الباب الأول
أيها المسلم:
إذا دعاك المبشر، إلى دينه، واستهواك إلى اتباعه، فكنت كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، فقل له: أتدعوني إلى الاعتقاد بالوهية مسيحك الذي يتحصّل من مجموع العهد القديم والعهد الجديد انه ابن زنا وولد سفاح ثلاث مرات يعني ان في عمود نسبه المذكور في أناجيلكم ثلاثة أشخاص هم أولاد زنا بنص التوراة المعتبرة عندكم التي تعدونها (الناموس الأول) وإليك الحجة والبرهان على هذه الدعوى من ذات كتبهم المقدّسة ففي (38) من سفر التكوين أول الاسفار الخمسة وأهمها قال ما نصه: زنى القديس يهوذا بكنته ثامار فولدها ذكرين فارص ورازح، وفارص هذا الذي هو ابن زنا بنص هذا السفر، هو من أجداد يسوع المسيح بنص انجيل (متى) الذي هو أيضاً أول الأناجيل الأربعة وأكرمها وأقدمها عند النصارى قال في الاصحاح الأول ما نصه: كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن ابراهيم (2) ابراهيم ولد اسحق واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا واخوته (3) ويهوذا(1) ولد فارص ورازح من ثامار وفارص ولد حصرون ثم ساق عمود النسب إلى أن قال (16) ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح انتهى، فانظر إلى جهل هذا الرسول (متى) بل هو من أكابر رسلهم والطبقة الأولى، لم يلتفت ولم يتحضر ان فارص ابن زنا بنص أول التوراة، فينزّه نسب إلهه وربه عن ذكره.
____________
1- يهوذا هذا هو الزاني وهو الجد الرابع ليسوع من الطرف الأعلى وفارص هو ولد الزنا وهو الجد الخامس وثامار كنة يهوذا هي المزني بها ـ فما تقول إذاً في هذه الكتب المقدّسة؟
وادراج يهوذا الزاني وابنه فارص ابن الزنا في أجداد المسيح لم ينفرد به (متى) بل شاركه في ذلك (لوقا) الذي ابتدأ نسب يسوع من أبيه يوسف ابن هالي وساقه إلى ان قال ابن حرصون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحق (فان كنت أيها المسلم) بحيث ترضى غيرتك، وتتطأ من عفتك ونجابتك ان تدين بدين يكون ربك فيه ابن زنا ليس من جد واحد بل من جدين أو ثلاث فذاك اليك: وانت احرى بحريتك لا حرج عليك ولا صد.
ومن أجداد ابيهم اليسوع (بوعز) بنص (5: 1) (متى) حيث قال: ونحشون سلمون وسلمون ولد بوعز من راحاب ومثله في رابع (لوقا) وراحاب هي الامرأة الزانية بنص (2: 1) من سفر يشوع بن نون ومن أجداده أيضاً سليمان بن داود كما في (متى) وقد نص سفر الملوك الثاني (11 ـ 3 ـ 5) وفي سفر صموئيل الثاني من توراة "البروتستانت" (زنى داود بنشايع بنت الينعام امرأة أوريا لحثى فوضعت سليمان) بخ بخ لهذا الدين ولأنبيائه وكتبه بل ألف بخ بخ لربه ما أطيبه واطهره ليت شعري اما استحضر (متى) و(لوقا) ما في العهد القديم من نسبة الزنا إلى اولئك النفر فيحذفونهم من عمود نسب حمل الله الوديع تطهيراً له من هذه الفاحشة التي هي في الأصلاب والاعقاب فان ابن الزنا لا يطهر ولو بعد سبعين ظهراً.. فقل لهم (أيها المسلم) أما ان تقولوا ببطلان التوراة وفسادها أو ببطلان الأناجيل وخطأها، أو ان الزنا غير خطيئة، ولا عار فيه ولا منقصة، وكل واحد من هذه الثلاثة لا يمكنهم الالتزام به والمصير إليه سيما الأخير فانه عندهم (كما هو عندنا) من أعظم الكبائر
