فقال: والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن فيها قولاً لا أبالي أَستحييتموني عليه أو قتلتموني!! فلما كان يوم الجمعة من بين الأيام أتيت المدينة فإذا أهلها يموجون بعضهم في بعض في سككهم، فقلت: ما شأن هؤلاء الناس؟! قال بعضهم: أما أنت من أهل هذا البلد؟ قلت لا، قال فإنه قد مات سيد المسلمين اليوم أبيُّ بن كعب، قلت: والله إن رأيت كاليوم في الستر أشد مما ستر هذا الرجل). انتهى.
وفي مسند أحمد:5/140: (عن قيس بن عباد قال أتيت المدينة للقي أصحاب محمد (ص) ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبيّ...
ثم حدث فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شئ متوحها إليه! قال: سمعته يقول:هلك أهل العقدة ورب الكعبة! ألا لاعليهم آسى، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين!
وفي صحيح ابن خزيمة:3/33: (ثم استقبل القبلة فقال (هلك أهل العقدة ورب الكعبة ثلاثاً) ثم قال والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا قال قلت من تعني بهذا قال الأمراء). (ونحوه في حلية الأولياء:3/110).
وفي تهذيب الكمال:2/270: (عن عتي بن ضمرة قال: قلت لأبي بن كعب ما شأنكم يا صحابة رسول الله (ص) نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير أن نستفيده عندكم فتهاونون بنا؟! فقال أبيّ: أما والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن قولاً لا أبالي أَستحييتموني أو قتلتموني!
قال فلما كان يوم الجمعة من بين الأيام خرجت من منزلي فإذا أهل المدينة يؤذنون في سككها! فقلت لبعضهم: ما شأن الناس؟ قالوا وما أنت من أهل البلد؟ قلت: لا، قال: فإن سيد المسلمين مات اليوم! قلت: من هو؟ قال: أبيُّ بن كعب. فقلت في نفسي: والله مارأيت كاليوم في الستر أشد مما ستر هذا الرجل!
وفي المعجم الأوسط:7/217: (هلك أهل العقدة ورب الكعبة والله ما عليهم آسى ولكني آسى على من أهلكوا من أمة محمد)!!
وفي نيل الأوطار:3/222: (فسمعته يقول: هلك أهل العقدة ورب الكعبة ألا لا عليهم آسي ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين! وإذا هو أبي يعني ابن كعب. هذا لفظ أحمد، وقد أخرج الحديث أيضاً النسائي وابن خزيمة في صحيحه. ومتحت بفتح الميم
وفي الكافي:4/545:عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (كنت دخلت مع أبي (عليه السلام) الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً! قال قلت: ومن كانوا؟ قال: كان الأول والثاني، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم ابن الحبيبة)! انتهى.
ولامجال لذكر فعاليات الشبكة القرشية التي كانت وراء السقيفة!
قول أبيّ: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم!
في شرح نهج البلاغة:20/22، كلام منطقي عن الصحابة، قال فيه: (وإنما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما عليهم، من أساء منهم ذممناه ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير، بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات، فقربت اعتقاداتهم من الضرورة، ونحن لم نشاهد ذلك فكانت عقائدنا محض النظر والفكر، وبمعرضية الشبه والشكوك فمعاصينا أخف لأنا أعذر.
ثم قد حصر عثمان، حصرته أعيان الصحابة، فما كان أحد ينكر ذلك، ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته....
وهذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة، ادعي عليه الزنا وشهد عليه قوم بذلك، فلم ينكر ذلك عمر ولا قال: هذا محال وباطل لأن هذا صحابي.....
وهاهنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل: قدامة بن مظعون لما شرب الخمر في أيام عمر فأقام عليه الحد، وهو رجل من علية الصحابة، ومن أهل بدر...
وقال أبو بكر في مرضه الذى مات فيه: وددت إني لم أكشف بيت فاطمة ولو كان أغلق على حرب، فندم...
ثم ينبغي للعاقل أن يفكر في تأخر علي (عليه السلام) عن بيعه أبى بكر ستة أشهر إلى إن ماتت فاطمة، فإن كان مصيباً فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة.....
