الصفحة 112
حكم ذلك؟

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بما يلي:

ليس من هدي المسلمين على مر القرون إهداء الزهور الطبيعية أو المصنوعة للمرضى في المستشفيات، أو غيرها.. وإنما هذه عادة وافدة من بلاد الكفر، نقلها بعض المتأثرين بهم من ضعفاء الإيمان، والحقيقة أن هذه الزهور لا تنفع المزور، بل هي محض تقليد وتشبيه بالكفار لاغير، وفيها أيضا إنفاقٌ للمال في غير مستحقه، وخشيةٌ مما تجر إليه من الإعتقاد الفاسد بهذه الزهور من أنها من أسباب الشفاء! وبناء على ذلك: فلا يجوز التعامل بالزهور على الوجه المذكور، بيعاً، أو شراءً، أو إهداءً. انتهى.

رئيس اللجنة... التوقيع... الأعضاء ....موقع: 209. 39. 13. 51. 81

www.alsaha.com

ولهم فتاوى عديدة تشبه هذه الفتوى، لادليل لهم عليها إلا سليقتهم وذوقهم، منها تحريمهم قراءة الفاتحة أو أي شئ من القرآن عند قبر الميت، وتحريم وضع الزهور على تابوته أو على قبره! جواباً على سؤال رقم 14285، ننقلها من موقع: (www.islam-qa.com) ، يقول السؤال:

(نرى بعض الناس يقرأون القرآن عند قبر ميتهم إذا زاروه، وآخرين يضعون بعض الورود والريحان عند القبر، فما حكم ذلك؟

الجواب: الحمد لله، أما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة. وهي غير مشروعة، ومما يقوي عدم مشروعيتها قوله صلى الله عليه وسلم: (لاتجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من

الصفحة 113
البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة، فقد أشار إلى أن القبور ليست موضعاً للقراءة شرعاً، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعاً للصلاة أيضاً، وهو قوله: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) . أخرجه مسلم وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه. وترجم له بقوله: (باب كراهة الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة القرآن في المقابر ولا فرق. قال أبو داود في مسائله ص: 158: وسمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا.

ولا يشرع وضع الآس ونحوها من الرياحين والورود على القبور، لأنه لم يكن من فعل السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة) رواه ابن بطة في الإبانة عن أصول الديانة:2/112واللالكائي في السنة:1/21 موقوفاً بإسناد صحيح) .

ومعنى هاتين الفتويين أنك إذا زرت مريضاً، فلا تأخذ له باقة زهور، لأنها حرام، لكن لو أخذت له كفناً وتابوتاً، فهو حلال!

وإذا زرت قبره فسلم عليه فقط، ويحرم عليك أن تقرأ الفاتحة وتهدي له ثوابها، ولا شيئاً من القرآن، لأنه حرام ومعصية! لكن لو قرأت هناك جريدة أو فتاوى السلفيين، فهو حلال! ولاحول ولاقوة إلا بالله!

ويلاحظ أن كل دليلهم الذي استندوا عليه هو عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله

الصفحة 114
والصحابة والسلف: (ليس من هدي المسلمين على مر القرون إهداء الزهور الطبيعية أو الصناعية) . مع أنه لم يستدل أحد من الفقهاء من أي مذهب بترك النبي صلى الله عليه وآله لفعل، على تحريمه! ففعله صلى الله عليه وآله لشئ يدل على أنه حلال، أما عدم فعله فلا يدل على أنه حرام! والحكم فيه الرجوع إلى الأصل، وهو قاعدة: (كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام، وكل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي من الكتاب أو السنة) . وإلا فيجب علينا أن نحرم كل وسائل الحياة الجديدة، وأنواع الفعاليات التي يقوم بها الناس، ومنهم هؤلاء المشايخ!

فهل يلتزمون بذلك ويتركون كل مالم يفعله النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والسلف؟!

