الصفحة 308

وستعرف أن عمر قام بتحريف حديث نبوي في أن القرآن نزل على سبعة أقسام من المعاني، ولا علاقة له بألفاظ القرآن وحروفه!

فالنظرية إذن، ولدت على يد عمر عندما واجه مشكلة لايعرفها، ولم يعالجها بنسخة القرآن، بل روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث الأحرف السبعة ليثبت مشروعية التسامح والتفاوت في قراءة النص القرآني!

ولكنه بذلك سكن المشكلة تسكيناً آنياً، ثم حير أتباعه من علماء الأمة أربعة عشر قرناً في تصور معنى معقول لنظريته العتيدة وحديثه الغريب المزعوم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

من أدلة بطلان بدعة عمر

أولاً: أن صاحب المقولة لم يطبقها! فقد رخص بقراءة القرآن بسبعة أنواع، لكنه لم يسمح لأحد بذلك! فكان يتدخل في القراءات ويحاسب عليها، ويرفض منها ويقبل، ويأمر بمحو هذا وإثبات ذاك! وكم وقعت مشاكل بينه وبين أبيِّ بن كعب وغيره من القراء، بسبب أنه قرأ آية بلفظ لم يعجب عمر!

فقد كانت هذه التوسعة المزعومة خاصة به دون غيره!!

ثانياً: أن عثمان نقضها وأوجب أن يقرأ القرآن بالحرف الذي كتب عليه مصحفه! فأين صارت السبعة أحرف التي قلتم إن حديثها صحيح متواتر؟!


الصفحة 309
لقد صار معناها أن القرآن نزل من عند الله تعالى على سبعة أحرف، ثم صار في زمن عثمان إلى حرف واحد!! فيكون حديث عمر مفصلاً لمشكلة اضطراب القراءة في زمنه فقط! فهل رأيتم حديثاً نبوياً لادور إلى يوم القيامة إلا أداء وظيفة خاصة وهي تسكين مشكلة اختلاف القراءات آنياً؟!

ثالثاً: إن التوسعة على الناس والتسامح في نص القرآن مسألة كبيرة وخطيرة! فكيف لم تكن معروفة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعامة الصحابة والمسلمين؟

ثم عرفت على يد عمر عندما وجدت مشكلة تفاوت القراءات؟!

رابعاً: إذا صحت نظرية عمر في الأحرف السبعة، وأن الله تعالى قد وسع على المسلمين في قراءة نص كتابه، فلماذا حَرَمَ الله نبيه من هذه النعمة وحرم عليه تبديل شئ منه فقال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (سورة يونس: 15)، وألزمه بحفظه حرفياً بدقة عالية وكان ينزل عليه جبرئيل كل عام مرة ليضبط عليه نص القرآن، وفي سنة وفاته ضبطه عليه مرتين ليتأكد من دقة تبليغه له؟!

وهل يقبل العقل من رئيس عادي أن يصدر قانوناً ويتشدد مع وزيره في ضبط نصه وطباعته، وبعد نشره للتطبيق يجيز للناس أن يقرؤوا نصه بعدة ولو بتغيير ألفاظه!!


الصفحة 310
خامساً: هشام بن حكيم بن حزام الذي قال عمر إن القصة حدثت معه، هو أحد الطلقاء الذين أسلموا تحت السيف في فتح مكة، أي في السنة الثامنة للهجرة، واختلاف عمر معه في القراءة لا بد أن يكون بعد أن جاء هشام إلى المدينة مع ألوف الطلقاء الذين أرسلتهم قريش ليكونوا لها ثقلاً في المدينة!

فزمن القصة نحو السنة الأخيرة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعناها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إلى ذلك الوقت يقرأ نص القرآن بصيغة واحدة وحرف واحد ولم يقل لجبرئيل شيئاً، إلى أن جاءه جبرئيل في أواخر حياته وقال له: (إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك!) فصعد جبرئيل ثم نزل وزاده حرفاً وقال على حرفين، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أمتي لا تطيق ذلك) وأخذ يساومه ويستزيده وهو يصعد وينزل، حتى وصل معه إلى سبعة أحرف! (النسائي:2/150، وغيره من مصادرهم!!) فهل ترون هذا النوع من تعامل الأنبياء (عليهم السلام) مع ربهم تعالى، إلا في روايات اليهود؟!