(أيها المسلم):
إذا وسوس لك (المبشّر) بأباطيله، ودعاك إلى الإيمان باناجيله، ودفع لك المنشورات والجزوات من أضاليله، فارمها (أولا) تحت قدميك وقل له أتدعوني إلى الإيمان بالكتب المشحونة بالأكاذيب وما يخالف ضرورة العقول وبديهة الفطرة، إلى الكتب التي يناقض بعضها بعضاً ويخالف بعضها الآخر مخالفة صريحة ويناقض مجموعها العهود القديمة، والنواميس الأولية، التي قال مسيحهم في الأناجيل (إلى أن تزول السموات والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس) وينتظم شمل هذا الموضوع في فصلين (الأول) في تناقض الأناجيل بذاتها بعضها مع بعض (الثاني) تناقض مجموعها مع مجموع التوراة واسفار العهد القديم، وأنت خبير بان تناقضها واختلافها الصريح الذي لا يمكن فيه الجمع المقبول، والتأويل المعقول، أدل دليل على انها ليست وحياً من الله ولا كتباً مقدّسة (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)(1) ويشهد لذلك ما في بعضها من الحكم على الظن والتخمين الذي لا يعقل صدوره من الحضرة الربوبية كما سندلك عليه ان شاء الله، ونحن نورد لك من تناقضاتها ما يتضح لك به كلا الفصلين معاً وهي موارد كثيرة تناهز المائة ولكننا لا نورد إلاّ ما يكفي شاهداً لبطلانها وسقوطها، والتناقض في مورد واحد يكفي في دلالته على عدم كونها وحياً إلهياً، وكلاماً ربوبياً.
(فمن جملة ذلك) اختلاف (متى) و(لوقا) في نسب المسيح اختلافاً لا يكاد
____________
1- النساء: 82.
ضرورة ان الرجل ينسب إلى أبيه وآباء ابيه ان كان له أب وإلاّ نسب إلى أمه ودخل في سلسلة آبائها وأما نسبة الرجل إلى زوج أمه فهذا شيء غريب لم نسمع به، فياهل ترى انهم يرون انه كان متولداً من يوسف بالجسم ومن الاله بالروح ولازمه ان يوسف قد اقترن بمريم قبل ولادة عيسى فيكون عيسى بن يوسف حقيقة ويكون حاله حال سائر البشر فان أرواحنا نفحة ربانية ولقاح إلهي،
(الثالث) ما أوعزناه إليك قريباً من الحكم بالظن أحياناً فان (لوقا) يقول ما نصه: ولما ابتدء يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالى ثم ساق النسب إلى آخره، فهل ينطبق هذا مع الوحي؟ أو هل هو من الأمور الغامضة؟ مع ان الوحي قمين بالمغيبات وعلم ما كان وما يكون فكيف بهذا الأمر البسيط؟ وكل واحد من أفراد العائلات غالباً يعرف عمود نسبه وجذم أجداده وآبائه، وهل وجدت أحداً من المؤرخين بل من المسلمين يقول ان محمد(صلى الله عليه وآله)على ما يظن هو ابن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم؟
أما والله لقد دخلتني الحيرة في شأن مسيح النصارى، ما أدري كم له عندهم من الآباء، فطوراً هو ابن يوسف بن هالي، وتارة ابن يوسف بن يعقوب، واخرى هو ابن الله، ورابعة لا أب له أصلا، ما أدري كيف حل هذه العقدة، أرشدونا يا أولي الألباب(1).
