أولاً: أنهم خالفوا في هذه الفتوى مليار ونصف مليار مسلم
إن مقتضى إطلاق الأحاديث الشريفة، وفتاوي ائمة المذاهب جميعاً هو استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله لمن دخل المسجد النبوي سواء أراد أداء الفريضة فيه أم غيرها أو لم يرد الصلاة فيه، وسواء قبل صلاته أو بعدها، سواء كان ذلك مرة أو أكثر. وأن يصلي في مسجده الشريف ركعتي الزيارة، أو ما شاء من الصلاة، خاصة في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر!
وخالف التيميون في ذلك جميع المسلمين فقالوا: دخول المسجد بنية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله معصية! وحتى الخطوة الواحدة الى قبره داخل المسجد بنية زيارته معصية، وإن كانت هذه الخطوة مع نية التوسل به فهي شرك!
وقالوا لا تستحب زيارته! بل هي مشروعة غير محرمة! ووضعوا لها شروطاً متعددة صريحة أو غير صريحة، لم يشترطها أحد من المسلمين:
منها: أن لايتوسل الى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وآله.
ومنها: أن يبتعد عن الضريح ولا يتبرك به.
ومنها: أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وغيره من القبور مخصوصة بالرجال، محرمة مشددة التحريم على النساء!
ومنها: أن يزوره مع صاحبيه أبي بكر وعمر.
ومنها: أن الزيارة الجائزة مرة واحدة! فإذا تعددت صارت
نعوذ بالله من الخذلان!
ثانياً: تناقض فتواهم مع الشرع والعقل!
فقد أفتوا بأن أصل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله حلال، فكيف تصير حراماً إذا تكررت؟! فهل تكون زيارة قبر أقدس شخص في الوجود صلى الله عليه وآله قليلها حلال، وكثيرها حرام؟!
وإن زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يجعل قبره عيداً أي محفلاً، وأن هذا يشمل زيارة قبره الشريف، فلا فرق في ذلك بين المرة والمرات! فاللازم أن يحرموا زيارة القبر الشريف كلياً! لأن المسلمين يجتمعون حوله ويحتفلون بزيارته طوال السنة، والذي يزوره أول مرة والذي يزوره للمرة الخمسين، مشاركون في هذا الإحتفاء والإحتفال!!
ويلاحظ أن الشيخ البدير اعتبر تكرار الزيارة من المخالفات أي من المعاصي فقال: (المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره) ! وقد أبهم هذا الشيخ واستعمل التقية، ولم يبين قصده خوفاً من المسلمين!
هذه هي عقليات هؤلاء المشايخ الذين كفَّروا المسلمين صلى الله عليه وآله وشوهوا الإسلام!
ثالثاً: لماذا يصر الأعوج على فرض اعوجاجه على الناس؟!
مقتضى الحمل على الأحسن أن نقول إن ابن تيمية وأتباعه المشايخ وصل اجتهادهم الى أن الزيارة الأولى للنبي صلى الله عليه وآله معفوة، والزيارة الثانية وما بعدها حرام وبدعة.. وعلى المجتهد أن يعمل باجتهاده وما وصل اليه رأيه، لأنه إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
حسناً، لهم الحرية أن يعملوا برأيهم، وملايين المسلمين أتباع المذاهب الأربعة، والخمسة، والسبعة، لهم الحرية في أن يعملوا برأي مذاهبهم. فلماذا يستغل هؤلاء المشايخ موسم الحج والمناصب الدينية والمدنية التي تعطيهم إياها الحكومة السعودية، ويعملون لفرض رأيهم على الحجاج، ويحكمون عليهم بالكفر أو الضلال، إذا لم يقلدوهم؟!
فإن قالوا هذا رأينا واجتهادنا في المسألة، فإن باب الإجتهاد
وإن كان الميزان إجماع المسلمين في مقابل الرأي الشاذ، فهم الأقلية الشاذة، لأن عددهم لايبلغ المليون من مجموع مليار ونصف مسلم! فهم حتى في بلادهم ليسوا هم أكثرية، فلو أجروا استفتاء في المملكة العربية السعودية على فتاوى ابن تيمة وتقليده، لما بلغوا مليون شخص!
هذا إذا حسبنا مجموع المسلمين، أما لو اقتصرنا على الفقهاء، فكم يبلغ عدد فقهائهم ياترى من مجموع فقهاء المسلمين؟!