ثم قال أبو بكر في مرض موته أيضاً للصحابة: فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي يعني عمر فكلكم ورم لذلك أنفه يريد أن يكون الأمر له. لما رأيتم الدنيا قد جاءت.....
وكلمة أبيّ بن كعب مشهورة منقولة: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم! وقوله: ألا هلك أهل العقيدة (العقدة)،
ثم قول عبد الرحمن بن عوف: ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق، وقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما وليت عثمان شسع نعلي، وقوله: اللهم إن عثمان قد أبى أن يقيم كتابك فافعل به وافعل)!!
المســألة: 85
نماذج من صراع عمر مع أبي على قراءة القرآن!
روت مصادرهم خلافات كثيرة بين عمر وأبيّ، فقد أراد عمر أن يفرض عليه رأيه في آيات القرآن، وكان أبيّ يرفض ذلك حتى وصل الأمر إلى أن عمر أهان أبياً وهو في عمر أبيه وهو شيخ الأنصار! وضربه بالسوط على باب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما تقدم!!
وكانت مواقف عمر في خلافه مع أبيّ متفاوتة إلى حد التناقض! فأحياناً كان يخضع لقول أبيّ، وأحياناً كانا يفترقان بدون نتيجة عملية!
ففي الدر المنثور:2/344: (وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن عدي عن أبي مجلز أن أبي بن كعب قرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ)، قال عمر كذبت! قال أنت أكذب! فقال رجل: تكذب أمير المؤمنين؟! قال أنا أشد تعظيماً لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كتاب الله، ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله! فقال عمر: صدق).
ونقل في كنز العمال:13/261، عن ابن راهويه: (أن عمر بن الخطاب رد على أبي بن كعب قراءة آية فقال أبي: لقد سمعتها من رسول الله (ص) وأنت يلهيك يا عمر الصفق بالبقيع! فقال عمر: صدقت! إنما أردت أن أجربكم هل منكم من يقول الحق، فلا خير في أمير لايقال عنده الحق ولا يقوله!
وأحياناً كانت تشتد المواجهة تشتد فيصر عمر على رأيه، ويوبخ أبياً ولايقبل منه، ويأمر المسلمين بكتابة المصحف على ما يقوله هو، وأن يمحوا ما يقوله أبيٌّ! الخ.
ففي تاريخ المدينة:2/711: (عن خرشة بن الحر قال: رأى معي عمر بن الخطاب لوحاً مكتوباً فيه: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، فقال: من أملى عليك هذا؟ قلت أبيُّ بن كعب، فقال إن أبياً كان أقرأنا للمنسوخ، إقرأها: فامضوا إلى ذكر الله!). (وفي الدر المنثور:6/219: عن أبي عبيد في فضائله، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف. وقراءة عمر في البخاري:6/63) وروى البيهقي:3/227 (عن سالم، عن أبيه قال: ما سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها إلا: فامضوا إلى ذكر الله... أنبأ الشافعي، أنبأ سفيان بن عيينة، فذكره بنحوه).
والسبب في إصرار عمر على تحريف نص القرآن أن كلمة (السعي) في الآية مشتركة بين السعي المعنوي والمادي! لكنها في ذهن عمر
وعندما يجتهد عمر ويضع في رأسه شيئاً، يغيب عنه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المسلمين أن يأخذوا القرآن من أبيّ بن كعب، وليس من عمر!
ويبدو أن هذا المعنى العمري للسعي كان موجوداً في أذهان بعضهم، ففي الدر المنثور:6/219 عن البيهقي: (عن عبد الله بن الصامت قال: خرجت إلى المسجد يوم الجمعة فلقيت أبا ذر، فبينا أنا أمشي إذ سمعت النداء فرفعت في المشي لقول الله: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فجذبني جذبة فقال: أو لسنا في سعي؟!).
أما عليٌّ وأهل البيت (عليهم السلام) فكانوا ملتفتين إلى أن السعي هنا ليس بمعنى الركض بل بمعنى السعي المعنوي الذي يتناسب مع المشي إلى صلاة الجمعة بسكينة ووقار.
روى المغربي في دعائم الإسلام:1/182: (عن علي (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، قال: ليس السعي الاشتداد، ولكن يمشون إليها مشياً).
