وبما أن عددحروف القرآن ثلاث مئةألف حرف وكسراً، وهي لاتبلغ ثلث العدد الذي قاله عمر، فيكون مقصوده ضياع أكثر من ثلثي القرآن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
ولا يمكن قبول تفسير السيوطي بأن ما نسخ من القرآن أكثر من الثلثين! فلو كان ذلك لبان وشاع!
والحديث بشواهده صحيح على مبانيهم، ويدل على ذلك:
1 ـ أن بعض علمائهم تلقاه بالقبول وأخذ يفسره ولم يطعن في أحد من رواته!
2 ـ صرح الهيثمي أن أحداً قبل الذهبي لم يطعن أو يتكلم في محمد بن عبيد بن آدم، الذي هو شيخ الطبراني، وبقية رواة الحديث ثقاة! ومعروف أن الذهبي كثيراً ما يتكلم على راو موثق بسبب متن حديث لم يعجبه، مع أنه راويه ليس مسؤولاً عنه!
3 ـ أما قول ابن حجر في لسان الميزان:5/276: (محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني: تفرد بخبر باطل، قال الطبراني..الحديث). فإن أراد به أن معنى الحديث باطل فهو صحيح، وإن أراد الطعن بمحمد بن عبيد، فالتفرد ليس طعناً، وهو من شيوخ الطبراني الموثقين عندهم، ولذلك اعتبر السيد الخوئي (قدس سره) حديثه موثقاً، قال في البيان ص202: (وأخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف)، بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار، وعليه فقد سقط من القرآن أكثر
4 ـ ترجم السمعاني في الأنساب:4/191، لجده آدم بن إياس ومدحه وترجم له ولم يضعفه، قال: (قال أبو حاتم الرازي: حضرت آدم بن أبي إياس العسقلاني وقال له رجل: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن شعبة: كان يملي عليهم ببغداد أو يقرأ؟ قال: كان يقرأ رمزاً، وكان أربعة أنفس يكتبون: آدم ويملي الناس. فقال آدم: صدق، كنت سريع الخط وكنت أكتب، وكان الناس يأخذون من عندي...
وحفيده محمد بن عبيد بن آدم العسقلاني يروي عن أبي عمير عيسى بن محمد النحاس الرملي، روى عنه سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني).
5 ـ حتى لو كان الحديث ضعيفاً بمحمد بن عبيد، فإن شواهده الآتية ترفعه إلى درجة الصحيح عندهم.
فمن شواهده:
ما رواه عبد الرزاق:7/330: (13364 ـ عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن جدعان، عن يوسف بن مهران، أنه سمع ابن عباس يقول: أمر عمر بن الخطاب منادياً، فنادى أن الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس لاتُخدعن آية الرجم فإنها قد نزلت في كتاب الله عز وجل وقرأناها، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد (ص) وآية ذلك أنه (ص) قد رجم...). انتهى.
وهذا السند مقبول عندهم، فجميع رواته موثقون حتى ابن جدعان الذي هو علي
قال العجلي في الثقات:2/154: (علي بن زيد بن جدعان بصري يكتب حديثه وليس بالقوي، وكان يتشيع. وقال مرة لا بأس به).
وحتى الذين لايقبلون حديث ابن جدعان ويضعفونه، فقد قبلوا روايته عن يوسف بن مهران!
قال الرازي في الجرح والتعديل:9/229: (يوسف بن مهران، مكي روى عن ابن عباس وابن عمر، روى عنه علي بن زيد بن جدعان، سمعت أبي يقول ذلك.... ثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن يوسف بن مهران فقال: لا أعلم روى عنه غير علي بن زيد بن جدعان، يكتب حديثه ويذاكر به. نا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن يوسف بن مهران فقال: مكي ثقة).
وقال في هامش: المجروحين:2/103: (علي بن زيد بن جدعان أحد علماء التابعين، اختلفوا فيه فقوى أمره جماعة كالجريري ومنصور بن زاذان وحماد بن سلمة، وتكلم فيه الأكثرون. قال شعبة: كان رفاعاً، وقال مرة: حدثنا علي قبل أن يختلط. وكان ابن عيينة يضعفه...).
