الصفحة 88
الفاطمية تُعنى عناية خاصة باقتناء الكتب، وإنشاء المكتبات العظيمة، وكان بالقصر الفاطمي مكتبة جامعة يفيض المؤرّخون في وصف عظمتها ونفاسة محتوياتها، وكان بها ما يزيد عن مئتي ألف مجلّد في سائر العلوم والآداب والفنون، من الفقه والحديث واللغة والتاريخ والآداب والطبّ والكيمياء والفلك وغيرها، وكانت من عجائب الدنيا، حتّى قيل: ليس في جميع بلاد الإسلام بأعظم منها.

وكان في دار الحكمة مكتبة أُخرى تعد خلفاً لمكتبة الإسكندرية الشهيرة، وكان في الجامع الأزهر مكتبة خاصّة به، فكلّ هذه المكتبات والآثار أبادها وشتّتها صلاح الدين.

قال الخفاجي: غالى الأيّوبيّون في القضاء على كلّ أثر للشيعة(1) .

صلاح الدين الذي أصبح فيما بعد بطلا قومياً ـ لا إسلامياً ـ وكلٌّ يدّعيه العرب والأكراد، ليس لأنّه انتصر بأسياف المسلمين في حطّين على الصليبيّين، بل لأنّه انتصر على الشيعة المصريّين.

قال ابن الجوزي: وقد صنّفت في هذا كتاباً سمّيته " النصر على مصر " وعرضته على الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين(2) .

____________

(1) راجع:الخطط المقريزية ج 1 ص 358 ـ 359 و ص 409 ومواضع أخر، عيون الروضتين ـ لأبي شامة ـ ج 1 ص 311 وما بعدها، المنتظم ج 10، تاريخ ابن الأثير ج 10، تاريخ ابن كثير ج 12 أحداث سنة 566 و 567، الأزهر في ألف عام ـ للخفاجي ـ ج 1 ص 58، وغيرها من المصادر.

(2) المنتظم ج 10 ص 505.


الصفحة 89

صلاح الدين يفرط في نصر المسلمين في حطين:

وغفلوا ـ بل استغفلوا ـ عن عدم استثمار هذا النصر لما فيه خير الإسلام والمسلمين، بل تنازل عن هذا النصر إلى الصليبيّين بصلحه المشؤوم.

وقد ضيّع الفرصة للقضاء على بقية فلول الصليبيّين، وذلك عندما أراد الخليفة أن يمدّه بجيشه ليسهل القضاء على الصليبيّين، كما يظهر من رسالة الخليفة له والتي يعنّفه فيها بشدّة لتهاونه ورفضه هذا الأمر، وكذلك رسالته إلى الخليفة المثبّطة للعزائم والهمم.

ولا معنى لرفضه هذا سوى خشيته من سيطرة الخليفة عليه وتبعيّته له، كما فعل مع نور الدين زنكي عام 567 هـ، عندما طلب منه أن يزحف بجيشه من مصر، في حين يزحف نور الدين من الشام ويطبقا على الصليبيّين، فقيل له: إن دخل نور الدين بلاد الفرنج، وهم في هذه الحال، أنت من جانب ونور الدين من جانب، ملكها، ومتى زال الفرنج عن الطريق، وأخذ ملكهم، لم يبق بديار مصر مقام مع نور الدين، وإن جاء نور الدين إليك وأنت ها هنا، فلا بدّ من الاجتماع به، وحينئذ يكون هو المتحكّم فيك بما شاء إن تركك أوْ لا، فقد لا تقدر على الامتناع عليه، والمصلحة الرجوع إلى مصر، فرحل عن الشوبك عائداً إلى مصر، ولم يأخذه من الفرنج، وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال البلاد المصرية، فلم يقبل نور الدين منه، وتغيّر عليه، وعزم على قصد مصر، وإخراجه عنها، فاحتمى منه بالصليبيّين(1) .

وكانت نتيجة صلحه مع الصليبيّين أنّه تنازل لهم من يافا إلى عكّا إلى

____________

(1) تاريخ ابن الأثير ج 10 ص 35، الفتح القسي في الفتح القدسي ـ للعماد الأصفهاني ـ ص 183 وما بعدها، عيون الروضتين ـ لأبي شامة ـ ج 2 ص 213.


الصفحة 90
صور وطرابس وإنطاكية وحيفا والرملة واللدّ(1) .

