مناظرة الصاحب بن عباد (1)وفي مناقب أمير المؤمنين عليهم السلام

1 قالت : أبا القاسم استَخْفَفْتَ بالغــــَزَل *** ِفقلتُ : ما ذاك من همِّي ولا شغلـي
2 قالت : أُريد اعتــذاراً منكَ تظهـــرُهُ *** فقلتُ : عذراً وما أخشى مـن العَذَلِ
3 قالت : أُلِحُّ على تكريـــرمسألتـــي*** فقلتُ : ما أنا عن رأيي بذي حـوَلِ
4 قالــت : أُريد رشـاداً منكَ أتبعُـــهُ *** فقلتُ : سمعاً فانَّ الرشدَ مــن قبلي
5 قالـــت : أبِنْهُ فانـي جدُّ سامعـــة *** فقلتُ : كيف اجتماعُ الشيـب‌ والغزل
6 قالت : وكيف اقتضاك الشيبُ تركَ هوىً *** فقلتُ : فــي‌الشيب إدناءٌ من الاَجَلِ
7 قالت : فما اختـــرت‌من دينٍ تفوزُ بهِ *** فقلت : إنـــي شيعيٌّ ومعتزلي
(2)
8 قالت : أقلَّدت أم قـــد دنت عن‌نظـرٍ *** فقلت : كلاّ فإنـــي واحـدُ الجدَلِ
9 قالت : فكيف عرفتَ الحقَّ هات بـــه *** فقلت : بالفكر فـي‌الاَقــوالِ والعِلَل
10 قالت : فهل هذه الاَجســام محدثــةٌ *** فقلت : جدّاً وإنْ رمتِ الدليلَ سلــي
11 قالت : أُريدُ دليلاً فيـــه مختصـراً *** فقلت : أنْ ليس فيهـــا غيرُ مُنْتَقلِ

(في صفات الباري عزّ وجلّ)

12 قالت : فهل صانعٌ تدعو إليــه أجِبْ *** فقلت : لا بدّ قـولاً غيـــرَ ذي مَيَل
13 قالت : فهـــل من دليلٍ فيه تذكرهُ *** فقلت : بيتٌ بلا بــانٍ مـن الخَطـَل
14 قالت : فهــل هو ذو شِبْهٍ وذو مثلٍ *** فقلت : قد جلّ عن‌شبــه وعـن مَثَل
15 قالت : أبِنْ لـي ‌أجسمٌ ذاك أم عَرَضٌ *** فقلت : بل خــالقُ الجِنسَين فانتقلـي
16 قالت : وما ضرَّ لــو اثبتَّهُ جسـداً *** فقلت : لا توجدُ الاَجسام فــي الاَزل
17 قالت : فقلْ لي أبالاَبصارنـــدركُهُ *** فقلت : جَلَّ عـن‌الاِدراكِ بالـــمُقلِ
18 قالت : ولِمْ ذا وهـل شــيءٌ يغيِّبُهُ *** فقلت : ما هــو محجوبٌ فيظهرُ لي
19 قالت : لعلَّ حجاباً عنــك‌يستُــرُهُ *** فقلت : أخبرتِ عن شخصٍ وعن طَلَل
20 قالت : فما القولُ في القـرآن سُقْهُ لنا*** فقلت : ذاك كـــلامُ الله أينَ تُلــي
21 قالت : فأينَ دليلُ الخَلْقِ فيـه أبــِنْ *** فقلت : تركيبُهُ مـــن أحرفِ الجُمَلِ
22 قالت : فــأعمالُنا منْ ذا يكوِّنُهــا *** فقلت : نحنُ مقالاً صِيْنَ عـــن خَلَل
23 قالت : ولِمْ‌لا‌ يكــونُ الله ُ‌خالقَهــا *** فقلت : لـــو كُنَّ خلْقاً لم يكنْ عملي
24 قالت : أيُلــزم نفساً فوق طاقتِهــا *** فقلت : حاشاه هذافعــــلُ ذي خَبَل
25 قالت : يشاءُ معاصينــا ويؤثِرهُــا *** فقلت : لو شاءها لــم نَخْشَ من زَلَل

(في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام )

