الصفحة 207

الفصل الثامن
في دائرة النور

(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم)

(سورة النور: آية / 35)


الصفحة 208

الصفحة 209

من ركام الباطل إلى النور

من وسط ركام الباطل المظلم أسرعت إلى حيث النور وانكشف الغطاء عن البصر إثر الحجة تلو الأخرى والدليل يضاف إليه دليل والعقل يستنير ولا سبيل إلا أهل البت (ع)، ودخلت دائرة النور والنور لا يرى إلا بنفسه،. وسنا بريق كنوز أهل البيت يخطف الأبصار.

تأسفت لحال من لم يوفقه الله للاهتداء إليهم، ونظرة عامة إلى منهجهم وكلماتهم وأحوالهم كافية للتدليل على أنهم هم أمناء الله على وحيه المنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الأمانة العظمى التي لا يمكن أن يتحملها من يعتريه الشيطان بين الفنية والأخرى ولا يؤدي حقها من كان كل الناس أفقه منه ولا يستطيع حفظها من آثر هواه وهوى عشيرته على التمسك بأبسط مفردات الحق.

أهل البت (ع) كلماتهم نور لم أسمع بها عند الآخرين، منهجهم في تربية الأمة وتوجيهها يجعلك تحس بمعنى خلافة الله في الأرض، لم يشهد التاريخ بأنهم تعلموا على أيدي أحد بل الكل يدعي الرجوع إليهم وما الفقهاء الأربعة إلا نتاج جامعة الإمام الصادق العلمية في المدينة المنورة والتي تخرج منها أيضا جابر بن حيان بعلم الكيمياء الذي أخذه من الإمام الصادق (ع)، ولا يسعني أن أستعرض ولو قطرة من بحار علومهم التي أخذ منها شيعتهم فكان تفوقهم على من سواهم في جميع المجالات، وموسوعة واحدة من مصادرهم الحديثية تكفي لتلتهم كل ما عند أهل السنة والجماعة من مصادر، وبحار الأنوار بمجلداته العشرة بعد المائة دلتنا على ذلك وحقا إنه بحار من أنوار العلم.

وقد سعى المفسدون في الأرض إلى تشويه صورة مذهب أهل البيت (ع) وحاولوا ممارسة التضليل الإعلامي، ومن جملة ذلك الطعن في نهج البلاغة الجامع لبعض خطب ورسائل وكلمات أمير المؤمنين (ع) وهو هو بمتنه الذي أعجز البلغاء وإن

الصفحة 210
ما جاء فيه كاف لبيان صحة النسبة لأمير المؤمنين وعلى هؤلاء أن يأتونا بخطبة واحدة قالها أحد الخلفاء أو كلمة قصيرة تشبه الخطب الواردة في نهج البلاغة. قيل لأحد الإخوة أن نهج البلاغة وضعه الشريف الرضي فقال لهم إذا هو إمام مفترض الطاعة!!

ولأهل البيت (ع) تراث عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه الأمة ولكنها أبت إلا نفورا، وإحدى معاجزهم التي بهرتني، ذلك المنهج في الدعاء وكيفية التقرب إلى الله تعالى والأدب الرفيع في مخاطبة الرب سبحانه، والقارئ للصحيفة السجادية وهي صحيفة كلها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد (ع) يتعجب لماذا لم يهتم علماء السنة بهذه الصحيفة هل لأنها واردة عن أحد الأئمة أهل البيت؟ أم ماذا!!.

أحد الإخوة الذين استبصروا، كان يميل للوهابية بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم وقبل أن ينغمس معهم تماما من الله عليه بأحد الأصدقاء والذي أعطاه بعض مؤلفات الشيعة ليقرأها، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحذر منهم، فطلب مني ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيع وما إليه فرحبنا به وجلسنا فدار النقاش حول معتقدات الشيعة وبعد نقاش طويل تنفس قائلا: هذا الكلام حق لا لبس فيه ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟! قلت له: كما أن للحق أنصارا يعملون على نصرته. فإن للباطل جنودا وشياطين يوحون إليهم، ولا يمكن أن يعتمد الباطل لا على باطل.

قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثر واضحة عليه: لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شئ حتى الصلاة.

كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت: الآن بإمكانك أن تصلي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدعون.