المسألة الخامسة
زعمه أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شركٌ بالله تعالى!
يرى ابن تيمية وأتباعه أن من توسل الى الله تعالى بنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله فلو قال الزائر مثلاً: اللهم إني أتوسل اليك بنبيك نبي الرحمة محمد أن تغفر لي. أو قال: يارسول الله إني أتوجه بك الى الله، وأتوسل بك الى الله أن يغفر لي. فقد أشرك بالله تعالى وكفر! لأنه بزعمهم قد أشرك الرسول صلى الله عليه وآله وعبده وجعله إلهاً مع الله تعالى!
وهذا معنىقول البدير:" ومن قصد بشد رحله إلى المدينه زيارة المسجد والصلاة فيه، فقصده مبرور وسعيه مشكور، ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور، والاستغاثة بالمقبور، فقصده محظور وفعله منكور ".
وقد عبر هذا الشيخ بأسلوب فظ غليظ عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وزواره! كما استعمل أسلوب اللف والدوران في كلامه، فلم يصرح بكفر الحاج الذي يقصد زيارة قبر نبيه صلى الله عليه وآله ويتوسل به الى ربه، ولكن ذلك معلوم من كلامه، ومن مذهبه! لاحظ قوله: "ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور، والإستغاثة بالمقبور، فقصده محظور، وفعله منكور "!
وقصده بالمقبور النبي صلى الله عليه وآله! وقصده بأن فعله منكور: أنه مشرك!
يقول ذلك من على منبر مسجد النبي صلى الله عليه وآله وهو يعرف أن كافة المسلمين الذين يستمعون الى خطبته قد نووا من بلادهم حج بيت الله تعالى وزيارة قبر حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله والتوسل به الى الله تعالى! فلو
وهؤلاء المسلمون المخلصون لربهم ولنبيهم صلى الله عليه وآله لهم حجتهم الشرعية من مذاهبهم، فقد أفتى لهم علماؤهم أن قصد زيارة النبي والتوسل به صلى الله عليه وآله من أفضل القربات الى الله تعالى! فهل من الدين، أو الأخلاق الإسلامية، أو الأخلاق الإنسانية، أو العامية، أن يقوم إمام مسجد النبي صلى الله عليه وآله وخطيب الجمعة فيه، بمصادرة جميع مذاهب المسلمين وفتاوي فقهائهم، ويستعمل هذه الكلام الجافي مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع زوار قبره الشريف؟!
أنظر كيف يخاطبهم كأنهم كفار يعبدون النبي صلى الله عليه وآله ويعبدون الأموات ويعتقدون أنهم آلهة من دون الله تعالى؟!
قال البدير: (فليحذر الزائر الوقوع في إحدى المخالفات التالية:
المخالفة الأولى: دعاء الرسول (ص) أو ندائه أو الإستغاثة به كقول بعضهم يا رسول الله إشف مريضي، يارسول الله إقض ديني، ياوسيلتي، يا باب حاجتي، أو غير ذلك من الأقول الشركية والأفعال البدعية المضادة للتوحيد) .
وقال: (والإستغاثة بالأموات والإستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد، شرك أكبر! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عبَّاد الأوثان، إذ لا يفرج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له) . انتهى.
أولاً: تعليم النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين التوسل به الى الله تعالى
اتفقت كلمة المسلمين على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالنبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله أو بغيرهم من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. ورووا بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه عَلَّمَ المسلمين أن يتوسلوا به الى الله تعالى.
روى الترمذي: 5/229 رقم 3649:
(حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال: أدع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.
قال: فادعه. قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء:
اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه فيَّ. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهى.
ورواه ابن ماجة في: 1/441، وقال:
قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. ورواه أحمدفي مسنده:4 /138، بروايتين. ورواه الحاكم في المستدرك: 1/ 313، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في: 1/519، بسندين آخرين،
وفي السنن الكبرى للنسائي: 6/ 168:
(عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتي النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدَعُك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي الى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي) . انتهى. ثم رواه النسائي بروايتين أيضاً.
ثانياً: الصحابة علموا الناس التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته
فقد روى الطبراني بسند صحيح تطبيق عثمان بن حنيف لحديث التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته!