وأين هم عن أهل البيت عليهم السلام الذين ثبت عنهم أنه يستحب لمن عاد مريضاً أن يأخذ له هدية من فاكهة أو طيب أو بخور أو نحوه مما يحبه ويرتاح اليه، ففي الكافي ج3 ص118: أن الإمام الصادق عليه السلام رأى في الطريق أناساً يعرفهم فسألهم: أين تريدون؟ فقلنا: نريد فلاناً نعوده، فقال لنا: قفوا فوقفنا، فقال: مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب، أو قطعة من عود بخور؟ فقلنا: ما معنا شئ من هذا! فقال: أما تعلمون أن المريض يستريح إلى كل ما أدخل به عليه) .

أما الفتوى الثانية:

فهي كغيرها من تحريماتهم التي اشتهروا بها وأدمنوا عليها تقوم على مغالطة وليس على دليل شرعي، وأصلها من كتاب أحكام الجنائز للألباني، ونلاحظ أنه استدل على حرمة قراءة الفاتحة أو أي شئ من القرآن عند قبر الميت ووضع الريحان عليه، بأنه لم يرد فيه سنة فهو حرام، وقد عرفت أن الأصل فيما لم يرد فيه كتاب ولاسنة الإباحة، وليس التحريم!


الصفحة 115
ثم قوى تحريمه بحديث (لاتجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) ! وهو استدلال مضحك، لأن النهي في الحديث عن جعل البيت مهجوراً كالمقبرة لايوجد فيها من يذكر الله تعالى ويتلو كتابه. فاستنبط منه الألباني أنه يجب أن تكون المقبرة مهجورة، ويحرم فيها ذكر الله وتلاوة كتابه!

وعلى هذا فلو قال النبي صلى الله عليه وآله (لاتجعلوا بيوتكم مقابر خالية من ذكر الله) يكون معناه عند الألباني يحرم ذكر الله في المقابر، ويجوز ذكر الشيطان!

ولو قال النبي صلى الله عليه وآله (لاتجعل بيتك كبيت زيد مهجوراً لايقرأ فيه القرآن) فهو يدل عند الألباني على حرمة قراءة القرآن في بيت زيد؟!

ولو قلت لشخص: لاتجعل بيتك كالمكاتب التجارية مهجورة من الصلاة، فهو يدل عنده على حرمة الصلاة في المكاتب التجارية!

إن النهي هنا منحصر في التشبه بمكان لايوجد فيه صلاة أو قراءة قرآن أو ذكر، ولايفهم منه أحدٌ سوي الذهن بأنه أمرٌ بأن لايوجد فيها ذلك!

وختاماً، أحسن الألباني باستدلاله بقول ابن عمر: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة) ، مع أن الألباني يصلي التراويح التي ابتدعها عمر وقال إنها بدعة حسنة! ففي موطأ مالك ج1 ص114: (ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعمت البدعة هذه) ! انتهى.

وما دامت البدعة الحسنة تصح في الصلاة، فلماذا لا تصح في قراءة سورة الفاتحة أو غيرها من القرآن على المقبرة، وإهداء ثوابها للميت؟!

*  *


الصفحة 116

الصفحة 117

المسألة الثامنة
زعمهم أن القبة النبوية الشريفة بدعة يجب هدمها
ويجب إخراج قبر النبي صلى الله عليه وآله من المسجد!!

إن مقولات الشيخ البدير، ترجع الى آراء إمامه ابن تيمية الشاذة في قبر النبي صلى الله عليه وآله من تحريم قصد زيارته، وتحريم الصلاة عنده، وتحريم الدعاء عنده، وتحريم التوسل الى الله تعالى به صلى الله عليه وآله!

وقد بلغ شذوذهم حده الأقصى عندما أفتوا بأن قبة المسجد النبوي الشريف بدعة يجب هدمها! فعندما دخلوا المدينة المنورة قبل نحو ثمانين سنة، أمر شيخهم بهدم القبة النبوية، وجميع القباب المبنية على قبور أهل البيت عليهم السلام والصحابة، في البقيع وأنحاء المدينة المنورة وضواحيها! فاعترض المسلمون الذين بلغهم الخبر من أنحاء العالم وأعلنوا استنكارهم وتهديدهم، وكان لعلماء الهند موقف شديد مميز جزاهم الله خيراً، فمنعهم الملك ابن سعود من هدم القبة النبوية، وهدموا بقية القباب المشرفة المبنية على قبور الأئمة من أهل البيت الطاهرين عليهم السلام في البقيع وغيرها، وذلك في اليوم الثامن من شهر شوال سنة 1344هجرية.