توضأنا وصلينا وكان اليوم يوم خميس وبعد الصلاة وكما هو معروف عند الشيعة يستحب قراءة دعاء كميل وهو دعاء علمه أمير المؤمنين علي (ع) لأحد

الصفحة 211
أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي والشيعة يواظبون على قراءته.

قرأنا ذلك الدعاء وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء، حينها تألمت لهذه الأمة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت (ع) خصوصا فيما يختص بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربه.

بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه وهو يقول بحرقة: خدعونا وقالوا لنا أن الشيعة لا يعرفون الصلاة والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة.

فقرات
من أدعية أهل البيت (ع)

  • - من دعاء الصباح لأمير المؤمنين (ع).

    " اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه، يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملاءمة كيفياته، يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون، يا من أرقدني في مهاد أمنه وأمانه وأيقظني إلى ما منحني من مننه وإحسانه، وكف أكف السوء عني بيده وسلطانه.. ".

    " افتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح واغرس اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع... ".

  • - من دعاء يوم عرفة للإمام الحسين (ع): -

    " الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع

    الصفحة 212
    وهو الجواد الواسع فطر أجناس البدائع وأتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع ولا تضيع عنده الودائع جازي كل صانع ورايش كل قانع وراحم كل ضارع ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا إله غيره ولا شئ يعدله وليس كمثله شئ وهو السميع البصير اللطيف الخبير وهو على كل شئ قدير، اللهم إني أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنك ربي وأن إليك مردي ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين...

    " اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، اللهم اجعل غناي في نفسي واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والنور في بصري والبصيرة في ديني ومتعني بجوارحي واجعل سمعي وبصري الوارثين مني وانصرني على من ظلمني. إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني علك بخدمة توصلني إليك... كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا... ".

  • مناجاة الشاكرين: للإمام زين العابدين (ع):

    بسم الله الرحمن الرحيم

    " إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك، وأعياني عن نشر عوارفك توالي

    الصفحة 213
    أياديك، وهذا مقام من أعترف بسبوغ النعماء، وقابلها بالتقصير، وشهد على نفسه بالإهمال والتضييع، وأنت الرؤوف الرحيم البر الكريم، الذي لا يخيب قاصديه، ولا يطرد عن فنائه آمليه، بساحتك تحط رحال الراجين، وبعرصتك تقف آمال المسترفدين، فلا تقابل آمالنا بالتخييب والايئاس، ولا تلبسنا سربال القنوط والإبلاس، إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إياي ثنائي ونشري، جللتني نعمك من أنوار الإيمان حللا، وضربت علي لطائف برك من العز كللا، وقلدتني مننك قلائد لا تحل، وطوقتني أطواقا لا تفل، فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر، فكلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد، إلهي فكما غذيتنا بلطفك وربيتنا بصنعك، فتمم علينا سوابغ النعم، وادفع عنا مكاره النقم، وآتنا من حظوظ الدارين أرفعها وأجلها عاجلا وآجلا، ولك الحمد على حسن بلائك وسبوغ نعمائك حمدا يوافق رضاك ويمتري العظيم من برك ونداك يا عظيم يا كريم، برحمتك يا أرحم الراحمين...

  • قبسات من نور آل محمد:

    إن الفقه الشيعي هو الشجرة الطيبة الراسخة الجذور المتصلة الأسس بالنبوة، والذي امتاز بالسعة والشمولية والعمق والدقة والقدرة على مسايرة العصور المختلفة، والمستجدات المتلاحقة من دون أن يتخطى الحدود المرسومة في الكتاب والسنة ويعتمد الفقه الشيعي إضافة إلى الكتاب والسنة العقل والإجماع الكاشف عن وجود النص أو موافقة المعصوم.

    إن الشيعة الإمامية قدمت في ظل هذه الأسس الأربعة فقها يتناسب مع

    الصفحة 214
    المستجدات، جامعا لما تحتاج إليه الأمة، ولم يغلق باب الاجتهاد (1) عندهم، بل ظل مفتوحا طيلة القرون الماضية إلى يومنا هذا، فأنتج عبر العصور فقهاء عظاما، وموسوعات كبيرة لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلا، والمقام لا يتسع لبسط الكلام عن الفقه الجعفري كما أن مفهوم الاجتهاد عند الشيعة غير ما هو عند السنة، فليراجع معالم المدرستين ج 2.

