الصفحة 145

الأسئلة

1 ـ بماذا تفسرون التناقض بين فتوى إمامكم ابن عبد الوهاب وحفيده سليمان، وفتوى إمامهما ابن تيمية؟ حيث تراجع ابن تيمية عن تكفير المسلمين لتوسلهم بالأموات، بينما أكد عليه الآخران؟

2 ـ هل السبب أن حاجة ابن عبد الوهاب إلى قتل من خالفه في الجزيرة أكثر من حاجة ابن تيمية إلى قتل من خالفه من المسلمين في بلاد الشام؟!

3 - لو أن الحكومة السعودية أطاعتكم وحكمت بكفر المسلمين لأنهم يقصدون زيارة قبر نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتوسل به الى الله تعالى، والكافر يحرم دخوله الى المدينة ومكة، فكم شخص يبقى عندكم في موسم الحج؟!

*  *  *


الصفحة 146

المســألة: 42
الطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى

قال محمد بن عبد الوهاب:

(الشفاعة شفاعتان: منفية ومثبتة، فالمنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلة ولاشفاعة والكافرون هم الظالمون). والمثبتة: هي التي تطلب من الله والشافع مكرم بالشفاعة والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن كما قال: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). انتهى. (كشف الإرتياب ص 208، عن رسالة أربع قواعد ص25طبعة المنار بمصر).

وقال السيد محسن الأمين في (كشف الإرتياب عن أتباع محمد بن عبد الوهاب) ص229: وقال ابن تيمية أيضاً في رسالة زيارة القبور (ص153 ـ 155 طبع المنار بمصر) ما حاصله:

مطلوب العبد إن كان مما لا يقدر عليه إلا الله فسائله من المخلوق مشرك، من جنس عُبَّاد الملائكة والتماثيل ومن اتخذ المسيح وأمه إلاهين، مثل أن يقول لمخلوق حي أو ميت: إغفر ذنبي أو أنصرني على عدوي أو إشف مريضي أو عافني أو عاف أهلي أو دابتي، أو يطلب منه وفاء دينه من غير جهة معينة، أو غير ذلك.

وإن كان مما يقدر عليه العبد فيجوز طلبه منه في حال دون حال، فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهياً عنها، قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى

الصفحة 147
ربك فارغب)، وأوصى النبي (ص) ابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأوصى طائفة من أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان سوط أحدهم يسقط من كفه فلا يقول لأحد ناولني إياه. وقال: فهذه المنهي عنها. والجائزة طلب دعاء المؤمن لأخيه... الخ.). انتهى. (ونحوه في فتح القدير:2/450)

*  *  *


الصفحة 148

الأسئلة

1 ـ إذا كان ميزانكم لجواز التوسل بالميت أنه لايجوز أن نطلب منه ما لايقدر عليه إلا الله تعالى، فلماذا جعلتم طلبنا الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شركاً أكبر وكفراً، مع أنها مقدورة له (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص القرآن والسنة؟!

2 ـ لقد طلب نبي الله سليمان من وزرائه أن يأتوه بعرش بلقيس من اليمن: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْل َأَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (سورة النمل: 38) وهو أمر لايقدر عليه إلا الله تعالى، فهل تحكمون بشرك نبي الله سليمان وكفره؟!

3 ـ ما هو السر في جعلكم طلب ما لايقدر عليه إلا الله، شركاً؟ فإن قلتم إن الطالب يدعي للحي أو للميت شراكةً في قدرة الله تعالى، فهذا غير صحيح (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (سورة الأنبياء:26ـ27) وإن قلتم إن التوسيط لله تعالىحرام وشرك، فلا فرق في التوسيط بين ما يقدر عليه المخلوق وما لايقدر، ولافرق في توسيط الحي أو الميت.

وعليه يجب أن تردوا كل أنواع التوسل والشفاعة، ولايبقى فيها حلال وحرام، كما زعمتم!

4 ـ إن قلتم إن التوسل والإستشفاع والإستغاثة منها ما أذن به الله تعالى فهذا ليس شركاً، ومنها ما لم يأذن به فهذا شرك.