وقال في هامش سير أعلام النبلاء:2/134، عن حديث آخر: (وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي (3206) في التفسير).
وقال في:3/375: (وفي سند الطبراني محمد بن سعيد الأثرم وهو ضعيف، وفي سند البزار
وهذا الحديث أولى بالحكم بصحته لشواهده، فضلاً عن صلاحيته كشاهد لحديث الطبراني عن عمر، فيرتفع إلى درجة الصحيح.
ومن شواهده:
ما رواه ابن عساكر في تاريخه:7/265: (وأخبرنا أبو عبد الله البلخي، أنا ثابت بن بندار، أنا الحسين بن جعفر قالا: أنا الوليد بن بكر، نا علي بن أحمد بن زكريا، نا أبو مسلم صالح بن أحمد العجلي، حدثني أبي أحمد، حدثني أبو عثمان البغدادي ثقة، نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم يكن فيما يقرأ: قاتلوا في الله آخر مرة كما قاتلتم فيه أول مرة؟ قال: متى ذاك يا أبا محمد؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو مخزوم الوزراء.
وقد روي هذا الحديث عن ابن أبي مليكة من وجه آخر: أخبرناه أعلى من هذا بأربع درجات أبو بكر بن المزرفي، نا أبو الحسين بن المهتدي، نا عيسى بن علي، أنا عبد الله بن محمد، نا دواد بن عمرو، نا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل الله: جاهدوا كما جاهدتم أول مرة؟ قال: بلى.
وقال في الدر المنثور:1/106: (وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة فإنا لا نجدها؟! قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن)!!
(ورواه في كنز العمال:2/567 من مسند عمر وقال: في رواية أخرى:.. فرفع فيما رفع)!
ومن شواهده:
مارواه في الدر المنثور:1/106: (وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، ما يدريه ما كله؟! قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه)!! انتهى.
فهذه الشواهد، وكل أحاديث الباب شواهد له وبعضها صحيح بنفسه! كالتي نصت على أن سورة الأحزاب ضاع منها أكثر من مئتي آية! وأن سورة براءة ضاع أكثرها!! فهي كافيةٌ للحكم بصحة قول عمر الأول، وأنه كان يرى أن القرآن الموجود بين أيدينا أقل من ثلث القرآن المنزل، وأنه فُقد أكثر من ثلثيه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
ولو قايسنا قول عمر هذا بمجموع روايات مصادرنا التي تدعي أنهم حذفوا العديد من آيات القرآن في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومطاعن قريش! لكانت شيئاً قليلاً
على أنا نرد الجميع، ونقول بعصمة القرآن عن الزيادة والنقص.
الأسئلة
1 ـ ألا ترون من مجموع ما روته مصادركم عن عمر أنه كان يقول بنقص القرآن؟!
2 ـ كيف يمكنكم أن تردوا هذه الأحاديث والآثار الثابتة سنداً عن عمر والصريحة في نقص القرآن؟
3 ـ هذه الطامات من الأحاديث والآثار موجودة في مصادركم وكثير منها صحيح والحسن والموثق، فلماذا تغمضون أعينكم عنها ولا ترونها، وترون فقط روايات مصادرنا وتحملون قميصها؟!
4 ـ نراكم تعالجون هذه الأحاديث، بالتضعيف والتأويل والحمل على النسخ، والسكوت والإعراض.. إلى آخر أساليبكم المبتكرة!
فلماذا لايصح ذلك العلاج للروايات المشابهة لها في مصادرنا؟!
أم أن الحمل على الأحسن لمصادركم واجب، ولمصادرنا حرام؟!
المســألة: 95
قال عمر: ضاع من سورة الأحزاب ثلثاها! وقالت عائشة: نصفها!
قال السيوطي في الدر المنثور:5/180: (وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال: قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدون سورة الأحزاب؟ قلت: ثنتين أو ثلاثاً وسبعين. قال: إنها كانت لتقارب سورة البقرة، وإنْ كان فيها لآية الرجم.