    إلا أن هنالك بعض الاختلافات بين الفقه الجعفري وفقه أهل السنة والجماعة حاول البعض أن يتخذها ذريعة ليرمي التشيع بكل فرية وتشويه، وأنا لست بصدد بيان كل مواقع الاختلاف، ولكني سأختار بعض المفردات عند الفقه الشيعي يثير حولها الجاهلون شبهات لاتهام الشيعة، سأطرحها لأبين رأي الدين فيها ثم أترك للقارئ الحكم.

    وقبل ذلك أقول أن الاختلاف ليس في الفروع فقط، بل هنالك خلافات جوهرية في الأصول العقائدية.. فالحديث عن التوحيد يطول، يلتقي فيه أهل السنة مع الشيعة ويفترقون، فالله سبحانه وتعالى في كتب أهل السنة والجماعة والتي بلورها الوهابيون في كتبهم يمشي ويتحرك من مكان إلى آخر وينزل ويصعد ويضحك وله يدان وقدمان وساق... الخ حتى أبتعد الناس عن ربهم.

    أذكر هنا أن أحد الشباب الذين خدعوا بالوهابية جرى حوار بينه وبين أحد الإخوة وكان محور حديثهما التوحيد وكان هذا الوهابي مصرا على أن لله مكانا وحيزا يوجد في العرش فوق السماوات، فقال له الأخ: يعني إذا اخترعت صاروخا يسير أسرع من الضوء واتجهت به إلى السماء هل بإمكاني الوصول إلى مكان الله ووجوده هناك؟

    ____________

    (1) - المكلف إما مجتهد يستنبط الأحكام الشرعية أو محتاط أو مقلد لمرجع مجتهد جامع للشرائط المذكورة في كتب الفقه.


    الصفحة 215
    قال: نعم!.. فضحك الأخ وقرر الصمت.

    هذا حال التوحيد الذي من أجله بعث الأنبياء عند القوم، أما الشيعة فإن أئمتهم لم يتركوا لهم مجالا ليشطوا عن الحق والمعرفة الصحيحة كما فعل غيرهم، وإنما تركوا لهم كنوزا من المعارف الإلهية نزل بها الوحي على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفي من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن علي بن أبي طالب (ع) يقول في إحدى تلك الخطب مبينا حقيقة التوحيد:

    " الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته، ووتد الصخور ميدان أرضه.

    أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال (فيم) فقد ضمنه ومن قال (علام) فقد أخلى منه كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم... الخ " (1).

    وهنالك الكثير من المفارقات بين المدرستين تحتاج إلى مجلدات لاستقصائها وعلى الجميع أن يبحث ليلقى الله على حجة وسأذكر بعض المفردات الفقهية الخلافية لنرى مع من الحق.

  • التقية:

    ما أكثر ما شنع خصوم الشيعة عليهم في التقية التي غاب معناها عن أذهانهم ورسموا لها معاني من مخيلتهم الخربة فصاروا يتهمون بها الشيعة والتشيع، وعندما

    ____________

    (1) - نهج البلاغة الخطبة الأولى..


    الصفحة 216
    أوضح هنا معنى التقية وشرعيتها لا أنتصر للشيعة ومعتقداتهم بقدر ما أنصر القرآن ومفاهيمه التي تمسك بها الشيعة فكان صحة ما يعتقدون به فرعا لأصل صحة القرآن الذي غابت بصائره عن العقول النجدية فتاهت حتى أنها تكاد لا تفقه الفرق بين الطهارة والنجاسة.

    البعض يردد أقوال الآخرين دون تمحيص ومعرفة غافلين عن خطورة استهزائهم بما لا يعلمون فيستهزئون من حيث لا يشعرون بالحق والقرآن وذلك ستكون عاقبته وخيمة، وما أكثر ما سمعت " أن الشيعة منافقون لأنهم يعتقدون بالتقية وهي تعني النفاق وإظهار خلاف الباطن " ضاربين بذلك الآيات القرآنية وسيرة الأنبياء عرض الحائط.

