الصفحة 361
عثمان فقال من كان عنده من كتاب الله شئ فليأتنا به، وكان لايقبل من ذلك شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما! قالوا ما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله (ص): لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الى آخر السورة، فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: إختم بهما آخر ما نزل من القرآن، فختم بهما براءة).

فالذي وجدها خزيمة نفسه، والوقت في زمن عمر، وعند جمع عثمان للقرآن!

وفي تاريخ المدينة:3/1001: عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت قال: عرضت المصحف فلم أجد فيه هذه الآية: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم!! حتى وجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري فكتبتها، ثم عرضته مرة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين: لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى آخر السورة، قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدهما مع أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنهما فلم أجدهما مع أحد منهم!! حتى وجدتهما مع رجل آخر يدعي خزيمة أيضاً من الأنصار فأثبتهما في آخر (براءة)!! قال زيد: ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة واحدة). انتهى.

فالآية من سورة التوبة، والذي وجدها

الصفحة 362
زيد، مع خزيمة آخر، والوقت بقرينة بقية الرواية زمن جمع عثمان للمصحف!

ومن الطريف أن ابن ثابت يدعي أنه كان صاحب قرار في تدوين المصحف الإمام، وأنه كان يتصرف برأيه كأنه لايوجد أحد غيره! وأنه لو كان ما عثر عليه ثلاث آيات لجعلها سورة مستقلة وصار قرآننا 115 سورة!! وربما كان اسم السورة الأخيرة: (سورة زيد بن ثابت)!

وقد أطال الباحثون والمستشرقون في أمر آيات آل خزيمة، لأنها تثير الشبهة على القرآن، وأن فيه آيات كتبت بشهادة شخص واحد فهي غير متواترة، وبذلك تبطل دعوى المسلمين بتواتر قرآنهم!

وهذا الإشكال يرد على الذين يثقون بزيد بن ثابت، ويصدقون مبالغاته ومبالغات أمثاله، التي فتحت على القرآن والوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باباً دخل منه المستشرقون وأعداء الإسلام فوجهوا سهامهم الى الإسلام والقرآن!

أما الحقيقة فهي أن نسخ القرآن كانت كثيرة ميسرة، وأن حفظة القرآن ومدونيه من أهل البيت (عليه السلام) وبقية الصحابة كانوا حاضرين على مشروع توحيد نسخة القرآن، وأن زيداً كان كاتباً من الكتاب، وأنه كذب في تضخيم دوره في جمع القرآن! وكذب في أنه كتبه زمن أبي وعمر للدولة! نعم قد يكون كتبه بالأجرة لأحد من الناس، كما كان غيره يكتب عن النسخ الكثيرة المتداولة! ثم كذب في زعمه أنه وجد آيات لم يجدها غيره!

*  *  *


الصفحة 363

الأسئلة

1 ـ هل تقصدون بقولكم إن القرآن متواتر أن جميع سوره وآياته وصلت اليكم حسب أسانيدكم الخاصة برواية الثقاة جيلاً عن جيل؟!

2 ـ ألا يكفي لتواتر القرآن توارث المسلمين لنسخته جيلاً فجيلاً وشهادة قرائهم وعلمائهم ومولفاتهم حول القرآن التي أحصت سوره وآياته، وبحثت في قراءاته وإعراب كلماته، وأن فقه المسلمين وعلومهم ومؤلفاتهم، على اختلاف مذاهبهم مبنية على آياته؟!

3 ـ هل يختص هذا التواتر بمذهب أومذاهب معينة، أو يشمل كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم؟!

4 ـ ما قولكم في روايات مصادركم التي تستلزم عدم تواتر بعض سور القرآن أو آياته، كروايات البسملة، والمعوذتين التي لارواية عندكم على قرآنيتها إلا رواية الجهني التي تركها البخاري! وآيات خزيمة؟!

*  *  *


الصفحة 364

الصفحة 365

الفصل السابع
زيد بن ثابت الذي جعله عمر كبيرالقراء بدل أبيّ بن كعب؟!


الصفحة 366

الصفحة 367

المســألة: 80
من هو زيد بن ثابت الذي تبناه عمر وقربه؟!

