الصفحة 167
رجلان صالحان شهدا بدرا فأخبرانا بخبر السقيفة ولم يذكر اسميهما. فمن هما وما هو السر في اختيارهما لهؤلاء.

ثم إن وجود هذا الثلاثي في المدينة غير شرعي لأنهم مأمورون بإنفاذ الجيش الذي أعطى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر القيادة فيه لأسامة كما سيأتينا خبره.

وماذا كان يضير هؤلاء الثلاثة إذا عملوا على تهدئة الأوضاع حتى يدفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصا وأن فيهم أبا بكر، وعلى حد زعمهم له المكانة التي كان يمكن استغلالها لذلك أم أن الأمور ستصبح على خلاف ما يشتهون؟!.

أما الحضور الكمي لهذه الشورى فلا أظن أنه كان كبيرا خصوصا لو علمنا أن هذه السقيفة مكان لا يتسع بأي حال من الأحوال إلى عدد كبير أضف إلى ذلك غياب عدد كبير من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأس أولئك علي والهاشميون لأنهم كانوا في شغل عن الأمر بمصيبة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تناساها الخليل الصديق وهو يسعى وراء الخلافة.

يقول عمر " إنه كان من خبرنا حين توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة " (1).

أي شورى هذه التي لم يحضرها باب مدينة العلم الفاروق الأكبر والصديق الأول علي بن أبي طالب (ع)، ومن أين تستمد شرعيتها وكل سكان المدينة آنذاك ناهيك عن الدولة الإسلامية لم تجمع على ترشيح أبي بكر. وحتى الذين بايعوا لم يكن دافعهم إلى ذلك شخصية أبي بكر فهنالك من بايع لموازنات سياسية كما فعلت الأوس عندما بايعت أبا بكر قال بعضهم وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء:

والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر " (2).

____________

(1) - المصدر ص 446.

(2) - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 2 / 2.


الصفحة 168
احتج أبو بكر على القوم قائلا: لن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا واحتج عمر قائلا: من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته..

إذا كان هذا هو المعيار فأهل بيت النبوة وعلى رأسهم علي (ع) أولى، الذي قال عندما سمع احتجاجهم: " احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ".

وقد عبر أحد الشعراء عن هذا الموقف بقوله:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وأخيرا قال عمر عن بيعة أبي بكر " إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها " (1).

وأنا أقول كانت فلتة مزقت الأمة تمزيقا وأبعدتها عن الصراط المستقيم.

علي (ع) والخلافة

أعلن علي (ع) والعباس والهاشميون رفضهم لبيعة أبي بكر من الوهلة الأولى وظلوا في بيت فاطمة (ع) معارضين، ولقد حاول أبو سفيان الاصطياد في الماء العكر، جاء في الطبري " لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر قال أبو سفيان: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، وأقبل وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم أين المستضعفان علي والعباس وقال: أبا حسن أبسط يدك أبايعك والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا " (2)، لكن

____________

(1) - الطبري ج 2 ص 445.

(2) - الطبري ج 2 ص 449.


الصفحة 169
عليا (ع) رفض عرضة لأنه كان يعلم نوايا أبي سفيان وبني أمية المعادية للإسلام فقال له: " إنك والله طال ما بغيت الإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك " (1)، وقد هدأ أبو سفيان بعد أن ولى أبو بكر ابنه يزيد (2).

الإمام علي (ع) كان يدرك أن الأمة الإسلامية في مفترق طرق والناس تتجاذبهم الأهواء وأي محاولة لتصحيح الانحراف بحرب مسلحة يمثل خطرا يهدد بيضة الإسلام التي يحافظ عليها علي (ع) وهو الأمين عليها.

ولقد بين أهل البيت (ع) لماذا لم يعارض علي (ع) الخلفاء بالسيف قال الإمام الصادق (ع) في جواب سؤال وجهه إليه بعض أصحابه: ما منع أمير المؤمنين أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد على من ابتزه حقه سيفه؟ فقال: تخوف أن يرتدوا وأن لا يشهدوا أن محمدا رسول الله ".

