الصفحة 558
يقول: أخذته من فِيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا أتركه لشيء... الحديث(1)

فهذه الروايات لا تذكر أبا بكر فيمن جمع القرآن ولا هو من أقرأ الصحابة، فعلى هذا فان ابن مسعود واُبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبا الدرداء ومعاذ بن جبل وغيرهم كانوا أحق منه بإمامة المصلين.

وقال السيوطي:

لا أحفظ عن أبي بكر(رضي الله عنه) في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جداً لا تكاد تجاوز العشرة، وأما علي فروي عنه الكثير، وقد روى معمر عن وهب بن عبدالله عن أبي الطفيل، قال: شهدت علياً يخطب وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألونني عن شيء إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم نهار، أم في سهل أم في جبل.. وأما ابن عباس فهو ترجمان القرآن الذي دعا له النبي (صلى الله عليه وآله): "اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل"(2).

وقال المناوي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي...(3)

فأبو بكر لم يكن أعلم الصحابة بكتاب الله ولا بسنّة نبيه -وسوف تأتي الشواهد على ذلك في فصل لاحق- بينما نجد علي بن أبي طالب يؤكد أنهم لا يسألونه عن شيء إلاّ وأخبرهم بجوابه، ولم يحدّد علماً معيناً، بل أطلق الكلام في كل شيء، وفي الحقيقة فان من يراجع خطبه في نهج البلاغة وأقواله المأثورة، فانه سوف يدهش حقاً من علمه الغزير في كل المجالات، وهو فوق هذا يؤكد علمه بكتاب الله كله وأسباب نزوله... الخ، كما أن كون ابن عباس

____________

1- صحيح البخاري: 6/230.

2- الاتقان في علوم القرآن 4: 233.

3- فيض القدير 3: 46.


الصفحة 559
ترجمان القرآن -بعد دعاء النبي له- يؤكد -وكما تؤكد الأخبار أيضاً- أنه كان أعلم من أبي بكر أيضاً. ولأن هذه الروايات تثبت أن أبا بكر لم يكن أقرأ الصحابة، مما أوقع الشرّاح في مشكلة جديدة، فانهم لجأوا -كعادتهم- إلى استنباط آراء وأفكار جديدة تخرجهم من الورطة، فقال ابن حجر:

في حديث أبي مسعود (أقرؤهم): قيل المراد به الأفقه، وقيل هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء. قال النووي: قال أصحابنا: الأفقه مقدّم على الأقرأ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه في الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلاّ كامل الفقه، ولهذا قدم النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر في الصلاة على الباقين، مع أنه(ص) نصّ على أن غيره أقرأ منه، كأنه عنى حديث أقرؤكم اُبي، قال: وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه! قلت: وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي (صلى الله عليه وآله) على أنه أقرأ من أبي بكر، كان أفقه من أبي بكر! فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه. ثم قال النووي بعد ذلك: إن قوله في حديث أبي مسعود: "فان كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم في الهجرة" يدل على تقديم الأقرأ مطلقاً. انتهى. وهو واضح للمغايرة... ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم إتفاقاً...(1)

هذه التمحلات واضحة المقصد. ولا أظنها تحتاج الى مناقشة، إلاّ أنني أقول تعليقاً على العبارة الأخيرة بأن تقديم الأقرأ يشترط أن يكون عارفاً بما

____________

1- فتح الباري 2: 135 - 136.


الصفحة 560
يتعين من أحوال الصلاة، كان يستلزم تقديم شخص كان أعلمهم بصلاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وليس هو أبو بكر، ولكني سأذكره فيما بعد.

