الصفحة 142
يوجد في طائفة من طوائفها فهذا مما يعلم أنا لا نذهب إليه، وكيف يتوهم علينا مثله، ونحن نحاج خصومنا بنقلنا للنص، ونلزمهم أن يتأملوه ويستدلوا على صحته ليعلموا من النص ما علمناه؟ وإن أردت أن نقل بعض الأمة انقطع من أجل كتمان أسلافهم وعدولهم عن القاء النص إليهم، فليس يجب إذا أردت هذا أن تمنع حكمة المكلف من انقطاع النقل لأنه إذا انقطع هذا الضرب من النقل لم تبطل الحجة به على جماعة المكلفين، وإنما يجب أن تمنع الحكمة من انقطاع النقل على الوجه الأول الذي تزول معه الحجة.

فأما كتمان الأمور الظاهرة فلو اتفق في أصولها ما اتفق في النص وطمع طامعون في تمام كتمانها واندفان (1) خبرها لبعض الدواعي كما جرى في النص لكانت الحال واحدة فإن قيام الحجة والعذر للمخالف وسقوط الحجة عنه في باب النص فقد تقدم بطلانه، وبينا أن الحجة به قائمة على الجميع وأنه لا عذر لمن جهله.

قال صاحب الكتاب: " وقد ذكر شيخنا أبو هاشم في بطلان هذه الطريقة جملة حسنة نحن نوردها بلفظه أو بقريب من لفظه قال: (إن من تقدم من الإمامية إنما ادعى النص بالأخبار التي تعلقوا بها مما طريقه طريق النظر، وتدخل في مثله الشبهة، وحدث بعدهم قوم لم يكن منهم (2) في هذا القول تدين، وإنما كان قصدهم المغالبة ورأوا أن تعلقهم بهذه الأخبار لا يقنع فادعوا عنه صلى الله عليه وآله أنه أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: (أنت الإمام من بعدي) وادعوا أنه نقل ذلك جمع عن

____________

(1) انفعال من الدفن.

(2) أي لم يكن التعلق بهذا القول منهم بدافع التدين والاعتقاد وإنما بدافع مغالبة الخصوم.

الصفحة 143
جمع قد حصل إلى أن يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وآله، * وأنه قد وجد في ذلك النقل شرط التواتر * (1) حتى ادعوا على مخالفيهم أنهم يعلمون صحة قولهم باضطرار وطرقوا بهذا لمخالفيهم المعارضة بأمور لا أصل لها مثل أن يدعوا التواتر في أنه صلى الله عليه وآله أخذ بيد أبي بكر فقال: (هذا إمامكم بعدي) إلى غير ذلك، وخرج الكلام بينهم وبين مخالفيهم عن الموضوعات * وخرجوا جميعا أعني هم ومخالفيهم إلى الكلام عن الموضوعات * (1) التي نتكلم على مثلها، إلى أن ادعى تكذيب البعض للبعض)... " (2).

يقال له: قد دللنا على إثبات سلف الشيعة رحمهم الله في النص الجلي، وأبطلنا قول من رماهم بابتداعه وقرب إحداثه، وبينا أن طريق العلم بالمراد من هذا النص الجلي أيضا لمن غاب عن زمان الرسول صلى الله عليه وآله الاستدلال دون الاضطرار، وكذلك الطريق إلى إثبات النص نفسه.

فأما اللفظ الذي حكيته من قوله صلى الله عليه وآله (أنت الإمام بعدي) فحكمه عندنا حكم سائر الألفاظ المنقولة في أنا نستدل على إثباتها وعلى المراد بها، ولسنا نعلم إلى من يومي منا بادعاء الاضطرار على مخالفيه إلى صحة قوله، فما نعرف أحدا من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين رحمهم الله ادعى ذلك، وهذا ابن الراوندي (3) وهو الذي تدعون أن النص من جهته ابتدأ، وأنه لم يسبق إلى ادعائه لم يسلك في كتابه (4) عند نصرة

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " المغني " في الموضعين.

(2) المغني نفس الصفحة. والظاهر أن كل ما تقدم كان من كلام أبي هاشم.

(3) ابن الراوندي هو أحمد بن يحيى بن إسحاق وقد تكرر ذكره.

(4) يعني كتاب " فضيحة المعتزلة ".

الصفحة 144
القول بالنص إلا طريقة الدليل دون الضرورة، ولا ادعى على مخالفيه أنهم يعلمون صحة قوله باضطرار.