الأحاديث الصحيحة التي رفضوها من أجل بدعة عمر!

وهي كأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تفسر الأحرف السبعة في الحديث النبوي بالمعاني، لكن القوم ظلموها مع أن فيها الصحيح، ولم يفتحوا أسماعهم لها لمجرد أنها تعارض تفسير عمر ومن تبعه للحديث ونصهم التحريفي له!


الصفحة 311
وأكبر مرجح لها على حديث عمر وما وافقه أنها ذات معنى معقول، وأنها تسد ذريعة التوسع في نص القرآن وتحريفه!

روى الحاكم:1/553 و:2/289: (عن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجراً وآمراً وحلالاً وحراماً ومحكماً ومتشابهاً وأمثالاً، فأحلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمُحْكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). (ورواه السيوطي في الدر المنثور:2/6،عن ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الابانة عن ابن مسعود عن النبي (ص)... وعن الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي (ص) قال لعبد الله بن مسعود... إلخ. وعن ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود... إلخ. وعن البيهقي في شعب الايمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وغرائبه فرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال). انتهى.

وقال السيوطي في الإتقان ص170 وهو يعدد الأربعين وجهاً في تفسير كلام عمر: (الحادي عشر: أن المراد سبعة أصناف، والأحاديث السابقة ترده، والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل: أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن

الصفحة 312
النبي (ص) قال: (كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه، وأمثال..الخ.). انتهى.

وقصده بالأحاديث السابقة التي ترد هذا الوجه: أحاديث عمر التي تنص على أن السبعة أحرف تقصد ألفاظ القرآن لامعانيه! وبهذا يكون السيوطي وقف إلى صف الذين أقفلوا باب الحل المعقول لورطة الأحرف السبعة!

وقال في ص172: (السادس عشر: إن المراد بها سبعة علوم: علم الإنشاد والإيجاد، وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات). انتهى. ولا بد أنه يرد هذا الوجه أيضاً، لأن حديث عمر ينص على أن المقصود بالسبعة الألفاظ لا المعاني!

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:7/152: (وعن عبد الله يعني ابن مسعود أن النبي (ص) قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن... الخ. رواه البزار وأبو يعلى في الكبير وفي رواية عنده لكل حرف منها بطن وظهر، والطبراني في الأوسط باختصار آخره، ورجال أحدهما ثقات. ورواية البزار عنه محمد بن عجلان عن أبي إسحاق، قال في آخرها: لم يرو محمد بن عجلان عن إبراهيم الهجري غير هذا الحديث، قلت: ومحمد بن عجلان إنما روى عن أبي إسحاق السبيعي، فإن كان هو أبو إسحاق

الصفحة 313
السبيعي فرجال البزار أيضاً ثقات).انتهى.

أهل البيت عليهم السلام.. كلامهم نور

روى الكليني في الكافي:2/630: (عن زرارة، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الإختلاف يجئ من قبل الرواة....

عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد!) انتهى.

ويدل قوله (عليه السلام):كذبوا أعداء الله، على أنه كان يوجد جماعة يريدون تمييع نص القرآن بهذه المقولة!

ويدل أيضاً على جواز الجمع بين فاعلين مضمر وظاهر لغرض التأكيد على الفاعل، مثل تمييز أحد المعطوفات بإعراب آخر لتأكيده، كما ورد في القرآن، وأن هذ القاعدة فات النحاة استقراؤها في كلام العرب، كما فاتهم إضافة (بقي) إلى أخوات كان، مع أنه لافرق بينهما.

وروى المجلسي في بحار الأنوار:90/3: حديثاً جاء فيه (عن إسماعيل بن جابر قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً فختم به الأنبياء فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً فختم به الكتب فلا كتاب بعده، أحل فيه حلالاً وحرم حراماً، فحلاله حلال إلى يوم

الصفحة 314
القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فيه شرعكم وخبر من قبلكم وبعدكم، وجعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس وهم الشهداء على أهل كل زمان، فعدلوا عنهم ثم قتلوهم واتبعوا غيرهم... ضربوا بعض القرآن ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية وتركوا السبب في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله... ولقد سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه شيعتُه عن مثل هذا فقال: إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل منها شاف كاف، وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص. وفي القرآن ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وخاص وعام، ومقدم ومؤخر، وعزائم ورخص، وحلال وحرام، وفرائض وأحكام، ومنقطع ومعطوف، ومنقطع غير معطوف، وحرف مكان حرف، ومنه ما لفظه خاص، ومنه ما لفظه عام محتمل العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل، ومنه ما لفظه على الخبر ومعناه حكاية عن قوم أخر، ومنه ما هو باق محرف عن جهته، ومنه ما هو على خلاف تنزيله، ومنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله. ومنه

الصفحة 315
آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله، ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى، ومنه آيات متفقه اللفظ مختلفة المعنى، ومنه آيات فيها رخصة وإطلاق بعد العزيمة...الخ.).

