتوني النباطي العاملي (م 1138 هـ.) وهو من الأخباريين الذين يتمسكون بظواهر الأحاديث فقط ولذلك لا يمكن أن نعتبر رأيه ميزاناً لتحديد مثل هذا الأمر المهم الذي يخالف إجماع الشيعة حيث ذهبوا إلى القول بسلامة القرآن من التحريف.

وأمّا المحور الثاني لبحث إحسان إلهي في هذا الباب في خصوص ما يتبنّاه أربعة من كبار الشيعة فقد كتب ما يلي:

"وسهل على المسلمين معرفة القوم وحقيقتهم فاضطرب عليهم أمرهم واجتمع عمداؤهم وكبراؤهم ففكروا وتدبّروا كثيراً حتى يخفوا ما ظهر ويكتموا ما بدا وصدر فلبسوا لباس الخداع والتقية مرّة أخرى وأظهروا ما لم يكونوا يعتقدون لخداع المسلمين وغشّهم فأول من برز في الشيعة بالقول المخالف لهذه العقيدة العتيقة الراسخة الثابتة[!؟] كان ابن بابويه القمي أستاذ الفقيه [المفيد] الذي لقّبوه بالصدوق المتوفي سنة 1371 هـ. لا سابق له في القوم كأنّه نفسه لم يستند لقوله إلى مستند شيعي ثابت من رواية مروية من واحد من الائمة الاثني عشر عكس مخالفيه حيث إنّهم لم يؤسسوا مذهبهم وعقيدتهم في القرآن إلاّ على الروايات التي تواترت وبلغت أكثر من

____________

1 ـ انظر: المقام الأوّل من مبحث "دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة".


الصفحة 633

ألفين رواية"(1).

وفي هذا المقام يذكر إحسان إلهي ظهير عبارة الشيخ الصدوق التي يؤكد فيها على إن الشيعة يؤمنون بعدم تحريف القرآن ويعلّق على ذلك قائلاً:

"وتبعه في ذلك السيد المرتضى مؤلف نهج البلاغة ومرتّبه المتوفى سنة 436 هـ. كما ذكر عنه أبو علي الطبرسي في مقدمة تفسيره مجمع البيان"(2).

وبعد ذكره لعبارة السيد المرتضى، ينقل نص عبارة الشيخ الطوسي كقول ثالث من الأقوال التي تذهب إلى عدم التحريف وذلك نقلاً عن تفسير التبيان وهكذا عن أبي علي الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت / 548 هـ.) الذي يعتبره صاحب القول الرابع في هذا المضمار فيقول:

"وأمّا في الدور الثاني أي بعد منتصف القرن الرابع إلى القرن السادس في القرنين كلّما صدر هذا القول أول مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم في الحديث والتفسير والاعتقادات...

وهذا مع إنّ عقيدتهم التي أظهروها للناس لم تكن مستندة إلى قول من معصوميهم... بل وبعكس ذلك هم أنفسهم رووا في كتبهم أخباراً وأحاديث أئمتهم المعصومين تخالفها وتناوئها كما سنبيّن إن شاء الله.

فهذا كل ما عند القوم لخداع المسلمين عامة وأهل السنة خاصة... وقبل أن نحلل كلامهم ونخبر عن السر الذي ألجأهم إلى الإكتناف بهذا القول والإخبار بهذه العقيدة نتريث لحظة ونتوقف برهة

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 61.

2 ـ نفس المصدر: ص 62.


الصفحة 634

ونطالبهم جميعاً هل يستطيع أحد منهم أن يثبت أنّ في القوم أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس أظهر هذه المقالة؟

كلاّ لا ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً"(1).

وبعد سرده لهذه التقوّلات يبدأ إحسان إلهي في إبداء السر الذي دعى أربعة من علماء الشيعة فقط للقول بعدم تحريف القرآن فقال:

"فبالصراحة والوضوح إنّ هؤلاء الأربعة لم يقولوا بهذا القول إلاّ تقيّة ونفاقاً كي ينخدع المسلمون ويتلبّس عليهم الأمر"(2).

