وعن زيد بن أرقم، قال: كانت لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)أبواب شارعة من المسجد، فقال يوماً: "سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي" فتكلم في ذلك ناس، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عيله، ثم قال: "أما بعد، فإني اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن اُمرت بشيء فاتبعته"(2).
وعن سعد بن أبي وقاص، قال،: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضبان، يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: "ما لكم ومالي؟! من آذى علياً فقد آذاني"(3).
وعن علي (عليه السلام) قال: "بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ما أحسنها من حديقة! فقال: "إنّ لك في الجنة أحسن منها.."، فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما يبكيك؟! قال: "ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها
____________
1- المعجم الكبير للطبراني: 2/186، تاريخ دمشق لابن عساكر: 2/312.
2- المستدرك على الصحيحين: 3/15.
3- مجمع الزوائد: 9/29 وقال: رواه ابو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.
وعن حيّان الأسدي قال: سمعت عليّاً يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الاُمّة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملّتي. وتقتل على سنّتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني، وإنّ هذه ستخضب من هذا"، يعني لحيته من رأسه.(2) لقد كانت الأرضية النفسية المعقّدة تستعد لمحاولة صرف الخلافة عن أهل البيت(عليهم السلام)، وكان الحسد أحد الأسباب التي جعلت مسألة جمع الخلافة والنبوّة في بني هاشم من الاُمور التي لا تستسيغها نفوس أقوام استعظمت اجتماع الأمرين في بيت واحد من قريش، رغم علم هؤلاء بأنّ هذا البيت هو الأحقّ بذلك، وقد تبين هذا الموقف جليّاً في عدّة محاورات جرت بين ابن عباس والخليفة الثاني، فقد روى عبد الله بن عمر، قال: كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا: فلان وفلان، فطلع عبد الله بن عباس فسلّم وجلس، فقال عمر: قد جاء الخبير! من أشعر الناس يا عبدالله؟ قال: زهير بن أبي سلمى. قال: فانشد مما تستجيده له، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه مدح
____________
1- مجمع الزوائد: 9/118.
2- المستدرك: 3/142، صححه ووافقه الذهبي.
لوكان يقعدفوق الشمس من كرم | قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا |
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم | طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا |
إنس إذا أمنوا، جنّ إذا فزعوا | مرزّؤون بهاليل إذا جهدوا |
محسّدون على ما كان من نعم | لا بنزع(1) الله منهم ما له حسدوا |
____________
1- في المصدر (لا بنزع...) وهذه لا تلائم الوزن الشعري، والصحيح: لا ينزع.
2- سورة محمّد: 9.
فقال عمر: أمّا أنت يابن عباس، فقد بلغني عنك كلام أكره أن اُخبرك به فتزول منزلتك عندي. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به، فإن يك باطلاً، فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك
____________
1- القلم: 4.
2- الشعراء: 215.
3- القصص: 68.
4- الأحزاب: 33.
قال: بلغني انّك لا تزال تقول: اُخذ هذا الأمر منكم حسداً وظلماً، قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود.
وأما قولك ظلماً، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو.
ثم قال: يا أمير المؤمنين! ألم تحتجّ العرب على العجم بحق رسول الله(صلى الله عليه وآله)! واحتجّت قريش على سائر العرب بحق رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
فقال له عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك. فقام، فلما ولّى هتف به عمر: أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراع حقّك.
فالتفت ابن عباس فقال: إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقّاً برسول الله، فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع...(1).
وفضلاً عن ذلك، فإنّ من الحجج التي التمسها القوم لصرف الأمر عن علي (عليه السلام)، هو قتله رؤوس المشركين في معارك الإسلام الكبرى، ممّا يدل على أنّ القلوب كانت ما تزال منطوية على ضغائنها رغم اعتناق الإسلام، وقد صرّح عثمان بن عفّان بذلك،
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/52.