فأما قوله في الحكاية عن صاحبه أبي هاشم: " أنهم طرقوا لمخالفيهم المعارضة بكذا " فذلك اعتراف منه بإيراد هذه المعارضة على طريق المقابلة من غير أن يكون لها حقيقة في نفسها، ومن هاهنا قلنا: إن الذي تدعيه البكرية من النص على صاحبهم يخالف ما تذهب إليه الشيعة، وإن من حمل نفسه على أن يسوي بين القولين والدعويين فقد كابر، وكيف يصح أن يعارض ما تذهب إليه فرقة معلوم كثرة عددها في هذه الأزمان وما والاها بغير خلاف، بقول لم يذهب إليه أحد ولا ادعاه عاقل يعترف المعارض بذلك فيه، ويعتذر بإيراده على سبيل المعارضة ولئن (1) جاز هذا ليجوزن لبعض مخالفي الاسلام أن يقول: قد صح عندي إن جميع ما يدعيه المسلمون من معجزات نبيهم صلى الله عليه وآله لا أصل له، وإنما هو شئ مولد مصنوع، ولا فرق بين دعواهم وبين دعوى من أثبت من مخالفيهم نبيا في تلك الأحوال وروى عنه من المعجزات والآيات أكثر مما رووه وأبهر وادعى أيضا عليهم أن قرآنهم قد عورض بما يجري في الفصاحة مجراه أو يزيد عليه، ويقول: إن هذا هو الذي طرقوه على نفوسهم لمخالفيهم من حيث ادعوا ما لا أصل له فقوبلوا بمثله.

فإن قيل: كيف يعارض نقل المسلمين للمعجزات وهو مسموع معلوم بأمر غير معلوم، ولا ذهب إليه أحد من مخالفي الاسلام؟

قيل له: وكيف يعارض نقل الشيعة وهو أيضا معلوم مسموع يتدين

____________

(1) في الأصل " وليس " والتصحيح عن المخطوطة.

الصفحة 145
به الخلق الكثير بدعوى تضاف إلى البكرية لم يعتقدها بكري قط ولا عاقل؟

قال صاحب الكتاب: " ثم قال - يعني أبا هاشم -: الذي يدل على بطلان هذه الدعوى إن هذا الأمر لو كان صحيحا لم يخل القول منه عليه السلام من أن يكون بحضرة * جميع الأمة أو نفر يسير، فإن كان بحضرة نفر يسير كتموه أو نقله من لم تقم الحجة به فليس علينا أن يعلم ذلك * (1) جمع عظيم تواطؤوا على كتمانه فسبيلهم سبيل من وصفنا حاله، على أن كتمان ذلك على جماعة الأمة لا يجوز لأنها لا تجتمع على كتمان ما يجب إظهاره كما لا تجتمع على خطأ، وعلى الجمع العظيم لا يصح فيما طريقه الاضطرار من جهة العادة كتمان ما هذه حاله، وإن كانوا لم يكتموا ولم يتواطؤوا على ترك إظهاره فكيف يجوز أن يقع الخلاف بعده عليه السلام حتى يقول الأنصار: " منا أمير ومنكم أمير " مع معرفتهم بهذا النص الظاهر؟ وكيف كان يجوز أن يسموا أبا بكر مدة حياته خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يدفع ذلك دافع؟ وكيف نقل عن الحسين عليه السلام (2) أنه ذهب إلى أبي بكر وهو على المنبر فقال: (انزل عن منبر أبي) ونقل ما كان من فاطمة عليها السلام في أمر فدك وما كان من أمير المؤمنين عليه السلام والزبير من التأخر عن البيعة أياما وما كان من

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(2) في المغني " الحسن عليه السلام " وروى ابن حجر في الصواعق ص 177 قال: " أخرج الدارقطني أن الحسن جاء لأبي بكر رضي الله عنهما وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انزل عن مجلس أبي " الخ. قال " ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر فقال له عمر: منبر أبيك والله لا منبر أبي " ووقوع ذلك من الحسنين عليهما السلام ممكن حيث روي مثله عن الحسين عليه السلام مع عمر (أنظر كنز العمال 7 / 105).

الصفحة 146
تأخر خالد بن سعيد (1) عن البيعة مدة، وما كان من أبي سفيان وقوله لأمير المؤمنين عليه السلام: " أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيم أمدد يدك أبايعك فلأملأنها علي أبي فصيل (2) خيلا ورجلا " (3) وكيف يروى عن العباس: " أمدد يدك أبايعك واجئ بهذا الشيخ من قريش يعني أبا سفيان، فإذا قيل إن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أبايع ابن عمه لن يخالف علينا أحد من قريش والناس تبع لقريش "؟ فكيف روى كل ذلك ولم يرو عن أحد أنه قال في تلك المجامع والمقامات أين المذهب عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو الإمام الذي أقامه النبي صلى الله عليه وآله بالأمس ونص عليه وأشار إليه وما كان حاجة العباس وأبي سفيان إلى ما تكلما به "...) (4).