وأخرج ابن الضريس عن عكرمة قال: كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول، وكان فيها آية الرجم).
ورواه الشوكاني في فتح القدير:4/259، وقال بعده: (وأخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي (ص) مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقرر منها إلا على ما هو الآن)! (ورواه في كنز العمال:2/480، من مسند عمر عن ابن مروديه. ولكنهم أكثروا روايته عن أبيّ بن كعب كما في مسند أحمد:5/132، والحاكم:2/415، و:4/ 359 وقال في الموردين:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والبيهقي في سننه: 8 /211 كما في رواية الحاكم الثانية).
وبما أن سورة البقرة 286 آية، فيكون الناقص من سورة الأحزاب حسب قول عمر وعكرمة وعائشة أكثر من200 آية!!
الأسئلة
1 ـ نحن نعتقد أن القائل بنقص القرآن هو عمر وليس أبيّ بن كعب ونعتبر أن عائشة وعكرمة تابعين لعمر. لكن على مبناكم فإن رواية الحاكم صحيحة وهي تقول بنقص أكثر من200 آية من سورة الأحزاب! فما رأيكم؟!
2 ـ لو دار الأمر بين رواية عمر القائلة بأن الناقص من سورة الأحزاب أكثر من الثلثين، ورواية عائشة القائلة بأن الناقص منها أكثر من النصف، فأيهما ترجحون؟!!
المســألة: 96
قال أبو موسى الأشعري: سورة براءة ضاع أكثرها!
قال الهيثمي في مجمع الزوائد:5/302: (وعن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحواً من براءة فرفعت! فحفظت منها: إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم، فذكر الحديث. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد وفيه ضعف ويحسن حديثه لهذه الشواهد).
وقال السيوطي في الدر المنثور:1/105: (وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم)!
والمتتبع لادعاءات الزيادة في القرآن يجد أن أصل رواياتها أشخاص معدودين هم عمر وأبو موسى الأشعري وعائشة، وقد كان الأولان يضيفان ما يريانه من القرآن إلى نسختهم! وورد عن عائشة وحفصة أنهما أضافتا كلمة (وصلاة العصر) في آية: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى!
وقد تقدم في مسألة توحيد عثمان لنسخة المصحف، مصادرة مروان لنسخة عمر التي عند حفصة يوم موتها، وإتلافها!
كما تقدم قول أبي موسى الأشعري لحذيفة عندما صادر نسخته: (ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها، وما وجدتم من نقصان فاكتبوه فيه، فقال حذيفة: فكيف بما صنعنا؟!)!
وعليه ينبغي أن نتوقف هنا في روايتهم ضياع أكثر سورة براءة عن حذيفة ، وإن وثقها في مجمع الزوائد:7/28، قال: (عن حذيفة قال: تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب، وما تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات).
وقال الحاكم:2/330: (عن حذيفة: قال: ما تقرؤون ربعها، يعني براءة وإنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب! هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
وقال السيوطي في الدر المنثور:3/208: (وأخرج ابن أبي شيبة، والطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه، ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها!!). انتهى.
على أنه يحتمل أن يكون مقصود حذيفة نقص تفسيرهم لسورة التوبة كما كان يفسرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تترك أحداً إلا نالت منه! وقد يكون قال: إنكم لا تقرؤونها حق
فقد كان حذيفة يحذر من المنافقين الذين كشفتهم السورة وحذرت منهم!
ويؤيد ذلك أن هدف آية أبي موسى المزعومة عن تأييد الدين بالفجار هو تبرير إعطاء مناصب الدولة إلى المنافقين والفساق!!
وهي قضية مهمة كان ينتقدها الصحابة في زمن أبي بكر وعمر!
الأسئلة
1 ـ ما رأيكم في أبي موسى الأشعري؟ وكيف تفسرون الأحاديث التي تصفه بالنفاق، وتنص على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعنه؟!
