العمل العمل، ثم النهاية النهاية. والإستقامة الإستقامة، ثم الصبر الصبر، والورع الورع. إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، وإن لكم علماً فاهتدوا بعلمكم. وإن للإسلام غاية فانتهوا إلى غايتكم. واخرجوا إلى الله بما افترض عليكم من حقه، وبين لكم من وظائفه. أنا شاهد لكم، وحجيج يوم القيامة عنكم).
الأسئلة
1 ـ هذان نموذجان من خطب وكلمات وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) في وصف القرآن ومدحه، بينما لم نجد أي كلام في وصف القرآن ومدحه لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان! فما هو السبب؟!
المســألة: 72
القرآن كان مجموعاً من عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشكلة جمعه افتعلها عمر!
تقول رواية الدولة إن القرآن لم يكن مجموعاً كله في (مصحف) في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان موزعاً سوراً وآيات عند هذا وذاك، على (العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال) (البخاري:8/ 119)
وتقول رواية أهل البيت (عليهم السلام) إن القرآن كان مجموعاً من عهدالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن شئ إسمه مشكلة جمع القرآن موجوداً، بل الدولة افتعلتها! (والدولة هنا تعني عمر) الذي لم يقبل اعتماد نسخة القرآن التي جاء بها علي (عليه السلام) لتكون النسخة الرسمية للمسلمين، كما رفض طلب الأنصار أن تعتمد الدولة نسخة أبيّ بن كعب، كما رفض بقية نسخ القراء الأربعة الذين رووا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المسلمين أن يأخذوا القرآن منهم: (أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت).
لقد اعتبر عمر أن جمع القرآن من حق الدولة وحدها، وشكل لجنة ثلاثية لجمعه: أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت، وبقي يجمع فيه ومات قبل أن ينشره!!
وفي خلافة عثمان تفاقمت مشكلة الفراغ القرآني، بسبب أن عمر اخترع الأحرف السبعة وسع القراءات! فتفاوتت قراءات الناس وكادت تقع معركة بين المسلمين المشاركين في فتح أرمينية، فأصر الصحابة على عثمان حتى اعتمد نسخة القرآن
والأدلة على صدق مقولة أهل البيت (عليهم السلام) ورد مقولة الدولة، كثيرة:
1 ـ سأل روْح بن عبد الرحيم الإمام الصادق (عليه السلام)، عن شراء المصاحف وبيعها فقال: (إنما كان يوضع الورق عند المنبر، وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف، فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك.
قلت: فما ترى في ذلك؟ قال لي: أشتري أحب إليَّ من أن أبيعه، قلت: فما ترى أن أعطي على كتابته أجراً؟ قال: لا بأس، ولكن هكذا كانوا يصنعون). (الكافي:5/121 ونحوه تهذيب الأحكام: 6/366)
ويؤيده ما رواه مسلم:2/59، عن سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه، وذكر أن رسول الله (ص) كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة).
ورواه البخاري لكنه لم يذكر مكان المصحف، قال:1/127: (يزيد بن أبي عبيد قال كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟ قال فإني رأيت النبي (ص) يتحرى الصلاة عندها).
وقال ابن ماجة:1/459: (كان يأتي إلى سبحة الضحى فيعمد إلى الأسطوانة دون المصحف، فيصلي قريباً منها). (وروى أحمد:4/49 رواية البخاري. وفي:4/54 رواية مسلم. والبيهقي:2/271و:5/247رواية البخاري).
وروى الحاكم:2/611: (عن زيد بن ثابت قال
وهي شهادة مهمة تدل على أن أبا بكر لم يجمع القرآن، وأن عمر لم يجمع القرآن! وأن عثمان إنما كتب القرآن المجموع!
وروى البيهقي:6/16: (عن ابن عباس قال كانت المصاحف لا تباع، كان الرجل يأتي بورقه عند النبي (ص) فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ثم يقوم آخر فيكتب، حتى يفرغ من المصحف!). انتهى.
فقد كان الورق موجوداً إذن، وكانت نسخ القرآن منتشرة!
فأين ما تصوره روايات الدولة من توزع القرآن وعدم جمعه، وانعدام الورق، وأن وسائل الكتابة كانت على الأحجار الرقاق والعظام والخشب؟!
