الصفحة 384
وأبوه أبزى غلامين لسيد واحد، يعيشان في بيت واحد!

وقال في أسد الغابة:1/44: (أبزى والد عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي ذكره محمد بن إسماعيل (أي البخاري) في الوحدان، ولم تصح له صحبة ولا رؤية. ولابنه عبد الرحمن صحبة ورؤية)!

وقد وجدوا حلاً لذلك بأن عبد الرحمن كان طفلاً في فتح مكة أو في حجة الوداع ورأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي،وكأن أباه أبزى كان نائماًفلم ير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!!

الأسئلة

1 ـ من أين أخذ عبد الرحمن بن أبزى القرآن حتى صار قارئاً؟

2 ـ ما هي النسبة برأيكم بين ابن أبزى وبين أبيّ بن كعب؟

3 ـ هل تقدمون توثيقات البخاري على تضعيفات غيره؟

4 ـ من هو الأفضل عندكم، أبزى الذي شارك في صفين مع أمير المؤمنين (عليه السلام) أم ولده عبد الرحمن الذي شرك في قتال الحسين (عليه السلام)؟

5 ـ ماقولكم فيما رواه عبد الرحمن عن عمر أنه كان يعجبه أن ينزل زوجة النبي في قبرها؟: (عن عامر قال أخبرني عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت مع عمر على زينب زوج النبي (ص) فكبر أربعاً ثم أرسل إلى أزواج النبي (ص) من يدخلها قبرها؟ وكان عمر يعجبه أن يدخلها قبرها، فأرسلن إليه: يدخلها

الصفحة 385
قبرها من كان يراها في حياتها، قال: صدقن). (البيهقي في سننه:4/37 وكنز العمال:15/711، عن ابن سعد والطحاوي).

*  *  *


الصفحة 386

الفصل الثامن
محنة كبير قراء المسلمين أبي بن كعب مع عمر!!


الصفحة 387

الصفحة 388

المســألة: 82
شهادة عظيمة لأبي بن كعب.. رووها وخالفوها!!

رووا في صحاحهم أن الله جلت عظمته أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعلم القرآن لأبي بن كعب، وبذلك فقد وجب على جميع المسلمين بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثمان، أن يأخذوا القرآن من أبي بن كعب!

روى البخارى:6/90: (عن أنس بن مالك أن نبي الله (ص) قال لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن. قال: آلله سماني لك؟! قال: نعم قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟! قال: نعم. فذرفت عيناه!).

وقال مسلم:2/195: (قال رسول الله (ص) لأبي بن كعب:إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لم يكن الذين كفروا، قال وسماني لك؟ قال نعم، قال فبكى) انتهى. ورواه مسلم:7/150، والبخاري: 4/228، وغيرهما.

وقد رووا أن عمر وجه المسلمين إلى أبي بن كعب ليأخذوا عنه القرآن، لكن لابد أن يكون ذلك قبل أن تسوء علاقته معه!

روى الحاكم في المستدرك:3/272: (أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليات أبيّ بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن. صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). (ورواه:6/210، والزوائد:1/135 وغيرهما).

وقال البخاري:2/252، إن عمر عندما

الصفحة 389
ابتدع صلاة التراويح جعل له إمامتها: (ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة). انتهى.

وفي تهذيب الكمال:2/269: (عن أبي نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر في خلافته فانتهيت إلى المدينة ليلاً، فغدوت عليه وقد أعطيت فطنة ولساناً أو قال منطقاً فأخذت في الدنيا فصغرتها فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب فقال لما فرغت: كل قولك كان مقارباً إلا وقوعك في الدنيا، وهل تدري ما الدنيا؟ إن الدنيا فيها بلاغنا، أو قال زادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، قال: فأخذ في الدنيا رجل هو أعلم بها مني. فقلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟ قال: سيد المسلمين أبي بن كعب).

وقال في تحفة الأحوذي:10/271: (فضل أبي بن كعب رضي الله عنه) هو أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي كان يكتب للنبي (ص) الوحي وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله (ص) وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله (ص) وكان أقرأ الصحابة لكتاب الله تعالى كناه النبي (ص) أبا المنذر وعمر أبا الطفيل! وسماه النبي (ص): سيد الأنصار وعمر: سيد المسلمين. مات بالمدينة سنة تسع عشرة).