وهذا يعني أنّه لم يبق من فلسطين سوى القدس، فأيّ نصر هذا؟!.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل عدّ البلاد الإسلامية التي يحكمها ملكاً شخصياً له، فقسّمها بين أولاده وإخوته وأهل بيته(2) ، فكانت النتيجة أن احتدم التنافس بينهم على الملك واستعان بعضهم بالصليبيّين على بعضهم الآخر، وبدأ التنازل عن المدن واحدة تلو الأُخرى إلى أن سلّموا بيت المقدس إلى الصليبيّين وذلك في سنة 626 هـ(3) .

علاقة صلاح الدين باليهود:

ولكن يبقى الخطب الأعظم فداحةً، والموبقة الأكثر شناعة، سماحه لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة بها استجابة لطلب موسى بن ميمون اليهودي طبيب صلاح الدين والمقرّب منه الذي اشتهر بين اليهود قولهم فيه: (لا موسى بعد موسى غير موسى) ، وموسى الأوّل هو نبىّ الله موسى ابن عمران (عليه السلام) ، والثاني هو موسى بن ميمون والذي يقول عنه اليهود بأنّه أشهر شخصية يهودية في الحقبة المابعد التلمودية، وواحد من أعظم الشخصيات اليهودية على الإطلاق.

قال ابن أبي أُصيبعة: الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي، يهودي، عالم بين اليهود، ويعدّ من أحبارهم وفضلائهم، وكان رئيساً

____________

(1) الخطط المقريزيـة ج 2 ص 235، الأعـلاق الخـطيرة فـي أُمراء الشـام والجزيـرة ـ لابن شدّاد ـ ص 173 ـ 178، و ص 256.

(2) تاريخ ابن كثير ج 13 ص 6، تاريخ أبي الفداء ج 3 ص 87.

(3) تاريخ ابن الأثير ج 10 ص 481، تاريخ ابن كثير ج 13 ص 104، عيون الروضتين ج 2 ص 324 ـ 327، تاريخ أبي الفداء ج 3 ص 141.


الصفحة 91
عليهم في الديار المصرية... وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبّه، وكذلك ولده الملك الأفضل علي، وقيل إنّ الرئيس موسى قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه، ثمّ إنّه لمّا توجه إلى الديار المصرية ارتدّ(1) .

ويقول عنه ديورانت: ولد أعظم عظماء اليهود في العصور الوسطى بمدينة قرطبة لأب من أكابر العلماء الممتازين هو الطبيب والقاضي ميمون ابن يوسف، وسمّى الغلام موسى، وكان من الأقوال المأثورة بين اليهود قولهم: (لم يظهر رجل كموسى من أيّام موسى إلاّ موسى) ، ثمّ قال: وبرّر ابن ميمون تظاهره بالإسلام بين اليهود المهدّدين بالخطر في مراكش بقوله: إنّهم لم يكن يطلب إليهم أن يؤدّوا شعائر هذا الدين أداءً عملياً، بل كلّ ما كان يطلب إليهم أن يتلوا صيغة لا يؤمنون بها، وإنّ المسلمين أنفسهم يعرفون أنّهم غير مخلصين في النطق بها، وإنّما يفعلون ذلك يخادعون جماعة من المتعصّبين، لكنّ كبير أحبار اليهود في فاس لم يوافقه على هذا القول، وكان جزاؤه أن قتل في (562 هـ = 1165 م) ، وخشي ابن ميمون أن يلقى هذا المصير نفسه فسافر إلى فلسطين، ثمّ انتقل منها إلى الإسكندرية (562 هـ = 1165 م) ومصر القديمة حيث عاش حتّى وافته منيّته، وسرعان ما عرف المصريّون أنّه من أعظم أطبّاء زمانه، فاختير طبيباً خاصّاً لنور الدين علي أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين، واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولمّا فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح

____________

(1) طبقات الأطباء ص 586.


الصفحة 92
لليهود بالإقامة فيها من جديد، وفي عام (573 هـ = 1177 م) عيّن ابن ميمون نجيداً أو زعيماً لليهود في القاهرة، ثمّ أفهمه أحد الفقهاء المسلمين (583 هـ = 1187 م) بأنّه مرتدّ عن الإسلام وطالب بأن توقع عليه عقوبة القتل التي هي جزاء المرتدّين، ولكنّ الوزير أنقذ ابن ميمون إذ قال: إنّ الرجل الذي أُرغم على اعتناق الإسلام لا يمكن أن يعدّ مسلماً بحقّ، وفي سِنيّ العمل المتواصل التي أقامها في القاهرة ألّف معظم كتبه(1) ، ومنها كتابه " دليل الحائرين " الذي وصف بأنّه يهدم أركان جميع الأديان بالوسائل نفسها التي يخيّل إلى الناس أنّه يدعمها بها.

