الصفحة 194
بن عبد الله بن أسد، عن إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن سعيد، عن إسحاق بن يزيد الفراء، عن غالب الهمداني، عن أبي إسحاق السبيعي قال: خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ..الآية؟ فقال: ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟ يعني أهل الكوفة، قال قلت: يقولون إنها لهم. قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة؟! قلت: فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: هي لنا خاصة يا أبا إسحاق، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له. يا أبا إسحاق بنا يفك الله عيوبكم، وبنا يحل الله رباق الذل من أعناقكم، وبنا يغفر الله ذنوبكم، وبنا يفتح الله وبنا يختم لا بكم، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف، ونحن سفينتكم كسفينة نوح، ونحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل).

وقال ابن شعبة الحراني في تحف العقول ص425: (لما حضر علي بن موسى (عليه السلام) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان. فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية؟ فقالت العلماء: أراد الله الأمة كلها. فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا ولكن

الصفحة 195
أقول: أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة. فقال المأمون: وكيف عنى العترة دون الأمة؟

فقال الرضا لنفسه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ، ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير. ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

ثم قال الرضا (عليه السلام): هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، وهم الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيها الناس لاتعلموهم فإنهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل؟

فقال الرضا (عليه السلام): هم الآل.فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض (!!) الذي لا يمكن دفعه: آل محمد أمته!فقال الرضا (عليه السلام): أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد؟

قالوا: نعم. قال (عليه السلام): فتحرم على الأمة؟ قالوا: لا.

قال (عليه السلام): هذا فرق بين الآل وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم، أصرفتم عن الذكر صفحاً، أم أنتم قوم مسرفون، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم!

قالوا: من أين قلت يا أبا الحسن؟


الصفحة 196
قال (عليه السلام): من قول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ). (سورة الحديد: 26) فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) (سورة هود: 45) وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له ربه تبارك وتعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاتَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (سورة هود: 46) فقال المأمون: فهل فضل الله العترة على سائر الناس؟ فقال الرضا (عليه السلام): إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابهُ.

قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟

قال الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. (سورة آل عمران: 23 ـ 34) وقال الله في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. (سورة النساء: 54) ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (سورة النساء: 59) يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والملك هاهنا الطاعة لهم. قالت العلماء: هل فسر الله تعالى الإصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا (عليه السلام): فسر الإصطفاء في الظاهر

الصفحة 197
سوى الباطن في اثني عشر موضعاً. فأول ذلك قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين. (سورة الشعراء: 214) وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة. والآية الثانية في الإصطفاء قول الله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (سورة الأحزاب: 33) وهذا الفضل الذي لايجحده معاند، لأنه فضل بين.

والآية الثالثة، حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الإبتهال فقال: قل يامحمد: (تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). (سورة آل عمران:61) فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فقرن أنفسهم بنفسه...إلى آخر الرواية).انتهى.

وهذا المعنى هو المقصود بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه عمر: (سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له) لأنه يستحيل أن يكون مقصوده (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ظالم من أمته، وقد نص القرآن والسنة على دخولهم بعضهم النار.

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: (وأخرج العقيلي وابن هلال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله (ص) يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه.. الآية). انتهى. (وروى السيوطي نحوه عن أنس، ورواه في كنز العمال:2/10و485 عن عمر وأضاف لمصادره: الديلمي في الفردوس والبيهقي في البعث والنشور).

ويؤيده مارواه السيوطي:5/251، عن الطبراني والبيهقي في البعث، عن أسامة

الصفحة 198
بن زيد: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، قال قال رسول الله (ص): كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة). انتهى. (ونحوه في كنز العمال:2/ 486، ومجمع الزوائد:7/96. وتعبير كلهم من الأمة يدل على أنهم ليسوا كل الأمة).

*  *  *

غير أن عمر وكعب الأحبار وَسَّعَا بعد ذلك (الذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب) فجعلوهم كل المسلمين!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: (وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال قال كعب: يلومني أحبار بني اسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة! ثم تلا هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، حتى بلغ جنات عدن يدخلونها... قال قال: فأدخلهم الله الجنة جميعاً).

