(تواتر عن النبي صلى عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوى أبو بكر وعمر وابن الزبير ومعاوية، واستقر عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية! والألباني لابتداعه خالف هذا كله وتمسك بقول ابن مسعود (فلما مات قلنا السلام على النبي) ومخالفة التواتر والاجماع هي عين الابتداع) .
ومنها: ما رواه الحافظ الممدوح في رفع المنارة ص 62، قال:
(قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء ص15، وأبو يعلى في مسنده:6/147، وأبو نعيم في أخبار أصبهان:2/44، وابن عدي في الكامل:2/739. وقال الهيثمى في المجمع: 8/211: ورجال أبى يعلى ثقات. اه، والحديث له طرق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت على موسى وهو قائم يصلى في قبره. أخرجه مسلم:4/1845، وأحمد:3/120، والبغوى في شرح السنة:13/351، وغيرهم. وقال ابن القيم في نونيته عند الكلام على حياة الرسل بعد مماتهم (النونية مع شرح ابن عيسى: 2/160) .
ومن العجيب أن ابن القيم تلميذٌ مغال في شيخه ابن تيمية، ومع ذلك يعترف بأن النبي صلى الله عليه وآله حيٌّ عند ربه يسمع وينفع صلى الله عليه وآله مع أن شيخه يقول إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شرك لأنه ميت لايسمع ولا ينفع!!
قال الشيخ أحمد زيني دحلان المصري شيخ الشافعية، في الدرر السنية ج1 ص42:
في حديثه عن محمد بن عبد الوهاب: (حتى أن بعض أتباعه كان يقول: عصاي هذه خير من محمد، لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً!!) . انتهى.
ونقله أيضاً الشيخ الزهاوي شيخ الأحناف في العراق، في كتابه الفجر الصادق ص 18. والشيخ أبو حامد الإستانبولي من علماء الأحناف في تركيا في كتابه التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين ص245، والسيد محسن الأمين من علماء الشيعة في كتابه كشف
واعتقاد أتباع ابن تيمية بأن النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته لاينفع، ثابتٌ عليهم لايحتاج الى رواية مسندة عن ابن عبد الوهاب ولاغيره، لأن ذلك عقيدتهم الى اليوم، وعليه يرتكز تحريمهم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وكل الأموات، ولئن سألت أي شيخ منهم هل ينفع النبي صلى الله عليه وآله اليوم، يدور ويلف ولا يقول ينفع!
بينما يجوزون التوسل بأي شخص حي، ولو كان كافراً بوالاً على عقبيه!
سابعاً: جوَّز المتطرفون التوسل بالحيوانات، وحرَّموه بالأنبياء عليهم السلام!
مما يشكل عليهم به أنهم جوزوا التوسل في صلاة الإستسقاء بالحيوانات، فكيف يحرمونه بالأنبياء والأولياء عليهم السلام؟!
قال النووي في المجموع:5/66:
(وقال أبو اسحاق: استحب إخراج البهائم لعل الله تعالى يرحمها، لما روي أن سليمان (ع) خرج ليستسقي فرأى نملة تستسقي، فقال إرجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم) .
وقال في المجموع:5/70:
(يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله (ص) وبأهل الصلاح من غيرهم، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء) .
ثامناً: خالفوا نص إمامهم أحمد على استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله
ومما يشكل به عليهم أن إمامهم أحمد بن حنبل نص على مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله واستحبابه:
قال الحافظ الممدوح في رفع المنارة:
(وهو - التوسل- السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معنى ذلك. وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نرى الآن. لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده! وقد نقل عن السلف توسلٌ من هذا القبيل.
قال ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص98:
(هذا الدعاء (أي الذي فيه توسل بالنبي) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي (ص) في الدعاء. انتهى، ونحوه في ص 155 من الكتاب المذكور! وقال في ص65: (والسؤال به (أي بالمخلوق) فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس) . انتهى.
وذكر أثراً فيه التوسل بالنبي (ص) لفظه: (اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما. يا محمد اني أتوجه بك الى ربك وربي يرحمني مما بي) . وقال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء. انتهى.
وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل، قال في منسك المروزي بعد
والتوسل به (ص) معتمدٌ في المذاهب ومرغبٌ فيه، نص على ذلك الأمة الأعلام، وكتب التفسير، والحديث، والخصائص، ودلائل النبوة، والفقه، طافحةٌ بأدلة ذلك) . انتهى.
تاسعاً: إمامهم ابن حنبل كان يزور القبور ويتوسل بالأموات!
يتعجب الإنسان عندما يقرأ عن الحنابلة في القديم وحتى في الحاضر، فيجد أنه ثبت عندهم أن إمامهم أحمد وكبار أئمتهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون الى الله تعالى بأصحابها!
ويجد أنهم هم بنوا على قبر أحمد بن حنبل في بغداد مسجداً وقبة، وجعلوه مزاراً يصلون عنده، ويتمسحون به ويتوسلون به! وما زال ذلك ديدن الحنابلة الى اليوم! فما بالهم اليوم يسكتون عمن يزور قبر أحمد بن حنبل في بغداد، ولا يفتون بوجوب هدم قبته، ولا يمنعون الناس من التوسل به والتبرك والتمسح بقبره؟
فهل كان إمامهم أحمد مشركاً؟ وهل أن أسلافهم وإخوانهم مشركون؟
أم كيف صار ذلك حلالاً، بينما صار قصد زيارة أفضل الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله حراماً، والتوسل به الى الله بدعةً وشركاً وكفراً؟! فهل إمامهم أحمد بن حنبل، وأحمد عبد الحليم تيمية، أفضل من النبي صلى الله عليه وآله؟!
ففي النهاية لابن كثير:12/ 323:
(وفي صفر سنة 542 رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره، وعقدت يومئذ ثم مجلساً، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس) !!
وفي وفيات الأعيان لابن خلكان:1/ 64:
(أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول... ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب الى حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، والى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي الحنبلي ص 454:
(حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي الى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث! فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني!! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب.
فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله (ص) ! لأن معي شعرات من شعره!! ألا ومن يحبني يزورني
وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى الموصلي: 2/ 186:
(سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر! فقلت له: في هذا أثر؟قال لي: أحمد في نفسي شئ عظيم، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا!!
وفي تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 423:
(عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاً يقول لي: لمَ تركت زيارة إمام السنة!!
وفي عمدة القاري في شرح البخاري للعيني: 5 جزء 9 / 241:
(سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي (ص) وتقبيل منبره، فقال: لا بأس بذلك. قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: (عجبت! أحمد عندي جليل، يقول هذا الكلام) ! وأي عجب وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به!!
وفي تاريخ الإسلام للذهبى: 14 / 335:
(قال ابن خزيمه: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟)
وفي الغدير للأميني: 5 / 194:
(قال ابن حجر في (الخيرات الحسان) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة ويجئ الى ضريحه يزوره فيسلم عليه ثم يتوسل الى الله تعالى به في
وفي الغدير: 5/ 198: قال (ابن الجوري) في المنتظم: 10/ 283:
وفي أوائل جمادي الآخرة سنة 574 تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة، وبني له جانبان، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضئ بأمر الله أمير المؤمنين. وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (رحمه الله) . وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك. ووعدت بالجلوس في جامع المنصور، فتكلمت يوم الإثنين سادس عشر جمادي الأولى، فبات في الجامع خلق كثير وخُتمت ختمات، واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف، وتاب خلق كثير وقطعت شعور، ثم نزلت فمضيت الى زيارة قبر أحمد، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.
وقال الكوثري في هامش السيف الصقيل ص 185:
(رأيت بخط الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي في كتابه الحكايات المنثورة المحفوظ تحت رقم 98 من المجاميع بظاهرية دمشق، أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول إنه خرج في عضده شئ يشبه الدمل فأعيته مداواته ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم
وفي رحلة ابن بطوطه: 1/220:
(قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها.... وبقرب الرصافه قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية. وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه. ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى. وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم على مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة) .
عاشراً: كيف تعمد ابن تيمية خلط المفاهيم لتكفير المتوسلين!