وروى الصدوق في علل الشرائع:2/357: (عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قمت إلى الصلاة إن شاء الله فأتها سعياً وليكن عليك السكينة والوقار، فما أدركت فصل وما سبقت به فأتمه فإن الله
وفي تفسير علي بن إبراهيم:2/367، عن الإمام الباقر (عليه السلام) (إسعوا: إعملوا لها وهو قص الشارب، ونتف الأبط وتقليم الأظافير والغسل ولبس أفضل ثيابك، وتطيب للجمعة فهو السعي، يقول الله: ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) انتهى.
وقال الراغب في مفرداته ص233: (السعي المشي السريع وهو دون العدو. ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً، قال تعالى: وسعى في خرابها، وقال: نورهم يسعى بين أيديهم. وقال: ويسعون في الأرض فساداً، وإذا تولى سعى في الأرض، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى، إن سعيكم لشتى. وقال تعالى: وسعى لها سعيها، كان سعيهم مشكوراً. وقال تعالى: فلا كفران لسعيه).
وقال الخليل في كتاب العين:2/202: (السعي عدو ليس بشديد. وكل عمل من خير أو شر فهو السعي، يقولون السعي العمل أي الكسب. والمسعاة في الكرم والجود).
وقال الجوهري في الصحاح:6/2377: (سعى الرجل يسعى سعياً أي عدا، وكذلك إذا عمل وكسب).
وقال الطريحي في مجمع البحرين:2/375: (فاسعوا إلى ذكر الله، أي بادروا بالنية والجد، ولم يرد للعدو والإسراع في المشي. والسعي يكون عدواً ومشياً وقصداً وعملاً، ويكون تصرفاً بالصلاح والفساد. والأصل
ولا تجد أحداً من السنيين انتصر للقرآن، فأيد أبياًّ وخطَّأ عمر! بل تراهم غضوا أبصارهم عن فضيحة عمر، وخرسوا عن شهادته الزور بالنسخ، ودعوا له بالستر والسلامة، كما فعل البخاري!
وغاية ما وصلت إليه جرأة كبارهم الإنتقاد البعيد بالإشارة البعيدة!
قال البيهقي في سننه:3/227: (قال الشافعي: ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل لا السعي على الأقدام، قال الله تعالى: إن سعيكم لشتى، وقال: ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، وقال: وكان سعيكم مشكوراً، وقال: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وقال: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها. قال الشيخ (البيهقي): وقد روي عن أبي ذر ما يؤكد هذا) انتهى. وقد أخذها الشافعي عن أهل البيت (عليه السلام) كما رأيت!
وتبع الشافعي والبيهقي، ابن قدامة في المغني:2/143.
أما السيوطي فقد جمع ست عشرة رواية في قراءة عمر هذه، ولم يعلق عليها! (الدر المنثور: 6/219) وروى فيها: (ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا إلى ذكر الله.... لقد توفي عمر وما يقول هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا: فامضوا إلى ذكر الله! وروى عن ابن عباس ومحمد بن كعب قال: السعي العمل. (راجع كنز العمال:2/591 تحت الأرقام: 48087 و4809 و4821 و4822، والتسهيل لابن جزي:2/445. قرأ عمر: وامضوا إلى ذكر الله) انتهى.
المســألة: 86
محاولة عمرية لتحريف القرآن.. أحبطها أبيُّ بن كعب!
قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). (سورة التوبة: 116 ـ 117)
وقال تعالى: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة التوبة: 97 ـ 100)
فقد جعل الله المسلمين ثلاثة أقسام: السابقين من المهاجرين، والسابقين من الأنصار، والتابعين الذين اتبعوهم بإحسان.
لكن عمر أراد أن يحذف حرف الواو قبل كلمة (الذين) ويجعلهم قسمين: المهاجرين، ثم الأنصار الذين اتبعوا المهاجرين فيفرض على الأنصار اتباع المهاجرين وطاعتهم، ويحذف القسم الثالث (التابعين)!
