فليت قبلك كان الموت صادفنا | قوم تمنّوا فأعطوا كلما طلبوا |
تجهمتنا رجالٌ واستخفّ بنا | مذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب |
قال: فما رأيت أكثر باكية وباك منه يومئذ، ثمّ عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشر البقية، ويا عماد الملة، وحصنة الإسلام، ما هذه الفترة في حقي والسنة عن ظلامتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يُحفظ في ولده، سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا أهالة، أتزعمون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب جليل، استوسع وهنه، واستهتر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، واكتأبت لخيرة الله، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال(1) وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة، فتلك نازلة أعلن بها في كتاب الله في قبلتكم ـ أفنيتكم ـ ممساكم ومصبحكم هتافاً هتافاً، ولقبله ما حلّت بأنبياء الله ورسله، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(2).
____________
1- أكدت الآمال: بخلت.
2- سورة آل عمران: 144.
ألا وقد أرى والله أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فمحجتم الذي أوعيتم، ولفظتم الذي سوغتم، فـ (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(4).
ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي
____________
1- بنو قيلة: الأوس والخزرج، لأنّ اسم أمهم قيلة بنت كاهل.
2- قال المجلسي عليه الرحمة: المراد بالدعوة: نداء المظلوم للنصرة، والخبرة علمهم بمظلوميتها (عليها السلام).
3- سورة التوبة: 12 ـ 13.
4- سورة إبراهيم: 8.
قال الأربلي: هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة، وكانت النسخة مع قدمها مغلوطة فحققها من مواضع أُخر.(4)
____________
1- خامرتكم: أي خالطتكم، والخور: الضعف. قال المجلسي عليه الرحمة: لعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الشره وكتمان الضر.
2- سورة الهمزة: 6 ـ 8.
3- سورة الشعراء: 227.
4- كشف الغمّة، الأربلي: 1 / 479 ـ 492، عن كتاب السقيفة وفدك.
الرواية الثانية: خطبة فاطمة (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار
برواية أبي بكر الجوهري (ت 323 هـ) وقد رواها عنه كل من العلامة الأربلي (ت 693 هـ) في كشف الغمّة، وابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في شرح نهج البلاغة، ونحن هنا نوردها برواية ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبدالله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبدالله بن حسن بن حسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، قالت:
لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوجع وثقلت في علتها، اجتمع عندها نساءٌ من نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: والله أصبحت عائفة(1) لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم(2)، وشنئتهم(3) بعد أن سبرتهم(4)، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبِئسما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّهُ عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم، قد قلدتهم ربقتها، وشنت
____________
1- عائفة لدنياكم: أي قالية لها كارهة.
2- عجمتهم: بلوتهم وخبرتهم.
3- شنئتهم: أبغضتهم.
4- سبرتهم: علمت أُمورهم.
ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيّبين(1) بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخُسرانُ المُبينُ.
وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله، وتالله لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عتلقه، ولسار إليهم سيراً سجحاً، لاتكلم حشاشته(2)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميراً فضفاضاً، يطفح ضفّتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تحيّر بهم الرأي، غير متحلّ بطائل، إلاّ بغمر الناهل، وردعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث الى أي لجأ استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(3)ولبئس للظالمين بدلا.
استبدلوا، والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
____________
1- في كشف الغمة: والضنين بأمر الدنيا والدين.
2- في كشف الغمة: لا يكلم خشاشه.
3- سورة الحج: 13.
ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(2).
أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غِبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً، واطمانوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل(3) واستبداد من الظالمين، يدع فيكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة عليكم وأنى لكم، وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(4).
والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).(5)
____________
1- سورة البقرة: 12.
2- سورة يونس: 35.
3- الهرج: من معانيه القتل. اللسان. وهو المراد هنا.
4- سورة هود: 28.
5- السقيفة وفدك، الجوهري: 117 ـ 118، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 233 ـ 234، كشف الغمّة، الأربلي: 1 / 492 ـ 494.