2 ـ ما رأيكم في هذه الرواية الحسنة عن أبي موسى؟
3 ـ إذا كنتم تجيزون الصلاة خلف كل بر وفاجر، فهل تجيزون توظيف الفجار في الدولة وتسليمهم مقدرات المسلمين؟!
الفصل العاشر
السؤال والبحث العلمي في القرآن.. حرام؟!
المســألة: 97
كل طلبة العلوم الدينية السنة يستحقون الجلد والنفي بفتوى عمر!
اتفق علماؤهم على صحة قضية صبيغ التميمي الذي كان رئيس قومه فسأل عمر عن معنى آيات في القرآن فغضب عمر من سؤاله وأمر أن يضرب بعراجين النخل الرطبة على رأسه مكشوفاً وعلى بدنه حتى سال الدم على رأسه وجرى على ظهره، وعلى عقبيه، وصار مثخناً بالجراح!
ثم أمر أن يرسل إلى السجن حتى تبرأ جراحه، ثم يعاد ضربه بنفس الطريقة! ثم أمر أن يلبس تباناً (لباس مثل الكيس) ويحمل على جمل إلى عشيرته ويطاف به فيها وفي العشائر الأخرى ويشهر به، وينادى عليه الخطيب إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه وتكلف ما كفي وما خفي! وأن يحرم رزقه وعطاءه من بيت المال، وأن لايجالسه أحد، ولا يبايعه أحد، وإن مرض فلا يعوده أحد، وإن مات فلا يشهد أحد جنازته!!
وقد رووا محنة صبيغ التميمي بأكثر من ثلاثين رواية، وصحح فقهاؤهم روايتها وحكمها!
فمن ذلك مارواه الدارمي:1/54: (عن سليمان بن يسار أن رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟ قال أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه وقال: أنا عبد الله عمر فجعل له ضرباً حتى
وروى عن نافع مولى عبد الله... فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له! ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له!! قال فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت!!
فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لايجالسه أحد من المسلمين)!
وفي كنز العمال:2/331: (فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثياباً واحملوه على قتب، وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيب ثم يقول: إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيد قومه. (ابن الأنباري في المصاحف، ونصر المقدسي في الحجة، واللالكائي، وابن عساكر).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:10/29: (الزعفراني وغيره: سمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر، ينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام. وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد)!!. انتهى.
ولنا: قوله عليه السلام: التوبة تجب ما قبلها، وقوله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأن المغفرة تحصل بمجرد التوبة فكذلك الأحكام، ولأن التوبة من الشرك بالاسلام لا تحتاج إلى اعتبار ما بعده وهو أعظم الذنوب كلها، فما دونه أولى). انتهى.
ثم نقض ابن قدامة كلام مبناه الفقهي القوي فقال: (وما ورد عن عمر في حق صبيغ إنما كان لأنه تائب من بدعة وكانت توبته بسبب الضرب والهجران فيحتمل أنه أظهر التوبة تستراً بخلاف مسألتنا. وقد ذكر القاضي أن التائب من البدعة يعتبر له مضي سنة لحديث صبيغ رواه أحمد.....والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فيعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه)!!
وهكذا طبق الفقهاء على صبيغ المظلوم أنه لابد أن تمضي عليه سنة حتى يعرف أنه (اجتنب من كان يواليه من أهل البدع ويوالي من كان يعاديه من أهل السنة) ولكن صبيغاً لم يكن له فئة غير أهل السنة،
الأسئلة
1 ـ كيف تفسرون تساهل عمر في قراءة القرآن بسبعة أشكال، وفي نفس الوقت تحريمه البحث العلمي في القرآن والسؤال عن آياته؟!
2 ـ هل ترون عمر مصيباً في عمله بصبيغ، أم مخطئاً؟
3 ـ لماذا لا تطبقون حكم عمر على طلبتكم الذين يسألون عن معاني آيات القرآن، وعلى أنفسكم؟!
4 ـ كيف تصح التوبة من الشرك بمجرد إعلان صاحبها، ولا تصح من صبيغ إلا بعد مضي سنة؟!