فانظر إلى هذه الضربة الفنية العمرية
روى الحاكم:3/305: (عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول: وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.. إلى آخر الآية، فوقف عليه عمر، فقال إنصرف، فلما انصرف قال له عمر: من أقرأك هذه الآية؟ قال أقرأنيها أبي بن كعب. فقال: إنطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه فإذا هو متكئ على وسادة يرجل رأسه فسلم عليه فرد السلام فقال: يا أبا المنذر؟ قال لبيك، قال: أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية؟ قال: صدق تلقيتها من رسول الله (ص).
قال عمر: أنت تلقيتها من رسول الله (ص)؟!
قال: نعم أنا تلقيتها من رسول الله. ثلاث مرات كل ذلك يقوله، وفي الثالثة وهو غضبان: نعم والله، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمد، فلم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه!! فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول: ألله أكبر، ألله أكبر!!). (ورواه في كنز العمال:2/605 وقال: (أبو الشيخ في تفسيره، ك، قال الحافظ ابن حجر في الأطراف: صورته مرسل. قلت: له طريق آخر عن محمد بن كعب القرظي مثله أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ، وآخر عن عمر بن عامر الأنصاري نحوه، أخرجه أبو عبيد في فضائله، وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه هكذا. صححه، ك).
وفي تاريخ المدينة:2/707: (حدثنا معاذ بن شبة بن عبيدة قال حدثني أبيّ عن أبيه عن
(وقال في هامشه: في منتخب كنز العمال:2/ 55 عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين... ورد في نفس المرجع:2/56 عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا... وروى رواية الحاكم المتقدمة، ثم قال: وانظر تفسير ابن كثير 4: 228).
وروى في كنز العمال:2/597: (عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان. فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين، فقال زيد: والذين اتبعوهم بإحسان. فقال عمر: الذين اتبعوهم بإحسان. فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم! فقال عمر: ائتوني بأبي بن كعب، فسأله عن ذلك فقال أبيّ: والذين اتبعوهم بإحسان، فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه، فقال أبي: والله أقرأنيها رسول الله (ص) وأنت تتبع الخبط، فقال عمر: نعم إذن، فنعم إذن فنعم إذن، نتابع أبياً! (أبو عبيد في فضائله، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه. وقال في هامشه: الخبط بفتح الخاء والباء ــ الورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن). انتهى.
ثم قال السيوطي: وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال مرَّ عمر برجل يقرأ:السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال نعم. قال وسمعتها من رسول الله (ص)؟ قال نعم. قال: لقد كنت أرى أنا رُفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا! فقال أبيٌّ: تصديق ذلك في أول سورة الجمعة: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم. وفي سورة الحشر: والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان. وفي الأنفال: والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم).
ومعنى قول عمر: (قد كنت أرى أنا رُفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا)، أنه يرى أن قريشاً فوق الجميع فلا يساوى بها
فعمر يريد أن يجعل اختيار الله تعالى لقريش من أجل قبائلها كلها وليس من أجل أن يختار منهم بني هاشم، واختياره لبني هاشم من أجل أن يختار منهم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله المطهرين المعصومين فقط.
يريد عمر طبقية لقريش على العالم، وأنها شعب الله المختار، على خطى اليهود الذين زعموا أنهم شعب الله المختار والناس خدم لهم!
وهذا التحريف يثير حفيظة كل مسلم، ويثير حفيظة الأنصار بصورة خاصة، لأن الله جعلهم على قدم المساواة مع المهاجرين وإن ذكر اسمهم بعدهم، وعمر يريد أن يجعلهم تابعين لهم!
ولايمكن أن نصدق أن موقف عمر كان وليد ساعته عندما سمع رجلاً يقرأ الآية في الطريق! فهذه الضربة (الفنية) للأنصار لابد أنها كانت مدروسة وحاضرة عنده، وقد يكون هو الذي دبر رجلاً ليقرأها ويقول أقرأنيها أبيّ بن كعب، ليكون ذلك سبباً لذهاب عمر إليه ليناقشه فيها لعله يقبل معه!! بل لابد أن الموضوع كان مطروحاً مرات في دار الخلافة، مع أبيّ نفسه، وأنه أثار الأنصار فأعلنوا نفيرهم من أجلها، كما
أما زيد بن ثابت، الأنصاري أماً واليهودي أباً، فقد سلَّم لعمر (فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم). ولو وقف في وجهه ولم يخش سطوته لربح المعركة، لأن كل الأنصار سيقفون إلى جانبه، ويؤيدهم أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنه زيداً ضعيف الشخصية!