اجراءات خط الاجتهاد:
كانت تدابير (خطّ الاجتهاد في قبال النص) قوية وحاسمة في صرف الأمر عن أهل البيت(عليهم السلام)، وقد بدأت هذه الاجراءات قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، فبعد حادثة الغدير، أصبح من الواضح أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)يعدّ علياً (عليه السلام)لتولي أمر المرجعية الإسلامية المطلقة بعده، ليحلّ محلّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)في إدارة شؤون البلاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية بأجمعها، ثم أراد النبيّ(صلى الله عليه وآله)بسبب مارآه من عصيان البعض وتقاعسهم في اللحاق ببعث اُسامة ـ بدافع من الشعور بأن مرض النبي (صلى الله عليه وآله) قد يكون بداية النهاية لعصر الرسالة، وأنّ شخص النبيّ(صلى الله عليه وآله)سيختفي من الساحة، وبذلك يتحتم أن يحلّ شخص آخر محله ـ وكان أصحاب الخط الأول قد بدأوا يقلقون من الأمر فعلاً، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) يتهيأ للانتقال إلى جوار ربه ويخلي الساحة،
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/22.
لقد أدرك أصحاب الخط المعارض هذه الحقيقة، فراحوا يتثاقلون في إرسال بعث اُسامة. ورغم إلحاح النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الإسراع في إرسال هذا الجيش، وقوله المستمر: "انفذوا بعث اُسامة"، ممّا كان يعبّر عن قلق النبيّ(صلى الله عليه وآله) من فشل تدبيره إذا عاجلته المنيّة قبل خروج البعث وابتعاد المعارضة عن مركز الحكم وانقطاع الأخبار عنها، ممّا دفع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في نهاية الأمر إلى محاولة اتخاذ إجراء آخر يحسم به الموقف بشكل نهائي، ويعهد إلى عليّ(عليه السلام) بالأمر من بعده في صورة كتاب خطّي لا يمكن تأويله أو دفعه، فبادر إلى الطلب من أصحابه بأن يأتوه بالقرطاس والدواة ليكتب لهم كتاباً لا
لم يكن من الصعب على خط الاجتهاد أن يكتشف فحوى هذا الكتاب، فالنبي (صلى الله عليه وآله) على فراش الموت، وفي مثل هذه الحالة فإنه لا يتوقع منه إلاّ أن يكون الكتاب الذي يريد كتابته إنما هو وصيّته ـ كما هو متوقع ـ ولم يكن كلام النبي (صلى الله عليه وآله)ليدل على أنّ الوصية تتعلق بشؤون الميراث أو ما شابه ذلك، لأنّ قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): "لا تضلون بعده" يدل على أنّ الأمر يتعلق بمستقبل الاُمة والدعوة الإسلامية، إذ الشريعة كانت متكاملة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله عزّ من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)(1).
وبمقارنة قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): "لا تضلون بعده" بقوله في حديث الثقلين: "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا"، أصبح من الواضح أنّ النبيّ إنّما يريد الوصاية لأهل بيته من بعده، وفي طليعتهم عميدهم علي(عليه السلام)، فعندها تصدّى أصحاب الخط المعارض بكل حزم وقوة لإرادة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، زاعمين أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يهذي ـ والعياذ بالله ـ بتأثير المرض(2).
____________
1- المائدة: 3.
2- من الواضح من الروايات أن عمر بن الخطاب قد قال: إن النبي ليهجر، أي يهذي، وقد أحس المحدثون بشناعة هذه الكلمة، فابدلوها في بعض الروايات التي تكشف عن أن القائل هو عمر، بعبارة: غلبه الوجع.
