ووالله انها للصادقة المصدّقة التي تفرغ عن لسان الغيب فما عرف الناس المذاهب والفرق في الاسلام واكتووا بنارها الا بابتعادهم عن منهج اهل البيت (عليها السلام ) .

كانت تقرن القول بالعمل فالأسس التي قام عليها الاسلام هي الاعتصام بحبل الله تعالى وما فيه من دعوات للاخاء والتعاون والايثار واحترام الكبير والعطف على الصغير وخير دليل على ذلك ما نزل بحقها وأهل بيتها من ايات كريمة: ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) .

ومن ذلك أيضاً التزامها بالصدق في القول والفعل حتى قالت عائشة عنها: (ما رأيت احداً كان اصدق لهجة منها إلا ان يكون الذي ولدها) ، ومن ذلك ايضاً التزامها التام بالحجاب الكامل لقد رأت أمراً يحبه الله ويدعوا اليه فتمسكت به و تستطيع اخي القاريء ان تقدر مبلغ تمسك الزهراء (سلام الله عليها ) بالحجاب من خلال ما روي عنها انها لم تر ضاحكة بعد وفاة أبيها الا يوم صنعت لها اسماء بنت عميس نعشاً قالت رأيته في الحبشة فتبسمت روحي فداها قائلة ما احسن هذا و اجمله لا تعرف به ا لمرأة من الرجل.

قال تعالى في سورة الواقعة: واصحاب الشمال ما اصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم انهم كانوا قبل ذلك مترفين ) فالترف يزيل النعم وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (اخشوشنوا فان الترف يزيل النعم ) .

وتعال بنا ننظر الى فاطمة في بيتها كيف كانت سيرتها وعملها وهي ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأكرم أهله عليه قال علي (عليه السلام ): (كانت زوجتي فجرّت بالرحا حتى أثّرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها ؟ وأصابها من ذلك ضر).

في بيت الزهراء (عليها السلام) حيث يتوهج الايمان ويشع الهدى وتتألق القيم العليا تنمو الشخصية الرسالية بكل أبعادها وتبسق أغصانها وتتهدل ثمارها ويزخر عطاءها للامة جمعاء بل للبشرية كلها فهذا الحسين سيد الشهداء وليد تلك الحجور الطاهرة انظر الى مراميه من قوله: (الا وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) تجد آثار التربية الفاطمية والعلوية في نفسه الكريمة.

جاءت امرأة من نساء المسلمين تسأل فاطمة (عليها السلام ) مسائل علمية فاجابتها فاطمة عن سؤالها الاول وظلّت المرأة تسألها حتى بلغت أسئلتها العشرة ثم خجلت من الكثرة فقالت لا أشق عليك يا ابنة رسول الله، فقالت فاطمة هاتي وسلي عما بدا لك إني سمعت أبي يقول: ان علماء أمتنا يحشرون فيخلع عليهم من الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في ارشاد عباد الله.

لم تقتصر توجيهاتها وتربيتها (صلوات الله وسلامه عليها ) على النساء بل كانت (سلام الله عليها ) يأتي إليها الرجال بقصد الاستفادة ومن ذلك: جاءها ابن مسعود يوماً فقال يا ابنة رسول الله هل ترك رسول الله عندك شيئاً نتعلمه فقالت فاطمة: يا جارية هاتي تلك الاوراق فطلبتها فلم تجدها فقالت فاطمة ويحك اطلبيها فانها تعدل عندي حسناً وحسيناً.

وخذ شاهداً من الشواهد الكثيرة على أثر التربية الفاطمية من خادمتها فضة التي كانت تلميذة للزهراء (سلام الله عليها ) فضلاً عن قيامها بالخدمة المنـزلية فقد صنعت فاطمة منها رمزاً للمرأة المؤمنة الصالحة التي لاتتكلم إلا بالقرآن وقصتها يوم انقطعت عن القافلة في ذهابها لحج بيت الله الحرام وملاقاتها بشخص كلما سألها بسؤال عن أحوالها أجابته بجواب من القرآن الكريم حتى الحقها بأولادها في القافلة فقالوا هذه أمنا فضة جارية الزهراء ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن.