الأكبر سنّاً

أما إمامة الأكبر سنّاً، فان من المعلوم قطعاً أن العباس بن عبدالمطلب كان أكبر سناً من أبي بكر، وأن هناك العديد من الصحابة كانوا أكبر منه سناً أيضاً كما يدل على ذلك للمتتبع أخبارهم في كتب تراجم الصحابة. وقد روى ابن أبي الحديد قصة طريفة حول هذا الموضوع، قال:

قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه: قد ولي ابنك الخلافة، فقرأ: (قُل اللهمَّ مالكَ الملكِ تُؤتي المُلكَ مَنْ تشاءٌ وتنزعُ الملكَ مِمَّنْ تَشاءُ)، ثم قال: لمَ ولّوه؟ قالوا: لسنّه. قال: أنا أسنّ منه!(1)

إلاّ أنّنا نجد الكثير من المؤلفين في العصر الحاضر ينساقون وراء هذه الأخبار دون تحقيق، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولكني أذكر على سبيل المثال قول ثابت إسماعيل الراوي:

وكان تقديم أبي بكر على غيره أنه كان أكبر المسلمين سناً، وأوّل من أسلم، وهو الذي ضحّى بأمواله في سبيل الله ونشر دينه...(2)

الأوّل إسلاماً

من الاُمور التي طال فيها الجدل بين المسلمين، هو تحديد الأسبق الى الاسلام، ومداره بالدرجة الاُولى على شخصين هما أبو بكر وعلي بن أبي

____________

1- شرح نهج البلاغة 1: 222.

2- تاريخ الدولة العربية: 7.


الصفحة 561
طالب، وهذا أيضاً من افرازات القول بأحقية أحد الرجلين في الخلافة، لأن السبق الى الإسلام يعدّ من الشرائط المعتبرة في ذلك، وقد أورد ابن كثير قول النبي (صلى الله عليه وآله) في الأحق بتولي إمامة الصلاة وذكر منها السبق الى الإسلام، وبما أن الجمهور يعتبر التقديم الى الصلاة إشارة الى النص على الخلافة، لذا نجد الصراع دائراً بين الفريقين حول أوّل الناس إسلاماً، فقد روى الطبري عن الواقدي بسنده، قال: اجتمع أصحابنا على أن أوّل أهل القبلة استجاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خديجة بنت خويلد، ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر: في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة، أيهم أسلم أوّل(1).

ذكر الطبري ذلك، بعد أن أورد ستة عشر رواية في أن أوّل من أسلم هو علي بن أبي طالب، وسبع روايات في أن أوّل من أسلم أبو بكر، ثم أورد روايات اُخرى فيمن أسلم قبل أبي بكر.

ويورد ابن كثير الدمشقي هذه الروايات المتناقضة أيضاً في أوّل من أسلم، ثم يذكر قول أبي حنيفة بالجمع بين هذه الأقوال بأن أوّل من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب...(2)

وبما أن استقصاء هذه الروايات يستغرق صفحات كثيرة، إلاّ أنني أود فقط أن اُشير الى مسألة كانت مدار بحثنا في هذا الكتاب، ألا وهي قضية التزييف في تراثنا الإسلامي لأسباب ذكرنا بعضها وسوف نكشف عما تبقى منها -وهي أهمها- في الفصول القادمة باذن الله تعالى.

فمن أساليب التزييف المتبعة هذه، قول ابن كثير الدمشقي -في فصل

____________

1- تاريخ الطبري 2: 317.

2- البداية والنهاية 3: فصل أوّل من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم.


الصفحة 562
عنونه بقوله: في ذكر شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)- وبعد أن يورد روايات عديدة في فضله يقول:

وقد ورد في أنه أوّل من أسلم من هذه الاُمة أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء(1).

ولكي ينجلي الموقف على الحقيقة، فانني ساُورد بعض الروايات الصحيحة الإسناد فى إسلام علي بن أبي طالب وسبقه إليه.

1 - عن معقل بن يسار، قال: وضّأتُ النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم فقال: "هل لك في فاطمة نعودها"؟ فقلت: نعم. فقام متوكئاً عليَّ فقال: "أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك". قال: فكأنه لم يكن علي شيء حتى دخلنا على فاطمة (عليها السلام) فقال لها: "كيف تجدينك"؟ قالت: والله لقد اشتدّ حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي. قال أبو عبدالرحمان: وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث، قال "أما ترضين أني زوّجتك أقدم اُمتي سلماً، وأعظمهم حلماً"؟(2).

2 - عن سلمان(رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أوّلكم وارداً على الحوض، أوّلكم إسلاماً: علي بن أبي طالب"(3).

