مناظرة السيد علي البطحائي مع الشيخ سيف في حكم تقبيل ضريح النبي (ص) عنده

قال رئيس هيئة الاَمرين بالمعروف الشيخ سيف إمام مسجد الغمامة بالمدينة: لاَي علة تقبّلون شبابيك الحديد في حرم الرسول صلى الله عليه وآله ، والتقبيل شرك ؟
قلت: لاَي علة تقبّلون أنتم الحجر الاَسود وجميع الشيعة وأهل السنة كلهم يقبّلون الحجر الاَسود ؟ لاَي علة تقبلون جلد القرآن ، وأنت ألا تقبل ولدك ؟ ألا تقبّل زوجتك ؟ فأنت إذن مشرك ، وفي كل ليلة وكل ويوم يُشرك الاِنسان مائة مرة.
قال رئيس الهيئة: الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله مات ، والميت لا يضر ولا ينفع ، فأي شيءٍ تريدون من قبر الرسول ؟
قلت: الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله ما مات ، لاَن القرآن يقول: ( ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون )(1)والروايات الواردة في أن حرمته ميتاً كحرمته حياً كثيرة.
قال: هذه الحياة غير الحياة التي نحن فيها.
قلت: أي حياة تقولون بها ، نحن نقول بها ، وأنت إذا مات أبوك ألا تذهب إلى قبره وتطلب المغفرة له ؟
قال: نعم.
قلت: يا شيخ ، إنا ما رأينا الرسول صلى الله عليه وآله في زمن حياته ، والساعة نجيء لزيارة قبره الشريف ونتبرك به.
قال: لاَي علة تصيحون عند القبور ، والصياح عند القبور حرام ؟
قلت: الصياح عند القبور ليس بحرام ، بالاَخص عند قبر الرسول الاَعظم والاَئمة المعصومين ، لاَن الرسول صلى الله عليه وآله وفاطمة الزهراء عليها السلام صاحا على حمزة سيد الشهداء عليه السلام .
قال: الخليفة الثاني عمر نهى عن الصياح عند القبور.
قلت: لا نعتني بقول عمر بعد فعل الرسول صلى الله عليه وآله ، وفاطمة الزهراء عليها السلام عند قبر حمزة عليه السلام .
قال الشيخ رئيس الهيئة: لاَي علة تصلون للنبي صلى الله عليه وآله صلاة الزيارة ، والصلاة لغير الله شرك ؟
قلت: إنا لا ن صلي للنبي صلى الله عليه وآله بل نصلي لله ، ونهدي ثوابها إلى روح الرسول صلى الله عليه وآله.
قال: الصلاة عند القبور شرك ؟
قلت: فعليه ، الصلاة في المسجد الحرام أيضاً شرك ، لاَن في حجر إسماعيل قبر هاجر وقبر إسماعيل وقبور بعض الاَنبياء على ما نقله الفريقان(2) فعلى ما قلت تكون الصلاة في حجر إسماعيل شركاً ، والحال أن أرباب جميع المذاهب ، الحنفي والحنبلي والمالكي والشافعي وغيرهم يصلون في حجر إسماعيل(3) ، فلا تكون الصلاة عند القبور شركاً.
سألت رئيس الهيئة عن الاَسماء المكتوبة على جدران مسجد الرسول: أبو بكر وعمر ، وطلحة ، والزبير وعلي بن أبي طالب عليه السلام .. إلى آخر العشرة الذين تقولون بأن الرسول صلى الله عليه وآله بشرهم بأنهم من أهل الجنة ، وتسمونهم بالعشرة المبشرة بالجنة(4)‌ (2).. كيف يُحارب رجلٌ من أهل الجنة مع رجل من أهل الجنة ؟ أما حارب طلحة والزبير بزعامة عائشة في الجمل بالبصرة علي بن أبي طالب عليه السلام إمام المسلمين الذي بايعه أهل الحل والعقد ، مع أنكم تقولون بأن الرسول صلى الله عليه وآله بشّر علي بن أبي طالب عليه السلام بأنه من أهل الجنة(5)وطلحة والزبير بشرهما بأنهما من أهل الجنة ، مع أن القرآن يقول: ( ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها )(6) ؟ فحديث العشرة المبشرة مخالف للقرآن ، فاللازم ضربه على الجدار ، لأن القرآن يقول بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله : ( ولو تقوّل علينا بعض الاَقاويل لاَخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )(7)، فحديث العشرة المبشرة كذب محض ، ويكون الحق إما مع علي ابن أبي طالب عليه السلام ، وإما مع طلحة والزبير ، وعلى رأسهم عائشة اُم المؤمنين ، وكل المسلمين يعترفون بأن الحق مع علي عليه السلام لاَنه إمام المسلمين بإجماع أهل الحل والعقد .
لكن الشيخ رئيس الهيئة قال: بأن الجماعة المذكورة يعني علي ابن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير وعائشة كلهم مجتهدون.
قلت: الاِجتهاد على خلاف القرآن لا يجوز ، فاقرؤا أيها القرّاء الكرام واحكموا بما هو مفاد العقل والوجدان السليم.(8)
____________
(1) سورة آل عمران : الآية 169 .
(2) حِجْرُ إسماعيل وهو : الناحية التي بين جدار الكعبة الشمالي وبين البناء المستدير على شكل نصف دائرة ، ويسمى بالحطيم أيضاً ، وفيه قبور جملة من الاَنبياء كقبر إسماعيل عليه السلام ، وفيه أيضاً قبر أمه هاجر ، وقيل : إنّ إسماعيل دفن أمه فيه فكره أن توطأ فحجر عليه حجراً ، وفيه أيضاً موضع شبير وشبر أبني هارون عليه السلام ، وروي عن الاِمام الباقر عليه السلام : ان ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الاَنبياء ، وروي عن الاِمام الصادق عليه السلام : دفن ما بين الركن اليماني والحجر الاَسود سبعون نبياً ... وفي أخبار مكة : عن عبدالله بن حمزة السلولي قال : ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم إلى الحجر ، قبر تسعة وتسعين نبياً جاؤا حجاجاً فقبروا هنالك... راجع : بحار الاَنوار : ج 12 ص 113 ح 40 وص 117 ح 55 ، سفينة البحار : ج2 ص 398 ، أخبار مكة للاَزرقي : ج 1 ص 68 وج 2 ص 134 ، معجم البلدان : ج2 ص221.
(3) وقد جاء في أخبار مكة للاَزرقي : ج 1 ص 312 عن عائشة قالت : ما أبالي صليت في الحجر أو في الكعبة . كما أورد حديثاً عن أسماء بنت أبي بكر ـ في ص 316 ـ عن جلوس النبي صلى الله عليه وآله في الحجر .
(4) تقدمت تخريجاته .
(5) كما جاء أيضاً في كنز العمال : ج 13 ص 110 ح 36360 ، عن النبي صلى الله عليه وآله : يا علي أنت في الجنة ، وفي حديث آخر عنه أيضاً في ج 9 ص 170 ح 25555 ، قال له صلى الله عليه وآله : وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ... الخ .
(6) سورة النساء : الآية 93 .
(7) سورة الحاقة : الآية 45 .
(8) مناظرات في الحرمين الشريفين للبطحائي : ص 8 ـ 11 .

العودة