3 ـ برواية الوزير الكاتب أبو سعد منصور بن الحسين الآبي
(ت 421 هـ) في كتابه نثر الدر.
الاُولى: خطبتها في المهاجرين والأنصار
وقد رواها عنه أيضاً العلامة شمس الدين محمد الباعوني الشافعي (ت 871 هـ) في كتابه جواهر المطالب: 1 / 155 ـ 169.
قال الآبي:
قالوا: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خِمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم(1) مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس، ثمّ أمهلت هُنيئة(2) حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ قالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ
____________
1- ما تخرم مشيتها: ما تنقص عنها.
2- هنيئة: بمعنى هنيهة، تصغير هنة، وهي القياس في التصغير: اللسان. هنو.
____________
1- سورة التوبة: 128.
2- إشارة إلى مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام).
3- الثبج: الوسط. اللسان.
4- الأكظام: جمع كظم، وهو مخرج النفس. اللسان.
5- تفرى: تشقق. اللسان.
6- المحض: الخالص. اللسان.
7- الشقاشق جمع شقشقة، شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه إذا هاج ويروى وتمت كلمة الإخلاص.
8- سورة آل عمران: 103.
9- نهزة الطامع: اسم للشيء المعرض لك كالغنيمة. اللسان.
10- المذقة: الشربة من اللبن المخلوط بالماء. اللسان، وفي القول تشبيه.
11- الطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل. اللسان.
حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، ظهرت حسكة النفاق، وسمل(3) جلباب الدين، ونطق كاظم(4) الغاوين، ونبغ خامل الأفلين، وهدر فنيق(5) المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم(6)فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، أبماذا زعمتم(7) خوف
____________
1- سورة المائدة: 64.
2- الصماخ: فتحة الأذن الباطنية. اللسان، وفي القول استعارة.
3- سمل الجلباب: بلي ورث. اللسان.
4- الكاظم: المبطن للحقد. اللسان.
5- الفنيق: الجمل الفحل. اللسان.
6- أحمشكم: جعلكم تغضبون، ومن معانيها: ساقكم بغضب. اللسان.
7- في المصورة: أبماذا زعمتم، وفي المخطوطة: أنازعتم، والتصويب من بلاغات النساء: 18.
إيهاً معشر المُسلمة المهاجرة، أأبتز إرث أبيه؟ أبى الله في الكتاب يا بن قحافة، أن ترث أباك ولا أرث أبيه، لقد جئت شيئا فرياً(6)، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر
____________
1- سورة التوبة: 49.
2- سورة الكهف: 50.
3- سورة آل عمران: 85.
4- مثل يضرب لمن يظهر أمراً ويبطن غيره. اللسان.
5- سورة المائدة: 50.
6- الفري: العمل الذي لم يسبق إليه. اللسان.
ثمّ انكفأت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت (عليها السلام):
قد كان بعدك أنباء وهنبثة(2) | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها | واختلَّ أهلك فاحضرهم ولا تغب |
وذُكر أنّها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت:
يا معشر الفئة، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام ; ما هذه الفترة في حقي؟(3) والسنة في ظلامتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يُحفظ في ولده؟ لسرع(4) ما أحدثتم! وعجلان ذا إهالة(5)، أتقولون: مات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر(6) فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت
____________
1- سورة الأنعام: 67.
2- الهنبثة: الاختلاط في الكلام. اللسان.
3- في بلاغات النساء: 21 ما هذه الغميزة في حقّي، وفي نهج البلاغة: ما هذه الغمزة في حقّي.
4- لسرع: ما أسرع. اللسان.
5- الإهالة: الشحم والزيت، وهو مثل يضرب للشيء يأتي قبل أوانه.
6- استنهر: اتسع، تشبيهاً له بجريان النهر وتمكنه. اللسان.