قال الحافظ الصديق المغربي في كتابه (إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي) ص11:
(وبعد، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى، إذا رأى حديثاً أو أثراً لايوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش، ليوهم قراءه أنه مصيب مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش، وبأسلوبه هذا ضلَّلَ كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب، والواقع خلاف ذلك.
ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه!
فأردت أن أرد الحق الى نصابه، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي: روى الطبراني في المعجم الكبير:9/17، من طريق ابن وهب، عن شبيب، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف (رضي الله عنه) : أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: أللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد (ص) نبي
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت اليَّ حتى كلمتَه فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمتُه، ولكن شهدتُ رسول الله (ص) وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (ص) أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شقَّ علي. فقال له النبي (ص) : إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات! قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضُرٌّ قَـطْ.
صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد. والحديث رواه عن شبيب بن وهب وولداه إسماعيل وأحمد، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب في شبيب، وابنه اسماعيل لايعرف، وأحمد وإن روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد، ثم اختلف فيها على
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:
أولاً:
هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، فذكر القصة بتمامها. ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة، وهذا إسناد صحيح البخاري، ومعنى ذلك أنها صحيحة، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري، فليتأمل. وإن الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب:1/476 بإقراره للطبراني، والهيثمي في مجمع الزوائد:2/ 279،أيضاً، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير:1/307 الروض الداني. وغيرهم.
ثانياً:
أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد، ووثقه أبوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي بن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد، من رجال البخاري
هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح. وابن عدي إنما تكلم على نسخة الزهري عن شبيب فقط، ولم يقصد جميع رواياته!
فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة! يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري! وإنما رواه عن روح بن القاسم!
ودعواه ضعف القصة بالاختلاف فيها، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون آخر
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة، لون ثالث من التدليس والغش! فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصراً، ثم قال: تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد، والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون، هذا كلام الحاكم، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ!
والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عناداً وخيانة.
ثالثاً: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه، أن القصة صحيحة جداً، رغم محاولاته وتدليساته، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي (ص) بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك، وفهم الراوي له قيمته العلمية، وله وزنه في مجال الإستنباط.
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل الى التوسل كان تنفيذاً لما سمعه من النبي (ص) كما ثبت في حديث الضرير. قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن ابراهيم، ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف (رضي الله عنه) : أن رجلاً أعمى أتى النبي (ص) فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي قال: إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أستشفع بك الى ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصرى. وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح. والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي (ص) في التوسل به عند عروض حاجة
قلت:
تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض...
مثالٌ ثانٍ:
حديث أمر رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد. وابن تيمية لانحرافه عن علي كما هو معلوم، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه!! وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها) . انتهى كلام الصديق المغربي.
ثالثاً: تعليم عائشة للمسلمين أن يتوسلوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله
عقد الدارمي في سننه ج1ص43، باباً تحت عنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلىالله عليه وسلم بعد موته) ، وروى فيه
حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري،حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله،قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوىً إلى السماء، حتى لايكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق) .اهـ.
وقد تحير ابن تيمية وأتباعه مثل الألباني
في رواية عائشة في التوسل، لأنها صريحة، وهي على موازين علماء الجرح والتعديل صحيحة! وبحثا عن منفذ لتضعيفها، فتعقبهم النقاد من أتباع المذاهب المختلفة وكشفوا ما ارتكبوه في تضعيف حديث عائشة اتباعاً للهوى!
قال الحافظ الصديق المغربي في رسالته (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي) ص23:
(قال الدارمي في سننه...ونقل الرواية ثم قال: ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم، ووثقه يجيى بن معين. ذكر الألباني تضعيفه في كتاب (التوسل أنواعه وأحكامه الطبعة الثانية ص 128: واحتج بحجج باطلة على عادته في تمويهاته حيث نقل كلام ابن حجر في التقربب الذي يوافق هواه ولم ينقل من هنالك أنه من رجال مسلم في صحيحه، فلننتبه إلى هذا التدليس وهذه الخيانة التي تعود عليها هذا الرجل، الذي يصف أعداءه بكتمان الحق وما يخالف آراءهم، كما في مقدمته الجديدة لآداب زفافه والتي حلاها بما دل على اختلاطه من هجر وخنا، ثم أردف ذلك بنقل ترجمة سعيد بن زيد من الميزان
وضعفه أيضاً باختلاط أبي النعمان، وهو تضعيف غير صحيح لأن اختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته، قال الدارقطني: تغير بأخرة وما ظهر له بعد اختلاط حديث منكر، وهو ثقة. وقول ابن حبان وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد اختلاطه، رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً!) . انتهى.