(أيها المسلم):
إذا أتاك الغراب الأسود (المبشّر) بمخاريقه، وجاءك بمجموعة انجيله أو تفاريقه، ودعاك إلى الإيمان به وبتصديقه، فقل له كيف أؤمن بأن هذه الكتب من الوحي الإلهي؟ والكلام الربوبي، وهي التي يتناقض كل كتاب منها مع الآخر بل يتناقض مع نفسه، وينعى بعضه على بعضه، لا مع فصل طويل بل في الفصل الواحد، وأنا أعطيك انموذجاً وشاهداً لكل من الدعويين أما تناقض الكتاب
____________
1- (متى) يقول يوسف بن يعقوب و(لوقا) يقول ابن هالي (متى) يقول شالنتيل أولده يكينا (ولوقا) يقول هو ابن ميري (متى) يقول زربابل أولده أبيهود و(لوقا) يقول هو ابن ريسا وهلم جرا فهل يعقل ان تكون هذه الكتب من الحق المتعال وهي بهذا الحال؟ تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.
ثم بعد أسطر قليلة في وصف مجيء الشرطة لقبضه وبأيديهم السيوف والعصي فقال: وحينئذ تقدموا والقوا الأيادي على يسوع وامسكوه (51) وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه فقال له يسوع ردّ سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (52) أتظن اني لا استطيع ان اطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة.. هـ، وأنت ترى تنافي ما بين الكلامين، والتناقض بين المقامين، في فصل واحد فان الأول صريح في ان الأمر ليس في استطاعته ولا أثر فيه لالتماسه
(أيها المسلم):
إذا اتاك الاغربة السود يدعونك إلى رفض دينك واتباع دينهم فقل لهم: إنّ أناجيلكم ذكرت في العدد الرابع من اصحاح (16) (متى) و(29) من (11) (لوقا) ان المسيح قال جيل شرير فاسق يطلب (أو يلتمس) آية ولا تعطى له إلاّ آية يونان النبي... يعني انه كما بقي يونان أي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام ثم خرج حياً كذلك هو أي المسيح يبقى في القبر ثلاثة أيام بعد صلبه ودفنه ثم يخرج حياً كما صرّح بذلك في (40) من (12) لوقا و(34) من عاشر مرقس: ابن الإنسان رئيس
____________
1- تعساً وبؤساً لتلك العقول التي تتخذ مثل هذا رباً، وتجعله مع الله إلهاً مع اعترافهم بما له من تلك الصفات ومنزلته من مقام الصبر والثبات، فأين هو من ابي عبد الله الحسين(عليه السلام)وأصحابه أرواح العالمين له ولهم الفداء الذين هبطوا على وادي الطفوف، يتهافتون على الحتوف، ويستقبلون المنايا بطلاقة الوجوه عن قلوب ملؤ كفتيها الإيمان واليقين بجأش رابط وعزم ثابت فكانوا كلما اشتد البأس اشرقت وجوههم واضاءت الوانهم واشتدت عزائمهم.. فديتك يا أبا عبدالله يا عزيز الله بالآف من ذلك اليسوع الذي لم يكن له من الصبر مقدار أقل الرجال الذين صلبوا في حروب هذه العصور وانقلاباتها الذي شاهدناهم باعيننا فلم نجد فيهم من الجزع والفزع معشار ما تنقله هذه الأناجيل عن مسيحهم بل ربهم عند صلبه.
فهل هذا إلاّ الكذب الصراح، والتناقض البحت، كما ان في قوله جيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلاّ آية يونان النبي، أيضاً كذب واضح فان الأناجيل قد ذكرت له من الآيات ما يبلغ المئات مثل احياء الموتى وشفاء الزمناء من المرضى كالأعمى والأبرص والمقعد والأصم واشباع الجمع بالخبز القليل وأمثال ذلك، فكيف مع اعطاء هذه الآيات لذلك الجيل يقول لا تعطى له إلاّ آية يونان؟.. فقد اشتملت هذه الكلمة الواحدة على كذبين واضحين كما ان كل تلك الأناجيل قد اشتملت في عامة ما سطرت وفي خصوص واقعة الصلب على الخرافات والسخافات والغرايب والترهات، والشناعات والفظاعات، والاختلافات والتناقضات، التي لا يليق صدورها وأساطيرها من اضعف السفهاء والمجانين، فضلا عن العقلاء الكاملين، أو الأنبياء المرسلين.