كان زيد بن ثابت في خلافة عمر شاباً صغير السن دون العشرين عاماً، وكان يتكلم العبرية، وقد اعتمد عليه عمر وجعله وزيره وكاتبه الخاص، ونائبه على ولاية المدينة عندما يسافر!

ففي تاريخ المدينة:2/693: (أن عمر استعمل زيداً على القضاء، وفرض له رزقاً...).

وفي سير أعلام النبلاء:2/438: (أن عمر استخلف زيداً وكتب إليه من الشام: إلى زيد بن ثابت، من عمر). يقصد الذهبي أن عمر قدم اسم زيد على إسمه فخالف أعراف العرب والخلافة بسبب حبه لزيد!

ثم قال الذهبي: (كان عمر بن الخطاب كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شئ من الأسفار، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل. ورجاله ثقات).

وفي الصحيح من السيرة:5/30، عن زيد: (كان عمر يستخلفني على المدينة فوالله ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة نخل).

ويظهر أن علاقة عمر بزيد كانت من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد قال ابن كثير في سيرته:4/494: (إن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه...). (راجع أيضاً أحمد:5/185).

أما في عهد عثمان فصار زيد والي بيت المال ووالي الصدقات.


الصفحة 368
قال البخاري في تاريخه:8/373: (عن يوسف بن سعد: كان زيد بن ثابت عامل عثمان على بيت المال).

وقال في سير أعلام النبلاء:4/424: (عن قبيصة بن ذؤيب قال: كنا في خلافة معاوية وإلى آخرها نجتمع في حلقة بالمسجد بالليل: أنا، ومصعب وعروة ابنا الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن مروان، وعبد الرحمن المسور، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وكنا نتفرق بالنهار، فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي. ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة). انتهى.

لكن قول قبيصة عن منصب زيد في عهد علي (عليه السلام) اشتباه، فزيد لم يكن مع علي (عليه السلام) بل مع معاوية فقد كان يروي في فضل معاوية حديثاً لم يصححه أحد من العلماء أبداً!

قال في سير أعلام النبلاء:3/129: (عن زيد بن ثابت: دخل النبي (عليه السلام) على أم حبيبة، ومعاوية نائم على فخذها فقال: أتحبينه؟ قالت: نعم. قال: للهُ أشد حباً له منك له، كأني أراه على رفارف الجنة)!!.

أما مارواه عنه أحمد في مسنده، والصدوق في علل الشرائع وربما غيرهما في فضل علي وأهل البيت (عليهم السلام)، فلعل الرواة عنه كالقاسم بن حسان وسعيد بن المسيب استخرجوا ذلك منه في فترة من خلافة علي (عليه السلام) أو

الصفحة 369
في حالة لم تدم! قال أحمد:5/181 ونحوه ص 189: (عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض).

وروى الصدوق في علل الشرائع:1/144: (حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا أبو الربيع الأعرج قال: حدثنا عبد الله بن عمران، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحب علياً في حياتي وبعد موتي كتب الله له الأمن والإيمان ما طلعت الشمس أو غربت. ومن أبغضه في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهلية، وحوسب بما عمل). انتهى.

وغلا فزيد كان شاباً في مقدمة موجة السقيفة وقد أفرط في عدائه لعلي والعترة (عليهم السلام) وكان مع عمر في الذين هاجموا بيت علي وفاطمة الزهراء (صلى الله عليه وآله وسلم) لإحراقه على من فيه إن لم يبايعوا! فقد عد منهم التاريخ: عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وثابت بن قيس، وزياد بن لبيد، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت وسلمة بن سالم بن وقش، وسلمة بن أسلم، وأسيد بن حضير! (الصحيح من السيرة:5/30 عن أنساب الأشراف).

وكان زيد ممن تخلف عن بيعة علي (عليه السلام) فلم يبايع!

(الصحيح من السيرة:5/30 عن الطبري:4/430 و431، والكامل:3 /191)

وكان يحرض الناس على سب علي (عليه السلام)! (الصحيح:5/30)

الصفحة 370

زيد بن ثابت.. يهودي من أم أنصارية!

المعروف أن زيد بن ثابت عربي أنصاري، لكن ابن مسعود يقول إنه يهودي، ويؤيده أنه لايعرف أبوه ثابت ولا أقاربه في الأنصار!