لكن أبي بن كعب مع أنه يخاف سطوة عمر ويداريه كثيراً، لكنه وقف في وجهه لأنه حافظ للقرآن، وأكبر سناً من عمر، ومن صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المقربين، والمسألة تمس كيان الأنصار!
وقد دافع الشوكاني عن عمر بأن المسألة اشتباه رجع عنه عمر عندما شهد له أبيّ! لكن بماذا يفسر تأكيد عمر وشهادته أن الآية نزلت بدون واو؟! قال عمر: (أشهد أن الله أنزلها هكذا. ابن شبة:2/707)!
فإذا كان قوله هذا اجتهاداً من عنده لأن مكانة قريش برأيه عند الله أعلى من مكانة الأنصار، فهو جرأة على تحريف كتاب الله!!
وإن كان صادقاً في شهادته فلماذا تراجع بمجرد شهادة أبيٍّ وتأكيده؟! ولماذا لم يقل لأبيّ إن شهادتك في مقابل شهادتي، فلنرجع إلى شهادات الصحابة؟!
بل كيف أمر بكتابتها في القرآن كما قال ابن كعب، ولم يطلب حتى شاهداً آخر عليها، ألا يحتاج النص القرآني إلى شاهدين، بل تواتر؟!
مهما يكن، فلولا موقف أبيّ بن كعب
المســألة: 87
آيات مزعومة وتحريفات نسبوها إلى أبيّ بن كعب!
من أساليبهم في تخفيف الجرم.. إشراك الآخرين فيه! وهو أسلوب أكثر محبو عمر من استمعاله لتخفيف مقولاته التحريفية في القرآن، وقد فضحتهم قراءته (فامضوا إلى ذكر الله) التي رووا بشكل قطعي أنها من مختصاته، وأنها من أسباب اختلافه مع أبيّ! لكنك تجدهم نسبوها أيضاً إلى عبد الله بن الزبير، وابن مسعود وابن عباس، وحتى إلى أبيّ بن كعب!!
وكذلك الأمر في بدعة عمر للأحرف السبعة، وحذفه سورتي المعوذتين من القرآن، وغيرها من مقولاته التحريفية للقرآن!
ولهذا السبب صار على الباحث عندما يصل إلى تحريف قرآني ثبت عن عمر، أن يتوقف في صحة نسبته إلى غيره، لأنه قد يكون لغرض تخفيف الجرم عن عمر بإثبات شراكة غيره له!
آية عمر: صراط من أنعمت عليهم.. وغير الضالين، نسبوها إلى أبيّ!
قال السيوطي في الدر المنثور:1/15: (أخرج وكيع، وأبو عبيد، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ: سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري عن عبد الله بن الزبير
وأخرج ابن أبي داود عن ابراهيم قال كان عكرمة والأسود يقرآنها: صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين).
وفي كنز العمال:2/593: (عن عمر أنه كان يقرأ: سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ـ وكيع وأبو عبيد، ص، وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف).
ورواه البغوي في معالم التنزيل:1/42: والراغب في محاضراته:2/199 وابن جزي في التسهيل.. وغيرهم.. وغيرهم.
ومن بين هذه الروايات المتظافرة، تجدهم رووا رواية نسبوا فيها قراءة عمر إلى أبيّ بن كعب! قال السيوطي في الدر المنثور:1/17: (وأخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل ابن مسلم قال: في حرف أبي بن كعب: غير المغضوب عليهم وغير الضالين. آمين. بسم الله). انتهى.
ومن الواضح أن ذلك لتخفيف جريمة عمر، أو لتسويق قراءته!
كما أن من الواضح أن قراءة عمر أسبق من قراءة عكرمة وابن الزبير، وأنهما قلداه فيها، فمعنى (أنه كان يقرأ)، يفيد الدوام.
وإذا سألت لماذا كان عمر يقرأ هكذا ويخالف المسلمين كلهم؟! فلا تجد جواباً إلا أنه استذوق ذلك!!