3 - عن أنس(رضي الله عنه) قال: نُبئ النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء(4).

4 - عن أبي إسحاق، أن علياً لما تزوج فاطمة، قالت للنبي (صلى الله عليه وآله): زوجتنيه اُعيمش عظيم البطن. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "لقد زوجتكه وأنه لأول أصحابي سلماً

____________

1- البداية والنهاية 7: 334.

2- مسند أحمد 5: 26، مجمع الزوائد 9: 101 وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه خالد بن طهمان وثّقه ابو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات.

3- المستدرك 3: 136 و صححه و وافقه الذهبي.

4- المستدرك 3: 112، قال الذهبي: صحيح.


الصفحة 563
وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً"(1).

5 - عن سلمان، قال: "أول هذه الاُمة وروداً على نبيها(ص) أولها إسلاماً، علي بن أبي طالب(2).

6 - عن الحسن وغيره، قال: فكان أول من آمن علي بن أبي طالب وهو إبن خمس عشرة أو ست عشرة سنة(3).

7 - عن علي، قال: أنا أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).

8 - عن علي، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي. قال: مالي من شيء إلاّ درعي وسيفي; فتعرّض علي ذات يوم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: "يا علي، هل لك من شيء"؟ قال: جملي ودرعي أرهنهما، فزّوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة، فلما بلغ فاطمة ذلك بكت، فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: "مالك تبكين يا فاطمة، والله لقد أنكحتك أكثرهم علماً وأفضلهم حلماً وأقدمهم سلماً"(5).

هذه بعض الروايات وأقوال الحفّاظ فيها حول إثبات تقدم إسلام علي بن أبي طالب، أما من أين جاءت الروايات التي تدعي سبق أبي بكر الى الاسلام، فاننا نوّهنا فيما سبق الى عملية المقابلة التي قام بها بعض المتعصّبين في مقام المحاججة بين أدلة التنصيص على الخلافة، وأثبتنا بالأدلة أن الروايات التي تشيد بأبي بكر والتي يُشمّ منها رائحة النص إنما وضعت مقابل الروايات التي يحتج الشيعة بها في الدلالة على النص على علي بن أبي طالب، خلافاً لما

____________

1- مجمع الزوائد 9: 102 وقال: رواه الطبراني وهو مرسل صحيح الاسناد.

2- المصدر السابق وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

3- المصدر السابق وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

4- مجمع الزوائد 9: 103 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حبة العرني وقد وثّق.

5- كنز العمال 13: 114، وقال: أخرجه ابن جرير وصححه، والدولابي في الذرية الطاهرة.


الصفحة 564
توهمه بعض حفّاظ ومتكلمي الجمهور بأن الآية معكوسة، مع العلم أن نظرية الجمهور في الخلافة تقوم أساساً على عدم وجود نص! وقد أورد ابن أبي الحديد المعتزلي مناظرة بين الجاحظ وبين أبي جعفر الإسكافي -وكلاهما معتزليان أيضاً- حول الروايات التي وردت في سبق كل من أبي بكر وعلي بن أبي طالب الى الإسلام، فكان من ردّ الإسكافي على الجاحظ قوله:

فأما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبي بكر، بكونه أول الناس إسلاماً، فلو كان هذا صحيحاً، لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلك لأنه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح وقال للناس: قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا منهما من شئتم، ولو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها، ولو كان احتجاجاً صحيحاً لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره، بكونه سبق الى الإسلام، وما عرفنا أحداً ادعى له ذلك، على أن جمهور المحدّثين لم يذكروا أن أبا بكر أسلم إلاّ بعد عدّة من الرجال، منهم علي بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبو ذر الغفاري، وعمرو بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وخبّاب بن الأرت، وإذا تأملنا الروايات الصحيحة، والأسانيد القوية والوثيقة، وجدناها كلها ناطقة بأن علياً (عليه السلام) أوّل من أسلم!(1).

ثم يورد الإسكافي مجموعة كبيرة من الروايات في ذلك بما يدعم قوله.