قال ابن شبة في تاريخ المدينة:3/1006: (قيل لعبد الله: ألا تقرأ على قراءة زيد؟ قال: مالي ولزيد ولقراءة زيد! لقد أخذت من في رسول الله (ص) سبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان)!

ونقل الفضل بن شاذان في الإيضاح ص519: شهادة من أبيّ بن كعب تدل على أن زيداً كان يدرس مع صبيان اليهود ولم يكونوا يقبلون في مدارسهم غير صبيانهم، قال: (ومثل قول أبيّ بن كعب في القرآن: لقد قرأت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب).انتهى. (ورواه في الدرجات الرفيعة ص 22)

وعليه، لا يمكن أن نثق في تبرئة زيد لنفسه من اليهودية التي رواها البخاري:8/120: (عن زيد بن ثابت أن النبي (ص) أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي (ص) كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه).

فمتى كانت تأتي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب باللغة العبرية وكان اليهود في الجزيرة يكتبون بالعربية؟!

ويؤيد ما قلناه أن أحمد:5/182، روى عن زيد أنها اللغة السريانية وليست العبرية! قال: (قال زيد بن ثابت قال لي رسول الله (ص): تحسن السريانية إنها تأتيني كتب؟ قال قلت لا، قال فتعلمها، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً)!!


الصفحة 371

معرفة زيد بن ثابت بشئ من الحساب وجهل الخلفاء به!

الميزة الأساسية في زيد التي جعلته مرغوباً فيه عند الخلفاء الثلاثة، هي أنه موظف مطيع يعرف شيئاً من الكتابة والحساب، وهي مهنة عزيزة في الجزيرة لايجيدها أبو بكر ولاعمر ولاعثمان! وكان الكاتب يعني السكرتير الخاص ووزير المالية، يضاف إلى ذلك أنه يقسم المواريث الشرعية وهم لايحسنون ذلك! وقد نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء:2/435: حادثة في محاصرة عثمان قال: (فجاء أبو حية المازني مع ناس من الأنصار فقال: ما يصلح معك أمر! فكان بينهما كلام وأخذ بتلبيب زيد هو وأناس معه، فمر به ناس من الأنصار فلما رأوهم أرسلوه، وقال رجل منهم لأبي حية: أتصنع هذا برجل لو مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك؟!). انتهى.

وهذا يدل على حالة الثقافة والرياضيات في الجزيرة، وأن أبا بكر وعمر وعثمان بعد أن أبعدوا العترة الطاهرة وتلاميذهم، لم يكن عندهم من يحسب الإرث إلا زيد! ولذا كانوا ينفذون فتاواه الجُزافية في مواريث المسلمين!

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:5/18: (وقال ابن أبي خيثمة: كان هو وخارجة بن زيد بن ثابت في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس إلى قولهما ويقسمان المواريث ويكتبان الوثائق). انتهى.

وقال الترمذي:3/285: (واختلف فيه أصحاب النبي (ص) فورث بعضهم الخال والخالة والعمة. وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في

الصفحة 372
توريث ذوي الأرحام، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال!).

وقال الدارمي في سننه:2/361 و362: (عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن أتي في ابنة أو أخت، فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال! وقال زيد بن ثابت: للجدة السدس وللإخوة للأم الثلث، وما بقي فلبيت المال).

وفي مصنف عبد الرزاق:7/125: (عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن زيد بن ثابت قال: ترث أمه منه الثلث، وما بقي في بيت المال)!

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:2/434: (عن الشعبي: أن مروان دعا زيد بن ثابت وأجلس له قوماً خلف ستر، فأخذ يسأله وهم يكتبون ففطن زيد فقال يا مروان أغدراً؟ إنما أقول برأيي! رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن ابن أبي خالد، نحوه وزاد: فمحوه)!! انتهى.

أي محوا ما كتبوه من إجابات زيد في المواريث وغيرها، لأنها كانت تخرصات لا ترجع إلى قرآن ولا سنة ولا قاعدة حسابية!

وقال السرخسي في المبسوط:29/182: (أبو حنيفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول: ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل ابن الإبن ابناً ولا يجعل أب الأب أباً؟!).