غير إنّ صلاح الدين لم يفعل شيئاً حيال ذلك، ولكنّه يقتل الفيلسوف شهاب الدين السهروردي متّهماً إيّاه بالخروج عن الدين وغضّ الطرف عن ابن ميمون الذي نشر في الشهر ذاته (مقالة في بعث الموتى) وعبّر فيها عن شكّه في عقيدة الخلود الجسماني.

واستخدم نفوذه في بلاط صلاح الدين من أجل تخفيف الضرائب عن يهود اليمن بعد سيطرة صلاح الدين على اليمن والقضاء على حكّامها الشيعة أعداء اليهود، كما استحصل على موافقة صلاح الدين في بناء كنس ومدارس في فلسطين.

مات موسى بن ميمون سنة (601 هـ = 1204 م) ، ونقل رفاته إلى فلسطين ولا يزال قبره قائماً في طبرية(2) .

وفي سنة 705 هـ قام المماليك بقتل وإبادة الشيعة في منطقة كسروان

____________

(1) قصة الحضارة ج 14 ص 120 ـ 121.

(2) قصة الحضارة ج 14 ص 121 وما بعدها، معجم الفلاسفة ص 31 ـ 32، الأعلام ج 7 ص 330.


الصفحة 93
والمناطق المجاورة بفتوى من ابن تيميّة(1) .

وفي سنة 786 استشهد الفقيه الكبير محمّد بن مكّي العاملي، المعروف بالشهيد الأوّل صاحب " اللمعة الدمشقية " و" الذكرى " وغيرهما من المصنّفات الممتعة والنافعة بفتوى من علماء السوء بسبب التعصّب المذهبي والطائفي.

العثمانيّون والشيعة:

ثمّ وصلت النوبة إلى العثمانيّين الذين تبنّوا المذهب الحنفي وعملوا على نشره بكلّ ما أُوتوا من قوّة، وذلك لأنّه المذهب الوحيد الذي يجيز الخلافة لغير القرشي، ووافقهم في ذلك الخوارج، ففي عام 920 هـ = 1514 م شرع السلطان سليم بتنفيذ سياسة الاضطهاد الديني العام ضدّ الشيعة المقيمين في بلاده، ودعا الناس إلى الجهاد ضدّ الشيعة، فقتل في الأناضول وحدها أربعين ألفاً، وقيل سبعين ألفاً(2) .

وأفتى الشيخ نوح الحنفي صاحب " الفتاوى الحامدية " بوجوب قتل الشيعة واسترقاقهم، قال في جواب من سأله عن السبب في وجوب مقاتلة الشيعة وجواز قتلهم: إعلم أسعدك الله أنّ هؤلاء الكفرة، والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد، ومن توقّف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر

____________

(1) تاريخ ابن كثير ج 14، تاريخ ابن الوردي ج 2، صبح الأعشى ج 13 ص 13 أحداث سنة 705.

(2) تاريخ الشعوب الإسلامية ـ لبروكلمان ـ ص 446، قصة الحضارة ج 26 ص 93، أعيان الشيعة ج 1 ص 30 وغيرها من المصادر.


الصفحة 94
مثلهم... إلى أن قال: فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفّار تابوا أو لم يتوبوا، ثم حكم باسترقاق نسائهم وذراريهم(1) .

فأباد بهذه الفتوى من مؤمني حلب أربعين ألفاً أو يزيدون، وانتهبت أموالهم، وأُخرج الباقون منهم من ديارهم إلى نبّل والنغاولة وأُمّ العمد والدلبوز والفوعة وقراها.

وهاجم الأمير ملحم ابن الأمير حيدر بسبب هذه الفتوى جبل عامل سنة 1147 هـ فانتهك الحرمات واستباح المحرّمات يوم وقعة أنصار، وقتل وسلب وخرّب ونهب وأسر ألفاً وأربع مئة من المؤمنين، فلم يرجعوا حتّى هلك في الكنيف ببيروت(2) .

واستشهد الفقيه الكبير زين الدين العاملي، المعروف بالشهيد الثاني 965 هـ بسبب هذا التعصّب الطائفي البغيض، فاستدعي إلى الإستانة وقتل قبل أن يبلغها.

وفي الفتح العثماني الأوّل لبغداد وكذا الفتح الثاني تعرّض الشيعة إلى صنوف القتل والسلب والاضطهاد التي يعجز عنها الوصف(3) .

وفي عام 1240 هـ فتك داود باشا بأهل الحلّة وضربها بالمدافع وقتل أهلها وفرّ كثير منهم.