الصفحة 149
فجوابه: نعم، وهذا هو جوهر خلافكم مع المسلمين، فهم يقولون إن الله تعالى أكرم النبي وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأذن بالتوسل والإستغاثة بهم بل وأمر به، بمثل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة: 35) فصار ذلك عبادةً لله وامتثالاً لأمره سبحانه، ومحالٌ أن يأمرنا بما هو شركٌ وكفرٌ، كما تزعمون!

5 - ما معنى قول إمامكم: (مثل أن يقول لمخلوق حي أو ميت: إغفر ذنبي أو أنصرني على عدوي... أو يطلب منه وفاء دينه من غير جهة معينة، أو غير ذلك) وما هو مثال التوسل الحلال بالميت ليقضي له دينه من جهة معينة؟!

*  *  *


الصفحة 150

المســألة: 43
من هم المتوسل بهم عند المسلمين؟

جوَّز الوهابيون أن يتوسل المسلم إلى الله تعالى بأي شخص حتى بالكافر، فالشرط الوحيد عندهم أن يكون حياً لاميتاً، حتى لو كان كافراً! وقد رووا أن عائشة مرضت فدعت يهودية لترقيها، وهو نوع من التوسل!

روى مالك في الموطأ:2/943: (عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها! فقال أبوبكر: إرقيها بكتاب الله) انتهى، ولعله يقصد بكتاب الله التوراة، لأن اليهودية لا تقر بالقرآن!

كما أن سيرة أئمة المذاهب السنية وأتباعهم حتى الحنابلة حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف، وقد تقدم توسل إمامهم أحمد بقبر الشافعي، وتوسلهم بقبر أحمد!

كما ورد عندهم وعندنا الحث على التوسل في صلاة الإستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضى. كما في مجموع النووي: 5/66: و: 5/70

أما في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فعمدة التوسل والإستشفاع روايةً وعملاً بالله تعالى وأسمائه الحسنى، وبالنبي وآله المعصومين صلوات الله عليهم. ولم أجد في سيرة أئمتنا (عليهم السلام) ولا في سلوك أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين، وإن وجد فهو تبعٌ للتوسل بهم وفي موارد خاصة كصلاة الإستسقاء. كما ورد

الصفحة 151
في بعض الأدعية تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين (عليهم السلام) وكتب الله المنزلة وعباده الصالحين، وبالأعمال الصالحة. (مصباح المتهجد ص358 و302)

الأسئلة

1 ـ ما قولكم بفتاوى فقهاء المذاهب الأربعة هذه التي تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضى والحيوانات والأعمال، وتنص على أنه توسل واستشفاع؟

2 ـ كيف تقبلون أن يكون مذهبكم أن التوسل بالكافر طاعة وإيمان والتوسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفر وإشراك بالله تعالى؟!

3 ـ التوسل يعني أن المتوسل به يؤمل أن يكون أقرب وسيلة الى الله تعالى، فهل ترى عائشة أن المرأة اليهودية أقرب وسيلة الى الله منها؟!

*  *  *


الصفحة 152

المســألة: 44
تحريم الوهابيين التسمية بعبد النبي وعبد علي وعبد الحسين

فقد خالفوا كل المسلمين وجعلوا التسمية بعبد النبي وعبد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمثالها، شركاً لأنها تعني في أذهانهم عابد النبي وعلي والحسين!

لكن كلمة عبد وردت في القرآن بمعنى عابد، كما وردت بمعنى غلام، قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (سورة النور: 32)

*  *  *


الصفحة 153

الأسئلة

1 ـ هل ترون أن قول المسلم لأخيه ياسيدي شركٌ بالله تعالى؟وهل تحكمون بكفره وشركه عندما يقول للملك أو لغيره يا مولاي؟ أو يقول لشيخه أنا خادم لك وعبد لك، أم تقولون هذا احترام لايقصد به العبادة؟!

2 ـ إذا استعمل شخص لفظاً مشتركاً فقال أنا قتلت، فهل تأخذونه بأشد المعاني فيحكم قاضيكم بأنه قاتل ويقتله، أم تسألونه عن قصده من القتل وهل قتل نفساً محترمة، أو قتل وقته، أو قتل المسألة بحثاً؟!