انظر إلى الرداء القرمزي الذي ألبسوه ليسوع واكليل الشوك واجتماع اليهود
وواحد يقول ان الذي اخبر مريم بخروج يسوع من القبر شاب في القبر، وآخر يقول شخصان في الطريق، وهكذا اتسعت مسافة الخلف والاختلاف بين أرباب الأناجيل في كل شؤون هذه القصة حتى في ان بطرس الذي هو أجل أتباع المسيح انكره مرة أو ثلاث، وان الديك صاح مرة أو ثلاث، وان يسوع شرب مما قدموه إليه من الخمر أو الخل أو لم يشرب أصلا، وان كلا من اللصين كان يشتم يسوع على الصليب أو أحدهما دون الآخر، واشباه ذلك مما لا يتسع المقام لجمعه، ومع هذا كله فهل يخطر لذي لب أو يدور على خلد ذي مسكة، ان هذه كتب سماوية، أو كلمات ربوبية، وهي بتلك المثابة من التنافي والتضارب.. الحكم وجدانك، والوسيط بيننا انصافك وعرفانك، والله فوق ذلك أيها المسلم مسددك وهاديك إن شاء الله.
(أيها المسلم):
عافاك الله وثبّتك بالقول الثابت، إذا هاجمك قرين البوم، والمبشّر الشوم، وقال اعتنق النصرانية، واتبع دين اليسوع فانه هو الذي يقدر ان يخلصك من تبعات خطيئاتك، وعقوبات سيئاتك، وأما سائر الأنبياء فلا يقدر واحد منهم على
____________
1- الفتح: 1 ـ 2.
(1) (يسوع الأناجيل كاذب مفتري والكذب من اعظم الخطايا)
قد مرّ عليك بعض ذلك في حديث قيامه من القبر ومدة بقائه فيه ونزيدك هنا، انكاره كونه من نسل داود مع اعتراف الأناجيل به اجمع وتسالم المؤرخين بل
____________
1- الضحى: 7.
ففي اصحاح (22) من (متى) واصحاح (12) من (مرقس) واصحاح (20) من (لوقا) ما نصه: قال يسوع كيف يقولون ان المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول بالروح القدس في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك موطئاً لقدميك فإذا كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه انتهى. فان كان المراد نفي النبوّة الجسمانية فقد عرفت انه ضروري الكذب باتفاق الأمم أجمع من اليهود والنصارى وغيرهم كيف وقد اعترف هو بنص الأناجيل انه ابن داود في مواضع منها قول الملاك لمريم لما احبلها.. ويعطيه الإله كرسي أبيه داود، وان كان المراد نفي البنوّة الروحية وانه من روح الله لا من روح داود فهذا جهل وغلط لأن البنوّة هي عبارة عن التوالد الجسماني لا الانبثاق الروحاني وإلاّ فجميع البشر أرواحهم من الله تعالى على انه قد حرف الآية فان الثابت في المزمور العاشر بعد المائة: (أوحى الله لسيدي) فانظر كيف كذب وحرف.
(الكذب الثالث) ما في سابع انجيل يوحنا ما نصه: قال لاخوته اصعدوا انتم إلى هذا العيد وانا لست اصعد بعد إلى هذا العيد قال لهم هذا ومكث في الجليل وما كان اخوته قد صعدوا صعد هو أيضاً إلى العيد، هـ. فهل تجد كذباً أوضح من هذا.
(2) (يسوع الأناجيل كاذب مغيّر للناموس مبدّل لأحكام الله وهذا من أكبر الخطايا)
إعلم أن التوراة قد اشتملت على عدة آيات صريحة في تمجيد شرايعها وأحكامها وانها صالحة لان تكون بصفة دائمة قانوناً للخليقة، ونواميس حافظة لنظام الحقيقة، وانها الحياة للانسان وبها سعادته، ففي العشرين من حزقيال عن الله جل شأنه في بعض ما قاله لليهود: واعطيتهم فرائضي وأحكامي التي ان عمل بها
(3) (مسيح الأناجيل كاذب محتال، ومخادع، دجّال، وذاك من أكبر الخطايا)
ففي عدد (27) من الاصحاح التاسع عشر من (متى) قال له بطرس: قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا (28) فقال يسوع الحق أقول لكم انتم الذين تبعتموني في التجديد. متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر.