دورها السياسي في مواجهة الاحداث

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان).

لقد وضعت الاحداث التي عاشها المسلمون بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزهراء (سلام الله عليها ) في الصدارة وهي اول ثائرة في الاسلام قامت بالدور المطلوب الذي لم يتسنَّ لأحد القيام به ـ من عنف تلك الفترة ـ ويكفينا كشاهد على ذلك ان امير المؤمنين (عليه السلام ) الذي قام الاسلام بسيفه ولسانه وما حاز من مناقب وفضائل من آيات الله وبيناته واحاديث رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد تعرض للقتل عياناً جهاراً قال له الخليفة الثاني: انك لست متروكاً حتى تبايع قال : إن انا لم افعل فمه؟ قالوا اذاً والله الذي لا اله الا هو تضرب عنقك.

اقول قامت الزهراء (عليها السلام) بالدور النبوي العظيم فشاركت أباها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الابلاغ والانذار فابلغت في الحجة وحذرت من الفتنة واشارت الى الانحراف وهدت الى سواء الصراط فانظر اليها تذكرهم وتحملهم المسؤولية ازاء الاحداث: انتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه الى الأمم زعيم حق فيكم وعهد قدمه اليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق الى ان قالت : فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله أو نَجَمَ قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفيء حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله سيداً في اولياء الله مشمراً ناصحاً مجداً كادحاً لاتأخذه في الله لومة لائم وانتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الاخبار وتنكصون عند النـزال وتفرون من القتال. فلما اختار الله لنبيه دار انبيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين … واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فالفاكم لدعوته مستجيبين … ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً فوسمتم غير ابلكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين فكيف بكم وانى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلاً ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

وفي موقف آخر لها مع نساء المهاجرين والانصار لما عدنها في مرضها انظر اليها كيف تعبر القرون والاجيال لتعطيك نتائج الانحراف قبل وقوعها قالت : (أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتقبوا ملء القعب دماً عبيطاً … وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم واستبداداً من الظالمين يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً) فكأنها (سلام الله عليها ) تنظر بعين الغيب وانظر الى احوال المسلمين اليوم وقبل اليوم بعد ذلك الانحراف الاول حيث صارت الامامة هذا المنصب الالهي المقدس ملكا عضوضاً يتوارثه الفساق والفجار امويون وعباسيون والى يومك هذا وما حلّ بالجامعة الاسلامية من الوهن والضعف الا نتيجة ذلك الانحراف الاول.

ومن مظاهر دورها السياسي (سلام الله عليها ) منـزلها الذي كان مقراً للمؤمنين الصادقين الثابتين على عهد الله ورسوله من الذين عارضوا بيعة السقيفة قال ابن قتيبة الدينوري: و ان ابا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب و قال :

و الذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أبا حفص ان فيها فاطمة؟ فقال : و إن.

و في مكان آخر في الامامة و السياسة قال الدينوري: ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن ابي قحافة! فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تتصدع واكبادهم تتفطر و بقي عمر ومعه قوم فاخرجوا علياً فمضوا به الى ابي بكر فقالوا له: بايع قال :

ان لم أفعل فمه؟ قالوا اذاً و الله الذي لا اله الا هو نضرب عنقك فقال اذاً تقتلون عبد لله و اخاً لرسوله! قال عمر إما عبدالله فنعم و أما أخو رسوله فلا و ابو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر الا تأمر فيه بأمرك؟ فقال : لا اكرهه علي شيء ما كانت فاطمة الي جنبه فلحق علي بقبر رسول الله (صلى الله عليه و آله يصيح و يبكي وينادي: يا ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني.

طالبت بحق الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) بالقيام بالامر وكشفت القناع عن الدوافع التي دفعت البعض لازاحته (عليه السلام ) عن مقامه المقدس: (ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بامور الدنيا والدين الا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، والله لو تكافوا عن زمام نبذه اليه رسول الله لاعتلقه وسار بهم سيراً سججاً لايكلم خشاشه ولايكلّ سائره ولاوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه).