إيهاً بني قيلة(2) أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأى ومسمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار وعندكم الجُنن(3)، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل الإسلام، والخيرة التي اختار الله لنا أهل البيت، فنابذتم العرب، وناهضتم الاُمم، وكافحتم البُهم، لا نبرح نأمركم فتأتمرون، حتى دارت لكم بنى رحا الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت نعرة الشرك، وباخت نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج(4)، واستوسق(5) نظام الدين، فأنّى حِرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، وأسررتم بعد التبيان، لقوم نكثوا أيمانهم، (أَتَخْشَوْنَهُمْ
____________
1- سورة آل عمران: 144.
2- قيلة: هي قيلة بنت كاهل، اُمّ الأوس والخزرج. اللسان: قيل.
3- الجنن: جمع جنة، وهي الدرع. (القاموس).
4- الهرج: الفتنة. اللسان.
5- استوسق نظام الدين: اجتمع وتضام. اللسان. والمراد: قوي.
ألا قد أرى أن أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فعجتم عن الدين، ومججتم الذي وعيتم، ولفظتم الذي سوغتم(2)، (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(3).
ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم، واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقوبها مدبرة(4) الظهر، ناقبة الخف(5)، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(6) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.
____________
1- سورة التوبة: 13.
2- أعطيتم.
3- سورة إبراهيم: 8.
4- مدبرة الظهر: بها دبرة في ظهرها، أي قرحة. اللسان.
5- نقب الخف: رق. اللسان.
6- سورة الشعراء: 227.
الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار
قالوا: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) دخل النساء عليها وقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخطل الرأي، و (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)(1)، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها(2)، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.
ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطبن(3) بأمر الدنيا والدين، (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(4)، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره فى ذات الله، وتالله لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً،(5) لا يُكلم خِشاشه(6)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا روياً
____________
1- سورة المائدة: 80، وفي المصورة: وبئس.
2- في المصورة: شنت عليهم عارها.
3- الطبن: العالم الفطن. اللسان.
4- سورة الزمر: 15، وفي المصورة: والطبين، بدون نقط.
5- سجحاً: سيراً سهلا ليناً. اللسان.
6- الخشاش: الجانب. القاموس.
ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب لحادث إلى أي ملجأ لجأوا واستندوا(5)؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(6)، ولبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَ يَشْعُرُونَ)(7).
ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(8).
أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا
____________
1- التحيّز: سوق الإبل برفق. اللسان. والمراد: سار بهم في هوادة إلى منهلهم.
2- المصورة: منحل.
3- المصورة: تغمز.
4- في بلاغات النساء: 24: أورد عنه سورة الساغب، والمراد: تسكين حدة السغب.
5- في المصورة: وأسندوا.
6- سورة الحج: 13.
7- سورة البقرة: 12.
8- سورة يونس: 35.
____________
1- سورة هود: 28.
2- نثر الدر: 4 / 8 ـ 15، أعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.
4 ـ خطبة فاطمة (عليها السلام) برواية الخوارزمي
(ت 568 هـ)، في مقتل الحسين (عليه السلام)
وقد ذكر منها قسماً، قال:
وبهذا الإسناد، عن الحافظ أبي بكر هذا، أخبرنا عبدالله بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) أن أبا بكر أظهر منعها فدكاً لاثت خِمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكنت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه، ثمّ قالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(1) فإنْ تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلَّغ الرسالة صادعاً بالنَّذارة، مائلا عن سنن المشركين، ضارباً لحدتهم، يجذ الأصنام،
____________
1- سورة التوبة: 128.
____________
1- سورة آل عمران: 103.
2- سورة التوبة: 49.
يا معشر المسلمين أأبتز إرث أبي؟ أبى الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فرياً، فدونكها مرحولة مخطومة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، (وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)(2). ثمّ انكفأت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها | واختلَّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا(3) |
____________
1- سورة المائدة: 50.
2- سورة الجاثية: 27.
3- مقتل الحسين (عليه السلام)، الخوارزمي: 121 ـ 123 ح 59.
5 ـ برواية أبي السعادات المبارك بن محمد
ابن الأثير (ت 606 هـ)
الرواية الاُولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار.