وفي عام 1258 هـ حاصر نجيب باشا مدينة كربلاء وقصفها بالمدافع واستباحها، وبلغ عدد القتلى ما يزيد على عشرين ألفاً بين رجل وامرأة

____________

(1) تنقيح الفتاوى الحامدية ج 1 ص 103 ـ 104.

(2) الفصول المهمة ص 206، جبل عامل في التاريخ ص 193.

(3) راجع كتاب علي الوردي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق.


الصفحة 95
وصبي(1) .

ولم يختلف الحال كثيراً في بقية المدن كالديوانية والبصرة وغيرها، ممّا جرى من الوقائع والفجائع على أيدي الولاة.

محاولة الآلوسي إقناع الوالي بقتل الشيعة:

وفي سنة 1261 هـ حاول أبو الثناء الآلوسي مفتي بغداد وصاحب تفسير " روح المعاني " إقناع الوالي نجيب باشا بقتل الشيعة واستئصالهم، وكان الآلوسي شديد التعصّب على الشيعة، وله رسالة يحلّل فيها دماء الشيعة وأموالهم.

ولكنّ الوالي كان أعقل منه فقد طلب من الآلوسي أن تجرى مناظرة بين علماء السُنّة وعلماء الشيعة، وإذا دُحضت حججهم قتلهم، وجرت المناظرة في دار الإمارة (السراي) وبحضور الوالي، وقد امتُلِئت بالناس من كلّ ملّة، وكان عدد علماء السُنّة يزيد على المائة وعشرين يتقدّمهم أبو الثناء الآلوسي، وعلماء الشيعة يتقدّمهم الشيخ حسن بن جعفر الكبير صاحب " كشف الغطاء ".

وجرت المناظرة وبان فيها علوّ كعب الشيخ حسن وقطع حجج الآلوسي وكسره أيّما انكسار ثمّ التفت إلى الوزير، وقال: أفندم تنصِّبون للفتوى من لا يدري بمذهبه فيستبيح نفوس الناس وأموالهم، إن هذا لظلم عظيم، ثمّ أشار الوزير إلى علماء السُنّة فنهضوا جميعاً دفعة واحدة لا يبصر أحدهم موضع قدمه ممّا عراهم من الخجل والدهشة، وتسابقوا إلى الباب كلّ يريد الخروج قبل صاحبه تزاحم الإبل يوم خمسها لورود الماء، وتفرّق

____________

(1) العبقات العنبرية ص 306 ـ 310.


الصفحة 96
الناس وجلسوا في الأزقّة والأسواق على طريق الشيخ ليروه، وعمّ الشيعة الفرح والسرور لما حصل على يد الشيخ حسن من الظفر والنصر، فلولا لطف الله وعنايته وعلمية الشيخ وبراعته لحلّت الكارثة بالشيعة.

وأمّا ما كان من الآلوسي فقد نكبه الوزير وأعرض عنه، وعزله بعد ذلك بفترة عن الإفتاء وبقي معزولا حتّى مات، واتّفق أن عُزل المفتي في السنة التي قتل الوزير المذكور فيها (صفوق) وهو شيخ شمر وآل ضفير، وقد هنّأه عبد الباقي العمري بقصيدة منها:


قد أرحت الدنيا بقتل (صفوق) وبعزل المفتي أرحت الدينا

فعاتبه المفتي المذكور على ذلك، فقال: وأيّ إساءة صدرت منّي؟ فقرأ البيت فأجابه إنّ (أرحت) الثانية بالزاء المنقوطة لا بالراء المهملة، والقارئ غلط، فما أصنع؟! فأعجب الحاضرين ذلك(1) .


ولو أنّني ابتليتُ بهاشميٍّأخواله بنو عبد المدانِ
لهان عليَّ ما ألقىولكن انظروا بمن ابتلاني

ومن الغريب أنّ الآلوسي علوي النسب في ما يزعمون، ولله درّ القائل:


إذا العلوي تابع ناصبياًلمذهبه فما هو من أبيهِ
وكان الكلب خيراً منه طبعاًلأنّ الكلب طبعُ أبيه فيهِ

وفي سنة 1135 هـ قام الأفغان بالهجوم على أصفهان وقضوا على الدولة الصفوية واستباحوا أصفهان وشردّوا أهلها وعلماءها فالتجأوا إلى العراق حيث وجدوا لهم صدراً رحباً.

____________

(1) راجع تفاصيل المناظرة في العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ص 316 ـ 341 فإنّها تثلج الصدور.


الصفحة 97
وفي عهد الجزّار والي عكّا الذي قام بقتل أهل جبل عامل، وحبسهم ونهب أموالهم وحرق مكتباتهم، حتّى بقيت أفران عكّا توقد أُسبوعاً كاملا من كتب العامليّين ولم يسلم منه إلاّ من استطاع الفرار، وفي عهده هاجر علماء جبل عامل مشرّدين في مختلف الأقطار(1) .