ويظهر أن هدم القبة النبوية الشريفة ما زال هدفاً في قلوب مشايخهم! فقد أفتى ابن باز عدة فتاوى بوجوب هدمها، لكنه استعمل فيها التقية! وغلف فتواه بأنها عامة لكل القباب والبناء على القبور!

قال ابن باز في جوابه على سؤال رقم 116 من فتاويه:

(يقول

الصفحة 118
السائل: ما حكم البناء على القبر؟ وما الحكم لو كان البناء مسجداً؟

الجواب: أما البناء على القبور فهو محرم، سواء كان مسجداً أو قبة أو أي بناء، فإنه لا يجوز ذلك؟...... والخلاصة أنه لا يجوز البناء على القبور، لا مسجد ولا غير مسجد ولا قبة، وأن هذا من المحرمات العظيمة، ومن وسائل الشرك فلا يجوز فعل ذلك، وإذا وقع فالواجب على ولاة الأمور إزالته وهدمه، وألا يبقى على القبور مساجد، ولا قباب..الخ.!!

(موقع فتاوي ابن باز:

http://search.ibnbaz.org/Result1.asp?c=0)

أما شيخهم مقبل الوادعي وهو مرجعهم في اليمن، فقد كتب رسالة صريحة بعنوان: (حكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم) ، وأفتى فيها بوجوب هدم القبة الشريفة وهدم المسجد، وجعل القبر الشريف خارج المسجد!!

وقد جرت مناقشات حول كتابه في شبكات الأنترنت، منها في موقع القلعة السلفي بتاريخ:18-3-2001

(http://www.qal3ah.net:4444/vb/index.php)

وقال السيد يوسف الرفاعي وهو عالم سني وله كتاب (نصيحتي الى علماء نجد) في مقابلة مع مجلة المنبر:

(http://www.14masom.com/menbar/07/05.htm)

(عندما هدموا بقية القبب لم تبق سوى قبة الحبيب المصطفى فحاولوا هدمها، ومن كان حاضراً من المسلمين من أهل مكة والمدينة نصحوا الملك عبد العزيز وأعلموه بالأمر، فحال بينهم وبين هدم القبة.


الصفحة 119
كذلك أشرت إلى هذا الموضوع في كتابي. وهناك أحد علماء السلفيين يدعى مقبل الوادعي وهو من اليمن، كتب رسالة يطالب فيها بإخراج قبر النبي الشريف! والمصيبة أنها أُقرّت ومنح عليها الماجستير! كما قرأت في كتاب (الجنائز) أن الألباني قال: " أنا لا أصلي في الحرم النبوي لوجود القبر فيه، ويجب إخراجه "!

والحمد لله أن الحكومة السعودية لاتستمع للأصوات التي تطالب إخراج قبر النبي صلى الله عليه وآله من الحرم النبوي، لأنها تدرك قدسية هذه الأمور عند المسلمين ولا تشجع الأفكار المتطرفة، ونسأل الله تعالى أن يهدي المسؤولين الكرام لإعادة بناء أضرحة أهل البيت عليهم السلام قريباً) . انتهى.

وقد أخذوا فتاويهم هذه من شيخهم ابن تيمية، الذي تعرض لوجوب هدم القبة النبوية بشكل غير صريح خوفاً من المسلمين!

لكن تلميذه ابن القيم كان أكثر صراحة من شيخه ابن تيمية، فأفتى بوجوب هدم قبة قبر النبي صلى الله عليه وآله وإخراج قبره من المسجد!

قال في كتابه إغاثة اللهفان ج1ص210:

(وأبلغ من ذلك أن رسول الله هدم مسجد الضرار، ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فساداً منه كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض، وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار! وكذلك القباب التي على القبور يحب هدمها كلها! لأنها أسست على معصية الرسول، لأنه قد نهى عن البناء على القبور) !!