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..الآية؟ قال: نجوا كلهم. ثم قال: تحاكت مناكبهم ورب الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم).

وقال السيوطي في الدر المنثور: 5/252: (وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له). انتهى.


الصفحة 199
وزعم الخولاني وهو من تلامذة كعب أنه قرأ ذلك في كتب اليهود!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال: قرأت في كتاب الله (كتب الله) أن هذه الأمة تصنف يوم القيامة على ثلاثة أصناف: صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبهم الله حساباً يسيراً ويدخلون الجنة، وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه).

وقد وافق عثمان بن عفان كعباً على تفسيره!

قال السيوطي في تفسيره: 5/252: (وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية قال: إن سابقنا أهل جهاد، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا). انتهى.

وكذلك وافقت عائشة على هذا التعميم!

فقد روى الحاكم:2/426، عن عقبة بن صهبان الحراني قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين أرأيت قول الله عز وجل:ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير؟ فقالت عائشة: أما السبَّاق فمن مضى في حياة رسول الله فشهد له بالحياة والرزق. وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم. وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا، وكل في الجنة. صحيح الإسناد ولم يخرجاه). (ورواه في مجمع الزوائد:7 /96. وقال

الصفحة 200
عنه السيوطي في الدر المنثور: 5/251: وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في اللأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة... الخ).

ومن الواضح أن عثمان وعائشة اعتمدا على كعب الأحبار وعمر، أو على فهمهما للآيات، حيث لم يذكرا رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم أجد من خالف توسيع عمر وكعب بصراحة إلا الحسن البصري!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: (وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية:ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، إلى قوله: لغوب، قال: دخلوها ورب الكعبة. وفي لفظ قال: كلهم في الجنة، ألا ترى على أثره والذين كفروا لهم نار جهنم فهؤلاء أهل النار. فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة!

وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله: جنات عدن يدخلونها قال: دخلوها ورب الكعبة، فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة). انتهى.

يقصد الحسن البصري أن التقسيم الثلاثي للمسلمين الذي ورد في سورة الواقعة يردُّ تفسير كعب وعمر وهو قوله تعالى:وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَاأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَاأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. (سورة الواقعة: 7 ـ 12)

وكلام الحسن البصري يدل على أن توسيع عمر وكعب لورثة الكتاب كان برأيهما وليس عندهما حديث نبوي، وكلامه قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين، ولوكان

الصفحة 201
المقصودبالمصطفين الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعاً من أهل الجنة، ولما بقي معنى لتقسيم المسلمين في سورة الواقعة إلى سابقين وأصحاب يمين في الجنة، وأصحاب شمال في النار.

*  *  *

الأسئلة

1 ـ كيف تفسرون الآية؟ ومن هم هؤلاء الذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب وحكم بأن أقسامهم الثلاثة من أهل الجنة؟

2 ـ ما هو الدافع لعمر وكعب الأحبار لتوسيع الآية لجميع المسلمين؟

3 ـ هل تعتبرون ما رواه الحاكم:2/426، تأييداً لقول عمر: (عن أبي الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول في قوله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، قال: السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة.

ثم قال الحاكم: وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء (رض)، وقيل عن شعبة، عن الأعمش، عن رجل من ثقيف، عن أبي الدرداء. وقيل، عن الثوري أيضاً عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت، عن أبي الدرداء وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر أن للحديث أصلاً). انتهى.

4 ـ كيف يصح الإستدلال بمثل هذا الحديث

الصفحة 202
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو لو صح فإنما يدل على أن ورثة الكتاب المصطفين كلهم في الجنة، ولايدل على أن هؤلاء المصطفون هم كل الأمة؟!

المســألة: 55
هل تقبلون عقيدة فداء المسلمين باليهود والنصارى يوم القيامة؟

روى مسلم:8 /104: (عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول هذا فكاكك من النار)!!

(ورواه ابن ماجة:2/1434 عن أنس وزاد في أوله (إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها) وروى السيوطي نحوه في الدر المنثور: 5/251 عن ابن أبي حاتم والطبراني، ومجمع الزوائد:7/95 وقال: رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. وفي أحمد:4/407 و408 و:4/391 و398 و402 و410 بروايات متعددة، وكنز العمال:1/73 و86 و:12/ 159 و170ـ172 و:4/149 عن مصادر متعددة).