تعمد ابن تيمية الخلط بين النداء، والتوسل، والإستشفاع، والإستغاثة، والدعاء، والعبادة! فجعلها كلها عبادة للمنادى والمتوسل به والمستشفع به والمستغاث به! فعندما تقول: يارسول الله أتوسل بك، أو: أستشفع بك، أو: أغثني، فقد عبدته بزعمه!
لقد افترض مسبقاً أن المتوسل أو المستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله (يدعوه) وجعل معنى يدعوه يطلب منه وليس من الله تعالى! فقال له: إنك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله! فأنت إذن كافر!
وهذا من أسوأ أنواع المصادرة على المطلوب، حيث قام بلف الحكم المتنازع فيه في لفافة، وجعله جزءً من مقدمة مسلَّمة عند
ومثال ذلك:
أن يتوسل شخص الى رئيس مكتب الملك، ليتوسط له عند الملك! فيقول له ابن تيمية: إنك تعديت على شرعية الملك وجعلت رئيس مكتبه هو الملك! فعملك هذا انقلاب على الملك تستحق به الإعدام!!
وقد حاول ابن تيمية أن يستدل على هذه المصادرة المفضوحة بأن المستغيث يطلب من الرسول صلى الله عليه وآله أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا يستلزم أنه يؤلهه! لكن هذا كذب وافتراء على المسلمين، لأن المتوسلين منهم يعرفون أن الأمر كله لله تعالى، وأنه ليس للنبي صلى الله عليه وآله ولالمخلوق مع الله ذرة شراكة، وإنما يستشفع بنبيه لكرامته على ربه! فهو يطلب من الله بواسطة نبيه، أو يطلب من نبيه أن يشفع له الى ربه!
ومن الطريف أن ابن تيمية يدعي أن (لازم المذهب ليس مذهباً) فعندما يقال له يلزم على قولك هذا أن يكون الله تعالى جسماً.. يجيب إن لازم المذهب ليس بمذهب! أي يصح له أن يلتزم بشئ ولا يلتزم بلوازمه! فلماذا لايجوز ذلك لغيره؟!
ومثال ذلك أيضاً:
أن تتعطل سيارتك في الطريق،فترى شخصاً وتناديه: يامحمد ساعدني، أغثني، أتوسل بك.. فهل يقول عاقل بأنك عبدته؟!
ونفس الكلام في من يتوسل أو يستغيث بنبيه صلى الله عليه وآله، فهو لايعبده، وإنما يطلب مساعدته بما له من مقام وكرامة عند ربه تعالى.
حادي عشر: شيطنة ابن تيمية في نقل التوسل من الفقه الى أصول العقائد!
كانت مسألة التوسل والإستشفاع والإستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية، وكان فقهاء المذاهب جميعاً، يبحثونها في باب الحج والزيارة، فيذكرون صورها، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها!
حتى جاء شخص حراني نصبه الحاكم المملوكي الشركسي لمدة قليلة بمنصب (شيخ الاسلام في الشام) أي قاضي القضاة، فابتدع في هذه المسألة ونقلها من فروع الفقه الى أصول الدين! من أجل أن يكفَّر مسلمي عصره والعصور المتقدمة، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت صلى الله عليه وآله!!
ومثل هذا كما إذا نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري أو القانون الجنائي، وجعلناها في مواد مخالفة الدستور، ومن اختصاص أمن الدولة؟ ففي هذه الحالة سيكون الفرق على مرتكبها كبيراً، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالأمن!!
وما فعله ابن تيمية هو أنه نقل مخالفة المتوسلين من مجرد مخالفة للشرع، وجعلها إخلالاً بأصول الدين وارتكاباً للشرك! فبذلك فقط يستطيع أن يحكم عليهم بالكفر ويستحل قتلهم، ويستبيح أموالهم وأعراضهم!!!
ثاني عشر: هل كذَّب ابن تيمية نفسه وجوَّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله؟!
نقل أتباع ابن تيمية عنه أنه تراجع عن رأيه عندما سجنوه في مصر وحاكموه على آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله.
قال السقاف في رسالته: البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الإختلاف: (فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيها بشكل ملحوظ، مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد، وليست كذلك قطعاً.
أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل ومرادنا التوسل بالذوات، ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية: 14/45، حيث قال: قال البرزالي: وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين، وكلموه في ابن عربي وغيره الى الدولة فردوا الأمر في ذلك الى القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال: لايستغاث إلا بالله لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبادة، ولكن يتوسل به ويتشفع به الى الله. فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب) . انتهى.
ويؤيد ما ذكره السقاف ما يبدو من كلام ابن تيمية في رسالته التي كتبها من سجنه، والمنشورة في مجموعة رسائله حيث قال في ص 16:
لكن المتأمل يجد أن ابن تيمية لف كلامه بلفافة، حيث جوَّز التوسل لأنه دعاء لله وليس للنبي صلى الله عليه وآله، وبهذا كذب نفسه عندما قال إن التوسل بالميت دائماً دعاءله وهو شرك! لكنه جعل التوسل قسماً في مقابل الإستغاثة مع أنهما شئ واحد! ثم جعل الإستغاثة دعاءً النبي صلى الله عليه وآله من دون الله تعالى، وعبادةً وتوكلاً عليه من دون الله تعالى! وهذا لايقصده أحدٌ من المسلمين بتوسله بنبيه صلى الله عليه وآله!!
ثالث عشر: ابن عبد الوهاب وحفيده والبدير.. زادوا على ابن تيمية!
جاء في (عقائد الاسلام لمحمد بن عبد الوهاب ص26) :
(فمن قصد شيئاً من قبر أو شجر أو نجم أو نبي مرسل لجلب نفع أو كشف ضر، فقد اتخذ إلهاً من دون الله، فكذب بلا إله إلا الله، يستتاب وإلا قُتل، وإن قال هذا المشرك: لم أقصد إلا التبرك وإني لأعلم أن الله هو
وبذلك أفتى هذا التيمي القح بكفر كل من توسل بنبينا صلى الله عليه وآله أو بغيره من الأنبياء عليهم السلام وهدَرَ دمَه وأحلَّ ماله وأحل عرضه جواري، حتى لو كان ذلك في اعتقاده لاينافي التوحيد!
وهذا هو الإفراط والتنطع الذي عانى منه المسلمون الكثير، وما زالوا.
وقال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيزالحميد ص209:
فحديث الأعمى شئ، ودعاء غير الله تعالى والإستغاثة به شئ آخر. فليس في حديث الأعمى شئ غير أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه فيَّ، فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له! فدل الحديث على أنه (ص) شفع له بدعائه، وأن النبي (ص) أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته. فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك لأن النبي (ص) أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي (ص) لا يدعى، ولأنه (ص) لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟! والكلام إنما هو في سؤال الغائب (يقصد النبي بعد موته) أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله! أما أن تأتي شخصاً يخاطبك (يعني شخصاً حياً) فتسأله أن يدعو لك، فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى. فالحديث
فانظر كيف شكك في حديث الأعمى الذي صححه علماء المذاهب، وقبله إمامه ابن تيمية!
ثم انظر كيف افترض أن المستشفع (يدعو) النبي صلى الله عليه وآله من دون الله تعالى، ويطلب منه نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى!! كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث الى الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول! ويستحل بذلك قتله وأخذ ماله وعرضه!!
وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول صلى الله عليه وآله من دون الله.. يجيبك كما قال جده ابن عبد الوهاب: إنه مشرك يعبد غير الله، حتى لو اعتقد أن الضار النافع هو الله فقط!!
أما البدير فيقول: (والاستغاثة بالأموات، والاستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد، شركٌ أكبر! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان) . انتهى.
وبذلك حكم على كل المسلمين بالكفر، لأنهم يقولون: يانبي الله إنا نتوسل بك الى الله، ونستشفع بك اليه، ونستغيث بجاهك عنده اليه أن يرحمنا!! وحكم كذلك بوجوب قتلهم وجعل أموالهم غنائم ونسائهم وبناتهم إماءً، له وللمطوعين الذين على شاكلته! ولاحول ولا قوة إلا بالله.
المسألة السادسة
زعمه أن الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسيلة للشرك!
قال البدير: (المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرم، لأنه من أسباب الشرك.
ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي (ص) أفضل وأثوب وأحب إلى الله وأجوب، لرغَّبنا فيه رسول الهدى (ص) ، لأنه لم يترك شيئاً يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك علم أنه فعل غير مشروع وعمل محرم وممنوع.
وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة (أن علي بن الحسين (رضي الله عنهما) رأي رجلاً يجيئ إلى الفرجة كانت عند قبر النبي (ص) فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته عن أبي عن جدي رسول الله (ص) : لاتتخذوا قبري عيداً، ولابيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسلميكم يبلغني أين كنتم) . انتهى.
أولاً: ماهو الأصل الأولي في الأشياء عندهم؟
نلاحظ أن البدير استدل على تحريم الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله بأن النبي لم يأمرنا به ولم يحثنا عليه! كأنه يقول: وحيث لم يرد فيه نص فهو حرام! فهل يلتزمون في أصول فقههم بأن الأصل في الأشياء الحرمة حتى يرد فيها نص؟!
كلا! فهم يستعملون في حياتهم عشرات الوسائل والمئات مما لم يرد فيها نص، وحجتهم أنها مباحة لأنه لم يرد فيها تحريم!
ثم يناقضون أنفسهم فيستدلون على ما يريدون تحريمه بأنه لانص فيه، مثل إهداء الزهور للمريض، ووضع الرياحين على القبر، وقراءة الفاتحة عنده، والإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وعشرات الأمور التي يحرمونها تحكماً بغير دليل إلا قولهم لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وآله أو لم يفعلها!
وعندما تقول لهم حددوا موقفكم، فإن كان الأصل فيما لانص فيه الحرمة، فالتزموا به في كل أموركم وحرموا كل شئ لم يرد فيه نص. وإن كان الأصل الحلية والإباحة، فلماذا تحرمون ما أحل الله بحجة عدم النص؟! وكم سألناهم فتهربوا من الجواب لأنهم يريدون الإستدلال بالشئ ونقيضه! فمرة يجعلون الأصل في الأشياء الإباحة والحلية ويحللون، ومرات ومرات يجعلون الأصل فيها الحرمة ويحرمون!
وقد رد علماء الأصول من كل المذاهب مقولة أن الأصل في كل
هذا هو حكم الله تعالى فيما لانص فيه، فمن حرَّم شيئاً بدون دليل من كتاب أو سنة، فقد اجترأ ونسب الى دينه ما ليس منه!
قال سيد سابق في فقه السنة ج3 ص288:
(أما ما سكت الشارع عنه ولم يرد نص بتحريمه فهو حلال، تبعاً للقاعدة المتفق عليها وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة أصل من أصول الاسلام. وقد جاءت النصوص الكثيرة تقررها، فمن ذلك قول الله سبحانه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) سورة البقرة:29، وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة أن رسول الله (ص) قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيان، فلا تبحثوا عنها) ...الخ.
وفي كشاف القناع للبهوتي: 1-190:
(إذ الأصل في الأشياء الإباحة إلا لدليل) . وفي مجموع النووي:1-210: (ومذهبنا
وهذا هو مذهب أهل البيت عليهم السلام فقد روى الصدوق في الفقيه:4-75:
(وخطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: إن الله تبارك وتعالى حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً لها، فلا تكلفوها، رحمةً من الله لكم فاقبلوها) .
وفي الكافي :5-313:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه) .
(راجع في تفسير آية (حتى يبين لهم) : الكافي ج1ص163، وابن كثير ج3 ص203، والدر المنثورج3ص286، وفتح القدير ج2 ص414. وراجع في القاعدة إحكام الآمدي:1ص130، والمستصفى:ج1ص40)
ثانياً: خالف البدير إمامه وأئمة المذاهب بتحريمه الدعاء عند القبر!
لقد أفرط هذا الشيخ القليل العلم الكثير التعصب، فخالف حتى إمامه ابن تيمية عندما قال: (المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرم) .!!
فإن ابن تيمية لم يقل ولا قال أحد من أئمة المذاهب، ولا أحد من علماء المسلمين، ولا من جهالهم، إن الدعاء عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله حرام!