وفي تاريخ البخاري:2/40: (عن أبي بردة

الصفحة 390
قال عمر لأبي: يا أبا الطفيل قال أبو عبد الله: وله ابن يقال له: الطفيل).

فإن قلت: لماذا غير عمر كنية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بأبي المنذر، وكناه أبا الطفيل مع أن أبا المنذر أحسن منها من عدة جهات؟

فالجواب: أن عمر فعل ذلك إكراماً لأم الطفيل زوجة أبي بن كعب ولعل السبب أنها كانت من حزب كعب الأحبار وعمر في التجسيم، فعنها يروون حديث رؤية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لربه على شكل شاب يلبس نعلين من ذهب! كما تقدم في المسألة السابعة!

موقف عمر من أبيّ.. رغم هذه الشهادات!

لكن هذه الشهادات الضخمة من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق أبيّ وتسمية عمر له بسيد المسلمين، لم تقنع عمر أن يأخذ عنه القرآن ويعتمد مصحفه رسمياً للدولة، مع شدة حاجة المسلمين إلى ذلك!

فقد روى البخاري:5/149: هذا الموقف الغريب لعمر: (قال عمر: أقرؤنا أبي وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيّاً يقول لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله (ص) وقد قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسؤها). انتهى.

(ورواه بتفاوت يسير:6/103، وأحمد:5/113 بثلاث روايات. وكنز العمال:2/592 وقال في مصادره (خ، ن، وابن الأنباري في المصاحف، قط في الإفراد، ك، وأبو نعيم في المعرفة، ق، الدلائل) ورواه الذهبي في سيره:1/391 و394 وتذكرة الحفاظ:1/20 وفي كثير من رواياته: (وإنا لندع من لحن أبيٍّ، وفي بعضها: كثيراً من لحن أبيٍّ!!


الصفحة 391
ومعناه أن عمر يشهد بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر المسلمين بأخذ القرآن عن أبيّ لأنه أقرأ الصحابة، لكنه برأي عمر ليس أقرأهم! لأنه يلحن ويغلط ولايعلم المنسوخ! وعمر لايلحن ويعرف المنسوخ، فيحق له أن يرفض قراءة أبي، ويأمر المسلمين باتباعه هو وترك رأي أبيّ!!

عمر يضع حداً بطريقته لصراعه مع أبيّ بن كعب!!

روى الحاكم:2/225، وصححه: (عن ابن عباس قال: بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عز وجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة، فإذا أنا برجل يناديني من بعدي: أتبع ابن عباس، فإذا هو أمير المؤمنين عمر فقلت أتبعك على أبي بن كعب؟ فقال:أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ؟ قلت: نعم، قال فأرسل معي رسولاً قال: إذهب معه إلى أبي بن كعب فانظر يقرأ أبي كذلك؟ قال فانطلقت أنا ورسوله إلى أبي بن كعب، قال فقلت: يا أبيّ قرأت آية من كتاب الله فناداني من بعدي عمر بن الخطاب أتبع ابن عباس، فقلت أتبعك على أبي بن كعب، فأرسل معي رسوله، أفأنت أقرأتنيها كما قرأت؟ قال أبيٌّ: نعم. قال فرجع الرسول إليه فانطلقت أنا إلى حاجتي، قال: فراح عمر إلى أبيّ فوجده قد فرغ من غسل رأسه ووليدته تدري لحيته بمدراها، فقال أبي: مرحباً يا أميرالمؤمنين أزائراً جئت أم طالب حاجة؟ فقال عمر بل طالب حاجة، قال فجلس ومعه موليان له حتى فرغ من لحيته، وأدرت جانبه الأيمن من لمته، ثم ولاها

الصفحة 392
جانبه الأيسر، حتى إذا فرغ أقبل إلى عمر بوجهه فقال: ما حاجة أمير المؤمنين؟

فقال عمر: يا أبيّ على مَ تقنِّط الناس؟

فقال أبيّ: يا أمير المؤمنين إني تلقيت القرآن من تلقاء جبريل وهو رطب. فقال عمر: تا الله ما أنت بمنته وما أنا بصابر، ثلاث مرات، ثم قام فانطلق!).

ولم تذكر الرواية الآية، وكيف أن قراءة أبيّ لها تقنيط للناس، وقراءة عمر تأميل لهم بالجنة! وقد تكون مثل توسيعاته المتقدمة للشفاعة!