والتاريخ يعلن لنا معارضته لما كان يجري فإننا لا نعلم لعلي (ع) دورا سياسيا بارزا على عهد الخلفاء ولم نسمع له خبرا في كل الحروب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المشهود له بمواقفه الجهادية في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعندما طلب منه عبد الرحمن بن عوف في شورى الستة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين رفض الأخيرة مما يشكك في مطابقة سيرة الشيخين " أبي بكر وعمر " لسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان يعتقد بمطابقتها لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا يرفضها إذن؟.

وفي أكثر من موقع يبين الإمام علي (ع) حقه في الخلافة وانحصار الإمامة في أهل بيت النبوة (ع) يقول " أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى

____________

(1) - المصدر السابق.

(2) - المصدر السابق.


الصفحة 170
الهدى ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة في غيرهم " (1).

وفي كلام له يقول: (أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين والحكم لله والعود إليه يوم القيامة " (2).

ويقول (ع) عن أهل البيت " هم موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه..

لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة " (3).

كما جاء في نفس المصدر قوله " نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحلم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة " (4).

أحد العلماء من الذين يدعون حب أهل البيت (ع) جرى بينه وبين بعض الإخوة حوار قال لهم: " إن لعلي ولاية أعطاها له الله سبحانه وتعالى، ولو كانت خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له، لتمكن من السيطرة عليها بدعاء منه، ولا يستطيع أحد أن يحتل مكانه ".

من الواضح أن هذا القول الضعيف البين الوهن لا يمكن أن ننفي به مسألة الانقلاب على علي (ع)، لأن ذلك يقودنا إلى عدة أسئلة منها كيف ذبحوا الأنبياء

____________

(1) - نهج البلاغة ضبط صبحي الصالح ص 201.

(2) - المصدر نفسه ص 231.

(3) - المصدر السابق ص 47.

(4) - المصدر السابق ص 162 - 163.


الصفحة 171
السابقين وهم أولياء الله بلا خلاف، وكيف أوذي أفضل الأنبياء وأكملهم وحبيب إله العالمين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولماذا تكسر رباعيته وينهزم الجيش يوم أحد ألم يكن في إمكانه بدعاء منه أن يهزم جميع المشركين.

إن الأنبياء والأولياء جاؤوا لهداية الناس دون جبر أما المعجزة والكرامة فليست لقهر العباد بالقوة للسير على الصراط المستقيم، وإنما كانت لإتمام الحجة وبيان حقيقة مكانة الأولياء عند الله تعالى، ولو كان كل انحراف يواجه بالتدخل الغيبي لإرجاع الناس إلى الحق لما كان هنالك معنى للابتلاء ولا معنى للثواب والعقاب، يقول تعالى (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (سورة يونس: آية / 99).

إن الإمام والخليفة يعرف بالنص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الناس الالتزام بنصرته، كما الكعبة تعرف بحج الناس إليها فيأتونها ولا تأتي لأحد، جاء في أسد الغابة عن علي (ع) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنت بمنزلة الكعبة، تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك " (1).

ولقد اختصر أمير المؤمنين علي (ع) وجهة نظره في خطبته المعروفة بالشقشقية (2) يقول فيها: -

" أما والله لقد تقمصها فلان (3) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه!.

فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى،

____________

(1) - أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 609 لابن الأثير (2) - نهج البلاغة خطبة 3.

(3) - أبو بكر.


الصفحة 172
أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان (1) بعده ثم تمثل بقول الأعشى: -

شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر

فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشد ما تشطرا ضرعيها - فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!

ولكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم (2) نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته ".

خلافة علي (ع)...

بعد وفاة عثمان لم يكن للأمة مناص من الاتجاه إلى من يحملهم على جادة الطريق كما قال عمر، إذ أن الفساد السياسي وصل إلى قمته وصارت أموال المسلمين في يد الطلقاء، كان لا بد للأمة أن تبحث عمن يذكرهم بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إعراض دام سنوات أوصلهم إلى ما أوصلهم إليه..