والحمد لله أن أحداً من المسلمين لم يطعه في تصحيحاته للقرآن! وبذلك تجلى قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
المســألة: 88
آية عمر: وهو أب لهم..نسبوها إلى أبيّ بن كعب!
قال السيوطي في الدر المنثور:5/183: (وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن راهويه، وابن المنذر، والبيهقي عن بجالة قال: مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم! فقال يا غلام حكها، فقال: هذا مصحف أبيّ! فذهب إلى أبيّ فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق).
(ورواه عبد الرزاق في المصنف:10/181 عن بجالة التيمي.ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة:2 /708، والبيهقي في سننه:7/69 والذهبي في سير أعلام النبلاء:1/397 وفي كنز العمال:2/569 ورمز له (ص ك). وفي:13/259 وفيه (وشغلك الصفق بالأسواق إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء) انتهى.
ويقصد أبيُّ بن كعب: أنك كنت مشغولاً ببيع الأردية في سوق المدينة عند بيت ابن العجماء فتضعها على عنقك ليراها المشتري! وابن العجماء عدوي من عشيرة عمر، ولم أجد له ترجمة، وقد ترجمت المصادر لعدة من بناته!
والسؤال في هذه الزيادة المزعومة وأمثالها: مادام ابن كعب قد أكد أن هذه الزيادة جزء من الآية، والخليفة قبل منه ذلك.. فلماذا لا نجد هذه الزيادة وأمثالها في القرآن، خاصة أن معناها يوافق بقية الآية؟!
المســألة: 89
ونسبوا بدعة عمر في الأحرف السبعة.. إلى أبيّ بن كعب!
عرفنا أن مقولة نزول القرآن على سبعة أحرف قد ابتدعها عمر وسوقها! وأن أبرز رواياتها قصته مع هشام بن حكيم، وزعمه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صحح قراءة كل منهما، وأن عمر شك في نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب ذلك، فأخبره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن القرآن من أصله نزل بصيغ مختلفة!!
هذه القصة بنفسها تقريباً نسبوها إلى أبيّ بن كعب.
فقد روى النسائي في سننه:2/150، رواية عمر في الأحرف السبعة، ثم روى ثلاث روايات عن أبيّ بن كعب: (أن رسول الله (ص) كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل (عليه السلام) فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لاتطيق ذلك! ثم أتاه الثانية فقال إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لاتطيق ذلك! ثم جاءه الثالثة فقال إن الله عزوجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة
ورواية أخرى قال: أقرأني رسول الله (ص) سورة فبينا أنا في المسجد جالس إذ سمعت رجلاً يقرؤها يخالف قراءتي فقلت له من علمك هذه السورة؟ فقال رسول الله (ص) فقلت لاتفارقني حتى نأتي رسول الله (ص) فأتيته فقلت يا رسول الله إن هذا خالف قراءتي في السورة التي علمتني! فقال رسول الله (ص): إقرأ يا أبيّ فقرأتها فقال لي رسول الله (ص): أحسنت. ثم قال للرجل: إقرأ فقرأ فخالف قراءتي فقال له رسول الله (ص): أحسنت! ثم قال رسول الله (ص): يا أبيُّ إنه أنزل القرآن على سبعة أحرف كلهن شاف كاف!
ثم رواية ثالثة عن أبيّ أنه قال: ما حاك في صدري منذ أسلمت إلا أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت أقرأنيها رسول الله (ص) وقال الآخر أقرأنيها رسول الله (ص)! فأتيت النبي (ص) فقلت يا نبي الله أقرأتني آية كذا وكذا، قال نعم. وقال الآخر ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: إقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل استزده استزده حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف!) انتهى.
وهذا يدل على مكانة أبيّ بن كعب
المســألة: 90
آيات أبي موسى الأشعري.. نسبوها إلى أبيّ بن كعب!
روى البخاري:7/175، عن ابن عباس: (سمعت النبي (ص) يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وروى عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) قال: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
وهذا يعني أنهما حديثان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليسا آيتين، لكن روى مسلم:3/100، حديث أنس لكن بنص حديث ابن عباس. وروى بعده: (عن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها! غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة!!). انتهى.
فهذا نص صريح من الأشعري بضياع كثير من سورتين من القرآن!