إمامة الصلاة وإمامة الاُمّة

إن من المؤكد أن الجمهور قد تعلق بمسألة إمامة أبي بكر للمصلّين،

____________

1- شرح نهج البلاغة 13: 224.


الصفحة 565
واعتبر ذلك أقوى برهان على النص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله)، وانساق وراء هذا الادعاء معظم متكلمي الجمهور، حتى صار الأمر في حكم المسلّمات، إلاّ أن معظم اُولئك المتكلمين لم يلتفتوا الى بعض النقاط المهمة، أو ربما تغافلوا عنها في غمرة الاندفاع من أجل إسقاط حجج مخالفيهم في النص على علي، وراح البعض منهم يعبّر عن فرحه الغامر بهذا الدليل حتى تمنى كتابته بماء الذهب. ولكننا لو أمعنا النظر جيداً في الأمر لوجدنا أن هذه الحجة تفتقر الى الدليل العقلي والنقلي في إثباتها، ولقد اعترف بعض متكلمي الجمهور بهذه الحقيقة الساطعة، فقد قال ابن حزم:

وأمّا من ادعى أنه إنما قُدّم قياساً على تقديمه الى الصلاة، فباطل بيقين، لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصلاة يستحق الامامة في الخلافة، إذ يستحق الإمامة في الصلاة اقرأ القوم وإن كان أعجمياً أو عربياً، ولا يستحق الخلافة إلاّ قرشي، فكيف والقياس كله باطل(1).

هذا مع العلم أن ابن حزم من القائلين بالنص على أبي بكر كما تقدم عنه، إلاّ أن عبارته حول إمامة الصلاة وإمامة الاُمّة في غاية الدقة والصواب، والشواهد تؤيدها، فعن ابن عمر: لمّا قدم المهاجرون الأولون العصبة -موضع بقبا- قبل مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا(2).

وعن نافع، أن ابن عمر(رضي الله عنه) أخبره قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر

____________

1- الفصل في الملل والنحل 4: 109.

2- صحيح البخاري 1: 178 باب إمامة العبد والمولى، وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان...


الصفحة 566
وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة(1).

وعن المغيرة بن شعبة، قال: تخلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: "أمعك ماء"؟ فأتيته بمطهرة. فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه... ثم ركب وركبت فانتهينا الى القوم وقد قاموا الى الصلاة، يصلي بهم عبدالرحمان بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي (صلى الله عليه وآله) ذهب ليتأخر، فأومأ إليه فصلى بهم، فلما سلّم، قام النبي (صلى الله عليه وآله) وقمت، فركعنا الركعة التي سبقتنا(2).

وعن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذهب الى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن الى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فاُقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر; فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفّق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس من التصفيق، التفت فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر(رضي الله عنه)يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك. ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى، فلما انصرف قال: "يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك"؟ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).

كما وذكر أصحاب السير -ومنهم ابن كثير- أن عمرو بن العاص قد صلّى بالناس في غزوة ذات السلاسل، وكان فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة(4).

____________

1- المصدر السابق 9: 88 كتاب الأحكام، باب استقضاء الموالي واستعمالهم.

2- صحيح مسلم 1: 320 كتاب الطهارة، باب المسح على الناصية والعمامة.

3- صحيح البخاري 1: 174 باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الاول.

4- السيرة النبوية لابن كثير 3: 516.


الصفحة 567
فمن هذا يتبيّن أنه لو كانت إمامة الصلاة دليلا على الخلافة لكان سالم مولى أبي حذيفة أو عبدالرحمان بن عوف أو عمرو بن العاص أحق من أبي بكر بها، وبخاصة فان الرواية التي عند مسلم تدل على أن النبي قد ائتم بعبدالرحمان بن عوف، بينما تؤكد رواية البخاري أن أبا بكر قد انسحب من إمامة المصلين وتركها للنبي (صلى الله عليه وآله)، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدم ثبوت إمامة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه فمن هذا يتبيّن أن موضوع صلاة أبي بكر قد قلب كثيراً من المفاهيم والحقائق التاريخية، بل وحتى المفاهيم الفقهية، حيث كان لتلاعب المتعصبين في الروايات أكبر الأثر في وقوع المحدّثين والفقهاء ضحية لها، فراح المحدّثون يروونها معتقدين صحتها، بينما راح الفقهاء يفرّعون المسائل عليها، في حين راح المتكلمون يروجونها على أنها دليل قاطع على النص على خلافة أبي بكر.