2 ـ أن حفصة استكتبت مولى عمر نسخة من القرآن:
قال في مجمع الزوائد:6/320و:7/154: (عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي (ص) قال فاستكتبتني حفصة مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأملها عليك كما حفظتها من رسول الله (ص). قال فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتبها فيها فقالت: أكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين. رواه أبو يعلى
فالحديث في الموضعين موثق، والكاتب فيه غلام عمر، والمكتوب له بنت عمر، وهو يدل على أن كتابة نسخة من القرآن لم تكن تحتاج إلى أكثر من تكليف كاتب لينسخها عن نسخته هو، أو عن إحدى النسخ الكثيرة الموجودة في أيدي الناس!
فأين روايات الدولة الموثقات والصحيحات عن توزع القرآن بين العسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال!
وأين الجلوس على باب المسجد وسؤال الناس عن آيات القرآن لجمعها ونسخها في مصحف!
بل أين النسخة التي كان يجمعها عمر ويودعها عند بنته حفصة؟! أم أنها نسخة تختلف عن قرآننا الفعلي، ولذلك أحرقها مروان؟!
فأي قرآن كان غير مجموع ويحتاج في جمعه إلى جهود أبو بكر وعمر وكاتبهما اليهودي زيد بن ثابت؟!
3 ـ أن القرآن كان بأيدي الناس كاملاً:
ففي كنز العمال:2/332: (عن أبي الأسود أن عمر بن الخطاب وجد مع رجل مصحفاً قد كتبه بقلم دقيق فقال: ما هذا؟ فقال: القرآن كله! فكره ذلك وضربه وقال: عظموا كتاب الله).
4 ـ استحباب قراءة القرآن في المصحف حتى لمن يحفظه:
وهو حكم شرعي بلغه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين، ويدل على وجود المصحف في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)! ففي مجمع الزوائد:7/165: (باب القراءة في المصحف وغيره)!
وفي البخاري:1/170: (وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف).
وفي مصنف ابن أبي شيبة:7/191: (عن ليث قال: رأيت طلحة يقرأ في المصحف).
5 ـ أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجاز بيع المصاحف على كراهة!
قال ابن قدامة في المغني:4/277: (والصحابة أباحوا شراء المصاحف وكرهوا بيعها، وإن أعطى صاحب العمل هدية أو أكرمه من غير إجارة جاز، وبه قال الشافعي لما روي عن أنس عن النبي (ص) أنه قال: إذا كان إكراماً فلا بأس)!
وقال النووي في المجموع:9/252: (وعن عمر أنه كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول بئس التجارة. وبإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال: كان أصحاب رسول الله (ص) يكرهون بيع المصاحف).
6 ـ استحباب توريث المصحف:
ففي مجمع الزوائد:1/67: (عن أنس، قال رسول الله (ص) سبعة يجري للعبد أجرهن من بعد موته وهو في قبره: من علم علماً، أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته).
هذه الأدلة ويوجد غيرها كثير، تكفي لإثبات أنه لم تكن توجد مشكلة عند المسلمين اسمها جمع القرآن! ولكن روايات السلطة
الأسئلة
1 ـ كيف تغمضون عيونكم عن هذه الأحاديث والنصوص الصحيحة، وتقبلون نصوصاً تقول إن القرآن كان يواجه خطر الضياع لأنه كان مكتوباً بشكل بدائي ساذج على العظام وصفائح الحجارة وسعف النخل، فنهضت الدولة وشمرت عزيمتها لإنقاذ كتاب الله من الضياع والإندثار، وشكلت لجنة عتيدة بذلت جهوداً مضنية في جمعه، حتى أنها استعطت آياته وسوره من الناس على باب المسجد؟!
(عن هشام بن عروة قال: لما استحر القتل بالقراء فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: أقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه). (كنز العمال:2/573 عن ابن أبي داود في المصاحف ونحوه عن ابن سعد).
2 ـ أنظروا الى هذا التناقض المكعب في رواياتكم عن جمع القرآن، الذي عجز علماؤكم عن حله، لأنهم لايمكنهم حله بدون رد ادعاءات أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت!
- رويتم وروينا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. وهذا يعني أن القرآن كان مجموعاً في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن واجب الأمة أن تأخذه وتأخذ تفسيره من العترة.
- كما رويتم بأحاديث صحيحة أن بعض الصحابة وأولهم علي (عليه السلام) جمعوا القرآن في عهد
- ثم نقضتم ذلك فرويتم بأحاديث صحيحة أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المسلمين أن يأخذوا القرآن من أربعة: ابن مسعود، وأبي بن كعب، وسالم ومعاذ. فلا من العترة أخذتم، ولا من هؤلاء الأربعة؟!
