وروى أحمد:3/238، أن أنساً نص على أن آية وادي التراب حديث قدسي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله عز وجل وليس آية، وكذا في:5/219 (عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي (ص) إذا أنزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم: إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب). (وقريباً منه عن عائشة في:6/55).
لكنه رواه أيضاً في:3/122، بصيغة الشك بين الحديث والآية: (عن أنس قال كنت أسمع رسول الله (ص) يقول فلا أدري أشئ نزل عليه أم شئ يقوله؟ وهو يقول: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثاً، ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب). (وقريب منها في:3/272.
ثم رواه أحمد:4/368 بصيغة الجزم بأنه آية: (عن زيد بن أرقم قال: لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص): لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
ورواه في:5/117، عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئاً؟ ثم قال له عمر كم مالك؟ قال أربعون من الإبل. قال ابن عباس فقلت: صدق الله ورسوله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولايملأ جوف
ورواه مجمع الزوائد:7/141، وقال: (قال: أفأثبتها في المصحف؟ قال: نعم! رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
ثم رواها الهيثمي من قول عمر وليس ابن عباس ولا أبيّ ولا غيرهما! قال: (وعن ابن عباس قال جاء رجل إلى عمر فقال أكلتنا الضبع، قال معسر؟ يعني السنة قال فسأله عمر ممن أنت؟ قال فما زال ينسبه حتى عرفه، فإذا هو موسر، فقال عمر لو أن لابن آدم واد وواديين لابتغى إليهما ثالثاً ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب. قلت: رواه ابن ماجة غير قول عمر ثم يتوب الله على من تاب، رواه أحمد ورجاله ثقات، ورواه الطبراني في الأوسط).
ورواه في:10/243، عن عائشة وقال: (رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال إنما جعلنا المال لتقضى به الصلاة وتؤتى به الزكاة، قالت: فكنا نرى أنه مما نسخ من القرآن!). (ورواه الدارمي:2/318 عن أنس بصيغة التشكيك قريباً مما في أحمد:3/272)
ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة:2/707، وفيه: (قال عمر: أفنكتبها؟ قال لا آمرك. قال: أفندعها؟ قال لا أنهاك! قال: كان إثباتك أولى من رسول الله (ص) أم قرآن منزل)! انتهى.
(ورواه السيوطي في الدر المنثور:1/106 وفيه:ولايملأ عين ابن آدم إلا التراب...قال ابن عباس فلا أدري أمن القرآن هو أم لا. وفي:6/378 عن ابن عباس.. وسأله عمر: أفأثبتها في المصحف؟ قال: نعم. ثم عن ابن الضريس عن ابن عباس...فقال عمر أفأكتبها؟ قال: لا أنهاك. قال فكأن أبياً شك أقولٌ من رسول الله (ص) أو قرآن منزل)!.
ويتعجب الباحث من هذه الغزارة في الروايات، كما يتعجب سلوك عمر، فمرة يمحو هو الآية! ومرة يرد شهادة أبيّ، ومرة يحب أن يكتبها لكنه ينتظر إشارة من أبيّ أو ابن عباس فيسأله: أفأكتبها في المصحف؟
فهل الملاك في كون نص من القرآن هو رأي عمر أو أبيّ، أو رأي ابن عباس، أو زيد بن ثابت كما تقول رابعة؟
أو هو شهادة اثنين من الصحابة كما تقول خامسة؟
إلى آخر التناقضات الواردة في روايات جمع القرآن عندهم!
لكن المتتبع يعرف أن الملاك الأول والأخير هو رأي عمر، وأنه كان يكتب ذلك في مصحفه الذي عند حفصة، وأحرقه مروان وأراح المسلمين منه، والحمد لله القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).!.
المســألة: 91
آيات وادي التراب وذات الدين.. نسبوها إلى أبيّ بن كعب!
روى الحاكم:2/224: (عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله (ص): إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين. ومن نعتها (أي من صفة هذه السورة وآياتها): لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته لسأل ثانياً، وإن أعطيته ثانياً سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية، ومن يعمل خيراً فلن يكفره. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد:7/140: (عن أبيّ بن كعب قال قال رسول الله (ص) إن الله أمرني أن أقرأ عليك قال فقرأ علي: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة. إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولااليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره. قال شعبة: ثم قرأ آيات بعدها، ثم قرأ: لو كان لابن آدم واديان من مال لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب قال: ثم ختم ما بقي من السورة!!