الصفحة 568

الصفحة 569


الفصل الحادي عشر

تزييف الحديث النبوي





الصفحة 570

الصفحة 571

تزييف الحديث النبوي


لعل ما أوردناه في الفصل السابق قد أعطى للقارئ فكرة عن عملية التزييف التي طالت التراث الإسلامي كله، ومن ضمنه الحديث النبوي الشريف، حيث انبرى المتعصبون لوضع أحاديث تدّعي الإشارة الى النص على أبي بكر، وذلك في مقابل الأحاديث الصحيحة التي يحتج بها الشيعة على مسألة النص والوصاية لعلي بن أبي طالب.

وقد انبرى بعض الحفّاظ لإيراد الأسباب التي أدّت الى شيوع الوضع في الحديث، فذكر ابن الجوزي مثلا في كتابه (الموضوعات) أقسام الحديث، فجعلها ستة أقسام، سادسها الموضوعات، ثم قسّم الرواة عدة أقسام، فذكر منهم الوضّاعين ممن تعمّد الكذب، وقسمهم أربعة أقسام:

أوّلها: الزنادقة الذين قصدوا إفساد الشريعة وإيقاع الشك في قلوب العوام والتلاعب بالدين... ثم يروي عن حماد بن زيد قوله: وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر ألف حديث.

وثانيها: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم، ويروي عن عبدالله بن يزيد المعري، عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث ممن تأخذونه فإنّا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثا، ويروي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: إن

الصفحة 572
هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً، كما ويروي مثل ذلك عن شيخ من الرافضة أيضاً.

وأما القسم الثالث من الوضّاعين، فهم الذين وضعوا الأحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس على الخير ويزجروهم عن الشر.

والقسم الرابع، فيذكر منهم من وضع الأسانيد لكل كلام حسن، ويروي عن محمد بن سعيد قوله: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسناداً.

والقسم الخامس فهم أصحاب الأغراض الذين يضعون الحديث تقرّباً للسلطان... الخ وأما القسم السادس، فهم الذين وضعوا أحاديث في ضد الإغراب ليُطلبوا ويسمع منهم...

هذه هي مجمل الأسباب التي يراها ابن الجوزي من دواعي وضع الحديث.

وقد ذهب معظم من تحدث عن مشكلة الوضع والوضّاعين الى ذكر هذه الأسباب للوضع.

أما الزنادقة فلا يخفى خطرهم، إذ أنهم لم يقتصروا على تزييف الحديث النبوي الشريف، بل تعدوه الى تزييف مجمل تراث الإسلام وتاريخه، وقلب الحقائق فيه متبعين في ذلك أساليب في غاية الخبث، ولقد كانوا من الذكاء والفطنة بحيث إنهم نجحوا في إظهار الحق باطلا والباطل حقاً، كما بيناه في الفصول السابقة من الكتاب، وإذا كان خط هؤلاء الزنادقة متماشياً مع الخط الاُموي في تزييف التاريخ الاسلامي -كما أثبتنا- فان الخط الاُموي الذي سار عليه الاعلام الرسمي للدولة، قد طال الحديث النبوي الشريف أيضاً، فكانت

الصفحة 573
اُولى الأسباب التي أدت الى انتشار الوضع في الحديث، هي السياسة الاُموية ذاتها، إذ أن تزييف التراث الإسلامي في جانب واحد لا يمكن أن يحقق الغرض المنشود، فلابد من أن يطال التزييف جميع نواحي هذا التراث حتى يتكامل العمل ويتحقق الهدف، وقد أوردنا في أحد الفصول من هذا الكتاب ما نقله ابن الحديد عن المدائني(1) في كتابه الأحداث عن النسخة الموحدة التي بعثها معاوية الى عمّاله بعد عام الجماعة، والتي تضمنت مراحل عديدة من خطة العمل المطلوب اتباعها، وكما يلي: منع رواية شيء من فضائل علي بن أبي طالب وعدم إجازة أحد من شيعته، وعلى العكس من ذلك، تقريب شيعة عثمان وإجازة كل من يروي شيئاً في فضله، وقد مرّ ذلك في الفصل الخامس من هذا الكتاب مع بعض الشواهد التي تؤيده، ونعود الآن الى استكمال القصة، لمعرفة المرحلة الثانية، وهي قول المدائني:

ثم كتب -أي معاوية- الى عمّاله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كل وجه وناحية; فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب، إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحبّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، واُلقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من

____________

1- تقدمت ترجمته وقول ابن معين فيه: ثقة ثقة ثقة.


الصفحة 574
ذلك الكثير الواسع حتى رووه، وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله!

ثم كتب إلى عمّاله نسخة واحدة الى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيّنة أنه يحب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة اُخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم; فنكّلوا به، واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليتمكّن عليه; فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر; ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون، والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنُّسُك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل; حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها...

قال ابن أبي الحديد: وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه -وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم(1) في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اُفتعلت في أيام بني اُمية، تقرّباً إليهم

____________

1- قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 5: 75: الامام الحافظ النحوي العلاّمة الأخباري، إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي الواسطي، ولد سنة 244 هـ، صاحب التصانيف، وكان ذا سنيّة ودين، من تصانيفه (تاريخ الخلفاء).


الصفحة 575
بما يظنون أنهم يُرغمون به اُنوف بني هاشم(1).

هذه الوثيقة التاريخية المهمة التي تكشف عن الكثير من غوامض الاُمور، والتي لولا أن ابن أبي الحديد قد أوردها في شرحه لنهج البلاغة لما وصلتنا بسبب فقدان معظم الاُصول التاريخية المهمة للمدائني وابن عرفة، ومنها نستطيع أن نفهم لماذا أخرج المحدّثون روايات سدّ الأبواب غير باب أبي بكر، وحديث الخلّة والمنّة وروايات صلاة أبي بكر وغيرها في كتبهم مسلّمين بصحتها، حتى تلقتها الاُمة على أنها واقع غير مشكوك فيه، وكيف وقع الفقهاء أيضاً ضحية لها كالمحدّثين.

وقد أوردنا بعض الشواهد -فيما مضى- على صحة ما جاء في كتاب الأحداث للمدائني من انتقاص علي ومدح عثمان في كتب التاريخ المعروفة، وكيف أن الزنادقة قد وجدوا أمامهم أرضاً ممهّدة للحط من مكانة علي وشيعته، ثم جاء دور الوضّاعين في اختلاق الروايات المنسوبة الى النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك، وللأسف فان بعض الصحابة قد اشتركوا في ذلك -دعماً لمعاوية وبني اُمية- وهو الأمر الذي أوقع المحدّثين في هذا الفخ اعتقاداً منهم بعدالة الصحابة جميعاً وتنزههم عن الكذب، كما أن المحدّثين قد وثّقوا بعض التابعين واعتقدوا عدالتهم، ولم يلتفتوا الى علاقة اولئك التابعين بمعاوية وبني اُمية، وأن بعضهم كانوا يقتاتون على موائدهم، أو بدافع الحقد على علي بن أبي طالب لأنه قاتل آباءهم وإخوانهم وربما قتلهم، ولكي نثبت صحة مدّعانا، فإننا سنورد الأمثلة على ذلك.

____________

1- شرح نهج البلاغة 11: 44.


الصفحة 576

تزييف المثالب

قلنا إن الحلقة الاُولى للتزييف -وكما ذكر ابن أبي الحديد عن المدائني- كانت تتلخص في الحطّ من مكانة علي بن أبي طالب، بافتعال روايات تنسب الى النبي (صلى الله عليه وآله) على أنها من حديثه تكشف عن مطاعن في علي بن أبي طالب، فقد أخرج المحدّثون عن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـجهاراً غير سرّ -يقول: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين"(1).

وأخرجه البخاري وفيه: "إن آل أبي -قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر بياض- ليسوا بأوليائي..." الحديث(2).