وليس هذا مجرد استنتاج من عندنا، فقد صرّح عمر نفسه بذلك، فيما روى عنه ابن عباس، حيث قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته، وقد اُلقي له صاع من تمر على خصفة، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرّ كان عنده، واستلقى على مرفقة له، وطفق يحمد الله، يكرر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته يعني عبدالله بن جعفر، قلت: خلّفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعنِ ذلك، إني عنيت عظيمكم أهل البيت. قلت: خلّفته يمتح بالغرب(1) على نخيلات من فلان، وهو يقرأ القرآن، قال: يا عبدالله، عليك دماء البُدن إن كتمتنيها; هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)نصّ عليه؟ قلت: نعم، وازيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال: صدق،
____________
1- المتح: جذبك الرشاء تمد بيد وتأخذ بيد على رأس البئر، كتاب العين: 3: 196، والغرب: الدلو.
____________
1- ذرو: طرف.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12 / 20 ـ 21 وقال: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً.
الفصل الثالث
بذرة التشيّع
في مقابل خط الاجتهاد الذي كان يرى عدم لزوم التسليم في كلّ الاُمور لوصايا وتعليمات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، كان هناك مَن يرى لزوم التعبّد بكلّ النصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والالتزام بكلّ أوامره ونواهيه ووصاياه في أيّ أمر كان. سواء ما كان منها متعلقاً باُمور التشريع، أو ما كان متعلقاً بتسيير الاُمور بعد رحيله(صلى الله عليه وآله). وقد برز رجال يمثّلون خط التعبّد بالنص لعلّهم كانوا لا يزيدون على العشرات، ثم انضم إليهم آخرون.
ومن الطبيعي أن يكون أتباع النص قد استمدوا من النبيّ(صلى الله عليه وآله)شرعيّة مواقفهم فيما يتعلق بالمرجعية الدينية والسياسية في مرحلة ما بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولم يكن موقفهم اجتهاداً شخصيّاً أو متعلقاً بمسألة ولاءات شخصية أو قبلية. فإنّ هذه الفئة قد وجدت ـ إضافة
إذن، فقد استمدّ خط التعبّد بالنصّ المقابل لخط الاجتهاد أمام النص شرعية موقفه من شرعية موقف النبي (صلى الله عليه وآله) تجاه علي (عليه السلام)من جهة، ومن ملاحظته انطباق هذا الموقف النبوي على الواقع الخارجي لشخصية علي(عليه السلام)من جهة اُخرى كقول النبي (صلى الله عليه وآله): "من أطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني".(1) وقوله (صلى الله عليه وآله): "أنا وعلي حجة الله على عباده"(2).
وقوله (صلى الله عليه وآله): "اُوحي إليَّ في عليٍّ ثلاث: إنه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجلين"(3).
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): "علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة".
____________
1- المستدرك على الصحيحين: 3/121 عن أبي ذر وقال: هذا حديث صحيح الإسناد: 3/128، الرياض النضرة: 2/167.
2- كنوز الحقائق للمناوي: 43، تاريخ بغداد: 2/88، الرياض النضرة: 2/193، ذخائر العقبى: 77 وقال: أخرجه النقاش.
3- المستدرك: 3/137 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد، كنز العمال: 6/157، الإصابة:
4 / 33، اُسد الغابة: 1/69، 3/116، الرياض النضرة: 2/177، حلية الأولياء: 1/66، تاريخ بغداد: 13/122، الاستيعاب: 2/657، مجمع الزوائد: 9/102، فيض القدير للمناوي: 4/358 وغيرهم.
من هذه النصوص وأمثالها، فهم اُولئك الأصحاب أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)يثبت لعلي (عليه السلام)أمراً بالغ الأهمية، وهو كونه على الحق، ومع الحق وأنّهما لا يفترقان، وقد مرّ فيما سبق أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد قرن أهل بيته بالقرآن في حديث الثقلين، وأخبر بأنهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض، ثم خصّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) علياً بذلك، فقال: "علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"(2).
فإذا كان القرآن حقّاً لا ريب فيه، وكان عليّ مع القرآن، فهو مع الحق بداهة، وطالما كان هو على الحق، فإنّ اتّباعه يصبح واجباً، لوجوب اتّباع الحق.