وفي رواية عن أبي بن كعب أيضاً: أن رسول الله (ص) قال إن الله تبارك وتعالى أمرني أن
ورواه في كنز العمال:2/567 وفيه: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه لم يكن، وقرأ عليه إن ذات الدين عند الله الحنيفية..ط حم ت، حسن صحيح،ك ص).
وعلى هذه الروايات الصحيحة السند بمقاييسهم! ينبغي أن تسمى هذه الآيات المخلوطة من آية وادي التراب وذات الدين وغيرهما.
كما ينبغي أن تسمى: (الآيات المنزلة إلى أبيَّ بن كعب)! لأنهم قالوا في نصوصها إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبيّ: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك)!
ولاينبغي الشك في كل روايات الزيادة والنقصان المنسوبة إلى أبيّ بن كعب، لأنه ثبت أنهم كذبوا عليه واستغلوا اسمه لإثبات الزيادة والنقص في القرآن!!
المســألة: 92
ونسبوا واحدة من آيتي عمر إلى أبي بن كعب!
في مصنف عبد الرزاق:9/51: (عن عدي بن عدي عن أبيه أو عن عمه أن مملوكاً كان يقال له كيسان، فسمى نفسه قيساً وادعى إلى مواليه ولحق بالكوفة، فركب أبوه إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين ولد على فراشي ثم رغب عني، وادعى إلى مواليه ومولاي! فقال عمر: أزيد بن ثابت ألم تعلم أنا كنا نقرأ: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم)، فقال زيد: بلى فقال عمر: انطلق فاقرن ابنك إلى بعيرك، ثم انطلق به فاضرب بعيرك سوطاً وابنك سوطاً، حتى تأتي أهلك)!! (ورواه مجمع الزوائد:1/97، والطبراني في الكبير:5/121) ورواه في كنز العمال:6/208عن التمهيد، وجعل أبيّ بن كعب بدل زيد بن ثابت!
وفي البخاري:8/26عن عمر في حديث: (إن الله بعث محمداً (ص) بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الإعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لاترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم). ونحوه في مسند
المســألة: 93
آيةعمر: ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، نسبوها إلى أبيّ!
قال الله تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شئٍْ عَلِيمًا). (سورة الفتح: 26)
والآية تصف حال قريش وحال المسلمين يوم الحديبية، حيث قصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه أداء العمرة، ولما وصلوا إلى الحديبية قرب مكة أخذت قريش حمية الجاهلية فأرسلت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها لاتسمح له بدخوله مكة، واستعدت للحرب، وجرت مفاوضات انتهت إلى عقد الصلح المعروف بصلح الحديبية!
روى الحاكم:2/225، وصححه على شرط الشيخين: (عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فأنزل الله سكينته على رسوله) فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه! فبعث إليه وهو يهنأ ناقة له (يدهنها بالقطران) فدخل عليه فدعا أناساً من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم فغلظ له عمر، فقال له أبيٌّ: أأتكلم؟ فقال تكلم، فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبي (ص) ويقرؤني وأنتم بالباب، فإن أحببتَ أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت، وإلا لم أقرئ حرفاً ما حييت! قال بل أقرئ الناس). (ورواه في الدر المنثور:6/
وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء:1/397: (عن أبي إدريس الخولاني أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق، فقرؤوا يوماً على عمر: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام. فقال عمر: من أقرأكم هذا؟ قالوا أبي بن كعب. فدعا به فلما أتى قال: إقرؤوا فقرؤوا كذلك، فقال أبيٌّ: والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنى ويحجبون ويصنع بي ويصنع بي، ووالله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث شيئاً ولا أقرئ أحداً حتى أموت! فقال عمر: اللهم غفراً، إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علماً فعلم الناس ما علمت). (ورواه في كنز العمال:2/594)
والذي يعرف قصة عمر في الحديبية واعتراضه بجفاء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقبوله الصلح، وإصرار عمر على أن يدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة عنوة ويقاتل قريشاً! وتصريحه بأنه شك في نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيامه بأعمال لإفساد الصلح وإيقاع الحرب.. يعرف أن الزيادة المزعومة في الآية منه لامن أبيّ بن كعب، وأن الرواة حرفوا فيها لتبرئة عمر على عادتهم!
