واقعة الحرة

على أثر الأخبار التي وردت إلى المدينة المنوّرة ، والتي تتحدّث عن استهانة يزيد بالإسلام والمسلمين ، ذهب وفد من أهل المدينة برئاسة عبد الله بن حنظلة الأنصاري ـ كان شريفاً فاضلاً عابداً ، مثل أبيه الصحابي الجليل غسيل الملائكة ـ إلى مقر الخلافة في الشام ، وقابلوا يزيد واطلعوا على أعماله ، ورأوا بأعينهم ما يقوم به من تهتُك وانتهاك لحرمة الإسلام .

عاد الوفد إلى المدينة المنوّرة ، ونقلوا لأهلها ما شهدوه في الشام ، وأخذوا يحثّون الناس على الثورة والتمرّد ، فوقف رئيسهم عبد الله بن حنظلة أمام أهل المدينة وخاطبهم : والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح أمّهات الأولاد ، والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة .

اجتمع الثوّار وقرّروا محاصرة والي المدينة الأموي ، وكذلك دور آل أمية الذين استنجدوا بالإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، ووضعوا نساءهم وأطفالهم في بيته لحمايتهم من الأذى ، ففتح الإمام لهم بيته وآواهم .

وصلت أخبار الثورة إلى مسامع يزيد ، فأرسل قائداً اسمه : مسلم بن عقبة لإخماد الثورة ، وأوصاه بما يأتي : ادعُ القوم ثلاثاً ، فإن أجابوك وإلاّ فقاتلهم ، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ـ أي مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ـ ثلاثاً ، فما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند .

وصل الجيش إلى المدينة المنوّرة في الثالث عشر من المحرم سنة 63 هـ ، وكان ذلك بعد استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بسنتين .

ودار قتال عنيف بين الثوّار المدافعين عن الإسلام ، وبين الجيش الأموي ، استشهد خلاله أغلب المدافعين ، بمن فيهم القائد عبد الله بن حنظلة ، وطبقاً لأوامر يزيد أمر مسلم بن عقبة جنوده باستباحة المدينة المنوّرة ، فهجموا على بيوت الناس الآمنين ، وقاموا بقتل الأطفال والنساء والشيوخ ، وأسروا آخرين .

وروى المؤرّخون في الفضائح التي قام بها جيش مسلم بن عقبة الشيء الكثير ، منها : أنّ جنوده وقعوا على النساء ، حتّى قيل أنّه حملت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج شرعي .

وكان عدد مَن قُتل من المهاجرين والأنصار سبعمائة من الوجهاء ، ومن غيرهم عشرة آلاف .

وحدث مرّة أن دخلت مجموعة من الجيش الشامي أحد البيوت ، فلمّا لم يجدوا فيه إلاّ امرأة وطفلاً ، سألوها إن كان في البيت شيء ينهبونه ، فقالت : إنّه ليس لديها مال ، فأخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه ، بعد أن انتثر دماغه من أثر الضرب بالحائط .

ثمّ نُصب كرسي لمسلم بن عقبة ، وأتوا بالأسرى ، فكان يطلب إلى كل واحد منهم أن يبايع ويقول : إنّني عبد مملوك ليزيد بن معاوية ، يتحكّم فيّ وفي مالي وفي أهلي ما يشاء ، وكل مَن امتنع ولم يبايع بالعبودية ليزيد ، وأصرّ على القول أنّه عبد الله تعالى قام بقتله ؛ إلاّ أنّه احترم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، عندما جيء به إليه ، بناءً على وصية كان قد أوصاه بها يزيد بن معاوية الذي يبدو أنّه لم يرد أن يجدّد الوقائع الأليمة ، التي ظلت في أذهان المسلمين عمّا أوقعه بآل البيت ( عليهم السلام ) في كربلاء من القتل والأسر .

خرج جيش مسلم بن عقبة من المدينة المنوّرة محمّل بالغنائم ، بعد أن اعتدى على أعراض النساء ، متّجهاً نحو مكّة ، ضارباً عرض الجدار وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمدينته الحبيبة ، حيث قال : ( مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .

العودة