وينبغي الإلتفات إلى أنه (عليه السلام) استعمل كلمة (أقسام) وترك استعمال كلمة (أحرف أو حروف) حتى لا يفسرها أحد بألفاظ القرآن كما فسروا السبعة أحرف في الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة:8/99: (ثم اعلم أن العامة قد رووا في أخبارهم أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف كلها شاف واف، وادعوا تواتر ذلك عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، واختلفوا في معناه إلى ما يبلغ أربعين قولاً، أشهرها الحمل على القراءات السبع. وقدروى الصدوق قدس سره في كتاب الخصال بإسناده إليهم (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني آت من الله عز وجل يقول إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت يا رب وسع على أمتي فقال إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف.

وفي هذا الحديث ما يوافق أخبار العامة المذكورة، مع أنه (عليه السلام) قد نفى ذلك في الأحاديث المتقدمة وكذبهم في ما زعموه من التعدد، فهذا الخبر بظاهره مناف لما دلت عليه تلك الأخبار والحمل على التقية أقرب فيه) انتهى.

وقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه:2/274:


الصفحة 316
(والحق أنه لم يتحقق أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ شيئاً من القرآن بكيفيات مختلفة، بل ثبت خلافه فيما كان الإختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغييرها في انقلاب ماهية الكلام عرفاً، كما في ضم التاء من أنعمت، ضرورة أن القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطقت به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل، مثل ما رواه ثقة الإسلام الكليني بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد من عند الواحد ولكن الإختلاف يجئ من قبل الرواة! وعن الفضيل بن يسار في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف، فقال كذبوا أعداء الله، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل قد يدعى تواتره، ولكنهم حرفوها عن موضعها وفسروها بآرائهم، مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف أقسامه ومقاصده، فإنهم على ما حكي عنهم رووا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف: أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. ويؤيده ما روي من طرقنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف، وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص..... فظهر مما ذكرنا أن الإستشهاد

الصفحة 317
بالخبر المزبور لصحة القراءات السبع وتواترها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير محله. وكفاك شاهداً لذلك ما قيل من أنه نقل اختلافهم في معناه إلى ما يقرب من أربعين قولاً!).

وقال السيد الخوئي في مستند العروة:14/474: (هذا، وحيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنها المعني بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما روي عنه، إن القرآن نزل على سبعة أحرف، وهذا كما ترى غلط فاحش، فإن أصل الرواية لم تثبت، وإنما رويت من طريق العامة، بل هي منحولة مجعولة كما نص الصادق (عليه السلام) على تكذيبها بقوله: كذبوا أعداء الله نزل على حرف واحد). انتهى.

وقال السيد الخوئي في البيان في تفسير القرآن ص180: بعد إيراد روايات السبعة أحرف: (وعلى هذا فلا بد من طرح الروايات، لأن الإلتزام بمفادها غير ممكن. والدليل على ذلك:

أولاً: أن هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن، التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة....

ثانياً: إن كان المراد من هذا الوجه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جوز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات أخرى تقاربها في المعنى، ويشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة، فهذا الإحتمال يوجب هدم أساس القرآن، المعجزة الأبدية، والحجة على جميع البشر... وقد قال الله تعالى: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي. وإذا لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبدل القرآن من تلقاء نفسه

الصفحة 318
، فكيف يجوز ذلك لغيره؟! وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم البراء بن عازب دعاء كان فيه ونبيك الذي أرسلت فقرأ براء:ورسولك الذي أرسلت، فأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لايضع الرسول موضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فإذا كان هذا في الدعاء فماذا يكون الشأن في القرآن؟.....