يقال له: قد أخل أبو هاشم فيما حكيت عنه من الأقسام بالقسم الصحيح الذي نذهب إليه لأنه أفسد أن يكون النص وقع بحضرة نفر يسير فكتموه، وأفسد أن يكون بمحضر من جمع كثير فكتموه أيضا، ولم ينقله أحد منهم، وأفسد أن يكونوا لم يكتموه جملة ولا تواطؤوا على ترك إظهاره، وبقي الصحيح، وهو أن يكون بعضهم كتمه وبعضهم نقله.

____________

(1) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس يكنى أبا سعيد أسلم قديما يقال: إنه أسلم ثالثا أو رابعا، ولما علم أبوة بإسلامه سبه وضربه بعصا كسرها على رأسه وطرده، هاجر مع جعفر إلى الحبشة وقدم معه والنبي صلى الله عليه وآله بخيبر، كان على صدقات اليمن عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله فرجع إلى المدينة وامتنع من البيعة لأبي بكر هو وأخوه أبان وله احتجاج على أبي بكر نقله الطبرسي في الاحتجاج ج 1 / 76 وانظر ترجمته في أسد الغابة 2 / 92.

(2) في المغني " فصل " تحريف " فصيل " وانظر شرح نهج البلاغة.

(3) رجل - بفتح الراء وسكون الجيم - جمع راجل وهو ضد الفارس.

(4) المغني 20 ق 1 / 121.

الصفحة 147
فأما نفيه الكتمان عن جماعة الأمة وعن الجمع العظيم فيما طريقه الاضطرار فيما لا نحتاج إلى مضايقته فيه، لأن كلامنا يتم من دونه، من حيث لم نجعل الأمة بأسرها كاتمة للنص والجماعة الكثيرة التي كتمته قد جعلنا أكثرها كاتما بالشبهة، وبعضها على سبيل التعمد، ومع العلم واليقين أما بمواطاة أو ما يقوم مقامها.

وليس هذا بمستنكر عند أبي هاشم وأصحابه يعني أن يكتم الجماعة الكثيرة للشبهة وأن يكتم النفر القليل بالمواطاة.

فأما قوله: " وإن كانوا لم يكتموه فكيف يجوز أن يقع كذا ويجري كذا " فليس يحتاج في إبطال أنهم لم يكتموا النص على وجه من الوجوه إلى شئ مما ذكره، لأنه لو لم يكتمه أكثرهم إما لشبهة أو عن علم لوجب أن يقع العمل من الكل عليه دون غيره، ولكان العلم به كالعلم بسائر الأمور الظاهرة التي لم يجز فيها الكتمان، فالتغلغل في إبطال هذا الوجه إلى سائر ما ذكره من العبث وإذا كان إنما أورد جميع ما عدده من الأفعال والأقوال ردا على من قال: إن أحدا لم يكتم النص ولا عدل عن نقله وإظهاره، فكنا لا نذهب إلى ذلك فليس يلزمنا الكلام على ما أورده، وبيان الوجه فيه، اللهم إلا أن يقال: كيف يجوز إذا كانوا قد كتموا على ما تذهبون إليه أن ينقلوا سائر ما ذكرناه والداعي إلى كتمان الجميع واحد.

وهذا إذا قيل، فالجواب عنه، إن في نقل النص شهادة على من عمل بخلافه بالضلال والخلاف للرسول صلى الله عليه وآله وليس في نقل ما جرى من المنازعات والخلاف في العقد شئ من ذلك لأن كل من نقل من مخالفينا كلاما أو خلافا جرى نقل انقطاعه وحصول الرضا بعده

الصفحة 148
والتسليم فليس في نقل شئ مما ذكر ما في النص فكيف يلزم أن يكون الداعي إلى كتمان الأمرين جميعا واحدا وأما تسمية أبي بكر بخليفة رسول الله، وقول الأنصار: " منا أمير ومنكم أمير " فهو مطابق لكتمان النص، ولا حاجة بنا إلى تأويله وتخريج وجهه، وإنما أورده ردا على من قال: إن النص لم يكتمه أحد من الأمة.