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمين على زعم اليهود بأنهم لاتمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون! فاخترع لهم أبو موسى الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار بيهودي أو نصراني! كما يفعل المجرم فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زوراً وبهتاناً!!

وفي الدر المنثور:1/84: (وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوماً فخاصموا

الصفحة 203
النبي (ص) فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات، وسموا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي وأصحابه! فقال رسول الله (ص) ورد يده على رؤسهم: كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لانخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبداً، ففيهم أنزلت هذه الآية:قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَات. يعنون أربعين ليلة.

*  *  *

الأسئلة

1 ـ هل توافقوننا على أن أبا موسى الأشعري كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن ما ادعاه من وضع جرائم أحد على ظهر آخر أمرٌ لا يقبله دينٌ ولا عقل، ويرده قول الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

2 ـ هل تقبلون ما استدلت به بعض مصادركم على عقيدة فداء المسلمين بغيرهم بقوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ. (سورة العنكبوت: 13) مع أنه ليس في الآية دلالة على أن الأثقال التي حملوها تسقط عن أصحابها؟!

*  *  *


الصفحة 204

المســألة: 56
هل تثبتون الشفاعة لليهود والنصارى وتحرمون منها بني هاشم؟!

وسع أتباع الخلافة القرشية شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى شملت اليهود والنصارى لكنهم لم يسمحوا أن تشمل شفاعته آباءه وأعمامه!!

والسبب في ذلك أن بطون قريش يحتاجون من أجل إثبات شرعية حكمهم إلى نفي الشرعية عن آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعمامه، ونفي أنهم يمثلون خط التوحيد في أبناء إسماعيل (عليه السلام)، فلو اعترفوا بذلك لكان بنو عبد المطلب ورثة إبراهيم، وكان علي (عليه السلام) وارثهم.

لذلك زعموا أن عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأباه وجده كانوا كفاراً فجاراً، وأنهم في جهنم كأبي لهب، ولايوجد منهم وارث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا قريش وأبو بكر وعمر! وأن علياً يشاركهم بصفته مسلماً، وليس بصفته وارث بني عبد المطلب!

في الكافي:1/448: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين).

وعنه (عليه السلام): وقد قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً؟ فقال: كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتْبِ
وفي حديث آخر: كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:

لقد علموا أن ابنَنا لا مكذبٌ لدينا ولا يَعبأ بقيل الأباطلِ
وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

*  *  *


الصفحة 205

كيف عالج أتباع عمر أحاديث شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأقاربه؟

منذ أن أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بأنه سيشفع يوم القيامة لبني عبد المطلب (وأحاديثها صحيحة عندهم)، تحرك حساد بني عبدالمطلب وردوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وأشاعوا عدم شفاعته لهم!

ويكفي أن تلاحظ الغضب النبوي في الحديث التالي الذي رواه في مجمع الزوائد:9/170: (وأتاه العباس فقال يا رسول الله إني انتهيت إلى قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟! والذي نفسي بيده لايؤمن أحدهم حتى يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب)!

وفي مجمع الزوائد:7/188و390: (عن أنس قال خرج رسول الله (ص) وهو غضبان! فخطب الناس فقال: لاتسألوني عن شئ اليوم إلا أخبرتكم به، ونحن نرى أن جبريل معه! قلت فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك)!

وفي مجمع الزوائد:9/258: (وجلس على المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذى في أهلي؟! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا، وحكم، وصدا، وسلهب، يوم القيامة)! انتهى. وقد صحح

الصفحة 206
الهيثمي الحديث الثاني وقال عنه: (رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح).

وقد بلغ من تفاقم القضية وكثرة أحاديثها أن الهيثمي عقد باباً:8/214 في عدة صفحات بعنوان: باب في كرامة أصله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته (عليهم السلام)، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! هذا وهم في حياته، وتحت قيادته في المدينة! وهم مسلمون مهاجرون أو طلقاء استحقوا القتل بالأمس في فتح مكة، فمنَّ عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعفا عنهم!