3 ـ ما قولكم فيما رواه إمامكم أحمد في مسنده:5 /419: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحرث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحرث قال جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (ص) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فإن هذا مولاه. قال رياح فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن رياح بن الحرث قال: رأيت قوماً من الأنصار قدموا على علي في الرحبة، فقال مَن القوم؟

قالوا مواليك يا أمير المؤمنين، فذكر

الصفحة 154
معناه). انتهى.

فهل معنى ذلك أن كل مسلم هو مولى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيصح أن يقال لكل واحد منكم (عبد علي)؟!

*  *  *


الصفحة 155

الفصل الثالث
بعض الإشكالات عليهم في مسائل شفاعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)


الصفحة 156

الصفحة 157

المســألة: 45
الشفاعة يوم القيامة حقيقية وليست شكلية

يمكن تقريب الشفاعة إلى الذهن بأنها (قاعدة الإستفادة من الدرجات الاضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل على معدل عال: يمكنك أن تستفيد من النمرات الإضافية على معدل النجاح، فتعطيها إلى أصدقائك، الأقرب فالأقرب من النجاح.

ولنفرض أن الانسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلى51 درجة (مَنْ رَجُحَتْ حسناتُه على سيئاتِه)، فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلاً يسمح له أن يوزع 349 درجة على أعزائه، ولكن ضمن شروط، بأن يكونوا مثلاً من أقربائه القريبين، وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة وأوسعها من الدرجات الإضافية.

وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) على أن شفاعة المؤمن تكون على قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب: 2/ 15 عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، قال: ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) يقوم على كُوم قد علا الخلايق فيشفع، ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة، ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله. فذلك المقام المحمود). انتهى. وروت في مصادر السنة شبيهاً به أيضاً.

وبما أن درجات الملائكة والأنبياء

الصفحة 158
والأوصياء (عليهم السلام) ودرجات المؤمنين متفاوتة وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فليس غريباً أن يكون أعظمهم شفاعة عند الله تعالى.

وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلى تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً.. فالذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلى النجاح والأفضل من مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس). (مستدرك الوسائل: 11/171).

وعلى هذا فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة ككل الأعمال الإلهية الدقيقة الحكيمة، وليست من نوع الوساطات والمحسوبيات الدنيوية، كما يتصوره بعض المستشرقين أو المسلمين.

قال المستشرق اليهودي جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي ص192، مادحاً المعتزلة لقولهم بعدم شمول الشفاعة لمرتكبي الكبائر: (لايريدون التسليم بقبول الشفاعة على وجه أساسي حتى لمحمد، ذلك بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق).

وقال بعض المتأثرين بالأفكار الوهابية: (إن الشفاعة إنما هي بالشكل فقط، وليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقتهم بالعظماء حيث يلجأون إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودة أو مصلحة أو موقع معين ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده).

وقال: (إن الشفاعة هي كرامة من الله

الصفحة 159
لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماماً كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.

وقال: (وفي ضوء ذلك لامعنى للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم، لأنهم لايملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل، بل الله هو المالك لذلك كله على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة، ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له). (خلفيات مأساة الزهراء (عليها السلام): 1/221).

*  *  *

الأسئلة

1 ـ لماذا تصرفون آيات الشفاعة عن ظهورها في الشفاعة الحقيقة وتجعلونها شفاعة شكلية؟!

2 ـ لماذا تقبلون شفاعة إبراهيم والأنبياء السابقين (عليهم السلام) التي نصت عليها التوراة والإنجيل، وتتوقفون في شفاعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

3 ـ ألا ترون أن تصور اليهود لربهم ووصفهم له بعدم الحكمة في أعماله، قد أثر عليكم فقستم الشفاعة التي أخبر عنها سبحانه على شفاعات الدنيا عند الحكومات والشخصيات، فنفيتموها؟!

*  *  *


الصفحة 160

الصفحة 161

المســألة: 46
افتراؤهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه شهد بشفاعة الأصنام وسجد لها!

فقد زعم رواتها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مدح أصنامهم وسجد لها! وتبنت صحاح الخلافة القرشية رواية هذه الفرية مع الأسف!

قال السيوطي في الدر المنثور:4/366: (وأخرج البزاز والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله (ص) قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا! فجاء جبريل فقال: إقرأ على ماجئتك به، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! فقال ما أتيتك بهذا! هذا من الشيطان فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته...)!

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير..الخ.! ا هـ.