لقد عمل عمر بكل ما استطاع في الحديبية (ليحمِّي) المسلمين فظلوا باردين ولم يستجيبوا له، وبعد سنوات انكشف لعمر وجه الحكمة من الصلح النبوي وأن المسلمين
فلو أن المسلمين حموا لإسلامهم لهزموا المشركين ودخلوا المسجد الحرام فاتحين، كما أخبر الله تعالى: (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لايَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا). (سورة الفتح: 22ـ24)
فمقولة: (لفسد المسجد الحرام) لاتصح إلا إذا كان مقصوده فساده بقتل أهله القرشيين المشركين، الذين صاروا فيما بعد أنصار عمر وسكنوا المدينة واختاروه مع أبي بكر لخلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
فالزيادة محاولة لإثبات مكرمة لكفار قريش، وهي ترتبط بعمر القرشي، فيكون أبي بن كعب الأنصاري بريئاً منها!!
وشهادة الحاكم بأن روايتها صحيحة على شرط الشيخين، تضرُّ رواتها ولا تُقَوِّم قناتها!
ونورد فيما يلي خلاصة موقف عمر في الحديبية، لمزيد التوضيح:
في البخاري:3/178: من رواية طويلة تحت عنوان (باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب وكتابة الشروط)، جاء فيها:
فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة، فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا إعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله (ص): إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على
فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، قال فانطلق حتى أتى قريشاً، قال إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم لاحاجة لنا أن تخبرنا عنه بشئ، وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول، قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي (ص)....
ثم ذكر البخاري مجئ رسول قريش عروة بن مسعود ومفاوضته لهم، ثم مجئ رسول آخر وهو رجل من بني كنانة، ثم مجئ رجل يقال له مكرز بن حفص (فلما أشرف عليهم قال النبي (ص) هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي (ص)، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.... قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبي (ص) الكاتب....
فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله (ص) فقلت ألست نبي الله حقاً؟ قال بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.
قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلت لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به! قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال
وفي البخاري:6/45: (فقال يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً، فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر! فقال يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟! قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً. فنزلت سورة الفتح).
وفي تاريخ الطبري:2/280: (فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أليس برسول الله؟!).
وروى في كنز العمال:10/494، تحريض عمر لابن سهيل بن عمرو على قتل أبيه: (فلصق به عمر وأبوه آخذ بيده يجتره وعمر يقول: إنما هو رجل ومعك السيف).
وفي سيرة ابن هشام:2/476: (أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله (ص): يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ويدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً! قال: فقال رسول الله (ص): لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً). انتهى.
وهذا تصرف غريب من عمر، لأن سهيل بن عمر رسول قريش المفاوض، وقتله أو التمثيل به مخالف لكل الأعراف والأديان!
وقد أظهر عمر ندمه بقوله: (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام)! لأن سهيل بن
ولهذا وضعوا على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في سيرة ابن هشام:2/476، وتاريخ الطبري:2/162:، ما عبر عنه ابن إسحاق بأنه بلغه! قال: (قال ابن إسحاق: وقد بلغني (؟) أن رسول الله (ص) قال لعمر في هذا الحديث: إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه).
والمقصود بالمقام تأييد سهيل في مكة لبيعة السقيفة كما روى الحاكم والبيهقي في الدلائل: (قال عمر: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيباً في قومه أبداً. فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوماً، فلما مات النبي (ص) نفر أهل مكة فقام سهيل عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات والله حي لا يموت). (الدر المنثور:2/81).
فقد طمأن القرشيين بأن مرحلة عبَّاد محمد انتهت، وإن قريشاً هي التي تحكم من الآن وصاعداً، وتعبد الله ولا تعبد محمداً!
ولابد أنه كان اتفق مع أبي بكر وعمر على مضمونها، فجاءت نسخة من خطبة أبي بكر في المدينة!!
عمر يعترف أنه كان يبحث عن أنصار للثورة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
في مغازي الواقدي:2/607: (عن ابن عباس قال قال لي عمر في خلافته: ارتبت ارتياباً ما ارتبته منذ أسلمت إلا يومئذ! ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية لخرجت.....
واعتزل عمر عن النبي والمسلمين، ولم يبايع بيعة الشجرة!!
قال البخاري:5/69: (عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه! ورسول الله (ص) يبايع عند الشجرة وعمر لايدري بذلك! فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن رسول الله (ص) يبايع تحت الشجرة، قال فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله (ص) فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر). انتهى. قال ابن كثير في سيرته:3/328: (تفرد به البخاري من هذين الوجهين).