قال في مجمع الزوائد:9/257: (عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هاني بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها، فقال لها عمر بن الخطاب: إعلمي فإن محمداً لايغني عنك شيئاً، فجاءت إلى النبي (ص) فأخبرته به فقال رسول الله (ص): مابال أقوام يزعمون أن شفاعتي لاتنال أهل بيتي؟! وإن شفاعتي تنال حا وحكم! وحا وحكم قبيلتان). انتهى.

وفي البحار:93/219: (أن عمر قال لها: غطي قرطك فإن قرابتك من محمد لاتنفعك شيئاً! فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللخناء! ثم دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بذلك وبكت...الخ.).

الإختراع القرشي.. شفاعة الضحضاح لرئيس بني هاشم!

ثم انظر كيف عالج القرشيون هذه الغضبة النبوية الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة في شفاعته لبني عبد المطلب، فاخترعوا لرئيسهم أبي طالب (شفاعة

الصفحة 207
الضحضاح) وزعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشفع له فينقله الله من قعر النار إلى ضحضاح من نار يغلي منه أم دماغه!!

قال البخاري:7/203: (عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله (ص) وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه)!! (ورواه في:4/202 ونحوه أحمد:1/290 و295 و206 و207 و:3/9 و50و55 والحاكم:4/582 والبيهقي في البعث والنشور ص59 والذهبي في تاريخ الاسلام:1/234 وغيره وغيره).

وفي البخاري:4/247: قال له عمه العباس: (ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)!! (ورواه في:7/121و203 ومسلم:1/135 وأحمد:1/206 و207 و210 و:3 /50 و55).

هذه الشفاعة التي ابتكرها (العقل) القرشي لايقبلها عقل! لأن الشفاعة إما أن يأذن بها الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينجو صاحبها من النار ويدخل الجنة، وإما أن لايأذن بها فيبقى الشخص في مكانه في النار..

أما شفاعة الضحضاح فهي أقرب إلى الشفاعة العكسية، لأن الضحضاح كما قال السدي وهو من أتباع السلطة: (إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب كأنهن البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتي، فضربنهم)! (الدر المنثور: 4/127)

ماذا فعلوا بوعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصل رحم عمه أبي طالب؟


الصفحة 208
كما توجد عدة أحاديث نبوية تنص بشكل خاص على شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي طالب رضوان الله عليه. فقد روى في كنز العمال:12/152 عن عمرو بن العاص أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن لأبي طالب عندي رحماً سأبلها ببلالها). (راجع أيضاً:16/10 و:12/42) ومعنى بلال الرحم: صلتها حتى تروى وترضى.

لكن البخاري وجد المخرج من ذلك! فروى عن عمرو بن العاص (وزير معاوية) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلن براءته من ولاية آل أبي طالب! وفي نفس الوقت وعدهم أن يبل رحمهم بشئ ما!

قال البخاري:7/73: باب يبل الرحم ببلالها. عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص) جهاراً غير سر يقول: إن آل (أبي طالب) قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض، ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين). زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص): ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلاها، يعني أصلها بصلتها. قال أبو عبد الله (أي البخاري) ببلاها كذا وقع، وببلالها أجود وأصح، وببلاها لا أعرف له وجهاً. (وروى نحوه مسلم في: 1/133 والترمذي: 5/ 19 والنسائي: 6/248 ـ 250 وأحمد:2 /360 و519)

عمل المعروف ينجي الكفار من النار.. إلا أبا طالب!

كما توجد أحاديث تدل على أن من يقدم شربة لنبي من الأنبياء، أو خدمة بسيطة لمؤمن من المؤمنين، تشمله الشفاعة، فكيف بأبي طالب الذي نذر كل وجوده وأولاده

الصفحة 209
وعشيرته لنصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته، وتحمل أذى قريش ومكائدها وتهديدها؟ ففي ابن ماجة:2/496: (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير أهل الجنة، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة؟ قال فيشفع له. ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له. قال ابن نمير ويقول: يافلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له). انتهى.

وفي الدر المنثور:2/249: عن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص) في قوله: فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، قال: أجورهم يدخلهم الجنة، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار، ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا). انتهى.