الدين النجدي الجديد والشيعة:

ثمّ جاءت رياح الشرّ هذه المرّة من نجد حيث الزلازل والفتن، حيث يطلع قرن الشيطان، وقد صدق الصادع الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أخبر بظهور الفتن من نجد كما رواه البخاري والترمذي وأحمد وابن حبّان والبغوي وغيرهم، بإسنادهم عن ابن عمر، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: اللّهم بارك لنا في شامنا، اللّهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟، قال: اللّهم بارك لنا في شامنا، اللّهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: اللّهم بارك لنا في شامنا، اللّهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: هنالك الزلازل والفتن، وبها أو قال: منها ـ يطلع قرن الشيطان(2) .

جاءت الوهّابية بمذهب جديد صنعه الإنجليز كما تشهد بذلك مذكّرات الجاسوس الإنجليزي المستر همفر، وقد سخّروا أقواماً لا خلاق لهم، اتّسموا بخشونة الطباع وفظاظة الأخلاق، وقساوة القلوب، وهمجية

____________

(1) أعيان الشيعة ج 8 ص 235، وج 10 ص 205 ومواضع أخر.

(2) انظر: صحيح البخاري ج 2 ص 85 ح 76، كتاب الاستسقاء، و ج 9 ص 97 ح 42 كتاب الفتن، سنن الترمذي ج 5 ص 689 ح 3953، مسند أحمد ج 2 ص 118، صحيح ابن حبّان ج 9 ص 205 ح 7257، شرح السنّة ج 8 ص 155 ح 4006، وقال هذا حديث صحيح.


الصفحة 98
الأفعال، جاءوا بدين هو أشدّ قساوة من حجر الصوان، وأكثر جفافاً من صحراء الربع الخالي، كفّروا المسلمين، وعدّوهم مشركين، لم يحترموا نبيّاً، ولم يوقّروا وليّاً، حتّى قال إمامهم: (عصاي هذه خير من محمّد، فإنّها تنفع وهو لا ينفع) ، وقاموا بإجبار العباد على اتّباع دينهم الجديد بحدّ السيف.

فما بين عام 1200 ـ 1208 هـ قاموا بغزو الإحساء عدّة غزوات ولم يدعوا جريمة إلاّ واقترفوها ولا حرمة إلاّ وانتهكوها، فقتلوا الآلاف شيوخاً وأطفالا، رجالا ونساءً، ونهبوا الأموال، وخرّبوا البلاد، وهتكوا الأعراض، وسبوا النساء، وشرّدوا العباد، حتّى هاجر كثير منهم إلى العراق واستوطنوا فيه.

وفي عام 1210 هـ قاموا بغزو القطيف وقتلوا حتّى الأطفال في المهد.

وفي عام 1216 هـ جهّز سعود بن عبد العزيز جيشاً عظيماً من أعراب نجد وغزا به العراق وحاصر كربلاء ودخلها يوم عيد الفطر عنوةً، وأعمل في أهلها السيف، ولم ينج منهم إلاّ من فرّ هارباً، أو اختفى في مخبأ، ثمّ هدم قبر الحسين السبط (عليه السلام) ، واقتلع شبّاك الضريح، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر والنفائس، وربط خيله في الصحن الشريف، وطبخ القهوة ودقّها في الحضرة الشريفة.

وفي سنة 1217 هـ دخلوا الطائف عنوةً وقتلوا الناس قتلا عاماً حتّى الأطفال، وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أُمّه، وقتلوا من في المساجد وهم في الصلاة، وهدموا قبّة ابن عبّاس في الطائف الغربية.

وفي سنة 1218 هـ دخلوا مكّة وهدموا قبّة مولد النبيّ، وقبة السيّدة خديجة، وقبة زمزم والقباب التي حول الكعبة وغيرها من آثار الصالحين.

وفي سنة 1221 هـ استولى الوهّابيّون على المدينة المنوّرة وهدموا

الصفحة 99
القباب فيها وفي ينبع ومنها قبّة أئمّة البقيع بالمدينة، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكّة، وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبويّة وجواهرها، حتّى إنّهم ملأوا أربع سحاحير(1) من الجواهر المحلاّة بالماس والياقوت العظيمة القدر، ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرّد، وبدل الشمعة قطعة ماس تضيء في الظلام، ونحو مئة سيف لا تقوّم قراباتها ملبّسة بالذهب الخالص ومنزّل عليها ماس وياقوت ونصابها من الزمرّد واليشم(2) ونحو ذلك، ونصلها من الحديد الموصوف وعليها أسماء الملوك والخلفاء السالفين.