فالبخاري يقول إن عمر كان متغيظاً من الصلح معتزلاً النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وكان يستلئم للقتال وكانت له فرس عند شخص فأرسل ابنه لأخذها! وكان مكان اعتزاله بعيداً نسبياً لأنه لم يكن يعرف بنزول الوحي بالبيعة ولا سمع نداء منادي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبيعة، ولا رأى المسلمين يذهبون إلى البيعة تحت الشجرة، حتى رجع ابنه عبد الله وأخبره بأن المسلمين يبايعون فزال تغيظه وذهب وبايع!
ويقول إن سبب حديث الناس بأن ابن عمر أسلم قبل أبيه،أن ابنه بايع بيعة الشجرة قبله، لأنها كانت بمثابة تجديد إسلام المسلمين، خاصة من استثقل منهم
ولو صح كلام البخاري لكان معناه أن عمر اعتذر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزال تغيظه وجدد إسلامه وبايعه تحت الشجرة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل منه ذلك واستغفر له ولم يبق في قلبه شئ عليه بعد بيعة الشجرة!
لكن بيعة الشجرة نزل بها الوحي عندما أرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مشركي مكة طالباً الصلح، وقبل مجئ سهيل بن عمر وإبرام الصلح معه وقد نص على ذلك المحدثون منهم الصالحي في سبل الهدى والرشاد: 5/48.
فكيف يكون تغيظه زال وجدد إسلامه بالبيعة، ثم قام بما يرويه نفسه من محاولاته لتخريب الصلح بعد إبرامه! وأنه قام بتحريك أبي جندل بن سهيل عمرو لقتل أبيه!
ففي أحمد:4/330 ودلائل النبوة:5/331: (فرفع رسول الله (ص) صوته وقال: يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا مع القوم صلحاً وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً، وإنا لا نغدر. ومشى عمر بن الخطاب إلى جنب أبي جندل وقال له: إصبر واحتسب فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب، وجعل عمر يدني قائم السيف منه! قال عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، قال فضن الرجل بأبيه)!
فهل هذا حال من أطاع نبيه وجدد إسلامه ورضي بحكم ربه؟!
نزلت سورة الفتح في رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحديبية!!
بل نجد في البخاري اعتراف عمر بأنه كلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريق الرجوع من الحديبية ثلاث مرات فلم يجبه! ولا بد أنه لم يجبه في الحديبية أيضاً فلايمكن أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) راضياً على عمر في الحديبية، ثم غاضباَ عليه مقاطعاً له في طريق الرجوع منها!
قال البخاري:5/66: (عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله (ص) كان يسير في بعض أسفاره، وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شئ فلم يجبه رسول الله (ص) ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه!!! وقال عمر بن الخطاب ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله (ص) ثلاث مرات كل ذلك لايجيبك. قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن وجئت رسول الله (ص) فسلمت فقال: لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا). (ورواه الترمذي: 5/61)
ومما يلاحظ على رواية البخاري:
1 ـ أن المحدثين نصوا على أن نزول السورة كان في منطقة كراع الغميم، أي بعد يومين أو أكثر من ترك الحديبية! ومعناه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مغاضباً عمر طول إقامته عشرين يوماً في الحديبية وفي طريق رجوعه إلى كراع الغميم حيث نزلت سورة الفتح!
2 ـ حذف البخاري آخر الحديث وأن عمر
بينما روى السيوطي في الدر المنثور:6/79: (أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سهل بن حنيف... فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله (ص) إلى عمر فأقرأه إياها قال: يا رسول الله أوَفتحٌ هو؟ قال نعم).
3 ـ يريد عمر وأتباعه كالبخاري أن يقولوا: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي صالح عمر وكلمه بعد أن غاضبه!!
لكن الصحيح المعقول مارواه في سبل الهدى والرشاد:5/59: (وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، وابن سعد، وابو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن مجمع بن جارية الأنصاري قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله (ص) فلما انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذ الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله (ص) فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله (ص) على راحلته عند كراع الغميم فاجتمع الناس إليه فقرأ عليهم: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) فقال رجل من أصحاب النبي (ص) أوَ هوَ
فكيف يجمعون بين هذه الرواية، ورواية أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل على عمر وقرأها عليه؟! هل بعد تلاوتها على المسلمين، أم قبلها؟ وهل تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمر بتلاوتها عليه فضيلة، أم هو إقامة حجة عليه، لأنه ما زال متغيظاً معترضاً غير مقتنع بالصلح، وما زال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مغاضباً له؟
وفي سنن البيهقي:9/222: (قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد أجحرت الناس، فلما أمنوا لم يكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله، فلقد أسلم في سنتين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك).