ثالثاً: أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الأمة، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد، وأن هذا هو الذي دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإستزادة إلى سبعة أحرف. وقد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفر بعض المسلمين بعضاً حتى حصر عثمان القراءة بحرف واحد وأمر بإحراق بقية المصاحف.

ويستنتج من ذلك.... أن الاختلاف في القراءة كان نقمةً على الأمة وقد ظهر ذلك في عصر عثمان، فكيف يصح أن يطلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله ما فيه فساد الأمة. وكيف يصح على الله أن يجيبه إلى ذلك؟ وقد ورد في كثير من الروايات النهي عن الإختلاف، وأن فيه هلاك الأمة، وفي بعضها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تغير وجهه واحمر حين ذكر له الاختلاف في القراءة..... وحاصل ما قدمناه: أن نزول القرآن على سبعة أحرف لايرجع إلى معنى صحيح، فلا بد من طرح الروايات الدالة عليه، ولاسيما بعد أن دلت أحاديث الصادقين (عليهم السلام) على تكذيبها وأن القرآن إنما نزل على حرف واحد، وأن الاختلاف قد جاء من قبل الرواة). انتهى.

*  *  *


الصفحة 319

الصفحة 320

الأسئلة

1 ـ هل تقبلون أن القرآن الذي هو كلام الله تعالى لم ينزل على حرف واحد بل على سبعة أحرف؟!

2 ـ إذا قبلتم مقولة عمر فهل تجوزون تبديل كلمات القرآن وتحريفه؟!

3 ـ ماذا كان موقفكم لو قال شخص غير عمر إن نص القرآن ليس واحداً بل يتسع لسبعة أنواع؟!

4 ـ لماذا تردون الأحاديث الصحيحة التي تعارض مقولة عمر وتنص على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، أي سبعة معاني؟

5- إذا كان عندنا نصان لحديث نبوي، أحدهما يرويه صحابي وليس له معنى معقول، والآخر يرويه صحابي آخر وله معنى معقول.. فبأي النصين نأخذ؟!

6 ـ مالكم أعرضتم عن رواية عبدالله بم مسعود وغيره من الصحابة، وأعرضتم عن حديث أهل بيت نبيكم، وقد أوصاكم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وبهم، وقد بينوا لكم أن القرآن نزل من عند الواحد على حرف واحد، على قلب واحد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

*  *  *


الصفحة 321

المســألة: 75
علي (عليه السلام) يحرك عثمان لتخليص المسلمين من بدعة عمر!

كان علي (عليه السلام) يضغط على عمر لكي تعتمد الدولة نسخة واحدة من القرآن، ولم يسمع عمر نصيحته، بل أجاز قراءة القرآن بأشكال مختلفة محتجاً بأنه نزل على سبعة أحرف، وإنه مشغول بجمعه!

ولم تمض سنوات حتى سبب عمل عمر تفاوتاً بين مصاحف الصحابة، ومصاحف أهل المدينة والشام والعراق واليمن، واختلف فيه الصبيان عند الكتاتيب والمعلمين، واختلف الناس في الأمصار، حتى وصل الإختلاف إلى الجيش العراقي والجيش الشامي اللذين كانا في فتح أرمينية بقيادة حذيفة بن اليمان، فكفر بعضهم بقرآن بعض وكاد يقع بينهم قتال، فاستكبر ذلك حذيفة وقصد المدينة وأصر مع علي (عليه السلام) على عثمان أن يوحد نسخة القرآن قبل أن تصير متعددة كإنجيل النصارى، وواصلا سعيهما حتى تمت كتابة المصحف المعروف بمصحف عثمان!

وخير شهادة لدور علي (عليه السلام) العظيم في ذلك ما قاله عبد الله بن الزبير العدو اللدود لعلي وبني هاشم، والذي بلغ من كرهه لهم أنه ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبه في مكة فعوتب على ذلك فقال: إن هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليَّ ما يسرهم! وفي رواية: إن له أهيل سوء... الخ! (الصحيح من السيرة:2/153، عن العقد الفريد:4/413 ط دار

الصفحة 322
الكتاب العربي، وأنساب الأشراف:4/28، وغيرهما).