فأما ما نقل عن الحسين عليه السلام من قوله لأبي بكر: " انزل عن منبر أبي " فليس ينقله من مخالفينا من ينقل تأخر عن البيعة، وكلام من تكلم فيها، وأكثرهم بل جميعهم يكذب به، ويقول: إنه مما صنعه الشيعة، وإن رجع مخالفونا إلى ما ورد مورد هذا الخبر، ونقل كنقله، وجدوا شيئا كثيرا مما ادعوا فقده من تظلم أمير المؤمنين والتظلم له كقوله عليه السلام: " اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي ومنعوني إرثي " وقوله عليه السلام في رواية أخرى " اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني الحجر والمدر " وقوله عليه السلام: " لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله " (1) إلى غير ما ذكرناه من الروايات عنه عليه السلام وعن شيعته وخاصته رحمهم الله التي ذكر جميعها يطول وهي موجودة في الكتب، وليس لهم أن يقولوا: إن هذه الروايات غير معروفة، وإنما ينفرد بادعائها الشيعة، لأنا قد بينا أن الخبر عن الحسين عليه السلام يجري مجراها وكان غرضنا إسقاط قولهم: كيف نقل كذا ولم ينقل كذا؟ وليس لهم أيضا أن يقولوا: جميع ما رويتموه ليس فيه

____________

(1) تظلم أمير المؤمنين عليه السلام وشكواه من قريش رواها جماعة منهم إبراهيم بن محمد المعروف بابن هلال الثقفي في " الغارات " ص 308 وابن قتيبة في الإمامة والسياسة 11 / 154 والرضي في نهج البلاغة (أنظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده ج 1 / 390 و ج 3 / 130 وشرح نهج البلاغة م 3 / 36.

الصفحة 149
تصريح من أمير المؤمنين عليه السلام بالنص، وقد يمكن أن يكون تظلمه مصروفا إلى ما كان يعتقده عليه السلام من أنه أحق بالأمر وأولى بالتقدم فيه، وقد كان يعتقد أيضا فيه ذلك جماعة، لأن ظاهر الأقوال المروية يقتضي خلاف هذا التأويل الفاسد لأن الظلم لا يطلقه أحد من أهل اللغة لا سيما مثل أمير المؤمنين عليه السلام إلا في غصب الحقوق الواجبة فإذا انضاف إلى ذلك التصريح بذكر منع الإرث والحق على جهة الاستعداء لم يبق شبهة في فساد تأويل المخالف،.

فإن قيل: فما الوجه في قول العباس رحمه الله لأمير المؤمنين عليه السلام: " أمدد يدك أبايعك " أوليس ظاهر القول يقتضي بطلان النص لأن المنصوص عليه لا يحتاج إلى البيعة.

قيل عن هذا جوابان:

أحدهما - إن العباس رحمه الله لما بلغه فعل أهل السقيفة وقصدهم الأمر من جهة الاختيار أراد أن يحتج عليهم بمثل حجتهم فسأل أمير المؤمنين عليه السلام بسط يده للبيعة ليبايعه فيكون آخذا للحجة من جميع جهاتها، ومضيعا لعذرهم فيما صنعوه من حيث كانت حالهم لا تعدو أمرين إما أن يرجعوا إلى الحق ويسلموا الأمر إلى من عقده له الرسول صلى الله عليه وآله فيكون الأولى والأوجب أو يتمسكوا بالاختيار ويحتجوا به فيكون ما فعله العباس رضي الله عنه من البيعة في مقابلته.

والجواب الآخر، إن البيعة لا تنافي النص ولا تدل على بطلانه، لأنه غير ممتنع أن تقع البيعة مع تقدم النص ويكون الغرض في إيقاعها القيام بالنصرة والذب عن الأمر، ودفع من نازع فيه، ولو كان الأمر على ما ظنوه من دلالة البيعة على صحة الاختيار لوجب أن يكون مبايعة النبي

الصفحة 150
صلى الله عليه وآله الأنصار ليلة العقبة (1) ومبايعة المهاجرين والأنصار بيعة الرضوان عند الشجرة دلالة على ثبوت نبوته وفرض طاعته من جهة الاختيار، ولساغ لقائل أن يقول: ما الحاجة إلى البيعة مع تقدم النبوة، ووجوب فرض الطاعة، ولوجب أيضا أن يكون نص أبي بكر على عمر بالخلافة يغنيه عن البيعة، وقد رأيناه مع نص أبي بكر عليه حمل الناس على بيعته، ودعاهم إليها فبايعوه، ولم يمنع تقدم النص من البيعة فسقط بجميع ما ذكرناه ما توهموه.

فأما قوله: " كيف روي كل ذلك، ولم يرو عن أحد أنه قال في تلك المجامع: أين المذهب عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو الإمام الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وآله بالأمس ونص عليه؟ " فالجواب عنه أن ذلك لم يرو لأنه لم يكن، والسبب في أنه لم يقع في تلك المجامع أمثال هذا القول إن القوم الحاضرين للسقيفة قصدوا في الأمر طريق التغلب والاستبداد لأنهم تفردوا بتدبيره من غير مشاورة لبني هاشم وخاصتهم والمنضمين إليهم فيه، ولا مطالعة لواحد منهم به، ولما ظهرت كلمتهم على الأنصار بميل من مال إليهم من جملتهم بادر أحدهم فصفق