جاءت الخلافة إلى علي (ع) وهي تحبو محملة بجراحات مثخنة من جراء اجتهادات السابقين، لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه...

____________

(1) - عمر بن الخطاب.

(2) - عثمان بن عفان.


الصفحة 173
أخيرا انكشف الغطاء وعرفوا الحل " ولا أبقى الله الأمة لمعضلة ليس لها أبو الحسن " اجتمعوا عليه وطلبوا منه أن يقبل الخلافة، أشار عليهم أن يبحثوا عن غيره لأنه كان يعلم بأنهم لن يستطيعوا معه صبرا على الحكم بالحق، وأنه لن يخاف في الحق لومة لائم كما قال في الأموال التي وزعها عثمان على محبيه وهي ملك للمسلمين عامة، " والله لو وجدته قد تزوجت به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق ".

هكذا سيكون علي ولن يعجب هذا الحال بعض الذين تعودوا على العطايا والهبات الملكية زمن الخلفاء إضافة إلى الذين لا يرغبون في شخص علي (ع) حاكما.

فألبوا الناس على قتاله، وحكم علي (ع) المسلمين في فترة اتسمت بالحروب التي كانت فيصلا بين الحق والباطل وقد أخبره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) " تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ".

يقول الإمام علي (ع) في أمر مبايعته:

" فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر " نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون " (1) كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) بلى: " والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها " الشقشقية.

  • حرب الجمل:

    كان طلحة والزبير ذوا حظوة حتى عهد عثمان، وكانا يطمعان في الكثير على عهد علي (ع)، وعندما لم يجدا بغيتهما عند إمام العدل أضمرا في نفسيهما أمرا وطلبا

    ____________

    (1) - أصحاب الجمل - الخوارج - صفين بالتوالي.


    الصفحة 174
    الإذن من علي (ع) بعد أن بايعاه بالذهاب إلى مكة للعمرة فأذن لهما وهو يعلم ما يضمران وقال لأصحابه: " والله ما أرادا العمرة ولكنهما أرادا الغدرة " ولحقا بعائشة في مكة وحرضاها على الخروج.

  • عائشة بنت أبي بكر:

    في النصف الثاني من حقبة خلافة عثمان بن عفان كانت السيدة عائشة " من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته.. وقالوا أنها كانت أول من سمى عثمان نعثلا (اسم أحد اليهود بالمدينة)، وكانت تقول اقتلوا نعثلا! قتل الله نعثلا (1).

    وكما تنقل إلينا المصادر التاريخية كانت السيدة عائشة بمكة، خرجت إليها قبل أن يقتل عثمان، فلما قضت حجها انصرفت راجعة، فلما صارت في بعض الطريق، لقيها ابن أم كلاب (أحد معارفها) فقالت له: ما فعل عثمان قال: قتل! قالت: بعدا وسحقا.

    ولكن ما نعجب له هو مسيرها بجيش جرار لقتال علي (ع) لأنه قتل عثمان كما تزعم، فكيف تطالب بقتل عثمان ثم تقود الجيوش للأخذ بثأره؟!

    يقول الطبري عندما لقيت عائشة ابن أم كلاب الذي أخبرها بمقتل عثمان قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب: ولم! فوالله إن أول من أمال

    ____________

    (1) - الطبري ج 3 / 477.


    الصفحة 175
    حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر " (1).

    وللرجل كل الحق في تعجبه هذا، ولكن بنظرة سريعة لتاريخ عائشة مع علي (ع) نجد أنها لم تكن على توافق معه منذ عهد رسول الله، وكلماتها التي ذكرناها آنفا تدلل على مدى بغضها لعلي (ع) والذي ترجم إلى الحرب والتأليب والتحريض بل وقيادة جيش لقتاله، وقد تقدم قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " ونفس هذه المصادر التي ذكرت الحديث تخبرنا عن بغض عائشة لعلي (ع) حتى أنها كانت لا تطيق ذكر اسمه (2) وينقل الإمام أحمد بن حنبل " إن أبا بكر جاء مرة واستأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل الدخول سمع صوت عائشة عاليا وهي تقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

    والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي تعيدها مرتين حتى ضربها أبوها " (3).