- ثم نقضتم ذلك فرويتم أن القرآن لم يكن مجموعاً، وأن أبا بكر وعمر جمعاه من السعف واللخم، والقحوف، وصدور الرجال..الخ.!
- ثم نقضتم ذلك بأن القرآن لم يكن مجموعاً في عهد أبي بكر ولا عمر، حتى جمعه عثمان في أواخر خلافته، وهو هذا القرآن!
- ثم نقضتم ذلك فقلتم إن أبا بكر شكل لجنة لجمع القرآن من ثلاثة أشخاص: أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت، وأن هذه اللجنة عملت طوال خلافة أبي بكر وخلافة عمر، بضع عشرة سنة ولم يظهر منها نتيجة!
- ثم نقضتم ذلك فقلتم إن اللجنة العتيدة كانت تجمع القرآن وتضعه أمانة عند حفصة، وأن قرآن عثمان كتب من صحف حفصة!
- ثم نقضتم ذلك أيضاً فرويتم أن حفصة لم تعط الصحف لعثمان وبقي مصراً على أخذها، وبقيت مصرة على منعه حتى ماتت، وبعد دفنها رجع مروان مع أخيها عبد الله بن عمر إلى بيتها وأخذ تلك الصحف وأحرقها!
3- ألا تدل هذ التناقضات على أن مسألة جمع القرآن كانت مسألة سياسية ولو كانت مسألة فنية لانحلت في شهر واحد؟! فما هي المسألة السياسية إلا أن عمر
الفصل الخامس
لماذا رفض عمر نسخة القرآن الشرعية وأخذ يجمعه عند حفصة؟!
المســألة: 73
وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن التي يرويها السنة والشيعة
صح عند السنة والشيعة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى أمته بأن تتمسك بعده بالقرآن والعترة، ومعناه أنه أوجب على المسلمين أن يحبوهم ويطيعوهم ويأخذوا منهم القرآن ومعالم دينهم!
وذلك في حديث الثقلين الذي أكده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مراراً وصحت روايته عند الطرفين، وهو حاكم على كل وصية أخرى.
فمن نصوصه ما رواه أحمد:3/17: (عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا بمَ تخلفوني فيهما؟!). انتهى. وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدد الطرق في المصادر، أن أحد علماء الهند ألف في جمع أسانيده كتاب (عبقات الأنوار) من عدة مجلدات.
وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن التي يرويها السنة
وصح عندهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد لعدة أشخاص من صحابته بأنهم حفاظ القرآن، وأمر المسلمين بأن يأخذوا القرآن منهم!
روى البخاري:6/102: (عن مسروق ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال لا أزال أحبه، سمعت النبي (ص) يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبيّ بن كعب). (ونحوه في:4/
وفي مجمع الزوائد:9/52: (وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله (ص): خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ومعاذ وأبيّ وسالم، ولقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل).
بأي الوصيتين عمل عمر؟!
بموجب الوصية النبوية كان على أبي بكر وعمر أن يأخذا القرآن من علي (عليه السلام) أو يكتباه عن نسخة أي واحد من هؤلاء الأربعة، ويعمما نسخته على بلاد المسلمين. وقد روت المصادر أن المسلمون طالبوا عمر بتبني مصحف أهل البيت (عليهم السلام) أو أحد مصاحف هؤلاء الأربعة، ولكنه نهاهم! وقال لا أسمح أن يقوم بذلك أحد، أنا أقوم بجمع القرآن!
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:2/705: (حدثنا هارون بن عمر الدمشقي قال حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن إسماعيل بن عياش، عن عمر بن محمد، عن أبيه قال: جاءت الأنصار إلى عمرفقالوا: نجمع القرآن في مصحف واحد فقال: إنكم أقوام في ألسنتكم لحن، وإني أكره أن تحدثوا في القرآن لحناً. فأبى عليهم)!!
وقال ابن أبي شيبة في مصنفه:7/151: (حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمة قال أخبرني سالم أن زيد بن ثابت استشار عمر في جمع القرآن فأبى عليه فقال: أنتم قوم تلحنون، واستشار عثمان فأذن له).
لقد رفض خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العمل بوصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جهاراً نهاراً في القرآن ومنع الدولة طوال عهد أبي بكر، وطوال عهده أن تتبنى نسخته الشرعية!
والعجيب أن الذي رفع في وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شعار (كتاب الله حسبنا) ولم يرض أن يكتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمته كتاباً يؤمنها من الضلال! أبقى الدولة نحو ربع قرن بعد وفاة نبيها بلا نسخة قرآن رسمية!