يقول ابن الزبير كما يروي عنه عمر بن شبة في تاريخ المدينة:3/990:

(حدثنا الحسن بن عثمان قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن سوار بن شبيب قال: دخلت على ابن الزبير في نفر، فسألته عن عثمان لم شقق المصاحف ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية، قلنا: لا والله ما نحن حرورية. قال: قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع!! فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة، فكان عمر قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة، فطعن طعنته التي مات فيها، فلما كان في خلافة عثمان، قام ذلك الرجل فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله القرآن، فعرضناها عليها حتى قومناها، ثم أمر بسائرها فشققت). انتهى.

فقد اعترض سوار ورفقاؤه القراء على عثمان لأنه وحَّد نسخة القرآن ومزق الباقي! وقد تعودوا هم على الإختلاف وتعلموا من عمر أن القرآن نزل على سبعة نسخ كلها صحيحة!

ودافع ابن الزبير عن عثمان بأنه لم يخالف عمر، فقد كان عمر ينوي توحيد نسخة القرآن، والتنازل عن الأحرف السبعة!

وقال لهم ابن الزبير إن السبب في نية عمر تلك، أنه يوجد (رجل فيه كذب وولع)

الصفحة 323
كان يصر عليه بهذا العمل، ثم (قام ذلك الرجل) وأخذ يصر على عثمان، فجمع القرآن من مصحف خالتي عائشة!

فهذا الرجل الكبير الحكيم الذي كان السبب في توحيد نسخة القرآن هو الذي يكرهه عبدالله بن الزبير ويصفه بأنه (فيه ولع وكذب) وهو الذي واصل مسعاه مع عثمان حتى نجح في هدفه!

فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين؟!

إنه علي (عليه السلام)! الذي قلما تتحدث روايات السلطة عن دوره، لكنها تحدثت عن دور حذيفة في جمع القرآن، وهو الشيعي المطيع لإمامه!

روايات السلطة تصف تفاقم أزمة الأحرف السبعة!

قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:3/991:

(عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق وأفزع باختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من

الصفحة 324
القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا ذلك، حتى إذا نسخ المصحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). (ورواه البخاري:6/99 بتفاوت يسير. وكنز العمال:2/581، وقال في مصادره (ابن سعد، خ، ت، ن، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، حب، ق) انتهى.) ثم أضاف ابن شبة:

(عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أنه اجتمع لغزوة أرمينية وأذربيجان أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة، فركب حذيفة بن اليمان إلى عثمان لما رأى من اختلافهم في القرآن فقال: إن الناس قد اختلفوا في القرآن حتى والله إني لأخشى أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الإختلاف، ففزع لذلك عثمان فزعاً شديداً، فأرسل إلى حفصة فاستخرج المصاحف التي كان أبو بكر أمر بجمعها زيداً، فنسخ منها مصاحف بعث بها إلى الآفاق.

عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت أن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام بقراءة أبي بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق! قال: فأمرني عثمان أن

الصفحة 325
أكتب له مصحفاً فكتبته فلما فرغت منه عرضه.

حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث أن بكيراً حدث: أن ناساً كانوا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال فإني أكفر بهذه! ففشا ذلك في الناس واختلفوا في القراءة، فكلم عثمان بن عفان في ذلك، فأمر بجمع المصاحف فأحرقها، وكتب مصاحف ثم بثها في الأجناد). انتهى.

فالسبب الأساسي الذي حرك عثمان لمعالجة فتنة الأحرف السبعة العمرية هو علي (عليه السلام)، فقد أصر على عثمان وجعله يصدر مرسوماً خلافياً به، هو وحذيفة. ويبدو أن خطبة عثمان التالية كانت بعد مجئ حذيفة قائد الجبهة الشرقية للفتوحات ومعه عدد من القادة العسكريين يحذرون من المشكلة.

قال في كنز العمال:2/582: (عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً! فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماماً) انتهى.

أما ما رواه أحمد عن فزع أهل الكوفة إلى ابن مسعود وتسكيته لهم، فهو يعبر عن سياسة عمر، ولعل القضية كانت في عهد عمر! قال أحمد:1/445: (عن عثمان بن حسان

الصفحة 326
عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين ولكن جئناك حين راعنا هذا الخبر! فقال: إن القرآن نزل على نبيكم (ص) من سبعة أبواب على سبعة أحرف أو قال حروف وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد).