    مجموعة من الصفات النفسية كانت وراء موقف عائشة من أهل البيت (ع) حتى أنها صرحت بعدم حبها للحسن (ع) عندما أرادوا دفنه عند جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرجت عليهم قائلة (لا يدفن في بيتي من لا أحب)، ولعل أبرز تلك الصفات غيرتها العجيبة والتي لم تخف على الجميع ولقد درسناها في مناهجنا الدراسية. وهنالك عوامل أخرى كثيرة كانت السبب في خروج عائشة على علي (ع) لعل أهمها موقف علي وأهل البيت (ع) من خلافة أبيها، ووقفة الزهراء في وجهه أيضا ومعلوم أن الزهراء (ع) زوجة علي (ع) وأم الحسن والحسين وفوق ذلك هي البنت الوحيدة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة زوجته الأولى التي كانت تغير منها عائشة حتى وهي في العالم الآخر... فتأمل، لم نجد ما يبرر خروج عائشة على

    ____________

    (1) - الطبري ج 3 / 476 - 477.

    (2) - البخاري ج 1 ص 162 - ج 3 ص 135 - ج 5 ص 140.

    (3) - مسند أحمد بن حنبل ج 4 / 275.


    الصفحة 176
    الإمام علي (ع) بل وجدنا أن ذلك خلاف الشرع وفقا للدليل النقلي والعقلي وإجماع الأمة.

    إن عائشة بخروجها تكون مخالفة لصريح الآيات القرآنية التي تأمر نساء النبي بالاستقرار في بيوتهن (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقد عمل كل نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك ما عدا عائشة.

    كما أن خروجها على الخليفة الشرعي فيه إشكال بغض النظر عن كونها امرأة مأمورة بالبقاء في بيتها وذلك منهج أهل السنة والجماعة، والإمام علي (ع) أجمعت عليه الأمة كخليفة للمسلمين فلا يجوز لها الخروج عليه وقتاله إذ أن ذلك يعتبر خروجا عن الدين بقولنا وبقولهم.

    ثم إن العقل يحكم بتناقض موقفها فهي تارة تطالب بقتل عثمان وعندما يحدث ذلك تطلب ثأره، هذا شئ غريب وموقف غير مفهوم يحتاج إلى تأمل حتى نستطيع أن نحدد موقفنا... خصوصا وإنه قد قيل أن نصف الدين عند الحميراء.

    وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروجها كما جاء في المستدرك قال:

    ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: انظري يا عائشة أن لا تكوني أنت " ثم أخبر أن التي تخرج ستنبحها كلاب الحوأب. وعندما نبحت عليها الكلاب قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير: لا بل تقدمي ويراك الناس قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب " (1).

    وهي في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نراها كما جاء في الآيات المباركة من سورة التحريم والتي فصلت في أمر زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

    ____________

    (1) - مستدرك الحاكم ج 3 ص 119 - 120.


    الصفحة 177
    وبينت لنا أن نساء الأنبياء ليس من الضرورة أن يكن على قدر من الإيمان، بل يمكن أن يصرن على خلاف ما عليه أزواجهن من الأنبياء وليس ذلك بالأمر المستبعد والله تعالى يضرب لنا الأمثال لعلنا نعقل (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (1).

    هذا المثل جاء في سورة التحريم التي تتحدث عن بعض أفعال عائشة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول تعالى (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا) (2). الآيات كما قال عمر نزلت في عائشة وحفصة كما ذكر البخاري (3).

    ويهددهن الله تعالى بالطلاق (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) (4).

    وأنا لا أريد الحديث عن سيرتها تفصيلا لأن المقام مقام جهاد وحرب وقيادة جيوش وهو خاص بالرجال ولكن لكي تتضح الرؤيا أوردنا ما أوردناه.