قال ابن حجر في شرحه:

نقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يُسلم منهم، أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع، وقال الخطابي: الولاية المنفيّة ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح، فان من جملة آل أبي طالب: علياً وجعفراً وهما من أخصّ الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين، وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نُسب الى بعض رواته من النصب، وهو الانحراف عن علي وآل بيته...

وبعد أن يورد أسماء بعض رواة الحديث، يقول:

لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبدالواحد، اُموي قد نُسب الى شيء

____________

1- مسند أحمد 4: 203.

2- صحيح البخاري 8: 7 كتاب الأسباب تبلّ الرحم ببلالها، صحيح مسلم 1: 136 كتاب الايمان: باب موالاة المؤمنين، مسند أحمد 4: 203.


الصفحة 577
من النصب، وأما عمرو بن العاص -وإن كان بينه وبين علي ما كان- فحاشاه أن يُتّهم...(1)

فنفهم من كلام ابن حجر وما نقل عن غيره، أن آل فلان -الذين تجنب بعض المحدّثين ذكرهم -هم في الحقيقة آل أبي طالب عمّ النبي (صلى الله عليه وآله)، ووالد علي بن أبي طالب، وقد ذكر ابن أبي الحديد أسماءهم في نقله للحديث(2).

ومحاولة ابن حجر لتبرئة عمرو بن العاص باتهام غيره من الرواة لا تجدي نفعاً، فان من يعمل أعمال عمرو -كما بيّنا بعضها- لا يتورّع عن غير ذلك، وليس عمرو بن العاص وحده في ذلك، فان سمرة بن جندب -وهو صحابي أيضاً- قد أدّى دوره في ذلك المسلسل. فقد روى ابن أبي الحديد قال: قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: (وَمنَ الناسِ مَنْ يُعجِبكَ قَولهُ في الحياةِ الدُّنيا وَيُشهدُ اللهَ عَلى مَا في قَلبهِ وَهوَ أَلدُّ الخِصامْ * وَإذا تولّى سعى في الأَرضِ ليُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَساد)(3).

وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: (وَمنَ النّاسِ مَن يَشري نَفسُه ابتِغاءَ مَرضاتِ اللهِ)(4) فلم يقبل، فبذل له مائتي الف درهم فلم يقبل، فبذل ثلاثمائة الف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة الف فقبل، وروى ذلك(5).

كما وأخرج المحدّثون عن ابن عمر(رضي الله عنه)، قال: كنا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) لا

____________

1- فتح الباري 10: 345.

2- شرح نهج البلاغة 11: 42.

3- سورة البقرة: 204، 205.

4- سورة البقرة: 207.

5- شرح نهج البلاغة 5: 73.


الصفحة 578
نفاضل بينهم(1).

وهذا الحديث يذكرنا بجملة من الأحاديث المزعومة التي ذكرناها فيما سبق من احتجاج بعض متكلّمي الجمهور بها للدلالة على النص على الخلفاء الثلاثة، وقد ذكرنا من بينها الحديث المزعوم حول صعود النبي (صلى الله عليه وآله) جبل اُحد مع الخلفاء الثلاثة وما قاله النبي في ذلك، وقد أخرجه البخاري أيضاً في فضائل عثمان(2) ورائحة السياسة الاُموية تفوح من هذه الأحاديث التي علّقنا عليها فيما سبق، وقد ردّ ابن عبدالبرّ هذا الحديث رغم صحة اسناده، فقال:

من قال بحديث ابن عمر (وذكر الحديث)، وهو الذي أنكره ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن علياً أفضل الناس بعد عثمان(رضي الله عنه)، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر، وفي إجماع الجمع الذي وضعنا، دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان اسناده صحيحاً...!(3)

لكن الحديث دخل في صحيح البخاري! ودخل معه أكثر من ذلك، فعن المسور بن مخرمة قال: إن علياً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك! وهذا علي ناكح بنت أبي جهل! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) -فسمعته حين تشهد يقول- "أما بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع، فحدّثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن

____________

1- صحيح البخاري 5: 18 باب مناقب عثمان.

2- المصدر السابق.

3- الاستيعاب 3: 1116.