____________

(1) وكان من أمر العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرض نفسه في الموسم على القبائل عله يجد ناصرا ومعينا فلم يجد بينهم مجيبا له ولا سامعا لدعوته فلقي نفرا من الخزرج فعرض عليهم الاسلام فآمنوا به، وصدقوا دعوته وقالوا: إنا تركنا قومنا وبينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى الله أن يجمع بك شملهم، ويذهب ما بينهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا الاسلام فيها، ودعوا قومهم إليه فأجابهم إليه ذلك خلق كثير حتى إذا كان موسم الحج من العام القابل خرج منهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله ويعطوه عهدهم فتوافوا جميعا إلى العقبة إخفاء لأمرهم فبايعوه على أن يمنعوا نفسه مما يمنعون أنفسهم وأهله مما يمنعون منه أهليهم إلى آخر ما هو مذكور في كتب السيرة.

الصفحة 151
على يد أبي بكر بالبيعة، وقالوا: بايعه المسلمون، واجتمع عليه الأنصار والمهاجرون، وحمل الناس على المبايعة حملا، وأخذوا بها أخذا، ووطئ سعد بن عبادة ووجئ عنق عمار وكسر سيف الزبير، وروسل أمير المؤمنين عليه السلام ومن كان في جهته بالدعاء إلى البيعة مراسلة من يرى أن البيعة قد لزمته، وأن التأخر عنها خلع للطاعة، وخلاف على الجماعة، وضموا إلى ذلك ضربا من التوعد والتهدد وكل ما ذكرناه قد ذكره الرواة وشرحوه، فأي كلام يبقى لمتكلم؟ وأي حجة تثبت لمحتج؟

وفي بعض ما جرى عذر واضح، ومانع ظاهر، لمن أمسك عن موافقة أو إيراد حجة.

قال صاحب الكتاب حكاية عن أبي هاشم: " وكيف جاز أن يقول له العباس ورسول الله صلى الله عليه وآله عليل: سله عن هذا الأمر فإن كان لنا بينه، وإن كان لغيرنا وصى بنا مع هذا البيان المتقدم وكيف ساغ لأبي بكر أن يستخلف عمر؟ وكيف جرى الأمر في بيعة أبي بكر على ما جرى عليه؟ وكيف لم يبين أمير المؤمنين عليه السلام أمر نفسه على زعمهم للتقية مع أن غيره قد أظهر كراهية (1) ما فعله أبو بكر، حتى أن طلحة قال له في عهده إلى عمر " وليت علينا فظا غليظا " وكيف رضي أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون في الشورى مع ما تردد (2) فيه من القول حالا بعد حال؟ وكيف جاز أن لا ينكر على عمر قوله: " إن وليت من أمر الناس شيئا فلا تحمل بني هاشم على رقاب الناس "؟ وهلا قال له: أنا إمام المسلمين، وقد عرفت النص علي والإشارة إلي وليست بي حاجة إلى أن أولى؟ وكيف لم يذكر هذا النص الظاهر فيعده في مناقبه حين

____________

(1) غ " كراهة ".

(2) ع " ترون ".

الصفحة 152
صار الأمر إليه وفي وقت الحاجة مع أنه كان يعد مناقبه في المحافل والمشاهد في أيام معاوية وقبله؟ وكيف صح مع ذلك أن يعاضد (1) أبا بكر وعمر وعثمان وينتهي إلى آرائهم في إقامة الحدود وغيرها على ما نقل وكل ذلك يدل من حال الصحابة على بطلان هذه الدعوى على النص كما دلت أحوالها وأحوال الأمة على أنه عليه السلام لم يقم العباس إماما لأن الدليل على نفي هذه الأمور (الحادثة) الجارية هذا المجرى ليس حصول الرواية أن ذلك لم يكن وإنما يكون الدليل على ذلك كون أشياء كانت لا تكون لو كان هذا النص صحيحا، أو فقد أشياء كانت تكون لو كان هذا النص صحيحا فلما (2) علمنا أنه لا يجوز أن يكون عليه السلام ينص بالإمامة على رجل معين على رؤوس الأشهاد ويظهر ذلك عند الجمع العظيم فلا يدعي له ذلك مدع ولا يدعيه هو لنفسه، وتجري أحواله على ما علمناه من حال أمير المؤمنين عليه السلام مع سائر الصحابة فقد صار كل ذلك دليلا على أنه عليه السلام لم يقمه إماما، والذي حكى عن الحسن البصري من أنه صلى الله عليه وآله استخلف أبا بكر * في الصلاة فكان استخلافا له على الأمة * (3) أقوى في الشبهة مما يدعيه هؤلاء القوم لأنه تعلق باستخلافه إياه في الصلاة التي هي من أجل الشريعة، وجعل الإمامة مثلها وإن كان ليس في ذلك أجمع ما يدل على النص عندنا،... " (4).