ولكن زيداً كان مدعوماً من السلطة فهو لايخشى كلام ابن عباس، بل يرد عليه ويتهمه بأنه مثله يقول بالظن والإحتمال! قال الدارمي في سننه:2/346: (عن عكرمة قال

الصفحة 373
أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أتجد في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟ فقال زيد: إنما أنت رجل تقول برأيك وأنا رجل أقول برأيي)!!

ولذلك كان الإمام الباقر (عليه السلام) يجهر بإدانة أحكام زيد في المواريث:

روى الكليني في الكافي:7/407: أنه قال: (الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية، وقد قال الله عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية!).

هذا هو علم زيد بن ثابت الذي جعله عمر أميناً على مشروع جمعه للقرآن وقربه وأحبه! بينما أقصى أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة الكبار، ثم اتبعوا سنة عمر فسموه حبر الأمة! ووضعوا له المدائح على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها أنه أعلم الأمة بالحساب والرياضيات!!

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:3/345: (وقال أبو هريرة يوم مات زيد: مات اليوم حبر الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً). انتهى.

بل وضعوا في مدح علمه أحاديث على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!!

قال أحمد:3/281: (عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر. وقال عفان مرة: في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت...)!! (راجع كشف الخفاء للعجلوني:1/108 وتصحيح بعضهم له! وأصل الحديث:


الصفحة 374
أقضى أمتي عليٌّ، فزادوا فيه ونقصوا منه!!).

ثروة زيد بن ثابت وترفه!

كان أبو بكر وعمر وعثمان كرماء جداً على زيد بن ثابت، فاستطاع أن يجمع ثروة خيالية، في حين كان يوجد في المسلمين جوع حقيقي وعري حقيقي! وقد أعطاه عثمان في مرة مئة ألف درهم (راجع الصحيح من السيرة:5/32 عن أنساب الأشراف:5/ 38). وكانت الشاة بدرهم واحد!

وقد بلغت ثروة زيد أنه خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار! (الغدير:8/284 و336، عن مروج الذهب:1/434).

وكان كبعض المثقفين المتغربين، لايتقيد بآداب الخلاء الشرعية:

قال النووي في المجموع:2/85: (أما حكم المسألة فقال أصحابنا يكره البول قائماً بلا عذر، كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا. وقال ابن المنذر اختلفوا في البول قائماً، فثبت عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد، أنهم بالوا قياماً...). انتهى.

وكانت له جوار مغنيات وغلمان مغنون، منهم وهيب الذي أسعده الحظ عندما رآه عثمان يغني في بيت المال، فجعل له راتباً!

قال البيهقي في سننه:6/348: (زيد بن ثابت كان في أمارة عثمان على بيت المال فدخل عثمان فأبصر وهيباً يغنيهم، فقال: من

الصفحة 375
هذا؟ فقال مملوك لي، فقال أراه يعينهم!! أفرض له ألفين، قال ففرض له ألفاً، أو قال ألفين)!!

وفي مصنف ابن أبي شيبة:7/ 618: (فأبصر وهيباً يغنيهم في بيت المال، فقال: من هذا؟ فقال زيد: هذا مملوك لي، فقال عثمان: أراه يعين المسلمين وله حق، وإنا نفرض له، ففرض له ألفين! فقال زيد: والله لانفرض لعبد ألفين، ففرض له ألفاً)!! (والإستيعاب:1/189)

لكن حظ هذه الجارية كان سيئاً، فقد اتهمها زيد ونفى عنها الولد:

قال السرخسي في المبسوط:17/99: (وعن زيد بن ثابت أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه، فقال: كنت أطأها ولا أبغي ولدها، أي أعزل عنها). (ورواه الشافعي في كتاب الأم: 7 /242).

أحاديث زيد عن نفسه.. وادعاؤه القرب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

إذا قرأت البخاري فلا تدري من الذي يتحدث عن نفسه وخصوصياته أكثر، هل هو عائشة أم زيد بن ثابت؟

يتحدث زيد عن نفسه أنه كان صبياً ابن عشر سنوات أو بضع عشرة سنة، وكان مقرباً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتب له القرآن والرسائل، وأنه أمره أن يتعلم العبرية أو السريانية فتعلمها قراءة وكتابة وتكلماً بمعجزة في أسبوعين!