وفي سنة 1222 هـ حاصر سعود النجف بجيش قوامه نحو من عشرين ألف مقاتل ولكنّ الله ردّ كيده ورجع خائباً، وفي هذه السنة أيضاً منعوا الحاج من مصر والشام والعراق.

وفي سنة 1225 هـ هجموا على سورية وهدموا المنازل في حوران، وقتلوا الأنفس البريئة حتّى الأطفال، وسبوا النساء، ونهبوا الأموال، وأحرقوا الغلال، وعاثوا في الأرض فساداً، حتّى قيل إنّه أُتلف في تلك البلاد ما قيمته ثلاثة ألاف ألف درهم.

واستمرّوا على هذه الحال إلى أن أباد الله خضراءهم، وزال عن المعد سرجهم، وذلك في عام 1234 هـ على يد إبراهيم بن محمّد علي والي مصـر(3) .

____________

(1) السحارة: لفظة شائعة في بلاد الشام وهي صندوق صغير من الخشب.

(2) اليشم: ويقال أيضاً: اليشب: حجر معدني أجوده الزيتي فالأبيض فالأصفر وله خواص (تاج العروس ج 17 ص 776) .

(3) راجع: تاريخ الجبرتي ج 2 و ج 3 أحداث سنة 1217 وما بعدها، كشف الارتياب ص 20 وما بعدها، تاريخ الشعوب الإسلامية ـ لبروكلمان ـ ص 549 وما بعدها، تاريخ آل سعود ـ لناصر السعيد ـ.


الصفحة 100
إلاّ أنّه لم يستأصل شأفتهم تماماً، ولم يقطع دابرهم نهائياً، بل بقي تحت رماد موقد مرجلهم بعض الروث والبعر المتّقد والذي لم يخفت، فعاد أبو ناجي(1) من جديد وأوقد المرجل ورممّ بنيانه، ودعم أركانه، كما تشهد بذلك مذكرات وأقوال وأفعال جون فيلبي، والمستر كوكس، والمس بل، فانبعثوا من جديد، بعد أن دبّ قملهم، فأعادوا الكرّة، كما فعلوا أوّل مرّة، على يد عبد العزيز آل سعود، فقتلوا وشرّدوا الآلاف، خصوصاً في الإحساء والقطيف على يد السفّاح عبد الله بن جلوي إلى أن قتله الله بأقذر مخلوقاته (الجعل) حيث لدغه في عورته، وقام من بعده سخله السفّاح سعود الذي سار على خطى أبيه، ومن أشبه أباه فما ظلم.

ومن أفعالهم الشنيعة أيضاً هدم قبور أئمّة البقيع (عليهم السلام) في عام 1344 هـ.

ولكن يبقى الفعل الأكثر شناعة، والأفدح خطباً هو موافقة عبد العزيز على إعطاء فلسطين لليهود، بعد أن سوّد الطرس بخطّه القبيح وختمه بفصّ خاتمه ما نصّه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، أقرّ وأعترف ألف مرّة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من إعطاء فلسطين لليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا أخرج

____________

(1) أبو ناجي: مصطلح شائع في العراق يطلقه العراقيّون على الإنجليز، وأصله هو عندما لم يكتب النجاح للثورة الشيعية الكبرى، المعروفة بثورة العشرين في القضاء على الإنجليز بعد أن كبّدوهم عشرات الآلاف من القتلى وخصوصاً في معركة الرارنجية قرب الحلّة، ونجاحهم في إخمادها أطلق أهل تكريت وسامراء هذا المصطلح على الإنجليز، لأنّهم أنجوهم من سيطرة الشيعة على زمام الأُمور.


الصفحة 101
عن رأيها حتّى تصيح الساعة.

ولو تمعّنت في سيرة هؤلاء القوم سوف لا تجدنّ لهم همّاً بعد ملأ الأجوفين وتكثير نسلهم وفق متوالية هندسية لا عددية، وإن شئت فقل كتكاثر الأرانب، وترويج مذهبهم في المناطق المضطربة والفقيرة التي يسيل لعاب أهلها للدولار النفطي، إلاّ محاربة الشيعة في كلّ مكان وزمان، وهذا دأبهم حتّى اليوم، وما يوم مزار شريف ببعيد، عندما قتلوا كثيراً من أهلها، كما قتلوا العلاّمة الشيخ المزاري زعيم حزب الوحدة الإسلامية الأفغاني، وغدروا به بعد أن أمّنوه.