*  *


الصفحة 120

أولاً: أنهم خالفوا بذلك القرآن الكريم!

قال الله تعالى في قصة أهل الكهف: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لارَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) . سورة الكهف:21

(والَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) ، بقول أكثر المفسرين هم المؤمنون الموحدون غلبوا رأي المشركين الذين خالفوا بناء المسجد وقالوا (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) بل هو المتعين لأن الله سماه مسجداً وغير الموحدين لايبنون مسجداً، فبنوه على باب كهفهم ليعبدوا الله فيه ويتبركوا بهم. وقد أقر الله عملهم هذا، ولم يستنكره. ولو كان عملاً منكراً لما أقره ولما سماه مسجداً.

وهذه الآية توجب علينا أن نشك فيما رووه من أن النبي صلى الله عليه وآله لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! ولو صح الحديث فمعناه أنهم جعلوا قبور أنبيائهم نفسها قبلةً وصلَّوْا إليها، أو صلَّوْا لأصحاب القبور بدل الله تعالى! إذ من المحال أن يقرَّ الله تعالى بناء مسجد على قبور أوليائه أهل الكهف، ثم يلعنهم الذين بنوا مساجد على قبور أنبيائهم عليهم السلام!

قال الشوكاني في فتح القدير ج3ص277:

(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) . ذِكْرُ اتخاذ المسجد يُشعر بأن

الصفحة 121
هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون، وقيل هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم، والأول أولى) .

وقال الواحدي في تفسيره ج2ص657:

(الذين غلبوا على أمرهم، وهم المؤمنون وكانوا غالبين في ذلك الوقت) .

وقال أبو السعود في تفسيره ج5 ص215:

(قال الذين غلبوا على أمرهم وهم الملك والمسلمون) . انتهى. وقال قريباً من ذلك أكثر المفسرين.

وبعد ظهور الآية في مدح المؤمنين لبنائهم مسجداً على قبر أهل الكهف، وإقرار عملهم، وورود الرواية بمدحهم، واختيار أكثر المفسرين ذلك، فلا يغرنك فتوى ابن تيمية في حقهم بأنهم ضالون ملعونون! فهذه عادته في الإفراط والتطرف في الفتاوي! قال في كتابه اقتضاء الصراط ص10: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً: فكان الضالون بل والمغضوب عليهم، يبنون المساجد على قبور الأنبياء والصالحين) !.

ولايغرنك ميل ابن كثير الى رأي شيخه ابن تيمية في البداية والنهاية ج2ص138، حيث قال: (واختلفوا في أمرهم فقائلون يقولون (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) ، أي سدوا عليهم باب الكهف لئلا يخرجوا، أو لئلا يصل إليهم ما يؤذيهم، وآخرون وهم الغالبون على أمرهم قالوا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، أي معبداً يكون مباركاً لمجاورته هؤلاء الصالحين. وهذا كان شائعاً فيمن كان قبلنا، فأما في شرعنا فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله (ص) أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . انتهى.


الصفحة 122
ثم لايغرنك إظهار ابن كثير أنه متردد في الموضوع! حيث قال في تفسيره ج3ص79: (حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين: أحدهما أنهم المسلمون منهم، والثاني أهل الشرك منهم، فالله أعلم) .

وكلام ابن كثير في البداية متناقض ككلام شيخه، إذا كيف يكون البناء على قبور الأنبياء عليهم السلام شائعاً مشروعاً فيمن قبلنا؟! وكيف يقره الله تعالى في قرآنه ولا يذمهم عليه، ثم يلعنهم النبي صلى الله عليه وآله بسببه؟!

ويؤيد ما قلناه أن المباني والقباب على قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام كانت موجودة عند مجئ الإسلام، ولم يتعرض لها المسلمون في الفتح الإسلامي ولم يهدموها، ومنها قبر داود وقبر موسى صلى الله عليه وآله في القدس وقبور غيرهم، بل أقرها الخلفاء وصلوا عندها، ولم يستنكرها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.