عمر وعقدة شجرة بيعة الرضوان!
في الدر المنثور:6/73: (وأخرج البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون، فقلت: ما هذا المسجد؟قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله (ص) بيعة الرضوان.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال بلغ عمر بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت). انتهى.
وهذه المحاولة واحدة من محاولات عمر المتعددة لتنقيص مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإزالة آثاره وأماكن بركته، وهي تدل على ذكرى سيئة لشجرة الرضوان وبيعة الرضوان في نفسه!
الأسئلة على الفصل الخاص بأبيّ بن كعب
1 ـ ماهو واجب عمر أمام الشهادة النبوية العظيمة لأبيّ بن كعب رضي الله عنه؟ ولماذا خالف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يأخذ منه القرآن؟
2 ـ بماذا تفسرون قول عمر الذي رواه البخاري:5/149: (أقرؤنا أبيّ، وأقضانا عليّ، وإنا لندع من قول أبيّ، وذاك أن أبيّاً يقول لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله (ص) وقد قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسؤها)؟!!
3 ـ هل عمر ظالم لأبي بن كعب في ضربه إياه، أم لا؟ وما هو المبرر الشرعي لهذه الإهانة لصحابي جليل مثل أبيّ؟!
4 ـ ما رأيكم بمن لم يبايع أبا بكر وعمر، مثل سعد بن عبادة، هل هو ضال ويموت ميتة جاهلية؟
5 ـ ما رأيكم في هجوم عمر على بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) وتهديده بحرقه عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا؟ هل هو عمل جائز أم حرام؟
6 ـ ما رأيكم في البيعة المأخوذة بالإجبار والإكراه، هل هي بيعة صحيحة شرعاً؟
7 ـ كيف تفسرون قول أبيّ بن كعب (هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة... والله ما آسى عليهم إنما آسى على من يضلون من الناس!)، وما هي المقالة التي أراد أن يقولها، ويخشى بسببها القتل؟!
9 ـ لماذا لاتقرؤون في صلاتكم مثل عمر: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله)؟!
10 ـ لماذا لاتصححون قرآنكم بشهادة عمر وتكتبون فيه (فامضوا) بدل (فاسعوا)؟!
11 ـ لماذا لاتصححون قرآنكم بشهادة عمر وتكتبون فيه: (صراط من أنعمت.. وغير الضالين)؟!
12 ـ بماذا تفسرون محاولة عمر حذف الواو من آية (وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ..)؟!
13 ـ هل يصح معنى آية عمر: ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام؟
14 ـ لقد شهد عمر على نفسه أنه شك في نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكه قطعي وتجديد إسلامه ظني، فكيف تثبتون أنه جدد إسلامة وزال شكه؟!
15 ـ بماذا تفسرون قول عمر في رواية ابن عباس وأبي سعيد الخدري: (والله لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي: لو كنا مائة رجلٍ على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبداً)!! وما الشاك في نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وما حكم من نوى الخروج على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفض
16 ـ متى زال تغيظ عمر من الصلح في الحديبية ورجع إلى الحق؟!
الفصل التاسع
عمر وشركاؤه القائلون بتحريف القرآن!
المســألة: 94
زعم عمر بن الخطاب أن القرآن ضاع أكثرمن ثلثيه!!
قال الطبراني في الأوسط:6/361: (حدثنا محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، حدثني أبي، عن جدي آدم بن أبي إياس، ثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص): القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين).
ثم قال الطبراني: (لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد بحفص بن ميسرة).
ورواه السيوطي في الدر المنثور:6/422، وقال: (قال بعض العلماء هذا العدد باعتبار ما كان قرآناً ونسخ رسمه، وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة).
(راجع الجامع الصغير:2/264 والإتقان:1/70)
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:7/163: (رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس، ذكره الذهبي في الميزان لهذا الحديث، ولم أجد لغيره في ذلك كلاماً، وبقية رجاله ثقات).
(ورواه في كنز العمال:1/517، وفي:1/541 وقال: (الطبراني في الأوسط، وابن مردويه، وأبو نصر السجزي في الإبانة، عن عمر. قال أبو نصر: غريب الإسناد والمتن، وفيه زيادة على ما بين اللوحين، ويمكن حمله على ما نسخ منه تلاوة مع المثبت بين اللوحين اليوم).