طالبت بحقها في فدك وخيبر واقامت على ذلك الادلة والبراهين لكن الخلافة الراشدة ردّت دعواها وهي التي طهرها الله تعالى من الرجس تطهيراً!

أقامت (صلوات الله عليها الحجة والدليل على أهلية وكفاءة أهل البيت (عليها السلام) في ادارة شؤون الامة تأمل في مقطع من جوابها على نساء المهاجرين والانصار قالت : (استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ويحهم أفمن يهدي الى الحق أحق أن يتّبع أم من لايهدِّي الا ان يُهدى فما لكم كيف تحكمون ) ، وفي مقام آخر قالت : (نحن وسيلته في خلقه ونحن خاصته ومحل قدسه ونحن حجته في غيبته ونحن ورثة انبيائه).

رفضت المصالحة مع ابي بكر وعمر. قال ابن ابي الحديد في شرح النهج: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على ابي بكر وعمر وانها أوصت الا يصليا عليها.

وقد سعى الشيخان مراراً ان يستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها الى جهة الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ثم قالت : (نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحبّ فاطمة ابنتي احبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا نعم سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت : فاني أُشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما اليه).

 

أحوالها (سلام الله عليها ) بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله ) :

روي عن الباقر (عليه السلام ) انه قال : (ما رؤيت فاطمة (عليها السلام ) ضاحكة مستبشرة منذ قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى قبضت).

وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال : (البكاؤن خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين (عليهم السلام) اما آدم فبكا على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن واما فاطمة فبكت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج الى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف واما علي بن الحسين فبكى على الحسين عشرين سنة او اربعين سنة).

عن علي (عليه السلام) قال : غسلت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قميصه فكانت فاطمة تقول أرني القميص فإذا شمته غُشي عليها فلما رأيت ذلك غيبته.

لما قُبض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امتنع بلال من الاذان وقال لا أؤذن لاحد بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت فاطمة ذات يوم: اني أشتهي ان اسمع صوت مؤذن أبي بالأذان فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الاذان فلما قال الله اكبر الله اكبر ذكرت أباها وايامه فلم تتمالك من البكاء فلما قال اشهد ان محمداً رسول الله شهقت فاطمة (عليها السلام ) وسقطت لوجهها وغشي عليها وظنوا انها قد ماتت فقطع اذانه بلال فلما افاقت سألته ان يتم الاذان فلم يفعل وقال لها: يا سيدة النسوان اني اخشى عليك مما تنـزلينه بنفسك فاعفته عن ذلك.

عن فضة أمة فاطمة قالت لورقة بن عبدالله الازدي: اعلم انه لما قبض رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) افتجع له الصغير والكبير وكثر عليه البكاء وعظم رزؤه على الاقرباء والاصحاب ولم يكن احد اشد حزنا واعظم بكاء وانتحاباً من مولاتي فاطمة حيث جلست سبعة أيام للعزاء لايهدأ لها انين ولا يسكن منها الحنين كل يوم جاء كان بكاؤها اكثر من الاول فلما كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن وهي تندب أباها: وا ابتاه وا صفياه وا محمداه وا ابا القاسماه وا ربيع الارامل والايتام من للقبلة والمصلى ومن لابنتك الوالهة الثكلى.