يقال له: أما سؤال العباس رضي الله عنه عن بيان الأمر من

____________

(1) غ " يعاقد ".

(2) غ " فكما ".

(3) ما بين النجمتين ساقط من المطبوعة وأعدناه من المخطوطة كما أنه في المغني كذلك.

(4) المغني 20 ق 1 / 122.

الصفحة 153
بعده، فهو خبر واحد غير مقطوع عليه، ومذهبنا في أخبار الآحاد التي لا تكون متضمنة لما يعترض على الأدلة والأخبار المتواترة المقطوع عليها معروف، فكيف بما يعترض ما ذكرناه من أخبار الآحاد؟ فمن جعل هذا الخبر المروي عن العباس دافعا لما تذهب إليه الشيعة من النص الذي قد دللنا على صحته، وبينا استفاضة الرواية به فقد أبعد على أن الخبر إذا سلمناه وصحت الرواية به غير دافع للنص، ولا مناف له لأن سؤاله رحمه الله يحتمل أن يكون عن حصول الأمر لهم وثبوته في أيديهم، لا عن استحقاقه ووجوبه، يجري ذلك مجرى رجل نحل بعض أقاربه نحلا وأفرده بعطية بعد وفاته، ثم حضرته الوفاة فقد يجوز لصاحبه النحلة أن يقول له أترى ما نحلتنيه وأفردتني به يحصل لي من بعدك، ويصير إلى يدي أم يحال بيني وبينه ويمنع من وصوله إلي ورثتك، ولا يكون هذا السؤال دليلا على شكه في الاستحقاق، بل يكون دالا على شكه في حصول الشئ الموهوب له إلى قبضته والذي يبين صحة تأويلنا، وبطلان ما توهموه قول النبي صلى الله عليه وآله في جواب العباس على ما وردت به الرواية: (إنكم المقهورون) وفي رواية أخرى: (إنكم المظلومون).

فأما قوله: " وكيف ساغ لأبي بكر أن يستخلف عمر " فطريف، لأن الذي سوغ له ذلك هو الذي سوغ له الانتصاب في الأمر فأي حجة تلزمنا باستخلافه عمر، وإنما يكون استخلافه حجة علينا لو سلمنا كونه مصيبا في سائر أفعاله وأن الخطأ والزلل لا يدخلان في شئ منها، وهذا مما لا نسلمه اللهم إلا أن يقال: لو كان استخلافه لعمر منكرا لأنكره المسلمون ولما اجتمع عليه الأنصار والمهاجرون، وهذا إذا قيل هو غير ما اعتمده أبو هاشم لأنه لم يتعلق إلا باستخلاف أبي بكر لعمر من غير ذكر إجماع واختلاف وعلى ذلك تكلمنا، ومنه عجبنا، وإذا تعلق بالاجماع وجوب

الصفحة 154
الإنكار، فالكلام عليه ما تقدم وما سيجئ في مواضعه.

فأما ما جرى عليه في بيعة أبي بكر فليس فيه ما يقتضي بطلان النص، ولا يدفع صحته، لأنا قد بينا باقتصاص الحال وتصويرها، وما جرى فيها من المبادرة وترك المشاورة لبني هاشم ومن كان في جملتهم، ما هو بأن يدل على ثبوت النص أولى وأحرى، وليس يجري بيان أمير المؤمنين عليه السلام أمر نفسه وتصريحه بأنه الإمام المنصوص عليه مجرى قول طلحة لأبي بكر: " ما تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا " لأن طلحة بالقول المروي عنه ليس بقادح في إمامة أبي بكر ولا في دينه ولا في شئ من أحواله، وإنما أخرج قوله مخرج الاسترادة والشكوى، وشتان بين هذا القول وبين موافقته على تعديه في الإمامة عهد الرسول صلى الله عليه وآله وانتصابه المنصب الذي غيره أحق به، فكيف يجعل ما جرى من طلحة مع كونه بالصفة التي ذكرناها مسوغا للموافقة على النص وفي الموافقة عليه ما هو معلوم، على أن أبا بكر لم يرض من طلحة بقوله، مع أنه لا مطعن عليه في نفسه به، ولما سمع قوله قال: " أجلسوني أجلسوني " لأنه كان مستلقيا ثم قال: " بالله تخوفونني؟ أقول يا رب وليت عليهم خير أهلك " (1) فمن أزعجه قول طلحة وحركه حتى أظهر الغضب منه والامتعاض، وهو قول قد جرت عادة الرعية بأن يستعملوه مع رؤسائهم وأمرائهم كيف يكون حاله لو قيل له: لست بإمام والإمام غيرك، وأنت مخالف للرسول فيما صنعته وتوليته.