26 قالت : فمــن صاحبُ الدين الحنيف أجبْ *** فقلت : أحمدُ خيــرُ الســـادةالرُّسُل
27 قالت : فهــل معجزٌ وافى الرسولُ بــه *** فقلت : القرآنُ وقد أعيــاعلـى الاَوَلِ
28 قالت : فَمَنْ بعده يُصفـْى الــولاء لــه *** فقلت : الوصيُّ الذي أربــىعلى زحل
29 قالت : فهل أحَدٌ فـي الفضــلِ يقــدمُهُ *** فقلت : هل هضبةٌ تـرقى علــى جبل
30 قالت : فَمــَـنْ‌أوَّلُ الاَقــوام صــدقَهُ *** فقلت : مَنْ لم يصِرْ يومـاً إلى هُبَــلِ
31 قالت : فمــن بـات‌من فوق الفراش فدىَ *** فقلت : أثْبَتُ خلــق الله في الوَهــَلِ
32 قالت : فمــن ذا الذي أخــاه عـن مِقَةٍ *** فقلت : مَنْ حاز ردَّ الشمس فـي الطَّفَلِ
33 قالت : فمـن زوُجَ الزهــراءَ فاطمــةً *** فقلت : أفضلُ من حــافٍ ومُنْتَعــلِ
34 قالت : فمــن والــدُ الـسبطَيْنِ إذ فَرَعا *** فقلت : سابق أهــل‌السَّبــق في مَهَل
35 قالت : فمـن فاز فــي بــدرٍ بمفخرها *** فقلت : أضـْرَبُ خلــق الله للـقُلَـلِ
36 قالت : فمــن ســاد يوم الرَّوْع في أُحُدٍ*** فقلت : مَنْ هالهم بأسـاًولــم يُهَــلِ
37 قالت : فمن فــارسُ الاَحــزاب يفرسُها *** فقلت : قاتل عمرو الضيغمِ ‌البـــَطَل
38 قالت : فخيبـــرُ مــن ذا هدَّ مــعقلها *** فقلت : سائق أهل الكفـرفـــي عُقُل
39 قالت : فيــوم حنينٍ مَنْ بــرى وفـَرى *** فقلت : حاصدُ أهل الشـرك‌فـي عَجَل
40 قالت : فمن صاحبُ الرايــات يحملُهــا *** فقلت : مَنْ حِيطَ عن غشٍ ‌وعـن وغل
41 قالت : بـــراءةُمَنْ أدّى قــوارعَهــا *** فقلت : مَنْ صِينَ عن خَتلٍ وعن دغـل
42 قالت : فمن ذا دعــي للطيــر يأكلــهُ *** فقلت : أقـــربُ مرضــيٍ ومُنتحَل
43 قالت : فمـــن‌راكــعٌ زكّى بــخاتمه *** فقلت : أطعنُهم مُذْ كــان بـــالاَسَل
44 قالت : ففيمــن أتى في (هل أتى) شرفٌ *** فقلت : أبْــذَلُ خلـــــق‌الله للنَّفَل
45 قالت : فمــن‌تلـــوهُ يوم الكساء أجبْ *** فقلت : أنْجــَبُ‌مكســُوٍّ ومُشْتَمِــل
46 قالت : فمن بَاهَــل الطهــرُ النبيُّ بـه *** فقلت : تاليــه فــي حلٍّ ومـرتحل
47 قالت : فمن ذا قسيـمُ النــار يــسهِمُها *** فقلت : مَن رأيُهُ أذكى مــن‌الشُّعَــل
48 قالت : فمن شبــه‌هــارون لنعــرفه *** فقلت : مَن لم يَحُل يومـاً ولــم يَزُل
49 قالت : فمــن ذا غــدا باب المدينةِ قُلْ *** فقلت : مَن سألوه‌العلـــمَ لم يَســل
50 قالت : فمــن ســاد في يوم الغدير أبِن *** فقلت : مَن صــار للاِسلام خيرَ ولي
51 قالت : فمــن قاتــل الاَقـوامَ إذ نكثوا *** فقلت : تفسيرهُ فــي وقعــة الجملِ
52 قالت : فمن حارب الاَنجــاس إذ قسطوا *** فقلت : صفِّين تُبدي صـــفحةالعمَل
53 قالت : فمن قارع الاَرجـــاسَ إذ مرقوا *** فقلت : معناه يوم النهــروانِ جلــي
54 قالت : فمن صاحبُ الحوض الشريف غداً *** فقلت : مَن بيتُه في أشــرف الــحِلَلِ
55 قالت : فمن ذا لـواءُ الحمــد يحملــهُ *** فقلت : مَن لم يكن في الرَّوْع بالوَكل (3)
56 قالت : أكُلُّ الذي قــد قلتَ في رجــلٍ *** فقلت : كلُّ الذي قد قلت فـي رجــل
57 قالت : ومَن هو هذا المرء (4) سمِّ (5) لنا *** فقلت : ذاك أميــر المؤمنيــن علي
58 قالت : مـعاويــةالطــاغي أتلعنــهُ *** فقلت : لعنتُهُ أحلـى مــن العســل
59 قالت : تُكَفِّـرهُ فيمــا أتــى وعَتــا *** فقلت : أي وإلهِ الســهـل‌والجبــل
60 قالت : أهَلْ لك مــن نظــمٍ لِنَرْوِيَـه *** فقلت : إنَّ جوابي فــيه حــيَّ هلِ
61 قالت : فَأملِ على هذا الفتـى عَجــِلاً *** فقلت : هـذا ولــم ألْبَثْ ولــم أتُل
62 قالت : أمُبتَدِهاً فــي القــول مرتجلاً *** فقلت : ما قلتُ شعراً غيرمـــرتَجَل
63 قالت : أتيـتَ ابنَ عــبادٍ بمعجــزةٍ *** فقلت : لا تعجبي فالشعر مــن خولي
64 قالت : فهل منشــدٌ ترضىلينشــدها *** فقلت : ابنُ صالحٍ النحريرُ ينشد لي (3)