ثم اقبلت تعثر في اذيالها وهي لاتبصر شيئاً من عبرتها حتى دنت من قبر أبيها فلما نظرت الى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها ودام نحيبها الى ان اغمي عليها فلما أفاقت من غشيتها قالت : رُفعت قوتي وخانني جلدي وشمت بي عدوي والكمد قاتلي يا أبتاه بقيت والهة وحيدة فقد انخمد صوتي وتنغص عيشي وتكدر دهري انقلبت بعدك يا ابتاه الاسباب وتغلقت دوني الابواب فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما ترددت انفاسي باكية ثم انشدت:

ان حزني عليك حزن جديد ** و فؤادي والله صب عنيد

كل يوم يزيد فيه شجوني ** واكتيابي عليك ليس يبيد

ان قلباً عليك يألف صبراً ** او عزاءً فانه لجليد

و قد بنى لها امير المؤمنين (عليه السلام ) بيتاً في البقيع سمي بيت الاحزان فاذا اصبحت اخذت الحسن والحسين امامها وخرجت الى البقيع باكية.

 

وفاتها (صلوات الله عليها) ووصيتها :

عن ابي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال : (قبضت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة احدى عشر من الهجرة وكان سبب وفاتها ان قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فاسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها).

عن ام سلمى امرأة ابي رافع قالت : مرضت فاطمة فلما كان اليوم الذي ماتت فيه قالت : هيئي لي ماءً فصببت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ثم قالت : ائتيني بثياب جدد فلبستها ثم اتت البيت الذي كانت فيه ف قالت : أفرشي لي في وسطه ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدِّها وقالت اني مقبوضة الان فلا اكشفن فاني قد اغتسلت قالت وماتت.

عن جابر الانصاري قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي بن ابي طالب (عليه السلام) قبل موته بثلاث سلام عليك يا ابا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك. فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال علي (عليه السلام) : هذا احد ركنيَّ الذي قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما ماتت فاطمة (عليها السلام) قال علي (عليه السلام ) : هذا الركن الثاني.

عن الحسن (عليه السلام) ان علياً غسل فاطمة (عليها السلام) وعن علي انه صلى على فاطمة وكبّر عليها خمساً ودفنها ليلاً.

ولدت فاطمة (عليها السلام ) بعد مبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً وبقيت بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسة وسبعين يوماً.

سُئل الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال : دفنت في بيتها فلما زادت بنو امية في المسجد صارت في المسجد ، وقيل انها دفنت في البقيع.

مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها الى ان توفيت (صلوات الله عليها فلما نعيت اليها نفسها دعت أم ايمن واسماء بنت عميس ووجهت خلف علي واحضرته و قالت : يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال (عليه السلام) : معاذ الله أنت اعلم بالله وأبر واتقى واكرم واشد خوفاً من الله والله جددت علي مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عظمت وفاتك وفقدك فانا لله وانا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء لها ثم بكيا ساعة وأخذ عليُّ رأسها وضمها الى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فاني اختار امرك على امري قالت اوصيك اولاً:

ان تتزوج بعدي بابنة اختي امامة فانها تكون لولدي مثلي وان تتخذ لي نعشاً رأيت الملائكة صوروا صورته قال صفيه لي فوصفته له فاتخذه لها وهو اول نعش عمل على وجه الارض ثم قالت : اوصيك ان لا يشهد احد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني واخذوا حقي فانهم عدوي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا تترك ان يصلي عليّ احد منهم، وادفني في الليل اذا هدأت العيون ونامت الابصار ثم توفيت (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ان دفن الزهراء (سلام الله عليها) من كلامٍ له مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله ) :

السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك و زائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك، و المختار الله لها سرعة اللحاق بك.

قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري و رقّ عن سيدة نساء العالمين تجلّدي الا أنّ في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك و فاضت نفسك بين نحري و صدري. بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول، انا لله و انا اليه راجعون، قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختُلِست الزهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء.

يا رسول الله أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهّد وهمٌّ لايبرح من قلبي، او يختار الله لي دارك التي انت فيها مقيم، كمد مقيَّح و هم مهيّج، سرعان ما فرق بيننا، و الى الله أشكو.

و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين و السلام عليكما سلام مودِّع لا قالٍ فان أنصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

واهاً واها والصبر أيمن و اجمل ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.

فبعين الله تدفن ابنتك سراً، و تهضم حقها قهراً، و يمنع ارثها جهراً و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر و الى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك و عليها السلام والرضوان.