لكنه غضب من إصرار أبيّ، وأعلن أنه لن يصبر عليه بعد اليوم! وما أنا بصابر.. وما أنا بصابر.. فهل كان عمر يفكر بحبس شيخ القراء المشهود له من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ كلا، بل قرر أن يمنعه من تعليم القرآن وتصحيح قراءة الناس بالوسيلة العمرية المفضلة، وهي السوط على رأس ووجه أكبر شيبة في الأنصار، وأكبر حفظة القرآن بشهادة الخليفة! على باب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو داخل المسجد، على مرأى جماعته ومسمعهم!

وهكذا نفذ خليفة النبي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معكوسة تماماً، كما نفذ وصية النبي بآله وعترته (عليهم السلام)!!

وقد أغفلت الصحاح الستة قصة ضرب عمر لأبيّ بن كعب، لكن روتها مصادر أخرى موثوقة عندهم وتفاوتت في ذكر السبب.. والذي يظهر من رواية الراغب في محاضرات الأدباء:1/133 أن السبب هو خروج عدد من تلاميذ أبيّ ومحبيه معه من المسجد ومشيهم

الصفحة 393
معه في الطريق! قال الراغب: (ونظر عمر إلى أبيّ بن كعب وقد تبعه قوم، فعلاه بالدرة وقال: إنها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع).

ولكن الدارمي وعمر بن شبة صرحا بأن السبب أن أبيّاً خالف أمر الخليفة بعدم تحديث الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! قال الدارمي:1/132: (عن سليمان بن حنظلة قال: أتينا أبي بن كعب لنحدِّث إليه، فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة! قال فاتقاه بذراعيه فقال يا أمير المؤمنين ما تصنع؟!! قال: أو ما ترى؟ فتنة للمتبوع مذلة للتابع!) انتهى.

وقال ابن شبة في تاريخ المدينة:2/691: (حدثني أبو عمرو الجملي، عن زاذان أن عمر خرج من المسجد فإذا جمع على رجل فسأل: ما هذا؟ قالوا: هذا أبيّ بن كعب كان يحدث الناس في المسجد فخرج الناس يسألونه، فأقبل عمر حرداً فجعل يعلوه بالدرة خفقاً، فقال: يا أمير المؤمنين أنظر ما تصنع، قال: فإني على عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع مذلة للتابع!!) انتهى.

فالسبب ليس هو مخالفة أبيّ لعمر في قراءة القرآن فقط، بل يضاف إليه مخالفته لمرسوم عمر بمنع الصحابة تدوين سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى من مجرد التحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فكل صحابي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو جريمة يعاقب عليها!! فإن قال ذلك في

الصفحة 394
المسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالجريمة مضاعفة!!

لكن القرآن والسنة ليسا كل أسباب نقمة عمر على أبيّ، كما سترى!

*  *  *


الصفحة 395

المســألة: 83
من أين نشأ بغض عمر على أبي بن كعب؟

أبي بن كعب خزرجي.. ضد سقيفة عمر!

لابد أن نضيف إلى السببين المصرح بهما عند الراغب والدارمي، ثلاثة أسباب أخرى، لكره عمر لأبيّ بن كعب، وهي:

1 ـ أن أبياً من الأنصار الذين يصعب على المتعصب لقريش كعمر أن يحبهم، خاصة الخزرج الذين ينتسب إليهم أبيّ، والذين وقف رئيسهم سعد بن عبادة في السقيفة ضد أبي بكر وعمر، واتهمهما بالمؤامرة وغصب الخلافة فاصطدم به عمر وقال: (أقتلوا سعداً قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يا بن صهاك الجبان في الحرب والفرَّار، الليث في الملأ والأمن، لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة. فقال أبو بكر: مهلاً يا عمر مهلاً فإن الرفق أبلغ وأفضل). (الإحتجاج:1/93)

وقد بقي سعد رئيس الخزرج معارضاً معادياً لأبي بكر وعمر، وبقي عمر يضطغن عليه حتى نفاه إلى الشام، ثم قتله.

وقد كان أبيُّ بن كعب مع سعد بن عبادة كعامة الخزرج وبعض الأوس، الذين وقفوا ضد فرض عمر بيعة أبي بكر.