ويعمد إحسان إلهي ظهير لإثبات تأييد ما اكتشفه بالإستناد إلى عبارة المحدّث الجزائري، ثم يسعى لذكر روايات من كتب الصدوق تدل على ما يزعمه من تحريف القرآن الكريم، وفي هذا المضمار وبعد أن يسرد بعض الأحاديث يبدأ بالتعليق عليها قائلاً:

"إنّها ـ أي تلك الأخبار ـ تدل دلالة صريحة على أنّ القوم لم يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلاّ تقية.

وأما الطوسي فليس بمختلف عن ابن بابويه [أي الصدوق رحمه الله ]وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلنا عن متبوعه وكذلك المرتضى والطبرسي"(3).

وفي تتمة هذه المسرحية ولكي يبطل مؤدى الأقوال الأربعة التي ذهب إليها أربعة من أعلامنا يستعين إحسان إلهي على عبارة الفيض الكاشاني التي عمد

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 64 ـ 66.

2 ـ نفس المصدر: ص 66.

3 ـ نفس المصدر: ص 66.


الصفحة 635
وللأسف إلى تقطيعها وعلى عدم رعاية الأمانة في نقل نصوصها ـ كما فعل قبل ذلك الدكتور القفاري في نقل عبارة الفيض ـ واستعان أيضاً بالعبارة التي وردت في كلام الأخباري العاملي في كتابه المطبوع مع تفسير البرهان وفي مقدمته فيقول:

"كما ردّ على هؤلاء الأربعة الفاضل العالم الماهر المدقّق الفقيه العارف بالتفسير صاحب كتاب تفسير القرآن السيّد هاشم البحراني قال في مقدمة تفسيره في الفصل الرابع..."(1).

وفي نهاية المطاف يستند إحسان إلهي ظهير على عبارة السيد نعمة الله الجزائري والمحدث النوري وأحد علماء الشيعة في الهند وابنه في الرد على السيّد المرتضى والأقوال الأربعة فيقول في نهاية بحثه:

"فهذا البعض من الكثير الذي ذكرنا من أهم كتب القوم في الحديث والتفسير والعقائد وقد ثبت من هذه الردود أنّ القوم قاطبة كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الصدر الأوّل بما فيه الزيادة والنقصان..."(2).

وخلاصة ما زعمه إحسان إلهي ظهير في المحور الثاني من الباب الثاني في كتابه في الأمور التالية:

1 ـ أول من برز من الشيعة بالقول المخالف لهذه العقيدة كان ابن بابويه القمي [الشيخ الصدوق ت 381 هـ.] لا سابق له في القوم.

2 ـ إنّ ابن بابويه القمي الصدوق والشيخ الطبرسي وغيرهم لم يعتمدوا على مستند شيعي ثابت من رواية مرويّة من واحد من الائمة الأثني عشر عكس مخالفيهم.

____________

1 ـ الشيعة والقرآن: ص 72.

2 ـ نفس المصدر: ص 87.


الصفحة 636
3 ـ الشخص الثاني الذي صرّح بعدم تحريف القرآن هو السيّد المرتضى مؤلف نهج البلاغة ومرتّبه (ت 436 هـ.) كما ذكر عنه أبو علي الطبرسي والثالث منهم الشيخ الطوسي والرابع أبو علي الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت 548 هـ.).

4 ـ صدر هذا القول أوّل مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم في الحديث والتفسير والإعتقادات وبعد تريّثه لحظة وتوقّفه برهة تحدّى جميع الشيعة بقوله: هل يستطيع أحد منهم أن يثبت أنّ في القوم أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس أظهر هذه المقالة، كلاّ ولا ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

5 ـ إنّ هؤلاء الأربعة لم يقولوا بهذا القول صراحة إلاّ من باب التقية ونفاقاً كي ينخدع المسلمون وإنّ ابن بابويه الصدوق أورد في كتبه الأخبار التي تدل على تفسير القرآن وتحريفه ونقصانه بدون أن يقدح فيها ويطعن ما يدل على أنّ عقيدته الأصليّة كانت طبق ما اعتقده القوم وأنّها تدلّ دلالة صريحة على أنّ القوم لم يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلاّ تقية.