كانت مشكلة وأزمة خطيرة إذن، شملت التلاميذ ومعلميهم في مكاتب القرآن، والمصلين في المساجد، وحكام الأمصار والمجاهدين في جيوش الفتح، بسبب فتنة أحرف عمر السبعة! وكان علاجها الوحيد تدوين القرآن على حرف واحد وجمع المسلمين عليه!

حذيفة يحمل بأمر علي (عليه السلام) لواء توحيد القرآن

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:42/457: (قالت بنو عبس لحذيفة إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا: إن عماراً لايفارق علياً! قال: إن الحسد أهلك الجسد! وإنما ينفركم عن عمار قربه من علي؟! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار. وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي). (وهو في كنزالعمال:13/532).

وقال الذهبي في السير:2/361: (حذيفة بن اليمان. من نجباء أصحاب محمد (ص)، وهو صاحب السر... حليف الأنصار، من أعيان

الصفحة 327
المهاجرين... عن ابن سيرين أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن إسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم... وليَ حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة... وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله (ص) ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو. وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول، رضي الله عنه.

...خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله...

أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى قال: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!) انتهى.

وكما كان حذيفة من حواريي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وموضع سره، صار بعده من خاصة شيعة علي (عليه السلام) وموضع سره، وهذا يؤكد أنه لايقوم بعمل مهم إلا بأمر علي (عليه السلام)، وأنه (عليه السلام) كان وراء حركة توحيد نسخة القرآن!

وقد اعترف الجميع أن الذي قام بدور (يا للقرآن..يا للمسلمين) هو حذيفة الذي كان حاكماً على المدائن، وقائداً لجيش الفتح في آذربيجان وأرمينية، وقد جاء إلى المدينة خصيصاً مع وفد من جيش الفتح، شاكياً إلى عثمان طالباً حل مشكلة خطيرة داخل جيوش الفتح فاستجاب له عثمان بعد أن كانت المسألة نصف ناضجة في ذهنه،

الصفحة 328
وأصدر مرسومه التاريخي بتوحيد نسخة القرآن، وبقي حذيفة في المدينة يواكب تدوين القرآن، ثم قام بتنفيذ المرسوم عملياً بأمر عثمان ونفوذ حذيفة الأدبي باعتباره من خاصة أصحاب النبي (عليه السلام)، وكان عليه أن يصادر المصاحف التي فيها تغيير عن المصحف العثماني، وهي مصحف عمر الذي عند حفصة، ومصحف أبي موسى الأشعري، ومصحف أبي، ومصحف ابن مسعود.

أما مصحف عمر فقد استعصت به حفصة ولم تسلمه إلى عثمان حتى توفيت، فأخذه مروان وأحرقه.

وأما مصحف أبي بن كعب فيظهر أن عثمان أخذه من ورثته بدون مشكلة. فقد روى في كنز العمال:2/585: (عن محمد بن أبيّ بن كعب أن ناساً من أهل العراق قدموا عليه فقالوا، إنا تحملنا إليك من العراق، فأخرج لنا مصحف أبيٍّ، فقال محمد قد قبضه عثمان قالوا: سبحان الله أخرجه، قال: قد قبضه عثمان ـ أبوعبيد في الفضائل وابن أبي داود) انتهى.

وأما مصحف أبي موسى فقد ذهب حذيفة إلى البصرة وصادره منه وهو يتأسف على زياداته ويترجاه أن يبقيها!

بينما استعصى ابن مسعود بمصحفه حتى توفي!

قال ابن شبة في تاريخ المدينة:3/998: (حدثنا عمرو بن مرة الجملي قال: استأذن رجل على ابن مسعود فقال الآذن: إن القوم والأشعري، وإذا حذيفة يقول لهم: أما إنكما إن شئتما أقمتما هذا الكتاب على حرف واحد فإني قد خشيت أن يتهون الناس فيه تهون

الصفحة 329
أهل الكتاب! أما أنت يا أبو (كذا) موسى فيطيعك أهل اليمن، وأما أنت يا ابن مسعود فيطيعك الناس. قال ابن مسعود: لو أني أعلم أن أحداً من الناس أحفظ مني لشددت رحلي براحلتي حتى أنيخ عليه قال: فكان الناس يرون أن حذيفة ممن عمل فيه حتى أتى على حرف واحد!