ثانياً: أنهم خالفوا ضرورة الإسلام في الصلاة والحج والطواف!

وذلك أن المسجد الحرام والكعبة الشريفة التي نتوجه اليها في صلاتنا ونطوف حولها، مليئة بقبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام!

بل إن حجر إسماعيل عليه السلام الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وآله أن ندخله في طوافنا، ما هو إلا مُحَوَّطةٌ أقامها إسماعيل عليه السلام على قبر أمه هاجر رضي الله عنها، حتى لاتدوسَ القبر أقدام الطائفين، ثم أمر إسماعيل عليه السلام أن يدفنوه في الحجر.

فكل المسلمين إذن، وقبلهم أتباع ملة إبراهيم عليه السلام يطوفون حول تلك القبور ويصلون عندها، فهل يقول المتنطعون إنهم اتخذوا قبور

الصفحة 123
أنبيائهم مساجد فهم ملعونون؟! وهل يفتون لأنفسهم وأتباعهم بترك الحج وترك الصلاة الى القبله، بسبب فهمهم الأعوج؟!

وقد استفاضت مصادر التاريخ والحديث عند الشيعة والسنة، بوجود قبر هاجر واسماعيل وقبور الأنبياء عليهم السلام حول الكعبة الشريفة!

ففي الكافي ج4ص210:

(عن الإمام الصادق عليه السلام: (الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل) .

وفي الكافي ج4ص214:

(عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (صلى في المسجد الخيف سبعمائة نبي، وإن ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء عليهم السلام وإن آدم عليه السلام لفي حرم الله عز وجل) .

وفي علل الشرائع ج1ص37:

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن إسماعيل دفن أمه في الحجر، وجعله عالياً، وجعل عليها حائطاً، لئلا يوطأ قبرها) .

وفي تاريخ الطبري ج1ص221:

(وعاش إسماعيل فيما ذكر مائةً وسبعاً وثلاثين سنة، ودفن في الحجر عند قبر أمه هاجر) .

وفي تفسير القرطبي ج2ص130:

(ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبياً، جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك عليهم السلام) .

وفي الدر المنثور ج3 ص103:

(وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما، قبر إسمعيل وشعيب صلى الله عليه وآله، فقبر إسمعيل في الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود) . انتهى.

ولكن الروايات التي تذكر وجود قبور أنبياء آخرين عليهم السلام، أكثر وأقوى.


الصفحة 124

ثالثاً: أنهم خالفوا السيرة العملية التي أجمع عليها المسلمين!

فقد كانت المباني والقباب موجودة عند مجئ الإسلام كما ذكرنا، واتصلت سيرة المسلمين على زيارة قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والصلاة والدعاء عندها الى عصر ابن تيمية والى يومنا هذا، وقد أقرها الصحابة والسلف وصلوا عندها، ولم يستنكرها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام!

وهذه بلادنا الاسلامية من مصر الى نيجيريا الى أندونيسيا، مملوءةٌ بالمشاهد والضرائح المباركة، المشيدة العامرة بزوارها، المتقربين الى الله بزيارتها، ولايبالون بهؤلاء الحفنة من المشايخ المتطرفين، الذين يكفرونهم لأنهم يصلون عندها ويتوسلون الى ربهم بأصحابها.

فهذا الإجماع العملي المتصل من عصر النبي صلى الله عليه وآله الى عصرنا، يدل:

أولاً:

على أن هذه السيرة القطعية تعارض الحديث الذي رووه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . فإما أن يكون الحديث مكذوباً، وإما أن يكون له تفسير يتفق مع هذه السيرة المتصلة الى عصر النبي صلى الله عليه وآله في تعظيم قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والصلاة عندها.