 

____________
(1) هو : أبو القاسم ، اسماعيل بن عباد بن العباس ، بن أحمد بن إدريس الملقب بالصاحب (الاِصفهاني) ولد سنة 326 هـ ، أحد أقطاب الاَدب العربي ، له منهج خاص في الاَدب ، واسلوبه المتميز في نثره وشعره ، وقد ترك أثراً كبيراً في دنيا العلم والادب في ذلك العصر الزاهر ، والذي حفظ إلينا بعض الشيء منه ، وسماه بالصاحب الاَمير أبو منصور بويه ركن الدولة لما صحبه إلى بغداد سنة 347 هـ ، وأنس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة ولما تولى الحكومة استدعى الصاحب من أصفهان وولاه الوزارة ، ودبرها برأي وثيق ، وقد نال من الهيبة والمقام السامي أيام وزارته ما لم ينل مثله أحد من أمثاله ، قرأ الصاحب على الكثير من علماء عصره واُدباءه وروى عنهم ، أمثال العميد ، وبن فارس ، والسيرافي ، وابن كامل وغيرهم ، وقد كانت له مكتبة حافلة بأنفس الكتب ، وقيل ان عنده من الكتب ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر ، فكانت من منابع ثقافته وأدبه . وقد أخذ من كل فن بالنصيب الوافر ، وما أوتيه من الفصاحة والاطلاع الواسع بالتفسير والحديث والكلام واللغة والنحو والعروض والنقد الاَدبي ، والتاريخ ، والطب ، وقد عدَّ له بعضهم سبعاً وثلاثين مؤلفاً وقد طبع منها اثني عشر كتاباً ، وقد أثنى عليه علماء السلف . قال عنه المجلسي : انه من أفقه فقهاء الشيعة ، وعده القاضي في مجالسه من وزراء الشيعة ، وعده ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وقال الرافعي : وكتبه ورسائله ومناظراته دالة على قدره ، وكان يناظر ويدرس ويصنف ويملى الحديث ، ومن اطلع على أدبه اذعن بولائه الصادق لاَهل البيت : والذي انعكس في شعره والذي لا يخلو أكثره ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ مما يرتبط بالنبوة والاِمامة وفضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم ، كما ضمنها أيضاً بعض مسائل التوحيد والعدل ـ انطلاقاً من واجبه الديني الذي يملي عليه ، كما هو شأن الموالي صادق العقيدة ، والذي يسخر كل طاقاته في الدفاع عنهم ، واظهار فضلهم ، وعدم الاكتراث بما يسمعه من جاحدي حقهم كابن عباد الذي يقول :
 

فـكـم دعـونـي رافضياً لحبكم *** فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
 

ولذا ضمن قصائده الحوادث والمناظرات والمحاورات التي تتضمن الاَخذ والرد في مجال العقيدة ، فجزى الله الصاحب بن عباد جزاء المحسنين الذي ما فتىء مدافعاً عن عقيدته الصادقة حياً وميتاً ، توفي عليه الرحمة عام 385 هـ ودفن في داره بالري ، ثمّ نقل إلى تربة له باصفهان .
 