كانت هذه أهم الأدلة التي جعلت اُولئك الأصحاب من أتباع النص يرون ضرورة التمسك بعلي وضرورة اتّباعه وعدم جواز مخالفته، وكانت مواقفهم واضحة حتى في زمن النبي (صلى الله عليه وآله).
قال محمد كُرد علي: "عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة
____________
1- تاريخ بغداد: 14/321، المستدرك: 3/119، 124، جامع الترمذي: 2/298، مجمع الزوائد: 9/134، 7/235، وقال الفخر الرازي: أما إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يجهر بالبسملة، فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله (صلى الله عليه وآله): "اللهم أدر الحق مع علي حيث دار"، التفسير الكبير: 1/204، مبحث الجهر بالبسملة.
2- المستدرك: 3/124، مجمع الزوائد 9/124، كنز العمال: 6/153، فيض القدير: 4/356.
ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. ولما سئل عن الأربع قال: الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج. قيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب. قيل له: وإنّها لمفروضة معهن؟! قال: نعم.
ومثل: أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وخالدبن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة".(1) ويميل إلى هذه الحقيقة الدكتور صبحي الصالح حيث يقول:
كان بين الصحابة حتى في عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) شيعة لربيبه علي، منهم: أبوذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله، واُبي بن كعب، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، والعباس بن عبد المطلب وجميع بنيه، وعمّار بن ياسر وأبو أيوب الأنصاري.(2) ومصطلح (الشيعة) أيضاً لم يكن من الألفاظ المبتدعة في
____________
1- خطط الشام: 5/251.
2- النظم الإسلامية: 69.
وضوح الخط:
كان الغالب على ظنّ اُولئك الصحابة من شيعة علي (عليه السلام)، أنّ الأمر لن يخرج عن بني هاشم وعميدهم بعد تأكيدات النبي (صلى الله عليه وآله)، وحثّه
____________
1- تفسير الطبري: 30/171، الدر المنثور للسيوطي وقال: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله، قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي(عليه السلام)، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة"، ونزلت: (إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية)، فكان أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)إذا أقبل علي(عليه السلام)، قالوا: جاء خير البرية، وقال أيضاً: وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خيرالبرية)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: "هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين"، وذكر ان ابن مردويه أخرج في تفسير الآية قوله(صلى الله عليه وآله): "أنت وشيعتك موعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب، تدعون غراً محجلين".
ويبدو أنّ إجراءات هذا الخط لم تكن خافية كلّ الخفاء على أتباع علي(عليه السلام)، فقد كان هناك شعور بين أفرادهم على أنّ قريشاً تدبّر أمراً ما في الخفاء لصرف هذا الأمر عن زعيمهم وأبنائه، حيث يصف لنا البراء بن عازب ذلك بقوله:
لم أزل لبني هاشم محبّاً، فلمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبي(صلى الله عليه وآله)في الحجرة، وأتفقّد وجوه قريش، فإنّي كذلك إذ فقدت أبابكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم
فمكثتُ اُكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين...(1).
بدأ خطّ المؤيدين لعلي(عليه السلام) يتّضح أكثر فأكثر بعد حادثة السقيفة وبيعة أبي بكر المفاجئة، فكان هذا اللّقاء المصغّر الذي تحدّث عنه البراء، ثم أعقبه ذلك مراحل اُخرى تمثّلت بإبداء الرأي والاعتراض على البيعة التي تمّت فلتةً وبغتة، فكان مما قال سلمان: أصبتم ذا السنّ منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيّكم، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم إثنان، ولأكلتموها رغداً.
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/219.
كانت اُمور وأنباء وهنبثة | لو كنتَ شاهدها لم تكثر الخُطبُ |
إنّا فقدناك فقدَ الأرض وابلَها | واختلّ قومك فاشهدهم ولاتَغبُ(1) |
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/49ـ50.