وأنه كان وهو في نحوالخامسة عشرة يجلس ملاصقاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أن النبي كان يضع فخذه على فخذه، ثم يوحى إليه فيثقل بدنه!

قال البخاري:1/97: (وقال زيد بن ثابت:


الصفحة 376
أنزل الله على رسول الله (ص) وفخذه على فخذي فثقلت عليَّ حتى خفت أن ترض فخذي)!

فهل هذا يناسب مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وقال في:3/211: (عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: رأيت مروان بن الحكم جالساً في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله (ص) أملى عليه: لايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ. فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً، قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها عليَّ فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله تعالى على رسوله (ص) وفخذه على فخذي فثقلت عليَّ حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه، فأنزل الله عز وجل: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)!! (ورواه أيضاً 5/182، وأحمد:5/191، وأبو داود:1/563. ومسلم:6/43بدون وصف الوحي وإتكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفخذه على فخذ زيد!)

ولا يمكنك أن تفهم هذه الحديث حتى تعرف أن مروان بن الحكم الذي هو طليق مطرود من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحاول أن يثبت لنفسه منزلة المهاجرين ورتبة المجاهد لأنه من أولي الضرر الذين سقط عنهم الجهاد! وكان زيد بن ثابت يساعده على ذلك بالأحاديث النبوية ومنها هذا الحديث!

بينما كان أبو سعيد الخدري يخالفه ويروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن رتبة الصحابي والمهاجر لا تثبت للطلقاء مسلمة الفتح!

روى أحمد في مسنده:3/22و:5/187: (عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) أنه قال لما

الصفحة 377
نزلت هذه السورة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ..قال قرأها رسول الله (ص) حتى ختمها وقال: الناسُ حِيزٌ وأنا وأصحابي حِيز، وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية.

فقال له مروان كذبت، وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت وهما قاعدان معه على السرير، فقال أبو سعيد لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة فسكتا، فرفع مروان عليه الدرة ليضربه، فلما رأيا ذلك قالوا صدق!). انتهى.

*  *  *

الأسئلة

1 ـ ما رأيكم في زيد بن ثابت وهل هو من كبار الصحابة عندكم؟

2 ـ ما رأيكم في نسب زيد هل هو عربي، وكيف تفسرون إتقانه للغة العبرية؟ وهل رأيتم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءته ولو رسالة واحدة بالعبرية؟!

3 ـ هل يقبل أحدكم أن تقسم تركته بفتوى زيد ويذهب قسم منها إلى خزانة الدولة، ويحرم منه الورثة؟!

4 ـ هل يجوز للحكومة أن تعمل بفتوى زيد وعثمان فتوظف مغنيين يعينون المسلمين بغنائهم في الوزارات؟!

5 ـ ما رأيكم في آيات خزيمة وآل خزيمة التي يقول زيد إنها ضاعت من القرآن مرات

الصفحة 378
ووجدها هو وحده، فهي غير متواترة؟! فقد قال البخاري:8/177، عن زيد بن ثابت: (أرسل إليَّ أبو بكر فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، حتى خاتمة براءة)؟!!

6 ـ ما رأيكم في ثروات الصحابة التي جمعوها من بيت المال، مثل زيد وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، وكنزهم للذهب حتى كان يكسر بالفؤوس! وفي المسلمين جياع وعرايا؟!

7 ـ ما رأيكم في مروان بن الحكم، هل هو صحابي جليل من المهاجرين الذين سقط عنهم الجهاد لأنه كان أعرج أفحج، فقد كان يسخر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمشي كالأفحج فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (كن كذلك) فصار كذلك؟!

*  *  *

المســألة: 81
من هو ابن أبزى الذي قربه عمر بدل أبيّ بن كعب؟!