    أحد الأصدقاء كان يحاور بعض الوهابية عن جهاد المرأة فاحتدم النقاش بينهما وتعصب الوهابي في وجه هذا الأخ صارخا: " الجهاد للمرأة غير جائز ويعتبر تبرجا وهو حرام " فقال له: " إذا لماذا خرجت أمكم يوم الجمل ".

    هذه هي أطراف حرب الجمل، علي (ع) خليفة المسلمين وولي أمرهم من جهة والجهة الأخرى على قيادتها عائشة وطلحة والزبير.

    وقد كانت عائشة هي القائد الفعلي لجيشها وكانت تتصرف فيه وكأنها

    ____________

    (1) - سورة التحريم: آية / 11.

    (2) - سورة التحريم: آية / 5.

    (3) - البخاري باب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه.

    (4) - سورة التحريم: آية / 6.


    الصفحة 178
    الخليفة الشرعي. وأظنها بدأت تتوهم بأن في إمكانها أن تحل محل أبيها، ومما يؤيد ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد " أن عائشة كتبت وهي في البصرة إلى زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها: من عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي.

    والسلام.

    فأجابها الرجل: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر: أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون صنعت ما أمرك الله به وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له.

    هكذا كانت عائشة وهي تحارب الإمام المفترض الطاعة بمنظورنا وخليفة المسلمين المجمع عليه دون باقي الخلفاء بمنظور أهل السنة والجماعة، وانتصر عليها أمير المؤمنين وعقر ناقتها وسار فيها بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل مكة إذ قال لهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وأرسلها علي (ع) إلى المدينة سالمة.

    صفين

    لن أتحدث عن صفين في تفاصيلها إنما موضوعنا حول قيادة الجيش الذي حارب عليا (ع) من صفين، لأن القيادة تبين لنا الفاصل بين الجيشين وأيهما الحق وأيهما الضلالة. وفي صفين يكفي أن تعلم أن قيادة الجيش المقابل لمعاوية كانت متمثلة في علي (ع) حتى تحكم على معاوية ومن معه أنهم على خطأ فادح، ومع ذلك كان وجود عمار بن ياسر في جيش علي (ع) تذكرة ودلالة على أن الفئة الباغية معاوية وأصحابه إذ أنه من المتفق عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمار " يا عمار تقتلك الفئة الباغية " ولقد استشهد عمار في صفين كما هو معلوم.


    الصفحة 179
    لم أقف على قول يفصل في حادثة إسلام معاوية وفي اعتقادي أن معاوية لم يجد له مكانا وسط المسلمين إلا بعد توليته الشام من قبل عمر الذي أطلق له العنان دون المحاسبة التي اشتهر بها وذلك تتمة للصفقة بين أصحاب السقيفة وبني أمية كما تقدم ذكره عندما أراد أبو سفيان أن يحرض عليا (ع) على القتال. وعمر يريد أن يستمر الهدوء على عهد خلافته فأسكت بني أمية بالشام وهم لا يهمهم كيف تكون الدولة الإسلامية بقدر ما يهتمون بوجود مكانة لهم في هذا الواقع الذي فرض عليهم ودخلوا فيه اضطرارا لا إيمانا برسالة الإسلام ونبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد وضح ذلك جليا عندما تسلموا زمام السلطة فحاربوا عليا وأبناءه لأنهم امتداد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبما أن معاوية لا يستطيع أن يسب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لجأ إلى سب علي (ع) وجعل ذلك سنة عند خطباء دولته، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول " من سب عليا فقد سبني " (1).

    والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوضح من هو معاوية كما جاء في تاريخ الطبري قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد أخوه يسوق قال: اللهم العن الراكب والقائد والسائق ".

    أما شخصية معاوية بمنظار علي (ع) فسوف نجدها في رسائله لمعاوية حيث جاء في رد للإمام علي على خطاب أرسله معاوية:

    " أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة، ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده، وقد دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا " (2).