حدثنا عبد الأعلى بن الحكم الكلابي قال: أتيت دار أبي موسى الأشعري فإذا حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري فوق إجار، فقلت: هؤلاء والله الذين أريد، فأخذت أرتقي لهم فإذا غلام على الدرجة فمنعني أن أرتقي إليهم فنازعته حتى التفت إليَّ بعضهم فأتيتهم حتى جلست إليهم، فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان فأمرهم أن يقيموا مصاحفهم عليه، فقال أبو موسى: ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها، وما وجدتم من نقصان فاكتبوه فيه! فقال حذيفة: فكيف بما صنعنا؟!والله ما أحد من أهل هذا البلد يرغب عن قراءة هذا الشيخ يعني ابن مسعود، ولا أحد من أهل اليمن يرغب عن قراءة هذا الآخر يعني أبا موسى.

وكان حذيفة هو الذي أشار على عثمان أن يجمع المصاحف على مصحف واحد!) انتهى.

ويبدو أن محل هذه الحادثة البصرة مركز ولاية أبي موسى الأشعري، ولا بد أن حذيفة ذهب خصيصا لمصادرة مصحف أبي موسى! وأن عبد الله بن مسعود كان زائراً، لقول حذيفة فيها (من أهل هذا البلد) وهو يدل على أن أهل البصرة غير اليمانيين كانوا

الصفحة 330
يقرؤون بقراءة ابن مسعود، واليمانيين بقراءة أبي موسى! ولو كانت الحادثة في المدينة لما صح ذلك لأن أهلها كانوا يقرؤون بقراءة أبيّ!

ويظهر من كلام أبي موسى أنه سلم نسخته إلى حذيفة خوفاً من عثمان ومنه، رغم إضافاتها العزيزة على قلبه! ولابد أنهم أتلفوا نسخته وخلصوا الأمة الإسلامية من زياداتها السامرية، كما خلصوها من زيادات عمر وفتنة أحرفه السبعة.. جزاهم الله خيراً.

*  *  *


الصفحة 331

الأسئلة

1- أين جمع أبي بكر وعمر للقرآن الذي تدعونه! وأين عمل اللجنة العتيدة التي هي كلجان حكوماتنا المعاصرة! وقد بلغ الأمر بالمسلمين من أعمال عمر أنه: (جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً!)؟!!

2 ـ رأيتم تعبير الرواة والصحابة بأن عثمان كتب القرآن على حرف واحد! وهل معنى ذلك إلا أنه أبطل الأحرف السبعة العمرية؟!

3 ـ من الذي حفظ الله به القرآن: هل هو عمر الذي رفض أن تتبنى الدولة نسخة رسمية من القرآن، واخترع الأحرف السبعة، وأفتى بتعويم نص القرآن وسبَّبَ كل هذه المصيبة في المسلمين؟

أم علي (عليه السلام) الذي جاء بنسخة القرآن إلى أبي بكر وعمر فرفضاها، ثم سعى في خلافة عمر وعثمان لأن تعتمد الدولة نسخة القرآن على حرف واحد، وتخلص المسلمين من فرية الأحرف السبعة وغيرها؟!

4- ما رأيكم في قول عبدالله بن الزبير أن القرآن كتب عن نسخة خالته عائشة؟


الصفحة 332
5 ـ ما رأيكم بقول حذيفة: (ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!)؟!

6 ـ روى البخاري أن حذيفة بن اليمان موضع سر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال في:4/215 و:7/139: (عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال: اللهم يسر لي جليساً صالحاً فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لايعلمه غيره؟ يعني حذيفة، قال قلت: بلى، قال: أليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله على لسان نبيه (ص) يعني من الشيطان يعني عماراً؟ قلت: بلى...). وروى عنه وصف نفوذ المنافقين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:8/100: (عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي (ص) كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون.... إنما كان النفاق على عهد النبي (ص) فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان!!) انتهى.

فمَن هم هؤلاء الذين كانوا يجهرون بالنفاق، في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، وما هو النفاق المجهور به الذي صار عادياً؟!

*  *  *


الصفحة 333

المســألة: 76
نسخة علي (عليه السلام) هي النسخة التي كتبوا عنها مصحف عثمان

شكَّل عثمان لجنة لتدوين نسخة القرآن من اثني عشر عضواً، وجعل رئيسها سعيد بن العاص الأموي، وكاتبها زيد بن ثابت كاتب عمر، وقد جعلها البخاري رباعية على عادته في الإختصار والحذف، قال في:4/156: (باب نزل القرآن بلسان قريش... عن ابن شهاب عن أنس أن عثمان دعا زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك).