5 ـ بماذا تفسرون تحريم عمر للسؤال والبحث العلمي في القرآن، ألا تحتملون أن سبب ذلك قلة علمه؟!
الفصل الحادي عشر
البسملة أعظم آية في كتاب الله.. كتموها وأنكروها!
المســألة: 98
خوف الجن والطلقاء ومحبيهم من البسملة!
كانت البسملة سلاحاً من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لطرد شياطين قريش، فعندما كانوا يجتمعون على باب داره ليسبوه أو يؤذوه، كان يرفع صوته بالبسملة فيولون فراراً!
في الكافي:8/266، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم، فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته، فتولي قريش فراراً! فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً). (سورة الإسراء: 46)
وفي الكافي:2/624: عنه (عليه السلام) أنه قال للمفضل بن عمرو:
(يا مفضل إحتجز من الناس كلهم ببسم الله الرحمن الرحيم، وبقل هو الله أحد، إقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك فإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثم لاتفارقها حتى تخرج من عنده). انتهى.
وفي السنة الثامنة للهجرة فاجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشركي مكة بجيش من عشرة آلاف مقاتل، وأجبرهم على خلع سلاحهم والتسليم، وخيرهم بين الإسلام والقتل، فأسلموا مكرهين، فعفا عنهم وسماهم الطلقاء!
وبعد فتح مكة تكاثر الطلقاء في المدينة وسعوا ليكونوا أكثرية قوية واستطاعوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأخذوا خلافته في السقيفة.
وأول ما ظهر انتقام الطلقاء من البسملة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم حرَّموا قولها بصوت عال، أي حذفوها عملياً من الصلاة!
وهذا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها)!!
ويبدو أنهم أقنعوا أبا بكر وعمر بذلك فتركاها، فقد رووا عنهما أنهما تركاها في صلاتهما!
ثم نشروا مقولة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يجهر بها!!
ثم وصل أمرهم إلى إنكار أن البسملة آية من القرآن كما سترى!!
قال النووي في المجموع:3/343: (قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ، قال سعيد بن جبير: كان رسول الله (ص) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن، فقالوا إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة، فأمر رسول الله (ص) فأخفاها فما جهر بها حتى مات.
قالوا: وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر فقال: لم يصح في الجهر بها حديث. قالوا: وقال بعض التابعين: الجهر بها بدعة! قالوا قياساً على التعوذ). انتهى.
أما (بعض التابعين) الذين قالوا إن الجهر بها بدعة! فمن يكونون غير بعض الطلقاء؟!!
وأما قول الدارقطني فهو عدم اطلاع منه أو تعصب، وستعرف أن الشافعية وغيرهم رووا أحاديث صحاحاً عن أبي هريرة وأنس في المدينة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر بها!
المســألة: 99
تحير المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام) في كل المسائل المتعلقة بالبسملة!
قال فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام):
البسملة أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية من سورة الحمد، ومن كل سورة عدا براءة، وفي سورة النمل آية وبعض آية.
وقد وافقنا على ذلك: الشافعي والزهري وعطاء وابن المبارك، فقط! ويستحب عندنا الجهر بها سواء في الصلاة الجهرية أو الإخفاتية. (راجع تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي:1/114)
أما أتباع المذاهب الأخرى فقد تحيروا في كل ما يتعلق بالسملة، واختلفوا فيها: هل هي من القرآن، أم هي زائدة للفصل بين السور؟
وهل هي من القرآن على سبيل القطع، أو على سبيل الظن؟
وهل هي جزء من سورة الحمد، أم لا؟
وهل هي جزء من كل سورة، أم لا؟
وهل تشرع قراءتها في الصلاة، أم لا؟
وهل يجهر بها، أم لا؟
وفي كل واحدة من هذه المسائل فروع اختلفوا فيها أيضاً! حتى بلغت آراؤهم المتعلقة بالبسملة عشرات الآراء والفتاوي!
وإذا أردت لكل رأي دليله من الأحاديث النبوية فهي جاهزة! وكلها صحيحة السند صريحة الدلالة، على الإثبات أو النفي، لا