    وقبل استعراض أدلة شرعية التقية من القرآن والسنة كما جاء في كتب أهل السنة والجماعة، والتي أرى أن الشيعة أعلم بها من أهلها، نتحدث عن معنى التقية وظروفها.

    إن الشيعة ومنذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عاشوا في اضطهاد وتشريد وتقتيل من قبل السلطات الجائرة التي تعاقبت، وبعد واقعة كربلاء أصبح الشيعة وحدهم المناوئين للحكام والمتصدين لهموم الأمة باعتبار أن أئمتهم هم الحافظون للشريعة، لذلك كرست الحكومات كل جهودها لضربهم.

    لهذا السبب ولغيره عرف الشيعة بالتقية دون غيرهم من الفرق الإسلامية التي كان علماؤها ومن ورائهم العامة يؤيدون كل سلطان عادل أو جائر، بينما يصور لنا الإمام الباقر (ع) حال الشيعة آنذاك يقول: " وكان من أعظم ذلك وأكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (ع) فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة وكل من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (ع) ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق وكافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي ".


    الصفحة 217
    هذا هو الحال باختصار وعند عرضنا للأدلة سيتبين بإذن الله تعالى أن التقية حاجة فطرية وكلنا نستخدمها في حياتنا العملية خصوصا أولئك الذين يواجهون الطواغيت في كل مكان، يعلمون بأهميتها في مسيرتهم الجهادية.

    والتقية في اللغة معناها الحذر، قال ابن منظور في لسان العرب توقيت واتقيت، أتقيه تقى وتقية وتقاء: يعني حذرته.

    أما التقية شرعا كما عرفها الشيخ الأنصاري من - كبار علماء الشيعة المتقدمين - في كتابه المكاسب (التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق).

    وشرعية التقية تؤخذ من الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع وستجد أن العقل يؤيد مشروعيتها.

  • أما من الكتاب العزيز:

    قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) آل عمران / 28).

    وواضح من قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة) شرعية التقية وأن المؤمن إذا خاف من الكفار يجوز له مداراتهم تقية منه ودفاعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك.

    يقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية:

    (المسألة الرابعة) اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها:

    " الحكم الأول " إن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، ويخاف على نفسه وماله فيداريهم بلسانه وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقول، فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.


    الصفحة 218
    " الحكم الثاني " هو أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل.

    " الحكم الثالث " إنها إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة، وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين، فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز.

    " الحكم الرابع " ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين، إلا أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة عن النفس.

    " الحكم الخامس " التقية جائزة لصون النفس. وهل هي جائزة لصون المال؟

    يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " من قتل دون ماله فهو شهيد " ولأن الحاجة إلى المال شديدة، والماء إذا بيع بألفين سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار على التيمم دفعا لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز ههنا والله أعلم.

    " الحكم السادس " قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتا في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين، فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا، وروي عن عوف بن الحسن أنه قال:

    التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان (1).

    يتضح من كلام الرازي دلالة الآية على شرعية التقية، ويذكر ذات المعنى ابن كثير في تفسيره (2).

    ** ويقول الله سبحانه وتعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (سورة

    ____________

    (1) - التفسير الكبير للفخر الرازي ج 8 / 13.

    (2) - تفسير القرآن العظيم ج 1 / 308.


    الصفحة 219
    النحل / 106).

    والتي نزلت في عمار بن ياسر، وكلنا يعرف قصة تعذيب كفار قريش له حتى قال ما طلبوه منه من تمجيد آلهتهم وغير ذلك، إلا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بشره وأبويه بالجنة وقال له إذا عادوا فعد بمثل ما قلت، ولا أعتقد أن هنالك أوضح من ذلك لفهم التقية والتي مارسها مؤمن آل فرعون كما جاء في القرآن (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) (سورة غافر: آية / 28).

  • أما من السنة:

    فقد أورد الرازي نقلا عن البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم "، كما نقل - الرازي - أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال:

    نعم نعم نعم، فقال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة ومحمد رسول قريش فتركه ودعا الآخر فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: إني أصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه " (1).