6 ـ إنّ الشيخ الطوسي أيضاً لا يختلف عن ابن بابويه الصدوق وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلها الشيخ الصدوق وكذلك السيد المرتضى والشيخ أبو علي الطبرسي.

7 ـ ردّ على هؤلاء الأربعة صاحب كتاب تفسير البرهان السيد هاشم البحراني في مقدمة تفسيره، والسيّد نعمة الله الجزائري، والمحدث النوري أيضاً فقد ردّ على هؤلاء الأربعة.

8 ـ ردّ على السيد المرتضى أحد علماء الشيعة وابنه في كتاب الضربة الحيدرية.

9 ـ إنّ القوم ـ أي الشيعة ـ كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الصدر الأوّل

الصفحة 637
بما فيه الزيادة والنقصان.

وهذه هي أقاويل إحسان إلهي ظهير في هذا الباب وفي الحقيقة فإنّ المصدر لهذه الأمور هو كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوري، ولم يأت هو بشىء جديد غاية ما فعله أن أضاف حفنة من الكلام الفاحش والبذيء والتعابير الركيكة، وبدأ يتهجّم ويتحدّى الآخرين منادياً: "هل من مجيب!" ومع هذا فإنّ بطلان ما ادعاه إحسان إلهي وكما مرّ في نقد دعاوى الدكتور القفاري أمرٌ بيّن وواضح ولا يدلّ على شىء سوى الإنقياد وراء العصبيّات المدمّرة والجهل والتجاهل وذلك للأمور التالية:

أوّلاً: إن أهل البيت عليهم السلام كانوا قد شهدوا بسلامة القرآن من التحريف قبل ابن بابويه الصدوق (ت 381 هـ.) حيث ورد في الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين عليه السلام (ت 94 هـ.) والتي تعتبر أقدم كتاب بين الأمة الإسلامية بعد القرآن الكريم، فقد جاء في الدعاء الثاني والأربعين وأمثاله من أدعية أخرى ما يدلّ على سلامة القرآن من التحريف، وجاء أيضاً في حديث ورد في أقدم كتب الشيعة عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: "ما بين الدفتين قرآن"(1). وهناك حديث آخر ورد عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام وذلك في رسالته التي كتبها إلى أهل الأهواز يقول: "اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الإجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون"(2). وأخيراً فهناك مجموعة كبيرة من الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام ومضى الحديث عنها في بحث "أدلة سلامة القرآن من التحريف".

____________

1 ـ الاصول الستة عشر: ص 111.

2 ـ بحار الأنوار: ج 2، ص 225 وج 5، ص 68.


الصفحة 638
وقد أبطل الفضل بن شاذان النيسابوري (ت 260 هـ.) وهو من كبار أعلام الشيعة في القرن الثالث الروايات الموهومة التي تدّعي تحريف القرآن في كتب أهل السنة وردّ عليها، ودافع عن قدسيّة القرآن قبل ابن بابويه الصدوق، وللتفصيل يمكن مراجعة القارىء الكريم إلى "نظرة عابرة لأجوبة الإمامية" في المقام الأوّل.

ثانياً: لم يقرأ إحسان إلهي ظهير كتاب الاعتقادات للشيخ ابن بابويه الصدوق والذي ذكر فيه آراءه وآراء آخرين أكد فيها على عدم وجود تحريف في القرآن قطعاً، وهذا على أحسن الاحتمالات وأقل التقادير، ولذلك تراه يكتب جهلاً: "إنّ ابن بابويه الصدوق وغيره لم يستند لقولهم إلى مستند شيعي ثابت من رواية مروية من واحد من الائمة الأثني عشر" في حين إنّ كتاب ابن بابويه الصدوق بين أيدينا. ويشير إلى وجود أكثر من رواية بل إلى عشرات الروايات في هذا الخصوص، فقد قال الصدوق وبعد أن دوّن العبارة التالية:

"اعتقادنا إنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك...و"(1).