أبي بن كعب كان مع المعتصمين في بيت فاطمة (عليها السلام)

2 ـ أن أبي بن كعب كان مع الذين اعتصموا في بيت فاطمة (عليها السلام) وهاجمهم عمر وأشعل الحطب في باب البيت، وهددهم بإحراقه على

الصفحة 396
من فيه إن لم يبايعوا أبا بكر!!

قال اليعقوبي في تاريخه:2/124: (وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم: العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبيّ بن كعب، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي، إذا مال معكم، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلاً...

واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال لهم: أغدوا عليَّ غداً محلقين الرؤوس، فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر. وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار..).انتهى.

أبي بن كعب أحد الإثني عشر المعترضين على أبي بكر في المسجد!

3 ـ روى الطبرسي في الإحتجاج:1/93، حديثاً طويلاً عن السقيفة، قال فيه:

(قال عمر: أقتلوا سعدا قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال:


الصفحة 397
والله يا بن صهاك الجبان في الحرب والفرار، الليث في الملأ والأمن، لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فإن الرفق أبلغ وأفضل.

فقال سعد: يا بن صهاك وكانت جدة عمر الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين، لقد اجترأتما!!

ثم قال للخزرج: إحملوني من مكان الفتنة فحملوه وأدخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما أقلَّتْ يدي، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي. ثم وأيم الله لو اجتمع الجن والإنس عليَّ لما بايعتكما أيهما الغاصبان حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.

فلما جاءهم كلامه قال عمر: لابد من بيعته. فقال بشير بن سعد: إنه قد أبى ولجَّ وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوس فاتركوه فليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعداً، فكان سعد لا يصلي معهم.

قال وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس يصلون عليه، من بايع أبا بكر ومن لم يبايع، جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن

الصفحة 398
العوام، واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان، وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين، إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم حلقاً شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي (عليه السلام) ومعهم الزبير....

قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب العقور... فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف... فقال علي (عليه السلام): أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حياً وميتاً، وأنا وصيه ووزيره

الصفحة 399
ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاءافي جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً وأثبتكم جناناً، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر؟ أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار، وإلا فبوؤا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون...

فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع طوعاً أو كرهاً.

فقال علي (عليه السلام): إحلب حلباً لك شطره، أشدد له اليوم ليرد عليك غداً إذاً والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك، ولا أبايع.

فقال أبو بكر: مهلاً يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك.

فقال أبو عبيدة إلى علي (عليه السلام) فقال: يا بن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولاعلمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن وكان لعلي (عليه السلام) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة، وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له، فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.....

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا

الصفحة 400
أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر...الخ).

وفي الإحتجاج للطبرسي:1/97: (عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً.

من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي.

ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري.

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عزوجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ،فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لنستشيره ونستطلع رأيه، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول (علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيفما مال) ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك

الصفحة 401
لما كنتم لهم إلا حرباً، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوعز إليَّ قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه! فقلت: يا رسول الله فما تعهد إليَّ إذا كان كذلك؟ فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً.

فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابنيَّ الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب.... فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم بعدهم الأنصار.

وروي أنهم كانوا غياباً عن وفاة رسول

الصفحة 402
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال:

إتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم أمراً فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي. ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم.

ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي.

اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيباً من مرافقتي يدركون به نور الآخرة.

اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.

فقال له عمر بن الخطاب: أسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه.

فقال له خالد: بل أسكت أنت يابن الخطاب، فإنك تنطق على لسان غيرك وأيم الله لقد علمت قريش أنك من ألأمها حسباً وأدناها منصباً وأخسها قدراً وأخملها ذكراً، وأقلهم غناءا عن الله ورسوله، وإنك لجبان في الحروب، بخيل بالمال، لئيم العنصر، مالك في قريش من فخر، ولا في الحروب من ذكر، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان:إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ

الصفحة 403
إِنِّي بَرئٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِين. فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فأبلس عمر، وجلس خالد بن سعيد.

ثم قام سلمان الفارسي وقال....

ثم قام أبو ذر الغفاري فقال....

ثم قام المقداد بن الأسود فقال....

ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال.....

ثم قام عمار بن ياسر فقال.....

ثم قام أبيُّ بن كعب فقال: يا أبا بكر لا تجحد حقاً جعله الله لغيرك، ولاتكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيه وصفيه، وصدف عن أمره، أردد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم، وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك، فيسألك عما جنيت وما ربك بظلام للعبيد.