اعتمد عمر على عبد الرحمن ابن أبزى بصفته قارئاً للقرآن، وهو غلام أسود من مكة، وكان في زمن عمر صغير السن فقد توفي نحو سنة72 هجرية كما ذكر الذهبي. ومعنى أبزى: (خروج الصدر ودخول الظهر...يقال: رجل أبزى وامرأة بزواء). (معجم البلدان:1/411)

وكان ابن أبزى مقرباً من سيده نافع بن عبد الحارث بن حبالة الملكاني حليف خزاعة، الذي قيل إنه أسلم يوم الفتح

الصفحة 379
وأقام بمكة ولم يهاجر. (أسد الغابة:5/7). وكان الملكاني هذا والياً لعمر على مكة والطائف، فغاب وجعل غلامه عبد الرحمن نائبه في ولاية مكة، فأقره عمر لما سمع عنه، ثم أعجب به ونقله إلى المدينة، وجعله من المقربين!

قال ابن الأثير في أسد الغابة:5/7، عن الملكاني: (واستعمله عمر بن الخطاب على مكة والطائف وفيهما سادة قريش وثقيف، وخرج إلى عمر واستخلف على مكة مولاه عبد الرحمن بن أبزى فقال له عمر: استخلفت على آل الله مولاك؟! فعزله واستعمل خالد بن العاص بن هشام). انتهى!

والصحيح أن عمر لم يعزل ابن أبزى بل أقره نائباً لواليه على مكة والطائف ثم رآه وأعجبه وجعله من خاصته، فصار هذا الغلام الخمري من الصحابة وشخصيات التاريخ الإسلامي، لأنه محظوظ بصوته ومعرفته بشئ من الحساب!

وقد ترجم له البخاري في تاريخه:5/245، وروى له في صحيحه:1/87 و88، فتوى عمر بوجوب ترك الصلاة لمن لم يجد ماء، وتحريم التيمم!!

وروى له في:3/44 و45 و46، في شراء السلف، وفي: 4/239 و:6/15 في التوبة على قاتل النفس المحترمة. وروى له مسلم:1/193 و:8 /242. وروى له النسائي في:1/165 و168 و169 و:3/235 و244 و245 و247 و250 و:7/289 و:8/62.

وفي مسلم:2/201، أن عمر قال عن ابن أبزى: (إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض، أما إن نبيكم (ص) قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). انتهى.

يقصد أن عبد الرحمن بن أبزى عالم

الصفحة 380
بالحساب كزيد بن ثابت، وقارئ للقرآن كأبي بن كعب.

ولعل أهم ما روى ابن أبزى عن عمر السورتين اللتين اخترعهما عمر وسماهما: (الخلع والحفد) وكان يقرؤهما في صلاته أو قنوته! كما في سنن البيهقي:2/211، وكنز العمال:8/74 و75.

هل كان عبد الرحمن بن أبزى مغنياً شارب خمر!

روى النسائي في:8/335، ما يدل على أنه كان يشرب الخمر ولا يكتفي بالنبيذ، قال: (عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن ذر بن عبد الله، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: سألت أبي بن كعب عن النبيذ فقال: إشرب الماء، واشرب العسل، واشرب السويق واشرب اللبن الذي نجعت به، فعاودته فقال: الخمر تريد، الخمر تريد!!). انتهى.

فهذا هو ابن أبزى، الذي وثقوه ورووا له، ولم يلتفتوا الى تضعيف بعض علمائهم له وقولهم لم يثبت له ولا لأبيه رؤية ولا صحبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).


الصفحة 381

كان ابن أبزى في جيش يزيد لقتال الإمام الحسين (عليه السلام)

كان عبد الرحمن بن أبزى من أتباع معاوية ولذا سكن الشام، وشارك في جيش يزيد الذي أرسله لقتال الإمام الحسين (عليه السلام)!

ولا بد أنه كان معروفاً لأن المختار قبض عليه في الكوفة بعد خمس سنين! وقد ذمت الرواية التالية المختار ووصفت ذكاء ابن أبزى في التخلص منه!

قال في الأخبار الطوال ص298: (ولما تجرد المختار لطلب قتلة الحسين هرب منه عمر بن سعد، ومحمد بن الأشعث، وهما كانا المتوليين للحرب يوم الحسين، وأتيَ بعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، وكان ممن حضر قتال الحسين فقال له: يا عدو الله أكنت ممن قاتل الحسين؟ قال: لا، بل كنت ممن حضر ولم يقاتل. قال: كذبت إضربوا عنقه. فقال عبد الرحمن: ما يُمكنك قتلي اليوم حتى تعطى الظفر على بني أمية ويصفو لك الشام، وتهدم مدينة دمشق حجراً حجراً، فتأخذني عند ذلك فتصلبني على شجرة بشاطئ نهر كأني أنظر إليها الساعة!