قال رحمه الله وهو في بيان الدليل على عقيدة الشيعة:

"ما روي من ثواب قراءة سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كلّه وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة والنهي عن القرآن بين سورتين في ركعة فريضة، تصديق لما قلناه من أمر القرآن والله مبلّغه ما في أيدي الناس.

وكذلك ما روى من النهي عن قراءة القرآن كلّه في ليلة واحدة وإنّه لا

____________

1 ـ الاعتقادات: ص 84.


الصفحة 639

يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيّام، تصديق لما قلناه أيضاً و..."(1).

ولكي تعرف كميّة الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق حين قال: ما روي من ثواب قراءة كلّ سورة وثواب من ختم القرآن و... يمكنك مراجعة كتب الشيخ الصدوق بالذات مثل كتاب ثواب الأعمال(2). وعيون أخبار الرضا(3). وسترى حينها العشرات من الروايات التي أوردها ابن بابويه فقط.

كما إنّه وخلافاً لما زعمه إحسان إلهي ظهير فهذا نصّ كلام الشيخ الطوسي والذي اعتمد في إثبات عقيدته بعدم تحريف القرآن على نصوص أهل البيت عليهم السلام، قال الشيخ الطوسي في هذا الصدد:

"أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق [أي بالقرآن ] أيضاً لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، و[أمّا] النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى..."(4).

قال بعد هذا:

"ورواياتنا متناصرة بالحثّ على قراءته والتمسّك بما فيه وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وما روي عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم رواية لا يدفعها أحد، أنّه قال: "إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض" وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن

____________

1 ـ الاعتقادات: ص 84 ـ 85.

2 ـ ثواب الأعمال: ص 125 ـ 157.

3 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 181.

4 ـ التبيان: ج 1، ص 3.


الصفحة 640

نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه ونترك ما سواه"(1).

وهنا يذكر الشيخ الطوسي نصّ عبارة السيد المرتضى لإثبات سلامة القرآن من التحريف ويعتبر كلامه كلاماً وافياً لإثبات العقيدة القائلة بعدم التحريف(2). ويستند السيد المرتضى في هذا الباب على الأدلّة العقلية والشواهد التاريخية الرصينة من دون حاجة لدليل روائي(3).

ثالثاً: ليس السيد المرتضى مؤلفاً لكتاب نهج البلاغة، لأنّ نهج البلاغة ليس سوى خطباً ورسائل وكلمات قصار للإمام علي عليه السلام قام بجمعها السيد الرضي أخو السيّد المرتضى (ت 406 هـ.) كما يقول هو بصراحة:

"كتابنا الذي ألّفناه وسميناه بـ"ـنهج البلاغة" وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع: من مختلف الخطب وكتب ومواعظ وحكم وبوّبناه أبواباً ثلاثة تشتمل على هذه الأقسام مميّزة مفصلة..."(4).

رابعاً: خلافاً لمزاعم إحسان إلهي ظهير السخيفة والتي يقول فيها: "صدر هذا القول أوّل مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم..." وتحدّى جميع الشيعة بقوله: "هل يستطيع أحد من الشيعة أن يثبت أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" فقد لاحظتم وجود أكثر من هذا العدد قالوا بعدم التحريف

____________

1 ـ التبيان: ج 1، ص 4.

2 ـ مجمع البيان: ج 1، ص 83.

3 ـ انظر نفس المصدر: ج 1، ص 83 ـ 84 والذخيرة في علم الكلام: ص 361 ـ 364.

4 ـ حقائق التأويل للسيد الرضي: ص 168.