وقال عمر ابن شبة في تاريخ المدينة:3/993: (حدثنا هشام عن محمد قال: كان الرجل يقرأ فيقول له صاحبه: كفرت بما تقول، فرفع ذلك إلى ابن عفان فتعاظم في نفسه، فجمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار منهم أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأرسل إلى الرقعة التي كانت في بيت عمر فيها القرآن، قال وكان يتعاهدهم. قال فحدثني كثير بن أفلح أنه كان فيمن يكتب لهم، فكانوا كلما اختلفوا في شئ أخروه. قلت لم أخروه؟ قال لا أدري.

قال محمد: فظننت أنا فيه ظناً ولا تجعلوه أنتم يقيناً، ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشئ أخروه حتى ينظروا آخرهم عهداً بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله.


الصفحة 334
حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا هشام بنحوه، وزاد: قال محمد فأرجو أن تكون قراءتنا هذه آخرتها عهداً بالعرضة الأخيرة). انتهى.

وعليه، لابد من القول إن الأعضاء الإستشاريين كانوا كثيرين، وأن يكون حذيفة في طليعتهم، وعلي (عليه السلام) مرجعهم، وأن الأعضاء الكتاب والنساخين كانوا كثيرين أيضاً، وكان أبرزهم زيد بن ثابت.

والظاهر أن اسم أبي بن كعب جاء في اللجنة بدل اسم ابنه محمد بن أبي بن كعب، لأن أبيّاً توفي في زمن عمر، وقد ورد اسم ولده محمد بأنه سلم مصحف أبيه كعب إلى الخليفة عثمان. وقد أشكل المستشرقون على ذكر أبي بن كعب في لجنة جمع القرآن وضخموا ذلك، وأرادوا أن يطعنوا بسببه في نسخة القرآن، على عادتهم السيئة!

وقد كتب عثمان رسالة إلى الأمصار وبعثها مع المصاحف، ولم يذكر فيه اسم أحد من اللجنة، بل نسب الفعل إلى نفسه لأنه الآمر بذلك، ولم يذكر الصعوبات التي ذكرتها روايات عمر وزيد في جمع القرآن، بل بشر المسلمين بأنه لهم نسخ القرآن عن آخر نسخة غضة طرية مسموعة من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونسب النسخة إلى عائشة!!

قال في تاريخ المدينة:3/997: (عن أبي محمد القرشي: أن عثمان بن عفان كتب إلى الأمصار: أما بعد فإن نفراً من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافاً شديداً، فقال بعضهم قرأت على حرف أبي الدرداء.


الصفحة 335
وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن مسعود، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن قيس، فلما سمعت اختلافهم في القرآن والعهد برسول الله (ص) حديث، ورأيت أمراً منكراً، فأشفقت على هذه الأمة من اختلافهم في القرآن، وخشيت أن يختلفوا في دينهم بعد ذهاب من بقي من أصحاب رسول الله (ص) الذين قرأوا القرآن على عهده وسمعوه من فيه، كما اختلفت النصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى بن مريم، وأحببت أن نتدارك من ذلك، فأرسلت إلى عائشة أم المؤمنين أن ترسل إليَّ بالأدم الذي فيه القرآن الذي كتب عن فم رسول الله (ص) حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذا القرآن غض، فأمرت زيد بن ثابت أن يقوم على ذلك، ولم أفرغ لذلك من أجل أمور الناس والقضاء بين الناس، وكان زيد بن ثابت أحفظنا للقرآن، ثم دعوت نفراً من كتَّاب أهل المدينة وذوي عقولهم، منهم نافع بن طريف، وعبد الله بن الوليد الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبي لبابة، فأمرتهم أن ينسخوا من ذلك الأدم أربعة مصاحف وأن يتحفظوا). انتهى.

فالمصحف الذي بأيدينا مكتوب عن تلك النسخة الفريدة المكتوبة من فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي لم يدع أحد غير علي (عليه السلام) أنها عنده. وهو لاينطبق إلا على قراءة علي (عليه السلام) ويخالف ما ثبت في نسخ غيره!

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:2/426: (حفص، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن قال: لم أخالف علياً في شئ من قراءته، وكنت أجمع