ونحن نرجح أن السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله احتاجت الى إعلان الأحكام العرفية ومنع الناس من التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله، خشية أن يستجير بنو هاشم بقبر النبي صلى الله عليه وآله ويطالبوا بالخلافة، فوضع لها بعضهم هذا الحديث، وغفل أنه لا مصداقية له في تاريخ اليهود والنصارى، لأن

الصفحة 125
النصارى عندهم نبي واحد وليس له قبر، واليهود لم يحترموا أنبياءهم حتى يتخذوا قبورهم مساجد، ولم يبنوا إلا بور بعض أنبيائهم مثل قبر داود وسليمان صلى الله عليه وآله في القدس، وقد زارهما عمر وصلى عندهما!

ثانياً:

أن هذه السيرة معناها إجماع من المسلمين على خلاف رأي ابن تيمية ومقلديه، والخارج على إجماع الأمة لاقيمة لرأيه ولا فتاويه!

ثالثاً:

تدل هذه السيرة على كذب دعواهم بأنهم أهل التوحيد وأهل السنة، وفظاعة تكفيرهم لعامة المسلمين بسبب زيارتهم قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والتوسل بهم! إذا معنى ذلك أن عامة الأمة بجميع مذاهبها ومشاربها كفار أو ضُلاَّل، ماعدا حفنة قليلة ضئيلة لايبلغون مليون شخص!

والأغرب من هذا أنهم يتكلمون باسم المسلمين فيقولون: نحن أهل التوحيد ونحن أهل السنة والجماعة! فهل رأيت أجرأ ممن يكفرك، ثم ينصب نفسه ناطقاً رسمياً باسمك! ثم يمنعك أن تتكلم باسمك؟!

رابعاً: لماذا أغمضوا عيونهم عن قبر إمامهم أحمد في بغداد؟!

من عجائب ابن تيمية وأتباعه أن حركتهم نشأت في بغداد، ثم حمل رايتها ابن تيمية في القرن الثامن في الشام، ثم نشطت في القرن الحادي عشر في الجزيزة، وكانت أبرز شعاراتها محاربة زيارة القبور والصلاة عندها والتوسل الى الله تعالى بأصحابها.

وقد كان قبر إمامهم أحمد بن حنبل طوال هذه المدة في بغداد مبنياً عليه ضريح وقبة، ومتخذاً عليه مسجداً، وكان وما زال مزاراً لهم

الصفحة 126
ولبقية الحنابلة، وهم يروون عنه الكرامات والمنامات، ويغالون في استجابة الدعاء عنده، ولم يقوموا بهدمه، ولا نهوا الناس عن زيارته، ولا أفتوا بوجوب هدم قبته وتسوية القبر بالأرض أو نقله الى خارج المسجد! وقد كانت علاقاتهم مع حكومة العراق وما زالت قوية، ولو طلبوا منها هدمه لفعلت!

ألا يدل هذا على شئ في نفوسهم، وأنهم يكيلون بمكيالين!

*  *


الصفحة 127

المسألة التاسعة
تحريمهم التبرك بأماكن النبي وآله وآثارهم صلى الله عليه وآله

أفتى المتطرفون بأن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله معصية أو شرك! فخالفوا بذلك إجماع مذاهب المسلمين وسيرتهم في كل العصور!

قال البدير: (أيها الزائر المكرم لهذا المسجد المعظم:

إعلم أنه لايجوز التبرك بشئ من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران، أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لايجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها، أو مسح الثياب بها، ولايجوز الطواف عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك، وجب عليه التوبة وعدم العودة) .

*  *

أولاً: أنهم خالفوا في ذلك إمامهم أحمد بن حنبل!

فقد نقل عنه ولده عبد الله في كتاب العلل والسؤالات ج2ص492ح3243 قال: (سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر رسول الله يتبرّك بمسّه وتقبيله، ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثوابِ الله؟ فقال: لا بأس به) . انتهى. ونقله عنه أيضاً السمهودي في وفاء الوفا ج4 ص 1404.

أما الذهبي المعاصر لابن تيمية والذي يعترفون بإمامته، فقد انتقد أسلافهم أصحاب هذا الرأي المتطرف وسماهم المتنطعين وأتباع الخوارج، وأفتى بأن تحريمهم للتبرك بمنبر النبي صلى الله عليه وآله بدعة!