وقال الحافظ السقاف في رسالته (الإغاثة بأدلة الإستغاثة) ص 24:
الدليل السادس للإستغاثة: حديث الدارمي في سننه أو مسنده (1/43) :
عمرو بن مالك أبو النعمان هو عارم واسمه محمد بن الفضل السدوسي من رجال البخاري ومسلم والأربعة أيضاً. وهو ثقة ثبت. تغير في آخر عمره، وما ظهر له بعد تغيره حديث منكر، كما نص على ذلك أكابر الحفاظ كالدارقطني، وأقره الحافظ الذهبي في الميزان (4/ 8) فمن حاول أن يطعن فيه بالإختلاط فقد حاول الطعن في البخاري ومسلم، وسجل على نفسه بأنه لا يعرف في هذا العلم كثيراً ولا قليلاً، وليس لكلامه قيمة أصلاً.
سعيد بن زيد: هو من رجال مسلم في الصحيح. وثقه يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل، وقال الإمام البخاري: حدثنا مسلم بن ابراهيم، ثنا سعيد بن زيد أبو النكري، حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت...الخ.
ملاحظة بالمناسبة
يدل قول عائشة هذا على أن قبر النبي صلى الله عليه وآله لم يكن في حجرتها، بل كان في حجرة النبي صلى الله عليه وآله التي كان يستقبل فيها ضيوفه، وتعرف بحجرة فاطمة÷لأنها كانت تسكن فيها قبل زواجها.
ويدل على ذلك أيضاً حديث عائشة أيضاً عن آيات القرآن التي أكلتها السخلة في مرض النبي صلى الله عليه وآله ففي صحيح مسلم:4/167، عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهنَّ فيما يقرأ من القرآن! ورواه الدارمي في سننه:2/157. ورواه ابن ماجة في سننه:1/625 وروى بعده عن عائشة قالت: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها) . انتهى. والداجن الحيوان الأهلي الذي يربى في المنزل كالماعز، فهذا يدل على أن مرض النبي صلى الله عليه وآله ووفاته لم يكن في غرفتها، وإلا لما كانت فارغة ودخلتها السخلة وأكلت الآيات! وبحث ذلك خارج عن موضوعنا.
رابعاً: روى الجميع توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله
روى الحاكم في المستدرك: 3/334:
(عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا. فما برحوا حتى سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال: أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم) . وروت ذلك عامة مصادرهم.
خامساًً: إذا كان التوسل شركاً، فلماذا جوزوه بالحي؟!
لم يخالف ابن تيمية في أصل التوسل، بل خالف في التوسل بالأموات لأنهم بزعمه لاينفعون، وجوزه بالأحياء لأنهم ينفعون! واعتبر النبي صلى الله عليه وآله الذي هو في عقيدة كل المسلمين أفضل من الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون، اعتبره ابن تيمية ميتاً لاينفع، وجعل التوسل به شركاً!
فالتوسل بالميت عنده شرك حتى لو كان بالنبي صلى الله عليه وآله! والتوسل بالحي عنده إيمان وعبادة حتى لو كان بشخص كافر!
فلو قال شخص: اللهم إني أتوسل اليك بنبيك صلى الله عليه وآله فقد كفر! ولو قال: اللهم أتوسل اليك بالشيخ حنتوش بن جعموص، فهو مؤمن!!
كل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله بزعمه عاجز لايقدر على نفع من توسل واستغاث به الى الله تعالى، بينما حنتوش وحتى الشحاذ الكافر في (الهايد
واستدل على رأيه بأن عمر بن الخطاب قد توسل بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وفسر ذلك بأن عمر مثله يعتقد أن التوسل بالميت حرام وشرك، والتوسل بالحي حلال وإيمان حتى بالكافر!
مع أن العقل والشرع يقولان: إن حكم التوسل واحد، فإن كان بالميت شركاً، فهو بالحي شركٌ أيضاً! وإن كان بالحي جائزاً فهو بالميت جائز، ومحال أن يكون بعضه شركاً وبعضه إيماناً!