قال ابن الأثير: قالت زينب بنت عليّ بن أبي طالب: لما بلغ فاطمةَ (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها حقَّها من فدك، لاثَتْ خِمارها، وأقبلت في لُمَّة من حَفَدتِها ونساءِ قومِها، تطأُ ذُيولَها، لا تَخْرِمُ مِشيةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فلُطَّتْ(1) دُونها مُلاءةٌ، ثمّ أنَّت أنَّة أجهشَ لها القومُ بالبكاء والنَّحيب، ثمّ أمهلتْ حتى إذا هدأتْ فَورتُهم، وسكنت روعتُهم، افتتحت الكلامَ بالحمد للهِ، والثَّناءِ عليه، والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في كلام طويل من الثَّناءِ والتحميد.
ثمّ قالت (عليها السلام): أنا فاطمةُ، وأبي محمدٌ، أقولها عَوْداً على بَدْء، ما أقولُ سَرفاً ولا شَطَطاً. (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(2) وإن تَعْزُوه تَجِدُوه أبي دون نِسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولِنعم المَعْزِيُّ
____________
1- بحاشية الأصل: فنيطت.
2- سورة التوبة: 128.
تَشْربُون الطَّرْقَ(1)، وتَقْتاتُون القَدَّ، أذِلَّةً خاشعين، يَتخطَّفكم الناسُ مِن حولِكم، فأنقذكم اللهُ بنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد اللَّتيَّا والَّتي، وبَعْدَ مَا مُنيَ بِبُهَمِ الرِّجال، وذُؤْبانِ العرب، ومردة أهل الكتاب.
(كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)(2)، أو نَجَم قَرْنٌ للظَّلالة، أو فغَرَتْ فاغرةٌ للمشركين، قذف أخاه عليّاً في لَهَواتِها(3)، فلا ينكفىءُ حتى يطأُ ضِماخها بأخْمَصهِ، ويُخْمِدَ لهبَها بحدِّه، مَكْظُوظاً(4) في طاعةِ الله وطاعةِ رسولهِ، مُشَمِّراً، ناصِحاً، مُجِدّاً، كادِحاً، وأنتم في بُلَهْنِية وادِعُون، وفي رَفاهية فَكِهُون، تأكلُونَ العَفْوَ،
____________
1- بحاشية الأصل: "الرَّنْق". وستأتي في الشرح.
2- سورة المائدة: 64، وبحاشية الأصل: "حَشُّوا" رواية في "أوقدوا"، وستأتي في الشرح.
3- بحاشية الأصل: "هُوَّاتها". وستأتي في الشرح.
4- بحاشية الأصل: "مكدوداً في ذات الله". وستأتي في الشرح أيضاً.
فلمّا اختار الله لنبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دارَ أنبيائه، وَمَحلَّ أصْفيائهِ، ظَهَرتْ حَسِيكةُ النِّفاق، وانْسَمَل(1) جِلْبابُ الدِّين، وأَخْلَق عَهْدُه، وانْتَقَصَ عَقْدُه، ونَطَق كاظِمٌ، ونَبَغ خامِلٌ، وهَدَر فَنِيقُ الباطِل ; يَخْطِرُ في عَرصَاتِكم، وأطْلَعَ الشَّيْطانُ رأسَه مِن مَغْرِزِه، صارِخاً بكم، فأَلفاكم لدعوتِه مُصِيخين(2)، وللغِرَّةِ مُلاحظِين، واستَنْهَضكُم فوَجَدَكم خِفافاً، وأحْمَشَكُم فألْفاكم غِضاباً، فَخَطَمْتُمْ(3) غير إبِلكم، وأورَدْتُموها غيرَ شِرْبِكم، بداراً زعمْتُم خوفَ الفِتنة. (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(4).
هذا، والعَهْدُ قريبٌ، والكَلْمُ رَحِيبٌ، والجُرْحُ لَمَّا يَنْدمِلْ، والرَّسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمَّا يُقْبَرْ.
هَيْهاتَ منكم، وأينَ بكم، وأنَّى تُؤْفَكُون؟ وكتابُ اللهِ بينَ أظْهُرِكم، زواجِرهُ قاهرةٌ، وأوامِرهُ لائحةٌ، وأدِلَّتُه واضِحةٌ، وأعلامُه بَيِّنةٌ، أرَغْبَةً ـ وَيْحَكُم ـ عنه؟ (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)(5).