كما أبقاها بلا نسخة رسمية مدونة من الحديث النبوي!
بل منع الصحابة من مجرد رواية الحديث عن نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)!
قال عمر إنه هو سيجمع القرآن! وشكل لجنة لجمعه في عهد أبي بكر مؤلفة من أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت! وعملت اللجنة العتيدة طوال خلافة أبي بكر وطوال خلافة عمر، وكانت نتيجة عملها صحف عمر التي كانت مودعة عند حفصة! والتي رفضت حفصة أن تعطيها لعثمان حتى أخذها مروان يوم وفاتها وأحرقها!!
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:3/1003: (عن ابن شهاب قال حدثني أنس قال: لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضاً فمنعتها إياه.... قال الزهري: فحدثني سالم قال: لما توفيت حفصة
وبذلك نعرف أن مصحف عمر العتيد الذي جمعه لينشره ويلزم المسلمين به، كان فيه تحريفات لم يتحملها عثمان وبنو أمية لأنها تخالف المصحف الذي جمعه خليفتهم عثمان!
ولا بد أنه كان فيه كل ما روي عن عمر من قراءات شاذة كان يقرأ بها، وفيه سورتا الحفد والخلع اللتان كان يقرؤهما في صلاته، وفيه ما لا نعلم من اجتهادات عمر التي أراح الله المسلمين منها، وبيد مروان!!
الأسئلة
1 ـ إذا لم يكن معنى وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثقلين القرآن والعترة أنها وصيةٌ للأمة بالدستور والمرجع لتفسيره، فما عسى أن يكون معناها؟!
2 ـ إن قلتم إن أخذ القرآن ومعالم الدين ليس محصوراً بالعترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام)، أليس من واجب عمر أن يأخذ القرآن من الأربعة الذين سماهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الأمة أن تأخذ القرآن منهم؟
3 ـ كيف تحول عندكم موقف عمر غير الشرعي والغريب، إلى فضيلة لعمر وخدمة
المســألة: 74
بدعة عمر بأن القرآن نزل على سبعة أحرف!
إذا كنت مسلماً سنياً وكنت من أعلم العلماء، فلن تستطيع أن تقنع أطفالك بنظرية عمر، بأن القرآن نزل على سبعة حروف!
بل سوف تتحير من أول الأمر ماذا تقول لهم؟!
فهل تقول لهم إن الله تعالى أنزل القرآن بسبعة نصوص؟
يعني أنزل سبعة قرائين؟! أو أنزله بسبع طبعات منقحة؟!
وماذا تجيب إذا سألك ولدك الناشئ فقال لك: يا أبتي نحن نعرف أن الملك أو رئيس الجمهورية يصدر المرسوم بنسخة واحدة ونص واحد! وأنت تقول إن جبرئيل كان يضبط نص القرآن على النبي كل سنة مرة، فهل تقصد أنه نزل على النبي من الأول سبع نسخ، وكان جبرئيل يضبط عليه سبعة نسخ؟!
ولماذا السبع نسخ، ألا تكفي نسخة واحدة؟!
ثم ما هو الفرق بين هذه النسخ؟!
تقول لابنك: لا يا ولدي، القرآن نسخة واحدة ومعنى السبعة حروف أن الله تعالى استعمل فيه سبعة أنواع من لغات العرب.
فيقول لك: ولكن هذا لا يقال له نزل على سبعة حروف، بل يقال إن ألفاظه مختارة من كلمات سبع قبائل!
ثم تقول له.. ويقول لك.. حتى تعجز
وقد يسكت ابنك، لكن يبقى السؤال يجول في نفسه ويقول:
هل يمكن أن يتكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير المعقول؟!
ألا يمكن أن يكون عمر مشتبهاً؟
لقد تحير كبار علماء السنة ومفسروهم وما زالوا متحيرين إلى يومنا هذا في نظرية عمر (الأحرف السبعة)! فلا هم يستطيعون أن يردوها لأنها بتصورهم حديث نبوي رواه عمر! ولا هم يستطيعون أن يقنعوا بها أحداً، أو يقتنعوا هم بها!! وسيظلون متحيرين إلى آخر الدهر، لسبب بسيط هو أنهم يبحثون عن معنى معقول لمقولة ليس لها معنى معقول!!