وكما قال السيد الخوئي (رحمه الله) إن جعل التوسل شركاً بالله تعالى لأنه دعاء غير الله تعالى، فلا فرق في ذلك بين التوسل بالحي أو الميت! وإلا لزم أن يعتقد بأن بعض الشرك جائز لا يخرج عن الإسلام، وبعضه حرام مخرج عن الإسلام! وهذا تهافت! وهو إشكال لاجواب له عندهم!
قال ابن باز في جواب سؤال عن الإستغاثة بالحي فيما يقدر عليه:
(أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه، لأن له عملاً فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية كما قال تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ.[القصص: 15]، في قصة موسى، فإن موسى حيٌّ وهو المستغاث به، فاستغاثه الإسرائيلي على الذي من عدوه وهو القبطي، وهكذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه، يتعاونون في مزارعهم، وفي إصلاح بيوتهم، وفي إصلاح سياراتهم، وفي أشياء أخرى من حاجاتهم،
(موقع فتاوي ابن باز: http://search.ibnbaz.org/Result1.asp?c=0)
سادساً: النبي صلى الله عليه وآله سيد الأحياء عند ربه وهو ينفع حياً وميتاً
من الإشكالات عليهم أن المسلم الذي يدافع عن بيته وماله فيقتل، فهو حي عند ربه يرزق بنص القرآن، بقوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169) فكيف تجعلون النبي صلى الله عليه وآله الذي هو أفضل الخلق، ميتاً لايسمع توسلنا، ولاينفع من يتوسل به الى ربه، لأنه لا يستطيع أن يدعو له؟!!
وأصل مشكلة هؤلاء المشايخ أنهم ينقصون من مقام النبي صلى الله عليه وآله ولا يفهمون شخصيته الربانية المقدسة، بسبب غلظة أذهانهم وغلبة التفكير المادي عليهم، فهم يتصورون أن النبي صلى الله عليه وآله إذا مات فقد انقطع عن الدنيا، فكأنهم غربيون لايؤمنون بعوالم الغيب والروح، وحياة الشهداء عند ربهم، وأن الأنبياء عليهم السلام أحياء عند ربهم بحياة أعلى من حياة الشهداء.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) سورة النساء:64 وهو أمرٌ عام لكل مسلم في كل عصر، وهو أمرٌ مطلق لحياة النبي صلى الله عليه وآله أو بعد وفاته، وتخصيصه بحياته تحكُّمٌ بلا دليل.
هكذا فهم الآية جميع المسلمين، وعملوا بها في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، وأفتى بها الفقهاء من جميع المذاهب ودونوها في مناسكهم! فهل كانوا كلهم على ضلال حتى جاء ابن تيمية في القرن الثامن واكتشف أن جميع المسلمين بقصدهم زيارة النبي صلى الله عليه وآله وتوسلهم به مشركون كفار؟!!
قال الحافظ الصديق المغربي في الرد المحكم المتين ص44:
(فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا، فإن قيل: من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل؟ قلنا: من وقوع الفعل في سياق الشرط والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عاماً، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه
ولايتسع المجال لإيراد جميع الأدلة من الأحاديث الشريفة وفتاوى فقهاء المذاهب وحكم العقل على حياة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه وسماعه سلامنا وصلاتنا وتوسلنا واستغفاره ودعائه لنا، فنكتفي ببعضها:
منها: ما رواه في مجمع الزوائد ج9ص24وقال رجاله رجال الصحيح، قال: (باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد وفاته) :
عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام. قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم، ووفاتى خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح) . انتهى. وقد صححه عدد كبير من علماء السنة، وقد عدَّدَ مصححيه الحافظ السقاف في الإغاثة ص11.
ومنها: لو كان نبينا صلى الله عليه وآله لايسمع توسل المتوسلين الى الله تعالى به كما يزعمون، فإن من اللغو والعبث أن يخاطبه المسلمون في صلاتهم فيقولون: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ؟!
ومن محاولات الألباني المفضوحة للهروب من هذا الإشكال أنه حاول أن يغير صيغة السلام في الصلاة من الخطاب الى الغيبة! فوجد رواية عن ابن مسعود لم يعمل بها المسلمون تقول (السلام على النبي ورحمة الله وبركاته) فتمسك بها! وقد رد عليه الحافظ الصديق المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع ص13) وكذا في