وزعمت رواياتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سجد للأصنام! (فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه!! فلما بلغ رسول

الصفحة 162
الله (ص) آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك!! ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلك...)!!

وفي بعض رواياتهم: (ألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى، فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليه وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير! فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت فأرادوا أن يقبلوا، واشتد على رسول الله (ص) وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي..الآية). وقد رواها في مجمع الزوائد: 6/ 32 و: 7 /70 ورواها البخاري ومسلم لكنهما حذفا جزءاً يسيراً منها!

ففي البخاري:2/32: (عن عبد الله أن النبي (ص) قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد! فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال يكفيني هذا) ونحوه في مسلم:2 / 88!!

وبذلك نعرف من أين أخذ المستشرقون وسلمان رشدي ما كتبوه!!

*  *  *


الصفحة 163

الأسئلة

1 ـ ما حكم من يزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خان الرسالة واتبع الشيطان ومدح الأصنام وسجد لها؟!

2 ـ كيف تثقون بمصادركم التي تنسب هذه الفرية العظيمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

3- هل عرفتم من أين دخلت الإسرائيليات والقرشيات الى مصادركم، وصارت منفذاً للمستشرقين للطعن في الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

4- ما رأيكم في روايات البخاري في أول كتابه عن عائشة عن أحد الطلقاء، تحت عنوان (باب كيف كان بدء الوحي) من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن واثقاً بنبوته، وأنه جاء من جبل حراء وهو يرتجف، فأخذته خديجة الى النصراني ورقة بن نوفل فطمأنه أنه نبي!

قال البخاري فيما قال: (عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله (ص) من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالى ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ث، م يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال إقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: إقرأ. قلت: ما أنا بقارئ،

الصفحة 164
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: إقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني! فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم،فرجع بها رسول الله (ص) يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما خزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجةوكان امرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم إسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله (ص) ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك! فقال رسول الله (ص) أوَمخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي)! انتهى.

فهل هذا الأفق البدوي الملبد هو الصحيح في لقائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بجبرئيل (عليه السلام)، أم الأفق المبين الذي قال فيه تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِى قُوَةٍ عِنْدَ ذي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ.


الصفحة 165
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ. وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ. وَمَا هُوَعَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ). (سورة التكوير: 19 ـ 24)؟!

*  *  *


الصفحة 166

المســألة: 47
لم ترو مصادرهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبغض اللات والعزى!

من افتراءات مصادرهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان قبل بعثته يحب أصنام قريش اللات والعزى ومناة وهبل، وكان يأكل من لحم القرابين التي تذبح لها وأن زيداً بن عمرو بن نفيل الذي هو ابن عم عمر، كان ينهاه عن ذلك!

ففي مجمع الزوائد:9/417: (باب ماجاء في زيد بن عمرو بن نفيل... قال فمر زيد بن عمرو بالنبي (ص) وزيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة فدعياه، فقال: يا ابن أخي لاآكل ما ذبح على النصب! قال فما رؤي النبي (ص) يأكل ما ذبح على النصب من يومه ذلك حتى بعث)!! (ورواه البخاري:4/232 ونحوه في: 6/225 وأحمد:1/ 189 و:2/ 68 و89 و127)

وعلى هذه الروايات الصحاح والحسان عندهم يكون زيد بن عمرو بن نفيل أتقى من نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولى بالنبوة منه، لأنه الوحيد الذي كان على ملة ابراهيم (عليه السلام) وليس نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا أباه وجده عبد المطلب (عليهما السلام)!!

ويكون ابن عمه عمر أيضاً أهلاً للنبوة حيث رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. وأنه قال: لوكان نبي بعدي لكان عمر. وأنه قال: قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر. وأنه قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه!

ورووا على لسان علي (عليه السلام) أنه قال: كنا نتحدث إن ملكاً ينطق على لسان عمر.


الصفحة 167
ووضعوا على لسان ابن مسعود أنه قال: لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر). (راجع الغدير: 6 /331) فالنبوة في الأصل من حق بني عدي ولكن الحظ جعلها لبني هاشم!

وقد تفضلت بعض رواياتهم فاعترفت بشئ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة وقالت إن خديجة هي التي كانت تعبد اللات والعزى وتحث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عبادتهما، فكان يمتنع من ذلك!