فأما دخول أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى فقد ذكر أصحابنا رحمهم الله فيه وجوها:

____________

(1) كلام طلحة هذا وجوابه رواه الطبري في التاريخ 3 / 433 حوادث سنة 13.


الصفحة 155
أحدها - أنه عليه السلام إنما دخلها ليتمكن من إيراد النصوص عليه والاحتجاج بفضائله وسوابقه وما يدل على أنه أحق بالأمر وأولى، وقد علمنا أنه لو لم يدخلها لم يجز منه أن يبتدئ بالاحتجاج، وليس هناك مقام احتجاج وبحث فجعل عليه السلام دخوله ذريعة إلى التنبيه على الحق، بحسب الإمكان على ما وردت به الرواية فإنها وردت بأنه عليه السلام عدد في ذلك اليوم جميع فضائله ومناقبه أو ذكر بها.

ومنها، أنه عليه السلام جوز أن يسلم القوم الأمر له، ويذعنوا لما يورده من الحجج عليهم بحقه فجعل الدخول في الشورى توصلا إلى مستحقه (1) وسببا إلى التمكين من الأمر والقيام فيه بحدود الله، وللانسان أن يتوصل إلى حقه ويتسبب إليه بكل أمر لا يكون قبيحا.

ومنها، أن السبب في دخوله عليه السلام كان التقية والاستصلاح لأنه عليه السلام لما دعي إلى (2) الدخول في الشورى أشفق من أن يمتنع فيتسبب (3) منه الامتناع إلى المظاهرة والمكاشفة، وإلى أن تأخر من الدخول في الشورى إنما كان لاعتقاده أنه صاحب الأمر دون من ضم إليه فحمله على الدخول ما حمله في الابتداء على إظهار الرضا والتسليم.

فأما المانع له من أن يقول لعمر عند قوله: " إن وليت من أمور المسلمين شيئا فلا تحمل بني هاشم على رقاب الناس " أنا إمام المسلمين، وقد عرفت النص على حسب ما ألزمناه أبو هاشم فهو المانع الأول الذي منعه من أن يقول مثل ذلك لأبي بكر طول أيامه، ولعمر في ابتداء

____________

(1) إلى حقه خ ل.

(2) في الأصل " في الدخول " وكذلك في المخطوطة وما ذكرناه أظهر.

(3) فيتشبث، خ ل.

الصفحة 156
ولايته، ثم مدة أيامه والحال عند مصير الأمر إليه وفي زمان حربه معاوية وغيره في استمرار المانع كالحال فيما تقدم، لأن جل أصحابه وجمهورهم كانوا معتقدين إمامته بالاختيار، ومن الوجه الذي اعتقدوا منه إمامة الثلاثة المتقدمين عليه، وكانوا ينكرون الخلاف لسنتهم، والعدول عن طريقتهم في أكثر الأمر، حتى أنهم كانوا يطالبون في كثير من الأحوال بأن يحملوا على سيرة الشيخين، فكيف يقابل هؤلاء وحالهم هذه بما يقتضي تظليم القوم والقدح في أحوالهم؟ وهل الملزم لذلك إلا متعنت مجازف، وليس ما ذكرناه مانعا من ذكر مناقبه وفضائله لأنه لم يكن في أصحابه أحد ينكر فضله، ولا يستبدع منقبة له.

فأما تعلقه بالمعاضدة والانتهاء إلى رأي القوم فمما نعرف معاضدة وقعت منه عليه السلام يشار إليها تقتضي ما يدعيه المخالفون، والظاهر المعلوم أنه عليه السلام لم يتول لهم ولاية قط ولا شاركهم في ولايتهم على جهة المعاونة، وأكثر ما وقع منه عليه السلام مما يجعله المخالفون شبهة دفعه عليه السلام عن المدينة (1) في بعض الأوقات، وليس في ذلك حجة ولا شبهة لأنه عليه السلام إنما ذب عن نفسه وأهله وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا يجري عنده مجرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا بد من إقامته مع التمكن ولو كان قصده عليه السلام بما فعله

____________

(1) وذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجم المرتدون المدينة وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله: (فلما مضى عليه السلام تنازع المسلمون الأمر بعده فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام...

فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة علي به أعظم من فوت ولايتكم... الخ) أنظر في تفصيل هذه القضية م 4 ص 165 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد حيث نقلها هناك عن تاريخ الطبري، وانظر تاريخ الطبري ج 3 / 245 حوادث سنة 11.

الصفحة 157
المعاضدة والمعاونة لكان الواجب أن ينفذ في بعوثهم، ويخرج في جيوشهم، ويحمي عن سائر بلدنهم على سبيل المعاضدة، فإذا لم نجده عليه السلام فعل ذلك علمنا أن الوجه في حربه عن المدينة ما ذكرناه.