قال في سير أعلام النبلاء ج11ص212:

(أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً؟!


الصفحة 128
أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع) . انتهى كلام الذهبي.

ثانياً: أنهم خالفوا بذلك فعل الصحابة ومذاهب المسلمين

كان المسلمون يتبركون بالنبي صلى الله عليه وآله ويأتون له بأطفالهم خاصة عند ولادتهم ليمسح رؤوسهم، وكانوا يتبركون بسؤره وقطرات وضوئه، وحتى بخيط من ثيابه. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله كانوا يتبركون بآثاره، من ثيابه وشعره الذي احتفظوا به من حياته، وتراب قبره الشريف.

قال السمهودي في كتاب وفاء الوفاء ج1ص544:

كان الصحابة (يأخذون من تراب القبر) يعني قبر النبي صلى الله عليه وآله.

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية ج 24 ص 90 تحت عنوان زيارة القبور الفصل 5: (وقال الحنابلة لابأس بلمس القبر باليد، لاسيما من ترجى بركته) .

وفي صحيح البخاري ج4 ص46:

(باب ما ذكر من درع النبي (ص) وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته..) .

وفي فتح الباري لابن حجر ج1 ص469:

(ومحصل ذلك أن ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الإتباع مشهور. ولايعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي (ص) فقال: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً، لأن ذلك من عمر أنه كره

الصفحة 129
زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة، أو خشي أن يشكل ذلك على من لايعرف حقيقة الأمر فيظنه واجباً، وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي (ص) إلى ذلك، فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين) . انتهى.

وفي فتح الباري ج3 ص52:

(واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال الى غيرها وأشار بظاهر هذا الحديث.... والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبه منها أن المراد أن الفضيلة التامه إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها فإنه جائز. وقد وقع في رواية لأحمد وسيأتي ذكرها بلفظ: لاينبغي للمطي أن تعمل، وهو لفظ ظاهر في غير التحريم...... واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد والشافعي والبويطي، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة لايجب مطلقاً...) انتهى.

وفي النص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص284:

(وقال ابن عساكر في التحفة: جاءت فاطمة رضي الله عنها فوقفت على قبره صلى الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها وبكت وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمـد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا


الصفحة 130

صبت على مصائب لو أنها * صبت على الأيام عُدْنَ لياليا

(وفي هامشه: راجع وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 4 / 1405، السيرة النبوية لابن سيد الناس ج 2 / 340، الشمائل للقارى ج 2 / 210، الاتحاف للشبراوي ص 9، صلح الاخوان ص 57، مشارق الانوار للحمزاوي ص 63، السيرة النبوية لزين دحلان ج3 / 391، أعلام النساء لعمر رضا كحالة ج 3 / 1205، الغدير ج5/147 وغيرهم) .

وفي حواشي الشرواني ج3 ص175:

(إن قصد بتقبيل أضرحتهم التبرك، لم يكره، كما أفتى به الوالد رحمه الله، فقد صرحوا بأنه إذا عجز عن استلام الحجر يُسَنُّ أن يشير بعصى وأن يقبلها، وقالوا أي أجزاء البيت قبَّل فحسن) .

ثالثاً: إهانة البدير للحجاج والزوار حتى في مخاطبتهم!

يقول البدير مخاطباً زوار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله: (أيها الزائر المكرم لهذا المسجد المعظم!) . ومعنى ذلك أني لا أعترف بكم كزوار للنبي صلى الله عليه وآله لأن زيارته بدعة وشرك! بل أعترف بكم زواراً للمسجد فقط!

فهل رأيت هذا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع زواره؟!

أيها الخطيب البدير: من أين عرفنا مسجد النبي صلى الله عليه وآله ومدينته لولاه، وهل لمسجده الشريف هذه القيمة العليا، لو لم يكن قبره الشريف هنا؟!

أفرض أن ملايين المسلمين الذين تخاطبهم مخطئون حسب رأيك! لكنهم في اعتقادهم تقربوا الى الله تعالى بواحدة من أفضل القربات اليه