    في رسالة أخرى له يقول الإمام: " ومتى كنت يا معاوية من ساسة الرعية وولاة

    ____________

    (1) - المستدرك ج 3 / 120.

    (2) - نهج البلاغة من رسائل أمير المؤمنين رقم 7.


    الصفحة 180
    أمر الأمة؟ بغير قدم سابق ولا شرف باسق ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية مختلف العلانية والسرية.

    ولقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا واخرج إلي واعف الفريقين من القتال، لتعلم أينا المرين على قلبه والمغطى على بصره! فأنا أبو الحسن قاتل جدك وأخيك وخالك شدخا يوم بدر وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا ولا استحدثت نبيا وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين " (1).

  • رسالة محمد بن أبي بكر لمعاوية:

    كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية: -

    بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر.

    سلام على أهل طاعة الله ممن هو مسلم لأهل ولاية الله.

    أما بعد: - فإن الله جل جلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم إلى أن قال: فكان أول من أجاب للرسول وآب وصدق ووافق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب فصدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف، فحارب حربه، وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل (الضيق الشديد) ومقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو المبرز السابق في كل خير أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة وخير الناس ابن عم وأنت اللعين ابن اللعين ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله، وتجهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتحالفان فيه القبائل، على ذلك

    ____________

    (1) - نفس المصدر رسالة 10.


    الصفحة 181
    مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم أنصاره الذين ذكروا في القرآن فأثنى الله عليهم من المهاجرين والأنصار فهم معه عصائب وكتائب حوله: يجادلون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه، يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافه، فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وأبو ولده، وأول الناس اتباعا وآخرهم به عهدا، يخبره بسره، ويشركه في أمره وأنت عدوه وابن عدوه؟ فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهي وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، ويئست من رحمته وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور وبالله وأهل رسوله الغناء والسلام على من اتبع الهدى " (1).

    هذه الرسالة تتطابق وواقع معاوية الحقيقي في التاريخ، معاوية الذي جمع حوله الهمج والرعاع حتى أنه صلى بأهل الشام الجمعة يوم الأربعاء وأرسل لعلي (ع) إني جئت بقوم لا يفرقون بين الجمعة والأربعاء، إضافة إلى المصلحيين والدهاة أمثال عمرو بن العاص.

    ومما يثير العجب أن تجد كتابا باسم (رجال حول الرسول) يتحدث كاتبه عن عمار بن ياسر فيثبت أنه صحابي جليل به عرف أن الفئة الباغية فئة معاوية وبعد ذلك بصفحات يتحدث عن عمرو بن العاص - قادة الفئة الباغية فيثبت أيضا أنه صحابي جليل!!

    والحديث عن عمرو بن العاص - داهية معاوية ويده اليمنى - طويل ومتشعب ويكفينا دوره العجيب في قضية التحكيم التي لعب فيها دهاؤه ومكره الدور الكبير لتكون السبب المباشر لخروج الخوارج.

    ____________

    (1) - مروج الذهب ج 3 ص 20.


    الصفحة 182
    ولقد رفض عمرو مشاركة معاوية إلا مقابل جزء من دنيا معاوية فقبل معاوية أن يشتري منه دينه مقابل نصف دنياه. يقول المسعودي " وكان عمرو بن العاص قد انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتولية مصر غيره فنزل الشام، فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان وكان فيما كتب إليه: ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شئ تمتلكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث إليه معاوية فسار إليه، فقال له معاوية. بايعني، قال: لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك، قال: سل، قال: مصر طعمة، فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتابا، وقال عمرو بن العاص في ذلك ".

    معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به من دناكم فانظرن كيف تصنع
    فإن تعطني مصرا فارع صفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع (1)

    وجاء في تاريخ الطبري أن عمرو بن العاص قال لمعاوية " أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث تقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ولكن إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية وعطف عليه " (2).

    هؤلاء هم قادة جيش معاوية في صفين باعوا دينهم بدنياهم وحاربوا إمام زمانهم وخليفة المسلمين ومع ذلك يأتي من يقول أن معاوية وعمرو بن العاص صحابة ويجب التسليم!!