لكن جواب علماء السلطة حاضر، وهو أن أبا طالب مجرم كبير مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش الذين كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتآمروا لقتله! ولذلك لا تؤثر فيه الشفاعة إلا بنقله من قعر جهنم إلى الضحضاح!!

فحماة الأنبياء في منطق السلطة كأعداء الأنبياء (عليهم السلام)، بل أسوأ حالاً!

حاديث نجت من الرقابة القرشية!

رغم عمل علماء السلطة ورواتها، فقد استطاعت بعض الأحاديث أن تعبر نقاط التفتيش، وتنجو من رقابة الثقافة

الصفحة 210
القرشية الحاكمة.

منها ما في مجمع الزوائد:8/216 في قول عمر لصفية عمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أجابه به: (قال: فغضب النبي (ص) وقال: يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة فصعد المنبر (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة).

وفي فردوس الأخبار:4/399ح6683: (ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لاتنفع؟! والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة).

وقال ابن الأثير في أسد الغابة:1/134: (عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ (يقصد معاوية) خطباء يشتمون علياً رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه، حتى كان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غيرهم يقال له أنيس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته)؟! انتهى.

*  *  *


الصفحة 211

الأسئلة

1 ـ ما قولكم هل تشمل شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب أم لا؟

2 ـ ما رأيكم فيما رواه البخاري من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبرأ من ولاية آل أبي طالب.

3 ـ هل تعترفون بوجود حسد من قريش لبني عبد المطلب، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقف في وجه الحاسدين بشدة؟

4 ـ بماذا تفسرون سخاء أحاديث صحاحكم بالشفاعة والجنة على العاصين من المسلمين، وعلى المنافقين، وعلى اليهود والنصارى، وبخلها على أقارب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسرته؟! هل هي مصادفة أم خط سياسي متعمد؟!

5 ـ ما دام ثبت عندكم أن بطون قريش بخلوا على بني عبدالمطلب بشفاعة النبي يوم القيامة وردوا عليه في حياته، فلماذا لا تقبلون أنهم بخلوا عليهم بخلافته وردوا عليه؟!

*  *  *


الصفحة 212

المســألة: 57
عقدة بطون قريش من بني هاشم عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
نظام الأسرة المصطفاة في القرآن

المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الدين الإلهي، لابد له من القول إن الله تعالى من الأصل اختار الأنبياء (عليهم السلام) وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي، وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية.

فالأسرة المصطفاة أساسٌ في نظام الدين الإلهي، ولكنها مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه.. وليست كالأسر التي يختارها الناس بهواهم، أو بعلمهم المحدود، أو كالأسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها على الناس!

قال الله تعالى:

(إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ واللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة آل عمران: 33 ـ 34)

وقال عن جمهرة أسر الأنبياء:

(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ.وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ

الصفحة 213
وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ). (سورة الأنعام: 83 ـ90)

وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة:

(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ). (سورة آل عمران: 38)

وقال عن ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وكثرتهم:

(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (سورة الرعد: 37 ـ 38)

(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ). (سورة الكوثر)

وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة:

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة غافر: 7 ـ 9)

وقال عن نظام الأسرة والذرية في الآخرة أيضاً:

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). (سورة الرعد: 22 - 24)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ

الصفحة 214
مَصْفُوفَةٍ وَزَوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ). (سورة الطور: 17 ـ 21)

فنظام الأسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم، أقره الله تعالى واستفاد منه في رسالاته للبشر.

وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والإضطهاد من نظام الأسر الفاسدة المتجبرة، فذلك يرجع إلى فساد تلك الأسر، ولايصح جعله سبباً لرفض بنية الأسرة وفكرتها. فهذه البنية الإجتماعية تختزن إيجابيات كبرى لحمل الرسالة واستمرارها، كما أن فيها خطر سلبيات كبرى أيضاً بأن تتحول إلى ملك عضوض.

وقد تحدث القرآن عن الأجيال التي فسدت من أسر الأنبياء (عليهم السلام) وأتباعهم، وذم المنحرفين منها، واستثنى الصالحين، فقال تعالى:

(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. (سورة مريم: 58 ـ 60)

الإختيار الإلهي الصعب على قريش!

من المتفق عليه بين المسلمين أن الله تعالى اختار بني إسماعيل من العرب، واختار بني هاشم من بني إسماعيل، واختار أسرة