    كل ذلك يدلل على مشروعية التقية وأنها حكم عام يشمل كل إنسان، وبضم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " يكتمل المطلب.

    والتقية كحكم لها ضوابطها وحدودها والشيعة فيما يرتبط بفروع دينهم لا يحتاجون لغيرهم للأخذ منهم ولقد جئنا بالأدلة حتى لا يطلق البسطاء تهمهم بجهل.

    ____________

    (1) - تفسير الرازي ج 8 / 12.


    الصفحة 220
    وإليك روايات عن طريق أهل البيت (ع) وهم الحجة على شيعتهم لا غيرهم:

  • - عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: اتقوا على دينكم فاصحبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له إنما أنتم من الناس كالنحل في الطير لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شئ إلا أكلته ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبوننا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنجلوكم في السر والعلانية رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا.

  • - عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع): التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به.

  • - وعنه أيضا: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية.

  • - وقال الإمام الصادق (ع): " من لا تقية له لا دين له ".

    وهذا قليل من كثير ورد عن طريق أهل البيت (ع) وعرفنا أصله في القرآن، والعقل يذعن بذلك إذ أنه من البداهة أن التوقي والحذر مطلوبان في كل الأحوال، ولا تكون التقية بذلك نفاقا كما حاول البعض أن يعرفها وكيف يأمرنا الله بالنفاق.

    كما أنها لا تجعل من الدين وأحكامه سرا من الأسرار كما ذهب إليه بعض المستشرقين وأذيالهم، فكيف تكون السرية عند الشيعة، وهذه كتبهم ليس دونها حاجز أو حجاب، فليبحث الجميع وليفتش. هذه النجف أمامكم وتلك قم فارحلوا إليها وانزلوا على مكاتبها فلن تجدوا دونكم سترا أو ممانعة، أي الكتب أحببت فهي تحت يدك وفي متناولها وفيها أمهات الكتب ومصادر الأحكام لم تبق مسألة إلا وفصلت ولم تطرح قضية إلا وحلت وعلماؤهم شهرتهم عمت أرجاء المعمورة.

    وفي الخاتمة أورد قصة لأحد الأصدقاء المهتدين، التف حوله عدد من الشباب يحاولون إجباره على أن يعترف بأن التقية نفاق فقال لهم: عرفوا لي النفاق. قالوا: هو إضمار الكفر وإظهار الإيمان، قال لهم: أما التقية فهي إظهار الكفر وإضمار الإيمان كما جاء في القرآن فهل لديكم دليل بحرمة ذلك؟ فسكتوا. وقد قال الإمام علي (ع)

    الصفحة 221
    " لو سكت الجاهل ما اختلف حول الحق اثنان " (*).

  • الوضوء:

    إن الوضوء واجب، وبنقصانه بلا سبب تكون الصلاة باطلة، هذا ما اتفق عليه المسلمون، إلا أن هنالك اختلافا في كيفيته والتي بلا شك يتوقف عليها صحة صلاة الجميع، والشيعة تبعا لأئمتهم يعتقدون بصحة الوضوء الذي يتعبدون به ووضوء غيرهم غير تام ولا تصح به الصلاة ولهم أدلتهم على ذلك من القرآن والسنة.

    وبالرغم من أن هذه المسائل التي ذكرناها فرعية تتبع الأصل إلا أن بعض الكتاب والمرتزقة والمأجورين أبوا إلا أن يدخلوا الناس في مباحث فرعية لإلهائهم الناس عن الالتفات إلى الاختلاف في المنبع والذي يؤدي إلى الاختلاف في طعم الماء بسبب ذلك إلا أن علماء الشيعة لم يتوانوا في إثبات حتى فروع دينهم من كتب العامة. هنا تكمن قوة الحجة.

    هناك اختلاف بين مدرسة أهل السنة والجماعة ومدرسة أهل البيت (ع) حول حكم الأرجل في الوضوء بالإضافة إلى كيفية غسل الأيدي.