الصفحة 641
على أن هؤلاء الذين ذكرهم هم رؤساء الشيعة وفقهاؤها في تلك العصور بحيث إذا أردت أن تعرف الاتجاه العلمي السائد على المذهب الشيعي آنذاك فلا مناص من معرفة رأي هؤلاء دون غيرهم، مع أنه لم يذكر عن غير هؤلاء ما يخالف رأي هؤلاء الأربعة، وكما ذكرنا فإنّ كلام الائمة من أهل البيت وابن شاذان (ت 260 هـ.) الذي مرّ آنفاً وأكد فيه سلامة القرآن من التحريف وقبل هؤلاء العلماء الأربعة دليل على أنّ القائلين بعدم التحريف أكثر ممّا ذكر، وقد جاء في بحث "شهادة علماء الإمامية على سلامة القرآن من التحريف" في المقام الأوّل نصُّ عبارة السيد الرضي(1) (ت 406 هـ.) والشيخ المفيد(2) (ت 413 هـ.) وأبي الفتوح الرازي(3)"ت من النصف الأوّل من القرن السادس الهجري) والشيخ ابن إدريس الحلي(4)(ت القرن السادس الهجري) والشيخ عبد الجليل القزويني (ت القرن السادس الهجري) وهم من زمن الشيخ ابن بابويه (الصدوق) حتى القرن الذي عاش فيه أبو علي الطبرسي ثم من الفترة الزمنية التي عاشها هؤلاء وحتى القرن الرابع عشر والتي أوردنا نصُّ عبارة ما يقارب الخمسين عالماً من علماء الشيعة الإمامية بالقول بعدم تحريف القرآن، ويعني ذلك اندحار وهزيمة إحسان إلهي الذي راح يتبجّل متحديّاً للشيعة ومستغفلاً للآخرين.

وأود هنا أن أعلن التحدي من جانبي وأقول: هل يمكنك أن تذكر في مقابل العشرة من علماء الشيعة أربعين عالماً من علماء السنة شهدوا بعدم تحريف القرآن وذلك حتى نهاية القرن السادس هذا مع ملاحظة ان عدد نفوس أهل السنة كان

____________

1 ـ حقائق التأويل: ص 168.

2 ـ المسائل السروية، المسألة التاسعة: ص 83 ـ 84 وأوائل المقالات: ص 80.

3 ـ روض الجنان: ج 11، ص 311.

4 ـ المنتخب في تفسير القرآن: ج 2، ص 246.


الصفحة 642
آنذاك ما يقرب من أربعة أضعاف الشيعة، بل إنّ من البعيد أن تأتي بنصف هذا العدد كما لا يمكنك أن تذكر روايات بنفس العدد الذي تحدثت فيه روايات الإمامية عن أوصاف القرآن مثل تلك الروايات التي جاءت في "باب ثواب قراءة القرآن" "باب الاستشفاء بالقرآن" و"باب تعليم القرآن" و"باب ثواب من ختم القرآن" و"باب من حفظ القرآن" و"باب كتابة القرآن" و"باب التوسّل بالقرآن" وغيره من الأبواب الكثيرة(1)، التي تضمنّت بعضها عشرات الروايات.

خامساً: أن قول إحسان إلهي ظهير:

"إنّ هؤلاء الأربعة بالصراحة والوضوح لم يقولوا بهذا القول إلاّ تقية ونفاقاً كي ينخدع المسلمون"

لا يعتبر إلاّ اتهام قبيح، ولو صحّ فمعنى ذلك إنّ عدداً كبيراً من كبار علماء أهل السنة قد قالوا بالتحريف أيضاً على مبناه ولو أنكروا ذلك وقالوا إنّنا لا نؤمن بالتحريف فمعنى ذلك إنّهم لم يقولوا بالتحريف إلاّ تقية ونفاقاً.

ولكي يثبت إحسان إلهي ظهير مزاعمه يقول:

"فنورد هنا روايات تسعة من الأحاديث الكثيرة التي أوردها في كتبه، وقد يأتي ذكر بعضها في الباب الرابع.

فأولها ما أوردها في كتابه (من لا يحضره الفقيه) الذي هو أحد الصحاح الأربعة الشيعية في كتاب النكاح تحت باب المتعة فيقول:

أحلّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم المتعة، ولم يحرمها حتى قبض ـ واستدلّ على ذلك بقوله ـ وقرأ ابن عباس فما استمتعتم به

____________

1 ـ انظر ثواب الأعمال: ص 125 ـ 157، عدّة الداعي: ص 327 ـ 364، بحار الأنوار: كتاب القرآن: ج 92، ص 13 ـ 34 وص 175 ـ 372 وأيضاً: ج 93، كتاب القرآن.