وقبل ساعات من تدوين هذه الأسطر ورغم كلّ ما تمرّ به الأُمّة من ظروف حرجة هذه الأيّام قام دعاة التعصّب الطائفي البغيض من أتباع الوهّابية والسلفية بالهجوم على المصلّين في المسجد في مدينة كويتا الباكستانية وهم يؤدّون صلاة الجمعة وقتلوا 50 مؤمناً وجرحوا أكثر من ذلك، ولم تردعهم حرمة المسجد والصلاة، ولا حراجة ظرف الأُمّة، فتراهم يلهثون على كلّ حال، إن حملت عليهم وإن تركتهم، قاتلهم الله أنّى

الصفحة 102
يؤفكون.

هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد همّهم الثاني والذي لا يقلّ أهمّية عن الأوّل هو العمل على تشويه صورة الشيعة بكلّ ما أُوتوا من قوّة وتأثير مسخّرين لذلك كلّ ما يملكون من وسائل الدعاية والتضليل المكتوبة والمسموعة والمرئية، وفي كلّ وقت وزمان، بمناسبة أو بدونها، وكأنّ حبل الكذب لم ينقطع بعد، وقد قطع الله دابر مسيلمة الكذّاب، وكأنّ الجهل لم يمت بعد، وقد مات أبو جهل، وكأنّ غياهب الليالي لم تنجلِ بعد، وقد بان الصبح لذي عينين، ومن خلال تتّبعي لما يكتبون ويقولون رأيتهم يركّزون على هذه المفتريات الخمس:

1 ـ إتّهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن(1) .

2 ـ إتّهامهم بتكفير الصحابة وتكذيبهم وعدم الرواية عنهم(2) .

3 ـ إتّهامهم بالنفاق والعمل بالتقيّة(3) .

4 ـ إنّ مبتدع مذهب الشيعة ورأسه هو ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي(4) .

____________

(1) سيأتي الجواب عن ذلك.

(2) سيأتي الجواب عن ذلك.

(3) تقدّم بيانه.

(4) لا يخفى على الباحث المحقّق إذا نظر إلى هذا الموضوع من وجهة نظر علمية، وتجرّد من رواسب التقليد الأعمى، فإنّه يجد أنّ عبد الله بن سبأ لم يكن سوى عمّار ابن ياسر (رض) ، هذا إن كان لهُ وجود أصلا وذلك لتشابه الأفعال والأحداث التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ مع ما قام به عمّار بن ياسر في تلك الفترة، وكانت قريش تنبز عمّاراً بابن السوداء، وأنّ أصله من اليمن، وهو الذي أجّج الناس ضد عثمان، ولكن من يجرؤ على القول في عمّار، وهو المبشّر بالجنّة في أكثر من موضع، وكان يسمّى حبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال فيه: إنّه مع الحقّ والحقّ معه، وإنّ الفئة الباغية تقتله، وغير ذلك مما روي من طرق صحاح وحسان، فلأجل هذا وغيره وضعوا هذه الشخصية الوهمية لتغطية تلك الأحداث.

وممّن ذهب من الباحثين إلى أنّ ابن سبأ شخصية وهمية لا وجود لها طه حسين في الفتنة الكبرى، وكامل الشيبي، وعلي الوردي كما في وعاظ السلاطين ص 279، والسيّد العسكري، ومن المستشرقين فلهوزن، وبرنادلويس، وفريد لندر، وكايتاني كما في نظرية الإمامة ـ لأحمد محمود صبحي ص 37.

ومن الغريب حقّاً أن تصنّف وتطبع وتنشر العشرات من الكتب والرسائل الجامعية في إثبات هذه الشخصية، وما هو إلاّ حديث خرافة، وخرافة حقّ كما رواه أحمد والترمذي وغيرهما.


الصفحة 103
5 ـ إنّ التشيّع مذهب فارسي، وأسّسه الفرس استناداً إلى نظرية الحقّ الإلهي التي يقول بها الفرس، والمقاربة لنظرية الإمامة التي تؤمن بها الشيعة، ونبزهم بالشعوبية والزندقة(1) .

____________

(1) لسنا من دعاة العنصرية، وميزان العروبة عندنا هو معرفة الحقّ وموالاة أهل البيت (عليهم السلام) ، فإنّ العربية ليست بأب والد ولكنّها لسان ناطق كما قال إمامنا الباقر (عليه السلام) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : شيعتنا العرب وعدوّنا العجم، وقال (عليه السلام) : من ولد في الإسلام فهو عربي ; وغير ذلك من روائع نصوصهم، ولا يخفى أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا بصدد معالجة حالة مستشرية في المجتمع الإسلامي، وإلاّ فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى الأحمر والأسود، وإلى الناس كافّة، ولكن عندما يتعلّق الأمر بنفي أصل التشيّع من حضيرة الإسلام وربط جذوره وأُصوله العقائدية بالفكر والتراث الفارسي فلا بدّ للباحث أن يكشف عن الحقّ والحقيقة.