فالتفت المختار إلى أصحابه وقال: أما إن هذا الرجل عالم بالملاحم، ثم أمر به إلى السجن، فلما جن عليه الليل بعث إليه من أتاه به، فقال له: يا أخا خزاعة، أظرفاً عند الموت؟!

فقال عبد الرحمن بن أبزى: أنشدك الله أيها الأمير أن أموت هاهنا ضيعة. قال: فما جاء بك من الشام؟ قال: أربعة آلاف درهم لي على رجل من أهل الكوفة أتيته متقاضياً.


الصفحة 382
فأمر له المختار بأربعة آلاف درهم، وقال له: إن أصبحت بالكوفة قتلتك. فخرج من ليلته حتى لحق بالشام)!

عبد الرحمن بن أبزى.. وثقه البخاري وجعله من الصحابة!

قال في الجوهر النقي:2/347، تعليقاً على رواية ابن أبزى التي ادعى فيها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سهى في صلاته: (قلت: في هذا الحديث علتان، إحداهما أن عبد الرحمن بن أبزى مختلف في صحبته....الخ.). انتهى.

وروى العقيلي في الضعفاء:4/99: أنه كان كذاباً! قال: (حدثنا عبد الله بن علي حدثنا أحمد بن سعيد الرازي حدثنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود عن شعبة قال أفادني بن أبي ليلى عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي (ص) كان يوتر بثلاث فلقيت سلمة فسألته فقال حدثني بن عبد الرحمن بن أبزى! قلت إنما أفادني عنك عن عبد الله بن أبي أوفى! فقال: ما ذنبي إن كان يكذب عليّ؟!َ).

وفي الإصابة:4/238: (5090) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم تقدم أبوه في الهمزة، وأما عبد الرحمن فقال خليفة ويعقوب بن سفيان والبخاري والترمذي وآخرون: له صحبة. وقال أبو حاتم: أدرك النبي (ص) وصلى خلفه. وقال البخاري هو كوفي....

وسكن عبد الرحمن بعد ذلك بالكوفة وروى عن النبي (ص) وعن أبيه وأبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وغيرهم. روى عنه ابناه عبد الله وسعيد وعبد الرحمن بن أبي ليلى والشعبي وأبو مالك الغفاري وغيرهم.


الصفحة 383
وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقرأت بخط مغلطاي لم أر من وافقه على ذلك. قلت: وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يحدث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن تابعي إلا عن عبد الرحمن بن أبزى. لكن العمدة على قول الجمهور والله أعلم).

وقال في:1/176، عن أبيه أبزى: (وقال ابن منده: لاتصح له (لأبزى) صحبة ولارؤية. ثم أخرج حديثه عن بن السكن واستغربه! ورجح أبو نعيم هذه الرواية وقال: لايصح لأبزى رواية ولارؤية، واستصوب بن الأثير كلامه. قلت: وكلام ابن السكن يرد عليه، والعمدة في ذلك على البخاري، فإليه المنتهى في ذلك).

ونلاحظ أن ابن حجر قال: (لكن العمدة على قول الجمهور. ثم قال: والعمدة في ذلك على البخاري، فإليه المنتهى في ذلك)!

فقد اعتبر المقياس الجمهور ثم اعتبره البخاري، وكأن البخاري عنده هو الجمهور، لأنه يتعصب للمحبين لعمر فهو الناطق بلسان الجمهور!

أما لماذا صار عبد الرحمن عندهم خيراً من أبيه أبزى، فلأن أبزى شهد صفين مع علي (عليه السلام)، وبذلك استحق نزع صفة الصحابي عنه، روى ابن خياط148 عن أبزى أنه قال: (شهدنا مع علي ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر).

بينما ولده عبد الرحمن أحبه عمر وقربه، فصار من الصحابة! مع أنه كان في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طفلاً أو غلاماً صغيراً، وكان هو