اُختلف في وفاة الصديقة فاطمة (عليها السلام) على أقوال:

1 ـ انها بقيت بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسة وسبعين يوماً وهو المشهور.

2 ـ أنها بقيت اربعون يوماً.

3 ـ توفيت لثلاث خلون من جمادى الآخرة أي انها بقيت بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة اشهر ، وهناك أقوال اخرى.

حينما اُخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بوفاتها وقع على وجهه وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك.

روى صاحب البحار عن الطبري ان الذي صلى على فاطمة (عليها السلام ) بعد وفاتها هو أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وابو ذر والمقداد وعمار وبريدة وفي رواية العباس وابنه الفضل وفي رواية وحذيفة وابن مسعود.

وبعد أن واراها في ملحودة قبرها (سلام الله عليها) استبد به الحزن وأرسل دموعه على خديه ثم انشد:

لكل اجتماع من خليلين فرقة ** و كل الذي دون الممات قليل

و ان افتقادي فاطما بعد أحمد ** دليل على أن لا يدوم خليل

وجاء في جانب من وصيتها سلام الله عليها:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصت بحوائطها السبعة الى علي بن أبي طالب فإن مضى فالى الحسن فإن مضى فالى الحسين فإن مضى فالى الاكابر من ولدي، شهد المقداد بن الاسود والزبير بن العوام وكتب علي ابن ابي طالب.

 

عصمة الزهراء (سلام الله عليها) :

قال تعالى: انما يريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) .

اجمع المفسرون على ان هذه الاية نزلت في من اشتمل عليهم الكساء وهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين (عليها السلام) .

ولايخفى ان الآية واردة في مقام اللطف بهم والامتنان عليهم وحصر الطهارة بهم واذا رجعنا الى قواميس اللغة نجد ان كلمة الرجس بمعنى: كل ما يشين الانسان او كل مستقذر من عمل وغيره وعليه فكل ما تستقذره الطباع البشرية ويأمر به الشيطان ويحق لاجله العذاب ويستحق به الاثم ويشين السمعة وتسقط به المرؤة فهو من الرجس.

واللام الداخلة في كلمة ليذهب تفيد الاستغراق الجنسي أي نفي عموم الرجس وليست هناك قرينة متصلة او منفصلة على تخصيص ذلك بنوع خاص او معين من الرجس، اضافة الى ذلك فإن ما يناسب اللطف الالهي والساحة الربوبية اذهاب عموم الرجس عنهم لا بعضه دون بعض.

وانها (سلام الله عليها) ممن افترض الله مودتهم على الامة وجعلها اجراً لرسالته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولايمكن ان يفترض الله تعالى مودة من يقترف الاثم ويقارف المعصية ولذلك هي ممن تعبد الله الخلق بالصلاة عليهم كما تعبدهم بالشهادتين في كل فريضة.

ومن كل ما تقدم نستفيد عصمتها صلوات الله وسلامه عليها ومما يؤكد ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المتواتر فيها: (يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك) وقوله (صلى الله عليه وآله : (فاطمة بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله).

قال المجلسي في البحار ومعنى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعلاه دال على عصمتها لانها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على كل حال بل كان من فعل المستحق: (حينما يقارف الذنوب) من ذمها واقامة الحد ان كان الفعل يقتضيه ـ ساراً له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومطيعاً.

اضافة الى ذلك فلا ننسى انها بضعة النبي المشتق نورها من نوره وهي الحوراء الانسية وهي برة الابرار الذين قال الله تعالى عنهم: ( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً، يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) وحاشا للابرار ان يقارفوا الاثم والعصيان.

 

تسبيح الزهراء : (سلام الله عليها) وفضله :

طلبت فاطمة (سلام الله عليها ) من أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خادمة تخدمها فقال : (أولا أدلّكِ على خير من ذلك: تسبحين الله تعالى ثلاثاً وثلاثين وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين وتكبرينة أربعاً وثلاثين).

>>>>