فنقول: إنّ ما يشاع ويروّج له من القول بفارسية التشيّع وعروبة التسنّن غير تامّ، والعكس صحيح، فقد شمل التسنّن بلاد فارس منذ القرن الأوّل وحتّى العاشر، ولم يلمّوا بالتشيّع إلاّ بعد قيام الدولة الصفوية، وهذه حقيقة غير قابلة للتزييف مطلقاً لما سنتلوه عليك:

أمّا إجمالا: فنستشهد بما ذكره ابن خلدون في مقدّمته ص 466، قال: من الغريب الواقع أنّ حملة العلم في الملّة الإسلامية أكثرهم من العجم، وليس في

=>


الصفحة 104

____________

<=

العرب حملة علم، لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية، إلاّ القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبه، فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته... إلى أن قال: وكان حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللّغة والمربى لاتّساع الفن بالعراق، وكان علماء أصول الفقه كلّهم عجماً كما يعرف، وكذا حملة علم الكلام، وكذا أكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلاّ الأعاجم...

وأمّا العلوم العقلية أيضاً فلم تظهر في الملّة إلاّ بعد أن تميّز حملة العلم ومؤلّفوه، واستقرّ العلم كلّه صناعة فاختصّت بالعجم وتركها العرب.

قلت: لا يخفى أنّ كلام ابن خلدون صحيح بالجملة في ما يتعلّق بحملة العلم من أهل السُنّة والجماعة ولا يشمل علماء الشيعة، كما سيأتي.

أمّا ما يتعلّق بكلامه بخصوص التدوين، فالشيعة سبقت السُنّة بالتدوين كما لا يخفى، وأنّ أوّل من دوّن الحديث عدد من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وأمّا تفصيلا:

فقد روى الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 198، وابن عساكر في تاريخ دمشق ج 40 ص 393 و ج 56 ص 305، وابن الصلاح في المقدّمة ص 244، والمزّي في تهذيب الكمال ج 13 ص 51 ـ 52، والذهبي فى سير أعلام النبلاء ج 5 ص 85، والدميري في حياة الحيوان ج 2 ص 89، بالإسناد عن الزهري ـ واللفظ للأوّل ـ قال: قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال لي: من أين قدمت يا زهري؟

قلت: من مكّة.

قال: فمن خلّفت يسود أهلها؟

قال: قلت: عطاء بن أبي رباح.

قال: فمن العرب أم من الموالي؟

قال: قلت: من الموالي.

قال: وبم سادهم؟

قال: قلت: بالديانة والرواية.

ثمّ سأله عن أهل اليمن.

=>


الصفحة 105

____________

<=

فقال: طاووس بن كيسان.

وأهل مصر.

فقال: يزيد بن أبي حبيب.

وأهل الشام.

فقال: مكحول.

وأهل الجزيرة.

فقال: ميمون بن مهران.

وأهل خراسان.

فقال: الضحّاك بن مزاحم.

وأهل البصرة.

فقال: الحسن بن أبي الحسن البصري ـ وكلّهم من الموالي ـ إلى أن قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟

قال: قلت: إبراهيم النخعي.

قال: فمن العرب أم من الموالي؟

قال: قلت: من العرب.

قال: ويلك يا زهري فرّجت عنّي، والله ليسودنّ الموالي على العرب حتّى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها.

علماً بأنّ إبراهيم النخعي كان شيعيّاً كما نصّ على ذلك ابن قتيبة في المعارف ص 341.

وفي القرن الثاني وما تلاه من القرون تجد جلّ أئمّة وفقهاء ورواة ومفسّري ومؤرّخي أهل السُنّة والجماعة هم من الفرس، فهذا الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي أصله خراساني وجدّه مجوسي كما هو مشهور، وهذا مالك بن أنس مـن موالي بني تيم حكـاه الزهري، ومحمّـد بن إسـحاق، كمـا في الانتقاء لابن عبد البرّ ص 11، ولم يرو عن سعد بن إبراهيم الزهري، لأنّه طعن في نسبه كما في تهذيب التهذيب ج 3 ص 465 وأُمّه مولاة عبيد الله بن عمر حكاه القاضي عياض كما في مناقب مالك للسيوطي ص 5، وحملت به أُمّه ثلاث سنين كما في الانتقاء ص 12، وترتيب المدارك للقاضي عياض ج 1 ص 111.

=>