من كبار العلماء المتحيرين الإمام ابن جزي المشهود له في التفسير وعلوم القرآن، فقد نقل في تاريخ القرآن ص87 قوله: (ولا زلت أستشكل هذا الحديث ـ أي حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ـ وأفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صواباً إن شاء الله تعالى، وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه)!! انتهى.
وأنت ترى أن ابن جزي بعد تفكير أكثر من ثلاثين سنة غير مطمئن إلى ما توصل إليه، وإن سماه فتحاً علمياً! ولذا عبر عنه
فكيف تعقَّل هذا العالم أن نسخة القرآن نزل بها جبرئيل مفتوحة لاجتهادات القراء الذين سوف يأتون! ثم اعتبر ذلك فتحاً علمياً؟!
بالله عليك هل تتعقل أن مؤلفاً يؤلف كتاباً بسبعة نصوص سوف تظهر على يد أشخاص بعد نشره؟!!
قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن:1/172: (وقال ابن حجر: ذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الإختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولاً، ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة، ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا، بعد تتبعي مظانه.
قلت: قد حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره عنه بواسطة الشرف المزني المرسي. فقال: قال ابن حبان اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولاً).
وقال السيوطي في ص176: (قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها). انتهى.
وهو اعتراف من ابن حبان بأن جميع هذه الأقوال لاتزيد عن كونها احتمالات استنسابية غير مقنعة!
هذه نماذج من أقوال هؤلاء العلماء الكبار، وهي كافية للتدليل على أن النظرية برأيهم غير قابلة للفهم والتعقل.. فهل يجوز نسبتها والحال هذه إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
سبب ابتداع عمر هذه البدعة؟
السبب ببساطة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في حياته يصحح نص القرآن لمن يقرؤه فكان مصدر نص القرآن واحداً مضبوطاً.
أما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحداث السقيفة وبيعة أبي بكر، فقد جاءهم علي بنسخة القرآن بخط يده حسب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرفضوا اعتمادها، لأنه كان فيها برأيهم تفسير بعض الآيات أو كثير منها لمصلحة علي والعترة (عليهم السلام)، فأخذها علي وقال: لهم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني أن أعرضها عليكم فإن قبلتموها فهو، وإلا فإني أحفظها وأقرأ النسخة التي تعتمدونها، حتى لا يكون في أيدي الناس نسختان للقرآن!
وقال: أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد جمعته من اللوحين فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه)! انتهى.
من ذلك اليوم ولدت أرضية التفاوت في النص القرآني وأخذ الخليفة والناس يقرؤون ولا مصحح لهم، ولا مرجع يرجعون إليه في نص القرآن!
وما لبث أن انتشر التفاوت في قراءاتهم، ثم تحول التفاوت إلى اختلاف بين القراء في هذه الكلمة وتلك، وهذه الآية وتلك، فهذا يقرأ في صلاته أو يعلم المسلمين بنحو، وذاك بنحو آخر! وهذا يؤكد صحة قراءته وخطأ القراءة المخالفة، وذاك بعكسه.. وهذا يتعصب لهذه القراءة وقارئها، وهذا لذاك.. إلى آخر المشكلة الكبيرة التي تهم كيان الدولة الإسلامية وتمس قرآنها المنزل!!
روى النسائي:2/150: (عن ابن مخرمة أن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام (من الطلقاء) يقرأ سورة الفرقان فقرأ فيها حروفاً لم يكن نبي الله (ص) أقرأنيها! قلت من أقرأك هذه السورة؟! قال رسول الله (ص). قلت كذبت، ما هكذا أقرأك رسول الله (ص)! فأخذت بيده أقوده إلى رسول الله (ص) وقلت: يا رسول الله إنك أقرأتني سورة الفرقان وإني سمعت هذا يقرأ فيها حروفاً لم تكن أقرأتنيها! فقال رسول الله (ص): إقرأ يا هشام فقرأ كما كان يقرأ فقال رسول الله (ص) هكذا أنزلت! ثم قال إقرأ يا عمر فقرأت، فقال: هكذا أنزلت!! ثم قال رسول الله (ص): إن القرآن أنزل على سبعة أحرف!). (ورواه البخاري:6/100و:6/110و:3/90و:8/215،ومسلم:2/201بروايتين، وأبوداود:1/331، والترمذي:4/263، والبيهقي:2 /383، وأحمد:1/24و39 و45 و264)
وكلام عمر صريح في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نزلت من عند الله هكذا وهكذا! أي بنحوين مختلفين بل بسبعة أشكال! تعالى الله عن ذلك!