قال أحمد في مسنده:4/222و:5/362: (عن عروة بن الزبير (ابن أخت عائشة) قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي (ص) وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى والله لا أعبد أبداً! قال فتقول خديجة:خل اللات خل العزى. قال: كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون)!! انتهى.

وكل ذلك عملٌ يقصد منه المساس بشخصية النبي وأجداده (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل تكبير شخصية الحاكم وأقاربه!!

أما مصادرنا فقد روت الحقيقة، وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكره الأصنام من صغره، قال الصدوق (قدس سره) في قصة الراهب بحيرى إنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتنيها. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذكر اللات والعزى وقال: لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي!

فقال بحيرى: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني.

فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني

الصفحة 168
بإلهي وإلهك الذي ليسكمثله شي. فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيرى فقبل رجليه وقال: يابني ماأطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيين أتباعاً...الخ.) (كمال الدين:1/184)

الأسئلة

1 ـ هل تعتقدون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعبد الأصنام ويأكل من لحم قرابينها قبل بعثته؟

2 ـ مادمتم تعتقدون أن زيداً بن عمرو بن عم عمر، كان أوعى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتقى، فلماذا لم يبعثه الله نبياً وبعث الأقل منه درجة؟!

3 ـ عندما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان زيد بن نفيل موجوداً فلماذا لم يسلم؟

أم تعتقدون أنه يوجد أشخاص لايحتاجون إلى نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهم زيد، ومنهم عمر الذي كان يعترض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوجهه فينزل الوحي موافقاً لرأي عمر؟!

4 ـ هل تقبلون أحاديث عائشة في حق خديجة (عليها السلام) ، مع أن عائشة تصرح بأنها كان تغار منها غيرة عمياء وتكرهها! وهل تقبلون من ذلك أن جبرئيل جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره أن يبشر خديجة من الله تعالى ببيت في الجنة لالغو فيه ولا صخب، فجعلته عائشة بيتاً من قصب؟!!.


الصفحة 169

*  *  *


الصفحة 170

المســألة: 48
بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزى!

تدل مصادر الفقه السني على أن عادة القسم باللات والعزى بقيت في أذهان القرشيين وعلى ألسنتهم حتى بعد إسلامهم!

فقد روى البخاري: 6/51: (عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق). انتهى. (ورواه أيضاً في: 7/97 و144 و222 و223، ومسلم:5/81 و82، وابن ماجة: 1/678)

وروى ابن ماجة بعده عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت باللات والعزى فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثاً، وتعوَّذ ولا تعد). (ورواه أبو داود في:2/90، والترمذي: 3/ 46 و51، والنسائي في: 7/7، وأحمد:1/183 و186 و:2/ 309، والبيهقي:1/ 149 و:10/30، ومالك في المدونة: 2/108).

*  *  *


الصفحة 171

الأسئلة

1 ـ هذا يدلنا على أن الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وأن رواسب الجاهلية حتى في عبادة الأصنام كانت ما تزال في مشاعرهم وعلى ألسنة بعض كبارهم كسعد بن أبي وقاص.

ومن يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابد أن يكون نقياً من هذه الرواسب الجاهلية، كرم الله وجهه عن السجود للأصنام، فهل تعرفون هذه الصفة في غير علي (عليه السلام)؟!

2 ـ نحن نفتي بأن اليمين الشرعي لاينعقد إلا بالله تعالى، ومن حلف بغيره فلا يمين له ولا شئ عليه. وقد أفتى ابن قدامة في المغني:1/169 و:11/162 وابن حزم في المحلى: 8/51، بأن من حلف باللات والعزى فلا شئ عليه إلا الإستغفار، وعلله في:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة، وقد قال الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات، وقال النبي (ص): إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى، ولهذا سمي شركاً لكونه أشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به، فيقول لا إله إلا الله توحيداً لله تعالى وبراءة من الشرك).

فهل تفتون بذلك وأن من حلف بصنم لايخرج عن الملة ولا شئ عليه إلا التهليل، وتقولون إن من حلف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بأحد من عترته (عليهم السلام) فهو مشرك يخرج من الملة؟!

*  *  *


الصفحة 172