فأما تنبيهه صلوات الله عليه لهم على الأحكام فيما كانوا يستفتونه فيه فلا شبهة أيضا فيه لأن المأخوذ عليه أن يفتي بالحق على كل وجه، ولكل أحد وينبه عليه مع التمكن، فلم يكن يسعه عليه السلام أن يشاهد حكما لله تعالى قد عدل به عن الحق يتمكن من تغييره والكلام فيه، فلا يذكر ما عنده في أمره.

وقوله: " وينتهي إلى آرائهم في إقامة الحدود وغيرها " عجيب لأنا ما نعرف نحن ولا أحد أنه عليه السلام رجع إلى رأيهم في شئ من الأحكام، بل المعلوم الظاهر أنهم كانوا يرجعون إليه ويستفتونه في المعضلات ويقول عمر: " لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو حسن " (1).

____________

(1) كان عمر (رض) كلما رجع إلى علي عليه السلام في حل مشكلة معضلة، أو جواب مسألة غامضة يقول ذلك، وإليك بعض ما روي في ذلك (لولا علي لهلك عمر)، فتح الباري 15 / 131 وقال: رواه جمع من أئمة الحديث، وفيض القدير 4 / 356 ومسند أحمد 1 / 140 و 154، كنز العمال 3 / 95 وقال: أخرجه عبد الرزاق الخ وقوله: (أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن، مستدرك الحاكم 1 / 457) وفي فيض القدير 3 / 46: وصح عنه من طرق أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم، ومثله في طبقات ابن سعد ج 2 ق 2 / 102) وقوله: (اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو حسن إلى جنبي، رواه في كنز العمال 3 / 53 وقال: أخرجه ابن عساكر، وقال المحب في الرياض: أخرجه ابن البختري) وقوله: (لا أبقاني الله لشدة لست لها، كنز العمال 3 / 159) وقوله: (يا ابن أبي طالب ما زلت كاشف كل شبهة، وموضع كل حكم، كنز العمال 3 / 179) إلى غير ذلك مما يطول به المسير، ولا يتسع له المجال، ولكل قول من هذه الأقوال سبب يطلب من المصادر المذكورة وغيرها. وقد تقدم بعض ذلك في هوامش هذا الكتاب.

الصفحة 158
فأما إقامة الحدود، فلم يقم عليه السلام حدا على أحد بإذنهم ومن قبلهم، وإنما أقام الحد على الوليد بن عقبة عند امتناع عثمان من إقامته عليه، وقال عليه السلام لا يضيع لله حد وأنا حاصر فكيف يجعل إقامته للحد دليلا على المساعدة والموازرة.

فأما ما دل على نفي النص فليس هو ما ظنه من اعتبار أحوال الصحابة وأفعالها لكنه ما قدمناه وشرحناه، وقد بينا أن جميع ما توهم أن في ثبوته أو انتفائه انتفاء النص باطل وأن جميع ما اعتقد منافاته للنص من الأفعال والأقوال غير مناف له وقوله: " إنه لا يجوز أن ينص بالإمامة على رجل معين على رؤوس الإشهاد فلا يدعي له ذلك مدع، ولا يدعيه هو لنفسه ولا يشبهه حال النص " لأن النص على أمير المؤمنين عليه السلام قد ادعته له جماعة كثيرة وادعى هو عليه السلام لنفسه ولو لم يدع ذلك على وجه لما علمناه، ولا كان لنا سبيل إلى معرفته، اللهم إلا أن يريد نفي الادعاء على سبيل الإظهار والاعلان، وإذا أراد ذلك فقد بينا من الأسباب المانعة منه ما فيه كفاية فأما ما استقواه من شبهة البكرية في استخراجهم من تقديم أبي بكر للصلاة النص عليه فمعلوم وجهه والباعث على ادعائه، وبإزاء ذلك أن ما تدعيه البكرية من النص بخبر الصلاة عندنا من أضعف الشبه وأركها، حتى أنه ليغلب على ظن أكثرها استحالة اعتقاد النص بهذه الطريقة على أحد من المحصلين، وينسب إظهارها ممن تعلق بها إلى الغفلة وقلة التحصيل، أو اعتماد المدافعة والمقابلة من غير أن يكون الاعتقاد مطابقا للقول.

وقد بين أصحابنا رحمهم الله في غير موضع الكلام على خبر الصلاة المنسوبة إلى أبي بكر ودلوا على أنه لا نسبة بين الصلاة والإمامة، وجملة ما أوردوه أن خبر الصلاة أولا خبر واحد، ثم إن الأمر بها والإذن فيها وارد