(فيا أيها المسلم) قل للمبشر ان كان مراد مسيحك بجلوسه مع تلامذته الاثني عشر على كراسي المجد وقوعه في الدنيا فهو كذب بحت ضرورة انه ما جلس هو ولا أحد تلاميذه على كرسي من كراسي الملك والمجد ولا دان لاحدهم سبط من الأسباط وان كان المراد بالآخرة فكيف يعقل هذا؟ مع ان أحد الاثني عشر بنصوص الأناجيل كلها يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه للصلب ونزلت به عقوبة من السماء اهلكته بالعذاب كما في أوائل (اعمال الرسل) فهل من جهل أو كذب أو خداع أعظم من هذا؟
(4) (مسيح الأناجيل معطّل لحدود الناموس ومبطل لها من غير سبب ولا علة وهو من أكبر الخطايا)
ففي أول الاصحاح الثامن من يوحنا قصة حاصلها ان جميع الشعب جاءوا إليه وقالوا يا معلم هذه المرأة امسكت بالزنا وهي تزني في ذات الفعل وموسى في
(5) (مسيح الأناجيل قاطع الرحم عاق لامه واخوته مفرّق بين الأقارب)
أليس احتقار الأم وانتهارها عقوق لها؟ أليس يوحنا يقول في الاصحاح الثاني: لما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر (4) قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة لم تأت بعد، فهل يصلح مثل هذا الانتهار والخطاب بالوالدة التي تقضي النواميس كلها بوجوب كرامتها واحترامها؟ وما اكتفى بذلك حتى كان احياناً يعرض عنها وينكرها ويبخل عليها حتى بالكلام فضلا عن البر والاحترام، ففي آخر الثاني من (متى) فيما هو يكلم الجموع إذا أمه واخوته وقفوا خارجاً طالبين أن يكلّموه فقال له: هوذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك، فاجاب: من هي أمي ومن هم أخوتي؟ والافظع من ذلك انه مد يده نحو تلاميذه، وقال: ها امي واخوتي، بل كان يأمر ببغض الأب والأم والأولاد
نعم ما اكتفى اليسوع بكل ذلك حتى صار يأمر ويحث غيره على التقاطع والتفرقة حيث قال في عاشر (متى): اني جئت لافرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، واعداء الإنسان أهل بيته، وما كفاه هذا القدر من تفريق الكلمة، وتشويش نظام العائلة، حتى قال: ما جئت لالقي سلاماً على الأرض بل سيفاً... ثم زاد فقال كما في ثاني عشر (لوقا): جئت لالقي ناراً على الأرض ثم قال: اتظنون اني جئت لاعطي سلاماً على الأرض كلا بل أقول لكم انقساماً... أفهذا يصلح أن يكون مخلصاً؟ أم الذي يقول الحق فيه: (وَ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(2)، فالحق ان هذا مخبط ومخبص، لا منقذ ومخلص.
(6) (مسيح الأناجيل مخبط ومخلط، متناقض الأفعال والأقوال)
سأله رجل: أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لارث الحياة الأبدية فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو الله. كما في عاشر (مرقس) ومثله في (متى)، وبينا ينهى ان يدعوه أحد صالحاً، وإذا به يقول مفتخراً كما في عاشر (يوحنا): أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف، وما اكتفى بذلك حتى تحرش فافحش فجعل غيره من الأنبياء السابقين لصوصاً وسراقاً فقال في ذاك الاصحاح بعينه: الحق أقول لكم اني انا باب الخراف وجميع الذين اتوا قبلي هم سراق ولصوص.. وما اعظمها وافظعها من اثم وخطيئة.
____________
1- مريم: 31.
2- الأنبياء: 107.