    أما الأخيرة فإن الشيعة يرون أن الغسل في اليدين يبتدئ بالمرفقين وينتهي بأطراف الأصابع ولا يسوغ الابتداء بأطراف الأصابع والانتهاء بالمرفقين، ولو فعل المتوضئ ذلك بطل وضوؤه وقد أخذوا ذلك من الممارسة العملية لوضوء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بينه الأئمة (ع) فيما ورد عنهم:

  • سئل الإمام الباقر (ع) عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا بطشت أو بتور فيه ماء فغسل كفيه، ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بها واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه، ثم غمس كفه اليسرى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفقين ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى

    ____________

    (*) - فليراجع كتاب إسلامنا في التوفيق بين الشيعة والسنة - التشيع - لعبد الله الغريفي.

    الصفحة 222
    الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع باليمنى ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء " (1).

    ومن خلال آية الوضوء نستطيع أن نتعرف على الكيفية ثم نرى ما هو حكم الأرجل ونأتي بالأدلة من الطريقين. يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (سورة المائدة: آية / 6).

    قد يقال بأن دلالة الآية صريحة في بيان كيفية الوضوء ووجوب غسل اليدين بدءا بالأصابع وإنهاء بالمرفقين، ولكن بقليل من التأمل نقول أن اليد مشتركة بين الأصابع إلى الزند إلى المرفق وإلى الكتف، فإذا قيل اغسلوا أيديكم يكون مجملا ومبهما يحتاج إلى مفسر يعين حد المغسول به فجاءت إلى المرافق و (إلى) هنا لبيان حد المغسول به لا لبيان كيفية الغسل والآية ناظرة إلى ما هو متفاهم عرفا إذ أنه إذا قيل لشخص اغسل هذا البيت أو ضع عليه طلاء إلى السقف فهل يبدأ من تحت إلى أعلى أم العكس؟ ولعل فتاوى الأئمة الأربعة بالجواز لا بالوجوب في الابتداء بالأصابع يؤكد هذا المعنى ولو كانت (إلى) جاءت لبيان كيفية الغسل لوجب على الأئمة الأربعة أن يفتوا بوجوب ذلك.

    ولفظ (إلى) يستخدم أحيانا بمعنى " مع " كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم).

    والشيعة اتبعوا بالإضافة إلى النص من هم أعرف بالقرآن من غيرهم.

  • حكم الأرجل:

    أما حكم الأرجل فهو أوضح من مسألة كيفية غسل اليدين ومن خلال نفس الآية وهو وجوب المسح، ولا معنى للقول بالغسل وهو مخالف للآية الكريمة بالإضافة إلى السيرة العملية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيما يلي بيان ذلك.

    ____________

    (1) - وسائل الشيعة ج 1 / 275.

    الصفحة 223

  • في قوله تعالى (وأرجلكم) وردت قراءتان مشهورتان: -

    القراءة الأولى: (وأرجلكم) بالجر وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم (في رواية أبي بكر عنه) كما ذكر ذلك الرازي في تفسيره (1) وبناء على هذه القراءة فالأرجل معطوفة على الرؤوس فوجب مسحهما كما وجب ذلك في الرؤوس، يقول الرازي:

    اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح، وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل. أما القراءة الثانية وهي قراءة " وأرجلكم " بالنصب وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه كما ذكر ذلك الرازي، وبناء على هذه القراءة يكون حكم الأرجل المسح أيضا، لأنها معطوفة على الرؤوس المنصوبة محلا المجرورة لفظا فقوله تعالى (برؤوسكم) لها حالتان:

    - النصب محلا لأنها مفعول به.

    - الجر لفظا لأنها مسبوقة بحرف الجر.

    فالأرجل المعطوفة على الرؤوس يجوز فيها حالتان.

    - النصب عطفا على المحل.

    الجر عطفا على اللفظ. والعطف على المحل وارد في لغة العرب فيقال " ليس فلان بعالم ولا عاملا " بنصب عامل عطفا لها على محل عالم.

  • كما أنه لا يصح عطف الأرجل على الوجوه والأيدي، حيث لا يجوز العطف على الأبعد مع إمكان العطف على الأقرب، وكذلك لوجود الفاصل الأجنبي،

    ____________

    (1) - تفسير الرازي ج 11 / 161.

    الصفحة 224
    فلا يصح أن يقال (ضربت زيدا ومررت ببكر وخالدا) بعطف خالد على زيد لوجود الفاصل وهو " مررت ببكر " كذلك في آية الوضوء لا يصح عطف (أرجلكم) على (وجوهكم وأيديكم) لإمكان العطف على الأقرب وهو (رؤوسكم) ولوجود الفاصل الأجنبي وهو جملة (وامسحوا برؤوسكم).