____________
1- بخاشية الأصل: "وأسمل".
2- بحاشية الأصل: "مستجيبين".
3- بحاشية الأصل: "فوسمتم".
4- سورة التوبة: 49.
5- سورة الكهف: 50.
تُسِرُّون حَسْواً فِي ارْتِغاء، ونحن نَصْبرُ منكم على مِثْلِ وَخْزِ(1)المُدَى، وأنتم الآن تزعُمون أنْ لاَ إرْثَ لَنا، ولا حَظَّ. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(2).
وَيْهاً(3) مَعْشَرَ المُسْلِمة، أأُبْتَزُّ إرْثِيَهْ؟ أفي كِتابِ(4) اللهِ أن تَرِثَ أباكَ ولا أرِثَ أبِيَهْ، لقد جئت شيئاً فريّاً(5).
جُرْأةٌ مِنكم على قطيعةِ الرَّحِم، ونَكْثِ العهْدِ، فعَلَى عَمْد ما تركتم كتاب الله بين أظْهُرِكم ونَبذْتُموه.
فدُونَكَها مَرْحُولَةً مزمومة(6)، تكون معك في قَبْرِكَ، وتلْقاك يومَ حَشْرِك، فنِعْم الحَكَمُ اللهُ، ونِعم الزعيمُ محمدٌ، والمَوْعِدُ القيامةُ، وعند الساعةِ ما يَخْسَرُ المْبْطِلُون، و (لِّكُلِّ نَبَإ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ
____________
1- بحاشية الأصل: "حز".
2- سورة المائدة: 50، و(تبغون) كما جاء في الأصل، بالتاء الفوقية، وهي قراءة ابن عامر. راجع الكشف عن وجوه القراءات: 1 / 411.
3- بحاشية الأصل: "إيهاً".
4- بحاشية الأصل: "حكم".
5- أنظر: الآية 27 من سورة مريم.
6- بحاشية الأصل: "مخطومة".
ثم عدلَتْ إلى مجلس الأنصار، فقالت: يا مَعْشَرَ الفِئَةِ(2)، وأعْضادَ المِلَّة، وحَضَنَةَ الإسلامِ ; ما هذه الغَمِيزَةُ في حقي؟ والسنِّةُ عن ظُلامَتِي؟ أما كان رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): "المرءُ أن يُحْفَظُ في وَلَدِه"؟ لَسرعانَ ما أحْدَثْتُم! وعَجْلانَ ذا إهالةً!
أتقولون: مات محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لَعَمْرِي، خَطْبٌ جليلٌ، اسْتَوْسَعَ وَهْيُه، واسْتَنْهَرُ فَتْقُه، وفُقِد راتِقُه، وأظْلَمت الأرضُ لغَيْبَتِه، واكْتَأبَتْ خِيرَةُ الله لُمصِيبته، وخشَعَت الجِبالُ، وأكْدَت الآمالُ، وأُضِيعَ الحَرِيمُ، وأذِيلَت الحُرْمةُ، فتلك نازِلةٌ عَلَن بها كِتابُ اللهُ في أفْنِيتكم، مُمْساكُم ومُصْبَحكُم، هِتافاً هِتافاً. (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(3).
إيهاً بني قَيْلَةَ! أَأُهْتَضَمُ تُراثَ أبي وأنتم بمَرْأىً منِّي ومَسْمَع؟ تشمَلُكم الدَّعوةُ، ويَنالُكم الخَبَرُ، وفيكم العَدَدُ والعُدَّةُ، ولكم الدارُ،
____________
1- سورة الأنعام: 67.
2- بحاشية الأصل: "التقيّة". وعلى هذه الرواية اقتصر المصنّف في الشرح. و "الفئة" الفرقة والجماعة من الناس، في الأصل. وهو من فأيت رأسه وفأوته: إذا شققته. النهاية 3 / 406.
3- سورة آل عمران: 144.