ثم قام خزيمة بن ثابت فقال.....

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال.....

ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال... وقام معه أخوه عثمان بن حنيف، وقال...

قال الصادق (عليه السلام): فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً، ثم قال: وليتكم ولست بخيركم، أقيلوني أقيلوني!

فقال له عمر بن الخطاب: إنزل عنها يا لكع! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك

الصفحة 404
وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة.

قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمر:

والله يا أصحاب عليّ لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا بن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا، والله لو لا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي، لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.

فقام أمير المؤمنين وقال: اجلس يا خالد، فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس.

وقام إليه سلمان الفارسي فقال: الله أكبر الله أكبر! سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست

الصفحة 405
أشك ألا وإنكم هم!

فهمَّ به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض، ثم قال: يابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم، لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً!! ثم التفت إلى أصحابه فقال: إنصرفوا رحمكم الله فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ. والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لقضية أقضيها، فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يترك الناس في حيرة!!

وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بأزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال الناس يبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون!

حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي (عليه السلام) فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه! فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك، إنما أردت التهويل، فراسلهم علي أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقدحلفت أن لاأخرج

الصفحة 406
من بيتي ولاأدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لاعهد لي بقوم أسوء محضراً منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا، ولم تروا لنا حقاً، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم. والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة). انتهى.

هذا، وقد روى في الإحتجاج:1/153: كلاماً طويلاً لأبي بن كعب اعتراضاً على أبي بكر في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول جمعة من شهر رمضان تلك السنة: (عن محمد ويحيى ابني عبد الله بن الحسن، عن أبيهما، عن جدهما، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان وقال: يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، وأثنى الله عليهم في القرآن، ويا معشر الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان وأثنى الله عليهم في القرآن:

تناسيتم أم نسيتم، أم بدلتم، أم غيرتم، أم خذلتم، أم عجزتم؟

ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام فينا مقاماً أقام فينا علياً فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً، ومن كنت نبيه فهذا أميره؟

ألستم تعلمون أن رسول الله قال:يا علي

الصفحة 407
أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي؟ ألستم تعلمون أن رسول الله قال: أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تقدموهم، وأمروهم ولا تأمروا عليهم؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال:أهل بيتي منار الهدى والدالون على الله أو لستم تعلمون أن رسول الله قال لعلي: أنت الهادي لمن ضل؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: علي المحيي لسنتي، ومعلم أمتي، والقائم بحجتي، وخير من أخلف من بعدي، وسيد أهل بيتي وأحب الناس اليَّ، طاعته كطاعتي على أمتي؟... الخ.

فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: أقعد رحمك الله يا أبيّ، فقد أديت ما سمعت الذي معك، ووفيت بعهدك). انتهى.

*  *  *


الصفحة 408

المســألة: 84
أبي بن كعب قتله أهل العُقدة (صحيفة التحالف ضد عترةالنبي)!

روى الحاكم:2/ 226: (عن جندب قال: أتيت المدينة لأتعلم العلم، فلما دخلت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا الناس فيه حلق يتحدثون، قال: فجعلت أمضي حتى انتهيت إلى حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة ولا آسي عليهم، يقولها ثلاثاً، هلك أصحاب العقد ورب الكعبة، هلك أصحاب العقد ورب الكعبة، هلك أصحاب العقد ورب الكعبة!

قال: فجلست إليه فتحدث ما قضي له ثم قام، فسألت عنه فقالوا: هذا سيد الناس أبي بن كعب! قال فتبعته حتى أتى منزله فإذا هو رث المنزل رث الكسوة رث الهيئة، يشبه أمره بعضه بعضاً فسلمت عليه فرد عليَّ السلام، قال: ثم سألني ممن أنت قال قلت من أهل العراق، قال أكثر شئ سؤالاً وغضب، قال: فاستقبلت القبلة ثم جثوت على ركبتي ورفعت يدي هكذا ومد ذراعيه فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرجل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهموا لنا وقالوا لنا، قال: فبكى أبيٌّ وجعل يترضاني ويقول: ويحك إني لم أذهب هناك، ثم قال أبيٌّ: أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أخاف فيه لومة لائم. قال ثم انصرفت عنه وجعلت أنتظر يوم الجمعة، فلما كان يوم الخميس