    وما جرى من عمرو بن العاص ومعاوية في المعركة يبين مدى جبنهم وحرصهم على الحياة الدنيا، يقول المسعودي " ثم نادى علي: يا معاوية علام يقتل الناس بيني وبينك؟ هلم أحاكمك إلى الله. فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقال عمرو لمعاوية: قد أنصفك الرجل، فقال له معاوية:

    ____________

    (1) - المصدر ج 2 ص 363.

    (2) - تاريخ الطبري ج 3 ص 560.


    الصفحة 183
    ما أنصفت وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله أو أسره، فقال له عمرو:

    ما يجمل بك إلا مبارزته، فقال معاوية: طمعت فيها بعدي وحقدها عليه. ثم إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بهذا أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بدا، فبرز فلما التقيا عرفه علي فرفع السيف ليضربه به، فكشف عمرو عن عورته وقال: مكره أخوك لا بطل. فحول علي وجهه عنه وقال: قبحت، ورجع عمرو لصاحبه " (1).

    دنا عمار بن ياسر من عمرو أثناء المعركة فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك طالما بغيت في الإسلام عوجا " (2).

    لقد كانت شخصيات الصحابة مكشوفة لدى بعضهم وكل واحد يعرف نفسيات الآخر ولقد تجلى ذلك في الحروب المتتالية وهذا واقع لا يمكن أن ننكره ويجب علينا أن نميز فيه بين الفاسق والمؤمن.

    والحديث عن معاوية وصاحبه عمرو يطول بحيث لا يسع المجال لعرض تاريخهما الحافل بالعجائب ونقتصر على التذكير ببعض غرائب معاوية التي لا يستطيع أحد نكرانها.

    بعض أفعال معاوية

  • - اغتصابه الخلافة بالقهر.

  • - قتل حجر بن عدي وأصحابه لأنهم رفضوا سب علي (ع) والبراءة منه ووقفوا في وجه من يفعل ذلك وقد قالت عائشة لمعاوية: الله الله في حجر وأصحابه وعاتبته وقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يقتل بعدي

    ____________

    (1) - المسعودي ج 2 ص 369.

    (2) - تاريخ الطبري ج 4 ص 27.


    الصفحة 184
    بعذراء (بالشام) سبعة رجال يغضب الله وأهل السماء لهم (1). وقال الإمام علي (ع):

    " يا أهل الكوفة سيقتل منكم سبعة نفر هم خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود ".

  • - جعل سب علي (ع) سنة يتبرك بها غربانه في أقطار حكومته.

  • - سفك دماء شيعة الإمام الطاهر علي (ع) واستباحة أموالهم وأعراضهم وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم وحتى نسائهم، ولا أدري أين كان ابن آكلة الأكباد والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي الأمة بهم خيرا.

  • - اجتهاده وإلحاقه زياد ابن أبيه وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد للفراش وللعاهر الحجر.

  • - نقض كل المواثيق والعهود التي أبرمها مع الإمام الزكي الحسن بن علي (ع) بعد أن عقد معه صلحا، إلا أن معاوية وعندما هدأت له الأمور خطب في أهل الكوفة وقال: يا أهل الكوفة إني ما قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج. ولقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم (2) إلى أن قال: وكل شرط شرطته وكل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به ".

  • - وختم صفحته السوداء مع الحسن (ع) بدس السم إليه فلقي الحسن (ع) ربه شهيدا مظلوما، ولما سقي السم، وقام لحاجته ثم رجع فقال: لقد سقيت السم عدة مرات فما سقيت مثل هذه لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبه بعود في يدي.

    وكان معاوية قد أطمع جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن (ع) بالزواج من يزيد ابنه ثم طلب منها دس السم للحسن (ع)، ولما استشهد الحسن (ع) أرسل لها قائلا: إنا

    ____________

    (1) - الإصابة في تمييز الصحابة ابن حجر العسقلاني ص 315.

    (2) - البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 134.