  • أخبار من مصادر سنية توضح وجوب المسح دون الغسل:

    1 - في مسند الإمام أحمد عن علي قال " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح ظاهرهما " (1).

    2 - أخرج الحاكم في المستدرك بسنده إلى رفاعة بن رافع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إنها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين " (2)، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه بخمسة أسانيد صحيحة.

    3 - أخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي مال الأشعري أنه قال لقومه اجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فلما اجتمعوا قال: هل فيكم أحد غيركم قالوا: إلا ابن أخت لنا، قال: ابن أخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماء فتوضأ وتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثة وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه وظهر قدميه ثم صلى بهم " (3).

    4 - أخرج ابن ماجة في سننه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " لا تتم الصلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين

    ____________

    (1) - مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 95.

    (2) - المستدرك ج 1 / 242.

    (3) - مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 342.

    الصفحة 225
    ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين " (1).

    5 - وأخرج أيضا عن الربيع قالت: أتاني ابن عباس عن هذا الحديث تعني حديثها الذي ذكرت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توضأ وغسل رجليه فقال ابن عباس: " إن الناس أبوا إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح " (2).

    هذا هو حكم الأرجل في الوضوء " المسح "، وقد قال ابن عباس للذين يقولون بالغسل: ألا تتدبرون القرآن لقد أبدل الله تعالى الغسل مسحا في التيمم وأسقط المسح في آية التيمم فما لكم لا تفقهون؟!...

    يقول تعالى في نفس آية الوضوء من سورة المائدة (وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (سورة المائدة:

    آية / 6) فتأمل..

  • الجمع بين الصلاتين:

    هو الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ويسمى عند الفقهاء بالظهرين، والمغرب والعشاء ويسمى بالعشائين بالإضافة إلى صلاة الصبح.

    والأدلة على ذلك كثيرة ومتواترة من القرآن الكريم وعن طريق المدرستين.

    يقول الله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (سورة الإسراء: آية / 78).

    - الدلوك: معناها الزوال.

    - الغسق: فيه قولان:

    أ - أول ظلمة الليل.

    ____________

    (1) - سنن ابن ماجة ج 1 / 156.

    (2) - سنن ابن ماجة ج 1 / 156.

    الصفحة 226
    ب - شدة الظلمة في نصف الليل.

    - قرآن الفجر: صلاة الفجر.

    وبناء على تفسير الغسق بأول الليل يكون النص قد حدد ثلاث أوقات للصلاة:

    الوقت الأول: الزوال وهو بداية الوقت للظهر والعصر معا.

    الوقت الثاني: أول الليل وهو بداية الوقت للمغرب والعشاء معا.

    الوقت الثالث: الفجر وهو الوقت الخاص بالصبح.

    وبناء على تفسير الغسق بنصف الليل يكون النص دالا على جواز الجمع فوقت الفرائض الأربع: الظهر والعصر والمغرب والعشاء ممتد من الزوال إلى نصف الليل فالظهر والعصر يشتركان في الوقت من الزوال إلى الغروب إلا أن الظهر قبل العصر، ويشترك المغرب والعشاء في الوقت من الغروب إلى نصف الليل غير أن المغرب قبل العشاء، أما فريضة الصبح فقد اختصها الله بوقتها المنوه به في قوله تعالى (وقرآن الفجر) (1).

    يقول الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية " يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات:

    وقت الزوال ووقت أول المغرب ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا ".

    إلا أن الرازي يعقب قائلا " إلا أنه دل الدليل على أن الجمع جائز بعذر السفر وعذر المطر وغيره " 2).

    ونحن نرد عليه قوله الأخير للأدلة التي تواترت عن طريق أهل السنة والجماعة والتي أكدت على جواز الجمع مطلقا في الحضر ودون عذر، وأهل البيت (ع) قالوا أيضا بذلك وأهل البيت أدرى بما فيه.

    ____________

    (1) - التشيع - السيد عبد الله الغريفي.

    (2) - تفسير الفخري الرازي ج 21 / 27.