راجع ترجمته في : ديوان الصاحب بن عباد : ص 6 ـ 18 ، الغدير للاَميني : ج 4 ص 42 ـ 81 ، أعيان الشيعة للاَمين : ج 3 ص 328 ، معجم الاَدباء : ج 6 ص 168 ، يتيمة الدهر : ج 3 ص 188 ، وفيات الاَعيان : ج 1 ص 228 لسان الميزان : ج 1 ص 413 ، البداية والنهاية : ج 11 ص 314 ، المنتظم : ج 14 ص 375 ترجمة رقم (2911) ، سير أعلام النبلاء : ج 16 ص 511 .
(2) لا مذهباً ، بل في بعض الآراء التي وافقوا فيها الاِمامية في بعض مسائل الاعتقاد والتي منها على سبيل المثال ، كمسألة عدم التجسيم ومسألة نفي الرؤية عنه تعالى ، ومسألة القبح والحسن العقليين ، ومسالة وجوب اللطف، وغيرها .
 

قال ابن حجر في لسان الميزان : ج 1 ص 416 في ترجمة الصاحب ـ : قال ابن أبي طي : كان إمامي الرأي ، وأخطأ من زعم انّه كان معتزلياً ، وقد قال عبد الجبار القاضي لما تقدّم للصلاة عليه : ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي ، وعن ابن أبي طي : أن الشيخ المفيد شهد بأن الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه ، ونسب إليه ، وليس هو له . وقال العلامة الاَميني في الغدير : ج 4 ص 62 : وهناك نقول متهافتة يبطل بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارة ، وتمذهبه بالشافعية اُخرى ، وبالحنفية طوراً ، وبالزيدية مرّة ، وفي القاذفين من يحمل عليه حقداً يريد تشويه سمعته بكل ما توحي إليه ضغاينه...الخ .
(3) ورد عجزه في بعض النسخ : فقلت خير الملأ الاّتين والاُول .
(4) في بعض النسخ : هذا القرم ، وفي المناقب : الفرد .
(5) في المناقب وبعض النسخ : سِمْهُ ، وفي بعضها : صِفْهُ .
(6) ديوان الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، ص 38 ـ 47 ، الغدير للاَميني : ج 4 ص 40 ـ 41 ، بتفاوت ، كما ورد منها البيتان 26 و 27 في المناقب لابن شهر أشوب : ج 1 ص 99 ، والاَبيات 26 و 28 ـ 43 و 45 ـ 57 في المناقب : ج 2 ص 68 ـ 69 . والجدير بالذكر إنه يوجد للامية الصاحب بن عباد عدة نسخ خطية ـ كما ذكر ذلك العلامة المحقّق الشيخ محمد حسن آل ياسين محقق ديوان الصاحب بن عباد في ص 16 ـ 17 جزاه الله خير الجزاء ، ولا بأس بالاشارة إليها ، وهي : 1 ـ نسخة دار الكتب المصرية في القاهرة ، برقم (16 ش تاريخ) وتقع في ثلاث صفحات ، وأسماها مفهرس دار الكتب (المنظومة الفريدة) وجاء في آخرها تمت وبالخير عمت ، الفريدة المشتملة على أفضل كل عقيدة ، رحم الله منشئها ، وغفر لكاتبها ، وكان الفراغ من زبرها ليلة الاَحد عاشور محرم الحرام سنة تسع وثمانين [وألف] .
 

2 ـ نسخة ايطاليا المحفوظة بالمكتبة الاَمبروزيانية في ميلانو ، ضمن مجموعة برقم (74 (ب) وآثار القدم بارزة عليها .
 

3 ـ شرح هذه القصيدة للقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد البهلولي اليماني ، وقد عُثر منها على نسختين : الاُولى ، نسخة المكتبة الامبروزيانية بميلانو ـ ايطاليا تحت رقم (205 س) في (21) ورقة ، وعليها تملك تاريخ 1113 هـ . الثانية ، نسخة الخزانة التيمورية بالقاهرة، تحت رقم (380 مجاميع) في (14) ورقة ، وليس في آخرها تاريخ .

العودة